الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنون المعاتبة.. ومعالجة الأخطاء
(1)
العتاب والمعاتبة، من آكد ما يبقي المودة ويُشعر بالرحمة والقرب والألفة، ولذلك نجد في القرآن الكريم كيف أن الله جل وتعالى كان يعاتب أنبيائه ورسله وعباده الصالحين
{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ..} ! التوبة:43، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ..} !! التحريم:1، {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} عبس:1-3!!
وحين نتأمل نصوص السيرة النبوية نجد أيضاً كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص الأمة على الأمة، فكان يعاتب
(1) السعادة الأسرية بتصرف.
ويعتب..اقرأ إن شئت قصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا (1) ..واقرأ في قوله صلى الله عليه وسلم «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ» (2) وهكذا..
والذي يشد الانتباه ويلفت النظر، سمو الأدب في آيات المعاتبة والعتاب..وتقرأ في طيّات نصوص السنة شدة الحرص والرحمة بالأمة من خلال همسات العتاب ومواقفه..وبمثل هذا يبقى العتاب أسمى ما يكون حين يؤلف القلوب، ويرتق الفتق في رحمة وإشفاق..
(1){وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم} التوبة:118، والقصة بتمامها في الصحيحين البخاري 4066، ومسلم 4973
(2)
البيهقي في السنن الكبرى 4826
ومن هنا وجب على المتحابين بجلال الله أن يرقوا بمعاتباتهم، وأن تسموا بهم روح الإيمان فتتعانق الأرواح طهرا وحباً وهي تبلسم بعضها بعضا لتداوي جراحها بيد الإشفاق والعطف والرحمة..
تلكم هي الروح السامية بسمو الإيمان..
تلكم هي الروح التي تأسرك بشفافيتها..
الروح الطاهرة طهر المُزن في سمائها..
الروح التي تجذبك إليها بلطف..
وتدفع عنك الأذى بحرص..
تخرج منها الكلمة فتسمع روحك همسها قبل أذنك..
كأني بها وهي تناغي وتترنم:
حديث الروح للأرواح يسري # فتدركه القلوب بلاعناء
هتفت به فطار بلا جناح # وشق أنينه صدر الفضاء
ومعدنه ترابي ولكن # جرت في لفظه لغة السماء
فحلّق في ربى الأفلاك حتى # أهاج العالم الأعلى بكائي (1)
إنها ليست معاتبة.. بل هي همسات الروح للروح.
فهل بلغنا مبلغ الأخوة التي يغبطنا عليها الأنبياء والشهداء والصالحون (2) ؟! أم أن نفوسنا لمّا تزل ترابيّة الأصل والطموح؟! وفي سبيل أن نخطو خطوة نحو السمو..وحتى نعيش إخلاء أوفياء أصفياء أنقياء..
(1) الأبيات لمحمد إقبال
(2)
«عن مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عز وجل الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ» الترمذي 2312 وقال حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح الترمذي
الأولى: كثرة اللوم في الغالب لا يأتي بخير..
لكن ليس كل اللوم!!، وإنما كثرة اللوم والعتاب، فإنها تنفر منك الصديق، وتبغّض عليك العدو..
وَمَن لا يُغَمِّض عَينَه عَن صَديقِهِ # وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهوَ عَاتِبُ
وَمَن يَتَتَبَّع جاهِداً كُلَّ عَثرَةٍ # يَجِدها وَلا يَسلَم له الَّهرَ صَاحِبُ (1)
ثق تماماً أن لحظة كدر في عتاب قد تفسد عليك أخوة دهر! وتسرع في عتاب.. يفرّق عليك رأس المال..
(1) الأبيات لكثير عزة
واسمع للخادم الصغير أنس وهو يقول: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ» (1) !! هذا وهو صغير مظنة وقوع الخطأ منه أعظم من مظنتها في كبير واع!!
الثانية: لا تطلب من الآخرين عدم الخطأ.. وإنما اطلب منهم أن لا يستمروا في الخطأ إذا علموه. «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» (2) . تلكم هي سنة الله..ولتتجلّى في خلقه معاني أسمائه وصفاته..
وهكذا ينبغي أن نقبل الآخرين.. على أنهم بشر يخطئون..
اقبل أخاك ببعضه # قد يُقبل المعروف نزرا!
(1) رواه الترمذي 1938، والحديث في البخاري 5578، وأبو داود 4144
(2)
رواه أحمد 2 / 309، ومسلم 2749
واقبل أخاك فإنه # إن ساء عصراً سرّ عصراً
فإنك إن لم تكن كذلك أوشكت أن تشق على الناس أو تهلك نفسك..
عتبت على عمروٍ فلمّا تركته # وجرّبت أقواماً بكيت على عمرو! (1)
الثالثة: أزل الغشاوة عن عيني المخطئ.!
حين ترى الخطأ.. لا تتشنج.. أو تنقلب حماليق عينك، أو يتعكر صفو مزاجك.. تمهل قد يكون المخطئ غطت على عينيه غشاوة الخطأ أو المعصية.. فلا تستعجل في ذم أو تقبيح.. بل ابذل جهدك في إزالة الغشاوة عن عين المخطئ..
(1) المستطرف في كل فن مستظرف (باب في الأمثال السائرة - فصل في الأمثال من الشعر)
«إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا
فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ
فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا
قَالَ فَجَلَسَ
قَالَ أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ
قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ
قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ
قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ
قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ
قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ
قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ
قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ
قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ
قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ
قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ» (1)
بأبي وأمي أنت يا رسول الله.. ما أشد حلمك مع شدة حرصك وتسلّط السفهاء عليك..
الرابعة: اختر الكلمات اللطيفة في العتاب والمعاتبة..
لا تقبّح، أو تسب أو تشتم..
(1) أخرجه أحمد 21185 واللفظ له، والطبرانى في الكبير 7577، 7660، وقال الهيثمى (1/129) رجاله رجال الصحيح، وقال العراقي (المغني عن حمل الأسفار 2251) إسناد جيد رجاله رجال الصحيح
«لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ» (1)
وفي الحديث الصحيح «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» (2)
فكيف تراها تكون هذه الكلمة طيبة؟!
بعبارات التلاوم والذم والشتم وجرح المشاعر؟!!
أم ترى أن للكلمات أنوار إذا برقت بروقها أنارت فؤاد المستمع!
الخامسة: اترك الجدال..
في عتابك لا تجادل.. لأنك بالجدال قد تخسر النتيجة وقد تكون أنت المحق..
ثم إن المجادل قد يربط الحق بكرامته، فيدافع عن كرامته لا عن الحق.. وهنا تكون القاضية!
فلا الحق أُحقّ.. ولا المودة بقية..
(1) أحمد 3839، الترمذي 1900 وقال حسن غريب، وصححه الألباني
(2)
البخاري 2767، مسلم 1677
وقد جاء في الحديث الصحيح «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» (1)
السادسة: ضع نفسك موضع المخطئ.. ثم فكر في الحل!
لأنه لا يكفي منك أن تنتقد وتعاتب..
بل لابد مع العتاب بلسماً..
وانظر كيف أن منهج القرآن ليس هو الزجر دون بيان طريق النصر والظفر..
قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة:275
يأمر عباده المؤمنين بغض الأبصار عن الحرمات ثم يعقّب بالندب والحث على الزواج والنكاح من المؤمنات..
وهكذا..
(1) أبو داود 4167، وحسنه الألباني في الصحيحة 273
فبدل أن تعاتب، ولو سمت عبارتك.. أردفها بحل.. أو فكرة!
«يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» (1)
السابعة: ما كان الرفق في شيء إلا زانه..
«إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ» (2)
«إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ» (3)
الثامنة: دع الآخرين يتوصلون لفكرتك.. واجعل المخطئ يكتشف خطاه بنفسه، ثم هو يكتشف الحل بنفسه.
يُذكر أن رجلاً في الهند كان يعادي إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب عداءً شديداً، ويحارب كتبه ومؤلفاته ويحذر منها..فاحتال احد
(1) البخارى4957، ومسلم 3767
(2)
البخاري 6415، مسلم 4697
(3)
أحمد 12579، قال الهيثمي: ورجاله موثقون إلا أن خلف بن مهران لم يدرك أنساً، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 2246
الفضلاء حيلة.. غيّر بها اسم الشيخ من: محمد بن عبد الوهاب، إلى: محمد بن سليمان التميمي.. وأهدى جملة كتب الشيخ لهذا العالم الهندي، فلمّا قرأها أعجب بها، ووجدت في قلبه قبولا وأثرا حسناً.. فأعلمه هذه الحكيم أن هذه الكتب من مؤلفات إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب.. فما كان من هذا العالم الهندي إلا أن جثى على ركبتيه من البكاء والحسرة والألم على ما كان منه من عداء للإمام.. فصار من أكثر الناس دعوة وتوزيعا ونشرا لكتب إمام الدعوة في محيطه.
التاسعة: عندما تعاتب..اذكر جوانب الصواب..
اشعر المخطئ (المعاتب) بالإنصاف، فإن ذكرك محاسنه وجوانب الإشراق فيه يجعله أدعى لقبول النصح والحق، وأبقى للمودة بينكما..
اقرأ في هذا الأثر في عتابه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بقوله: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ» (1)
(1) البخاري 1054، ومسلم 4528
يالله.. ما أعظمك يا رسول الله، وما أعظم أدبك وسكون نفسك ورفعتها..
العاشرة: لا تفتش عن الأخطاء الخفيّة..
وعامل الناس بحسن النية..
فإنك إن ذهبت تتبع عورات المسلمين أهلكتهم، وأوشكت - بله - أن تفضح نفسك..
«مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» (1) !!
الحادية عشر: استفسر عن الخطأ مع إحسان الظن والتثبت!
إنك بهذا تشعره بالإحترام والتقدير.. كأن تقول: زعموا أنك فعلت!!
(1) أحمد 21368، وقال الهيثمى في مجمع الزوائد (8/87) : رجاله رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان وهو ثقة
واسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب في الأنصار بقوله: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟!» (1)
لا تعاتب.. قبل أن تستفسر عن الخطأ.. لعل له عذرا.. أو مخرجاً.. أو كرهاً!!
الثانية عشر: امدح على قليل الصواب يكثر من الممدوح الصواب..
لاحظ النفس الطاهرة البريئة..
نفس الطفل التي لم تشبها شائبة الغل والحقد وحب الذات..
حين تمدحه على عمل صغير..تراه يبذل لأن ينجز لك الجليل!!
وانظر لذلك الذي طوّع السبع المفترس في باحات العروض.. كيف روّضه وهو السبع الذي لا يعقل ولا يفهم..
كل ذلك بمدح القليل والتشجيع عليه..
بين إخوانك امدح على قليل الصواب يكثر من الممدوح الصواب..!
(1) البخاري 3992،3986، ومسلم 1753، 1756
الثالثة عشر: تذكر أن الكلمة القاسية في العتاب تقابلها كلمة طيبة تؤثر أكثر من الكلمة القاسية.
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} الإسراء:53
عند الصينين مثل يقول: نقطة عسل تصيد من الذباب ما لا يصيده برميل من العلقم!!
الرابعة عشر: تذكر
…
أن الناس يتعاملون بعواطفهم أكثر من عقولهم!!
فامزج خطابك بعاطفة الحنو والقرب والإشفاق والحرص..
«يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» (1)
الخامسة عشر: اعط الخطأ حجمه..
(1) البخارى4957، ومسلم 3767
فلا تعظّم حقير..ولا تحقّر عظيم..
فإنك حين تعظّم الحقير توغر الصدر..
وحين تحقّر العظيم تفسد الأمر..
السادسة عشر: ابن الثقة في نفس المخطئ..
ليكون أقدر على مواجهة الخطأ وإصلاحه.
السابعة عشر: لا تعيّر..!!
المسلم يحب الله، ويحب طاعة الله، وهو كذلك يبغض معصية الله ومن يقارفها؛ فالمؤمن يمتلك قلباً مرهفا ونفساً جيّاشة لا تملك الحياء مع من يجترىء على محارم الله، فالحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، لكن من الناس من يشتط فبدلاً من بغضه للمعصية وصاحبها، يعيّر المذنب ويتعالى عليه!
جاء في الحديث عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «حَدَّثََ أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا
الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» (1)
مر أبو الدرداء على رجل قد أصاب ذنبا وكانوا يسبونه فقال: (أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه قالوا بلى قال فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم قالوا أفلا تبغضه قال إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي) . (2)
فمتى تسمو نفوسنا لتبلغ ما بلغه أولئك الأطهار..
أخي..
هبني أسأت كما زعمت # فأين عاطفة الأخوة
أو إن أسأتَ كما أسأتُ # فأين فضلك والمروّة؟! (3)
بوركت وسددت ووفقت
…
(1) مسلم 4753
(2)
تاريخ دمشق 47/177، وحلية الأولياء 1/225
(3)
الأبيات للأبرش