الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكارم الأخلاق
(1)
عن عُقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه، قال: لقيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي:«يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَك» (2)
هذا التوجيهُ النبويُّ الشريفُ مِن أعظمِ التوجيهات، وأجلِّها، وأرفعها؛ ذلكم أنّ فيه إرشاداً لمعالي الأخلاق، وأكمل السَّجايا والصفات، والتقابُلُ في المعنى والمبنى -بين الآية والحديث- ظاهرٌ؛ حتى في ثلاثِيّةِ التوجيه والأمر:
فَصِلَةُ القاطعِ تُقابَل بالعفو
…
وإعطاء المحروم تقابَلُ بالمعروف
…
والعفو عن الظالم يُقابَل بالإعراض
…
(1) علي بن حسن الحلبي
(2)
أحمد 16810، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني 891
وما أجملَ ما رواه الإمام البخاري (1) عن وهب بن كيسان، قال:(سمعتُ عبد الله بن الزبير يقولُ على المنبر: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف:199، قال: (واللهِ! ما أَمَرَ بها أن تُؤْخَذَ إلا مِن أخلاق الناس. واللهِ! لآخُذُها منهم ما صحبتُهم) .
وقال الإمام ابنُ القيّم (2) : (ليس المرادُ إعراضَه عمّن لا علم عنده؛ فلا يُعلّمه، ولا يُرشده، وإنّما المراد إعراضه عن جهل مَن جهل عليه؛ فلا يُقابله، ولا يُعاتبه) .
وقد ذكر الإمام ابنُ القيّم أيضاً (3) : (أنّ هذه الآية جمعت للنبي صلى الله عليه وسلم مكارمَ الأخلاق) .
وقال الإمام أبو هلال العسكري (4) : (وأنت ترى أنّ في العفو صلَة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين، وفي الأمر
(1) البخاري 4367، والأدب المفرد 244
(2)
مفتاح دار السعادة 1/344
(3)
مدارج السالكين 2/305
(4)
كتاب الصناعتين ص132
بالمعروف تقوى الله، وصِلَة الرحم، وصون اللسان من الكذب، وغضّ الطرف عن الحُرُمات، والتّبرُّؤ من كلّ قبيح، لأنه لا يجوز أن يأمر بالمعروف؛ وهو يلابس شيئاً من المنكر) . (1)
وحتى لا يكونَ الكلامُ في (الأخلاق) -وبخاصّة مكارِمَها العليّة- نظريّاً؛ أذكُرُ -وأُذكِّرُ- بما رواه البخاري (2) عن ابن عباس-رضي الله عنهما، قال: «قَدِمَ عُييْنة بنُ حِصْن بن حُذيفة، فنزَل على ابن أخيه الحُرِّ بن قَيْس -وكان من النّفر الذين يُدنيهم عُمَرُ- وكان القُرّاءُ أصحابَ مجالسِ عُمر، ومُشاورتَه -كُهُولاً كانوا أو شُبَّاناً-. فقال عُيَيْنة لابن أخيهِ: يا ابنَ أخي لك وَجهٌ عِنْدَ هذا الأمير، فاستأذِنْ لي عليه، قال: سأستأذِنُ لك عليه.، قال ابنُ عباس: فاستأذَنَ الحُرُّ لعُييْنةَ، فأذِنَ لهُ عمَر، فلمّا دَخلَ عليه، قال: هِيْ يا ابنَ الخطّابِ، فواللهِ ما تُعطينا الجزْلَ، ولا
(1) انظر فضل الله الصمد 1/334
(2)
البخاري 4642
تحكُمُ بيننا بالعدْل! فَغَضِبَ عُمَرُ حتى همَّ به، فقال له الحُرّ: يا أميرَ المؤمنين! إنّ الله -تعالى- قال لنَبِيّه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف:199، وإنَّ هذا من الجاهلين. واللهِ ما جاوَزَها عُمَرُ حينَ تلاها عليه، وكان وقَّافاً عِنْدَ كِتابِ الله» .
فهل مِن وقّاف؟!
مُلئَ صدرُهُ بالإنصاف؟!
وفارَقَ الظلمَ الاعتِساف؟!