المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

النظر في مال الأيتام والأمور المختصة ببيت المال وكتب لهم - ذيل مرآة الزمان - جـ ٢

[اليونيني، أبو الفتح]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البند قداري

- ‌ ذكر دخول التتر إلى الشام

- ‌ واندفاع عسكر حلب وحماة بين أيديهم

- ‌فصل

- ‌ذكر بدايته

- ‌نبذة من كراماته

- ‌ ذكر قطبيته رحمه الله

- ‌ذكر أدب الملوك والوزراء بين يديه

- ‌السنة التاسعة والخمسون وستمائة

- ‌متجددات الأحوال في هذه السنة

- ‌ذكر انتزاع دمشق من يد الأمير علم الدين الحلبي

- ‌ذكر نزوح التتار عن حلب وما حدث بعد نزوحهم

- ‌ذكر وصول المستنصر بالله إلى القاهرة ومبايعته

- ‌باب في مبايعته

- ‌نسخة التقليد

- ‌ذكر ولاية الأمير علم الدين الحلبي نيابة السلطنة بحلب

- ‌ذكر أخذ البرلي البيرة وعوده إلى حلب

- ‌ذكر وصول ولدي صاحب الموصل إلى القاهرة

- ‌ذكر توجه الخليفة والسلطان إلى الشام

- ‌ وأولاد صاحب الموصل

- ‌ذكر مصاهرة الخزندار المواصلة

- ‌ذكر وصول الخليفة والسلطان إلى

- ‌دمشق وخروج الخليفة منها

- ‌ذكر توجه الخليفة إلى العراق

- ‌ ذكر القبض على علم الدين الحلبي

- ‌ذكر خروج الأمير شمي الدين البرلي والعزيزية من دمشق على حمية

- ‌واستيلائهم على حلب

- ‌ذكر بيعة المستنصر بالله أبي القاسم أحمد بمصر

- ‌ذكر تبريز الملك الظاهر والخليفة للمسير إلى الشام

- ‌فصل

- ‌ذكر سيرة الملك الناصر

- ‌رحمه الله

- ‌السنة الستون وستمائة

- ‌ذكر عود البرلي إلى حلب وخروجه عنها

- ‌ذكر ما آل إليه أمر أولاد صاحب الموصل

- ‌بعد فراقهم المستنصر بالله

- ‌ذكر حصار الموصل

- ‌ذكر استيلاء التتر على الموصل

- ‌وقتل الملك الصالح صاحبها

- ‌ذكر رسل الملك الظاهر إلى السلطان عز الدين

- ‌صاحب الروم

- ‌ذكر الخلف الواقع بين هولاكو وبركة

- ‌فصل

- ‌فيها درج إلى رحمة الله تعالى الإمام المستنصر بالله

- ‌السنة الحادية والستون وستمائة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى الشام

- ‌وقبضه على الملك المغيث صاحب الكرك

- ‌حرب جرت بين بركة وهولاكو

- ‌فصل وفيها توفي

- ‌السنة الثانية والستون وستمائة

- ‌متجددات السنة

- ‌ فصل

- ‌السنة الثالثة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر قبض الملك الظاهر على سنقر الأقرع

- ‌فصل

- ‌السنة الرابعة والستون وستمائة

- ‌مجددات الأحوال

- ‌ فصل

- ‌السنة الخامسة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌فصل

- ‌السنة السادسة والستون وستمائة

- ‌ذكر خلاص الأمير شمس الدين سنقر الأشقر

- ‌ذكر قطيعة قررت على بساتين دمشق

- ‌ذكر أخذ مالك بن منيف المدينة الشريفة

- ‌السنة السابعة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ ذكر ما تجدد في هذه السنة من حوادث بلاد الشمال والعجم

- ‌فصل

- ‌السنة الثامنة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر كسرة أبغا لبرق

- ‌ذكر المصاف

- ‌فصل

- ‌السنة التاسعة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌ذكر دخول آجاي بن هولاكو وصمغرا

- ‌صحبته إلى بلاد الروم

- ‌فصل

- ‌السنة السبعون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى حلب

- ‌ذكر وصول رسل التتر إلى الملك الظاهر

- ‌فصل

الفصل: النظر في مال الأيتام والأمور المختصة ببيت المال وكتب لهم

النظر في مال الأيتام والأمور المختصة ببيت المال وكتب لهم تقاليد وخلع عليهم ثم فعل ذلك في الشام.

وفي هذه السنة أحضر بين يدي الملك الظاهر نعجة قد ولدت خروفاً على صورة الفيل له خرطوم طويل وأنياب.

وفيها قوي اهتمام الملك الظاهر بتمام عمارة الحرم الشريف النبوي وجهز الأخشاب والحديد والرصاص ومن الصناع ثلاثة وخمسين رجلاً وما يمونهم وأنفق فيهم قبل سفرهم وبعث معهم جمال الدين محسن الصالحي وشهاب الدين غازي بن فضل اليغموري مشداً والرضى ناظراً ومجير الدين أحمد بن أبي الحسين بن تمام طبيباً ومعه أدوية وأشربة، وكان سفرهم في سابع عشر شهر رجب فوصلوا المدينة في ثاني عشر شوال وأخذوا في العمارة وكلما عازهم شيء من الآلات والنفقات سير إليهم من الديار المصرية ودامت العمارة إلى سنة سبع وستين.

‌فصل

وفيها توفي إبراهيم بن عبد الملك بن يونس المعروف بمريد الله الشيخ الصالح وهو ابن أخت سيدنا الشيخ عبد الله اليونيني الكبير قدس الله روحه أدركه وصحبه وانتفع به وسافر إلى البلاد وعاد إلى بعلبك وسكن زاوية أنشأها مقاربة لتربة خاله الشيخ عبد الله رضي الله عنه ظاهر بعلبك وتوفي بها في ثاني عشر ذي الحجة ودفن بحريمها رحمه الله وقد نيف على سبعين سنة وكان حسن المجالسة كثير النقل عن المشايخ والفقراء كريم الأخلاق معاتقاً للفقراء متوفراً على العبادة

ص: 325

رحمه الله قال كتب في هذه السنة سهواً ووفاته في التاريخ المذكور من الشهر في سنة أربع وستين وستمائة.

إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن علي بن محمد بن يحيى ابن علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسين بن القاسم بن الوليد بن القاسم ابن الوليد بن أبان بن أمير المؤمنين عثمان رضوان الله عليه أبو إسحاق معين الدين القرشي الأموي، مولده في السابع والعشرين من ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة بدمشق، سمع الكثير وكتب بخطه ولم يزل يسمع ويكتب إلى أن توفي فجأة بدمشق في ثامن ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون، وكان عدلاً مبرزاً فاضلاً متيقظاً حسن الخط من بيت العلم والقضاء والتقدم والرئاسة رحمه الله.

حمزة بن محمد بن حمزة بن الحسين بن حمزة أبو يعلي محي الدين البهراني الحموي الشافعي تولى الحكم بحماة مدة وكان فاضلاً سمع وحدث وتوفي بحماة رحمه الله تعالى ولي القضاء بحماة سنة اثنتين وأربعين وستمائة وعزل عنه سنة اثنتين وخمسين.

خال بن يوسف بن سعد بن الحسن بن مفرج بن بكار أبو البقاء زين الدين النابلسي الشافعي مولده بنابلس سنة خمس وثمانين وخمسمائة، سمع الكثير وحفظ من غريب الحديث جملة وقطعة جيدة من المختلف والمؤتلف من أسماء الرواة وحصل كتباً حسنة وأصولاً جيدة كان فاضلاً وتوفي في سلخ جمادى الأولى بدمشق ودفن من يومه بمقابر باب الصغير رحمه الله.

ص: 326

عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين بن أحمد بن سليمان أبو محمد نظام الدين الحميري الدمشقي المعروف بابن البانياسي كان من العدول الأعيان بدمشق ومولده في منتصف ربيع الأول سنة تسع وسبعين وخمسمائة سمع من أبي طاهر الخشوعي وحنبل بن سكينة وغيرهم وحدث بدمشق وبينه مشهور بالحديث والرئاسة والتقدم وتوفي إلى رحمة الله في شهر صفر ببستانه بكفر سوسة ظاهر دمشق ودفن بسفح قاسيون عثمان بن عبد الوهاب بن يوسف بنمعالي أبو عمرو شرف الدين التغلبي المعروف بابن السائق كاتب الحكم العزيز بدمشق مولده في ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بدمشق سمع من الكندي وغيره وحدث وكان من العدول الأعيان المبرزين، وله صدقة وبر ومعروف وعنده ديانة وافرة وخطه حلو ومحاضرته حسنة ولديه فضيلة وتوفي بدمشق في مستهل شعبان وقيل في خامسه ودفن بسفح قاسيون رحمه الله.

فتح بن موسى بن حماد بن عبد الله بن علي بن يوسف أبو نصر نجم الدين الأموي المعروف بالقصري ولد في رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة بالجزيرة الخضراء من بلاد الأندلس ونقله والده إلى قصر ابن عبد الكريم المعروف بقصر كتامة وعمره مقدار خمس سنين فنشأ

ص: 327

بالقصر فلهذا نسب إليه ولما بلغ خمس عشرة سنة عاد إلى الجزيرة الخضراء واشتغل بها في النحو، ثم عاد إلى القصر وورد عليهم الشيخ أبو موسى عيسى الجزولي صاحب المقدمة فقرأها عليه سماعاً لا بحثاً في القصر ثم سافر بعد ذلك إلى بلاد الشرق في سنة سبع وستمائة فوصل إلى إفريقية وأقام بها مدة في تونس ثم توجه إلى الديار المصرية ثم انتقلالى الشام في سنة عشر وستمائة واشتغل بحماة علىالشيخ سيف الدين الآمدي رحمه الله بالأصولين والخلاف ثم انتقل إلى بلاد الشرق وتولى التدريس بمدرسة الأمير عماد الدين ابن المشطوب رحمه الله التي بمدينة رأس عين سنة سبع عشرة وستمائة وأقام بها سنين كثيرة ثم تولى وكالة بيت المال لما ملك الكامل رحمه الله بلاد الشرق ونظم كتاب المفصل للزمخشري وكتاب الإشارات للرئيس أبي علي بن سينا ولما انفصل إلى الديار المصرية نظم بها سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألف بيت وكلها على حرف الراء وله عدة تواليف وتولى التدريس بالمدرسة الفائزية بمدينة سيوط زماناً ثم تولى القضاء بها أيضاً وكان دخوله إلى الديار المصرية في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة وتوفي يوم الأحد رابع جمادى الأولى من السنة بسيوط من صعيد مصر رحمه الله قال قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله أنشدني لنفسه بقلعة

ص: 328

الجبل من الديار المصرية في يوم السبت الرابع من شهر رجب سنة تسع وخمسين وستمائة بيتين كتبهما من حلب إلى بعض أصدقائه برأس عين وهما:

حلب مذ حللتها حل فيها

عين رأسي والقلب في رأس عين

هي في القلب لا بل القلب فيها

جمع الله بين قلبي وعيني

فراس بن علي بن زيد بن معروف بن أحمد بن مهنا أبو العشائر نجيب الدين الكناني العسقلاني الأصل الدمشقي المولد والدار والوفاة، مولده في ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، سمع من الخشوعي والكندي وغيرهما وكان من العدول الأعيان ذوي الثروة واليسار، والوجاهة والرئاسة وتوفي في الخامس والعشرين من شعبان ودفن بمقابر باب الصغير ظاهر دمشق رحمه الله.

محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبد الله بن أحمد أبو عبد الله القسطلاني التوزري المولد المكي الدار والوفاة المالكي المذهب إمام حطيم المالكية بمكة شرفها الله تعالى ومولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة سمع من أبي حفص عمر بن محمد بن الهروروي وغيره وحدث وكان شيخاً صالحاً عالماً فقيهاً فاضلاً له نظم جيد وتوفي بمكة شرفها الله تعالى في الثامن والعشرين من شوال ودفن من الغد بالمعلى رحمه الله.

محمد بن الحسين بن علي المعروف بابن امرأة الشيخ علي الفرنثي

ص: 329

رحمه الله كان شيخاً صالحاً حسناً مليح الشكل حلو المحادثة سليم الصدر علي آثار الخير والصلاح بادية زاويته بسفح قاسيون على نهر يزيد من أحسن الزوايا وأنضرها وفي جانبها الشرقي قبة بها ضريح الشيخ علي الفرنثي وكن والده رحمه الله يحب الشيخ محمد ويؤثره وبنى في زاويته المذكورة مكاناً يختص به على النهر ولما نزل دمشق في شهور سنة خمس وخمسين وستمائة صعد إلى مكانه الذي بناه بالزاوية وأقام به أياماً وحضر السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف إلى زيارته وهو به وكان الشيخ محمد كثير التردد إلى بعلبك لزيارة والدي والاجتماع به وتوفي الشيخ محمد المذكور في الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول في زاويته ودفن بها وهو في عشر الثمانين رحمه الله وخلف أولاداً جماعة درجوا إلى رحمة الله عن أخرهم وآخر من توفي منهم أحمد في أول سنة تسعين بظاهر عكا.

موسى بن يغمور بن جلدك بن يلمان بن عبد الله أبو الفتح جمال الدين مولده في جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالقرية قرية بالقرب من سمنهود من أعمال قوص وهو ياروقي الأصل سمع من جماعة وحدث وتوفي في مستهل شعبان بالقصير من أعمال الفاقوسية بين الغرابي والصالحية وحمل إلى تربة والده بسفح

ص: 330

المقطم فدفن بها في رابع الشهر المذكور وكان أميراً كبيراً عظيماً رئيساً عالماً فاضلاًُ جليل المقدار خبيراً حازماً ساوساً مدبراً جواداً ممدحاً تنقلت به الأحوال وهذبته الأيام وأحكمته التجارب وناب بالديار المصرية في الأيام الصالحية النجمية مدة ثم نقله إلى الشام وجعله نائب السلطنة به فأقام بدمشق إلى أن توفي الملك الصالح نجم الدين وقدم الملك المعظم توران شاه ولده دمشق وتوجه منها إلى الديار المصرية وقتل على ما هو مشهور وتقرر الملك المعز بالديار المصرية فراسله في موافقته فلم يجبه وبقي بدمشق إلى أن قدمها الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله وملكها فاعتمد عليه في سائر أموره وكان هو أمير الدولة ومشيرها وله عند الملك الناصر المكانة العالية والمرتبة الرفيعة ولم يكن في أمراء الجولة من يضاهيه في منزلته ومكانته وقربه ومحله إلا الأمير ناصر الدين القيمري رحمه الله وكان الأمير جمال الدين من رجال الدهر عقلاً وحزماً وسداداً وحشمة وله الآراء الثاقبة والفراسة الصائبة وأنعامه وأصل إلى الأمراء والفقراء والرؤساء وكان بينه وبين والدي رحمه الله مودة كبيرة ومكاتبات في حال الغيبة وكان في الدولة الناصرية كثير البر والإحسان إلى الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فلما أفضت السلطنة إليه أعرض عنه بعض الأعراض ثم أقبل عليه ورعى له سالف خدمته وعظم قدره وجعله أستاذ داره وفوض اله أموراً كثيرة لعلمه بكفايته وعظم غنائه ولم يزل على ذلك

ص: 331

إلى أن درج إلى رحمة الله تعالى كما ذكرنا.

يوسف بن الحسن بن علي أبو المحاسن بدر الدين السنجاري الزرزاري كان رئيساً جليلاً جواداً ممدحاً موصوفاً بالكرم والرئاسة لا ينازع في ذلك وتنقلت به الأحوال فكان في أول أمره بسنجار وتلك البلاد المشرقية وكان له عند الملك الأشرف مظفر الدين أبي الفتح موسى بن الملك العادل رحمه الله مكانة ووجاهة فلما ملك دمشق وما معها ولاه القضاء ببعلبك ومضافاتها وهي البقاع البعلبكي والبقاع العزيزي والزبداني والجبال فكان القضاة في هذه النواحي نوابه ومن قبله ويكتب له في إسجالاته قاضي القضاة ووقفت على كثير من إسجالاته لما كان متولياً ببعلبك وكنيته فيها أبو العز وكان مع صغر ولايته بالنسبة إليه يسلك من التجمل وكثرة المماليك والحاشية والدواب وحسن الزي ما لا يسلكه وزير الممالك الكبار فضلاً عن قضاتها ثم عاد إلى سنجار.

فلما مات الملك الكامل خرجت الخوارزمية عن طاعة ولده الملك الصالح فتوجه إلى سنجار فطمع فيه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وحصره فيها ولم يبق إلا أن يتسلمها ويأخذ الملك الصالح أسيراً ويتملك البلاد الشرقية بأسرها وكان بدر الدين قاضي سنجار إذ ذاك فأرسله الملك الصالح وهو محصور بها إلى الخوارزمية لصلح بينه وبينهم ويستميلهم إليه ويستدعيهم لنصرته فخرج من سنجار سراً

ص: 332

بحيث لا يشعر به المحاصرون للبلد وخاطر بنفسه وركب الأهوال في ذلك ومضى إلى الخوارزمية فاستمالهم وطيب قلوبهم ووعدهم الوعود الجميلة بعد أن كانوا قد اتفقوا مع صاحب ماردين وقصدوا بلاد الملك الصالح واستولوا على الأعمال ونازلوا حران فأجفل أهلها.

وكان بقلعة حران الملك المغيث ابن الملك الصالح نجم الدين فخاف منهم فسار مختفياً نحو قلعة جعبر وطلبه الخوارزمية ونهبوه ومن معه وأفلت في شرذمة من أصحابه ووصل إلى منبج ثم عاد إلى حران ووصله كتاب أبيه يأمره بموافقة الخوارزمية وإرضائهم فاجتمع بهم أيضاً القاضي بدر الدين والتزم لهم القاضي بدر الدين أن يقطعوا حران والرها وغيرهما من البلاد الجزرية وحلفهم القاضي بدر الدين للملك الصالح نجم الدين وأشملوا على خدمة ولده الملك المغيث.

ولما اتفق الحال مع الخوارزمية ساروا معه ومع الملك المغيث قاصدين سنجار ومقدمهم الأمير حسام الدين بركة خان فلما سمع صاحب الموصل ومن معه قربهم أفرجوا عن سنجار وأدركتهم الخوارزمية فأوقعوا بهم وهرب صاحب الموصل واحتوت الخوارزمية على خيمه وأثقاله ونهبوا من ذلك ما لا يحصى وكان الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح بآمد معه الأمير حسام الدين بن أبي علي الهذباني وعلى آمد عسكر السلطان غياث الدين صاحب الروم وقد أخذ بعض قلاعها فقصدهم الخوارزمية وواقعوا بعض عسكر الروم فانهزم الباقون عن آمد ولم ينالوا منها غرضاً فقلد القاضي بدر الدين بفعلته هذه للملك

ص: 333

الصالح نجم الدين منة عظيمة وأوجب عليه حقوقاً رعاها له ثم إن الملك الصالح عماد الدين سير القاضي بدر الدين وكان قدم الشام فجهزه في رسالة عنه إلى صاحب الروم فلما عاد بلغه خروج الملك الصالح نجم الدين من الاعتقال بقلعة الكرك وتملكه الديار المصرية فخاف على نفسه من تخيل الملك الصالح عماد الدين منه لما يتحققه من ميله إلى جهة الملك الصالح نجم الدين فجهز إليه جواب الرسالة وأقام بحماة لكون صاحبها الملك المظفر مع الملك الصالح نجم الدين ومبايناً للملك الصالح عماد الدين ثم توجه في سنة ثمان وثلاثين من حماة إلى طرابلس وركب في البحر إلى الطينة وحصل له مرض يئس منه ثم أبل ودخل الديار المصرية فسر به الملك الصالح نجم الدين وأكرمه غاية الإكرام وجازاه على يده عنده وكان القاضي شرف الدين بن عين الدولة قاضي الإقليم بكماله فأفرد عنه مصر والوجه القبلي وفوضه إلى القاضي بدر الدين وأبقى القاهرة والوجه البحري مع شرف الدين بن عين الدولة وكان عنده في أعلى المراتب ونقله إلى القاهرة والوجه البحري بعد وفاة القاضي شرف الدين وكان الأمير فخر الدين يوسف بن الشيخ رحمه الله يكره القاضي بدر الدين فكتب مرة إلى الملك الصالح نجم الدين كتاباً يغض من القاضي بدر الدين فيه وينسبه إلى أنه يأخذ من نوابه بالأطراف أموالاً يحملونها إليه وأنه إذا عدل شاهداً أخذ منه مالاً وأشباه ذلك فلما وقف الملك الصالح على كتاب الأمير فخر الدين كتب

ص: 334

إليه بخطه على رأس كتابه ما معناه يا أخي فخر الدين للقاضي بدر الدين على حقوق عظيمة لا أقوم بشكرها والذي قد تولاه قليل من حقه وما قمت له بما يجب على من مكافأته فلما وقف الأمير فخر الدين على ذلك لم يعاوده في قضيته وترك الورقة في جملة من أوراق عنده فلما استشهد بالمنصورة وخلف بنتاً صغيرة احتيط على ما في داره فوجدت الورقة في أوراقه فحملها نواب الأيتام إلى القاضي بدر الدين فكان يوقف عليها بعض من يدخل إليه من الأعيان.

وبالجملة فلم يزل في المناصب فإنه ولي سنجار وتلك النواحي ثم ولي بعلبك وأعمالها ثم عاد إلى سنجار ثم قدم الديار المصرية فولي مصر والوجه القبلي مرة والقاهرة والوجه البحري تارة وجمع له الإقليم بكماله وولى تدريس المدرسة الصالحية النجمية التي بين القصرين للطائفة الشافعية مدة وباشر وزارة الديار المصرية مدة وكان في حال تولية الحكم يشارك في الأمور المتعلقة بالدولة ويشاور فيها ويرجع في معظمها إلى رأيه ولم يزل ينتقل في المناصب الجليلة والولايات الحظيرة إلى أوائل الدولة الظاهرية صرف عن ذلك فلزم منزله والناس يترددون إلى خدمته والأعيان يعترفون بتقدمه ورئاسته وحرمته وافرة عند أرباب الدولة ومحله عظيم عند الخاص والعام ومكارمه مشهورة عند سائر الأنام وكان كثير الإحسان وافر العطاء جميل الصفح عن الزلات وإقالة العثرات ورعاية الحقوق والمودات مقصداً لمن يرد إليه من الفقهاء والفضلاء وذوي البيوتات وحج سنة اثنتين وخمسين سافر على

ص: 335