المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مجد الدين دولات خان وسعد الدين سعيد الترجمان من جهة - ذيل مرآة الزمان - جـ ٢

[اليونيني، أبو الفتح]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البند قداري

- ‌ ذكر دخول التتر إلى الشام

- ‌ واندفاع عسكر حلب وحماة بين أيديهم

- ‌فصل

- ‌ذكر بدايته

- ‌نبذة من كراماته

- ‌ ذكر قطبيته رحمه الله

- ‌ذكر أدب الملوك والوزراء بين يديه

- ‌السنة التاسعة والخمسون وستمائة

- ‌متجددات الأحوال في هذه السنة

- ‌ذكر انتزاع دمشق من يد الأمير علم الدين الحلبي

- ‌ذكر نزوح التتار عن حلب وما حدث بعد نزوحهم

- ‌ذكر وصول المستنصر بالله إلى القاهرة ومبايعته

- ‌باب في مبايعته

- ‌نسخة التقليد

- ‌ذكر ولاية الأمير علم الدين الحلبي نيابة السلطنة بحلب

- ‌ذكر أخذ البرلي البيرة وعوده إلى حلب

- ‌ذكر وصول ولدي صاحب الموصل إلى القاهرة

- ‌ذكر توجه الخليفة والسلطان إلى الشام

- ‌ وأولاد صاحب الموصل

- ‌ذكر مصاهرة الخزندار المواصلة

- ‌ذكر وصول الخليفة والسلطان إلى

- ‌دمشق وخروج الخليفة منها

- ‌ذكر توجه الخليفة إلى العراق

- ‌ ذكر القبض على علم الدين الحلبي

- ‌ذكر خروج الأمير شمي الدين البرلي والعزيزية من دمشق على حمية

- ‌واستيلائهم على حلب

- ‌ذكر بيعة المستنصر بالله أبي القاسم أحمد بمصر

- ‌ذكر تبريز الملك الظاهر والخليفة للمسير إلى الشام

- ‌فصل

- ‌ذكر سيرة الملك الناصر

- ‌رحمه الله

- ‌السنة الستون وستمائة

- ‌ذكر عود البرلي إلى حلب وخروجه عنها

- ‌ذكر ما آل إليه أمر أولاد صاحب الموصل

- ‌بعد فراقهم المستنصر بالله

- ‌ذكر حصار الموصل

- ‌ذكر استيلاء التتر على الموصل

- ‌وقتل الملك الصالح صاحبها

- ‌ذكر رسل الملك الظاهر إلى السلطان عز الدين

- ‌صاحب الروم

- ‌ذكر الخلف الواقع بين هولاكو وبركة

- ‌فصل

- ‌فيها درج إلى رحمة الله تعالى الإمام المستنصر بالله

- ‌السنة الحادية والستون وستمائة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى الشام

- ‌وقبضه على الملك المغيث صاحب الكرك

- ‌حرب جرت بين بركة وهولاكو

- ‌فصل وفيها توفي

- ‌السنة الثانية والستون وستمائة

- ‌متجددات السنة

- ‌ فصل

- ‌السنة الثالثة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر قبض الملك الظاهر على سنقر الأقرع

- ‌فصل

- ‌السنة الرابعة والستون وستمائة

- ‌مجددات الأحوال

- ‌ فصل

- ‌السنة الخامسة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌فصل

- ‌السنة السادسة والستون وستمائة

- ‌ذكر خلاص الأمير شمس الدين سنقر الأشقر

- ‌ذكر قطيعة قررت على بساتين دمشق

- ‌ذكر أخذ مالك بن منيف المدينة الشريفة

- ‌السنة السابعة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ ذكر ما تجدد في هذه السنة من حوادث بلاد الشمال والعجم

- ‌فصل

- ‌السنة الثامنة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر كسرة أبغا لبرق

- ‌ذكر المصاف

- ‌فصل

- ‌السنة التاسعة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌ذكر دخول آجاي بن هولاكو وصمغرا

- ‌صحبته إلى بلاد الروم

- ‌فصل

- ‌السنة السبعون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى حلب

- ‌ذكر وصول رسل التتر إلى الملك الظاهر

- ‌فصل

الفصل: مجد الدين دولات خان وسعد الدين سعيد الترجمان من جهة

مجد الدين دولات خان وسعد الدين سعيد الترجمان من جهة صمغرا ومن جهة معين الدين سليمان بن مهذب الدين بن محمد نائب السلطنة ببلاد الروم فأحضرهم وسألهم عما جاؤا فيه فقالوا صمغرا نوين يسلم عليك ويقول لك مذ جاورته في البلاد لم يصله من جهتك رسول في أمر تختاره وقد رأى من المصلحة أن تبعث إلى أبغا رسولاً بما تحب حتى يساعدك على بلوغ غرضك وتتوسط عنده فأكرم الملك الظاهر الرسل وركبهم معه في الميدان مراراً ثم عين الأمير فخر الدين إياز المقري والأمير مبارز الدين الطوري رسولين إلى أبغا وبعث معهما جوشنا له ولصمغرا قوساً فسارا مع رسل صمغرا فلما وصلا قونية حضرا جامعها يوم الجمعة فسمعا الرعية يبتهلون بالدعاء للملك الظاهر فأديا الرسالة إلى صمغرا ومضمونها شكره.

ثم أخذهما البرواناة وسار بهما إلى أبغا فلما اجتمعا به قال لهما ما الذي جئتما فيه فقالا إن صمغرا بعث إلى السلطان وأخبره أنك أحببت أن يأتي إليك من جهته رسول فأرسلنا نقول لك أن أردت أن أكون مطاوعاً لك فرد ما في يدك من بلاد المسلمين فقال هذا لا يمكن وأقرب ما في هذا أن يبقى كل واحد منا على ما في يده فحصلت بينهما مفاوضات أغلظ لهما فيها وان‌

‌فصل

ا عنه من غير اتفاق فوصلا دمشق في خامس عشر صفر سنة إحدى وسبعين.

وفي ذي القعدة وصل إلى دمشق رسل من بيت بركة من عند منكوتمر بن طغان بن سرطق بن باتو في البحر وكانوا لما خرجوا من

ص: 472

بلاد الأشكرى صادفهم مركب من البيسانيين فأخذهم ودخلوا بهم عكا فقبح عليهم من بها ما فعلوه ثم جهزوهم إلى دمشق ولم يرد البيسانيون ما أخذوا لهم وكان معهم هدية فلما اجتمعوا بالملك الظاهر عرفوه ما كان معهم فبعث إلى الإسكندرية ومنع من فيها من التجار البيسانيين من السفر حتى يعوضوا ما أخذ أصحابهم وكان مضمون رسالتهم أنهم أحضروا كتاباً للملك الظاهر بجميع ما كان في أيدي المسلمين من البلاد التي استولى عليها هولاكو وطلبوا منه أن ينجدهم ويعينهم على استيصال شأفته.

وفي ذي الحجة توجه الملك الظاهر من دمشق إلى حصن الأكراد لنقل حجارة المجانيق إلى القلعة ورؤية ما عمر فيها ثم سار إلى حصن عكا فأشرف عليه ثم عاد إلى دمشق فدخلها في خامس المحرم سنة إحدى وسبعين.

وفي هذه السنة وهي سنة سبعين تسلم نواب الملك الظاهر قلعة الخوابي والقليعة من بلد الإسماعيلية ولم يبق خارجاً عن مملكته من جميع حصونهم سوى الكهف والقدموس والمينقة لأن أهلها لما قبض الملك الظاهر على نجم الدين بن الشعراني وولده عصوا بالقلاع المذكورة وقدموا عليهم مقدماً.

ص: 473

فصل

وفيها توفي أحمد بن سعيد بن أحمد بن أبي بكر بن الحسين أبو العباس صفي الدين النيسابوري الأصل اللهاوري المولد والمنشأ الصوفي توفي بالقاهرة في حادي عشر شهر رمضان المعظم ودفن من الغد بمقابر باب النصر ومولده في العشرين من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وخمسمائة صحب جماعة من مشايخ الصوفية وتهذب بهم وتأدب بآدابهم وسمع وحدث وكان أحد المشايخ المشهورين بالخير والصلاح والعفة والانقطاع والمعرفة وله كلام على طريقهم وتقدم فيهم مع ما كان عليه من لطف الأخلاق ولين الجانب وحسن الملقى وجميل الطريقة رحمه الله.

الحسن بن داود بن عيسى ببن محمد بن أيوب بن شاذى أبو محمد الملك الأمجد مجد الدين بن الملك الناصر صلاح الدين بن الملك المعظم شرف الدين بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر رحمهم الله تعالى وقد تقدم ذكر نسبهم في ترجمة مجير الدين يعقوب بن العادل فأغنى عن إعادته كان الملك الأمجد من الفضلاء عنده مشاركة جيدة في كثير من العلوم وله معرفة تامة بالأدب غير أنه لم يكن له طبع في نظم الشعر ثم وقفت بعد ذلك على سفينة بخط عز الدين محمود الورمدي رحمه الله وفيها أنشدني نجيب الدين الحجازي للملك الأمجد بن الملك الناصر داود رحمهما الله تعالى:

ص: 474

من حاكم بيني وبين عذولي

الشجو شجوي والغليل غليلي

عجباً لقوم لم تكن أكبادهم

لجوىً ولا أجسادهم لنحول

دقت معاني الحب عن أفهامهم

فتأولوها أقبح التأويل

في أي جارحة أصون معذبي

سلمت من التنكيد والتنكيل

إن قلت في عيني فثم مدامعي

أو قلت في قلبي فثم غليلي

لكن رأيت مسامعي مثوى له

وحجبتها عن عذل كل عذول

ومحاسنه كثيرة ومكارمه غزيرة وتنقلت به الأحوال في عمره فتزهد وصحب المشايخ وانتفع بهم وأخذ عنهم واشتغل على العلماء وحصل وكان كثير البر بمن يصحبه من المشايخ لا يدخر عنهم شيئاً وكانت همته عالية ونفسه ملوكية وعنده شجاعة وإقدام وصبر على المكاره.

حكى لي أنه لما عاد العسكر من إنطاكية مع الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري رحمه الله في سنة ستين وستمائة كان المذكور في جملتهم وقد غرق أخوه شقيقه الملك الأفضل نور الدين علي رحمه الله في تلك السفرة فبينا هو يساير بعض الأمراء ويحدثه مر به إلى جانبه رجل يجر جنيباً فضربه ذلك الجنيب كسر رجله فلم يتأوه ولا قطع حديثه ولا ما كان فيه فلما امتلأ الخف بالدم أمر بعض من كان معه أن ينزل ويشق أسفل الخف ليذهب منه الدم وكان يتلقى جميع ما يريد عليه من الأمور المؤلمة بالرضا والتسليم وكان له عقيدة عظيمة في الفقراء والمشايخ وكان جميع أهل بيته يعظمونه ويعترفون بتقدمه عليهم حتى عم أبيه الملك الأمجد تقي الدين بن العادل وكذلك سائر الأمراء وأرباب

ص: 475

الدولة وله اليد الطولى في الترسل مع حسن الخط وأنفق في عمره أموالاً جمة معظمها في طاعة الله تعالى وكان مقتصداً في ملبوسه ومركوبه ويتعلق بنفسه مسرفاً في فعل الخير وبر الإخوان رحمه الله تزوج ابنة عم أبيه الملك العزيز عثمان ابن العادل ثم تزوج ابنة الملك العزيز غياث الدين محمد بن الملك الظاهر. غازي بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمهم الله وهي أخت الملك الناصر وأولدها ولداً سماه صلاح الدين محمود وهو باق وكان عنده من الكتب النفيسة ما لا يوجد عنده غيره فوهب معظمها لأصحابه وإخوانه وسمع الكثير وحصل الفوائد وكان مقصداً لمن يقصده يقوم معه بنفسه وماله وجاهه لا يستحيل على أصحابه ولا يتغير عن مودتهم وإن تغيروا أواسطه عقد بيتهم رحمه الله تعالى وكانت وفاته بدمشق ليلة الاثنين سادس عشر جمادى الأولى ودفن من الغد بسفح قاسيون في تربة جده الملك المعظم.

وكانت والدة الملك الأمجد المذكور ابنة الملك الأمجد مجد الدين حسن بن الملك العادل الكبير فسمي صاحب هذه الترجمة باسمه وإلى جده المذكور ينسب الغور الأمجدي وتلقاه أولاد الملك الناصر داود بالإرث عنها وتوفي الملك الأمجد صاحب هذه الترجمة وهو في عشر الخمسين وقد نيف عليها ورثاه غير واحد من الفضلاء بعدة قصائد ومقاطيع فممن رثاه المولى شهاب الدين محمود كاتب الدرج أيده الله

ص: 476

تعالى بقوله:

هو الربع ما أقوى وأضحت ملاعبه

مشرعة إلا وقد لان جانبه

وقفت به والشوق نحو قبابه

يجاذبني طوراً وطوراً أجاذبه

أسايله جهلاً ومن سفه الهوى

مخاطبة الإنسان من لا يخاطبه

أسايله والبين قد زار ربعه

فنابت عن العيش الهنيء نوائبه

وعهدي به والعز عن كل ناظر

يطوف به إلا عز الوفد حاجبه

لئن قلصت كف الزمان ظلاله

وشابت هنئ العيش في هذا شوائبه

فقد كان مغني ضافيات ظلاله

على نازليه صافيات مشاربه

عهدت به من آل أيوب ماجداً

كريم المحيا زاكيات مناسبه

يزيد على وزن الجبال وقاره

ويكثر ذرات الرمال مناقبه

أجار على صرف الزمان فغاله

على غرة والثأر يحتال طالبه

قضى فاعتدت فينا الليالي وطالما

غدت في عدانا قاضيات قواضبه

ويوم كليل الصب إذ ظل سمره

مداه ونقع الصافنات غياهبه

حلا وجهه جلاه من حيث أنه

هلال وأطراف الرماح كواكبه

بكاه من السمر الكعوب وغيره

إذا مات تبكيه من السمر كاعبه

غدت بذيول الحزن تعثر خيله

وكم سبقت ريح الجنوب جنائبه

إذا ما بكت عجم العراب فقد بكى

من الخلق طراً عجمه وأعاربه

ترى بعده العافين شتى وطالما

حواهم نداه والزمان مصاحبه

فمن لاثم للتراب من عتباته

ومن متصد للزمان يعاتبه

ص: 477

إذا ما رثوه بالغرائب بعده

فمن قبل قد عمت عليهم رغائبه

هو ابن الذي لان الشديد بعد النهى

له فلذاً والدهر جم عجائبه

يحدث عن فصل الخطاب كتابه

ويخبر عن فصل الخطوب كتائبه

عليكم بني الآمال باليأس بعده

فلليأس عز يأبن الذل صاحبه

ولا ترقبوا نوء السماحة بعده

فأفق الأماني مقشعات سحائبه

الحسين بن علي بن الحسن بن ماهد بن طاهر بن أبي الجن أبو عبد الله مؤيد الدين الحسيني كان من أعيان الأشراف ووالده نظام الدين تولى نقابة الأشراف مدة ونظر بعلبك وأعمالها مدة أخرى وكان وأسع النعمة كثير الأملاك وافر الحرمة نزهاً عفيفاً في ولاياته غير أنه كان قليل النفع وكان له مكانة عند الملك الصالح عماد الدين إسماعيل وعند وزيره أمين الدولة وأما ولده مؤيد الدين صاحب هذه الترجمة فكان شاباً حسن دمث الأخلاق كثير الاحتمال والخدمة لم يصحبه بنفسه مع عظم بيته وعدم احتياجه بل تحمله المروءة على ذلك وكان بيني وبينه صحبة أكيدة ومودة جمع الله بيننا في جنته وكان عنده تشيع يسر ولكن لم يسمع منه كلمة تؤخذ عليه وكان يعظم الصحابة رضوان الله عليهم ويترضى عنهم ويذم من يسلك غير ذلك ويبري منه وكانت وفاته يوم الأربعاء سادس ربيع الآخر بقلعة بعلبك لأنه تمرض في مدينة بعلبك وحصل أراجيف وجفل أوجب انتقال معظم أهل البلد إلى القلعة فانتقل المذكور وهو متمرض في جملتهم فأدركته

ص: 478

منيته بها ودفن في مقابر باب سطحا ظاهر باب دمشق من مدينة بعلبك ولم يبلغ أربعين سنة من العمر رحمه الله تعالى.

سلار بن الحسن بن عمر بن سعيد أبو الفضائل كمال الدين الأربلي الفقيه الشافعي كان من الأئمة الفضلاء الخبيرين بمذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وكان الشيخ نجم الدين الباذراني رحمه الله قد جعله معيد مدرستة التي وقفها بدمشق لعلمه بغزارة علمه ولم يزل على ذلك إلى حيث توفي لم يتريد منصب آخر وكان عليه مدار الفتوى في وقته بدمشق واشتغل عليه جماعة وانتفعوا به ومن يجتمع به في النادر يصفه بشراسة الأخلاق وتوعرها فإذا أكثر الشخص من الاجتماع به وجد عنده في الخلوة دماثة وحسن مباسطة وسعة صدر وكانت وفاته ليلة الخميس الخامس من جمادى الآخرة بدمشق ودفن من الغد بمقابر باب الصغير رحمه الله وهو في عشر السبعين.

سنقر بن عبد الله الأمير شمس الدين المعروف بالأقرع وهو من مماليك الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل وكان من أعيان الأمراء بالديار المصرية وأكابرهم وتقدم في الدول وكان الملك الظاهر رحمه الله نقم عليه لأمر بلغه عنه فاعتقله وتوفي في الثامن والعشرين من ربيع الأول هذه السنة رحمه الله وقد نيف على الستين سنة من العمر.

عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن طاهر ابن محمد بن محمد بن الحسين بن علي أبو الحسين عماد الدين الحلبي الشافعي

ص: 479

المعروف بابن العجمي تفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وسمع وحدث ودرس وتولى الحكم بمدينة الفيوم وغيرها وناب في الحكم بدمشق مدة وكان مشكور السيرة شديد الأحكام عارفاً بفضل الخصومات وتوفي بحلب في رابع شهر رمضان هذه السنة مولده في ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وستمائة بحلب رحمه الله وبيته مشهور بالعلم والحديث والرئاسة والسنة والجماعة.

علي بن عبد الخالق بن علي بن محمد بن الحسن أبو الحسن عز الدين الأسعردي الأصل البعلبكي المولد والدار والوفاة كان من الصدور الأماثل خبيراً بالكتابة وصناعة الحساب قيماً بها تولى عدة ولايات شهادة ديوان بعلبك ثم مشارفته ثم نظره وتولى نظر الأسرى بدمشق ثم ولي نظر حمص وأعمالها ولم يزل على ذلك إلى حين وفاته ببعلبك ليلة الأربعاء سابع عشر ذي القعدة وكان حسن العشرة كثير المداراة والمجاملة وجده القاضي مهذب الدين علي بن محمد الأسعردي كان من العلماء الأعيان ولي القضاء ببعلبك مدة زمانية في الأيام الصلاحية ولم يزل متولياً إلى حين وفاته وكان سديد الأحكام متحرياً فعل الحق وتوفي عز الدين المذكور وهو في عشر الستين ودفن بالقرب من دير إلياس عليه السلام ظاهر بعلبك.

علي بن عثمان بن علي بن سليمان بن علي بن سليمان بن علي أبو الحسن أمين الدين السليماني الأربلي الصوفي مولده بإربل سنة اثنتين وستمائة

ص: 480

وقيل في أحد الربيعين سنة ثلاث وستمائة وتوفي إلى رحمة الله تعالى بمدينة الفيوم من أعمال الديار المصرية في العشر الأخر من جمادى الأولى كان فاضلاً مقتدراً على النظم وهو من أعيان شعراء الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله وكان في أول عمره يخدم جندياً ثم ترك الجندية وتزهد وصار أحد مشايخ الصوفية المشار إليهم ومن شعره وقد سير إلى بعض الأمراء هدية وكتب معها:

هدية عبد مخلص في ولائه

لها شاهد منها على عدم المال

وليست على قدري ولا قدر مالكي

ولكنها جاءت على قدر الحال

وكتب إلى شرف الدين أبي البركات بن المستوفي وزير إربل وقد طلبه علاء الدين بن صالح الأربلي وتحدث معه في أن يلي البيمارستان:

يا أيها المولى الوزير ذي الرعاية والعناية

إن العلاء أضلني

بالقول عن طرق الهدايه

لألى لمارستانكم

وأقوم فيه بالكفايه

إني لمحتاج إليه متى أجبت إلى الولاية

وله:

تنال نوال الناس ثم تنيله

فدهرك مطلوب بما أنت طالبه

سخاؤك عما في يد الناس فوق ما

تنيل من المال الذي أنت واهبه

وله:

قيل تهوى الجمال قلت لهم ما

فيه عيب إن لم يكن فيه ريبه

كيف لا أعتني بمن يعتني الله به إن ذى عقول عجيبه

ص: 481

وله في الشربات:

عبد لكم في داركم كالدرة البيضاء إن أهملتموه تبدداً

عريان يقلقه الهواء فكلما

مرض النسيم أتوا إليه عودا

وله:

انظر بعين عناية

وأعطف فعطفك مستفاد

وأقل بحلمك عثرتي

فلربما عثر الجواد

وله:

يقولون من تهواه زاد ملالة

ومال فلا وصل لديه ولا وعد

إذا ألف ذنب من حبيب تجمعت

يقوم بها من حسنه شافع فرد

وله في النرد:

رجال من بني سام وحام

لهم بالضرب والإيقاع رقص

قيام في سماعهم عراة

ليس عليهم في ذاك نقص

وله:

ارض بما قدر إلاله ولا

تحرص فماذا يفيدك الحرص

قد قسم الرزق في العباد فلا

زيادة تنبغي ولا نقص

وله:

إني لأعرف في الرجال مخادعاً

يبدي الصفاء ووده ممذوق

مثل الغدير يريك قرب قرارة

لصفائه والقعر منه عميق

وله:

كل ما تبتغيه من هذه الدنيا

يعنيك منه ما يغنيك

ص: 482

وإذا كانت الكفاية لا تكفيك لا شيء بعدها يكفيك

وله في شربة الماء:

وخادم يخدم حتى إذا

قصر صب الماء في حلقه

ما فسح الشارع في ضربه

فما لكم تفتون في شنقه

وله:

وإذا ضاق قلب المرء عما يجنه

تبين منه في اتساع لسانه

وصمت الفتى عما يجن ضميره

أثم ولو أن اللهي في بيانه

وله:

عرفتكم فجهلت الناس عندكم

فلم أعرج على أهل ولا وطن

وفزت منكم بما أبغي ولي أسف

باق لسالف ما ضيعت من زمني

وله:

كف عن الناس إذا شئت أن

تسلم من قول جهول سفيه

من قذف الناس بما فيهم

يقذفه الناس بما ليس فيه

وله في الشربات:

وبيض الوجوه رقاق الشفاه

تجمعن والحب في داريه

يبعن على الناس بيع الرقيق

ولم أر فيهن من جاريه

وله من أبيات:

وسكنت قلبي يا محرك وجده

فعجبت كيف سكنت وهو مقلقل

والقلب منزلة البدور وإنما

خالفتها في كونها تنتقل

ص: 483

حل العزائم عقد بندك مثلما

فتح الصبابة حاجب لك مقفل

فلأن صبرت فما اصطباري عن رضاً

وجميل وجهك أنى أتجمل

وله من أبيات:

لعبت خلفه الذؤابة فاستكبر تيهاً

فقبلت أقدامه

جمع العاشقين بالواو والنو

ن ولكن جمعاً لغير السلامه

علي بن عمر بن نبا أبو الحسن نور الدولة اليونيني كان رجلاً غزير المروءة كريم الأخلاق شجاعاً بطلاً مقداماً على الأهوال كثير التعصب لمن يقصده يبذل في ذلك نفسه وماله وكان له اليد الطولى في قتل الوحوش الضارية تصدى لتقل الأدباب فأفنى منهم شيئاً كثيراً لا يحصر بحيث كان يقتل في الليلة الواحدة عدة أدباب وكان سبب تصديه لقتلهم دون غيرهم من الوحوش أنه كان له أخ صغير وكان للملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه رحمه الله صاحب بعلبك دب في بيت بقلعة بعلبك فدخل أخو علي المذكور ليتفرج عليه وقرب منه فافترسه وقتله فكان نور الدولة المذكور يرى أنه يقتلهم يستوفي ثأراً وكانت وفاته بمنزله بمدينة بعلبك ليلة الأربعاء خامس وعشرين جمادى الآخرة ودفن من الغد قريباً من تربة الشيخ عبد الله اليونيني الكبير قدس الله روحه وقد نيف على ستين سنة من العمر رحمه الله وهو بن عمتي وتزوج لي ثلاث أخوات كلما ماتت واحدة زوجه والدي رحمه الله بأختها وتوفي وعنده الأخيرة منهن وكان عند والدي في محل الولد وهو رباه وأسمعه الحديث فسمع عليه وعلى الشيخ بهاء الدين المقدسي وابن

ص: 484

رواحة رحمهما الله وغيرهم وحكى لي ناصر الدين علي بن قرقين رحمه الله ما معناه أن الخوارزمية لما طرقوا البلاد استولوا على ضواحي بعلبك ولم تبق إلا المدينة والقلعة وأما ظاهر البلد من القرايا فخرج عن الطاعة وأطاعهم فولوا على ضواحي بعلبك شخصاً من أعيانهم وتركوا عنده جماعة يسيرة منهم فكان يتصرف في البر وأهل البلاد في طاعته وهو ينتقل من مكان إلى مكان وكان متولي القلعة والمدينة إذ ذاك الأمير سيف الدين المعروف بأبي الشامات رحمه الله.

قال ناصر الدين فقال لي والله إن هذا غبن عظيم يستولي على بلاد بعلبك وأعمالها رجل واحد من الخوارزمية ونحن كالمحصورين معه فقلت له تشتهي أن أحضره لك بنفسه ومن معه قال ومن لي بهذا قلت أنا أسعى لك فيه إن شاء الله تعالى فسر بهذا القول ولم تطمئن نفسه إلى وقوعه فاجتمعت بنور الدولة وحدثته في ذلك وقلت له تقدر نحضره قال نعم إن شاء الله تعالى قلت متى قال الليلة أمسكه وغداً أحضره فقلت كم تختار من الخيالة والرجالة قال سير لي خمس رجالة يلقوني بعد المغرب إلى تل بسقي فجردت عشرين راجل على أنهم يتوجهون إلى حصن اللبوة في شغل وكان لنا بحصن اللبوة وال لا يتعدى أمره باب الحصن وكتبت مع مقدم الرجالة ورقة وختمتها

ص: 485

مضمونها نور الدولة بن الحرامي مقدمكم فإذا وصلتم إليه افعلوا ما يقول لكم ولا تخالفوه وقلت للمقدم إذا وصلت تل بسقى افتح الورقة وافعل ما فيها فلما وصل التل قرأها ورأى نور الدولة هناك فجاء إليه وقال قد سيرونا إليك فقال ما لي بكم كلكم حاجة يروح منكم عشرة ويبقى عندي عشرة وكان قد أخذ خبر والي الخوارزمية أنه في قرية بنحة فتوجه بالعشرة إليها وتركهم خارج القرية ودخل بمفرده إلى القرية قريب الثلث الآخر من الليل فوجد شخصاً من أهل القرية قد خرج من بيت لقضاء حاجته فسأله عن الوالي فقال هو في تلك العلية نائم سكران هو ومن معه فقصد نور الدولة العلية وفتح بابها ودخل ووجد الوالي نائماً سكران فجذب سكينه وأيقظه بهدوء ففتح عينيه فرأى السكين مشهورة على حلقه وقال له إن تكلمت ذبحتك فلم ينطق فأخذه وأخرجه إلى الرجالة وسلمه إليهم ثم عاد وفعل كذلك بمن معه من أصحابه وجاء بهم إلى القلعة فأوعدوا السجن وتصرف النواب في البر على عادتهم بأيسر مؤونة وله أمور كثيرة من هذا الجنس من الأقدام والشجاعة رحمه الله تعالى.

محمد بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد ابن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى أبو عبد الله عماد الدين الربعي التغلبي البلدي الأصل الدمشقي المولد والدار والوفاة العدل الرئيس الصدر الكبير مولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة تخميناً سمع من الكندي

ص: 486

وغيره وحدث وكان شيخاً جليلاً كريم الأخلاق لطيف الأوصاف حسن العشرة متفضلاً على من يعرفه باراً بمن يقصده محتملاً صبوراً كثير الإغضاء والحياء من بيت العلم والحديث والرياسة والعدالة والتقدم وقد حدث هو وأبوه وجده وجد أبيه وجد جده وغير واحد من أهل بيته وكانت وفاته في العشرين من ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.

محمد بن علي بن أبي طالب بن سويد التكريتي أبو عبد الله وجيه الدين التاجر المشهور بسعة المال والجاه ولم يبلغ أحد من أمثاله من الحرمة ونفاذ الكلمة ما بلغ بحيث كانت النجابين ترد عليه من بغداد إلى دمشق في مهمات تتعلق الخلافة فينجز ما قدموا لأجله ويسفرهم وكانت متاجره لا يتعرض لها متعرض وكتبه عند سائر ملوك الأطراف وملوك الفرنج بالساحل نافذة ومن ينتسب إليه مرعي الجانب وهو من خواص الملك الناصر رحمه الله وأصحابه ويده مبسوطة في دولته وكلمته مسموعة ورسالته مقبولة عند ديوان الإنشاء ومع هذا كله فانقضت الدولة ولا يكتب له سوى الصدر الأجل وما يناسب ذلك من الألقاب لا غير وفي آخر الأيام الناصرية كانت عنده فضة كثيرة مروك وخشر فاستأذن الملك الناصر في ضربها دراهم فأذن له وجعل دار الضرب بيده فضرب منه شيء كثير جداً وهذا النقد من الدراهم التي ضربها

ص: 487

معروف ولما ملك التتار البلاد الشامية في شهور سنة ثمان وخمسين ذكر عنه أنه وصله فرمان هولاكو يتضمن الأمان له على نفسه وماله وأصحابه ولم يعرج على ذلك ولا وثق به ودخل الديار المصرية وغرم فيها جملة طائلة تقارب ألف ألف درهم فلما عاد الشام إلى المسلمين وتملك الملك الظاهر ركن الدين رحمه الله قربه غاية التقريب وأدناه وعظم محله عنده بحيث أوصى إليه على أولاده وجعله ناظر أوقافه وما يتعلق به وأصغى إلى أقوله وزاد في حرمته فيما يكتب له وخوطب بالمجلس السامي وكان له من التمكن ما لا مزيد عليه غير أنه كان تمكنه في الأيام الناصرية أكثر وحكى لي الحاج فخر الدين إياز رحمه الله وكان رجلاً صادقاً قال حججت في السنة التي حج فيها الملك الظاهر فلما رأني فراشينه بمكة طلبوا مني ملازمتهم لمعرفة بيني وبينهم فلازمتهم فلما كان يوم عرفة بسطت بسط كثيرة على الجبل للملك الظاهر وحضر إليه أمراء العرب وملوك الحجاز وغيرهم وقعدوا في خدمته فحضر نصير الدين ولد وجيه الدين المذكور للسلام عليه فحين وطئ البساط قام له وبالغ في أكرامه والمساءلة له عن طريقه واستعراض حوائجه وتفخيمه في المخاطبة والنصير يتشكر ويدعو بما يناسب وهو يقول أبصر مهما كان لك من حاجة حتى نقضيها ولا يقول لوجيه الدين أبصروني في مكة وما التفوا إلي فقال ما للمملوك حاجة سوى أن هذا الركب لم يكن له أمير فتعبنا بهذا السبب والمملوك يسأل أن يعين مولانا السلطان

ص: 488

للركب الشامي أميراً فقال هؤلاء المصريين والشاميين من اخترت منهم بروح في خدمتك قال أريد جمال الدين بن نهار فطلبه السلطان وقال له هذا المولى نصير الدين قد اختارك على جميع من معي فتروح معه إلى الشام وتخدمه مثل ما تخدمني ولا تزال بين يديه حتى توصله إلى والده فقال السمع والطاعة وانفصل والناس يتستعظموا ذلك من مثل الملك الظاهر وأنه لعظيم منه وكان وجيه الدين كثير المكارمة للأمراء والوزراء وأرباب الدولة يهاديهم ويقضي حوائجهم ويتجر لهم فكان مدار الأمور أو أكثرها عليه وعنده بر للفقراء وصدقة ويعمل في كل سنة من التراييق والمعاجين والأكحال ما يغرم عليه جملة كبيرة ويفرقه للثواب وكان عنده دماثة أخلاق ورقة حاشية وينظم المواليا على رأي البغاددة قال كان صبي من القيمرية حسن الصورة قد تزوج وزف ليلة عرسه بدمشق فنظمت:

لما جلو ذا الصبي كالبدر في حالو

سبى المواشط وقالو ما قالو

صبي وكردي وكردية من أشكالو

لولا نبات عذاره لالتبس الحالو

وأنشدته للملك الناصر فأعجبه وكان أقارب ذلك الصبي أكابر أمراء القيمرية فكانوا إذا حضروا يقول على سبيل المباسطة يا وجيه لولا يوهمني أنه ينشد البيتين قدامهم فأضع أصبعي على فمي أي أسكت عني فيضحك وكانت وفاة الوجيه رحمه الله بدمشق في العشر الآخر من شوال أو الأول من ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون وقد ناهز السبعين من العمر.

ص: 489

نصير بن تمام بن معالي أبو الذكر المقيسي المؤذن كان حسن الصوت مليح الشكل يطرب حسه السامع وهو رئيس المؤذنين في وقته بدمشق وتوفي بها في ليلة التاسع عشر من المحرم ودفن في غده بباب الفراديس ومولده سنة سبع وثمانين وخمسمائة سمع من أبي المنجا عبد الله بن عمر ابن اللتي وغيره وحدث رحمه الله.

يعقوب بن إبراهيم بن موسى بن يعقوب بن يوسف أبو يوسف شرف الدين بن المعتمد العادلي الدمشقي الحنفي مولده في رابع شهر رمضان المعظم سنة سبع وثمانين وخمسمائة بدمشق سمع من حنبل وحدث وتوفي في ثالث عشر شهر رجب بجبل قاسيون ودفن به رحمه الله تعالى، ووالده المبارز إبراهيم المعتمد متولي دمشق في الأيام العادلية وهو من أعيان الناس مشكور السيرة محمود الطريقة ينطوي على دين متين وبر كثير وحسن اعتقاد في الفقراء والصلحاء ومحبة لهم، صحب الشيخ عبد الله اليونيني الكبير قدس الله روحه وانتفع به وكان الشيخ يثني عليه رحمه الله تعالى.

ص: 490