الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وفيها توفي إبراهيم بن عيسى بن يوسف أبو إسحاق المرادي الأندلسي. كان فاضلاً عالماً عابداً ورعاً وافر الديانة كثير الضبط والتحقيق لما يكتبه سمع وحدث وباشر إمامة المدرسة الباذرانية بدمشق مدة وحصل كتباً جيدة نفيسة ووقفها على من ينتفع بها من المسلمين وجعل نظرها إلى علاء الدين محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق المعروف بابن الصائغ رحمه الله، وكانت وفاة الشيخ أبي إسحاق المذكور بالديار المصرية في ليلة الخامس من ذي الحجة ودفن من الغد بالقرافة الصغرى بالقرب من تربة الإمام الشافعي رضي الله عنه وهو في عشر السبعين رحمه الله.
إبراهيم بن
…
أبو زهير المباحي كان يجني المباح من جبل لبنان وغيره ويتقوت به ولم يزل على ذلك إلى أن أقعد في آخر عمره فانقطع في مغارة ظاهر باب دمشق من مدينة بعلبك يتعبد بها إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى ليلة الثلاثاء رابع وعشرين جمادى الأولى وقد نيف على المائة سنة، وكان رجلاً صالحاً متعبداً سليم الصدر جداً ودفن بمغارته رحمه الله.
أحمد بن عبد الواحد بن مري بن عبد الواحد أبو العباس تقي الدين المقدسي الحوراني مولده في نصف صفر سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة سمع وحدث وكان من المشايخ الصلحاء العلماء الزهاد العباد الجامعين بين العلم والدين والفضيلة والزهد في الدنيا وأهلها وعنده جد واجتهاد
وقوة نفس وإقدام وتجرد وانقطاع ومعرفة بطريق القوم وكانت وفاته في شهر رجب بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن بها رحمه الله.
إيدمر بن عبد الله الأمير عز الدين الحلي الصالحي النجمي كان من أكابر أمراء الدولة وأعظمهم محلاً عند الملك الظاهر وكان نائب السلطنة عنه بالديار المصرية في حال غيبته عنها لوثوقه به واعتماده عليه وسكونه إليه وكان قليل الخبرة لكن رزق من السعادة ما مشى أموره وكان محظوظاً في الدينا له الأموال الجمة والمتاجر الكثيرة والأملاك الوافرة وأما ما خلف من الخيول والجمال والبرك والعدة فيقصر الوصف عنه، وكانت وفاته بقلعة دمشق في ويوم الخميس سابع شعبان ودفن بتربته بسفح قاسيون جوار مسجد الأمير جمال الدين موسى بن يغمور رحمه الله وقد نيف على الستين من العمر رحمه الله.
الحسن بن علي بن أبي نصر ابن النحاس أبو البركات شهاب الدين الحلبي المعروف بابن عمرون منسوب إلى جهة الأم التاجر المشهور كانت له نعمة ضخمة ومتاجر كثيرة وأموال عظيمة وحرمته وافرة ومكانته عند الملك الناصر صلاح الدين يوسف وسلفه وأكابر أمراء الدولة عظيمة ومنزلته لديهم رفيعة، ولما ملك الملك الناصر دمشق كان المذكور إذا قدم عليه بالغ في إكرامه وتلقيه وإقامة حرمته وإنزاله في أجل الأماكن وترتيب الإقامة له مدة مقامه وسائر أرباب الدولة يعاملونه بما يناسب ذلك ولما استولى التتار على حلب سنة ثمان وخمسين
لم يتعرضوا لداره وما يجاورها من الدرب جملة كافية كأنه ضمن لهم مبلغاً كثيراً على أن يحموها من النهب ففعلوا وآوى إليها والي دربه من أهله حلب وغيرهم ومن الأموال ما لا يحصى كثيرة فشملت السلامة لذلك جميعه وقام لهم بما كان التزمه من صلب ماله ولم يستعن على ذلك بما لأحد ممن آوى إليه فكانت هذه مكرمة له وتمزق معظم أمواله وخربت أملاكه وبقي معه اليسير بالنسبة إلى أصل ماله فتوجه به إلى الديار المصرية في أوائل الدولة الظاهرية فلزمه مغرم عظيم للسلطان أتى على قطعة وافرة مما تبقى معه واستوطن ثغر الإسكندرية إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى بالإسكندرية في بوم الجمعة ثالث وعشرين شعبان ودفن هناك رحمه الله وقد نيف على الثمانين سنة بقريب ثلاث سنين وكان عنده رياسة وسعة صدر وكرم طباع يسمح ما تشح أنفس التجار ببعضه إطلاقاً وقرضاً وأكابر الحلبيين يعرفون رئاسته وتقدمه لا ينكرون ذلك، وأبو نصر المذكور هو فيما أظن محمد بن الحسين بن علي ابن النحاس الحلبي كاتب تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس وهو صاحب المكاتبة إلى سديد الملك بن منقذ صاحب شيزر.
وشرح الحال في ذلك أن سديد الملك أبا الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني كان يتردد إلى حلب قبل تملكه شيزر وصاحب حلب يومئذ محمود المذكور فجرى أمر خاف سديد الملك على نفسه منه فخرج من حلب إلى طرابلس الشام وصاحبها يوم ذاك جلال الملك بن
عمار فأقام عنده فتقدم محمود بن صالح إلى كاتبه أبي نصر محمد المذكور أن يكتب إلى سديد الملك كتاباً يشوقه ويستعطفه ويستدعيه إليه ففهم الكاتب أنه يقصد له شراً وكان صديقاً لسديد الملك فكتب الكتاب كما أمر إلى أن بلغ إلى أن شاء الله تعالى فشدد النون وفتحها فلما وصل الكتاب إلى سديد الملك عرضه على ابن عمار ومن بمجلسه من خواصه فاستحسنوا عبارة الكتاب واستعظموا ما فيه من رغبة محمود فيه وإيثاره لقربه فقال سديد الملك إني أرى في الكتاب ما لا ترون ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال وكتب في جملة الكتاب أنا الخادم المقر بالأنعام وكسر الهمزة من أنا وشدد النون فلما وصل الكتاب إلى محمود ووقف عليه الكاتب سر بما في هذا وقال لأصدقائه قد علمت أن الذي كتبته لا يخفى على سديد الملك وقد أجاب بما طيب نفسي وكان الكاتب قد قصد قول الله تعالى: " إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك " فأجاب سديد الملك بقوله تعالى: " إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها " فكانت هذه معدودة من تيقظ الكاتب وفهمه تيقظ سديد الملك ابن منقذ أيضاً وإفراط ذكائه وفطنته وكلاهما غاية في ذلك وابن منقذ أشد فطنة في هذا الموطن والله أعلم.
سليمان بن داود بن موسك أبو الربيع الروادي الهذباني أسد الدين ابن الأمير عماد الدين بن الأمير عز الدين من بيت الإمرة والتقدم والاختصاص بالملوك كان والده عماد الدين أخص الناس بالملك الأشرف ابن العادل وأظن بينهما قرابة من جهة النساء وجده الأمير عز الدين
موسك كان من أكابر أمراء صلاح الدين وذوي المكانة عنده وله به اختصاص عظيم وقرب كثير موصوف بالكرم والفطنة أما كرمه فمشهور لم يخيب مؤمله بل ينوله مقصوده بما له وجاهة، وأما فطنته فحكى لي عنه أن ركن الدين محمد الوهراني المشهور كان قدم الديار المصرية في الأيام الصلاحية وتعرض للأمير عز الدين مسترفداً له فأمر له بشيء لم يرضه فحضر مجلس الأمير عز الدين أحفل ما يكون وقال يا مولانا قد احتجت أن أحلق رأسي في هذه الساعة واشتهى أن تأمر بعض الطشت دارية أن يحلقه بحضرتك فأمر بذلك فلما حضر الحلاق فهم الأمير عز الدين ما أراد بذلك فقال لبعض مماليكه أعطه مائة دينار وقال له يا ركن الدين أحلق بها رأسك غير هنا فأخذها وانصرف وهو شاكر فقال بضع الحاضرين للأمير عز الدين في ذلك فقال أراد أن الحلاق إذا حلق يقول له يا مهتار موسك نجس فيشتمنا في وجوهنا بحضوركم فافتدينا منه بهذه الدنانير فعرف بذكائه مراد الوهراني، وكان أسد الدين صاحب هذه الترجمة عنده فضيلة وله يد جيدة في النظم وترك الخدم وتزهد ولازم مجلس العلماء ولبس الخشن من الثياب وكان له نعمة عظيمة ورثها من أبيه فأذهب معظمها ولم يبق له إلا صبابة يسيرة تقوم بكفايته يقتنع بذلك إلى حيث توفي إلى رحمة الله تعالى بدمشق في يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن بسفح قاسيون ومولده بالقدس
الشريف في حدود سنة إحدى وستمائة أو ستمائة تقريباً رحمه الله ومن شعره:
ما الحب إلا لوعة وغرام
…
فحذار أن يثنيك عنه ملام
الحب للعشاق نار حرها
…
برد على أكبادهم وسلام
تلتذ فيه جفونهم بسهادها
…
وجسومهم إذا شفها الأسقام
ولهم مذاهب في الغرام وملة
…
أنا في شريعتها الغداة إمام
ولهم وللأحباب في لحظاتهم
…
خوف الوشاة رسائل وكلام
لطفت إشارتها ودقت في الهوى
…
معنى فحارت دونها الأفهام
وتحجبت أنوارها عن غيرهم
…
وجلت لهم أسرارها الأوهام
ومنها:
فأليك عذلي فإن مسامعي
…
ما للملام بطرقها إلمام
أيروم سلواني الوشاة بنصحهم
…
كلا وإن قعدوا لذاك وقاموا
أننا من يرى حب الحسان حياته
…
فألام في حب الحياة ألام
عزى إذا كان الحبيب يذلني
…
وتلذذي في الحب حين أضام
وألذ ما تلقى جفوني إنها
…
تمسي لنار الشوق ليس تنام
كلفي بمن حمل السلاح جوارحاً
…
فالقد رمح والجفون حسام
بدر ولكن لا يعاب بنقصه
…
شمس لها كللل النشور غمام
ومنها:
وإذا نظرت إلى بهاء جماله
…
شاهدت منه البدر وهو تمام
يفتر عن عطر لواضح دره
…
برق لإلهاب الغليل بسام
يحوي رضاباً كالسلاف مزاجها الريحان
…
والنسرين والنمام
وفيها:
متململ يرعى النجوم وتنطوي
…
أضلاعه الحرى وهن ضرام
عبد المجيد بن أبي الفرج بن محمد أبو محمد مجد الدين الروذراوري كان إماماً عالماً فاضلاً مفتناً حسن الشكل والملبس مليح العبارة فصيحاً عارفاً بأشعار العرب يحفظ من ذلك ما لا يحصى كثرة وخطه في غاية الجودة والصحة والحسن، وكان يديم تلاوة القرآن العزيز ودرس بالمدرسة الظاهرية ظاهر دمشق وبالمدرسة الأكزية وغيرها وكان وافر الفضيلة ولم يكن حظه من المناصب على مقدار فضيلته وسيره الملك الظاهر ركن الدين رحمه الله رسولاً إلى بركة ملك التتر فعرض له في الطريق من المرض ما منعه من التوجه فعاد بعد أن قطع مسافة عظيمة ولم يكن عقله المعاشي بذاك، وكانت وفاته في صفر بدمشق رحمه الله وهو في عشر السبعين وله نظم جيد لكنه منحط عن فضيلته فمن ذلك:
أهوى العقود لأنهن تألفا
…
يحكين در كلامك المنظوما
وأذم أرمد لا يعد لعينه
…
كحلاً تراب جنابك الملثوما
وأعد أمر المكرمات مشتتا
…
إن لم أجده بسعيه ملموما
وإذا أجلت الفكر في أخلاقه
…
لم تلق إلا روضة ونسيما
وقال:
نسيم الروض يشهبه أريجا
…
إذا ما فاح في أعلى الروابي
إذا ما ديمة هطلت علينا
…
ظننا جود كفك في السحاب
وقال:
ما عشت لا غيث السماح بمقلع
…
عنا ولا روض النجاح مصوح
تهمى فأنجاد الرجاء عشيبة
…
منه وأغوار الأماني طفح
وقال يهجو العز الضرير:
أعمى البصيرة والبصر
…
ضل السبيل وقد كفر
ذم الأفاضل ضلة
…
كالكلب إذا نبح القمر
فليعلمن إذا فغر
…
أني سألقمه حجر
وكان العز الضرير قد هجا الشيخ مجد الدين بالبيتين المذكورين في ترجمته.
علي بن أفسيس بن أبي الفتح بن إبراهيم أبو الحسن محي الدين الساوردي الأصل البعلبكي المولد والمنشاء الدمشقي الدار والوفاة كان صدراً رئيساً عاقلاً منفرداً فيما يعانيه من الحشمة والرئاسة وحسن الملبس والتأنق في المسكن والمأكل والمركب وغير ذلك وولي نظر الزكاة بدمشق مدة زمانية إلى حين وفاته وكان مشكور السيرة محبوباً إلى التجار تجلب إليه الأشياء المستظرفة من البلاد الشاسعة وله الحرمة الوافرة والكلمة المسموعة وكان كثير الصدقة والتلاوة للقرآن الكريم في كثير من الأوقات وعنده فضيلة وكلمة لينة وخلقه حسن وتوفي في ليلة الجمعة تاسع عشر ربيع الآخر بدمشق ودفن من الغد بجبل
قاسيون رحمه الله وقد جاوز ستين سنة من العمر، حدثني بعض الأعيان ممن كان يصحبه أنه وصى الدلالين على مشترى جارية تعرف صناعة الغناء فحضر إليه بعضهم وأخبره أن بحضور شخص من بغداد وهو من الزام بن كر ومعه جاريتين على الصفة المطلوبة فقال له أحضرهم فأحضر جارية واحدة فرآها وغنت فأعجبه غناؤها وهي لابسة بغلطاق طرح ثم سيرها وطلب الأخرى فحضرت وعليها ذلك البغلطاق بعينه فجعل يتأمله وسألها عنه فذكرت أن ليس لها سواه وأن أستاذهما يحبهما وإنما الضرورة حملته على عرضهما للبيع فسأل عن منزله وأخذ معه ألف درهم وعشر قطع قماش وتوجه بنفسه إلى منزل الرجل فسلم عليه وأعطاه ذلك فكسا الجواري واستغنى عن بيعهن ولم يشتر منه محي الدين رحمه الله شيئاً.
علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة أبو الحسن مجد الدين العشيري المنفلوطي الأصل والمولد القوصي الدار والوفاة المالكي المذهب مولده في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة تفقه على غير واحد منهم الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي وصحبه مدة سمع منه وحدث ودرس وأفتى وصنف وانتفع به الناس وكان أحد الأئمة العلماء جامعاً لفنون من العلم معروفاً بالصلاح والدين معظماً عند الخاصة والعامة مطرحاً للتكلف كثير السعي في قضاء حوائج الناس على سمت
السلف الصلاح وكانت وفاته في ثالث عشر المحرم رحمه الله.
غازي بن حسن بن.... أبو الحسن التركماني كان رجلاً متعبداً كثير الصيام منقطعاً في زاويته بقرية دورس ظاهر بعلبك ويحضر يوم الجمعة إلى بعلبك لشهود صلاة الجمعة بجامع بعلبك ويعود إلى زاويته، وكان سليم الصدر حسن الملقى وزعم أنه قد نيف على مائة سنة من العمر وكانت وفاته بزاويته المذكورة في نهار الأحد خامس وعشرين ذي الحجة ودفن بقرية دورس رحمه الله.
محمد بن عمر بن حسن بن علي بن محمد الخميل بن فرج بن خلف ابن قومس بن مزلال بن ملال بن أحمد بن بدر بن دحية بن خليفة الكلبي أبو الطاهر شرف الدين مولده في العشر الوسط من شهر رمضان سنة عشر وستمائة بالقاهرة سمع من أبيه الحافظ أبي الخطاب عمر بن دحية وغيره وتولى مشيخة جار الحديث الكاملية بالقاهرة مدة وحدث وكان فاضلاً وتوفي في الخامس والعشرين من شهر رمضان بالقاهرة دفن بالقرافة رحمه الله، وهذه النسبة نقلت من خط والده رحمه الله وذكر قاضي القضاة شمس الدين رحمه الله والده أبا الخطاب وساق نسبه لكنه قال فلان بن بدر بن أحمد بن دحية قال وكان يذكر أن أمه أمة الرحيم
بنت أبي عبد الله بن أبي البسام موسى بن عبد الله بن الحسين بن جعفر ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولهذا كان يكتب بخطه ذو النسبين دحية والحسين رضي الله عنهما كان أبو الخطاب المذكور من أعيان العلماء ومشاهيرهم متقناً لعلم الحديث وما يتعلق به عارفاً النحو واللغة وأيام العرب وأشعارها، اشتغل بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلامية ولقي بها علماءها ثم رحل إلى بر العدوة ودخل مراكش واجتمع بفضلائها ثم ارتحل إلى إفريقية ومنها إلى الديار المصرية ثم إلى الشام والشرق والعراق ودخل عراق العجم وخراسان ومازندران وإربل وغيرها ومولده مستها ذي القعدة سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتوفي يوم الثلاثاء الرابع عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بالقاهرة ودفن بسفح المقطم رحمه الله واختلف في سنة مولده أما الشهر فلا خلاف فيه وكان أخوه أبو عمرو عثمان بن الحسن أسن منه وكان حافظاً للغة العرب قيماً بها وعزل الملك الكامل أبا الخطاب عن دار الحديث التي أنشأها بالقاهرة ورتب أخاه المذكور مكانه فلم يزل بها إلى أن توفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وستمائة بالقاهرة ودفن بسفح المقطم، وله رسائل استعمل فيها حوشي اللغة.
ووقع لي رسالة بخط منشئها لا أعلم هل هو أبو الخطاب أو أبو عمر نسختها: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً: المملوك الداعي ابن دحية كان رسول الله عليه وسلم إذا جاءه أمر يسر به وسربه خر لله ساجداً رواه الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني والعتكي بعده في حديث الشفاعة الصحيح قال فأخر لله ساجداً قدر جمعة لم يخرج مسلم ولا البخاري هذه الزيادة وهي زيادة صحيحة وفيها الرد على أبي حنيفة ومالك في أنهما لا يجيزان سجود الشكر وما أدري لأي شيء قالوا ذلك والحديث مشهور رواه الترمذي والسجستاني والنسائي وجماعة غيرهم وأما زيادة حديث الشفاعة قدر جمعة فلم يروها سوى أحمد بن حنبل والعتكي وقد وافقنا السنة وفعلنا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وشكرنا الله شكراً رغداً كما قال تعالى: " فكلا منها رغداً حيث شئتما " أي دائماً لا ينقطع وذلك لما اتصل لنا من عقابيل ما كان ألم الغطريف وهو السيد العظيم السلطان الكامل الكبار الهميسع الصنديد الصنتيت الجلواخ العيذاق الهلقام اللهموم والجحجاح الوحواح وواجب علي الأخرواط في منسبان الدعاء والشكر لله عز وجل فيما أزل إلى الناس أجمعين أكتعين أبصعين، بما مره عليه من الأطرغشاش والأبرعشاش والإبلال والقشقشة فأصبح صمجمجاً عنطنطا عنسطا صملاً عرداً حبعثتا سبعطريا ما به ظبظاب
ولا قلبه كأنما قد سيره قد مصح الله عنه العقابي وعرطن عنه العصاويد ومذ بلغتني شكاته لم يزل الدعاء له هجيراي وقد كنت فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه وزاد الترمذي حتى الهم يهمه إلا كفر الله عنه، وفي الموطأ وما يدريك لعل الله ابتلاه بمرض يكفر عنه من سيئاته وفي الحديث الغريب ما من مسلم ينشط من مرضه إلا كان كيوم ولدته أمه عطلاً من الذنوب:
أحمد رباً ساقني اليكا
…
وأنا أمشي الدألا اليكا
وكنا في هذه المدة ننظر في جنح الكافر الزبرقان فنظنه حواري وننظر العتم فنظن ذلك زغنجا وما أدري لأي شيء أنكر أبو عبيد لفظه الزعيج وقال ما أظنه من كلام العرب وقد حكاه الفراء عن العرب وهو ثقة فقال ثعلب عن يونس النحوي عن أبي عبيدة عن العرب الزغنج الزيتون والزغنج الحسن من كل شيء وقد أصاب الفراء رحمه الله في ذلك: وكنت عبداً للأنام أخضعا والأخضع الذليل، والأنام البشر وكنت لا أقدر على النوم أجأر إلى الله بالدعاء في كل توة من الليل حتى كان بالأمس جاء الفرج بالرش والهنيدة وافى ذلك يوم الميعاد والناس قد إذ لعبوا من كل أوب وإتلأبوا من كل سقع قد عطل بهم النتاج والباج لم يفرنقعوا عني فسدلت علي السب السابري ولذت
الشوذة وسدلت السدوسي وقعدت القرفصاء وأهبنقعت وأخزأللت وارجحننت وأكمخت وتجهضمت ورفعت عقيرتي بالدعاء بوجأة صهصلق وللتأدي بالتأمين عجيج فللقد أغنيت وأقنيت وجعلتني من الأحرار وكنت مملكاً وقنجلاً وكل أحد من البرشاء جاء بمتنخة يضربني بها لحقه علي، وفي الحديث الغريب ذكر أبو عبيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الحق اليد واللسان فكففت أيديهم عني وقطعت ألسنتهم دوني بنعمتك المثعنجرة الكنهور المنفيهقة المنقور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصنفات جمع سوى الموطأ: من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا ويروى من نفس فرج الله أو نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه وزاد الدارقطني فرج الله عنه سبعين كربة من كرب يوم القيامة، وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيح " من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته " ويروى في الصحيح إن الله يحب إعانة ويروى إغاثة اللهفان الملهوف، وقال في حديث أبي ذر وإن تفرغ في دلوك من دلو أخيك أو صاحبك وأن تلقي أخاك بوجه طلق فسرحتني من وثاقي ونشطتني من عقال الدين وفعلت ما أمرك الله تعالى به وهو قوله سبحانه
وتعالى: " وتعاونوا على البر والتقوى " قال ابن عمر وسالم وعطاء والشعبي أن ذلك واجب وسائر العلماء يقولون إن ذلك ليس بواجب إنما هو مندوب إليه فأخذت بقولهم ووفقت، وفي الطبراني عن فاطمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن في المال لحقا سوى الزكاة وهذا صحيح بهذا الطريق والترمذي ضعفه من طريق أبي حمزة الأعور واسمه ميمون وزدت أن زينتني بالريايش الشف قال الله تعالى:" وريشاً ولباس التقوى " قال اللغويون الثقات الريش المال والريش الخصب قال الشاعر:
ما لكم الليلة من إنفاش
…
ولا دثار لا ولا رياش
والريش ما ظهر من اللباس يقال أعطاني رحلاً بريشه أي بجميع ما فيه وقال الفراء الريش والرياش بمعنى واحد مثل الدبغ والدباغ وقد جعلت هاتيك الخلعة زينة لكل مسجد أناجي الله فيها وقد كنت لا تجديد لي إلا بالصابون، وفي الحديث الحسن خرجه الشيباني والترمذي من كسا مسلماً على عرى كساه الله من خضرة الجنة ويروى من خضر الجنة، وأنت فعلت ذلك من غير واسطة ولا تنبيه إلا صدق فراسة، وفي الحديث: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وعن قريب يجازيك الله بالخير الغطمطيط ويمكن لك في الأرض وعن قريب يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق بالرغبة والرهبة لقوله سبحانه: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " الحسنى فعلن من أسماء الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى: والسلام الكريم النفاح الأزج على حضرة الأملوك
السرندي ورحمة الله وبركاته.
وقد تكلم الناس في أبي الخطاب ونسبوه إلى التزيد في كلامه مع ما كان يعانيه من الوقوع في بعض العلماء وكان الملك الكامل مقبلاً عليه فلما تبين له ذلك منه أعرض عنه وكان قدم مرة دمشق وسأل الصاحب صفي الدين بن شكر رحمه الله أن يجمع بينه وبين الشيخ تاج الدين الكندي رحمه الله فاجتمعا وتناظرا وجرى بينهما البحث في قول العرب لقيته من وراءَ وراءَ فقال ابن دحية لا يقال بالرفع بل بالنصب فقال تاج الدين أخطأت فسفه على الشيخ تاج الدين فقال له يا مدعي أنت تكتب وكتب ذو النسبين بين دحية والحسين ودحية بإجماع المحدثين ما أعقب فقد كذبت في نسبك، وحكى لي أنه قال للشيخ تاج الدين في محاورته أنا عندي كتب تسوي بغداد فقال الشيخ تاج الدين هذا محال ما في الدنيا كتب تسوي بغداد وإنما أنا عندي كتب جلودها تساوي رقبتك فخجل واستحسن الحاضرون هذا الجواب من الكندي وحكى أنه كان يدعي أن له بالمغرب أموالاً عظيمة وأملاكاً كثيرة وغير ذلك من عظم القدر والجاه والمال وذكر ذلك للملك الكامل فاستبعده فلما قدم أخوه أبو عمرو عثمان المذكور سأله الملك الكامل عن ذلك فذكر
أنهم قوم فقراء لا يوبه لهم في تلك البلاد وليس لهم بها ذكر فاعجب الملك الكامل قوله ونبل في عينه وسقط أبو الخطاب من عينه وتحقق تزيده في الحديث والله أعلم.
محمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عربي أبو عبد الله عماد الدين كان فاضلاً سمع الكثير وسمع معناً صحيح مسلم على الشيخ زين الدين أحمد بن عبد الدائم المقدسي رحمه الله وتوفي بدمشق في شهر ربيع الأول ودفن عند والده بسفح قاسيون وقد نيف على الخمسين من العمر رحمه الله.
محمد بن وثاب بن رافع أبو عبد الله تاج الدين النخيلي الحنفي كان فقيهاً عالماً فاضلاً حسن الشكل درس وافتن وناب في الحكم بدمشق وكان سديداً في أحكامه مشكور السيرة وتوفي بدمشق في شهر ربيع الآخر وهو في عشر السبعين رحمه الله.
مظفر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد الصافي بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن يعيش بن عبد العزيز بن سعد بن عبادة أبو منصور تاج الدين الأنصاري الخزرجي الدمشقي الحنبلي مولده في السابع والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثماني وخمسمائة بدمشق سمع من أبي طاهر الخشوعي وعمر بن طبرزد وحنبل وغيرهم وحدث وبيته معروف بالعلم والحديث وكانت وفاته بدمشق في ثالث صفر فجأة ودفن بجبل قاسيون رحمه الله.
أبو الفضل بن
…
الصحراوي الشاغوري كان من الصلحاء الأخيار العارفين ملازماً للخير والعبادة وكان كثيراً ما يرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقيل أنه كان يجتمع بالخضر عليه السلام وكان منقطعاً عن أرباب الدنيا مقيماً في منزله بالشاغور ظاهر دمشق اجتمع بجماعة من أرباب الطريق وأخذ عنهم، زرته في منزله وكانت وفاته في جمادى الأولى بدمشق رحمه الله ونفعنا ببركته.
أبو محمد بن سلطان بن محمود كان رجلاً صالحاً عابداً منقطعاً عن أرباب الدنيا عاكفاً عن العبادة وإشغال الناس بالقرآن العزيز لا يتكلم فيما لا يعنيه ولا يذكر أحداً إلا بخير وكان عالماً بما يحتاج إليه من أمر دينه سمع البخاري من ابن الزبيدي وسمع من الشيخ بهاء الدين أبي محمد عبد الرحمن المقدسي وغيره ولازم صحبة الشيخ إبراهيم بن جوهر البطائحي رحمه الله وانتفع به وصحب والده أيضاً وكان من أصحاب والدي رحمه الله قرأ عليه وسمع منه وكان والدي يحبه ويكرمه لصلاحه ودينه ولأجل والده سلطان رحمه الله فإنه كان من الأولياء الأفراد، وكانت وفاة الشيخ أبي محمد المذكور ببعلبك في ليلة الخميس العشرين من شهر رمضان من هذه السنة ودفن بتربة الشيخ عبد الله اليونيني رحمه الله وهو في عشر السبعين وكان متقللاً من الدنيا قانعاً منها بالكفاف سالكاً إنموذج السلف الصالح وتوفي