المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بينه وبين أبي العلاء إدريس بن أبي عبد الله محمد - ذيل مرآة الزمان - جـ ٢

[اليونيني، أبو الفتح]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البند قداري

- ‌ ذكر دخول التتر إلى الشام

- ‌ واندفاع عسكر حلب وحماة بين أيديهم

- ‌فصل

- ‌ذكر بدايته

- ‌نبذة من كراماته

- ‌ ذكر قطبيته رحمه الله

- ‌ذكر أدب الملوك والوزراء بين يديه

- ‌السنة التاسعة والخمسون وستمائة

- ‌متجددات الأحوال في هذه السنة

- ‌ذكر انتزاع دمشق من يد الأمير علم الدين الحلبي

- ‌ذكر نزوح التتار عن حلب وما حدث بعد نزوحهم

- ‌ذكر وصول المستنصر بالله إلى القاهرة ومبايعته

- ‌باب في مبايعته

- ‌نسخة التقليد

- ‌ذكر ولاية الأمير علم الدين الحلبي نيابة السلطنة بحلب

- ‌ذكر أخذ البرلي البيرة وعوده إلى حلب

- ‌ذكر وصول ولدي صاحب الموصل إلى القاهرة

- ‌ذكر توجه الخليفة والسلطان إلى الشام

- ‌ وأولاد صاحب الموصل

- ‌ذكر مصاهرة الخزندار المواصلة

- ‌ذكر وصول الخليفة والسلطان إلى

- ‌دمشق وخروج الخليفة منها

- ‌ذكر توجه الخليفة إلى العراق

- ‌ ذكر القبض على علم الدين الحلبي

- ‌ذكر خروج الأمير شمي الدين البرلي والعزيزية من دمشق على حمية

- ‌واستيلائهم على حلب

- ‌ذكر بيعة المستنصر بالله أبي القاسم أحمد بمصر

- ‌ذكر تبريز الملك الظاهر والخليفة للمسير إلى الشام

- ‌فصل

- ‌ذكر سيرة الملك الناصر

- ‌رحمه الله

- ‌السنة الستون وستمائة

- ‌ذكر عود البرلي إلى حلب وخروجه عنها

- ‌ذكر ما آل إليه أمر أولاد صاحب الموصل

- ‌بعد فراقهم المستنصر بالله

- ‌ذكر حصار الموصل

- ‌ذكر استيلاء التتر على الموصل

- ‌وقتل الملك الصالح صاحبها

- ‌ذكر رسل الملك الظاهر إلى السلطان عز الدين

- ‌صاحب الروم

- ‌ذكر الخلف الواقع بين هولاكو وبركة

- ‌فصل

- ‌فيها درج إلى رحمة الله تعالى الإمام المستنصر بالله

- ‌السنة الحادية والستون وستمائة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى الشام

- ‌وقبضه على الملك المغيث صاحب الكرك

- ‌حرب جرت بين بركة وهولاكو

- ‌فصل وفيها توفي

- ‌السنة الثانية والستون وستمائة

- ‌متجددات السنة

- ‌ فصل

- ‌السنة الثالثة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر قبض الملك الظاهر على سنقر الأقرع

- ‌فصل

- ‌السنة الرابعة والستون وستمائة

- ‌مجددات الأحوال

- ‌ فصل

- ‌السنة الخامسة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌فصل

- ‌السنة السادسة والستون وستمائة

- ‌ذكر خلاص الأمير شمس الدين سنقر الأشقر

- ‌ذكر قطيعة قررت على بساتين دمشق

- ‌ذكر أخذ مالك بن منيف المدينة الشريفة

- ‌السنة السابعة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ ذكر ما تجدد في هذه السنة من حوادث بلاد الشمال والعجم

- ‌فصل

- ‌السنة الثامنة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر كسرة أبغا لبرق

- ‌ذكر المصاف

- ‌فصل

- ‌السنة التاسعة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌ذكر دخول آجاي بن هولاكو وصمغرا

- ‌صحبته إلى بلاد الروم

- ‌فصل

- ‌السنة السبعون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى حلب

- ‌ذكر وصول رسل التتر إلى الملك الظاهر

- ‌فصل

الفصل: بينه وبين أبي العلاء إدريس بن أبي عبد الله محمد

بينه وبين أبي العلاء إدريس بن أبي عبد الله محمد بن يوسف ملك نبي مرين وانقضت دولة بني عبد المؤمن.

‌متجدادت الأحوال

كان الملك الظاهر بالديار المصرية وتوجه يوم السبت غرة صفر في جماعة يسيرة من الأمراء والأجناد إلى عسقلان فوصل إليها وهدم سورها ما كان أهمل هدمه في أيام الملك الصالح ووجد فيما هدم كوزان مملوءان ذهباً بقدرة ألفي دينار ففرقها على من في صحبته وورد عليه وهو بعسقلان البشير بأن عسكر ابن أخي بركة كسر عسكر أبغا وعاد إلى القاهرة يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول.

وفي أوائل هذه السنة انتهى الجسر الذي عمل على بحر ابن منجا ووقف عليه الملك الظاهر وقفاً يعمر ما دثر منه.

وفي أواخر ربيع الأول اتصل بالملك الظاهر أن الفرنج بعكا ضربوا رقاب جماعة من المسلمين الذين في أسرهم ظاهر عكا صبراً فأخذ من أعيان من عنده من أسراهم نحو مائة نفر فغرقهم في النيل ليلاً.

وفيها بنى جامع المنشية وأقيمت فيه الخطبة يوم الجمعة ثامن عشري ربيع الآخر.

وفيها قبض الملك الظاهر على العزيز بن الملك المغيث صاحب الكرك وعلى يعقوب بن نور الدين بدل مقدم الشهرزورية وعلى جمال الدين

ص: 443

أغل مقدمهم أيضاً وسببه أنه بلغه وهو على عسقلان أن الشهرزورية عازمون على أن يثبوا على الملك ويسلطنوا ابن المغيث.

وفي أواخر جمادى الأولى وصلت النجابون إلى مصر من عند نجم الدين ابن نمي محمد بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن الحسن الحسيني صاحب مكة وأخبروا أن الخلف وقع بينه وبين عمه إدريس بن علي بن قتادة وكان شريكه في الأمرة فاستظهر إدريس عليه فخرج فاراً من بين يديه وقصد ينبع فاستنجد بصاحبها وجمع وحشد وقصد مكة فالتقيا وتحاربا فطعن أبو نمى إدريس ألقاه من جواده ونزل إليه وحز رأسه واستبد بمكة.

وفي ثاني عشر جمادى الآخرة توجه الملك الظاهر من الديار المصرية لقصد حصن الأكراد وفي صحبته ولده الملك السعيد والصاحب بهاء الدين واستخلف بالديار المصرية الأمير شمس الدين الفارقاني وفي الوزارة الصاحب تاج الدين ودخل السلطان دمشق يوم الخميس ثامن رجب ثم خرج منها يوم السبت عاشره وتوجه بطائفة من العسكر إلى جهة وولده والخازندار بطائفة أخرى إلى جهة وتواعدوا الاجتماع في ويوم واحد بمكان معين ليشنوا الغارة على جبلة واللاذقية والمرقب وعرفة ومرقبة والقليعات وحلباً وصافيثا والمجل وأنطرسوس فلما اجتمعوا وشنوا الغارة فتحوا صافيثا والمجدل ثم ساروا ونزلوا على

ص: 444

حصن الأكراد يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر رجب وأخذوا في نصب المجانيق وعمر الستاير ولهذا الحصن ثلاثة أسوار فاشتد عليه الزحف والقتال وفتحت الباشورة الأولى يوم الخميس حادي عشرين الشهر وفتحت الثانية يوم السبت سابع شعبان وفتحت الثالثة الملاصقة للقلعة يوم الأحد خامس عشره وكان المحاصر لها الملك السعيد والخازندار ويسري ودخلت العساكر البلد بالسيف وأسروا من فيه من الجبلية والفلاحين ثم أطلقهم الملك الظاهر ثم أذعن أهل القلعة بالتسليم وطلبوا الأمان فأمنهم الملك الظاهر وتسلم القلعة يوم الاثنين خامس عشري شعبان وأطلق من كان فيها فرحلوا إلى طرابلس ثم رحل عنه بعد أن رتب الأفرام لعمارته وجعلت كنيسته جامعاً وأقيمت فيه الجمعة ورتب فيه نواب وقاضي.

وأنشئت كتب البشائر بفتوحه فيمن ذلك ما كتب عن الملك السعيد رحمه الله إلى قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان رحمه الله بخط محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر رحمه الله وهو: هذه البشرى إلى المجلس السامي القضائي لا زالت التهاني عنده وثيقة الأواحي حسنة التواخي، عجلة لإرضاء أهل الإيمان فلا يرخى له أعنة التراخي، تعلمه بفتوحات شملت بشائرها، وتعرفت بالنصر إمائرها، واستطعم الإيمان حلاوتها، من أطراف المران، واستنطق الإسلام عبارتها من ألسنة الخرصان، وذلك بفتح حصن الأكراد الذي كان في حلق البلاد الشامية غصة، لم تسغ

ص: 445

بمياه السيوف المجردة، وشجا في صدورها لم تقاومه أدوية العزائم المفردة. طالما اكسبت البلاد رعباً، ورهباً وطالما استمر من أخلاف الاسبتار حلباً، وكم صان كفراً في بلاد الإسلام وحماه، وكم ابتنى منها ببكر أساء صحبتها فما خشي معرة ولا خاف حماده، قد سما في السماء فلا أمل إليه يمتد، وعلا في الهواء فلا بصر يلمحه إلا وينقلب خاسيئاً عنه ويرتد، ما كان بأكثر مما قدمنا الاستخارة، وشننا على البلاد الإغارة، وعللنا بالمكاسرة عنه نفسه الأمارة، وأبحنا العساكر من الغنائم كل ما أربح لهم من التجارة، فكم أحضروا من باد وأبادوا من حاضر، وتخولوا ما يعقد على حسابه أصابع اليدين التي تدخل في جملتها عقد الخناصر، ولساعة نزولنا بساحته، ومصافحتنا بالصفاح مبسوط راحته، إذا صافيثا بذلت نفسها في فدائه، وتعلقت بذيول العسكر المنصور بأخذ الحسب من أمرائه، فقبل فداؤها ولكن بشرط فتوحه وتملكه وتكفل نصر الله على من فيه فوجدت أرباضه جميعها من الذعر خاوية على عروشها، صائلة سخالها على وحوشها مرخصة للمساوم، مرخصة في اغتنام الغنائم، فملكت العساكر محمي تلك الأموال، وحمى تلك القلل العوال، وتفيؤوا من هذه ما يصلح الأحوال، وتبؤوا من هذه ما يغدو مقاعد للقتال، وأخذنا عليها من النقوب كل ساري الجراحة في ذلك الجثمان، سارب في ضمائرها كما يسرب الميل بين الأجفان، ونصبنا عليه من المجانيق كل مثبتة في مستنقع الموت رجلها

ص: 446

حاطة في الهواء رحلها، جائمة جثوم الهزم هادية هداية العلم، تحلق تحليق الصقور، وتحني الصخور، بالصخور وما زالت بها حتى هدمت منها الأركان، وما برح النقابون حتى سروا في ضمائرها سريان الدم في مفاصل الإنسان، وقصدوا بمباضع إقطاعاتهم عروق تلك الأبدان، واستكنوا بها داء معضلاً لا يجد العدو إليه من فتكاته دواء موصلاً، تنموا بتنقيص المواد أخلاطه، ولا يرجى ببحارين الأمطار المرسلة انحطاطه، حتى تجللت من الحصن المذكور قواه، واحترقت حماة من النيران الموقدة بأحشاء حماه، فحينئذ بلغت روحه التراقي، وعجلت عليه المجانيق المذكورة التي أصابته بعين ما لها من راقي، من كل ذات أعضاء وأعضاد وأعصاب من السرياقات وعروق تتخلل تلك الأجساد وذات زمانة كم لها خطوة في الهواء بعيدة المنال، وأمانة كم ردت إلى الحبال، ما عجزت عن حمله الجبال، لها كف متسمحة، وأعطاف لا تبرح حين تجود مترنحة. ما زالا هذا بعويل معاوله وهذا بأنين سهامه ينعيان الكفر مساء صباحاً ويترنمان بما يظنه المسلم له غناء وتحسبه للكفر عليه نواحاً، حتى تسلمناه في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شعبان المبارك فيأخذ حظه من هذه البشارة الحسنة، ويجعل الأصوات بها على الأدعية الصالحة مؤمنة، والله يمتع الشريعة بمساعيه المستحسنة بمنه وكرمه: كتب في التاريخ أعلاه، ولما حصل الاستيلاء على حصن الأكراد كتب صاحب أنطرطوس

ص: 447

إلى الملك الظاهر وهي للداوية يطلب منه المهادنة وبعث إليه مفاتيحها فصالحه على نصف ما يتحصل من غلال بلاده وجعل عندهم نائباً له ووصل رسل الاستبار من المرقب فصالحهم مناصفة أيضاً وذلك يوم الاثنين مستهل شهر رمضان وقررت الهدنة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام ولما رحل نزل مرج صافيثا ثم سار يوم الأحد رابع عشر رمضان فأشرف على حصن بن عكار ثم عاد إلى المرج فأقام به إلى أن سار ونزل على الحصن المذكور يوم الاثنين الثاني والعشرين من الشهر ونصب المجانيق عليه يوم الثلاثاء ثالث عشريه ووصل الصاحب بهاء الدين من دمشق يوم الأربعاء رابع عشريه، وفي يوم الأحد ثامن عشريه رمى المنجنيق الذي قبالة الباب الشرقي رمياً كثير فخسف خسفاً كبيراً إلى جانب البدنة ودامت عليها حجارة المنجنيق إلى الليل فطلبوا

الأمان على أنفسهم من القتل وأن يمكنهم من التوجه إلى طرابلس فأجابهم وخرجوا يوم الثلاثاء سلخ الشهر وبعث صحبتهم الأمير بدر الدين يسري فأوصلهم إلى طرابلس. مان على أنفسهم من القتل وأن يمكنهم من التوجه إلى طرابلس فأجابهم وخرجوا يوم الثلاثاء سلخ الشهر وبعث صحبتهم الأمير بدر الدين يسري فأوصلهم إلى طرابلس.

وأنشئت كتب البشائر بأخذه فمن ذلك مكاتبة عن الملك السعيد إلى قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان بخط فتح الدين محمد بن عبد الظاهر ومضمونها: هذه المكاتبة إلى المجلس السامي القضائي لا زالت البركات مخيمة بفنائه، والتوفيق منوطاً بجميع آرائه، وقلوب الناس متفقة على محبته وولائه، ولا زالت البشائر إليه تتهادى، وترد على محله مثنى وفرادى،

ص: 448

تنضم ما من الله به علينا وعلى المسلمين من المواهب العظيمة الموقع الجليلة المطلع، وهو أنه لما كان بتاريخ يوم الاثنين تاسع وعشرين من شهر رمضان المعظم سنة تسع وستين وستمائة تسلمنا حصن عكار بعد أن رتبنا عليه المجانيق من كل جانب، وأذقنا من فيه العذاب الواصب، ولم يزل الجاليش بسهامه يرشقهم والمجانيق تجدخهم والمنايا تتخطفهم، فعند ما شاهدوا مصارع بعضهم نزلوا من الحصن المذكور خاضعين، وعفروا جماجمهم بالذل متضرعين، فعند ما شاهدناهم على هذه الصورة رحمناهم لي مناهم على أنفسهم خاصة وتسلمنا الحصن المذكور بحواصله وجميع ما فيه وانتظم في سلك ممالكنا، ودخل في جملة حصوننا وقلاعنا، فليأخذ المجلس بخطه من البشري بأوفر نصيب، ويذيعها بين القضاء والعلماء والفضلاء بين كل بعيد وقريب، فإنها من النعم التي يجب على كل مسلم شكرها، ويتعين بثها بين الأنام وذكرها، فيحيط علمه الكريم بذل والله يؤيده ويعضده ويحرسه في سائر التصرفات والمسالك إن شاء الله تعالى: كتب في التاريخ المذكور أعلاه.

ثم دخل الملك الظاهر الحصن ورتب به نواباً وأمر بحمل بعض المجانيق إلى حصن الأكراد فحملها الأجناد وعيد ورحل إلى مرج صافيثا وكان هذا الحصن كثير الضر على المسلمين ولم يكن له كبير ذكر وإنما لما دخل ريدا فرنس إلى الساحل بعد فكاكه من الأسر رآه حصيناً صغيراً فأشار على صاحبه الأبرنس أن يزيد فيه

ص: 449

وهو يساعده فزاد فيه زيادة كبيرة من ناحية الجنوب وهو في واد بين جبال تحيط به من سائر جهاته.

وفي يوم السبت رابع شوال خيم الملك الظاهر بعساكره على طرابلس فسير صاحبها إليه يسأل عن سبب قصده فقال لأرعى زرعكم وأخرب بلادكم وأعود في السنة الآتية لحصاركم فبعث إليه يتسعطفه فبعث إليه الملك الظاهر الأتابك وسيف الدين الرومي بمقترحات وهي أن يكون له من مكان عينه من أعمال طرابلس نصفاً بالسوية وأن يكون له دار وكالة فيها وأن يعطي جبلة واللاذقية بخراجهما من يوم خروجهما عن الملك الناصر إلى يوم تاريخه وأن يعطي نفقات العساكر من يوم خروجه فلما علم الرسالة عزم على القتال ونصب المجانيق ثم ترددت الرسائل وتقررت القاعدة أن تكون عرقة والجبيل وأعمالهما للبرنس وأن يكون ساحل أنطرسوس والمرقب وبليناس وبلاد هذه النواحي بينه وبين الدواية والاسبتار والتي كانت خاصاً لهم وهي بارين وحمص القديمة تعود خاصاً للملك الظاهر وشرط أن يكون عرقة وأعمالها وهي ست وخمسون قرية صدقة من الملك الظاهر عليه فتوقف وأنف فلما بلغ لملك الظاهر امتناعه صمم على ما شرط عليه فأجاب وعقد الصلح بينهما مدة عشرة سنين وعشرة اشهر وعشرة أيام أوله يوم الأربعاء

ص: 450

ثامن شوال.

ولما كان الملك الظاهر نازلاً على طرابلس بعث إليه أولاد الصارم مبارك بن الرضى ابن المعالي يستعطفونه عليهم وعلى أبيهم فاتفق الحال على أن ينزلوا من العليقة ويسلموها لنوابه ويخرج والدهم من الحبس ويقطع بمصر خبز مائة فارس ويكونوا عنده فلما نزلوا خلع عليهم وبعث بهم إلى مصر فحبسوا وولى الحصن علم الدين سلطان ثم طلب صارم الدين مبارك في محبسه بعد أيام من وصولهم فلم يعلم له خبر فأمر الملك الظاهر بحبس علم الدين المسروري وإلى القاهرة بسببه ثم شفع فيه فأطلق.

وفي يوم الأحد ثاني عشر شوال وصل إلى دمشق سيل عظيم خرب كثيراً من العمائر وأخذ كثيراً من الناس منهم معظم الحجاج الروميين وجمالهم وأزوادهم فإنهم كانوا نزلوا بين النهرين وبلغ السور فغلقت الأبواب دونه وطما حتى دخل من المرامي وارتفع حتى بلغ أحد عشر ذراعاً وردم الأنهار بطين أصفر ودخل البلد من باب الفراديس وأخرب خان ابن المقدم وأماكن كثيرة وكان ذلك في زمن الصيف فكأن عز الدين أحمد بن معقل رحمه الله أشار إليه بأبياته في سيل مثله وهي:

لله أي حياً حنت روائمه

وهمهمت أسده والشمس في الأسد

فصب في أغرب الأوقات صيبه

غروب محتشك الأخلاق محتشد

ص: 451

وراحت الأرض بحراً فالوهاد إذا

تعلو الهضاب بمد دائم المدد

وأقبل السيل بالأمواج مرتمياً

مثل القروم إذا تهتاج بالزبد

فاعجب له من سحاب جاء يسحب من

أذياله فوق نار الصحصح الجرد

يمده كل واد مزبد لجب

فيه حطام من الينبوت والحضد

أرخى عزاليه ملأن محتفلاً

فطال شم الربى في أقصر المدد

وحين أهدي إلينا الصخر يقذفها

من السناخيب هدى الضر للبلد

فيا لها قدرة من قادر عجزت

فيها البرية عن حصر وعن عدد

وفي يوم السبت حادي عشر شوال رحل الملك الظهر عن مرج صافيثا وأذن لصاحب حماة ولصاحب صهيون ولرسل أولاد الصارم مبارك في العود إلى أماكنهم ودخل دمشق يوم الأربعاء خامس عشر شوال وعزل قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان عن قضاء دمشق وكان قد وليها عشر سنين محررة وولي القاضي عز الدين محمد ابن عبد القادر بن عبد الخالق المعروف بابن الصائغ وخلع عليه وكان تقليده قد كتب ظاهر طرابلس.

وفي يوم الجمعة خامس عشري شوال خرج الملك الظاهر من دمشق قاصداً القرين فنزل عليه يوم الاثنين ثامن عشري الشهر ونصب عليه المجانيق ولم يكن به نساء ولا أطفال بل مقاتلة من اللمان فقاتلوا قتالاً شديداً وأخذت النقوب الحصن من كل جانب فطلب من فيه

ص: 452

الأمان فأمنوا يوم الاثنين ثالث عشر ذي القعدة وبعث بهم على الجمال مأمنهم مع بيسري وتسلم الحصن بما فيه من السلاح ثم هدمه وكان بناؤه من الحجر الصلد وبين كل حجرين عمود حديد ملزوم بالرصاص فأقاموا في هدمه اثني عشر يوماً في حصاره خمسة عشر يوماً.

وفي يوم الاثنين سادس عشري الشهر نزل الملك الظاهر علي كردانة قرية قريبة من عكا ولبس العسكر وسار إلى عكا وأشرف عليها ثم عاد إلى منزله ثم رحل منها يوم الثلاثاء قاصداً مصر فدخلها يوم الخميس ثالث عشر ذي الحجة وجملة ما صرفه الملك الظاهر في هذه السفرة من حين خروجه إلى عوده ينيف عن ثمانمائة ألف دينار عيناً.

وفي اليوم الثاني من وصوله إلى قلعة الجبل قبض على جماعة من الأمراء منهم الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير والأمير جمال الدين آقوش المحمدي والأمير جمال الدين أيدغدي الحاجبي الناصري والأمير شمس الدين سنقر المساح والأمير سيف الدين بيدغان الركني والأمير علم الدين سنجر طرطج وغيرهم وحبسوا بقلعة الجبل وسبب ذلك أنه بلغه أنهم تآمروا على قبضه لما كان بالشقيف فأسرها في نفسه.

وفيها بلغ الملك الظاهر وهو على حصن الأكراد أن صاحب قبرس خرج منها في مراكبه إلى عكا فأراد الملك الظاهر اغتنام خلوها فجهز سبعة عشر شينياً فيها الرئيس ناصر الدين عمر بن منصور بن سليمان

ص: 453

بن سلامة بن إسحاق رئيس مصر وشهاب الدين محمد بن إبراهيم بن عبد السلام الهواري رئيس الإسكندرية وشرف الدولة علوي بن أبي المجد علوي العسقلاني رئيس دمياط وجمال الدين مكي بن حسون مقدماً على الجميع فوصلوا الجزيرة ليلاً فهاجت عليهم ريح طردتهم عن المرسي وألقت بعض الشواني على بعض فتحطم منها أحد عشر شينيا وأخذ من فيها من الرجال والصناع أسراء وكانوا زهاء ألف وثمانمائة نفر وسلم الرئيس ناصر الدين وابن حسون في الشواني السالمة وعادت إلى مراكزها.

وفي ويوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة تقدم الملك الظاهر باراقة الخمور في سائر بلاده والوعيد لمن يعصرها بالقتل فاريق على الأجناد والعوام منها ما لا يحصى قيمة ومكان ضمان ذلك في ديار مصر خاصة ألف دينار في كل يوم وكتب بذلك توقيع قرئ على منبري مصر والقاهرة.

وفي الآخر من ذي الحجة اهتم الملك الظاهر بإنشاء شواني عوضاً عما ذهب على قبرس وفيها نزل الفرنج على تونس وسبب ذلك أن تجاراً منهم قصدوها فألزموا على تجارتهم حقوقاً فضربوا دراهم مغشوشة على سكة صاحب تونس وأخرجوها في الحقوق الموجبة عليهم وظن العمال أن الأمير تقدم بضربها فأخذوها ثم فحصوها فوجدوها ضرب خارج الدار فسأل عن أكثر الفرنج مالاً فقيل له أهل جنوة

ص: 454

فأمر باستيصال أموالهم في سائر بلاده وحبسهم فاستصرخ أهل جنوة بريدا فرنس وأمدوه بالأموال فجمع وحشد وقصد تونس في أربعمائة ألف رجل منها ستة وعشرون ألف فارس ومعه من الملوك صاحب نابرة وابن الفنش وزوجة صاحب صقلية وعدة مراكبهم أربعمائة مركب فأمر صاحب تونس إلى أن يخلي لهم الساحل ولا يقاتلهم أحد فنزلوا في البر في ثامن عشر ذي الحجة سنة ثمان وبعث صاحب تونس إلى قبائل العرب الذين في بلاده وجمع مشايخهم وكبراء دولته من الأجناد والكتاب ليشاورهم فكل أشار برأي ورأت الجماعة الأندلسيون أن يفسح لهم في البر فإن المكان الذي نزلوا به لا يتسع لقتال فنزلت زوجة صاحب صقلية في البرج الذي على طرف المرسي وأخرج صاحب تونس العدد وفرقها في الجند والمطوعة فحملوا من غير أمره وكان معهم جماعة من الفرنج في طاعتهم فأشاروا على من معها أن تنزل من البرج إلى البحر ويلحقوها بالمراكب لئلا تؤخذ ففعلوا ففهم الأندلسيون كلامهم فلما فاتهم مقصودهم منها عادوا إلى البلد وحكموا في نسائهم وأولادهم السيف ونهبوا أموالهم وأمر صاحب تونس الرعية بعدم القتال فأشتد طمع الفرنج وقصدوا المعلقة وقتلوا من أهلها سبعين رجلاً وأخذوا منبرها وبعثوا به إلى بلادهم.

وذلك في ثاني عشر ذي الحجة سنة ثمان ثم بعثوا إلى صاحب تونس يطلبونه لمبارزتهم فقال ليس فيكم ملك متوج حتى أخرج

ص: 455

إليه وإنما الذين معكم كنود فأنا أبعث إليهم أكفاءهم ثم أنفق في العربان وأمرهم بالاحتياط بهم فخافت الفرنج وخندقوا على أنفسهم جميع شهر ذي الحجة فلما هل المحرم سنة تسع ومضت منه أيام خرج الفرنج وقاتلوا قتالاً شديداً ولم يكن في المسلمين من الجند أحد إنما هم عربان وبربر وعوام فاستظهر المسلمون عليهم وأخذوا لهم فوق المائتي فرس وقتلوا ابن ريدافرنس وصاحب نابرة وابن صاحب قشتالة ابن الفنش.

وعلم ذلك المسلمون في العشرين من ربيع الأول وأخبروا أيضاً أن ريدا فرنس مات في الليلة التي خرجوا في صبيحتها ولم يبق عند الفرنج ملك غير أخيه شرون وطلب الفرنج الصلح فتوقف صحب تونس فقيل له المصلحة الصلح فإن العرب لهم باطن مع الفرنج ولهم عليهم في كل يوم أربعون ألف دينار حتى لا يقاتلونهم فأجاب في ذلك فتمنع الفرنج حينئذ وقالوا كيف نصالح وقد حلفنا أن نموت بعضاً على بعض إلى أن ترد أموال الجنويين عليهم وقال شرون لصاحب تونس تعطيني الذي كان أبوك يعطيه لإنبرطور من حين قطعه وذلك عشرون سنة فقال إن كنت قوياً فاجلس ومني ومنك وإن كنت ضعيفاً مهزوماً فلا تشترط فوقع الصلح على رد مال الجنويين واتفقوا في رابع وعشرين ربيع الآخر ورحلوا بعد ذلك بسبعة عشر يوماً.

ص: 456