المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ركب في مركب وزحف على القلعة فأرسى به مركبه على - ذيل مرآة الزمان - جـ ٢

[اليونيني، أبو الفتح]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البند قداري

- ‌ ذكر دخول التتر إلى الشام

- ‌ واندفاع عسكر حلب وحماة بين أيديهم

- ‌فصل

- ‌ذكر بدايته

- ‌نبذة من كراماته

- ‌ ذكر قطبيته رحمه الله

- ‌ذكر أدب الملوك والوزراء بين يديه

- ‌السنة التاسعة والخمسون وستمائة

- ‌متجددات الأحوال في هذه السنة

- ‌ذكر انتزاع دمشق من يد الأمير علم الدين الحلبي

- ‌ذكر نزوح التتار عن حلب وما حدث بعد نزوحهم

- ‌ذكر وصول المستنصر بالله إلى القاهرة ومبايعته

- ‌باب في مبايعته

- ‌نسخة التقليد

- ‌ذكر ولاية الأمير علم الدين الحلبي نيابة السلطنة بحلب

- ‌ذكر أخذ البرلي البيرة وعوده إلى حلب

- ‌ذكر وصول ولدي صاحب الموصل إلى القاهرة

- ‌ذكر توجه الخليفة والسلطان إلى الشام

- ‌ وأولاد صاحب الموصل

- ‌ذكر مصاهرة الخزندار المواصلة

- ‌ذكر وصول الخليفة والسلطان إلى

- ‌دمشق وخروج الخليفة منها

- ‌ذكر توجه الخليفة إلى العراق

- ‌ ذكر القبض على علم الدين الحلبي

- ‌ذكر خروج الأمير شمي الدين البرلي والعزيزية من دمشق على حمية

- ‌واستيلائهم على حلب

- ‌ذكر بيعة المستنصر بالله أبي القاسم أحمد بمصر

- ‌ذكر تبريز الملك الظاهر والخليفة للمسير إلى الشام

- ‌فصل

- ‌ذكر سيرة الملك الناصر

- ‌رحمه الله

- ‌السنة الستون وستمائة

- ‌ذكر عود البرلي إلى حلب وخروجه عنها

- ‌ذكر ما آل إليه أمر أولاد صاحب الموصل

- ‌بعد فراقهم المستنصر بالله

- ‌ذكر حصار الموصل

- ‌ذكر استيلاء التتر على الموصل

- ‌وقتل الملك الصالح صاحبها

- ‌ذكر رسل الملك الظاهر إلى السلطان عز الدين

- ‌صاحب الروم

- ‌ذكر الخلف الواقع بين هولاكو وبركة

- ‌فصل

- ‌فيها درج إلى رحمة الله تعالى الإمام المستنصر بالله

- ‌السنة الحادية والستون وستمائة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى الشام

- ‌وقبضه على الملك المغيث صاحب الكرك

- ‌حرب جرت بين بركة وهولاكو

- ‌فصل وفيها توفي

- ‌السنة الثانية والستون وستمائة

- ‌متجددات السنة

- ‌ فصل

- ‌السنة الثالثة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر قبض الملك الظاهر على سنقر الأقرع

- ‌فصل

- ‌السنة الرابعة والستون وستمائة

- ‌مجددات الأحوال

- ‌ فصل

- ‌السنة الخامسة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌فصل

- ‌السنة السادسة والستون وستمائة

- ‌ذكر خلاص الأمير شمس الدين سنقر الأشقر

- ‌ذكر قطيعة قررت على بساتين دمشق

- ‌ذكر أخذ مالك بن منيف المدينة الشريفة

- ‌السنة السابعة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ ذكر ما تجدد في هذه السنة من حوادث بلاد الشمال والعجم

- ‌فصل

- ‌السنة الثامنة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر كسرة أبغا لبرق

- ‌ذكر المصاف

- ‌فصل

- ‌السنة التاسعة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌ذكر دخول آجاي بن هولاكو وصمغرا

- ‌صحبته إلى بلاد الروم

- ‌فصل

- ‌السنة السبعون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى حلب

- ‌ذكر وصول رسل التتر إلى الملك الظاهر

- ‌فصل

الفصل: ركب في مركب وزحف على القلعة فأرسى به مركبه على

ركب في مركب وزحف على القلعة فأرسى به مركبه على طرف النهر فانقلب بمن فيه وغرق الرجالة وخرج الركاب من البحر وكان باب القلعة مفتوحاً فخرج غضراس راكباً وقصدهم وحمل على تاج الدين ليطعنه فتقنطر به فرسه فقتله تاج الدين وهجم القلعة فأخذها فلما استولى البرواناة عليها ادعى أنها فتوحه وكتب إلى أبغا وإلى مخدومه وجميع المجاورين بالفتح ونسبه إلى نفسه فعظم قدره فاستشعر منه ركن الدين واستشعر هو أيضاً منه وحصل بينهما باطن أوجب أنه أوسع الحيلة في قتل ركن الدين على ما يأتي إن شاء الله في سنة ست وستين.

وفيها جمع أرى جرل أخو ريدا فرنس وقصد جزيرة صقلية وحارب الأنبرور ملكها على مدينة سرقوسة فهزم عسكره وقتله في المصاف واستولى على جزيرة صقلية.

؟‌

‌ فصل

وفيها توفي إبراهيم بن عمر بن خضر بن محمد بن فارس بن إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق رضي الدين المضرى الواسطي البرزي التاجر المعروف بابن البرهان مولده بواسط سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة سمع صحيح مسلم بنيسابور على أبي الفتح منصور بن عبد المنعم الفراوي وحدث به مراراً عدة بدمشق ومصر والقاهرة واليمن وذكر أنه سمع من أبي الحسن المؤيد بن محمد الطوسي وأجاز له جماعة كثيرة، وكان شيخاً صالحاً ديناً حسن الشكل من أكابر التجار المتمولين المعروفين بإخراج الزكاة

ص: 348

على وجهها وكان له صدقات وبر وعنده سكون وخشوع وكان يقال أن معه أربعين ألف دينار فكان يخرج الزكاة في كل سنة ألف دينار غير ما يتصدق به على وجه التبرع وجميع ما يكتسبه ينفقه على نفسه وفي الطاعات والقرب ورأس المال بحاله لا ينقصه ولا يزيده وكانت وفاته في حادي عشر شهر رجب بالإسكندرية ودفن بين الميناوين رحمه الله، وبرز بضم الباء قرية من عمل واسط.

أحمد بن سالم بن..... أبو العباس جمال الدين المصري النحوي كان بداية أمره فقيراً مجرداً متزهداً مع فضيلته التامة وأقام بحلب مدة ثم قدم دمشق وتصدر لإقراء النحو بالمدرسة الناصرية وبمقصورة الحنفية الشرقية بجامع دمشق وتأهل بابنة الشيخ زين الدين إبراهيم بن أحمد بن أبي الفرج الحنفي إمام المقصورة المشار إليها وأولدها أولاداً وتوفي إلى رحمه الله تعالى في ثاني عشر شوال بدمشق ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله وتوجع زين الدين المذكور لوفاته وحزن لفقده كثيراً فكتب إليه بدر الدين يوسف بن الحنفي:

عزاءك زين الدين في الذاهب الذي

بكته بنو الآداب مثنى وموحدا

همو فارقوا منه الخليل بن أحمد

وأنت ففارقت الخليل وأحمدا

وكان الشيخ أحمد المذكور حسن العشرة كريم الأخلاق كثير التواضع لين الجانب وافر الدين مشاركاً في كثير من العلوم مستقلاً

ص: 349

بعلم النحو والعربية وانتفع به جماعة كثيرة رحمه الله.

أحمد بن عبد الله بن شعيب بن محمد بن عبد الله أبو العباس جمال الدين التميمي الصقلي ثم الدمشقي قرأ القرآن الكريم على الشيخ علم الدين السخاوي رحمه الله وسمع الكثير وحدث وكانت عنده كتب كثيرة نفيسة وأصول حسنة وكان في عنفوان شبابه قد تزوج ابنة الشيخ علم الدين السخاوي وأولادها وتوفيت هي والولد فلم يتزوج بعدها وكان شديد الشح على نفسه كثير التقتير عليها مع الجدة الوافرة، ولما حصل له المرض الذي مات فيه تمرض في بيته بالمدرسة العزيزية وبقي مضيعاً ولا يمكن أحداً من دخول البيت لخوفه على ما فيه ووقف داره على فقهاء المالكية وأوصى لهم بثلث ما له فنفذت وصيته وتوفي في ليلة خامس جمادى الأولى أو رابعه ودفن من الغد بسفح قاسيون رحمه الله وهو في عشر السبعين واحتاط ديوان الحشر على تركته وبيعت كتبه النفيسة التي كان يشح برؤيتها على أرباب الجاهات بأبخس الأثمان ولم يوف ثمن أكثرها جملة كافية أنشد الجمال المذكور لنفسه أو لغيره:

نحن الكلعنيون لا نأتلي

في ذم من أطعمنا أو سقى

سيان من أطعمنا حبة

في الذم أو أطعمنا أو سقا

أيدغدي بن عبد الله الأمير جمال الدين العزيزي سمع وحدث وكان أميراً كبيراً عظيم القدر مشهوراً بالشجاعة والكرم والديانة والحشمة وسعة الصدر وكبر النفس وعلو الهمة كثير الصدقات والبر

ص: 350

والمعروف وللفقراء والمشايخ أصحاب الزوايا وأرباب البيوتات عليه من الرواتب في كل سنة ما يزيد على مائة ألف درهم وألوف كثيرة أرادب قمح هذا غير ما يتصدق به ويطلقه في بسط السنة مما هو في غير حكم الراتب المستقر وكان مقتصداً في ملبسه لا يتعدى لبس ثياب القطن من القماش الهندي والبعلبكي وغيره مما يباح ولا يكره لبسه، وحكى لي بعض الناصرية قال لما دخلنا الديار المصرية اتفق أن بعض الأمراء الأكابر عمل سماعاً وحضر بنفسه إلى الأمير جمال الدين رحمه الله ودعاه فوعده بالمضي إليه والحضور عنده فلما كان العشاء الآخرة مشى ونحن معه جماعة من خواصه ومماليكه إلى دار ذلك الأمير فلما دخل وجد في الدار جماعة من الأمراء جلوساً في إيوان الدار وجماعة من الفقراء جلوساً في وسط الدار فوقف ولم يدخل وقال لصاحب الدار وللأمراء أخطأتم فيما فعلتم كان ينبغي أن تقعد الفقراء فوق وأنتم في أرض الدار ولم يجلس حتى تحول الفقراء إلى مكان الأمراء والأمراء إلى مكان الفقراء وقعد هو ونحن بين الأمراء، فلما غنى المغاني قام أحدهم والدف بيده ودار على الجماعة لينقطوه وهذه كانت عادة المغاني في سماعات الديار المصرية فلما رآه الأمير جمال الدين انتهره وقال ألك أنت في الحلق وأشار إلى خازنداره فوضع في الدف كيساً فيه ألف درهم فلما رقص الجمع دار بينهم ورمى على المغني بغلطاقه وهو أبيض قطن بعلبكي ما يساوي عشرين درهماً فرمى سائر مماليكه

ص: 351

بغالطيقهم موافقة له وقيمتها فوق ثلاثة آلاف درهم ثم دار في التوبة الثانية ورمى على المغني منديله وهو أبيض كتان يساوي درهمين فرمى سائر أصحابه مناديلهم وفيها ما هو بالذهب وغيره ولعل قيمتها فوق ألف وخمسمائة درهم فحسبت أن المغاني حصل له منه ومن غلمانه في تلك الليلة قريب ستة آلاف درهم ولما عزم العزيزية على قبض الملك المعز اطلعوا الأمير جمال الدين فلم يوافقهم ونهاهم عن ذلك وعرفهم ما يترتب عليه من المفاسد وإن ضرر هذا العزم يلحقهم دون الملك المعز ولم ير الأمير جمال الدين أن يشي بهم إلى الملك المعز وبلغ المعز ما عزموا عليه وعلم العزيزية أنه علم وهو وهم في الميدان للعب الكرة في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين فهربوا على حمية والمشار إليه فيهم الأمير شمس الدين آقش البرلي وأما الأمير جمال الدين فلم يهرب لعلمه ببراءة ساحته فساق الملك المعز إلى قريب خيمة الأمير جمال الدين فخرج إليه فأمر بقبضه وسيره إلى قلعة الجل فاعتقل بها مضيقاً عليه فلما تحقق براءة ساحته وسع عليه وتركه في الاعتقال مكرماً مرفهاً وكان ذنبه عنده كونه لم يطلعه على ما عزم عليه أصحابه وأذن لأهل الأمير جمال الدين أن يحملوا عليه الطعام والشراب والملابس وكل ما يحتاج إليه ثم أظهر موته وأخفى خبره بالكلية فلما وقع الصلح بين الملك الناصر صلاح الدين يوسف وبين الملك المعز بسفارة الشيخ نجم الدين الباذراني وتوجه الشيخ نجم الدين المذكور

ص: 352

إلى الديار المصرية طلب من الملك المعز الإفراج عن الأمير جمال الدين فقال له الملك المعز ما بقي المولى يراه إلا في عرصات القيامة إشارة إلى أنه قد مات ولم يكن مات بل كان في قاعة بقلعة الجبل وعليه الملبوس الفاخر والملك المعز يدخل إليه في بعض الأوقات ويلعب معه بالشطرنج ولم يزل الأمير على ذلك حتى قتل الملك المعز وجرى ما أشرنا إليه عند قتله واستمر في الاعتقال إلى أن خرج الملك المظفر سيف الدين قطز رحمه الله لقتال التتار في سنة ثمان وخمسين، فلما من الله سبحانه وتعالى وكسرهم كتب إلى النواب بالديار المصرية بالإفراج عنه وتجهيزه إليه فأفرج عنه وسير إليه فلقيه في الطريق وقد خرج من دمشق فعاد معه واجتمع به الأمير ركن الدين البندقداري وأطلعه على شيء مما عزم عليه فأغلظ له في الجواب ونهاه عن ذلك وصده بكل طريق وقال له لو كان للملك المظفر في عنقي يمين لأخبرته بذلك وأطلعته عليه فإياك إياك أن تقع في ذلك فأظهر له الإصغاء إلى قوله وفعل ما كان عزم عليه من قتل الملك المظفر رحمه الله، ولما استقل بالسلطنة عظم الأمير جمال الدين في عينه ووثق به وسكن

إليه وكان عنده في أعلى المراتب وأعطاه إقطاعاً عظيماً وكان يرجع إلى رأيه ومشورته في الأمور الدينية وما يتعلق بالقضاة والعلماء والمشايخ وأرباب الخرق فإنه لم يكن يعدل عن رأيه في ذلك البتة وجهزه في هذه السنة إلى بلاد سيس والساحل مقدماً على طائفة من الجيش والأمير سيف الدين قلاون الألفي مقدماً على طائفة أخرى فأغاروا وغنموا وقتلوا وسبوا وأسروا وفتحوا حصوناً كثيرة وعادوا في شهر رمضان واجتازوا ببعلبك وكان بيننا وبين الأمير جمال الدين رحمه الله صحبة ومعرفة ومودة فحضر إلى مسجد الحنابلة وأشار إلى بأنه يريد الدخول إلى الحمام فأدخلته إليه، فلما خرج دفع إلى الحمامي جملة كثيرة من الدراهم وجمع بيننا وبين الأمير سيف الدين قلاوون رحمه الله في تلك الدفعة فحصلت المعرفة به من ذلك التاريخ ثم توجه إلى صفد وباشر الحصار بنفسه وكان في غزوات الكفار يبذل جهده ويتعرض للشهادة فجرح عليها وبقي مدة وألم الجراحة يتزايد وحمل إلى دمشق فتمرض بها إلى أن درج إلى رحمة الله تعالى وختم الله أعماله الصالحة بالشهادة وتوفاه إلى رضوانه ليلة عرفة ودفن في مقبرة رباط الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله بسفح قاسيون، وكان في محبة الصلحاء والفقراء والاعتقاد فيهم والبر بهم والتواضع لديهم أوحد عصره رحمه الله. يه وكان عنده في أعلى المراتب وأعطاه إقطاعاً عظيماً وكان يرجع إلى رأيه ومشورته في الأمور الدينية وما يتعلق بالقضاة والعلماء والمشايخ وأرباب الخرق فإنه لم يكن يعدل عن رأيه في ذلك البتة وجهزه في هذه السنة إلى بلاد سيس والساحل مقدماً على طائفة من الجيش والأمير سيف الدين قلاون الألفي مقدماً على طائفة أخرى فأغاروا وغنموا وقتلوا وسبوا وأسروا وفتحوا حصوناً كثيرة وعادوا

ص: 353

في شهر رمضان واجتازوا ببعلبك وكان بيننا وبين الأمير جمال الدين رحمه الله صحبة ومعرفة ومودة فحضر إلى مسجد الحنابلة وأشار إلى بأنه يريد الدخول إلى الحمام فأدخلته إليه، فلما خرج دفع إلى الحمامي جملة كثيرة من الدراهم وجمع بيننا وبين الأمير سيف الدين قلاوون رحمه الله في تلك الدفعة فحصلت المعرفة به من ذلك التاريخ ثم توجه إلى صفد وباشر الحصار بنفسه وكان في غزوات الكفار يبذل جهده ويتعرض للشهادة فجرح عليها وبقي مدة وألم الجراحة يتزايد وحمل إلى دمشق فتمرض بها إلى أن درج إلى رحمة الله تعالى وختم الله أعماله الصالحة بالشهادة وتوفاه إلى رضوانه ليلة عرفة ودفن في مقبرة رباط الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله بسفح قاسيون، وكان في محبة الصلحاء والفقراء والاعتقاد فيهم والبر بهم والتواضع لديهم أوحد عصره رحمه الله.

جلدك بن عبد الله أبو الجود الرومي الفائزي كان أميراً جليلاً فاضلاً خبيراً بالسياسة وله نظم جيد وتولى عدة ولايات وكان مشكور السيرة وتوفي بالقاهرة في سابع عشر شوال ودفن بالقرافة رحمه الله.

الحسن بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن أحمد ابن الحسين ابن صصرى أبو المواهب بهاء الدين التغلبي الدمشقي مولده سنة أربع وتسعين وخمسمائة تخميناً، سمع من عمر بن طبرزد وأبي اليمن الكندي وغيرهما وحدث وكان من أعيان العدول الرؤساء والصدور الأماثل وبيته معروف بالحديث والتقدم والرئاسة والنبل، وتوفي في

ص: 354

رابع صفر بدمشق ودفن بسفح قاسيون رحمه الله.

عبد الرحمن بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى أبو محمد شرف الدين التغلبي مولده سنة إحدى وتسعين وخمسائة تخميناً بدمشق، سمع من عمر بن طبرزد وحنبل والكندي وغيرهم وحدث وكان من الرؤساء المتعينين وذوي الثروة والوجاهة وتولى عدة مناصب جليلة بدمشق وبيته معروف بالعدالة والرواية وتوفي في حادي عشر شعبان بدمشق ودفن بسفح قاسيون رحمه الله.

علي بن الحسين بن محمد بن الحسين بن زيد بن الحسن بن مظفر أبو الحسن الحسيني الأرموي الأصل المصري المولد والدار ومولده سنة ثلاث وستمائة سمع وحدث وتولى نقابة الأشراف بالديار المصرية مدة وتوفي بالقاهرة في الحادي والعشرين من صفر ودفن من الغد رحمه الله.

محمد بن عبد الجليل بن عبد الكريم أبو عبد الله جمال الدين الموقاني الأصل المقدسي المولد الدمشقي الدار والوفاة، سمع الكثير وكتب وحدث وكان يعاني مشترى الكتب النفيسة للانتفاع والمتجر وكان عنده يقظة ومعرفة وأدب وفضيلة وكان يشتري الأشياء المستحسنة من كل نوع ظريف وتوفي في حادي عشر ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون رحمه الله وهو في عشر السبعين تقريباً أهدى إلى الأمير جمال الدين أبي الفتح موسى بن يغمور رحمه الله كتباً وموسى وكتب مع هديته:

ص: 355

بعثت بكتب نحو مولى قد اغتدت

كتائبه يزهو بها الغور والنجد

وأهديت موسى نحو موسى فلا تخل

بتشريكه في اللفظ قد أخطأ العبد

فهذا له حد ولا فضل عنده

وذاك له فضل وليس له حد

وظاهر الحال أن هذه الأبيات لسعد الدين محمد بن العربي فإن الجمال لم يكن له يد في النظم والله أعلم، وطلب الشيخ نجم الدين الباذراني رحمه الله من الموقاني صحاح الجوهري فكتب إليه من نظم سعد الدين:

ما كان من كتبي نفيساً بعته

إذ كنت أنت من النجوم المشتري

والبحر أنت وقد أتيتك قاصداً

فأطلق بفضلك صحاح الجوهري

ومن المنسوب إليه أيضاً:

لذيذ الكرى مذ فارقوا فارق الجفنا

وواصل قلبي بعد بعدهم الحزنا

فما رحلوا حتى أسباحوا نفوسنا

كأنهم كانوا أحق بها منا

ولولا الهوى العذري ما انقاد للهوى

نفوس رأت في طاعة إلى أن تفنى

محمد بن منصور بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن محمد بن الفضل بن الحضرمي أبو عبد الله المالكي العدل، سمع الحديث وحدث بالثغر وكان ظريف الشكل حسن المحاضرة يحفظ كثيراً من الأدبيات والأناشيد، قال أبو المظفر منصور ابن سليم أنشدنا محمد بن الحضرمي بالإسكندرية قال أنشدنا صاحبنا الشرف أبو محمد عبد الملك بن

ص: 356

عتيق الشاعر لنفسه في البحر:

يا قوم ما بال لج البحر في قلق

كأنه من فراق الحب في فرق

تراه يخشى وقد وافيت ساحله

من بحر دمعي أن يغشاه بالغرق

قال أبو المظفر قال وأنشدنا لنفسه يصف شقائق النعمان:

لله زهر شقيق حين رمت له

وصفاً تقاصر تعبيري وتحبيري

كأنه وجنات الغيد قد نقطت

بالمسك من تحت أطراف المواسير

توفي محمد بن الحضرمي رحمه الله في يوم الأحد العشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة وصلى عليه ودفن بين الميناوين بثغر الإسكندرية.

هولاكو بن قآن بن جنكز خان ملك التتار كان من أعظم ملوك التتار حازماً شجاعاً مدبراً ذا همة عالية وسطوة عظيمة ومهابة شديدة ونهضة تامة وكفاية بالغة واستقلال بتدبير الممالك والأقاليم وخبرة بالحروب وافتتاح المعاقل والحصون ومحبة في العلوم العقلية من غير أن يتعقل منها شيئاً البتة واستدعى إليه من العلماء كالمؤيد العرضي والتقى على الحديثي وابن طليب وغيرهم وجمع حكماء مملكته وأمرهم أن يرصدوا الكواكب ويحققوا أمرها ولم يكن في ملوك التتر من يضاهيه في ذلك ولا يدانيه وكان واسع الصدر يطلق الكثير من الأموال والبلاد مما يشح التتر بمثله فإن الغالب عليهم الشح وكان على قاعدة المغل في عدم تقيد بدين أو ميل إليه وإنما كانت زوجته طقزخاتون قد تنصرت فكانت تعضد

ص: 357

النصارى وتقيم شعارهم بتلك البلاد التي استولى عليها وكان سعيداً في حروبه وحصاراته لم يرم أمراً إلا ويسهل عليه ولم يتعذر وحصل في قلوب الناس كافة من الرعب منه ما أوجب انقيادهم إليه أو هربهم بين يديه فطوى البلاد واستولى على الممالك والأقاليم في أيسر مدة ففتح بلاد خراسان وإذربيجان وفارس وعراق العجم وعراق العرب والشام والجزيرة والموصل وديار بكر والروم والشرق وغير ذلك من البلاد وهزم جيوشها وأباد ملوكها، وكانت وفاته في هذه السنة بكوكر جلك وقيل أن وفاته كانت في سابع ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وستمائة ببلد مراغة ونقل إلى قلعة تلا فدفن بها وبنى عليه قبة ووكل به ولد الكانوين وكان هلاكه بعلة الصرع فإنه كان حصل له منذ قتل الملك الكامل صاحب ميافارقين رحمه الله الصرع في كل وقت فكان يعتريه في اليوم الواحد المرة والمرتين والثلاث ولما عاد من كسرة بركة في المحرم أقام بجمع العساكر وعزم على العود فزاد به الصرع فمرض ولم يزل ضعيفاً ونحو شهرين وهلك فأخفوا موته وصبروه وجعلوه في تابوت من خشب وقيل أنهم لم يدفنوه بل علقوا تابوته بسلاسل في قلعة تلا من أعمال سلماس ثم أظهروا موته وكان ولده أبغا في بلد بايغز في مقابلة برق فسير أكابر المقدمين في طلبه فلما حضر أجلسوه على التخت مكان أبيه وكتب إلى ممالكه يعرفهم بجلوسه واستقامة الأمر له وخلف هولاكو من الأولاد سبعة عشر ذكراً غير البنات وهم أبغا المذكور ملك

ص: 358

الأمر بعده ويشموط وهو الذي كان تولى حصار الملك الكامل رحمه الله بميافارقين وسن وتكشى وهو سفاك للدماء جبار كثير القتل واجاى ويستر ومنكوتمر وهو الذي قدم بالعساكر والجحافل إلى الشام في سنة ثمانين وستمائة ومن الله تعالى بالنصرة عليه ظاهر حمص ولله الحمد وباكودر وأرغون ونغاي دمر وأحمد وهو الذي ملك البلاد بعد أبغا وكان مسلماً حسن السيرة والباقون صغار لم تحقق أسماؤهم وكان تقدير عمر هولاكو وقت وفاته فوق الستين سنة أفنى فيها من الأمم ما لا يحصيه إلا الله تعالى، حكى القاضي سراج الدين الأرموي رحمه الله أنه توجه إلى هولاكو رسولاً من جهة صاحب الروم بعد أخذه بغداد قال سراج الدين فلما دخلت عليه وجدت حوله صبياً صغيراً يلعب فلما وقعت عيني على الصغير أخذ بمجامع قلبي ولم أستطع كف بصري عنه فلما رأى ذلك مني هولاكو قال للترجمان قال له تعرف هذا الصبي من هو قال سراج الدين فلما قال لي الترجمان ذلك قلت لا قال فلم تديم النظر إليه فقلت أجد نفسي الميل إليه من غير اختيار مني فقال هذا ولد الخليفة قال سراج الدين فقمت قائماً وقبلت قدمي ذلك الصغير فقال هولاكو للترجمان عرفه أننا قد أقمنا له من يؤدبه بآداب المسلمين ويعلمه دين الإسلام ولم ندخله في دين المغل

ص: 359