الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسها: الإجازة.
سادسها: الإعلام للطالب بأن هذه الكتب روايته.
سابعها: وصيته بكتبه له.
ثامنها: الوجادة والوقوف على خط الراوي فقط.
وتفاصيل هذه الأنواع مبسوطة في كتب علوم الحديث، وأعلى هذه الطرق وألصقها بتوثيق المرويات والنصوص هو
السماع من لفظ الشيخ
ثم القراءة عليه.
السماع من لفظ الشيخ (1)
إن سماع المرويات من الشيخ سواء كانت مرويات فردية، أو كتبًا بعينها يعد من أفضل الطرق والوسائل التي اتبعها المحدثون من أجل المحافظة على الأصول الخطية للكتاب الواحد، وعدم السماح بتداخل الروايات بعضها في بعض، فقد كان شعارهم: الأسانيد أنساب الكتب (2).
والسماع من لفظ الشيخ إما أن يكون إملاء أو تحديثًا من غير إملاء، وقد يكون من حفظ الشيخ، وقد يكون من كتابه.
والإملاء أعلى رتبة من التحديث من غير إملاء؛ لأن الإملاء يتطلب شدة التحري، ودقة الضبط، ونهاية التحقيق من الشيخ والتلميذ.
القراءة على الشيخ أو العرض
وهي أن يقرأ الراوي أو غيره من كتاب أو من حفظ والشيخ حافظ لما يقرأ عليه أو ماسك بأصله.
وسواء في ذلك كنت أنت القارئ أو قرأ غيرك وأنت تسمع، وقرأت من
(1) ينظر «الإلماع» للقاضي عياض ص: 77 - 78، «مقدمة ابن الصلاح» ص: 316، «التبصرة والتذكرة» «فتح المغيث» للعراقي وغيرها.
(2)
«هدى الساري» ص: 5
كتاب أو من حفظك، أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه، أو لا يحفظ لكن يمسك أصله هو أو ثقة غيره (1).
ولقد اشترط المحدثون شروطًا للتحمل:
1 -
تعلم اللغة والنحو:
لقد اشترط المحدثون في الراوي الذي يحمل الحديث أن يُعنَى بتعلم اللغة العربية والنحو، حتى لا يقع في اللحن والتغيير والتبديل، فالجهل بأساليب اللغة العربية وتصاريف الكلام أوقع بعض المحدثين في التصحيف.
ولقد تنبه المحققون من أهل الحديث إلى ما يمكن أن يحدثه الخطأ في الإعراب من تغيير في معاني النصوص فحذروا من ذلك.
قال القاضي عياض رحمه الله في «الإلماع» (2): وقد وقع الخلاف بين العلماء بسبب اختلافهم في الإعراب. اهـ.
ثم ضرب أمثلة كثيرة لذلك.
ولذا يقول الأوزاعي: أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربا (3).
وقال شعبة: من طلب الحديث فلم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه برنس، وليس له رأس.
وقال حماد بن سلمة: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها (4).
ولذلك نجد الحافظ اليونيني وقد جمع روايات «الصحيح» عرضها على مالك أزمة اللغة: ابن مالك النحوي حتى يوجه هذه الروايات من جهة اللغة،
(1)«مقدمة ابن الصلاح» ص: 318 - 319.
(2)
ص: 136 - 137.
(3)
أخرجه الرامهرمزي «المحدث الفاصل» ص: 524، والخطيب في «الكفاية» ص:297.
(4)
روى هذا الأثر وما قبله الخطيب في «الجامع» 2/ 26 - 27.
وتجمع له شيء من التعليقات سماه «التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح» وسيأتي الحديث عنه.
2 -
الأخذ عن أهل العناية بالحديث:
إن الراوي الذي يريد أن يتحمل ويؤدي لابد له من تفرغ وعناية وتضحية من أجل تحصيل الحديث وضبطه والعناية به، وحفظه في صدره وكتابه فليس كل من ثبتت عدالته يصح الأخذ عنه واعتماده في سماع الحديث.
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: لا يؤخذ العلم إلا عمن شُهد له بطلب الحديث.
وقال عبد الله بن عون: لا نكتب الحديث إلا ممن كان عندنا معروفًا بالطلب.
وعن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم شيء من الحديث يقال: ليس من أهله (1).
لذا يقول الخطيب البغدادي: فأول شرائط الحافظ المحتج بحديثه إذا ثبتت عدالته، أن يكون معروفًا عند أهل العلم بطلب الحديث وصَرْف العناية إليه (2).
3 -
تقييد الرواية في الأصل حين سماعها:
إذا سمع الراوي الحديث وجب عليه تقييده في أصله، وأن لا يعتمد على حفظه وحده، وكتابة الحديث المروي عند السماع أو بعده مباشرة تحافظ على النص المروي من عوامل الزمان، فقد يعتريه نسيان، فيضطر إلى روايته بالمعنى عندما لا تساعده حافظته على استحضار ما سمع، وقد لا تتوافر فيه شروط الرواية بالمعنى.
(1) روى هذه الآثار الخطيب في «الكفاية» ص: 251 - 252
(2)
«الكفاية» ص: 251.
ويزداد الأمر تأكيدًا في الأحاديث والمرويات التي تتغير بتغير الشكل أو الإعراب.
ولذا يقول الخطيب البغدادي: ويُروى عن بعض من كان يذهب إلى وجوب اتباع اللفظ أنه كان لا يحدث إلا لمن يكتب عنه، ويكره أن يحفظ عنه حديثه خوفًا من الوهم عليه والغلط فيه حال روايته (1).
4 -
حفظ الحديث:
ومن تمام عناية المحدثين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحافظتهم على لفظه ومعناه تأكيدهم على ضرورة حفظه بعد كتابته في أصل المحدث.
فالحفظ وسيلة أخرى إضافة إلى الكتابة تعمل على تذكير الراوي باللفظ الذي سمعه من شيخه حتى لا يقع فيه التبديل والتغيير أو التصحيف والتحريف.
لقد ابتلي بعض المحدثين بورّاقين أدخلوا عليهم في كتبهم ما ليس منها.
قال أشهب: وسئل مالك أيؤخذ ممن لا يحفظ، وهو ثقة صحيح، أيؤخذ عنه الأحاديث؟ فقال: لا يؤخذ منه، أخاف أن يزاد في كتبه بالليل.
وقال هشيم: من لم يحفظ الحديث فليس هو من أصحاب الحديث، يجيء أحدهم بكتاب كأنه سجل مكاتب (2).
ولقد كان لحفظ الحديث أهمية كبيرة عند المحدثين، واتخذوا لتحقيق ذلك عدة وسائل منها: المذاكرة، ولهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة:
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسمع منه
(1)«الجامع» 2/ 75.
(2)
أخرجه وما قبله الخطيب في «الكفاية» ص: 237، 238.
الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه (1).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: تحدثوا وتذاكروا، فإن الحديث يذكر بعضه بعضًا (2).وسار على ذلك التابعون ومن بعدهم.
وروى الخطيب بإسناده إلى إبراهيم الأصبهاني قال: كل من حفظ حديثًا فلم يذاكر به تفلت منه (3).
وإذا لم يجد الطالب من يذاكره أدام ذكر الحديث مع نفسه، وكرره على قلبه؛ حتى لا ينساه كما روى الخطيب عن شعبة أنه كان يفعل ذلك (4).
5 -
عدم الإكثار من تحمل الحديث:
قال الخطيب: ولا يأخذ الطالب نفسه بما لا يطيقه، بل يقتصر على اليسير الذي يضبطه ويحكم حفظه ويتقنه (5).
ثم روى عن ابن علية قال: كنت أسمع من أيوب خمسة، ولو حدثني بأكثر من ذلك ما أردت.
وروى عن سفيان قال: كنت آتي الأعمش ومنصورًا فأسمع أربعة أحاديث، خمسة، ثم أنصرف؛ كراهة أن تكثر وتفلت.
وقال شعبة: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين فيحدثني؛ ثم يقول أزيدك؟
(1) أخرجه الخطيب في «الجامع» 1/ 236 (464) وذكره الهيثمي في «المجمع» 1/ 161 وعزاه لأبي يعلى وقال: فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف.
(2)
أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» ص: 545، والخطيب في «الجامع» 1/ 237 (468).
(3)
«الجامع» 1/ 238 (472).
(4)
«الجامع» 1/ 238 - 239 (473).
(5)
«الجامع لأخلاق الراوي» 1/ 231.
فأقول: لا، حتى أحفظهما وأتقنهما (1).
وهكذا نرى أئمة الحديث لا يكثرون من تحمل الحديث؛ خشية أن يزاحم بعضه بعضًا، وهو وسيلة من الوسائل التي تساعد على التثبت من المحفوظ.
6 -
تقديم من عرف بسرعة الحفظ؛ حتى يكرره عليهم بعد ذهاب الشيخ.
قال الخطيب: وإذا كان في حفظ بعض الطلبة إبطاء، قدموا من عرفوه بسرعة الحفظ وجودته؛ حتى يحفظ لهم عن الراوي، ثم يعيد عليهم حتى يتقنوا حفظه عنه (2).
وهكذا نجد المحدثين قد اعتنوا بالتحمل ووضعوا له سنًّا معينة، وشروطًا لا بد منها؛ حتى يصح هذا التحمل، فإذا تحمل الراوي الحديث مراعيًا لهذه الشروط والآداب أصبح مهيئًا للأداء، وإليك الحديث عنه.
(1)«الجامع» 1/ 232.
(2)
الجامع 1/ 233.