الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرية لفيا من أعمال القدس يصرف ربع ذلك في خبز وفلوس وإصلاح نعال من يرد عليه من المسافرين وبنى به طاحوناً وفرناً.
وفيها اشتد الغلاء بمصر وأعمالها فبلغ الأردب القمح مائة وخمسة دراهم نقرة والشعير وسبعين درهماً وثلاثة أرطال خبز بالمصري بدرهم نقرة ورطل اللحم بالمصري وهو مائة وأربعة وأربعون درهماً بدرهم وثلث نقرة ففرق الملك الظاهر الصعاليك على الأغنياء والأمراء وألزمهم بإطعامهم وفرق من شونة القمح على أرباب الزوايا ورتب أن يفرق كل يوم في الفقراء مائة أردب مخبوزة بجامع ابن طولون ودام ذلك إلى أن دخلت الغلال الجديدة في شهر رمضان وبيع القمح بالإسكندرية الأردب بثلاثمائة وعشرين درهماً ورقاً وانحط في يوم واحد إلى أربعين درهماً ورقاً.
وفيها أحضر إلى بين يدي الملك الظاهر طفل ميت له رأسان وأربع أعين وأربع أيد وأربع أرجل فأمر بدفنه.
وفي آخر هذه السنة قتل الزين سليمان الحافظي وسنذكره إن شاء الله تعالى.
؟
فصل
وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن عبد الله بن علوان بن رافع أبو العباس كمال الدين الأسدي الحلبي الشافعي
المعروف بابن الأستاذ قاضي القضاة بحلب وأعمالها مولده ليلة الثامن عشر من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وستمائة سمع من أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي ومن جماعة كثيرة غيره وحدث ودرس وولى الحكم بحلب وأعمالها سنة ثمان وثلاثين وستمائة وهو في عنفوان شبابه فحمدت سيرته وشكرت طريقته كان سديد الإحكام وله المكانة العظيمة عند الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله وسائر أرباب الدولة وكلمته نافذة وحرمته وافرة ومكارمه مشهورة ومناقبه مذكورة ولم يزل على ذلك حتى تملك التتر حلب وقلعتها في سنة ثمان وخمسين ومن الله تعالى بكسرهم في رمضان من السنة المذكورة، وكان قاضي القضاة كمال الدين قد نكب وأصيب بأهله وماله بولده فقدم الديار المصرية ودرس بالمدرسة المعزية بمصر وبالمدرسة الكهارية بالقاهرة وأقام على ذلك إلى أول هذه السنة ففوض إليه الحكم بحلب على عادته فحمله حب الوطن على إجابة فعاد إلى حلب وأقام بها مدة أشهر وتوفي بها في نصف شوال ودفن من الغد رحمه الله، وكان رئيساً جليلاً عظيم المقدار جواداً سمحاً ديناً تقياً نقياً حسن الاعتقاد بالفقراء والصالحين كثير المحبة لهم والميل إليهم والبر لهم والإيمان بكراماتهم لا ينكر ما يحكى عنهم مما يخرق العادات وكان أحد المشايخ الإجلاء المشهورين بالفضل والدين وحسن الطريقة ولين الجانب وكثرة التواضع
وجمال الشكل وحلاوة المنطق حضر إلى زيارة والدي رحمه الله ببعلبك فترجل عن بغلته من أول الدرب، ولما دخل الدار قعد بين يدي واليد متأدباً إلى الطرف الأقصى ولم يستند إلى الحائط وسمع عليه شيئاً من الحديث النبوي، وكان من حسنات الدولة الناصرية بل من محاسن الدهر وهو من بيت معروف بالعلم والدين والحديث، وأبوه القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله تولى القضاء بحلب وأعمالها مدة وسمع من غير واحد وحدث وكان من العملاء الفضلاء الصدور الرؤساء، وجده عبد الرحمن أحد المشايخ المعروفين بالزهد والدين رحمهم الله تعالى وبيتهم أحد البيوت المشهورة في حلب بالسنة والجماعة.
أحمد بن محمد بن صابر بن محمد بن صابر بن منذر أبو العباس ضياء الدين القيسي المالقي مولده في المحرم سنة خمس وعشرين وستمائة، وتوفي يوم الخميس ثامن شعبان ودفن يوم موته بالقرافة، وكان إماماً عالماً فاضلاً رحمه الله.
سليمان بن المؤيد بن عامر زين الدين العقرباني المعروف بالحافظي قد ذكرنا فيما تقدم طرفاً يسيراً من خبره وتوجهه إلى التتر وأقامته عندهم، فلما كان في أواخر هذه السنة أحضره هولاكو إلى بين يديه وقال له ما معناه أنت قد ثبت عندي خيانتك وتلاعبك بالدول فإنك خدمت صاحب بعلبك طبيباً فخنته واتفقت مع غلمانه على قتله حتى قتل، ثم انتقلت إلى خدمة الملك الحافظ الذي عرفت به فلم تلبث أن خنته
وباطنت عليه الملك الناصر حتى أخرجت قلعة جعبر من يده ثم انتقلت إلى خدمة الملك الناصر ففعل معك من الخير ما فعل فخنته معي حتى جرى عليه ما جرى ثم انتقلت إلي فأحسنت إليك إحساناً لم يخطر ببالك فأخذت تكافيني بالأفعال الردية وتعاملني بما كانت تعامل به الملك الناصر وشرعت في مكاتبة صاحب مصر فأنت معي في الظاهر خارجاً عني في الباطن وعدد له ذنوباً كثيرة من خيانته في الأموال التي كان سيرها لاستجبابها من البلاد ثم أمر بقتله وقتل إخوته وأولاده وأقاربه ومن يلوذ به، فكان مجموعهم نحو الخمسين نفراً ضربت أعناقهم صبراً ولم ينج منهم إلا ولده مجير الدين محمد وولد لأخيه شهاب الدين اختفيا في السوق.
فمن الأسباب المؤكدة لقتله أن الملك الظاهر استدعى أخاه العماد أحمد المعروف بالأشتر من دمشق إلى الديار المصرية وعوقه أياماً ثم أفرج عنه وأنعم عليه وقرر له في الشهر خمسمائة درهم ورتب له خبزاً ولحماً وغير ذلك وأمره أن يكتب إلى أخيه المذكور كتاباً يعرفه فيه نية الملك الظاهر له وشكره منه ونه يعرفه أن ما له ذنب وأنه برئ مما نسب إليه وأن الملك الظاهر عالم بأن مقامه عند التتر على غير اختيار منه بل خوفاً لما شاع عنه ويضمن له عنه أنه متى وافق الملك الظاهر على ما في نفسه من المواطأة على التتر فله ما يقترحه من الإقطاع ويكون بعد ذلك على حسب اختياره في التوجه إلينا والإقامة عند
هولاكو فكتب إليه فلما وصلته الكتب حملها إلى هولاكو وقال هل أن صاحب مصر إنما يكتب إلي بمثل هذا النقع ليقع في يديك فيكون سبباً لقتلي وقد عزمت أن أكاتب أعيان دولته ورعيته بمثل ما كاتبني لأكيده كما كادني فلم ير هولاكو ذلك صواباً فعاوده مراراً فأذن له فكتب كتباً لجماعة فوقعت في يد الملك الظاهر فعلم أنها مكيدة فكتب إليه يشكره على عرض الكتب على هولاكو واستصوب رأيه في ذلك لنزول التهمة عنه وبعث هذه الكتب مع قصاد وقرر معهم إذا وصولا شاطئ جزيرة ابن عمر يتجردون من ثيابهم على أنهم يسبحون ويختالون في إخفاء أنفسهم ليظن أنهم غرقوا وتكون الكتب ففي ثيابهم ففعلوا ذلك ورأى نواب التتر فأخذوها فوجدوا فيها الكتب فحملت إلى هولاكو فوقف عليها وأسرها في نفسه وأضمر قتله.
والسبب الآخر أن هولاكو كان سيره لكشف الموصل وأعمالها وماردين والجزيرة وكان نائب هولاكو بالموصل شمس الدين الباعشيقي فدفع للحافظي ستة عشر ألف دينار رشوة لترك محاققته والكشف عنه وكذلك اعتمد نواب الجزيرة وماردين وديار بكر كلها، وكان الزكي الإربلي مقيماً بالموصل وعلم بما أخذه من الرشا فتوجه إلى هولاكو ورفع إليه وعلى الباعشيقي فعقد لهم مجلساً فظهر صدق الإربلي فقتل الباعشيقي وزادت هذه الحالة هولاكو الإغراء بقتل الحافظي فقتله ومن معه كما تقدم ومخازي الحافظي وخياناته على الإسلام أكثر من
أن تحصر منها إغراء التتر بالمسلمين وتطميعهم في بلادهم وممالكهم بحيث أن كل دم سفكوه في الشام هو شريكهم فيه، ولما توجه الملك العزيز ابن الملك الناصر إلى هولاكو في أواخر سنة خمس وخمسين انفرد الحافظي بهولاكو وقال له من جملة ما قال بعد أن أخذت بغداد، بغداد قد أخذتها والشام بلا ملك ومتى قصدته أخذته وأنا المساعد فيه فإن أكثر من بدمشق أهلي وأقاربي فأعطاه هولاكو سكاكيناً وقال متى جاءني أحد ومعه من الهدية لهولاكو شيئاً كثيراً وأخذ يغلغا للصالح إسماعيل ابن صاحب حمص بحمص، وكذلك لأمير حاجب وللوجيه ابن سويد ولغيرهم.
وقرر مع الملك الناصر أن هولاكو قال له أن وصل الملك الصالح إلى أبقيت عليه بلاده وإن تعذر وصوله خوفاً من عسكره فليهرب بني يدي إلى أن يتفرق عسكره ويعود فإني أبقى عليه بلاده، فلما أخذت حلب وخرج الملك الناصر من دمشق لم يصحبه الحافظي فبعث إليه يطلبه فلم يجب فسير وراءه الأمير سابق الدين بيبرس أمير مجلس ومعه عسكر لإخراجه فغلق أبواب البلد وعصى فيه ورحل الملك الناصر على ما تقدم شرحه وتفرقت جموعه فكتب إليه الحافظي إن الذي قررته معك أنا بلق عليه ومتى عدت عادت البلاد إليك وقصده بذلك إيقاعه في يد التتر، فلما عاد الملك الناصر إلى دمشق سير إليه من استدعاه فقال لرسوله قل له ما اقدر أحضر عندك فإني كنت
بالأمس غلامك وأنا اليوم غلام هولاكو وأنت عدوه.
ولما خرج الملك الناصر من دمشق أولاً واستولى عليها الحافظي قصد القلعة فامتنع وإليها بدر الدين محمد بن قزلجا ونقيبها جمال الدين محمد بن الصيرفي من تسليمها إليه وكذلك امتنع الشجاع إبراهيم والي قلعة بعلبك من تسليمها إليه ولم يزالوا كذلك إلى أن وصل كتبغا بالعساكر فتحققوا العجز بعد أن قاتلوه فضمن لهم كتبغا سلامتهم وسلامة من بالقلعتين من المسلمين وأموالهم أن سلموا فسلموا وأمنهم ووفي لهم بالأمان، فحملت الحافظي نفسه الكافرة كونهم لم يسلموا القلعتين إليه على أن كتب إلى هولاكو يغريه بهم فوصله الجواب بقتلهم فحضر مجلس كتبغا بالمرج وأوقفه على الكتاب فاستدعى بدر الدين محمد بن قزلجا وجمال الدين محمد بن الصيرفي وشجاع الدين إبراهيم وولده ونسيباً له فلما حضروا قال كتبغا للحافظي كيف قدمت على أن تكاتب في حق من أمنتهم ومع هذا فلا يسعني مخالفة مرسوم هولاكو فقم أنت اقتلهم وإلا صار لك عندنا ذنب نقتلك به فقام إليهم وضرب رقابهم ولم يزل الحافظي بدمشق إلى أن كسروا التتر على عين جالوت فهرب وتوجه إلى حلب واستصحب معه اخوته وأولاد أخيه وتحدث معهم في الطريق فكان من جملة الكلام أن قال ما كنت أظن أن الإسلا بقي يقوم له قائمة فقال له أخوه شرف الدين ما تعلم أن اله غار على الإسلام وقد أصبحت وإن أحماك من الملوك
وكان عند الحافظي فضيلة ومشاركة ولم تكن الإمرة لا ثقة به وقتل وهو في عشر السبعين وقدم على ما قدم وما ربك بظلام للعبيد.
صالح بن أبي بك بن أبي الشبل بن سلامة بن شب لبن سلامة أبو البقاء تقي الدين الفقيه الشافعي الحاكم بمدينة حمص مولده بمصر في ذي القعدة سنة سبعين وخمسمائة سمع ببغداد من الحسين بن سعيد بن شنيق وغيره وبدمشق من أبي اليمن الكندي وغيره وحدث بحمص مدة وولي القضاء بها وكان حس السيرة محمود الطريقة فقيها عالماً فاضلاً توفي صفر رحمه الله تعالى.
عابدة بنت الشيخة الصالحة كانت مقيمة برباط زهرة خاتون بدمشق وهي شيخة وكانت امرأة كبيرة وهي عذراء مقعدة عمياء مشهورة بالخير والصلاح والعبادة وكانت وفاتها بدمشق في جمادى الأولى رحمها الله.
عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور بن خلف أبو محمد الصاحب شرف الدين الأنصاري الأوسي الدمشقي الأصل والمولد الحموي الدار والوفاة الإمام العلامة مجموع الفضائل شيخ الشيوخ قرأ القرآن الكريم بالروايات واشتغل بالأدب على أبي
اليمن زيد بن الحسن الكندي وسمع منه كثيراً وسمع ببغداد من أبي الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب وغيره وحدث بحماة ودمشق ومصر وغير ذلك ومولده ضاحي نهار يوم الأربعاء ثاني وعشرين جمادى الأولى سنة ست وثمانين وخمسمائة بدمشق بدرب كشك وكان أحد الفضلاء المعروفين وذوي الأدب المشهورين جامعاً لفنون من العلوم ومعارف حسنة ذا سمت ووقار وجد وحسن خلق وإقبال على أهل العلم وطلبته وتقدم عند الملوك وترس عنهم غير مرة وكانت له الوجاهة التامة والمكانة المكينة وله النظم الفائق واليد الطولى في الترسل والأصالة في الرأي مع الدين المتين ومكارم الأخلاق ولين الجانب وحسن المحاضرة والمباسطة والإفضال على سائر من يعرفه والكرم على من يقصده، وكان بينه وبين والدي رحمه الله مودة أكيدة وصحبة كثيرة وسمعت عليه بدمشق وكان لي من إقباله وبشره أوفر نصيب لما بينه وبين والدي رحمهما الله من الاتحاد، وتوفي بحماة ليلة الجمعة الثامن من شهر رمضان ودفن من الغد ظاهر حماة في تربة كان أعدها لدفنه، ومن شعره:
عاتبت أنسان عيني في تسرعه
…
فقال لي: خلق الإنسان من عجل
يا عاذلي ليس مثلي من تخادعه
…
وليس مثلك مأمونا على عذلي
ما دمت خلواً فلا تنفك متهما
…
فاعشق وقولك مقبول علي ولي
؟ وقال:
لها معاطف تغريي برقتها
…
ولينها أن أقاسي قلبها القاسي
باتت موسدة رأسي على يدها
…
عطفاً وكانت يدي منها على رأسي
؟ وقال:
أتطمعني سلمى بتقبيل خالها
…
غروراً وقد ضنت بطيف خيالها
؟ وإني وما أرجوه منها بوعدهات كراق إلى شمس الضحى ليناها وقال:
أعني في المحبة وأعدني
…
من العذل الذي يغري ودعني
أفرق بين أجفاني وغمضي
…
واجمع بين أحشائي وحزني
على عيش تقضي لي حميداً
…
نعمت به وزايلني كأني
رأيت الوصل منه في منام
…
تصرم وقته وفتحت جفني
فلم أر غير وجدي واشتياقي
…
وأشجاني التي تتقي وتفني
قراري واصطباري فاعتراني
…
نفيك في الوقار فإن فنى
ملازمة الخلاعة في غزال
…
أغن إذا نظرت إليه يغني
عن القمر المنير على قضيب
…
تمايل في كثيب فهو يثني
إليه عنان قلبي بالتثني
…
ويسلب لبه لولا تمني
وصال منه زادت نار شوقي
…
إلى فوزي به فبللت ردني
بدمع كان خوف الهجردرا
…
فصيره عقيقاً بالتجني
علي وما جنيت إليه ذنباً
…
سوى إفراط حبي فليزدني
عذاباً مرة في القلب عذب
…
يباعد سلوتي عني ويدني
غراماً لا يغيره ملام
…
فإن قلدتني فالعم بأني
صديقك إن عذرت على هواه
…
وإلا فاطرحني واتخذني
وقد ألم بقول القائل:
فأما أن تكون أخي بصدق
…
فأعرف منك غثى من سميني
وإلا فاطرحني واتخذني
…
عدواً أتقيك وتتقيني
وقال:
أعجم السكر لفظه
…
فغدا معرياً عن ال
عذر لي في تهتكي
…
بهواه فقلت لل
عاذب المستطيل وي
…
حك ماذا صنعت بال
؟ مستهام الذي يزيد به الوجد عند إل
حاح لوامه فلا
…
يلزم العذل بعد إل
؟ زامك الحجة التي لاح برهانها لذل
عقل فاعذر فلا تلم
…
أو فلم أن أردت في أل
؟ حب للشادن الذي شفني طرفه الثمل وقال:
شيطان عذل نزغا
…
في بدر تم بزغا
بالغ لكن ساءني
…
فسؤله ما بلغا
أفتى الهوى باثمه
…
لما تعدى ولغا
هيهات أن يشغل عن
…
إلف لصبري فرغا
ذي ملح أوصافها
…
تعجز أصناف اللغا
الثغ أضحى عند
…
كل فصيح الثغا
إن قلت يا ظبي الفلا
…
قال أنا ليث الشغا
أو قلت صلني قال لي
…
أين الثغيا والثغا
أو قلت أسلو بسوا
…
ك قال مثلي ماتغا
سبحان من بلغه
…
من دله ما بلغا
وجل عن أضفي برو
…
د حسنه وأسبغا
وعقرب العقرب إذ
…
صدغ منه الصدغا
فاعجب لها لذيغها ال
…
آمن من أن تلدغا
تيمني بمقلة
…
أصمت فؤادي فصغا
فقرى إلى إنسانها
…
أبدي غناه فطغا
ذو وجنة في صحتها
…
ماء الشباب أفرغا
دون اقتباس نارها
…
تشب نيران الوغى
لاطفني حتى إذا
…
أصلح شأني أوتغا
وما بدا لي نه
…
يسر حسواً في ارتغا
مولاي وجدي فيك ما
…
أشده وأبلغا
وعيني العبرا فما
…
أغزرها وأرزغا
فاحكم بما أوجبه
…
شرع الهوى وسوغا
إن كان في قتلك لي
…
رضاك فهو المبتغى
وقال:
لا تنسى وجدي بك يا شادنا
…
بحبه أنسيت أحبابي
مالي إلى هجرك من طاقة
…
فهل إلى وصلك من باب
وقال:
شكوت إليها أليم الجوى
…
فأصغت له أدنا واعيه
وقالت بعيني ما قد لقي
…
ت فقلب على عينك الواقيه
وقال يمدح الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله تعالى:
لنأمن ربة الخالين جاره
…
تواصل تارة وتصول تاره
تؤانسني وتنفر عن قريب
…
وتعرض ثم تقبل في الحراره
وتقلتني بما يحلي سلوي
…
ولكن ليس في جوفي حراره
ومالي في الغرام بها شبيه
…
وليس لها نظير في النضاره
وفي الوصفين من كُحل وكَحل
…
حوت حسن البداوة والحضاره
وفي خلخالها خرس ولكن
…
إذا أومأت تفهم بالإشاره
وقتل العمد قد قتلته عمداً
…
وما وصلت إلى باب الإجاره
وقالوا قد خسرت الروح فيها
…
فقلت الربح في تلك الخساره
بأيسر نظرة أسرت فؤادي
…
كما نشأ اللهيب من الشراره
أطارت شمل حسن الصبر مني
…
بأحسن شمله من فوق طاره
وقلت لها قفي أن لم تزوري
…
فقالت والوقوف من الزياره
شمرت إزارها عنها فصدت
…
فقلت تقدمي ودعي الشماره
جسرت فتلت ما أملت منها
…
وما نيل المنى إلا جساره
أدرت على مزررها عناقي
…
فبت ومعصمي للبدر داره
ترى في خدها آثار عضي
…
كغصن بنفسج في جلناره
إذا استشفى بريقتها ند
…
أزالت خمرها عنه خماره
ويهتك ستر صبر الصب عنها
…
إذا أعنته من خلف الستاره
ويفتك طرفها فيقول قلبي
…
أشن ترى صلاح الدين غاره
ومنها:
إذا ما حج بيت نداه وفد
…
رمى في قلب حاسده جماره
؟ قال: يعرض براجح الحلى وعز الدين بن معقل من أبيات:
وما زال جود ابن المعز يمدني
…
فيرحل في ركبي وينزل منزلي
إلى أن غما مالي كنقصان راجح
…
وأعهده قدماً كعقل بن معقل
وقال في الزهد:
نل فوق ما ناله سيف بن ذي يزن
…
وأفخر بما شئت من قيس ومن يمن
وأعط نفسك أقصى ما تلذ به
…
من مركب فاره أو ملبس حسن
أليس غاية هذا قعر مظلمة
…
تفري أديمك بين القطن والكفن
فابتت علائق دنياً أنت منتقل
…
عنها ولا تسكنن منها إلى سكن
لا تغلون في تمني رتبة عظمت
…
قدواً فكم منح أنكى من المحن
وأثبت على سنن الأخلاص منتهياً
…
إلى الفرائض تقفوهن بالسنن
واحلم ولا تستشر في حالة غضباً
…
فإنه مستشار غير مؤتمن
واركن إلى واجب التفويض متكلاً
…
ولا تفيضن في عتب على الزمن
وقال في مغني رومي يلقب بالموزون:
نفسي فداؤك يا موزون من قمر
…
تهتكي فيه معدود من الفرص
ظبي من الروم نسج العنكبوت له
…
عهد فكم زمر قد ساق في غصص
أضللت أحزابنا يا سين غرته
…
فأعجب لمقتبس للنور مقتنص
سبحان مورثه من حسن يوسف ما
…
لم يبق في الحجر لي والصبر من حصص
أقام للشعراء العذر عارضه
…
فكم لهم في دبيب النمل من قصص
قال الشيخ شرف الدين رحمه الله ونشدت والدي الأبيات فاستحسنها وقال بديها:
بادر إلى توبة عنه تنيلك من
…
ذي الطول في الحشر جر أغير منتقص
وقال:
قم فاصطبحنا. وأرح سركا
…
صبحك الله بما سركا
وعاطني منها المدام التي
…
أشرب منها دائماً سركا
يا يوسف الحسن الذي وصفه
…
إن يملك الناس ولا يملكا
يا بدر تم منذ سايرته
…
لم ألق لي في سلوتي مسلكاً
يا من رمى لما رنا مقلتي
…
إليك من ألحاظك المشتكي
إن دمعت عيني فمن أجلها
…
أبكي على قلبي من لا بكى
أوقعني إنسانها في الهوى
…
يا أيها الإنسان ما غركا
وقال:
بعين الله أحباب جفوني
…
وعهد هم على الأيام عوني
فإن أنكر بهم أفراح قلبي
…
فليس بغيرهم قرار عيني
وقالوا كيف يصبح من يراناً
…
ونعرض عنه قلت كما تروني
فيا مولى أراه بعين قلبي
…
وآمل أن أراه بقلب عيني
كملت إذا انفردت بكل زين
…
وأنت منزه عن كل شين د
عدمت لك الشبيه فما احتفالي
…
بوجه البدر أو قد الرديني
غلوت تعززاً ورخصت ذلاً
…
فبعتك مهجتي نقداً بدين
وثبتني على خفقان قلبي
…
غرام طار بي في الخافقين
ألا فابسط يديك إلى وصالي
…
فما لي بالقطيعة من يدين
وقال رحمه الله:
أحبابنا هل علمتم
…
من بعد كم كيف حالي
قلبي وطرفي جميعاً
…
لبينكم في قتال
لأن قلبي خال
…
بكم وطرفي خالي
فخففوا عن جفوني
…
من دمعها الهطال
في يقظتي بكتاب
…
وفي الكرى بخيال
وقال رحمه الله ملغزاً في حمزة:
من لي بمن سميه
…
سما به سفك دمه
تصحيفه في خده
…
وفي فؤادي وفمه
وقال:
إن دام حبيكم على بغضكم
…
فإننا في منصب واحد
ما الأم الزاهد في راغب
…
ومثله الراغب في الزاهد
وقال كتب إلى الأمير سيف الدين أبو الحسن علي بن محمد الهذباني رقعة في مهم وطلب جوابها في ظهرها فكتبت إليه الجواب في غيرها وسيرت ورقته عطف الجواب وكان في صدر جوابي له:
يا مالكاً ملكته
…
من رق حمدي ما أحب
وأنالني رتباً أنل
…
ت بها المناصب والرتب
أحللت لي ظهر الكتا
…
ب ولم أخل بما وجب
فكتبت في درج ورا
…
قبت الذي لك من إرب
فدرجت خطك طيه
…
وخلصت من سوء الأدب
وقال في شاعر ردئ النظم قبيح الوجه:
وجهم الوجه رذل الشعر منه
…
رجوت النفع حيث يخاف ضير
بدا لي وجهه فخشيت شراً
…
وأنشدني فقلت خرا وخير
وأخذه من قول دعبل الخزاعي:
وكنت مبكراً من سر من رى
…
أبادر حاجة فإذا عمير
فلم أدع الطريق وقلت أمضي
…
فإنك يا عمير خرا وخير
وقال الشيخ شرف الدين:
لعيني كل يوم فيك عبره
…
تصيرني لأهل العشق عبره
فعسجد جفنها لا نقص فيه
…
وكم جهزت منه جيش عسره
اغفل الوشاة أسلت دمعي
…
فيغدو مرسلاً في وقت فتره
وزيادة صبوتي نقصت ملامي
…
وكفت زيده عني وعمره
علامة شقوتي في الحب أني
…
ثقلت عليك لا عن طول عشره
ووتر الوصل لم يشفع بثان
…
وهجرك زمرة من بعد زمره
وجفنك أكحل من غير كحل
…
وخدك أحمر من غير حمره
وصبري عنك ليس له وجود
…
ووجدي فيك لا أحصيه كثره
وبيت الحزن بيتي حين تنأى
…
وحين تزوره دار المسره
وقالوا كم ترى غضبان راض
…
فقلت رضيت زنبوراً وتمره
سألزم باب.... الثنايا
…
ليطلق لي ولو في العمر سكره
وقدماً كنت مستوراً إلى أن
…
لبست من الخلاعة ثوب شهره
اطلعت غوايتي وعصيت رشد المناصح
…
مرة من بعد مره
وما تنقى من الأدناس نفسي
…
ولو غسلت بصابون المعره
وأعجب حادثات الدهراني
…
أحاول طاعة فتعود حسره
وأطمع في خلاصي يوم بعثي
…
وما أخلصت في مثقال ذره
وهذه الأبيات على وزن أبيات القاضي الفاضل رحمه الله مطلعها:
لعينيه على العشاق أمره
…
وليس لهم إذا ما جار نصره
إذا ما سره قتلي فأهلاً
…
بما قد ساءني إن كان سره
ولم أره على الأيام إلا
…
عقدت بوده وحللت صره
صببت عليه لما زار دمعي
…
فأنكره فقلت الماء نشره
بكيت عليك يا مولاي حتى
…
وقعت وليس في عيني قطره
أيا قمر الكناس بقيت إني
…
بقبيت بأدمعي في الشمس عصره
فلو قبلتني وقبلت مني
…
فقال أخاف بعد الحج عمره
ومنها:
وأما سوء حظي من صديقي
…
فذاك من الأمور المستقره
وللقاضي الفاضل رحمه الله في كحال وكله رجل:
توكل لي وكحلني
…
فذهبت في عيني وفي عيني
قال الشيخ شرف الدين رحمه الله يمدح سيدنا النبي المصطفى: رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أول مدحة قالها فيه وأنشده إياها تجاه حجرته الشريفة بكرة الجمع خامس عشري ذي القعدة سنة تسع عشرة وستمائة وفي طرتها مدحة العبد الضعيف عن حسن تدبيره القوي
في سوء تقصيه. المستوحش من انفراده، بذنبه، المستأنس إلى شفاعة نبيه المشفوعة برحمة ربه، عبد العزيز بن محمد الأنصاري جعل الله عاجل جائزته مواصلة صالح العمل، ومقاطعة كاذب الأمل، والغني عن الضارعة بالقناعة، والتوفيق لتلقي أوامره بالسمع والطاعة، وآجله استقامته على الصراط المستقيم، وأقامته في جنات النعيم، وإدخاله برحمته في عباده الصالحين، والمغفرة له ولوالديه ولجميع المسلمين، وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين وعلى التابعين. لهم بإحسان إلى يوم الدين آمنين اللهم آمين.
هو موطن الشرف العريض الأطول
…
فأرح قلوصك من ركوبك وانزل
يا صاح ها بحر الهدى فتمل من
…
ري وها بدر الهدى فتأمل
فلطالما أرسلت دمعك سافحاً
…
شوقاً إلى هذا النبي المرسل
عفر جبينك في صعيد وصيده
…
فثراه أطيب من رطيب المندل
واحطط ذنوبك في رحيب جنابه
…
وارحل وأيقن أنها لم ترحل
ودع القنوط فقد سألت شفاعة
…
من ليس يهمل أمر من لم يسأل
أمرتني الهمم الرفاع بقصده
…
فأطعتها وعصيت عذل العذل
وغريرة باتت تغمغم رأيها
…
فتركته وأخذت بالأمر الجلي
بكرت تخوفني أعاريب الفلا
…
وتخال أرجافاً تشين توكلي
وتقول لي أني لاؤجل أن تسر
…
عنا فقلت الأمن لي أن توجلي
لا بد من حرم الآله ولو بدا
…
من دون ذاك الشهد مر الحنظل
أني وقد قطعت إليه عقلها
…
خوص الركاب ومثلها لم يعقل
تحدي بأوصاف النبي محمد
…
فتكاد تسبق أيديا بالأرجل
وتبيت يهديها سناه سبيلها
…
والليل اليلُ كالرداء المسبل
ويعيرها الحادي بذكر حبيبها
…
فتظل تقذفه بصم الجندل
قبلت أخفاف المطي كرامة
…
لما نزلت بهن أكرم منزل
وشفي سراها غلتي فشغلتني
…
عن كل ذات مسور ومخلخل
إني لأصفيها الوداد وربما
…
غادرت منها معلماً في مجهل
وبسرعتي في قصده أوردتها
…
من منهل وعللتها من منهل
يا ناظم الدر الثمين ومهدي ال
…
نظم الرصين لفاضل أو مفضل
جانب مخادعة الملوك عن اللهي
…
فالمال يذهب والخصاصة تنجلي
وأصرف مديحك عن كثير تطاول
…
بزخارف الدنيا قليل تطول
وأمدح نبياً آخراً فخرت به الش
…
مّ الأنوف من الطراز الأول
من جوده وافٍ بكل مؤمل
…
ورجاؤه كافٍ لكل مؤمل
من اصطفاه الله من دون الورى
…
فأحله فوق الكواكب من على
وحباه بالقرب الذي أضحى له
…
جبريل عن حجب الجلال بمعزل
وعلا عن الأمثال فهو لمن علا
…
في الوصف أقصى غاية المتمثل
وغزا العدى من نفسه وصحابه
…
ومن الملائكة الكرام بجحفل
كم لمة صبغ الحذار سوادها
…
يققا فانصل صبغها بالمنصل
ولكم أباد نكاله في مأزق
…
ولكم أفاد نواله في محفل
ولكم أبان هدى بخطبة فيصل
…
ولكم أبار عدي بطعنة فيصل
ما زال فوق المنبر السامي الذري
…
يبري الضنا ويبير تحت القسطل
حتى استقام الدين وانتصر الهدى
…
فنهى الكمي عن اضطهاد الأعزل
يا خاتم الرسل الكرام وفارج ال
…
كرب العظام بفعله والمقول
بك أكمل الله النبيين الأولى
…
كملوا وخصك بالفخار الأكمل
أظهرت فينا المعجزات فحققت
…
صدق الرسول بلطف صنع المرسل
فأطاع من سبقت له الحسنى ومن
…
جاد القبول له بجد مقبل
وعصاك من كبت الآله شقاءه
…
فطغى وأمهله ولما يهمل
زحزحت عن طرق المظالم عادلاً
…
فينا ومن للعدل إن لم تعدل
وقرنت بالشرس الليان فأتربت
…
كف المحق وخاب سعى المبطل
تلك النبوة لأسيادة مالك
…
أمر الأنام بمشرب أو مأكل
ولطالما ملك البسيطة معشر
…
خملوا وذكرك نابه لم يخمل
سرنا نشق إليك أجواز الفلا
…
ونسوق نحوك كل حرف معمل
فالعيس بين مجعجع ومجرجر
…
والقوم بين مكبر ومهلل
حتى وردنا من ضريحك مورداً
…
نشفي به من كل داء معضل
أدعوك للجلي وتلك شفاعة
…
لم ترض لي أني أخاف وأنت لي
إن لم يكن عملي زكياً فارع لي
…
قطع الفلا وتلذذي بتذلل
أحسن واحمل بي لعلي أنني
…
في الفعل لم أحسن ولما أجمل
وانظر إلي بعين عونك نظرة
…
أهدي بها سنن الطريق الأمثل
فلقد ضلت عن الرشاد وأنني
…
بك أستنير وأنت هادي الضلل
وإليك من دون الأنام توجهي
…
وعليك من بين الكرام معولي
ولقد أتيتك مادحاً لتجزني
…
في الحشر كأسات الرحيق السلسل
وإذا مدحتك مجملاً قصرت في
…
وصفي فكيف تعرضى لمفصل
فلان غدوت ببعض وصفك قائماً
…
فهداك والتوفيق انطق مقولي
ولأن عجزت فإن فضلك مكتف
…
بثناء آيات الكتاب المنزل
وقال أيضاً من قصيدة طويلة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر بعض معجزاته وأولها:
تشرف بذكر حميد الثناء
…
على أحمد أشرف الأنبياء
على موضع الرشد بعد العمى
…
على مظهر الحق بعد الخفاء
على خاتم الرسل السابقين
…
وأولهم في قديم الفضاء
فكان نبياً نبيه المقام
…
وآدم بين الطين والماء
تشفع به فهو نعم الشفيع
…
وسله المنى فهو بحر السخاء
وقل عبدك القن عبد العزيز
…
رهين البلا وقرين البلاء
أمت العمى قلبه فاغتدى
…
دليل المقام عزيز العراء
فعطفا على من تناهت به ال
…
خطايا وعطفت لانتهاء
بتحقيق إخلاصه في رجاء
…
علاك وتحقيق ذاك الرجاء
وبالعفو عنه وعن والدي
…
هـ وأعقابهم من أليم الشفاء
فأنت النبي الوجيه الذي
…
حوى في الشفاعة خضل الجزاء
فشرفه الله مختاره
…
بخير صلاة وأزكى ثناء
وصلى الإله على الأكرمين
…
وأصحابه الصفوة الأتقياء
وخص ضجيعيه من بينهم
…
بألطاف رضوانه الأتقياء
وخص ضجيعيه من بينهم
…
بألطاف رضوانه والحباء
ومن لهما كان ملكاً مطاعاً
…
وكانا لديه خليلي صفاء
وحيا ابن عفان صهر النبي
…
وخدن السماح وترب الحياء
وزاد أبا حسن زلفة
…
على مجده الهاشمي البناء
شقيق الرسول وزوج البتول
…
ومردي العدى ومزيل العداء
وأعفى ابن عوف بإحسانه
…
والحف مبغضه بالعفاء
وصلى على طلحة والزبير
…
كما أغنيا عنه حين الغناء
وأولى سعيداً وسعداً يدا
…
على بسط أيديهما بالولاء
وأرضى أمين البرايا أبا
…
عبيدة رب التقى والوفاء
وأعقب عميه أصفى النعيم
…
بما أسلفا من جميل البلاء
وسبطيه عم وأمهما
…
وازواجه منه أنسى عطاء
سيرفع عني عبء الذنوب
…
هوى الخمسة الغر أهل العباء
أعد ولاءهم عدتي
…
وأبرأ من قائل بالبراء
وإن أنا قصرت في مدحهم
…
فقد بالغت همتي في هجائي
وقال:
يا رب أن سؤال الباخلين ثني
…
وجهي وكفى بلا ماء ولا مال
فاصرف بلطفك قلبي عن رجائهم
…
ولا تصل بسوى نعماك آمالي
وقال رحمه الله تعالى:
حتام تعذلني وحتى
…
هو ما علمت وما جهلتا
حب لو أنك ذقته
…
لعذرت فيه وما عذلتا
فدع السفاهة لي أنا
…
وخذ الرشاد إليك أننا
أو لا فاسعدني على
…
شوقي سهرت به وبمتا
وتأت للراحات وانتهب
…
السرور فقد تأنى
أدن المدام لعلني
…
أنسى به البين المشتا
راح هويت صريحاً
…
فمنحت ماء المزن مقتا
فإذا شربت مشوبها
…
لا تسقني مما شربتا
إن التي ناولتني
…
فرددتها قتلت قتلتا
أرح المزاج من المزا
…
ج وهات صرف الراح بحتا
عمل القاضي تاج الدين يحيى بن الشهرزوري في بعض ولاة الجور وقد سقط من الفرس:
إلى النار يا ولد الزانية
…
وهذا الهوى إلى الهاوية
وقعت فيا بردها في القلوب
…
فيا ليتها كانت القاضية
فنظم الشيخ شرف الدين رحمه الله أبياتاً ألم فيها بهذه القافية وإن كان معنى الأبيات غير متحد وهي:
سروري بساقية حاريه
…
ووجدي بحارية ساقيه
أهز بها تيك عطف القريض
…
ليثنى على هذه الثانية
مهاة نشأت على حبها
…
كما هي في حسنها ناشئه
على الجسم حاكمة بالضنا
…
وفي القلب آمرة ناهيه
سبتني كاسية بالجمال
…
فروحي عندي لها عاريه
تعالى عن الند نشر لها
…
يطيب به الند والغاليه
وأولت من الوصل أضعاف ما
…
رجوت ولم تكفني كافيه
فؤادي علي رقيب لها
…
تطالعها عينه الصافيه
تراني إذا لم أزر بيتها
…
كأني بيت بلاد قافيه
تقربني فأجوز الفلا
…
وأجلس في بيت بلاد قافيه
تقربني فأجوز الفلا
…
وأجلس في الدست والحاشيه
وتنأى فأخنس في مسجدي
…
وحيداً والتف في البارية
فطوراً بخفي حنين أعود
…
وطوراً بقرطين من ماريه
فهل من معين على عاذلي
…
فيأخذه أخذهة رابيه
تجسر إذ لم أطع أمره
…
فيا ليتها كانت القاضيه
ولست أبالي بسخط العذول
…
إذا أنا ألفيتها راضيه
ولما شكوت خفي الجوى
…
وعته لها أذن واعيه
وقالت بعيني ما قد لقيت
…
فقلت على عينك الواقيه
أضاحكة السن لو زرتين
…
عجبت لمقلتي الباكيه
وانقذتني من أسى زادني
…
فلم تبق في جلدي باقيه
وإني وإن نال مني الأذى
…
معافي إذا كنت في عافيه
أنشد الشيخ شرف الدين عبد العزيز رحمه الله لضياء الدين علي بن نصر بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة رحمه الله:
مولاي عبدك ذو انقباض يرتجى
…
من لطف صنعتك أن تمن ببسطه
ليجوز من شرف التأنس قسمه
…
ويفوز من شكر العبيد بقسطه
وأنشد للمذكور أيضاً:
لا حظ في الدينا لمسيتقظ
…
يلمحها بالفكرة الباصره
إن كدرت مشربه ملها
…
وإن صفت كدرت الآخره
وقال من قصدية يمدح بها الملك الأمجد رحمه الله وأولها:
رفقاً بصب يرى سلوانكم عاراً
…
ما كان منحرفاً عنكم ولا صارا
لم ينسه البعد روح الأنس عندكم
…
فلم يجدد لعهد القرب تذكارا
أقصاه صرف النوى منكم إلى نوب
…
أقلها أنه ما سر مذ سارا
سنا هواكم إلى لبنان أرشده
…
ولم يقل يا لبيني أو قدي النارا
وإن يزركم على قرب فذو كلف
…
لو أفرط البعد لم يستبعد الدارا
يا ربة الخدر لو غادرتني شبحاً
…
ما سمت حلقاً ولا سميت غدارا
عاقبتني بجحيم الشوق واجدة
…
وأنت حملتني للبين أوزارا
؟ وضقت ذرعاً بحبي واعتذرت به ذنباً فأوسعت ذاك الذنب إصرارا
إذا اجتنى بك من روض الرضا زهراً
…
أو اجتلى في سماء العز أقمارا
لله وصلك ما أغلاه يوم شرى
…
وشهد ريقك ما أحلاه مشتارا
فيك الغنى لي عن طيب وعن سكر
…
كأن في فيك عطاراً وخمارا
وهبت روحي لآلام الغرام كما
…
أنهبت قلبي طرفاً منك سحارا
عيناك للقتل لا نصل ولا ظبة
…
والأمجد الملك لا كسرى ولا دارا
وقال:
ألا يا مالكي مالي
…
إلى غيرك من ميل
أما تنظر في حالي
…
فقد اضعفت من حيلي
ووجدى فيك لا يحصى
…
بميزان ولا كيل
وأما دمع أجفاني
…
فلا تسأل عن السيل
وما نس فلا أنسى
…
مراحي ساحباً ذيلي
وإجلابي على اللذا
…
ت بالرجل وبالخيل
من الليل إلى الليل
…
إلى الليل إلى الليل
وقال:
تثعلبت ذلا ً في غزال تأسدت
…
له لحظات بصرت بالتغزل
وكم نظرة في نضرة من نعيمه
…
رأيت بها من مقلتي عين مقتلي
وقال الشيخ شرف الدين رحمه الله قال ظهير الدين المبارك بن يحيى الشهرزوري ممازحاً لابن الحكيم وقد جلس في الشتاء إلى جانب بكرة علها سبع من ثلج:
وسبع كوعظ ابن الحكيم رأيته
…
على بركة تحكيه عند مجونه
يصففها مر النسيم إذا سرى
…
ورق عليها مثل رقة دينه
وأحسن من هذا الاستطراد قول الخباز البلدي:
وليل كوجه البرقعيدي ظلمةً
…
وبرد أغانيه وطول قرونه
سريت ونومي فيه نوم مشرد
…
كعقل سليمان بن فهد ودينه
على أولق فيه إعوجاج كأنه
…
أبو جابر في خبطه وجنونه
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه
…
سنا وجه قرواش وضوء جبينه
وقال:
ما لطرفي حين أعذل
…
يطلق الدمع المسلسل
أدبر العاذل عني
…
موقناً أن لست أقبل
وجد الصبر جميلاً
…
ووجدت الوجد أجمل
؟ فتنتي عين غزال بصرت من يتغزل
منع العاشق خدا
…
يتعالى أن يقبل
حسد الصدغ عليه
…
فتلوى وتبلبل
خلت فيه الخال قلبي إن
…
غدا في النار يشعل
كيف أسلوه وليلي
…
جعل الآخر أول
فاعذروا فيه عذولي
…
فهو من باب محول
وقال رحمه الله:
دعني وشأني من وجدي ومن تعبي
…
فراحتي في الذي أنكرت من نصبي
أضنى فؤادي فتان الجمال إذا
…
طلبت شبهاً له في الناس لم أصب
قرأت خط عذاريه فأطمعني
…
بواو عطف ووصل منه عن كثب
وأعربت لي نون الصدغ معجمة
…
بالخال عن نجح مقصودي ومطلبي
حتى رنا فسبت قلبي لواحظه
…
والسيف أصدق أنباء من الكتب
لم أنس ليلة طافت بي عواطفه
…
فزارني طيفه صدقاً بلا كذب
حيا بما شئت من ورد بوجنته
…
نهبته بالتثامي وهو منتهبي
وكان ثغر شهي منذ فزت به
…
قلت العفاء على كأس ابنة العنب
ورحت لم أدر عقلي هل فجعت به
…
من نخوة العز أم من نشوة الطرب
أقسمت ما في ضروب السكر أبلغ من
…
سكري بريق له أحلى من الضرب
نشوان أسأل عن قلبي فينكره
…
تيهاً ويسأل عني وهو أعرف بي
وكلما قال ممن أنت قلت له
…
ممن إذا عشقوا جاؤك بالعجب
لا تسألوا ميتكم عن حيه فله
…
من الإضافة ما يغني عن النسب
وراقبوا منه حالاً غير حائلة
…
عما عهدتم وقلباً غير منقلب
قال الشيخ شرف الدين رحمه الله من طريق الاتفاق أنني نظمت أبياتاً في زمن الصبا في بعض رحلي عن حماة منها:
أمل كتمان الهوى وهو واضح
…
ودمعي يوم البين بالسر بائح
لعمري لقد حاولت مالاً أناله
…
كما حاولت إمساك قلبي الجوارح
لعل بعادي عن حماة يعيدني
…
تخاف السطي مني وترجى المنائح
لأهزم جيش المال وهو عرمرم
…
وأدفع صدر الخطب والخطب فادح
على أني قد كنت فيها مكرماً
…
تراع لكراتي القروم الجحاجح
مقيماً بربع الدير جسمي وصحبتي
…
وقلبي بربع القصر غاد ورائح
يهيج أشجاني به كل ليلة
…
وتصرفني عما تقول النواصح
؟ بدور من الباب المصرع طلع ومسك من الباب المصرع فائح فحفظ الأبيات بعض السفارة وحفظت عنه في الشرق، ثم قدم شاعر من أهل الموصل يقال له البدر محمد بن روضة وكانت والدته تتردد إلى دارنا أيام مقامنا بالموصل فأنزله والدي وأكرمه وكن يجلس على حانوت الفخر عبد الرحمن بن الصياد بسوق العطر في كثير من أوقاته يذاكره ويناشده ويخرج معه في آخر النهار إلى ظاهر البلد للتنزه والرياضة فاتفق أنه خرج معه يوماً يريدان المصلى فاجتازا بباب ذي مصراعين وقد ولد في الدار مولود والطيب ينفح والبخور يتضوع وفي الباب صبيات كالبدور الطلع وأصوات القيان في باطن الدار وظاهرها يطرب السامع فوقفا مع النظارة، فلما رأى ابن روضة ذلك أنشد متمثلاً:؟ بدور من الباب المصرع طلع البيت، فضحك الفخر بن الصياد وقال له أتعرف هذا الشعر لمن؟
فقال لا والله بل هذه الأبيات سمعتها في الشرق لا أعرف قائلها، فلما رأيت الصورة تمثلت بالبيت فقال له إن البيت لفلان الذي أنت نزيله ونزيل والده وهذا البيت بعينه هو الذي عناه بهذا البيت فتعجب من ذلك وأطرفاني بالقصة فعجبت من هذا الاتفاق.
وقال الشيخ شرف الدين حدثني بعض خلاني قال أبتليت بهوى بعض أبناء الأماثل ولم يكن من أبناء جنسي ولا لي به سابقة خلطة فأعملت الحيلة في التعرف إليه وبذلت البذول السنية لمن جمع بيني وبينه بتوصلات متعته إلى أن التقينا راكبين في خلوة بمكان مشرق على أنهار حماة وبساتينها فتسالمنا ثم حرصت على أن أباسطه بشيء من النظم والنثر أو بث وجد واستجلاب ود فحصرت عن المنطق بكلمة واحدة ولم أزد على أن قلت له أنت ما تصلي فقال بلى ويكون مسلم ما يصلي ثم افترقنا، قال الشيخ شرف الدين فحكيت هذه القصة للملك المظفر صاحب حماة رحمه الله فاستظرفها، ثم أشار إلى بعض فتيانه ممن له معه هوى وقال أيش تقول في هذا يصلي فقلت سيماهم في وجوههم من أثر السجود فاستطار طرباً بقولي من أثر السجود وقال أيضاً رحمه الله:
ملكت رقي غلاماً
…
به سلوت الغلامه
عاملت فيه عذولي
…
بالكيد لا بالكرامه
وقال رحمه الله في الزهد:
كل داء لك داء
…
ما لبواك انتهاء
طول آمال وحرص
…
ونفاق ورياء
وذنوب جل فيها ال
…
خطب إذ عز العزاء
فتنصل من خطيا
…
ت لها النار جزاء
واسل عن دنيا يقضي
…
ها صباح ومساء
وابغ أخرى دائم
…
فيها نعيم وشقاء
لا يقطنك ولا يؤ
…
منك خوف ورجاء
سابق الفوت إلى ال
…
فوز فقد جد الجزاء
وانفرد فهو على دين
…
ك والعرض وقاء
واعف عن كل الورى أن
…
احسنوا أو إن أساؤا
فبنو حواء فيما دو
…
ن تقواهم سواء
فاز بالراحة ذو ألف
…
هم وللغز العناء
وإذا صح لك القو
…
ت على الدنيا العفاء
جفت الأقلام بالكا
…
ئن ونبت الفضاء
كل ما في هذه الدن
…
يا قصاراه الفناء
ولأهل الخلد في الخل
…
د ولله البقاء
وقال الشيخ شرف الدين رحمه الله:
هي الدنيا تحب ولا تحابي
…
وتصحب ثم تغدر بالصحاب
دهتني في شباب خولته
…
ولم يفجع بمنع مثل حاب
فلا تعجب من الأضداد وانظر
…
إلى ضحك المشيب مع انتحابي
فلا تثقن وأقل بنيها
…
جرائم ضيقت سعة الرحاب
وعاشرهم بأخلاق عذاب
…
طواهر مثل أمواه السحاب
وقال:
دخلت حمامكم فجاشت
…
بألف كرب لكشف كربه
فقلت تباً لحب دنيا
…
نعيمها بالشقاء أشبه
وقال:
رفقاً بروحي فهي لك
…
وعلى السخي بما ملك
أفضل بحق من اصطفا
…
ك على الملاح وفضلك
فكأن ربك بالجما
…
ل على اقتراحي مثلك
أحظاك منه بمنصب
…
سواك فيه وعدلك
من فر من ذل السؤا
…
ل فعزتي أن أسألك
إن يحم طرفي أن يرا
…
ك جعلت قلبي منزلك
إني أغار إذا أرا
…
ك دنا إليك فقبلك
ويروعني واشي النس
…
يم إذا ثناك وميلك
ما أقبح الصبر الجميل
…
بعاشقيك وأجملك
ما انقص اللوام في
…
ولهي عليك وأكملك
قال الشيخ شرف الدين حدثني شمس الدين حسن بن صالح السلمي خادم ملك النحاة أبي نزار رحمه الله ببعلبك قال رأيته في المنام بعد
موته فقلت له ما لقيت من ربك فقال لي ويك ارفع صوتك ما أسمع ما تقول فقلت يا مولانا ما لقيت من ربك فقال ويك ارفع صوتك ما أسمع فأعدت عليه القول ثالثاً فقال ليه ويك وما ذكرته لك فقلت لا فقال والله أنشدته قصيدة ما في الجنة مثلها ثم أنشد:
يا هذه أقصري عن العذل
…
فلست في الحل ويك من قبلي
إلى أن قال فيها:
يا رب ها قد أتيت معترفاً
…
بما جنته يداي من زلل
ملآن كف بكل مأثمة
…
صفر يد من محاسن العمل
فكيف أخشى ناراً مسعرة
…
وأنت يا رب في القيامة لي
وقال رحمه الله ملغزاً في اسم عبد القادر ثم قال والله ما سمعت حسيس النار
ما اسم تعلقته مضافاً
…
إلى انفرادي وطول فكري
فشطره عند من بغاه
…
مصحفاً باله بخبر
فلا تظننه وصف جمع
…
من سنح في الفلاة عفر
ولا نظيراً ليوم وصل
…
أمنت فيه عناد دهري
وشطره الآخر المرجى
…
لكل عفو وكل غفر
قسمان فعل ماض وحال
…
بغير أمر وفعل أمر
رأيته جائزاً لقلبي
…
إذ قلبه مثل قلب هجري
وإن تلخص فالشطر وصفي
…
والشطر وصف عليه تجري
وقال:
أهلاً بطيفكم وسهلاً
…
لو كنت للإغفاء أهلاً
لكنه وافى وقد
…
حلف السهاد علي إلا
إن لم تزوروا فاجمعوا
…
بخيالكم في النوم شملا
ولقد قنعت بوعدكم
…
فبرى أفوز بذاك أم لا
؟ أطوى الزمان تعللاً عنكم بليت ولو وعلا
وأكرر الشكوى عسا
…
ي يعينني من كان إبلا
قالوا سلوتهم فقل
…
ت كذبتم حاشي وكلا
إني فطرت على النهى
…
وتفطر العذال جهلا
راموا فطامى عن هوى
…
عذيته طفلاً وكهلا
فوضعت في جيبي يد
…
ي وقلت خلوني وإلا
يا من يتيه بناظر
…
عز التصبر إذ تولى
يا حاكماً في صبوتي
…
وتصبري عقداً وحلا
؟ قلبي لديك ومهجتي تفنيهما أسراً وقتلا
خاطبتني ولحظتني
…
فسحرتني قولاً وفعلا
الغصن أنت إذا تثنى
…
والبدر أنت إذا تجلى
بهرت محاسنك العقو
…
ل فعز خالقنا وجل
وقال كتبت إلى والدي رحمه الله ملغزاً للثلج في أوائل ما نظمت:
ما بالكم في مأكل طيب
…
ومشرب عذب يزيل الأوام
نضربه من فرط إشفاقنا
…
عليه أن يسلب ثواب الدوام
ودفنه فيه صلاح له
…
مع إنه من نجل قوم كرام
وإن تصحفه فتصحيه
…
مدينة من بعدها لا ترام
وهو إذا صفحته ثانياً
…
جنس من الأثمار قبل التمام
وعكسه من بعد تصحيفه
…
بلدة ملك من بلاد الشام
فكتب تحتها وأعادها إلي ولم يجف الخطان لسرعة النظم وقرب المكان:
يا ملغزاً في شعره شعره
…
حسبك قد أثلجتنا يا غلام
وقد فطنا وأجبناك عن
…
تفسيره فافطن لهذا الكلام
وقال كتبت إلى والدي ملغزاً للباب:
يا قائم في مخرج
…
يذهب طوراً ويجي
لست تخاف شره
…
ما كان غير مرتج
فكتب لي في ظهر الورقة ذهاب ومجئ وخوف شر هذا باب خصومة ولو قلت يخاف منعه كان أجود وأليق وخيراً من الشر وأصدق.
وقال رحمه الله:
صب لخديه بالدموع يشي
…
من جور واشٍ بكم عليه يشى
ومولع تنطوي أضالعه
…
على حشى من جوى الغرام حشى
تيمه الواصل القطوع فقد
…
هيمه بين ما رجا وخشى
ظبي من الأنس كم لنفرته
…
والأنس من مدنف ومنتعش
لا يطمع البدر أن يقاس به
…
وهو معيب بالنقص والنمش
بدا فأبديت غير معتمد
…
هواه لكن دهيت من دهشى
عقرب صدغاً كالنون عرقها
…
في آخر السطر كف مرتعش
ويعين الشعر كي أراع فلا
…
وقيت من لسع ذلك الحنش
راق جمالاً ورق محتضناً
…
فكدت أشتفه من العطش
ضممت أعطافه فبات على
…
موسد من يدي ومفترش
وافى على أدهم الدجى ومضى
…
ركضاً على أشهب من الغبش
طاش وقارى له وأي فتى
…
فإز بما نلته فلم يطش
مولاي عش وادعاً فعبدك إن
…
دام به ذا السقام لم يعش
وأنشد الشيخ شرف الدين لضياء الدين محمد بن المنصور بن الشهرزوري كتب بها إلى ضياء الدين القاسم بن يحيى الشهرزوري ضمن هدية سيرها إليه:
أيا من حوى سبل المكارم كلها
…
وزف إليه الصعب منها واسناها
وأصبح فرداً في المعالي فلن أرى
…
نظيراً له في العالمين وأشبالها
بحكم انبساطي قد بعثت هدية
…
وما كنت لولاه لمثلك أرضاها
بقيت ودامت لي حياتك أنها
…
بقية آمالي التي أتمناها
وأنشد الشيخ شرف الدين المذكور لابن التلميذ في ولده:
أشكو إلى الله صاحباً شرساً
…
تسعفه النفس وهو يسعفها
كأننا الشمس والهلال معاً
…
تكسبه النور وهو يكسفها
وأنشد لشرف الدين عبد الله بن أبي عصرون:
ومروحة تفرد كل كرب
…
ثلاثة أشهر لا بد منها
حزيران وتموز وآب
…
ويغني الله في إيلول عنها
وله:
أومل أن أحيا وفي كل ساعة
…
تمر بي الموتى تهز نعوشها
وهل أنا إلا مثلهم غير أن لي
…
بقايا ليال في الزمان أعيشها
وقال رحمه الله الشيخ شرف الدين عبد العزيز:
قفا نبك من ذكرى هوى ذلك الخشف
…
وإن كانت الذكرى تشف وتشفي
غزال غزا الآساد في جيش حسنه
…
فصادهم بين السوالف والشنف
وبدر دجى لم ينتقل كسميه
…
ولكنه ما زال في القلب والطرف
يلوح لعيني ما شقا نون صدغه
…
فأعبد خلاقي على ذلك الحرف
تعرى ولم ينصف فؤادي إذ غلا
…
بحبيه والمغلي يرد إلى النصف
وأقدم زحفاً خارجي عذاره
…
فهل عنده أني أفر من الزحف
ولي ثوب سقم محرق من جفونه
…
معار وأثواب العواري لا تدفي
ألأم ولي كف لو أكف مدمعي
…
تكف وأخرى من ملامي تستعفي
وأنفي أساءات الوشاة بحسنه
…
فيرجع كل منهم راغم الأنف
ويرجو فلاحاً عذلي فأحيلهم
…
على آخر العشرين من سروة الكهف
وقال كتبت إلى والدي ملغزاً للسراج:
ولي صاحب أختاره وأجالس
…
يؤانسني إن أوحشتني الوساوس
يدين بطوعي منه رب هداية
…
على العرش والكرسي للخلق جالس
أراجعه محض الفوائد جاهداً
…
فأقبسه طوراً ولي منه قابس
له من يدي جود ولي من لسانه
…
هدى كلما التفت علينا المجالس
أغار من الأنفاس صوناً لنفسه
…
فأحرص في إحرازه وأنافس
إذا نام عني أسرتي فهو ساهر
…
وإن ضيعتني صحبتي فهو حارس
فصحفه وأعكسه تجده مفسراً
…
وفي الوصف كاف أن تفطن حادس
فكتب إلي جواباً:
فديتك يا وتراً لشافعه عما
…
فلم أبق خالاً في الفداء ولا عما
تقارنتما نجمي ضياء شركته
…
بما خص منه وانفردت بما عما
أتتركه نهباً لفهمي بحارس
…
يبيح حماه ثم تسألني عما
فإن عبس الإظلام عند ابتسامه
…
كفاك بإيضاح لمشكله عما
يريد عم يتساءلون لما في السورة من ذكر السراج وقال:
لا تبخلن بدمع منه مدرار
…
من فارق الإلف قسرا غير مختار
ولا يروي ذو جهل تصبره
…
ليس المشوق على بعد بصبار
استودع الله في الغادين بدر دجى
…
ودعت منه لباناتي وأوطاري
ظبي يقنص من طرفي كراه ولم
…
أحفل بمسراه لولا طيفه الساري
إذا تثنى عن طوع لائمتي
…
خواطري بقوام منه خطار
وإن رنا قيل يا لله صنعت
…
عين الغزال بقلب الضيغم الضاري
كمن نلت في وصله من فرحة ذهبت
…
عني ودام لها حزني وتذكاري
وغض ورد بخديه لعزته
…
لم يجن إلا بأسماع وأبصار
وقبلة لم يطرق نحوها دنس
…
إذا لم يكن غير تقدير وإضمار
وخلوة في التقى والأنس مخلية
…
جفني من الماء وقلبي من النار
أحبابنا كيف حلت من حبالكم
…
حبالنا بعد إحكام وإمرار
وكيف ضيعتم عهداً حفظت له
…
ودائع الحب في جهر وأسرار
أبان غدركم هجري وما عرفت
…
عصابة البغي لولا قتل عمار
وخان عهدي نصيح لج في عذلي
…
فقلت دعني وإيرادي وإصداري
فما بقلبك أشجاني ولا ذرفت
…
عيناك دمعي ولا حملت أوزاري
الأم فيكم ولا تجدي الملامة في
…
وجدي بكم غير إغرائي وإصراري
إن كنت لم أفتقد غمضي لفقدكم
…
فلا وجدت من الأنصار أنصاري
أو كنت أجرمت جرماً أستحق به
…
بعداً فلا قربت من داركم داري
أو كان ما ضيقوه من مسالكنا
…
ظلماً فلا وسعتهم رحمة الباري
عابوا خلالي واغتابوا فوقرني
…
علمي بأنهم ليسوا بأنظاري
إن يفعلوا فكفاهم شاهداً لهم
…
بالنقص جهلهم في الفضل مقداري
لولا هواكم لما عاثت ذئابهم
…
في سرح عرضي ولا مروا بأفكاري
وقال رحمه الله:
إذا رمت أمراً فاعتمد في بلوغه
…
على صاحب ذي حكمة وتجارب
ولا تتخذ فيما ينوبك مسعداً
…
سوى عزمات كالنجوم الثواقب
وكن كأبي الأشبال غير مصاحب
…
صحاباً سوى أنيابه والمخالب
ولا تغترر بالخل إن لاح بشره
…
فإن الأفاعي لينات الجوانب
وقال أيضاً رحمه الله:
عن ملامك قد أكثرت تعذالي
…
ليست شعاب الهوى من طرق أمثالي
بارية الخال كفى عن عتاب فتى
…
جم الوفاء كريم العم والخال
لم يثنه عنك بأن من حديث هوى
…
ولا مغاداة غزلان بأغزال
لكن أنار زناد الشيب مفرقة
…
بشعلة بصرته يقظة السالي
وأصلنه قاطعات عن وصالكم
…
واعتاض عن شغله فيكم بإشغالي
فقر ما جاش من عذر ومن عذل
…
وما يعارض من قيل ومن قال
ولو أنست إلى لهو لنفرني
…
ما نفر الغيد من شيب وإقلال
خذي إليك ابنة البكري معذرتي
…
أودي شبابي وحالت بعدكم حالي
لولا ثلاثون يحدوها ثمانية
…
لكان مثلك من مثلي على بال
أصبوة بعدان أضربت عن طربي
…
وقارع الموت اضرابي وإشكالي
طول التفكر في التقصير أقعدني
…
عنكم وسكن بالإقصار بلبالي
فالآن فليعتزل هزلي مصاحبتي
…
وليكثر الجد في إصلاح أعمالي
وقال رحمه الله:
ونادمت من أهوى على قهوة
…
خلت سرور القلب في أسر
بدر لشمس الراح في وجهه
…
أضعاف نور الشمس في البدر
وريقه العذب إذا صح لي
…
سلوت عن رائقها المر
وقال:
أسرفت في ذا الصدود فاقتصد
…
إن لم تعدني يا مسقمي فعد
لا تبخلن بالمقال منك إذا
…
كنت ببعض الفعال لم تجد
وقل غدا موعد الوصال ولا
…
تقصد لإنجازه ولا ت كد
علك تحنو علي بعد غد
…
أو فلعلي أموت قبل غد
وقال:
ومعرب اللفظ لي من نحونه أبداً
…
حذف وصرف وأعلال وتنكير
وجدي به وافر والدمع منسرح
…
والصبر والغمض منقوص ومقصور
وحسنه كامل والعهد مقتضب
…
والوصل والصد مقطوع وموفور
ولحظه ساكن والقد منتصب
…
والقرط مرتفع والمرط مجرور
وقال رحمه الله:
إلا موت يباع إلا حمام
…
فابذل فيه ما ملكت يميني
فإن الموت خير من حياة
…
تواضع رتبتي فيها قريني
إذا ما نال من دوني مراداً
…
أحاول دونه فيحال دوني
وأنشد الشيخ شرف الدين للعماد الكاتب رحمهما الله ملغزاً
في غلبك:
لي حبيب نصف اسمه غل قلبي
…
وأميري باقيه بالتركيه
أنا في ذلة العبودة منه
…
وهو مني في عزة ملكيه
وأنشد للعماد أيضاً:
مرضى من هوى اللحاظ المراض
…
أنا راض به وما أنت راضي
أنت يا عاذلي خلى من الوج
…
د وقلبي شج فخلى اعتراض
حويت خلالاً على المخزيات
…
جمعن وأخلاق ذا الخلق شتى
اما أمرت بخير صددت
…
وإن تنه عن ورد شر وردتا
وما قيل تنشط إلا كسلت
…
ولا قيل تصلح إلا فسدتا
يخالف قولك منك الفعال
…
ويكثر ذا عند ذي العرش مقتا
أتفعل والذر يحصى عليك
…
فليتك في الذر لا كنت كنتا
جعلت البطالة شغلاً لديك
…
تقضي بها الدهر وقتاً فوقتا
إذا قيل جاف الخنا قلت قد
…
وإن قيل ناف الدنا قلت حتى
وهبك تركت زمان الحيا
…
ة فأين المفر إذا أنت متا
وكيف الفرار إذا ما الجبا
…
ل نسفن فلم ترفيهن أمتا
سرى المتقين لكسب الفلاح
…
ففيمن أقمت وفيما أقمتا
تضرع إلى الله في توبة
…
نصوح مكفرة ما اقترفتا
وقلبك فاستفته مخلصاً
…
مطيعاً إذا غيره الغر أفتى
متى يتجلى ظلم الظلم عنك
…
إذا لم تناد نداء ابن متى
فيا رب أنت الغني الحليم
…
أجرني من النار فيمن أجرتا
فما بك ضر إذا ما عصيت
…
ولا بك نفع إذا ما أطعتا
وإن كنت أسرفت فيما عملت
…
فعفوك والصفح عما عملتا
وقال:
أغراه إفراط إقبالي بجفوته
…
وما درى أن أعراضي كإقبالي
إن الصدود لعذب مر مورده
…
عندي لمن لم يوافق حاله حالي
وقال:
مولاي لا بت مبيتي على
…
أخلاف ميعادك بالأمس
فأسعف اليوم بإنجازه
…
فديت بالمال وبالنفس
فإن مضى حين على جفوتي
…
مضى بي الحين إلى رمس
ما لي سوى هجرك من مأتم
…
ولا سوى وصلك من عرس
سلطك الحسن على مهجتي
…
والقلب في الإطلاق والحبس
فكيف تلبيس على عاذلي
…
وليس في حالي من لبس
ما نور عيني في الدجى والضحى
…
غيرك يا بدري ويا شمسي
يخرسني خوفك عن حجتي
…
وإنني أفصح من قس
وتظهر الحبسة في منطقي
…
حتى كأني حسن البرسي
وقال:
ربع اصطباري دمنه
…
وسيوف عذالي كليه
فارعى جملي يا بثين
…
وأسلفي عندي جميله
وللشيخ شرف الدين رحمه الله أشعار كثيرة لا يجمعها ديوان وكان من حسنات الدهر ومحاسنه وكان والده من الأعيان إلا فاضل العلماء الرؤساء متفننا في العلوم وله معرفة بالفقه والإحكام ولي القضاء غير مرة نيابة واستقلالاً وصحب القاضي ضياء الدين محمد بن المنصور بن الشهرزوري وكن له به اختصاص كثير وناب عنه في الحكم وفي نظر الأوقاف وغير ذلك، ووقفت على كتاب جمع فيه الشيخ شرف الدين المذكور رحمه الله أشياء من أخبار والده القاضي زين الدين محمد بن عبد المحسن المشار إليه رحمه الله، فمما علقت منه: قال الشيخ شرف الدين حضرت بني يدي والدي رحمه الله وقد قاربت خمس عشرة سنة فسألته عن عمره فقال خذ في شأنك هكذا ورد في حديث مسلسل فالححت عليه فأمرني فأحضرت كتاباً من كتب القراآت فأراني صفحة في آخره مكتوب عليه بخط جدي رحمه الله ولد الولد المبارك محمد في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وستين وخمسمائة وتحته بخط والدي رحمه الله ولد الولد المبارك عبد العزيز ضحوة نهار الأربعاء ثاني وعشرين جمادة الأولى سنة ست وثمانين وخمسمائة فأخذنا نتعجب من هذا الاتفاق في السنة والشهر والجزء من الشهر، ثم انصرفت من بين يديه إلى حجرة كنت أخلو فيها بنفسي ففكرت أنه في يوم
مولدي كان قد أكمل والدي عشرين سنة فنظمت بيتين وكتبت بهما إليه وهما:
يا رب قد أوجدت قبلي أبي
…
في هذه الدنيا بعشرينا
فاجعله بعدي باقياً مثلها
…
وارحم محباً قال آمينا
فكتب إلي في الحال:
لا بل أموت وتحيا
…
في غبطة وخير محيا
حتى تصرف صرف ال
…
زمان أمراً ونهيا
ثم كتب إلي بعدها.
لا بل أموت وتبقى
…
من الخطوب موفى
ويرحم الله خلاً
…
يقول آمين حقا
وما عهدك ممن
…
أراد براً فعقا
وكتب تحتها إنما أردت بقافية البيت الثاني دعائ حقيقة بخلاف دعائك وجعلت قدحي في إدعائك عقوبة على اعتدائك ثم بات تلك الليلة فلما أصبح كتب إلي ليعلم الولد، أسلكه الله الجدد، وهيأ له الرشد، أني فرقت الليلة وفارقت واستشعرت من مضمون شعره فنظمت:
أيها النجل الشفيق
…
كيف أخطاك الطريق
راعني منك دعاء
…
لم يسغ لي منه ريق
قدك قد كلفت سمعي
…
منه ما ليس يطيق
لم أخلك الدهر تلقا
…
ني بشيء لا يليق
أعدو أنت أخبر
…
ني بصدق أم صديق
سني من شعرك البا
…
رد حر بل حريق
ما له لفظ جليل
…
لا ولا معنى دقيق
لم يصح لي منه
…
الأمقة منك وموق
اعف من برك هذا
…
فمن البر عقوق
قال الشيخ شرف الدين رحمه الله حفظ والدي القرآن العظيم وعمره تسع سنين وصلى التراويح بجامع دمشق برواق الحنابلة وتلقنه من صالح المقرئ وتأدب على الشيخ يوسف البوني ثم على الشيخ العالم الحكيم أبي محمد عبد المنعم بن عمر بن حسان الغساني الأندلسي ثم على شيخنا تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وتفقه على الشيخ شرف الدين عبد الله بن أبي عصرون ثم على الشيخ ضياء الدين الدولعي ونظم الشعر وأنشأ الرسائل وعمره عشر سنين وما حولها ومما نظمه في صباه:
وذات قوام إذا ما انثنى
…
رأيت القلوب به في عنا
تراءت لنا كهلال السماء
…
وظبي الفلاة إذا ما رنا
كشفنا لها بلسان الجفون
…
ونطق الحواجب ما عندنا
فأفهمنا لحظها أنها
…
تروم التواصل لو أمكنا
ولازمنا طرفها ناظراً
…
يخبر أن بها مثلنا
ولولا محاذرة الكاشح
…
حين وشرهم نولتنا المنا
ألم بها ما بنا من هوى
…
ألم فيتمنا كلنا
ومن ذلك:
كأن الهلالي هلال السماء
…
وقد لاح في قمص من سواد
حبيب أمات بهجرانه
…
محباً وداري بلبس الحداد
وقال ملغزاً للبيضة:
ها أنا السابق أو واضعتي
…
خبروا سابقنا بالتبديه
إن تكن مني فمن أين أنا
…
أو أكن منها فمن أين هيه
وقال في السواك:
ومصحوب به أمر الرسول
…
له لوني المغير والتحول
تنعم في مكان ما لخلق
…
سواه إلى تقحمه سبيل
وقال الشيخ شرف الدين أنشدني شيخنا تاج الدين الكندي في التضمين:
يا ذا الذي في الحب يلحي أما
…
والله لو حملت منه كما
حملت من حب رخيم لما
…
لمت على الحب فذرني وما
أطلب أني لست أدري بما
…
قتلت إلا أنني بينما
أنا بباب القصر في بعض ما
…
أطلب من قصرهم إذ رما
شبه غزال بسهام فما
…
أخطأ سهماه ولكنما
عيناه سهمان له كلما
…
أراد قتلي بهما سلما
قال فأنشدتها والدي فقال أحسن منها أبيات حفظتها من أبيات من شعر ابن المعتز وهي:
يا نفس ويحك طالما
…
أبصرت موعظة وما
نفعتك فأخشى وانتهي
…
وعليك بالتقوى كما
فعل الأناس الصالحو
…
ن وبادرى فلربما
سالم المبادر فاحذري
…
يا نفس من سوف فما
خدع الشقي بمثلها
…
إياك منها كلما
باحت مكايدها ضمير
…
ك إنما هي إنما
خطر وكم قتلت واه؟؟
…
لكت النفوس وقلما
تغنى أما نيهاً إذا
…
حضر الردى وكأنما
لم يجي من لاقى منيته فيا عجباً أما
في ذاك معتبر ولا
…
شاف يقصر من عما
يا ذى المنى يا ذى المنى
…
عش ما بدا لك ثم ما
ولجمال الدين همام الدولة الحسن بن علي بن نصر بن عقيل بن أحمد ابن علي العبدي الأمير الموصلي:
وهب المدامة للمى
…
واعتاض عن كأس فما
ظام إلى رشفات ما
…
لولاه ما عرف الظما
يا برد ما أذكى الجوى
…
بين الضلوع وأضرما
وكتب زين الدين محمد بن عبد المحسن المذكور إلى شمس الدولة ابن جميل وقد أهدى له ورقاً:
حبذا يا ابن جميل حبذا
…
ورق أهديته لكن إذا
كان من خطك موشياً بما
…
معتدي الطف شيء يعتذا
لنفوس تتمارى فيه هل
…
يحتذى أو يحتدى أو يحتذا
وكتب إلى الشيخ تقي الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي الخراط الموصلي نزيل حلب يطلب منه ثوباً من ملبوسه يتبرك به فأنفذه إليه وكتب معه:
قميص عبد مذنب غافل
…
زمانه في صفقة خاسره
فابك على من ظل في غفلة
…
قد خسر الدنيا مع الآخره
ثم كتب الهروي إلى زين الدين يطلب منه ثوباً فأنقذه إليه وكتب معه:
قل لتقي الدين يا من هدى
…
إلى العلى منهاجه الواضح
وافاك ثوبي فاطرحه فما
…
يجتمع الصالح والطالح
ألبسه أدنى خادم مثلما
…
يطعم كسب الحاجم الناصح
وقال زين الدين المذكور:
اقنع بأيسر ميسور من الزمن
…
واشكر لربك ما أولاك من منن
واذكر ملابس من عدن يخص بها
…
ذوو التقى واهجر الأبراد من عدن
إن شئت أن تدخل الجنات مجتنياً
…
قطوفها فتوق النار بالجنن
وعاشر الناس بالمعروف مجتهداً
…
وراقب الله في سر وفي علن
وقال أيضاً:
يا مولعاً بالأماني غير معتبر
…
كيف الإقامة والدنيا على سفر
لا تركنن إلى دار الغرور ولا
…
تسكن إلى وطن فيها ولا وطر
وسالم الناس تسلم من مكايدهم
…
مسلماً لقضاء الله والقدر
كم منحة بدرت ما كنت تأملها
…
ومحنة لم تكن منها على حذر
وقال أيضاً:
أبناء دهرك موتى
…
فاعظم الله أجرك
لا ترج منهم حراكاً
…
فالميت لا يتحرك
لا تعجبن لمسيء
…
وأعجب لمن كان سرك
فانفر من الناس مهد
…
عند الآله مقرك
وإن تصاونت عنهم
…
فإن لله درك
وقال:
لو نفرنا عن السكون إلى الدن
…
يا هدينا إلى سواء السراط
دار غدر وحسرة وانقطاع
…
وبلاء وقلعة واشتطاط
أبداً تسترد ما وهبته
…
كخليل ابن يونس الخياط
ومعناه أن عبد الله بن محمد بن سالم بن يونس الخياط كان له خليل يدعوه لمنادمته فإذا سكر خلع عليه ثوباً فإذا صحا من الغد بعث
إليه فاستعاده منه وكان ابن الخياط هذا منقطعاً إلى الزبيريين فقال في ذلك:
كساني قميصاً مرتين إذا انتشى
…
وينزعه عني إذا كان صاحيا
فلي فرجة في سكره بقميصه
…
وروعاته في الصحو حصت جناحيا
فيا ليت حظى من سروري وروعتي
…
يكون كفافاً لا علي ولا ليا
وكتب ضياء الدين بن الشهرزوري إلى زين الدين المذكور ورقة في مهم وطلب كتب جوابها في ظهرها فكتب في غيرها وسير ورقة ضياء الدين عطفها وكتب في ابتداء الجواب بديها:
ضياء الدين كم انهضت جدى
…
فلم أنهض بأنعمك الجسيمه
أتاني خطك المرسوم نوراً
…
بمرسوم عظيم في عظيمه
ورمت جوابه في الظهر منه
…
لتأمن فيه غائلة النميمه
فلم أر أن أطيعك في ابتذالي
…
له والرقم في طرس الرقيمة
فأرسلت الإجابة في سطور
…
عطفن على المشرفة الكريمة
وللفقيه عمارة اليمنى مقطعات في طلب الأجوبة في الظهور منها:
أعد لي جوابي في ظهور رقاعي
…
ليرجع سرى وهو غير مذاع
وإن عقتها عني لتصبح حجة
…
علي فقد عاملتني بخداع
ولعمارة أيضاً:
إن شئت أن أكتب مسترسلاً
…
إليك فيما عن من أمري
فأكتب على الظهر ولا تعتذر
…
فإنه أكتم للسر
ولعمارة:
أتاني جوابك عن رقعتي
…
على غيرها فأسأت الظنونا
فلا تعتذر عن جواب الظهور
…
فبعض الظهور يفوق البطونا
ولا ترتهني بإمساكها
…
فلست بتارك خطي رهينا
ولعمارة:
لم أرد الجواب في الظهر إلا
…
عامداً في خفاء شكواك حالك
ولأن لا تبقى فيكشف بالي
…
من خطوب كشفن بالفقر بالك
قال زين الدين كنت جالساً بسوق الخواصين بدمشق في حدود سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وأنا إذ ذاك أجمع بين التجارة ونيابة ضياء الدين بن الشهرزوري في الأوقاف فوقف علي شاب، رث الحال والثياب، ظاهر الاكتئاب، عليه إثر المرض والفاقة مائل السمرة إلى السواد فناولني ورقه: فيها أبيات شعر يشكو فيها حاله، فقلت هذا شعرك؟ فقال نعم فرحمته وقلت له أنظم أبياتاً في ضياء الدين بن الشهرزوري لأحملها إليه واستمنحه لك وخذ هذا الدينار فتنفق في العاجلة، فسر سروراً ظهر عليه ثم مضى وأتاني في اليوم الثاني بأبيات رائية في ضياء الدين، فركبت ومشى معي يحادثني ويدعو ويشكر إلى أن وصلت إلى دار ضياء الدين فأوصلته إليه فسلم عليه ولم أكلفه إنشاد الأبيات لما هو عليه من الضعف وسوء الحال، ثم أخذت له من ضياء الدين خمسة دنانير وانصرف فرحاً مسروراً، ثم لم أره بعدها ولا علمت له نسباً ولا اسماً ومضت على ذلك مدة طويلة وانتقلت إلى جحماة ووليت بها نظر الأوقاف وقدم حماة الرشيد المصري
المعروف بالصفوي بعد انصرافه عن خدمة الملك الأشرف، فتعصب له جماعة من الدولة المنصورية حتى ولي وزارة المال للملك المنصور الكبير فرام مني الحضور عنده فامتنعت فشكاني إلى الملك المنصور فقال له هذا ليس لك عليه اعتراض وما وليته إلا بالإكراه ليكون ناظر أوقاف الخليفة ناظر أوقافي فترك الرشيد معارضتي ثم أخذ في استمالتي ومباسطتي المودة فلم أنبسط إليه وفاء لزين الدين بن فويج لأن أمور الديوان كانت إليه قبل ولاية الرشيد، فلما تغير الملك المنصور على الرشيد وعزله واعتقله بجامع القلعة نفذت ولدي عبد العزيز إليه فعرض عليه من المعونة والمساعدة على نكبته بكل ما يليق بالحال فشكر وأثنى والتمس التلطف في خلاصه فسعيت بما أمكن ولم يكن عليه تعلق بل خدم في مكانه بحملة كبيرة فتحنى له الملك المنصور ذنباً وقال إنك لم تخدمنا خدمة تستحق عليها معلوماً فأردد ما أخذته في مدة ولايتك فرده، ثم حبس نوابه وطلب أن يسترجع ما أخذته في مدة ولايتك فرده، ثم حبس نوابه وطلب أن يسترجع ما أخذه من معاليمهم، فقال الرشيد إن هؤلاء حبسوا بسببي وأنا الذي عوقتهم عن مكاسبهم وأنا أقوم بما يطلب منهم فأدى عنهم نيفاً عن أربعة آلاف درهم وأخرجهم، وكانت هذه الفعلة من مكارمه التي حببته فزرته وصادقته وهاديته وباسطته فقال لي في خلوة مرة والله يا مولاي ما كان طلبي لك عند ولايتي لما توهمته من استضاقتك إلي ولا للتحكم عليك بك في عملك بل لأتعرف إليك وأتشرف بك وأكافئك على جميلك، فشكرته وقلت وأي جميل كان
مني إليك فقال ما تعرف ذلك الأسود الفقير الأصفر الرث الحال والهيئة الذي وقف عليك بالخواصين وأعطاك ورقة فيها أبيات منها:
يا أجمل الناس في خلق وأخلاق
…
عليك معتمدي من بعد خلاقي
أسعد مريضاً غريب الدار مفتقراً
…
أبكى أعاديه من ضر وإملاق
فأحسنت إليه وعطيته وأمرته بمدح ابن الشهرزوري فنظم فيه أبياتاً منها:
غرة الظبي الغرير
…
من هواها من مجيرى
؟ فلاءن صد حبيبي ونفى عني سرورى
وأماتني الليالي
…
موت ذي سقم فقير
فحياتي بأخي الجو
…
دا بن يحيى الشهرزوري
أيها المولى ضياء ال؟
…
دين يا صدر الصدور
مسني الضر فاسعد
…
ني على مشي أموري
فأوصله إليه وأخذت له جائزته منه أنا والله ذلك الشخص فذكرت القصة وأطرقت خجلاً واستحييت غاية الحياء فقال لي لا تطرق ولا تخجل فمن كانت حاجته إلى مثلك ما عليه عار ولا غضاضة وأعرفك أني بعد ذلك الوقت ما وقت في فاقة ولا احتجت إلى بذلة ولا رأيت أبرك مما صار إلي من مالك وجاهك فنبل في عيني غاية النبيل وصار بيني وبينه من المودة ما أربى على مودات غالب من تقدمه من الأصدقاء بهذا السبب ولو لم يعرفني بنفسه ما عرفته البتة، وكان يصلي الجمعة في المقصورة التي أصلي فيها فانقطع في بعض الجمع لعذر عرض
فكتبت إليه:
يا ماجداً ألسن الورى أبداً
…
بشكره المستفاض منطلقه
ومن مداناته مروحة
…
إذ هو روح الفؤاد والحدقه
ومن أكف الزمان تكتب ما
…
أمليه من شكره على الطرقه
ومن أغاث العافين من يده
…
سحابة بالنوال منبعقة
إذا سحاب السماء جاد لهم
…
بالقطر جادت بعسجد ورقه
ومن معاني مديح حضرته
…
مأخوذة من علاه مسترقه
تؤمل سراقها إذا وصلوا
…
إليه والقطع مقتضى السرقه
كان لنا كل جمعة منح
…
بين المعالي والطول مفترقه
نقوم بالفرض ثم يلطفنا
…
بحسن خلق سبحان من خلقه
فلم قطعت الإيناس عن نفر
…
أهواؤهم في هواك متفقه
نعد إلى العادة القديمة كي
…
تجمع بين الصلاة والصدقه
وأسلم ودم في سعادة وعلا
…
تشمل هذي الشمائل العبقه
فكتب الجواب وكان اعتذر عني إلى الملك المنصور في أمر لبس عليه فأشار إليه:
جادت عليك السحائب الغدقه
…
بكل بيت علاه متفقه
وأنت ذو فطنة لها حكم
…
غزيرة لا تبيد بالنفقه
وليس شعري كفواً لشعركم
…
بل هو شكر الأنعام بالصدقه
وما تكلفت باعتذاري عن
…
ما كذب المدعي وما صدقه
ما الثانية في معنى النفي، فكتبت إليه:
يا ذا الأيادي الغر والمنبت ال
…
حلو الجني والمنهل المستطاب
ومن حوى من كل فن فقد
…
ناط إلى الحكمة فصل الخطاب
إن قمت بالمعضل فينا وقد
…
غاب عن الخدمة كل الصحاب
فليس بالبدع الذي جئته
…
منفرداً فيه ولا بالعجاب
مثلك من ساس عظيماً ومن
…
قام بأعباء الأمور الصعاب
وهل لدفع الخطب مهما عرا
…
جليله إلا الجليل اللباب
شرفني شعرك لما أتى
…
منتظماً نظم لآلي السخاب
فراقي من لفظه رقة
…
تقضي لعلياك برق الرقاب
فلم أؤخر خدمتي هذه
…
تأخير جان يستحق العتاب
وإنما الشامي من بيته
…
يأتي إذا كلمته بالجواب
فاسمع ثناء عنك ألفاظه
…
أعذب من رشف الثنايا العذاب
وعش سعيد الجد حتى ترى
…
غرابة الشيب وشيب الغراب
فكتب إلي مجيباً عنها:
رأيت أبياتاً قصوراً وما
…
فيها قصور لا ولا ما يعاب
سكنت منها جنة زخرفت
…
بطيب ألفاظ حسان عذاب
وقلت من أنشأ لنا هذه
…
لقد أتى من كل شيء عجاب
قالت أنا أنشأني سيد
…
يأخذ من كل المعاني اللباب
له رياضات وأخلاقه
…
أعذب من رشف اللمى والرضاب
يستفتح الأمر بتدبيره
…
فيفتح المغلق من كل باب
يميد من يسمع ألفاظه
…
حتى كأن اللفظ منه شراب
فقلت هذا وصف زين الد
…
نا والدين أعلى كل مولى نصاب
إن عاق سوء الحظ عن قربه
…
فإن قلبي عنده في اقتراب
أو خانه الدهر فلا تكترث
…
فكل ما فوق التراب تراب
وكان لزين الدين المذكور اليد الطولي في الترسل فمن أنشأته مما كتب عن نفسه: كان الخادم أدام الله سعادات المجلس دواماً يستنفد مدد الأيام، ويستمد دواعي الأنعام، ويسترق له أحرار الأنام، ويستحق بأنوار سعده أ، يمحو آيات الظلم والإظلام، وأنهى ما أحاطت به العلوم المولوية من تلزمه بأستار كعبة المكارم الأكرمية، واكتفائه الأخطار في تعلقه بأذيال المفاخر الخطيرية، واستيرائه زناد العزائم الوزيرية واستمطاره سحب الهمم الأفضلية، المفضلية مستجيراً بقبلة إقبالها ومستعيذاً بحرم جلالها، من عدوان دهر، وانهضام وفر، وانقسام فكرن وشتات أمر وثقل ظهر، وحرج صدر، ومن حادثات كلما قلت أقصرت عظائمها عني وولت توالت وما قولي كذا ومعي صبر ثم وقف بعد ذلك محففاً عن الخواطر من التكرار، وعالماً أن المولى بالمعتبة مستغن عن التذكار
ثم قد جدد الآن تعلقه بأذيال كرمه، وتمسكه وتعبده في مشاعر حرمه وتنسكه شاكياً من نبوة الدهر، وكرات الليالي، ولعمري أن الشكوى عنوان الخور، ونتيجة الضجر، وتظلم على القضاء والقدر، لكن:
ولا بد من شكوى إلى ذي حفيظة
…
يواسيك أو يسليك أو يتوجع
ومن شكا إلى غيره فقد ملكه من نفسه رقاً وأوجب لها عليه حقاً، فالشكوى على هذا القياس مجلبة رق، يجب لأجله اختيار السيد وموجبة حق، يتعين بسببه ارتياد الغريم الجيد، وقد اختار الخادم لرقه سيداً حفياً، وارتاد لحقه غريماً ملياً وفياً:
فشكا إلى الماء الزلال أوامه
…
وشكا السقام إلى الطبيب الماهره
وأجل شكواه من المولى بصدر واسع الصدر، ناصع الفخر، قادر على النفع والضر، مبسوط اليد بالخير وحاشاه من الشر:
يرد الحادثات على الموالي
…
ويغريها بإرداء المعادي
تصرف في صروف الدهر حتى
…
غدت وحزونها أسلس القياد
مقتضياً منه وعداً هو عليه دين قضاؤه واجب، وحق له من أريحيته مطالب، إذا أهمل اقتضاه الطالب، وقد علم المولى من طريقته العزلة في الغزلة والنفار عما يقضي بذله من البذله، والآن فقد نزل به من الضرورات ما أباح له ركوب المحظورات، فإن رأى المولى تصريفه في بعض الخدم اللائقة وإن لم تكن الفائقة ولا الرائقة، فقد استكتب في مثل بغداد فكتب ورسل فانجب وولى بها وبغيرها الولايات الجليلة، وعذق بنظره فيها وفي سواها حفظ الأموال الجزيلة، فنهض في الولاية النهضة المرضية، وسعى في الكفاية على الطريق المضيئة، فالمشير به آمن من أن يخطي، والشفيع له معط سلطانه ضعاف ما استعطى
والخادم قد خرج من لائمة العقل والعقلاء، وقام بوظيفة الفضل عند الفضلاء وسلك بملتمسه جد التوفيق، وتوخى لمقصوده أسهل طريق وجرد لمطلوبه حسام النجاح من قرابه، وأتى بيت حبائه بمحبوبه من بابه واستسقى لظمائه الزلال العذب، واسترهف لنصرته الجراز العضب واستنهض لمهمته الهمام الندب، فإن ظفر بمرامه، وانتصرن على أيامه فغير بعيد أن ينال مراده من اتخذ المولى وسيلة قصده وإن استمر حول حاله التي شرحت ودامت عليه عقلة أموره التي جنحت، وجمحت وطاشت كفة حظه التي كانت قديماً رجعت، واستفحل فساد حركاته التي طالما استقامت وصلحت:
فذاك لحظي لا لعجز محكم
…
إذا أمر الأيام في إطاعت
ووجه الشكر متوجه إلى المولى في الحالين، وأيدي الدعاء بدوام أيامه مبسوطة على كلا التقديرين، وبالعناية المتعينة والكفاية المتبينة يرتفع المن والعتب من البين، والرأي اسماً إن شاء الله تعالى، وندب لعقد نكاح ببغداد لبعض مماليك الخليفة على بعض جواريه، فقال بديهاً: الحمد لله الذي خلق من الماء بشراً، فجعله نسباً وصهراً، وشرع النكاح لعباده وأثابهم عليه أجراً، أحمده على نعمه التي أوجب التوثيق بحمدها شكراً، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أعدها للمعاد ذخراً، وأشد بها للرشاد أزراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى العالم طراً، الموروث عنه من الحكم ما يطبق الآفاق براً وبحراً، ويدعو إلى التناكح
والتناسل ليعود قل المؤمنين كثراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة هم بها أحق وأحرى، وعلى عمه العباس بن عبد المطلب الذي فاق الأعمام شرفاً وقدراً، وأولد من الأئمة المهديين نجوماً زهراً، جد مولانا وسيدنا الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين الذي أوسع الإسلام إنجاداً ونصراً، وأوسع الأنام إرفاداً وبراً، وقمع أهل الكفر والعناد إرغاماً وقهراً، صلى الله عليه صلاة ترفع له في الدارين رتباً وذكراً، وبعد فالنكاح من السنن المنوه بها شرعاً وعقلاً والأعمال المفضلة عند الحاجة إليها على أفضل العبادات إذا كانت نفلاً وبه تمت الحكم الإلاهية، ووردت الشريعة المحمدية، ونسخت المسافحة الجاهلية ورسخت أقدام المناسب الطاهرة الزكية، وقد رسم أعلى اله المراسم وأمضاها وأنفذها في أقصى الأرض وأدناها أثناء عقدة النكاح بين فلان وفلانة مملوكي الخدمة الشريفة المكتفيين بهذه العبودية في التلقيب شرفاً، وبهذه المملوكية ملكاً عظيماً مؤتنفاً على صداق مبلغه كذا وكذا فخاراً لله لأمير المؤمنين صلوات الله عليه صلاة دائمة إلى يوم الدين في هذا المرسوم المبين ولمملوكيه في هذا العقد المتين، وجعله مقروناً لأمير المؤمنين، بالنصر والتمكين ولمملوكيه المذكورين بالرفاء والبنين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.
وكان لزين الدين أخ يدعى نجم الدين أحمد وعنده سقوط همة ففارقه وصار وكيلاً عند القاضي زكي الدين الطاهر بدمشق وبلغ
زين الدين رعاية القاضي له بسببه وسأله النجم أن يكتب إلى القاضي يشكره على إحسانه إليه فكتب: أولي الأنعام أدام الله سعادات المجلس العالي الزكوي وجددها، ومدمدة أيامه وأبدها، وبسط يد اقتداره وأيدها، وأبقى على أوليائه مواهب الآئه وخلدها، وحرس الشريعة المطهرة بحسن نظره وعضدها، وهيأ للأمة بواضح هديه وأرشدها، بأن يذكر ويشكر ويظهر، ويشهر، ويذاع وينشر، ويعترف بعوارفه ولا ينكر، أنعام لم يخدم المنعم به على ابتدائه بسالف خدمة ولا تقدمت له نهضة في مهمة وككان فاعله متبرعاً بفعله متطوعاً بما فرضه على مكارمه من مغله كأنعام المولى على مملوكه أحمد أخي الخادم فإن المولى أسبغ الله ظله شمله بأنعامه، ورعاه بطرف عنايته واهتمامه، من غير تقدم خدمة يرعى لأجلها، ولا سابق موالاة يمت مثله بمثلها وهكذا أنعام ذوي الأصول الكريمة والمكارم الأصيلة ما زال عارياً عن الأسباب الموجبة والموجبات المسببة، وقد كان الخادم قاطعه مقبحاً عليه ما اختاره لنفسه من الحرفة التي هي كاشتقاقها، والمهنة التي تفضي إلى انخرام الحرمة وانخراقها، حتى ورد كتابه أنه بين يدي المولى محفوظاً بعنايته، وملحوظاً برعايته، ومنتظماً في سلك خدمه، ومعتصماً بركن حرمه، وملازماً لبابه ومعدوداً من جملة خدمه وأصحابه فعدل الخادم، عن استقباح اختياره إلى استحسانه وعن استيهان رأيه إلى استمتانه، فإن من جمع الله عز وجل له ما جمعه للمولى من كرم المولد وشرف المحتد وطيب الأصول والتفنن
في علم الفروع والأصول، ومواظبة اقتباس العلم، وإيناس الأتباع بالتواضع والحلم، إلى غير ذلك من الفضائل التي يضيق عنها العد، ولا يحصرها الحد، كان للمتعلم منه فضيلة العالم، وللوكيل، بين يديه رتبة الحاكم، وللقائم في خدمته منزلة القاعدة المتصدر، وللماشي في ركابه مكانة الراكب المتأمر، فنه لا نقص في خدمة كامل، ولا وهن في قبول الأفضال من فاضل، ولقد أصبح أنعام المولى عليه مسترقاً للخادم وجاراً لولائه وباسطاً لسان دعائه، وثنائه، وما سمع قبل المولى بمسترق سرى الرق إلى أخيه ولا بعبد أنجز إلى مولاه ولا أقاربه وذويه، وإنما المعهود في مواضع الوفاق العمل بالسراية في العتق لا في الاسترقاق وجر المولى من جهة مخصوصة بعد وجود الحرية ومع بقاء العبودية فلا زال المولى مما يوليه من الرغائب مخصوصاً بفضائل الغرائب، ولقد وصل الخادم في كتابه ما تواترات به الأخبار على كل لسان مجملاً من خصائص فضائل المولى وحسن سيرته وغزارة إحسانه ومروءته ما تمنى معه الكون في الخدمة المولوية متشرفاً بمشاهدتها، ومتنمياً بمرافدتها ومستعيناً بمعاضدتها ومستديلاً من الأيام بمساعدتها، والله تعالى يقرب من ذلك ما يقوم للخادم برفع قدره وللمخدوم بواجب شكره إن شاء الله تعالى.
عبد الكريم بن جمال الدين بن عبد الصمد بن محمد بن
أبي الفضل بن علي بن عبد الواحد أبو الفضائل عماد الدين الأنصاري الخزرجي الدمشقي الشافعي المعروف بابن الحرستاني، مولده في سابع عشر شهر رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة بدمشق سمع من ابن أبي القاسم عب الصمد ومن رجب الخشوعي والقاسم بن علي الدمشقي وحنبل وغيرهم وتولى قضاء دمشق نيابة واستقلالاً بعد أبيه ثم تولى الخطابة والإمامة بجامعها الأعظم إلى أن توفي ودرس بزاوية الغزالي وغيرها، وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية وكان من الأعيان وتوفي بدمشق في التاسع والعشرين من جمادى الأولى ودفن من يومه بجبل قاسيون وشهده خلق عظيم لا يحصون كثرة ووالده جمال الدين قاضي قضاة الشام كان أحد الفقهاء المشهورين بالعلم والمشايخ المذكورين بالدين والصلاح والحكام المعروفين باتباع الحق وتوخيه والصلابة في الأحكام والوقوف عند ما توجبه الشريعة الهادية.
وكان يعرف وينعت بتقي القضاة وولي القضاء بدمشق مدة نيابة واستقلالاً وسمع من جماعة كثيرة وعمر حتى تفر بأشياء من مروياته وكانت الرحلة إليه في وقته رحمه الله.
علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي أبو الحسن ضياء الدين أحد كتاب الحكم بدمشق كان فاضلاً من أعيان العدول، وله اشتغال بسماع الحديث وكتابته وسافر إلى الديار المصرية لشهادة تحملها فأدركه أجله هناك وتوفي بالقاهرة ليلة السبت رابع صفر ودفن خارج باب
النصر شرقي القاهرة وقد نيف على الستين رحمه الله.
عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن أيوب بن شاذى الملك المغيث فتح الدين أبو الفتح صاحب الكرك وقد ذكرنا في حوادث السنة الخالية حضوره إلى الملك الظاهر وقبضه عليه وأخذ الكرك منه وإنفاذه إلى الديار المصرية وكان والده الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن الملك الكامل قد ملك الديار المصرية بعد وفاة أبيه وصار الشام أيضاً في حكمه وابنه الجواد نائباً عنه، واتفق حضور الملك الصالح نجم الدين وأخذه دمشق من الجواد وأنه قصد التوجه إلى الديار المصرية ليملكها، وجرى ما قدمنا ذكره من خروج دمشق عنه وإمساكه وإعتقاله بالكرك ثم خروجه وتملكه الديار المصرية، وكل هذا مشهور وبقي الملك العادل معتقلاً بقلعة الجبل فلما عزم الملك الصالح على السفر إلى الشام في أواخر سنة خمس وأربعين تقدم بتسييره إلى الشوبك ليعتقل بقلعتها فضربت له خيمة ظاهر القاهرة ليخرج إليها ثم يمضي به إلى الشوبك ليعتقل بقلعتها فضربت له خيمة ظاهر القاهرة ليخرج إليها ثم يمضي به إلى الشوبك فامتنع من ذلك وقال ما أروح أصلاً ومهما اردتم فعله فافعلوه هنا فغضب الملك الصالح ومعه نفر يسير من مماليك الملك الصالح وتقدم إليهم بخنقه فخنقوه بقلعة الجبل وجهز وأخرج إلى مقبرة شمس الدولة ابن صلاح الدين خارج باب النصر فدفن بها رحمه الله وذلك في شوال
سنة خمس وأربعين فكانت مدة اعتقاله بعد القبض عليه قريباً من ثمان سنين وعمره نحو ثلاثين سنة لأنه ولد سنة خمس عشرة عقيب وفاة جده الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب وكان جواداً كثير البذل أنفق الخزائن التي جمعها والده في السنين المتطاولة في مدة يسيرة وكانت أيامه زاهية زاهرة والأسعار في غاية الرخص لكنه لم يكن فيه سياسة يضبط بها الجند ولا معرفة يدبر بها المملكة وقدم الأراذل وآخر الأكابر ولما مات كان الملك المغيث صاحب هذه الترجمة صغيراً فأنزل إلى القاهرة وجعل عند عمات أبيه القطبيات بنات الملك العادل الكبير وإنما عرفن بالقطبيات لأنهن أشقاء الملك المفضل قطب الدين بن الملك العادل فبقي عندهن إلى أن مات الملك الصالح فقيل أن الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ أراد أن يسلطن الملك المغيث ويكون هو أتابكه وعزم على ذلك والأمير فخر الدين يومئذ بالمنصورة قبالة الفرنج وبلغ ذلك الأمير حسام الدين بن أبي علي وهو إذ ذاك نائب السلطنة بالقاهرة فتقدم بأخذ الملك المغيث من عند عمات أبيه واعتقاله بقلعة الجبل والاحتراز عليه فبقي في القلعة معتقلاً فلما وصل الملك المعظم إلى المنصورة أمر بقتل الملك المغيث من قلعة الجبل إلى قلعة الشوبك واعتقاله بها فنقل إليها وكان الملك الصالح نجم الدين لما تسلم الكرك من أولاد الملك الناصر داود رحمه الله سير إليها الطواشي بدر الدين بدر الصوابي نائباً بها وبالشوبك فلما وصل إليه الملك المغيث اعتقله بالشوبك كما رسم، فلما قتل الملك المعظم وبلغ
الصوابي أخرج الملك المغيث وملكه الكرك والشوبك وأعمالهما وتولى تدبير أموره وقد ذكرنا من تفاصيل أحواله نبذة فيما مضى وكان ملكاً كريماً حليماً شجاعاً عادلاً محسناً إلى رعيته غير أنه لم يكن عنده حزم ولا حسن تدبير فإنه أنفق جميع ما كان عنده من المال على البحرية والشهرزورية في طمع تملك الديار المصرية ولم يحصل له ذلك وذهب ذلك المال العظيم في غير فائدة وكان جملاً عظيمة فإن الملك الصالح نجم الدين لما تسلم الكرك حمل إليها مائة ألف دينار عيناً غير الدراهم والأقمشة وغيرها وألجأت الضرورة للملك المغيث بذهاب ذلك إلى النزول من الكرك وخروجها من يده وذهاب روحه.
وكان الملك المغيث على مذهب أبيه في تقريب الأراذل والإصغاء إليهم وقد ذكرنا في السنة الماضية كيفية إمساكه وما نسب إليه والله أعلم بحقيقة ذلك وقيل إن جميع ما نسب إليه لم يكن له أصل بل مجرد شناعة ليقوم عذر الملك الظاهر عند الأمراء والناس فيما فعله فن سائر الأمراء في ذلك الوقت إلا القليل منهم كانوا غلمان بيته.
وحكى لي أن الملك الظاهر قال للأمير عز الدين أيدمر الحلى نائب السلطنة بالديار المصرية في ذلك الوقت دع من يقتل المغيث صاحب الكرك ممن تثق به غاية الوثوق وتوكد عليه في كتمان ذلك وطيه عن جميع الناس وأدفع إليه ألف دينار فأحضر الأمير عز الدين المذكور لأستاذ داره وكان رجلاً ديناً فيه خير وعنده تقوى وقال له أريد أن أندبك في أمر مهم تفعله وتكتمه عن جميع الناس ولا تطلع
عليه أحداً من خلق الله فقال السمع والطاعة قال هذه ألف دينار مصرية تأخذها لك وتدخل إلى الملك المغيث صاحب الكرك تقتله فقال والله لو أعطيتني ملء هذه الدار دنانير ما فعلت هذا ولو ضربت رقبتي بل يأمرني الأمير بغير هذا ويبصر ما أفعل فانتهزه وحاوله بكل طريق فلم يجبه إلى ذلك فأعرض عنه وطلب شخصاً آخر من أصحابه فيه شر وعنده شهامة وإقدام وقال له ذلك فبادر إليه ودخل على الملك المغيث فتقله خنقاً وأخذ الألف دينار وشرع يشرب في دار له على بركة الفيل ويخرج من الذهب فقال له ندماؤه في حال سكره من أين لك هذا الذهب فأخبرهم أنه قتل صاحب الكرك وأعطى ألف دينار رضي الله عنه فشاع ذلك واتصل بالملك الظاهر وكان حريصاً على كتمانه ويظهر للأمراء أن المغيث في قيد الحياة موسعاً عليه فعظم ذلك على الملك الظاهر وأنكر على الأمير عز الدين الحلى وطلب الشخص القاتل منه فأحضره إليه فأمر باستعادة الألف دينار منه وقتله.
وكان قتل الملك المغيث في أوائل هذه السنة وقيل في أواخر سنة إحدى وستين رحمه الله.
لاجين بن عبد الله الأمير حسام الدين الجوكندار العزيزي كان من أكبر الأمراء وأعظمهم مكانة في وقته وأعلاهم قدراً وأوسعهم صدراً وأكثرهم تجملاً وكان شجاعاً بطلاً جواداً حازماً وله في الحروب المواقف المشهورة واليد البيضاء والآثار الجميلة خصوصاً في وقعة التتر ظاهر حمص في أول سنة تسع وخمسين فإنه فاز بأجرها وشكرها وقد أشرنا
إلى شيء من أحواله يما تقدم من هذا الكتاب.
وكان له في الفقراء والصالحين عقيدة حسنة ويكثر من الإحسان إليهم والبر بهم وافتقادهم بالنفقة والكسوة وغير ذلك وكان يعمل لهم السماعات ويحضر فيها من المآكل والمشارب والأراييح الطيبة والشموع ما يبهر العقل ويتجاوز الحد فكان يقدر ما يغرمه على السماع الواحد تقريب ثمانية آلاف درهم وكنت أسمع باحتفاله في مر السماع وعلو همته فأحمل الأمر على المجازفة في القول من الحاكي فاتفق أنه طلبني ليلة لحضور ذلك فحضرت عنده فكان الأمر على ما بلغني وأكثر فإنني لما دخلت داره التي بالعقيبة رأيت من الشموع الكافوري الكبار في الأتوار الفضة والمطعمة ما يقصر عنه الوصف ثم مد بعد صلاة المغرب سماطاً عظيماً يشتمل على قريب مائة زبدية عادلية كبار في كل زبدية منها خروف صحيح رضعي وقريب ثلاثمائة زبدية دون تلك في كل زبدية ثلاثة طيور دجاج وغير ذلك من أنواع الأطعمة، فلما فرغ الناس من الأكل صلوا العشاء الآخرة وشرع المغني في الغناء ورقص هو بنفسه بين الفقراء كأحدهم وكان يسلك من الأدب معهم والتواضع لهم ما لا مزيد عليه.
فلما فرغ المغني من النوبة الأولى مد سماطاً عظيماً يشتمل على عدة أطباق وصحون خزافية حلوى سكب وقطائف رطبة ومقلوة ومشبك وغير ذلك مما جميعه بالسكر المكرر المصري والفستق والمسك فأكل
الناس من ذلك ما أمكنهم وحملوا بحيث شيل معظم ذلك في خرق الحاضرين فلما فرغوا من ذلك شرع المغني في الغناء من النوبة الثانية فرقص هو وغلمانه ومن حضر من الفقراء والمشايخ وغيرهم فلما فرغ المغني من النوبة الثانية مد سماطاً عظيماً من الفواكه النادرة من السفرجل والتفاح الفتحي والكمثرى الرحبي والرمان اللفان والحلو والعنب النادر والبطيخ الأخضر وكانت هذه الفاكهة التي حضرت معدومة في مثل ذلك الوقت يتعذر وجودها على غيره لأن ذلك كان في أواخر فصل الشتاء وإنما كان يدخر له ذلك بالقصد فإن قرية كفر بطنا وزبدين وعدة قرى من الغوطة كانت جارية في إقطاعه وبها الفواكه النادرة فأكل الناس من ذلك ما أمكنهم ثم غنى المغني النوبة الثالثة ورقص الجمع فلما فرغوا مد لهم سماطاً من المكسرات على اختلاف أنواعها من القصب العراقي والفستق والبندق والزبيب الجوزاني والفستق المملح والخشكنان والكعك المحشو والبقسماط المعمول بالسكر والسمن وغير ذلك فأكل الناس من ذلك وحملوا وجميع ما يمد على كثرته لا يرفع منه بقية البتة بل يؤكل منه ما يمكن ويتفارق الحاضرون ما بقي وينهب وجميع ما شرب في تلك الليلة من أولها إلى آخرها من الماء المصنوع بالثلج والسكر وماء الخلاف والورد والمسك والسقاة يملأون الكيزان من ذلك على الدوام ويسقون الناس والمباخر تعمل بالند والعنبر والعود الهندي النادر المعلى من أول الليل إلى آخره.
فلما كان وقت السحر أغلى حمام ابن السرهنك المجاورة لداره ودخل إليه ومعه معظم الجمع ولم أدخل أنا.
فحكى لي الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمد اليونيني رحمه الله وكان حاضراً قال بعد خروجك دخلنا الحمام فجعل الأمير يخدم الفقراء بنفسه وغلمانه فلما خرجوا كان منهم جماعة خلعوا قمصانهم ودلوقهم فأحضر لهم قمصاً جدداً وثياباً جدداً في نهاية الحسن والمناسبة لما يليق بهم ثم خرج واستدعاهم إلى داره وسقاهم من الأشربة ما يناسب الحمام ويلائمه ومد لهم سماطاً عظيماً من الططماج وأحضر لهم حلوى سخنة فأكلوا وانصرفوا وأما هو فإنه خلع على المغني من ملبوسه عدة بغالطيق تساوي جملة كبيرة وكذلك غلمانه وكان هذا السماع في آخر سنة تسع وخمسين والغرارة القمح بدمشق فوق ثلثمائة درهم والرطل اللحم بالدمشقي بمبلغ سبعة دراهم والدجاجة بمبلغ ثلاثة دراهم. وجميع الأشياء غالية جداً وكانت وفاته رحمه الله في رابع عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون مجاوراً لقبر الشيخ عبد الله البطائحي رحمة الله عليه وقد ناهز خمسين سنة من الممر وقيل أنه سم وإن مملوكه جمال الدين كندغدي واطأ عليه وقابل إحسانه العظيم المفرط بذلك فإنه كان قد خوله وموله وهو عنده أعز ومن الولد فباعه بأبخس الأثمان والله أعلم بحقيقة ذلك وخلف الأمير حسام الدين تركة جليلة المقدار من الخيول والعدة والأموال وغير ذلك رحمه الله.
محمد بن حمدان بن جراح بن الحسن بن محمد بن أحمد بن مال وعبد الله شرف الدين النميري كان فاضلاً ينظم العشر على طريقة العرب وتلقب نفسه زعيم نمير وكان شيخاً لطيفاً رأيته غير مرة عند والدي رحمه الله بدمشق وسمعته ينشد مقاطيع من شعره وكانت وفاته بقرية كفر بطنا في ثاني شهر رمضان المعظم ودفن بها وهو في عشر السبعين رحمه الله تعالى.
محمد بن علي بن عبد الوهاب بن محمد بن أبي الفرج أبو الفرج زين الدين الإسكندري سمع من الحافظ علي بن المفضل المقدسي وغيره وتولى القضاء والخطابة ببلده مدة وكان أحد رؤسائها ومن ذوي بيوتها ولأهله بها الآثار الجميلة من الأوقاف على أبواب..... وغير ذلك وكان زين الدين عاملاً فاضلاً سقط عليه بعض جدار داره فمات في العاشر من شهر رجب رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سراقة أبو بكر محي الدين الأنصاري الأندلسي الشاطبي مولده في شهر رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسماية بشاطبة سمع الكثير وولى مشيخة دار الحديث البهائية بحلب ثم قدم الديار المصرية وتولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى حين وفاته وحدث وكان أحد الأئمة المشهورين بغزارة الفضل
وكثرة العلم والجلالة والنبل وأحد المشايخ المعروفين بمعرفة طريق القوم وله في ذلك الكلام الحسن والإشارات اللطيفة مع ما جبل عليه من كرم الأخلاق واطراح التكلف ورقة الطبع ولين الجانب، وكانت وفاته في يوم الثلاثاء العشرين من شعبان بالقاهرة ودفن من الغد بسفح المقطم رحمه الله، ومن قلائد الجمان: الشيخ محي الدين من أبناء القضاة الفقهاء حفظ الكتاب الكريم وتفقه على مذهب مالك بن أنس رحمة الله عليه ورحل إلى المدينة السلام في طلب الحديث فلقي بها جماعة من مشايخها كأبي حفص عمر بن كرم الدينوري وأبي علي الحسين بن المبارك ابن محمد الزبيدي وأبي الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران وغيرهم وقدم مدينة إربل وقرأ على أبي الخير بدل التبريزي في سنة ست وعشرين وستمائة، وكان محي الدين رجلاً فاضلاً متنسكاً عاقلاً ذا دين وعفاف وبشر ووقار جيد المعرفة بمعاني الشعر صالح الفكرة في حل التراجم ومن شعره:
إلى كم أمني النفس ما لا تناله
…
فيذهب عمري والأماني لا تقضى
؟ وقد مر لي خمس وعشرين حجة ولم أرض فيها عيشتي فمتى أرضى
وأعلم أني والثلاثون مدتي
…
حر بمغاني اللهو أوسعها رفضا
فماذا عسي في هذه الخمس أرتجي
…
ووجدي إلى أوب من العسر قد أفضى
فيا رب عجل لي حياة لذيذة
…
وإلا فبادر بي إلى العمل الأرضى
وكتب إلى بعض ملوك المغرب:
لقاؤك عيد بالنجاح بشير
…
وتقبيل بمني راحتيك حبور
بهاؤك في لحظ المواسم موسم
…
ونشرك في ريا العبير عبير
وما عادنا من عيدنا غير وافد
…
يحول عليه الحول ثم يزور
له أمل في لثم لقياك مدرك
…
وطرف بها يرنو إليك قرير
سرى نحوكم مذ عام أول جاهداً
…
يجوب عراض البيد وهي شهور
فبشراه وفي النفس ملء فؤادها
…
سروراً وإن أعيت وطال مسير
وناجيت نفسي والهوى يبعث الهوى
…
وطال بي التسويف وهو غرور
أأترك موسى ليس بيني ويبنه
…
سوى ليلة إني إذن لصبور
فملت بودي وانحياشي وهمتي
…
إليك وفيها عن سواك نفور
وأيقنت أني إذ أخذت بحبلكم
…
على ريب دهري من أشاء أجير
هما منثني الأعناق نحو علائه
…
كمال بأهواء النفوس جدير
ينوب عن الدر النفيس كلامه
…
وما ناب عن جدوى يديه بحور
إذا اصفرت أيدي السحاب فكفه
…
سحاب بآفاق السماح دروز
وقال محي الدين أيضاً وقيل كنيته أبو القاسم:
وصاحب كالزلال يمحو
…
صفاؤه الشك باليقين
لم يحص إلا الجميل مني
…
كأنه كاتب اليمين
وهذا عكس قول الشهاب المنازي وهو:
وصاحب خلته خليلاً
…
وما جرى عذره ببالى
لم يحص إلا القبيح مني
…
كأنه كاتب الشمال
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن علي ابن الحسين بن قرناص أبو عبد الله ناصر الدين الحموي الخزاعي وبقية نسبه مذكور في ترجمة عمه الشيخ شرف الدين عبد العزيز بن قرناص في سنة أربع وخمسين، مولده في سنة ثلاث عشرة وستمائة وتوفي إلى رحمة الله تعالى ليلة الثلاثاء لثلاث وعشرين ليلة خلت من شوال هذه السنة وكان عالماً فاضلاً زاهداً عابداً ورعا كريم الأخلاق حسن الأوصاف جميل العشرة جم الفوائد، ومن شعره في ترتيب حروف كتاب المحكم في اللغة لابن سيده:
عليك حروفاً هن خير غوامض
…
قيود كتاب جل شاناً ضوابطه
صراط سوي زل طالب دحضه
…
تزيد ظهوراً ذا ثبات روابطه
لذلكم نلتذ فوزاً بمحكم
…
مصنفه أيضاً يفوز وضابطه
وهذه الأبيات أنسب من الأبيات التي عملها بعض أدباء المغرب في مثل ذلك وأليق بالكتاب والأبيات القديمة:
علقت حبيباً همت خيفة غدره
…
قليل كرى جفن شكا ضر صده
سبي زهوه طفلاً ديانة تائب
…
ظلامته ذنب ثوى ربع لحده
نواظره فتاكة بعميده
…
ملاحته أجرت ينابيع وجده
وكتاب المحكم في اللغة كتاب نفيس في خمس عشرة مجلدة لم يصنف
في بابه مثله وهو تأليف أبي الحسن علي بن أحمد المعروف بابن سيده قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي نصر ابن عبد الله الحميدي عنه كان إماماً في اللغة والعربية حافظاً لهما على أنه كان ضريراً وقد جمع في ذلك جموعاً، وله مع ذلك في الشعر حظ وتصرف كان منقطعاً إلى الأمير أبي الجيش مجاهد بن عبد الله العامري ثم حدث له نبوة بعد وفاته في أيام إقبال الدولة بن الموفق خافه فيها فهرب إلى بعض الأعمال المجاورة لأعماله وبقي بها مدة ثم استعطفه بقصيدة أولها:
ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى
…
سبيل فإن الأمن في ذاك واليمنا
ضحيت فهل من برد ظلك نومة
…
لذي كبد حري وذي مقلة وسنا
ونضو هموم طلحته طياته
…
فلا غارباً أبقين ولا متنا
هجان نأى أهلوه عنه وشفه
…
قراف فأمسى لا يدس ولا يهنا
فيا ملك الأملاك إني محوم
…
على الورد لاعنه أذاد ولا أدنا
تحيفني دهر وأقبلت شاكياً
…
إليك أمأذون لعبدك أم يثنا
وإن تتأكد في دمي لك نية
…
بسفك فإني لا أحب له حقنا
دم كونته مكرماً تك والذي
…
يكون لا عتب عليه إذا أفنى
إذا ما غدا من حرسيفك بارداً
…
فقد ما غدا من برد برك لي سخنا
وهل هي إلا ساعة ثم بعدها
…
ستقرع ما عمرت من ندم سنا
ولله دمعي ما أقل استنانه
…
إذا في دمي أمسي سنانك مستنا
ومالي في دهري حياة الذها
…
فيعتدها نعمي علي ويمتنا
إذا قتلة أرضتك منا فهاتها
…
حبيب إلينا ما رضيت به عنا
وهي طويلة صرف فيها القول ووقع عنه الرضا بوصولها، ومات بعد خروجي من الأندلس قريباً من سنة ستين وأربعمائة رحمه الله، وذكره قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله في وفيات الأعيان فقال الحافظ أبو الحسن علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده المرسي كان إماماً في علم اللغة والعربية حافظاً لهما وقد جمع في ذلك جموعاً من ذلك كتاب المحكم في اللغة وهو كتاب كبير جامع مشتمل على أنواع اللغة، وله كتاب المخصص في اللغة وكتاب الأنيق في شرح الماسة في ست مجلدات وغير ذلك وكان ضريراً وأبوه ضرير، قال أبو عمر الطلمنكي دخلت مرسية فتشبث بي أهلها يسمعون علي غريب المصنف فقلت لهم انظروا من يقرأ لكم وأمسك أنا كتابي فأتوني برجل أعمى يعرف بابن سيده فقرأه على من أوله إلى آخره فعجبت من حفظه، وكان له في الشعر حظ وتصرف وتوفي بحضرة دانية عشية يوم الأحد لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وعمره ستون سنة أو نحوها، قال قاضي القضاة رحمه الله ورأيت على ظهر مجلد من المحكم بخط بعض فضلاء الأندلس أن ابن
سيده المذكور كان يوم الجمعة قبل الصلاة صحيحاً سوياً إلى وقت صلاة المغرب فدخل المتوضأ فأخرج منه وقد سقط لسانه وانقطع كلامه فبقي على تلك الحال إلى العصر من يوم الأحد ثم توفي إلى رحمة الله وقيل سنة ثمان وأربعين وأربعمائة والأول أصح وأشهر ودانية مدينة في شرق الأندلس.
محمد بن أبي بكر بن سيف أبو عبد الله شمس الدين التنوخي الموصلي الوتار ولد بالموصل في سابع عشر ذي الحجة سنة تسع وسبعين وخمسمائة واشتغل بالأدب وكان فاضلاً وله نظم جيد وسكن دمشق مدة وتولى خطابة المزة وخطب بها إلى أن توفي بها في ثامن عشر ذي الحجة رحمه الله، ومن شعره في المشيب والخضاب:
وكننت وإياها مذ اختط عارضي
…
كروحين في جسم وما نقضت عهدا
فلما أتاني الشيب يقطع بيننا
…
توهمته سيفاً فألبسته غمدا
موسى بن إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذى أبو الفتح الملك الأشرف مظفر الدين ملك بعد وفاة أبيه الملك المنصور ناصر الدين إبراهيم في سنة أربع وأربعين حمص وتدمر والرحبة وزلوبية وهو صغير السن وقام بتدبير دولته وزيره مخلص الدين
إبراهيم بن إسماعيل بن قرناص فسلم قلعة شميميس إلى الملك الصالح نجم الدين ليعتضد به بإشارة وزيره مخلص الدين فعظم ذلك على الملك الناصر صلاح الدين يوسف وجهز إليه العساكر مع الأمير شمس الدين لؤلؤ وأخذ حمص وعوضه عنها تل باشر وقد أشرنا إلى ذلك، ولما قصد الملك الناصر رحمه الله التوجه إلى الديار المصرية في سنة ثمان وأربعين كان في خدمته فلما كسر العسكر بالسابح كان الملك الأشرف فيمن أسر وحمل إلى قلعة الجبل بالقاهرة فحبس بها إلى، وقع الصلح بين الملك الناصر والملك المعز في المحرم سنة إحدى وخمسين بسفارة الشيخ نجم الدين البادرائي فأطلق مع من أطلق من أصحاب الملك الناصر وقدم عليه طامعاً في أن يعيد عليه حمص، فلما يئس من ذلك توجه إلى تل باشر وكتب إلى الملك الناصر يستأذنه في مراسلة صاحب الموصل وصاحب ماردين وقال إنهما كتبا إلي يهنياني بخلاصي وذكر أن صاحب الموصل يضايقه في الرحبة ويلزمه بعمل جسر قرقيسيا فأذن له فراسلهما وجعل ذلك وسيلة إلى إرساله قصاده إلى التتر ثم طلب إذناً ثانياً أن يبعث إلى بلاد الروم جواسيس يكشفون له أخبار التتر ويطالعونه بها ليكون المسلمون على يقظة منهم فأجابه إلى ذلك وكل ذلك وسيلة إلى مراسلتهم لحقد كامن في صدره للملك الناصر بسب أخذه حمص منه ولم تزل كتبه واردة على الملك الناصر بما
يحدث به الرهبة وكتب التتر تصل إليه بما يعتمده من تثبيط عزم الملك الناصر ولما استولت التتر على حلب خرج مع الملك الناصر من دمشق يوم الجمعة خامس عشر صفر سنة ثمان وخمسين إلى الصنمين ثم فارقه منها وتوجه إلى تدمر وقصد هولاكو وهو على قلعة حلب يحاصرها فأقبل عليه هولاكو وأمره بالحديث مع أهل قلعة حلب فتوسط بينه وبينهم حتى سلموها في تاسع ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وبقي عنده يسفر بينه وبين من في القلاع حتى سلمها له، فلما أراد هولاكو العود إلى بلاده ولاه الشام بأسره نيابة عنه وأعاد إليه حمص مع تدمر والرحبة وغيرها مما كان في يده، ولما توجه الملك الناصر إلى هولاكو نزل عليه في طريقه فلم يلتفت إليه ولا احتفل به وأغلظ له في التوبيخ والتقريع، ولما عزم الملك المظفر قطز رحمه الله على لقاء التتر كتب إليه كتاباً يسفه رأيه فيه على ما اعتمده من ميله إلى التتر وانحيازه إليهم واختياره لهم على المسلمين ويعده أنه متى خرج عنهم ومال إليه بشرط أن لا يقاتل معهم إذا كان بينه وبينهم مصافاً أبقى عليه ما في يده من البلاد فأجابه إلى ذلك ولما عزم كتبغا على لقاء الملك المظفر رحمه الله طلبه إليه فاعتذر وتمارض وبعث ابن عمه الملك المعظم وصارم الدين أزبك الحمصي مقدم عسكره فلما من الله تعالى بكسرة التتر وهرب من كان من اتباعهم كان الملك الأشرف بدمشق فهرب مع الزين الحافظي ونواب التتر بدمشق فلما وصلوا قارا فارقهم
وتوجه إلى تدمر وراسل الملك المظفر فحلف له على ما كان بيده من البلاد خلا تل باشر ثم وصل دمشق وافداً على الملك المظفر رحمه الله فأكرمه وتقدم إليه بالمسير إلى حمص والتصرف في بلاده التي حلف له عليها، فلما قتل الملك المظفر وولي الملك الظاهر واستولى الأمير علم الدين الحلبي على دمشق حلف للملك الظاهر باطناً وللأمير علم الدين الحلبي ظاهراً ولما قصدت التتر حلب في أواخر سنة ثمان وخمسين وخرج منها من بها من العزيزية والناصرية قصدوا حمص فآواهم وأحسن إليهم وقام لهم بالضيافات والإقامات وخرج التتر من حلب في طلبهم. فلما وصلوا حمص في أوائل شهر المحرم سنة تسع وخمسين خرج إليهم وحاربهم مع العزيزية والناصرية وصاحب حماة فكسروهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وكان التتر زهاء ستة آلاف فارس وهرب من سلم منهم ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد وكان الملك الأشرف في هذه الوقعة أعظم غناء فرأى له الملك الظاهر ذلك ونبل قدره عنده وأعاد إليه تل باشر لما خرج إلى الشام في شوال سنة تسع وخمسين مع ما في يده ولم يزل ملحوظاً منه بعين الرعاية إلى أن حصل عنده تخيل عن الملك الظاهر عند عوده إلى حمص من خدمته لما كان على
الكرك وقبض على صاحبها فتواتر الأخبار عنه بإظهار أمور كامنة كانت في نفسه فعزم الملك الظاهر على الوثوب به واستئصاله بالكلية فعاجله المرض وتوفي في حادي عشر صفر أو عاشره من هذه السنة بحمص قبل صلاة الجمعة ودفن ليلاً على جده الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بالمدرسة التي أنشأها بباطن حمص رحمه الله وكان ملكاً جليلاً حازماً خبيراً مدبراً متيقظاً شجاعاً ساوساً على الهمة كبير النفس أبيها له باطن وغور وتحيل ودهاء وتأتى في بلوغ مقاصده وأغراضه وافر العقل قليل البسط والحديث مقيداً لألفاظه ملازماً للناموس في سائر أوقاته حتى في خلواته مع غلمانه وخواصه يحذو في ذلك حذو الملك الصالح نجم الدين، ولما توفي إلى رحمة الله وجد له من الصين المصري والدراهم والجواهر والذخائر ما يعظم خطره ويكثر بعضه على مثله ولم يخلف ولداً وتسلم الملك الظاهر سائر بلاده وحواصله عقيب موته خلا قلعة تدمر فإن تسليمها تأخر إلى بعد شهرين من وفاته ثم سلمت وهو آخر الملوك من بيت شيركوه رحمه الله تعالى ومولده في أواخر سنة سبع وعشرين وستمائة. رك وقبض على صاحبها فتواتر الأخبار عنه بإظهار أمور كامنة كانت في نفسه فعزم الملك الظاهر على الوثوب به واستئصاله بالكلية فعاجله المرض وتوفي في حادي عشر صفر أو عاشره من هذه السنة
بحمص قبل صلاة الجمعة ودفن ليلاً على جده الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بالمدرسة التي أنشأها بباطن حمص رحمه الله وكان ملكاً جليلاً حازماً خبيراً مدبراً متيقظاً شجاعاً ساوساً على الهمة كبير النفس أبيها له باطن وغور وتحيل ودهاء وتأتى في بلوغ مقاصده وأغراضه وافر العقل قليل البسط والحديث مقيداً لألفاظه ملازماً للناموس في سائر أوقاته حتى في خلواته مع غلمانه وخواصه يحذو في ذلك حذو الملك الصالح نجم الدين، ولما توفي إلى رحمة الله وجد له من الصين المصري والدراهم والجواهر والذخائر ما يعظم خطره ويكثر بعضه على مثله ولم يخلف ولداً وتسلم الملك الظاهر سائر بلاده وحواصله عقيب موته خلا قلعة تدمر فإن تسليمها تأخر إلى بعد شهرين من وفاته ثم سلمت وهو آخر الملوك من بيت شيركوه رحمه الله تعالى ومولده في أواخر سنة سبع وعشرين وستمائة.
نصر بن تروس بن قسطة بن عبد الله الإفرنجي الأصل الحاج أبو محمد العضوي الزكوي، سمع من أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وحدث وكان رجلاً خيراً ديناً سليم الصدر ملازماً للصلوات الخمس في الجماعة مثابراً على قضاء حوائج المعارف ذا ثروة وجدة وتوفي في جمادى الأولى بدمشق رحمه الله وخلف عدة من الأولاد ذكوراً وإناثاً.
يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج بن أبي الفتح أبو الحسين رشيد الدين القرشي الأموي النابلسي الأصل المصري المولد والدار
والمالكي العطار مولده في شعبان سنة أربع وثمانين وخمسمائة وتوفي بمصر في ثاني جمادى الأولى من هذه السنة ودفن من الغد بسفح المقطم سمع من خلق كثير وحدث بالكثير وخرج تخاريج مفيدة وجمع جموعاً حسنة، وكان إماماً عالماً فاضلاً حافظاً ثبتاً عارفاً بالصناعة الحديثية وإليه انتهت رئاسة الحديث بالديار المصرية بعد الحافظ زكي المنذري رحمه الله وكتب بخطه الكثير وكان خطه حسناً ووقف جملة من كتبه على من ينتفع بها من المسلمين وكنت قصدت رؤيته في منزله بمصر في شهر رمضان المعظم سنة تسع وخمسين وستمائة فخرج إلي وناولني كتاباً من مروياته وأجاز لي ما تجوز له روايته ويجوز لي روايته عنه رحمه الله.
أبو القاسم بن منصور بن يحيى اللكى الإسكندراني الشيخ الصالح الزاهد المعروف بالقباري كان أحد العباد المشهورين بكثرة الورع والتحري في المأكل والمشرب والملبس معروف بالانقطاع والتخلي وترك الاجتماع بأبناء الدنيا والإقبال على ما يعنيه من أمر نفسه وطريقه الذي سلكه قل أن يقدر أحد من أهل زمانه عليه وخشونة عيشه وما أخذته نفسه من الوحدة وعدم الاجتماع بالناس والجد والعمل والاحتراز من الرياء والسمعة لا يعلم في وقته من وصل إليه
وكان يقصد زيارته ورؤيته والتبرك به الملوك ومن دونهم فلا يكاد يجتمع بأحد منهم وأخباره في الورع والعبادة مشهورة فلا حاجة إلى الإطالة بشرحها وتوفي في ليلة الاثنين السادس من شعبان ببستانه بجبل الصيقل ظاهر الإسكندرية ودفن به بوصية منه، وقبره يزار ويتبرك به وزرته في شهر ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وستمائة ودعوت الله تعالى عند قبره بدعوات توسلت به فيه وظهر لي أثر بركة زيارته والتوسل به في إجابة دعائي في بعض ما سألته وأرجو الإجابة في جملته إن شاء الله تعالى وبيع الأثاث الموجود في منزله وقيمته دون خمسين درهماً ورقاً بما يزيد عن عشرين ألف درهم تزايد الناس فيه رجاء البركة حتى بلغ الإبريق الذي كان يستعمله ويتوضأ فيه للصلاة جملة كبيرة وقيمة مثله لا يبلغ ثلاثة فلوس وكان قد تناهى في الورع ولما رأى ما ينال الناس من الظلم في كرى الخليج الواصل إلى الإسكندرية من النيل أعرض عن مائه وحمله التدقيق في الورع على أن حفر له بئراً كان يشرب منها وينقل الماء منها بالجرار على دابة ليسقي بستانه وكان إذا وجد رطبة ساقطة تحت نخلة ولم يشاهد سقوطها منه لا يرفعها ولا يأكلها لاحتمال أن طائراً جناها من نخل غيره وسقطت منه تحت نخله، وبالجملة لم يخلف بعده مثله رحمه الله وأعاد علينا من بركاته وأوصى أن يطمس قبره، ومولده في سنة سبع وثمانين وخمسمائة وعمى في آخر عمره قدس الله روحه.
؟