الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوب حفظ اللسان
فلقد أنعم الله عز وجل على الإنسان بنعمة السمع والأبصار والأفئدة، وشق للعبد الفم في أحسن موضع وأودعه اللسان الذي هو أحد آياته الدالة على عظمة الخالق جل وعلا ولطائف صنعه
فاللسان من نعم الله عز وجل العظيمة، فهو المترجم عما حواه قلب العبد وعقله، وهو الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، فلا يتبيّن إيمان العبد إلا بشهادة اللسان، ومن هنا ندرك حكمة الله البالغة من خلق اللسان وهي ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الناس إلى معرفة دينهم
- فإذا استعملناه لغير ما خلق له كفرنا نعمة الله فينا، لأن اللسان أعظم آلة للشيطان في إضلال بني آدم، فمن أطلقه ساقه إلى شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم-والعياذ بالله، ولهذا لما سأل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ قال: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ
الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ ثُمَّ تَلَا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ حَتَّى بَلَغَ يَعْمَلُونَ} ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» (1)
-فظاهر حديث معاذ رضي الله عنه أن اللسان قد يكون سببا في دخول الإنسان النار؛ بل ورد ما يدل على أن أكثر ما يدخل الناس النار النطق بألسنتهم؛ فقد «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ
(1) الترمذي 2541 وقال حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي وابن ماجه 3963
النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ» (1)
وهذا يدل على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه، فإن أكثر المعاصي منه، لقوله-عليه الصلاة والسلام «أَكْثَرُ خَطَايَا ابنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ» (2) ، فمن وقي شر اللسان والفرج وقى أعظم الشر
ولهذا كان النبي-صلى الله عليه وسلم-يوصي الصحابة بالصمت ويحث عليه، فكان يقول:«مَنْ صَمَتَ نَجَا» (3)
و «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ
(1) الترمذي 1937 وقال صحيح غريب، وابن ماجه 4246 - وحسنه الألباني في الصحيحة 977
(2)
الطبراني في الكبير 10294، والبيهقي في شعب الإيمان 4729، وحسنه الألباني في الصحيحة 534
(3)
الترمذي 2425 وقال غريب، والدارمي 2769،وأحمد 6193، وصححه الألباني في الصحيحة 536
أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ قَالَ لَا إِنَّ عِتْقَ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا وَفَكَّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفُ وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِمْ الْجَائِعَ وَاسْقِ الظَّمْآنَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلَّا مِنْ الْخَيْرِ» (1)
وقال أيضا لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمَتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ» (2)
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» (3)
(1) أحمد 17902، والبيهقي في شعب الإيمان 4166، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
(2)
الطبراني في الكبير 16561، وصححه الألباني في صحيح الجامع
(3)
الترمذي 2330 وقال حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا» (1)
وقال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (2)
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ (3) فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» (4)
(1) الترمذي 2334 وقال حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وابن ماجه 3962، والدارمي 2767
(2)
البخاري 5559
(3)
تُكَفِّرُ اللسان معناه: تتذلل له وتتواضع له.
(4)
الترمذي 2331، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته» (1)
وهذا يدل على أن لسان المرء إذا استقام استقامت سائر الجوارح وصلحت جميع أعماله؛ وإذا اعوج لسانه اعوجت سائر جوارحه وفسد سائر عمله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:«لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» . (2)
-وَقَالَ الْحَسَنُ (3) : (اللِّسَانُ أَمِيرُ الْبَدَنِ إذَا جَنَى عَلَى الْأَعْضَاءِ شَيْئًا جَنَتْ، وَإِذَا عَفَّ عَفَّتْ)
(1) البيهقي في الشعب 4741، وابن أبي الدنيا في الصمت 13، وأبو يعلى 5، وصحح إسناده الألباني في السلسة الصحيحة 535
(2)
أحمد 12575، وابن أبي الدنيا في الصمت 9، وحسنه الألباني في الصحيحة 2841
(3)
غِذَاءَ الْأَلْبَابِ لِشَرْحِ مَنْظُومَةِ الْآدَابِ (فِي ذِكْرِ طَرَفٍ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ)
فدلت هذه الأحاديث المستفيضة على أن كفّ اللسان وحبسه هو المطلوب، فإن نطق به في الخير سلم وفاز في الآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ» (1)
وإن أطلقه في الشر خاب وخسر في الآخرة، قال:«سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ» (2) ، وعلى إثر هذه التوصيات النبوية الثمينة، كان السلف رضوان الله عليهم أشد الناس خوفا من شر اللسان، وهذه آثارهم تدل على حالهم
(1) البخاري 5993
(2)
الترمذي 1937 وقال صحيح غريب، وابن ماجه 4246 - وحسنه الألباني في الصحيحة 977
فثبت (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ)(1)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ شَيْءٌ أَحْوَجُ إِلَى طُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ)(2)
وعنه أيضا أنه (لبى على الصفا، ثم قال: يا لسان قل خيرا تغنم أو اصمت تسلم من قبل أن تندم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذا شيء تقوله أو سمعته قال: لا، بل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إنَّ أَكْثَرَ خَطَايا ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ» (3)) ويُحكى أن رجلاً نظر إلى
(1) الموطأ 1567، وابن أبي الدنيا في الورع 92،والبيهقي في الشعب 4741، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
(2)
الطبراني في الكبير 8657، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
(3)
البيهقي في شعب الإيمان 4729، وحسنه الألباني في صحيح الجامع
رجل مكثار فقال: (يا هذا ويحك إنما تملي كتابا إلى ربك يقرأ على رؤوس الأشهاد يوم الشدائد والأهوال وأنت عطشان عريان جوعان فانظر ماذا تملي)
إذن فخطر اللسان عظيم عظم ما يجنيه على صاحبه من الويلات والمفاسد عاجلا وآجلا، لذلك ينبغي على المسلم الحريص أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق، فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم والا أمسك، فإن النجاة كل النجاة في حفظه وحبسه إلا من خير
وَرُوِيَ عنِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه أَنَّهُ أَنْشَدَ بِلِسَانِه
فَلا تُكثِرَنَّ القَولَ في غَيرِ وَقتِهِ # وَأَدمِن عَلى الصَمتِ المُزيِّنِ لِلعَقلِ
يَموتُ الفَتى مِن عَثرَةٍ بِلسانِهِ # وَلَيسَ يَموتُ المَرءُ مِن عَثرَةِ الرِّجلِ
فَعثرَتُهُ مَن فيهِ تَرمي بِرَأسِهِ # وَعَثرَتهِ بِالرِّجلِ تَبَرا عَلى مَهلِ
وحاصل القول أنه لا ينجي من شر اللسان إلا أن يقيد بلجام الشرع، فلا يتكلم إلا فيما ينتفع به في الدنيا والآخرة، من ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، وأمر بمعروف أو نهي عن منكر، وغير ذلك مما فيه خير في عاجله وآجله
قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء:114