المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌مقومات اختيار الزوج لزوجته

- ‌مقومات اختيار الزوجة لزوجها

- ‌صفات الزوج الصالح

- ‌رسالة إلى الأزواج.... فقط

- ‌استوصوا بالنساء خيراً

- ‌إلى أين بأخلاقنا

- ‌أحاديث في حسن الخلق

- ‌من فوائد حسن الخلق:

- ‌مجالات حسن الخلُق

- ‌وسائل عملية لتحسين الأخلاق

- ‌ذهبيات السعادة الزوجية

- ‌أيها الزوج إن سعادتكما الزوجية تبدأ منك أنت

- ‌المعاشرة الحسنة

- ‌هنيئا لك بهذه الزوجة

- ‌وصايا لإسعاد الزوجة

- ‌نصائح للسعادة الزوجية

- ‌عزيزتي الزوجة:

- ‌عزيزي الزوج:

- ‌وعاشروهن بالمعروف....هام لجميع الأزواج

- ‌من وسائل علاج الاختلاف بين الزوجين

- ‌افهمي زوجك…وليفهمك هو أيضاً

- ‌ادفعي زوجك نحو النجاح

- ‌الحقوق الزوجية

- ‌حقوق الزوجة:

- ‌حقوق الزوج:

- ‌أما الحقوق المشتركة بين الزوجين فأجملها:

- ‌كيف تُعامِل زوجة لا تُحِبُها

- ‌هذا الرجل تكرههُ جميع النساء

- ‌من يكسب قلب زوجته

- ‌من أسرار السعادة الزوجية لمن رامها وابتغاها

- ‌همسات لكل زوج حتي يُرضي زوجته

- ‌تذكير الرجال بعدم إهمال نسائهم وذراريهم ممن جعلهم الله تحت أيديهم وعدم الإنشغال عنهم

- ‌صفات الزوج المثالي

- ‌أنت يا من حديثه وديدنه التعدد

- ‌وأنت يا من تزكي من يريد التعدد:

- ‌وأنتم يا من مجالسكم حديث التعدد:

- ‌تعدد الزوجات بين الظلم والعدل

- ‌أنواع ظلم الزوج لزوجته

- ‌حكم من أنكر جواز تعدد الزوجات

- ‌حث العقلاء على التحلي بمكارم الأخلاق

- ‌طريقة اكتساب الأخلاق المحمودة

- ‌الأخلاق المذمومة

- ‌آفات اللسان

- ‌وجوب حفظ اللسان

- ‌مواجهة فتنة النساء

- ‌أخلاق للمسلم يتحلى بها في حياته

- ‌الصبر

- ‌ثمرات الصبر

- ‌خلق العفو والصفح

- ‌الرحمة والرحماء

- ‌لا تتجسس..التجسس في الميزان الشرعي

- ‌الأسرة وقواعد السلوك العائلي

- ‌الأسرة وقواعد السلوك العائلي (1)

- ‌سلوك الزوج:

- ‌الأسرة وقواعد السلوك العائلي (2)

- ‌سلوك الزَّوجة:

- ‌واجبات الزوجين لبناء الأسرة الإسلامية السعيدة

- ‌واجبات الأسرة ووظائفها

- ‌الوسائل العلمية [المؤثرة] لتربية الأبناء

- ‌نصائح ذهبية..للسعادة الأسرية

- ‌موقع الأسرة في الإسلام

- ‌مكارم الأخلاق

- ‌نصيحة من القلب إلي الأزواج

- ‌نصيحة من القلب إلي الأزواج (2)

- ‌نصيحة من القلب إلي الأزواج (3)

- ‌17 فائدة لـ: غض البصر

- ‌غض بصرك

- ‌كيف تعرف عيوب نفسك

- ‌فنون المعاتبة.. ومعالجة الأخطاء

- ‌أدب الحوار والمناقشة والجدل

- ‌وصفة إيمانية لتجاوز الكروب والنكبات

- ‌منغصات ومكدرات

- ‌ذنوب ومعاص تجثم على القلب

- ‌التوكل على الله

- ‌لزوم الاستغفار

- ‌دعوات المكروب

- ‌الأصدقاء

- ‌كيف تحصل السعادة

- ‌القناعة

- ‌السعادة في ثلاث

- ‌لا تحزن أيها المبتلى

- ‌للبلايا نهايات معلومة الوقت عند الله عز وجل فلابد للمبتلي من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء

- ‌العافية والشكر

- ‌أسباب تأخر الشفاء

- ‌الجزاء من جنس العمل

- ‌اذهب فأنا معك

- ‌درة غالية: ابتعد عن كل ما يحزنك، واحرص على ما يسرك

الفصل: ‌لا تحزن أيها المبتلى

‌لا تحزن أيها المبتلى

! (1)

أخي أيها المبتلى!

اسمح لي أن أذكرك عسى أن تطيب نفسك بهذه الذكرى، ولن أقول لك شيئاً أنت تجهله بل هو معلوم لديك، وليس بخافٍ عليك.

أخي مهما تعاظم معك الداء فإن مآله إلى زوال، ومهما اشتد سواد الليل؛ {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيْبٍ} ؟! هود:81 بلى؛ وربي إنه لقريب! أي أخي:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى # ذرعاً وعند الله منها المخرج

كملت فلما استحكمت حلقاتها # فرجت وكان أظنها لا تفرج (2)

(1) المنبر الإسلامي

(2)

الأبيات لإبراهيم بن العباس الصولي

ص: 484

وانظر ـ رحمك الله ـ فيمن حولك من الناس ستجد فيهم من هو أعظم بلاءً مما أنت فيه، وانظر وقلِّبْ نظرك فسترى، وسترى ما لا يقوم له بصرك من أدواء الناس، وبلاياهم.

فإن لم تجد في نفسك من الإيمان الباعث على الصبر والاحتساب ـ وظني بك أنك نعم المؤمن الصابر المحتسب إن شاء الله ـ ما يهوِّن عليك مصيبتك؛ فاجعل أدواء الناس لك دواءً.

أنزل أدواء الناس، وبلاياهم، ومصائبهم، وأمراضهم على بليتك، ومصيبتك، ومرضك؛ يخف ويهون وقد يتلاشى ويزول ـ إن شاء الله ـ فمن نظر إلى مصيبة غيره تَهَاوَنَ مصيبته، واقرأ في كتب الغابرين تجد مصائب الناس مسطورة، وفي التاريخ مزبورة.

واقرأ القرآن، اقرأ خير كتاب في ذلك، سيحدثك عن أمراض عباد الله الصالحين، وعن محن المقربين، وشكاوى العابدين.

فذا أيوب؛ كم عانى من المرض؟ ولله صبره ما أجمله! أي قلب عامر بالإيمان يحمل بين جنبيه! لا تقل لي: قلب نبي؛ فأقول لك: نعم

ص: 485

نبي ولكنه بشر يَأْلَمُ كما تَأْلَم، ويحس كما تحس، ويحزن، ويغتم، ويصيبه ويعرض له من الأدواء، والأرزاء ما يعرض للآخَرين، بل هو في ذلك أشد بلاءً، وأعظم امتحاناً من غيره.

وهذا يونس عليه السلام ويالها من شدة، وكربة، وجد نفسه فيها! لم يجد بشر نفسه فيها قبله، حيث حبسه الله في بطن الحوت، فأسقمه البلاء، قال تعالى:{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيْمٌ} الصافات:145، نعم أسقمه السجن، وأمرضه، حتى عاد جسمه رخواً ليِّناً لا يقوى حتى على القيام، من الذي ما ساء قط، وما خص الرجال بالبلاء دون النساء؛ فللنساء من البلاء نصيب أيضاً.

فهذه مريم العذراء البتول رميت عن قوس الإفك بسهام الريبة، وتهمة الزنا؛ وهي الصبية العذراء العفيفة، الضعيفة التي لا تملك حيلة، ولا تستطيع سبيلاً، حتى تمنت الموت على الحياة ولم يكن هذا الذي كان، وهي المؤمنة التي تعلم أنه اختيار الله، وقدره، ومشيئته، فقالت:{يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيَاً مَّنْسِيّاً} مريم:23 والنسي المنسي هو اللبن الذي ترك حتى تغير طعمه ومذاقه، تتمنى أن لو كانت لبناً ترك

ص: 486

وأهمل على هذا البلاء الذي اصطفاها الله له، ومع هذه الحسرات، وما يظهر في كلامها وشكواها من ضعف وعجز، إلا أنها صبرت لهذا الأمر، وقامت به فماذا كان؟ وما قيل لها؟ وكيف كانت عاقبة أمرها؟

قال تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي} مريم:24، وكم كانت بحاجة إلى أن يقال لها:{لَا تَحْزَنِي} فقد كانت حقاً حزينة، ولا شك أن البلاء يُحْزن، فكم من مريض أحزنه المرض؛ بحاجة أن يقال له:(لَا تَحْزَنْ)، ودواؤه أن له:(لَا تَحْزَنْ) ، وكم من حزين بسبب مصيبة أو كربة، أو شدة؛ ولذلك عندما اشتد الطلب من قريش لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه عند الهجرة، حتى كاد أن يدركهم الطلب، فقام بعض كفار قريش على باب الغار، وأخذ أبو بكر ينظر أقدامهم وهم لا يرونه فحزن رضي الله عنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلسان الواثق بربه، ووعده، ونصره وتأييده:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} التوبة:40، فنزلت بعدُ السكينة.

ص: 487

والحزن في أمر كهذا طبيعة بشرية! فالنفوس السوية تحزن، وكيف لا؟ وهذا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحزن لموت عمه أبي طالب، ويحزن لموت خديجة حتى سمي ذلك العام بعام الحزن.

ويحزن أيضاً صلى الله عليه وعلى آله وسلم لموت ابنه إبراهيم فيقول «إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (1) .

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تدمع عينه، ويحزن قلبه وهو من هو في منزلته؛ فكيف إذا كانت امرأة، وشابة عذراء، وليس هذا فقط بل وتنسب إلى بيت صلاح ودين وأرومة، بل وكانت عاكفة، عابدة اشتهرت بالصلاح، والخير والدين؛ ثم تأتي بولد ولا يعرف لها نكاح!

أفلا يحزن قلبها؟ أفلا تدمع عيناها؟ بلى يحزن! بلى تدمع! أفلا تقول: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيَاً مَّنْسِيّاً} مريم:23 فهذا جِبِلَّةٌ،

(1) البخاري 1220، ومسلم 4279، وأبو داود 2719

ص: 488

وفطرة، ولكن لا ينبغي الاستسلام للحزن، وإذكاء الهم بهم آخر بل الواجب هو القيام، فعلى المرء أن يستمدَّ من الله العون. قال تعالى:{قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} مريم:24، سرياً: أي: جدولاً جارياً. {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطَ عَلَيْكِ رُطَبَاً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُوِلِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِياً} مريم:25-26.

فكم كانت مريم بحاجة إلى هذا المدد؛ وأن تسمع مثل هذه الكلمات لتشد وتربط على قلبها؛ وتعلم أن الله معها، وأنه ليس بتاركها، فتنزلت عليها السكينة، وغشيتها الرحمة، وكفاها الله ما أهمها.

وذاك إبراهيم عليه السلام ولا يخفى عليك ما كان من أمره وهو الفتى الصغير الضعيف الذي لا حول له ولا قوة مع قومه، وكيف رمي في النار؟ وكيف أنجاه الله؟ ولو أَخَذْتُ أَقُصُّ عليك من القرآن في هذا الباب لصار اللبن الحليب كالقَار والقَطِرَان من هول البلاء، وعِظَمِ الداء، ولو قَلَّبْتَ صفحات القرآن فستجد في الذكر الحكيم ما يهون عليك مصيبتك، ويكون لك بلسماً وشفاءً.

ص: 489

نعم أخي؛ ودعني أقص عليك من واقع الناس الذي عايشته ما قد يكون لجراحك بَلْسَماً، ولحزنك مُذْهِباً:

هذه امرأة طريحة الفراش ظلت خمس سنوات ـ ولا زالت ـ طريحة الفراش لا تتحرك.. لا شيء فيها يتحرك سوى الرأس والعينين فقد عطل المرض كل عضو فيها فلا حراك اليوم.

جسد هَدَّهُ المرض، وأفناه الداء، تهاوى تحت شدته، وسقط تحت سطوته فجعله حطاماً لا يرجى صلاحه، أو ينتظر برؤه.

لو أبصرتها أبصرت هشيم المُحْتَضَر، ولو رأيتها رأيت الحزن أمامك ماثلاً:(فَمَنْظَرُ الْحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَا) ، بقايا نفس كانت بشراً! لا تملك حتى أن تَئِنَّ، وبعض الأنين رحمة! حتى اللسان أبكمه المرض، وأخرسه البلاء، فلا تسمع إلا همهمة كهمهمة الخرس البكم الذين لا يتكلمون.

يقول لي زوجها: أنا أقوم على خدمتها أغسلها، وأنظفها ولا أسمح لأحد أن يقوم بهذا عني، زوجتي منذ خمسة وعشرين عاماً، ليس لدينا أولاد، مرضت قبل خمس سنوات، والحمد لله.

ص: 490

بالله عليك كيف ترى نفس هذه المرأة؟ أي نفس نفسها؟ لها عينان تبصران، وعقل يعي، ونفس تتمنى وترجو كيف تراها من الداخل وهي ترى الأصحاء، المعافين في أبدانهم، كيف يقومون؟ وكيف يتحركون؟ وهي طريحة الفراش، لا تقوى أن تحرك في بدنها ذرة.

ألن يوسوس لها شيطانها بسوء حظها العاثر؟ ! ألن تندب نفسها؟ أليست هذه حياة؟ بلى حياة؛ ولكنها مريرة؟ فأي حياة هذه؟

ألن تذمها بقول الشاعر:

يا موت زُرْ إن الحياة مريرة # يا نفس ويحك إن حظك عاثر (1)

(1) البيت لأبي العلاء المعري

ص: 491

أم كيف هو الزوج الذي يحمل أعباء امرأة ليست بالطفل الصغير! وأنا أعجب والله منه في شيئين: في صبره على خدمة زوجه! وفي وفائه لها!

وهذه طفلة صغيرة..، تشكو تضخم الرأس، عندما أبصرت رأسها هالني منظره، واستعظمت ضخامته، وحجمه، رأس ضخم لا كالرؤوس، لو وضع على أضخم جثة بشرية لاستضخمه الناس؛ فكيف وهو على جثة صغيرة لا يتجاوز عمرها السنوات، والبنت طريحة الفراش مذ ولدت ورأسها يزداد كل يوم ضخامة إلى اليوم الذي رأيتها فيه، ولا يجدون لها دواءً، عجز الطبيب بطبه، وماذا صنع الدواء؟ لا شيء لم يستطع حتى أن يوقف تضخم الرأس! والرأس كل يوم في زيادة.

ظنوا دائها مساً! وليس بمس.

ظنوه سحراً! وما هو بسحر

ظنوه عيناً! وليس بعين.

فماذا يكون إذن؟

ص: 492

هذا علمه إلى الله.

والصغيرة طريحة الفراش، لا أحد يضمها، أو يشمها، ولا أحد يحملها أو يحركها، ـ ونفس صغيرة كهذه تحتاج شيئاً كهذا كحاجتها إلى الطعام والشراب ـ ومن ذا سيحملها؟! لا أحد يقوى، فرأسها سيكسر رقبتها ويدقها إن حُرِّكتْ، أو حملت.

بالله عليك يا أخي؛ أيُّ نفس معذبة باكية بين جنبي هذا الصغيرة؟ وأي قلب حزين قلب أمها؟ تصور بالله عليك حاول وقولي:كيف ستدخل الراحة نفسها؟ أم كيف تسكن الطمأنينة قلبها، وطفلتها الصغيرة هذا حالها؟ وأنت تعرف قلب الأم الرؤوف الرحيم، الودود الحنون.

فإن كنت يا أخي تملك عيناً تبكي بها على ما أصابك ففي دنيا الناس من لا عين له يبكي بها، فَكَفْكِفْ دُمُوعَكَ.

أي أخي! إن بالناس من المصائب ما ليس بك، فأنزل مصائبهم على مصيبتك تهون! وأنزل على ما تشتكي ما يشتكون! كم في هذه الدنيا من النفوس المعذبة؟ كم وكم؟؟ فمن لها؟ من للعيون الباكية؟

ص: 493

فاصبر أي أخي؛ صبر الكريم؛ فإن الله أرحم بك من نفسك التي بين جنبيك، واعلم أنك لن تزداد بالصبر عند الله إلا رفعة، وإيماناً، وديناً، ومنزلة.

واعلم أيضاً أن الله يصلي على الصابرين المسترجعين من أهل البلاء ولهم رحماته، قال تعالى:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة:156-157

أي أخي!

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت # ويبتلي اللهُ بعضَ القومِ بالنعم

فلعل بلاءك نعمة وإن كان عظيماً # فحسبك الله في كل لك الله

لما أدخل إبراهيم التيمي سجن الحجاج رأى قوما مقرنين في سلاسل، إذا قاموا قاموا معا، وإذا قعدوا قعدوا معا، فقال: يا أهل بلاء الله في نعمته، ويا أهل نعمة الله في بلائه، إن الله عز وجل قد رآكم أهلا

ص: 494

ليبتليكم، فأروه أهلا للصبر، فقالوا: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا ممن يتوقع من البلاء مثل ما أنتم عليه، فقال أهل السجن: ما نحب أنا خرجنا (1)

وأنا أقول لك ـ يا أخي ـ يا ذا بلاء الله في نعمته، ويا ذا نعمة الله في بلائه، إن الله رآك أهلاً ليبتليك فَأَرِه أهلاً للصبر.

قال لقمان لابنه وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} لقمان:17.

واحتسب ـ أي أخي ـ عند الله مصيبتك، وقل: يا نفس صبراً لعل الجنة على هذا البلاء عقباك. (2)

(1) ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة 56

(2)

من مقدمة مواساة العليل.

ص: 495