الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تتجسس..التجسس في الميزان الشرعي
(1)
إن التجسس عمل وضيع نهى الله عز وجل عنه لأسباب، منها أنه تتبع للعورات، وفضح لأسرار الناس، ومن تتبع عورة المسلم فضحه الله ولو في جوف بيته..
والتجسس: هو تتبع عورات الناس وهم في خلواتهم، إما بالنظر إليهم وهم لا يشعرون، وإما باستراق السمع وهم لا يعلمون. وإما بالاطلاع على مكتوباتهم ووثائقهم وأسرارهم وما يخفونه عن أعين الناس دون إذن منهم. وقد نهى الإسلام عن التجسس على المسلمين، ما داموا ظاهري الاستقامة غير مجاهرين بمعاصيهم، وكان ما يخفونه من أمورهم من السلوك الشخصي الذي يخصهم ولا يتعلق بكيد للمسلمين. والتجسس مما يولد في المجتمع الأحقاد، ويورث العداوات والبغضاء،
(1) الأسرة والمجتمع
إذ يشعر المتجسس عليه بأنه مشكوك بأمره غير موثوق. وهما يكشفان عورات الناس، ويتسببان بإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا. وسوف نلقي الضوء على هذا الموضوع من خلال الآتي:
أولاً: التجسس اصطلاحاً:
قال ابن الأثير: (التجسس: التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر) . (1)
وذُكِرَ في معنى التجسس: (هو أن تتبع عين أخيك فتطلع على سره)(2)
وقيل: (هو أن يتتبع الإنسان أخاه ليطلع على عوراته سواء كان ذلك عن طريق مباشر بأن يذهب هو بنفسه يتجسس، أو كان عن طريق الآلات المستخدمة في حفظ الصوت أو غير ذلك فهو محرم) .
(1) النهاية 1/272
(2)
الدر المنثور للسيوطي 7/567
ثانياً: الفرق بين التجسس والتحسس:
أكثر العلماء يقولون بوجود الفرق بينهما
قال ابن كثير (1) : (التجسس غالباً يطلق في الشر ومنه الجاسوس، وأما التحسس فيكون غالباً في الخير، كما قال عز وجل إخباراً عن يعقوب أنه قال: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف:87. وقد يستعمل كل منهما في الشر، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (2) : «لَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» ) .
وقال القرطبي (3) : (وَالتَّحَسُّس (بِالْحَاءِ) طَلَب الْأَخْبَار وَالْبَحْث عَنْهَا.
(1) ابن كثير 4/213
(2)
البخاري 5604، ومسلم 4646، وأحمد 7520
(3)
القرطبي 16/218
وَقِيلَ: إِنَّ التَّجَسُّس (بِالْجِيمِ) هُوَ الْبَحْث، وَمِنْهُ قِيلَ: رَجُل جَاسُوس إِذَا كَانَ يَبْحَث عَنْ الْأُمُور.
وَبِالْحَاءِ: هُوَ مَا أَدْرَكَهُ الْإِنْسَان بِبَعْضِ حَوَاسّه.
وَقَوْل ثَانٍ فِي الْفَرْق: أَنَّهُ بِالْحَاءِ تَطَلُّبه لِنَفْسِهِ، وَبِالْجِيمِ أَنْ يَكُون رَسُولًا لِغَيْرِهِ، قَالَهُ ثَعْلَب.
وَالْأَوَّل أَعْرَف.
جَسَسْت الْأَخْبَار وَتَجَسَّسْتهَا أَيْ تَفَحَّصْت عَنْهَا، وَمِنْهُ الْجَاسُوس) .
ثالثاً:- النصوص الشرعية الواردة في ذم التجسس:
قال ابن جرير: (قوله: {وَلَا تَجَسَّسُوا} يَقُول: وَلَا يَتَتَبَّع بَعْضكُمْ عَوْرَة بَعْض، وَلَا يَبْحَث عَنْ سَرَائِره، لَا عَلَى مَا لَا تَعْلَمُونَهُ مِنْ سَرَائِره.
ثم ذكر أثر ابن عباس: نَهَى اللَّه الْمُؤْمِن أَنْ يَتَتَبَّع عَوْرَات الْمُؤْمِن (1) .
عَنْ قَتَادَة: هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّجَسُّس أَوْ التَّجْسِيس؟ هُوَ أَنْ تَتْبَع، أَوْ تَبْتَغِي عَيْب أَخِيك لِتَطَّلِع عَلَى سِرّه (2)) .
ومن الأدلة: قول الله عز وجل {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} دلت الآية على حرمة أذية المؤمنين والمؤمنات ومن الأذية تتبع عوراتهم والتجسس عليهم..
قال قتادة: إِيَّاكُمْ وَأَذَى الْمُؤْمِن، فَإِنَّ اللَّهَ يَحُوطهُ، وَيَغْضَب لَهُ (3) .
(1) الطبري 24576
(2)
الطبري 24578
(3)
الطبري 21860
التوبة:47. قال مجاهد في قوله تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} : وفيكم محبون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم، وهم الجواسيس. (1)
وقد وردت أحاديث شريفة تدل على حرمة التجسس، فمنها:
أ - عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) : «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا»
ب - عن أبي برزة الأسلمي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) : «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ»
(1) تفسير البغوي 4 / 56
(2)
البخاري 4747، ومسلم 4646
(3)
أحمد 18940، وأبو داود 4236، وقال الألباني حسن صحيح في صحيح أبي داود
ج- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (1) : «إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُم» .
رابعاً: من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذم التجسس:
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (2) : «إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّسِ وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِه» .
قال أبو حاتم البستي (3) : (التجسس من شُعب النفاق، كما أن حسن الظن من شعب الإيمان، والعاقل يحسن الظن بإخوانه، وينفرد بغمومه وأحزانه، كما أن الجاهل يسئ الظن بإخوانه، ولا يفكر في جناياته وأشجانه) .
(1) أبو داود 4244، وصححه الألباني في صحيح أبي داود
(2)
أبو داود 4246، وقال الألباني صحيح الإسناد في صحيح أبي داود
(3)
روضة العقلاء ص 212.
خامساً: أضرار التجسس:
1-
التجسس دليل على ضعف الإيمان وفساد الخلق.
2-
وهو دليل دناءة النفس وخستها.
3-
يوغر الصدور ويورث الفجور.
4-
يؤدي إلى فساد الحياة وكشف العورات.
5-
يستحق صاحبه غضب الله ودخول النار، والعياذ بالله تعالى.
فائدة:
قال الحافظ ابن حجر (1)(وَيُسْتَثْنَى مِنْ النَّهْي عَنْ التَّجَسُّس مَا لَوْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى إِنْقَاذ نَفْس مِنْ الْهَلَاك مَثَلًا كَأَنْ يُخْبِر ثِقَة بِأَنَّ فُلَانًا خَلَا بِشَخْصٍ لِيَقْتُلهُ ظُلْمًا، أَوْ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا، فَيُشْرَع فِي هَذِهِ الصُّورَة التَّجَسُّس وَالْبَحْث عَنْ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ فَوَات اِسْتِدْرَاكه، نَقَلَهُ النَّوَوِيّ عَنْ الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة لِلْمَاوَرْدِيِّ وَاسْتَجَادَهُ) .
(1) فتح الباري في شرح حديث رقم 5604