الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ركب في مركب وزحف على القلعة فأرسى به مركبه على طرف النهر فانقلب بمن فيه وغرق الرجالة وخرج الركاب من البحر وكان باب القلعة مفتوحاً فخرج غضراس راكباً وقصدهم وحمل على تاج الدين ليطعنه فتقنطر به فرسه فقتله تاج الدين وهجم القلعة فأخذها فلما استولى البرواناة عليها ادعى أنها فتوحه وكتب إلى أبغا وإلى مخدومه وجميع المجاورين بالفتح ونسبه إلى نفسه فعظم قدره فاستشعر منه ركن الدين واستشعر هو أيضاً منه وحصل بينهما باطن أوجب أنه أوسع الحيلة في قتل ركن الدين على ما يأتي إن شاء الله في سنة ست وستين.
وفيها جمع أرى جرل أخو ريدا فرنس وقصد جزيرة صقلية وحارب الأنبرور ملكها على مدينة سرقوسة فهزم عسكره وقتله في المصاف واستولى على جزيرة صقلية.
؟
فصل
وفيها توفي إبراهيم بن عمر بن خضر بن محمد بن فارس بن إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق رضي الدين المضرى الواسطي البرزي التاجر المعروف بابن البرهان مولده بواسط سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة سمع صحيح مسلم بنيسابور على أبي الفتح منصور بن عبد المنعم الفراوي وحدث به مراراً عدة بدمشق ومصر والقاهرة واليمن وذكر أنه سمع من أبي الحسن المؤيد بن محمد الطوسي وأجاز له جماعة كثيرة، وكان شيخاً صالحاً ديناً حسن الشكل من أكابر التجار المتمولين المعروفين بإخراج الزكاة
على وجهها وكان له صدقات وبر وعنده سكون وخشوع وكان يقال أن معه أربعين ألف دينار فكان يخرج الزكاة في كل سنة ألف دينار غير ما يتصدق به على وجه التبرع وجميع ما يكتسبه ينفقه على نفسه وفي الطاعات والقرب ورأس المال بحاله لا ينقصه ولا يزيده وكانت وفاته في حادي عشر شهر رجب بالإسكندرية ودفن بين الميناوين رحمه الله، وبرز بضم الباء قرية من عمل واسط.
أحمد بن سالم بن..... أبو العباس جمال الدين المصري النحوي كان بداية أمره فقيراً مجرداً متزهداً مع فضيلته التامة وأقام بحلب مدة ثم قدم دمشق وتصدر لإقراء النحو بالمدرسة الناصرية وبمقصورة الحنفية الشرقية بجامع دمشق وتأهل بابنة الشيخ زين الدين إبراهيم بن أحمد بن أبي الفرج الحنفي إمام المقصورة المشار إليها وأولدها أولاداً وتوفي إلى رحمه الله تعالى في ثاني عشر شوال بدمشق ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله وتوجع زين الدين المذكور لوفاته وحزن لفقده كثيراً فكتب إليه بدر الدين يوسف بن الحنفي:
عزاءك زين الدين في الذاهب الذي
…
بكته بنو الآداب مثنى وموحدا
همو فارقوا منه الخليل بن أحمد
…
وأنت ففارقت الخليل وأحمدا
وكان الشيخ أحمد المذكور حسن العشرة كريم الأخلاق كثير التواضع لين الجانب وافر الدين مشاركاً في كثير من العلوم مستقلاً
بعلم النحو والعربية وانتفع به جماعة كثيرة رحمه الله.
أحمد بن عبد الله بن شعيب بن محمد بن عبد الله أبو العباس جمال الدين التميمي الصقلي ثم الدمشقي قرأ القرآن الكريم على الشيخ علم الدين السخاوي رحمه الله وسمع الكثير وحدث وكانت عنده كتب كثيرة نفيسة وأصول حسنة وكان في عنفوان شبابه قد تزوج ابنة الشيخ علم الدين السخاوي وأولادها وتوفيت هي والولد فلم يتزوج بعدها وكان شديد الشح على نفسه كثير التقتير عليها مع الجدة الوافرة، ولما حصل له المرض الذي مات فيه تمرض في بيته بالمدرسة العزيزية وبقي مضيعاً ولا يمكن أحداً من دخول البيت لخوفه على ما فيه ووقف داره على فقهاء المالكية وأوصى لهم بثلث ما له فنفذت وصيته وتوفي في ليلة خامس جمادى الأولى أو رابعه ودفن من الغد بسفح قاسيون رحمه الله وهو في عشر السبعين واحتاط ديوان الحشر على تركته وبيعت كتبه النفيسة التي كان يشح برؤيتها على أرباب الجاهات بأبخس الأثمان ولم يوف ثمن أكثرها جملة كافية أنشد الجمال المذكور لنفسه أو لغيره:
نحن الكلعنيون لا نأتلي
…
في ذم من أطعمنا أو سقى
سيان من أطعمنا حبة
…
في الذم أو أطعمنا أو سقا
أيدغدي بن عبد الله الأمير جمال الدين العزيزي سمع وحدث وكان أميراً كبيراً عظيم القدر مشهوراً بالشجاعة والكرم والديانة والحشمة وسعة الصدر وكبر النفس وعلو الهمة كثير الصدقات والبر
والمعروف وللفقراء والمشايخ أصحاب الزوايا وأرباب البيوتات عليه من الرواتب في كل سنة ما يزيد على مائة ألف درهم وألوف كثيرة أرادب قمح هذا غير ما يتصدق به ويطلقه في بسط السنة مما هو في غير حكم الراتب المستقر وكان مقتصداً في ملبسه لا يتعدى لبس ثياب القطن من القماش الهندي والبعلبكي وغيره مما يباح ولا يكره لبسه، وحكى لي بعض الناصرية قال لما دخلنا الديار المصرية اتفق أن بعض الأمراء الأكابر عمل سماعاً وحضر بنفسه إلى الأمير جمال الدين رحمه الله ودعاه فوعده بالمضي إليه والحضور عنده فلما كان العشاء الآخرة مشى ونحن معه جماعة من خواصه ومماليكه إلى دار ذلك الأمير فلما دخل وجد في الدار جماعة من الأمراء جلوساً في إيوان الدار وجماعة من الفقراء جلوساً في وسط الدار فوقف ولم يدخل وقال لصاحب الدار وللأمراء أخطأتم فيما فعلتم كان ينبغي أن تقعد الفقراء فوق وأنتم في أرض الدار ولم يجلس حتى تحول الفقراء إلى مكان الأمراء والأمراء إلى مكان الفقراء وقعد هو ونحن بين الأمراء، فلما غنى المغاني قام أحدهم والدف بيده ودار على الجماعة لينقطوه وهذه كانت عادة المغاني في سماعات الديار المصرية فلما رآه الأمير جمال الدين انتهره وقال ألك أنت في الحلق وأشار إلى خازنداره فوضع في الدف كيساً فيه ألف درهم فلما رقص الجمع دار بينهم ورمى على المغني بغلطاقه وهو أبيض قطن بعلبكي ما يساوي عشرين درهماً فرمى سائر مماليكه
بغالطيقهم موافقة له وقيمتها فوق ثلاثة آلاف درهم ثم دار في التوبة الثانية ورمى على المغني منديله وهو أبيض كتان يساوي درهمين فرمى سائر أصحابه مناديلهم وفيها ما هو بالذهب وغيره ولعل قيمتها فوق ألف وخمسمائة درهم فحسبت أن المغاني حصل له منه ومن غلمانه في تلك الليلة قريب ستة آلاف درهم ولما عزم العزيزية على قبض الملك المعز اطلعوا الأمير جمال الدين فلم يوافقهم ونهاهم عن ذلك وعرفهم ما يترتب عليه من المفاسد وإن ضرر هذا العزم يلحقهم دون الملك المعز ولم ير الأمير جمال الدين أن يشي بهم إلى الملك المعز وبلغ المعز ما عزموا عليه وعلم العزيزية أنه علم وهو وهم في الميدان للعب الكرة في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين فهربوا على حمية والمشار إليه فيهم الأمير شمس الدين آقش البرلي وأما الأمير جمال الدين فلم يهرب لعلمه ببراءة ساحته فساق الملك المعز إلى قريب خيمة الأمير جمال الدين فخرج إليه فأمر بقبضه وسيره إلى قلعة الجل فاعتقل بها مضيقاً عليه فلما تحقق براءة ساحته وسع عليه وتركه في الاعتقال مكرماً مرفهاً وكان ذنبه عنده كونه لم يطلعه على ما عزم عليه أصحابه وأذن لأهل الأمير جمال الدين أن يحملوا عليه الطعام والشراب والملابس وكل ما يحتاج إليه ثم أظهر موته وأخفى خبره بالكلية فلما وقع الصلح بين الملك الناصر صلاح الدين يوسف وبين الملك المعز بسفارة الشيخ نجم الدين الباذراني وتوجه الشيخ نجم الدين المذكور
إلى الديار المصرية طلب من الملك المعز الإفراج عن الأمير جمال الدين فقال له الملك المعز ما بقي المولى يراه إلا في عرصات القيامة إشارة إلى أنه قد مات ولم يكن مات بل كان في قاعة بقلعة الجبل وعليه الملبوس الفاخر والملك المعز يدخل إليه في بعض الأوقات ويلعب معه بالشطرنج ولم يزل الأمير على ذلك حتى قتل الملك المعز وجرى ما أشرنا إليه عند قتله واستمر في الاعتقال إلى أن خرج الملك المظفر سيف الدين قطز رحمه الله لقتال التتار في سنة ثمان وخمسين، فلما من الله سبحانه وتعالى وكسرهم كتب إلى النواب بالديار المصرية بالإفراج عنه وتجهيزه إليه فأفرج عنه وسير إليه فلقيه في الطريق وقد خرج من دمشق فعاد معه واجتمع به الأمير ركن الدين البندقداري وأطلعه على شيء مما عزم عليه فأغلظ له في الجواب ونهاه عن ذلك وصده بكل طريق وقال له لو كان للملك المظفر في عنقي يمين لأخبرته بذلك وأطلعته عليه فإياك إياك أن تقع في ذلك فأظهر له الإصغاء إلى قوله وفعل ما كان عزم عليه من قتل الملك المظفر رحمه الله، ولما استقل بالسلطنة عظم الأمير جمال الدين في عينه ووثق به وسكن
إليه وكان عنده في أعلى المراتب وأعطاه إقطاعاً عظيماً وكان يرجع إلى رأيه ومشورته في الأمور الدينية وما يتعلق بالقضاة والعلماء والمشايخ وأرباب الخرق فإنه لم يكن يعدل عن رأيه في ذلك البتة وجهزه في هذه السنة إلى بلاد سيس والساحل مقدماً على طائفة من الجيش والأمير سيف الدين قلاون الألفي مقدماً على طائفة أخرى فأغاروا وغنموا وقتلوا وسبوا وأسروا وفتحوا حصوناً كثيرة وعادوا في شهر رمضان واجتازوا ببعلبك وكان بيننا وبين الأمير جمال الدين رحمه الله صحبة ومعرفة ومودة فحضر إلى مسجد الحنابلة وأشار إلى بأنه يريد الدخول إلى الحمام فأدخلته إليه، فلما خرج دفع إلى الحمامي جملة كثيرة من الدراهم وجمع بيننا وبين الأمير سيف الدين قلاوون رحمه الله في تلك الدفعة فحصلت المعرفة به من ذلك التاريخ ثم توجه إلى صفد وباشر الحصار بنفسه وكان في غزوات الكفار يبذل جهده ويتعرض للشهادة فجرح عليها وبقي مدة وألم الجراحة يتزايد وحمل إلى دمشق فتمرض بها إلى أن درج إلى رحمة الله تعالى وختم الله أعماله الصالحة بالشهادة وتوفاه إلى رضوانه ليلة عرفة ودفن في مقبرة رباط الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله بسفح قاسيون، وكان في محبة الصلحاء والفقراء والاعتقاد فيهم والبر بهم والتواضع لديهم أوحد عصره رحمه الله. يه وكان عنده في أعلى المراتب وأعطاه إقطاعاً عظيماً وكان يرجع إلى رأيه ومشورته في الأمور الدينية وما يتعلق بالقضاة والعلماء والمشايخ وأرباب الخرق فإنه لم يكن يعدل عن رأيه في ذلك البتة وجهزه في هذه السنة إلى بلاد سيس والساحل مقدماً على طائفة من الجيش والأمير سيف الدين قلاون الألفي مقدماً على طائفة أخرى فأغاروا وغنموا وقتلوا وسبوا وأسروا وفتحوا حصوناً كثيرة وعادوا
في شهر رمضان واجتازوا ببعلبك وكان بيننا وبين الأمير جمال الدين رحمه الله صحبة ومعرفة ومودة فحضر إلى مسجد الحنابلة وأشار إلى بأنه يريد الدخول إلى الحمام فأدخلته إليه، فلما خرج دفع إلى الحمامي جملة كثيرة من الدراهم وجمع بيننا وبين الأمير سيف الدين قلاوون رحمه الله في تلك الدفعة فحصلت المعرفة به من ذلك التاريخ ثم توجه إلى صفد وباشر الحصار بنفسه وكان في غزوات الكفار يبذل جهده ويتعرض للشهادة فجرح عليها وبقي مدة وألم الجراحة يتزايد وحمل إلى دمشق فتمرض بها إلى أن درج إلى رحمة الله تعالى وختم الله أعماله الصالحة بالشهادة وتوفاه إلى رضوانه ليلة عرفة ودفن في مقبرة رباط الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله بسفح قاسيون، وكان في محبة الصلحاء والفقراء والاعتقاد فيهم والبر بهم والتواضع لديهم أوحد عصره رحمه الله.
جلدك بن عبد الله أبو الجود الرومي الفائزي كان أميراً جليلاً فاضلاً خبيراً بالسياسة وله نظم جيد وتولى عدة ولايات وكان مشكور السيرة وتوفي بالقاهرة في سابع عشر شوال ودفن بالقرافة رحمه الله.
الحسن بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن أحمد ابن الحسين ابن صصرى أبو المواهب بهاء الدين التغلبي الدمشقي مولده سنة أربع وتسعين وخمسمائة تخميناً، سمع من عمر بن طبرزد وأبي اليمن الكندي وغيرهما وحدث وكان من أعيان العدول الرؤساء والصدور الأماثل وبيته معروف بالحديث والتقدم والرئاسة والنبل، وتوفي في
رابع صفر بدمشق ودفن بسفح قاسيون رحمه الله.
عبد الرحمن بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى أبو محمد شرف الدين التغلبي مولده سنة إحدى وتسعين وخمسائة تخميناً بدمشق، سمع من عمر بن طبرزد وحنبل والكندي وغيرهم وحدث وكان من الرؤساء المتعينين وذوي الثروة والوجاهة وتولى عدة مناصب جليلة بدمشق وبيته معروف بالعدالة والرواية وتوفي في حادي عشر شعبان بدمشق ودفن بسفح قاسيون رحمه الله.
علي بن الحسين بن محمد بن الحسين بن زيد بن الحسن بن مظفر أبو الحسن الحسيني الأرموي الأصل المصري المولد والدار ومولده سنة ثلاث وستمائة سمع وحدث وتولى نقابة الأشراف بالديار المصرية مدة وتوفي بالقاهرة في الحادي والعشرين من صفر ودفن من الغد رحمه الله.
محمد بن عبد الجليل بن عبد الكريم أبو عبد الله جمال الدين الموقاني الأصل المقدسي المولد الدمشقي الدار والوفاة، سمع الكثير وكتب وحدث وكان يعاني مشترى الكتب النفيسة للانتفاع والمتجر وكان عنده يقظة ومعرفة وأدب وفضيلة وكان يشتري الأشياء المستحسنة من كل نوع ظريف وتوفي في حادي عشر ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون رحمه الله وهو في عشر السبعين تقريباً أهدى إلى الأمير جمال الدين أبي الفتح موسى بن يغمور رحمه الله كتباً وموسى وكتب مع هديته:
بعثت بكتب نحو مولى قد اغتدت
…
كتائبه يزهو بها الغور والنجد
وأهديت موسى نحو موسى فلا تخل
…
بتشريكه في اللفظ قد أخطأ العبد
فهذا له حد ولا فضل عنده
…
وذاك له فضل وليس له حد
وظاهر الحال أن هذه الأبيات لسعد الدين محمد بن العربي فإن الجمال لم يكن له يد في النظم والله أعلم، وطلب الشيخ نجم الدين الباذراني رحمه الله من الموقاني صحاح الجوهري فكتب إليه من نظم سعد الدين:
ما كان من كتبي نفيساً بعته
…
إذ كنت أنت من النجوم المشتري
والبحر أنت وقد أتيتك قاصداً
…
فأطلق بفضلك صحاح الجوهري
ومن المنسوب إليه أيضاً:
لذيذ الكرى مذ فارقوا فارق الجفنا
…
وواصل قلبي بعد بعدهم الحزنا
فما رحلوا حتى أسباحوا نفوسنا
…
كأنهم كانوا أحق بها منا
ولولا الهوى العذري ما انقاد للهوى
…
نفوس رأت في طاعة إلى أن تفنى
محمد بن منصور بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن محمد بن الفضل بن الحضرمي أبو عبد الله المالكي العدل، سمع الحديث وحدث بالثغر وكان ظريف الشكل حسن المحاضرة يحفظ كثيراً من الأدبيات والأناشيد، قال أبو المظفر منصور ابن سليم أنشدنا محمد بن الحضرمي بالإسكندرية قال أنشدنا صاحبنا الشرف أبو محمد عبد الملك بن
عتيق الشاعر لنفسه في البحر:
يا قوم ما بال لج البحر في قلق
…
كأنه من فراق الحب في فرق
تراه يخشى وقد وافيت ساحله
…
من بحر دمعي أن يغشاه بالغرق
قال أبو المظفر قال وأنشدنا لنفسه يصف شقائق النعمان:
لله زهر شقيق حين رمت له
…
وصفاً تقاصر تعبيري وتحبيري
كأنه وجنات الغيد قد نقطت
…
بالمسك من تحت أطراف المواسير
توفي محمد بن الحضرمي رحمه الله في يوم الأحد العشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة وصلى عليه ودفن بين الميناوين بثغر الإسكندرية.
هولاكو بن قآن بن جنكز خان ملك التتار كان من أعظم ملوك التتار حازماً شجاعاً مدبراً ذا همة عالية وسطوة عظيمة ومهابة شديدة ونهضة تامة وكفاية بالغة واستقلال بتدبير الممالك والأقاليم وخبرة بالحروب وافتتاح المعاقل والحصون ومحبة في العلوم العقلية من غير أن يتعقل منها شيئاً البتة واستدعى إليه من العلماء كالمؤيد العرضي والتقى على الحديثي وابن طليب وغيرهم وجمع حكماء مملكته وأمرهم أن يرصدوا الكواكب ويحققوا أمرها ولم يكن في ملوك التتر من يضاهيه في ذلك ولا يدانيه وكان واسع الصدر يطلق الكثير من الأموال والبلاد مما يشح التتر بمثله فإن الغالب عليهم الشح وكان على قاعدة المغل في عدم تقيد بدين أو ميل إليه وإنما كانت زوجته طقزخاتون قد تنصرت فكانت تعضد
النصارى وتقيم شعارهم بتلك البلاد التي استولى عليها وكان سعيداً في حروبه وحصاراته لم يرم أمراً إلا ويسهل عليه ولم يتعذر وحصل في قلوب الناس كافة من الرعب منه ما أوجب انقيادهم إليه أو هربهم بين يديه فطوى البلاد واستولى على الممالك والأقاليم في أيسر مدة ففتح بلاد خراسان وإذربيجان وفارس وعراق العجم وعراق العرب والشام والجزيرة والموصل وديار بكر والروم والشرق وغير ذلك من البلاد وهزم جيوشها وأباد ملوكها، وكانت وفاته في هذه السنة بكوكر جلك وقيل أن وفاته كانت في سابع ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وستمائة ببلد مراغة ونقل إلى قلعة تلا فدفن بها وبنى عليه قبة ووكل به ولد الكانوين وكان هلاكه بعلة الصرع فإنه كان حصل له منذ قتل الملك الكامل صاحب ميافارقين رحمه الله الصرع في كل وقت فكان يعتريه في اليوم الواحد المرة والمرتين والثلاث ولما عاد من كسرة بركة في المحرم أقام بجمع العساكر وعزم على العود فزاد به الصرع فمرض ولم يزل ضعيفاً ونحو شهرين وهلك فأخفوا موته وصبروه وجعلوه في تابوت من خشب وقيل أنهم لم يدفنوه بل علقوا تابوته بسلاسل في قلعة تلا من أعمال سلماس ثم أظهروا موته وكان ولده أبغا في بلد بايغز في مقابلة برق فسير أكابر المقدمين في طلبه فلما حضر أجلسوه على التخت مكان أبيه وكتب إلى ممالكه يعرفهم بجلوسه واستقامة الأمر له وخلف هولاكو من الأولاد سبعة عشر ذكراً غير البنات وهم أبغا المذكور ملك
الأمر بعده ويشموط وهو الذي كان تولى حصار الملك الكامل رحمه الله بميافارقين وسن وتكشى وهو سفاك للدماء جبار كثير القتل واجاى ويستر ومنكوتمر وهو الذي قدم بالعساكر والجحافل إلى الشام في سنة ثمانين وستمائة ومن الله تعالى بالنصرة عليه ظاهر حمص ولله الحمد وباكودر وأرغون ونغاي دمر وأحمد وهو الذي ملك البلاد بعد أبغا وكان مسلماً حسن السيرة والباقون صغار لم تحقق أسماؤهم وكان تقدير عمر هولاكو وقت وفاته فوق الستين سنة أفنى فيها من الأمم ما لا يحصيه إلا الله تعالى، حكى القاضي سراج الدين الأرموي رحمه الله أنه توجه إلى هولاكو رسولاً من جهة صاحب الروم بعد أخذه بغداد قال سراج الدين فلما دخلت عليه وجدت حوله صبياً صغيراً يلعب فلما وقعت عيني على الصغير أخذ بمجامع قلبي ولم أستطع كف بصري عنه فلما رأى ذلك مني هولاكو قال للترجمان قال له تعرف هذا الصبي من هو قال سراج الدين فلما قال لي الترجمان ذلك قلت لا قال فلم تديم النظر إليه فقلت أجد نفسي الميل إليه من غير اختيار مني فقال هذا ولد الخليفة قال سراج الدين فقمت قائماً وقبلت قدمي ذلك الصغير فقال هولاكو للترجمان عرفه أننا قد أقمنا له من يؤدبه بآداب المسلمين ويعلمه دين الإسلام ولم ندخله في دين المغل