المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع - روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» - جـ ١

[جمعة فتحي عبد الحليم]

فهرس الكتاب

- ‌حول ألفاظ عنوان الرسالة

- ‌1 - الاختلاف:

- ‌2 - الرواية:

- ‌3 - النسخة:

- ‌الاختلاف في تسمية «صحيح البخاري»

- ‌الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع

- ‌تمهيد

- ‌المحور الأول:وضع المحدثين ضوابط وآداب لتحمل الرواية(التحمل والأداء)

- ‌أولًا: التحمل

- ‌سن التحمل:

- ‌ السماع من لفظ الشيخ

- ‌القراءة على الشيخ أو العرض

- ‌ثانيًا: الأداء

- ‌1 - طرق الأداء:

- ‌2 - آداب الرواية (أي: الأداء):

- ‌3 - حالات الإمساك عن الأداء:

- ‌4 - شروط الأداء:

- ‌المحور الثاني:وضع المحدثين ضوابط لضبط الكتاب وتقييده والحفاظ عليه

- ‌كتابة الحديث وكيفية ضبطه

- ‌ في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده:

- ‌الباب الأول«طبقات الرُّواة»

- ‌تمهيد

- ‌الفَصْل الأول«طبقات الرُّواة عن البُخارِيّ»

- ‌المبحث الأولرواية إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي (295) ه

- ‌المبحث الثانيرواية حماد بن شاكر النَّسفي (311) ه

- ‌المبحث الثالثرِواية أبي عبد الله الفَرَبْريّ (231 - 320) ه

- ‌المبحث الرابعباقي الرُّواة عن البُخارِيّ

- ‌رواية أبي طلحة البّزدوي (329) ه

- ‌رِواية أبي عبد الله المحاملي (330) ه

- ‌الفَصْل الثاني«الرُّواة عن الفَرَبْريّ»

- ‌المبحث الأولرِواية أبي علي بن السَّكن (294 - 353) ه

- ‌المبحث الثانيرِواية أبي زيد المَرْوَزيّ (371) ه

- ‌المبحث الثالثرِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) ه

- ‌المبحث الرابعرِواية أبي محمد الحَمُّوييّ (381) ه

- ‌المبحث الخامسرِواية أبى الهيثم الكُشْمِيهَني (389) ه

- ‌المبحث السادسباقي الروايات عن الفربري

- ‌ رِواية حفيد الفَرَبْريّ (371) ه

- ‌ رِواية أبي أحمد الجرجاني (373) ه

- ‌ رِواية ابن شَبُّويه (378) ه

- ‌ رِواية النُّعَيميّ (386) ه

- ‌ رِواية الإشتيخني (381) ه

- ‌ رِواية أبي علي الكُشّانيّ (391) ه

- ‌ رِواية الأَخْسِيكَتي (346) ه

- ‌ رِواية محمد بن خالد الفَرَبْريّ

- ‌ رواية أبي لقمان يحيى بن عمار الختلاني

- ‌الفَصْل الثالث«أشهر الروايات بين العلماء حتى القرن السادس الهجري»

- ‌المبحث الأولرِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) ه

- ‌المطلب الأولترجمة أبي ذر الهَرَويّ

- ‌المطلب الثانيرِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) ه

- ‌المطلب الثالثالنسخ الموجودة من رِواية أبي ذر الهَرَويّ

- ‌المبحث الثانيرِواية الأَصِيلي (392) ه

- ‌المبحث الثالثرِواية أبي الوَقْت (553) ه

- ‌المبحث الرابعرِواية كريمة المَرْوَزيّة (463) ه

- ‌خاتمة الباب الأول

- ‌الباب الثاني«الاختلاف بين الروايات»

- ‌الفصل الأول:صور الاختلافات

- ‌أولًا: السياق العام للكتاب

- ‌ثانيًا: اختلافات في أسانيد الأحاديث وهي أنواع:

- ‌ثالثًا: الاختلافات الواردة في متون الأحاديث: وهي أنواع:

- ‌رابعًا: الاختلافات الواقعة في الأبواب والتراجم والمعلقات:

الفصل: ‌الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع

شيئا من المراسيل والمنقطعات والبلاغات، اللهم إلا ما يكون في غير الأصل، كالتعليقات والتراجم وغير ذلك.

وهو مختصر؛ لأنه لم يستوعب فيه كل ما صح عنده من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل اقتصر فيه على مقدار يسير جدًا مما كان يحفظه من صحاح الحديث، فقد صرح في بعض أقواله أنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح، وهو لم يقتصر على هذا القدر الموضوع في الكتاب إلا حرصًا على الاختصار لئلا يطول الكتاب كما قال البخاري رحمه الله تعالى: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح حتى لا يطول.

هذه هي الصفات الأربع التي تميز بها كتاب البخاري، وهي مستمدة كما ترى من عنوانه الذي وضعه له، مع ملاحظة أن وصف الصحة في الأحاديث التي أوردها في الكتاب هو أعلى هذه الصفات، وهي التي جعلت البخاري وكتابه يتبوآن مكانة عالية على مرِّ الزمان.

وهناك أمر آخر تجدر الإشارة إليه وهو تعبير الإمام البخاري في تسميته بقوله: أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، فهذا التعبير جعل به البخاري رحمه الله رسول الله صلى الله عليه وسلم محور كتابه، حيث اشتمل على ما يتعلق بأمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاته التي قد يكون منها خاصًا به صلى الله عليه وسلم، ليلمح بذلك إلى أن ما يتعلق بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل في نطاق عناية المحدثين واهتمامهم بكل ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو أقر به، أو حتى كان ذلك صفة خُلُقية، أو خَلقية فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.

‌الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع

من الدراسات القديمة التي تناولت الاختلاف بين الروايات وتوجيهها غير الشروح لـ «صحيح البخاري» كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» للحافظ أبي علي الحسين بن محمد الغساني (498) هـ حيث تناول في قسم من

ص: 50

الكتاب الاختلافات الواقعة بين الرُّواة، وذلك في أسانيد «الصحيح» فقط دون متونه، حتى جاء بعده القاضي عياض (544) هـ فألف كتابه «مشارق الأنوار» وتناول فيه الاختلافات الواقعة في الأسانيد والمتون التي وقعت من قبل الرُّواة، ووجهها ورجح بينها، ثم ابن قرقول (569) هـ في كتابه «مطالع الأنوار على صحاح الآثار» حيث استدرك على القاضي عياض بعض ما فاته، وله عليه بعض التعقبات (1).

وقد اختصر القسم الخاص بالاختلافات في الرُّواة في «صحيح البخاري» من كتاب «تقييد المهمل» الحافظ يوسف بن عبد الهادي الحنبلي المتوفى سنة (909) هـ وهو بعنوان: «الاختلاف بين رواة البخاري عن الفربري وروايات عن إبراهيم بن معقل النَّسفي» (2).

ومما كتب عن روايات الجامع الصحيح، مع الاهتمام باستيعابها ما كتبه العلامة محمد بن يحيى الكاندهلوي حيث كتب مقدمة للإفادات التي جمعها عن الشيخ الإمام رشيد بن أحمد الجنجوهي (1323) هـ على «صحيح البخاري» مع زيادات من عنده حتى صار شرحا كبيرًا وسماه:«لامع الدراري على جامع البخاري» (3)

إضافة إلى ذلك فقد وقفت على بعض الأبحاث المعاصرة التي تناولت بعض مباحث هذه الرسالة:

أولها: بحث بعنوان: (روايات ونسخ الجامع الصحيح) .. دراسة وتحليل للدكتور / محمد بن عبد الكريم بن عبيد أستاذ السنة النبوية وعلومها المشارك

(1) وسيأتي الحديث عن هذه الكتب تفصيلًا.

(2)

وهو مطبوع في مجلد نشرته دار الوطن بالرياض سنة (1420) هـ بتحقيق صلاح فتحي هلل. وعندي مصورة من مخطوط هذا الكتاب من دار الكتب المصرية في حوالي 56 لوحة.

(3)

وهو مطبوع في عشرة مجلدات نشرته المكتبة الإمدادية بمكة المكرمة.

ص: 51

بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهو بحث في حدود سبعين صفحة، تناول فيه الموضوع من خلال ثلاثة أبواب: الباب الأول: تكلم فيه عن الإمام البخاري وعن «الصحيح» . والباب الثاني تحدث فيه عن روايات «الجامع الصحيح» وذلك من خلال التعريف بأهم هذه الروايات باختصار شديد، ثم تحدث عن أشهر طبعات «صحيح البخاري» ونسخه المخطوطة.

والباب الثالث فهو للحديث عن الاختلافات من خلال أنواع هذه الاختلافات ثم ذكر النقول عن الإمامين أبي علي الجياني وابن حجر رحمهما الله تعالى. وهو في حقيقة الأمر وإن كان لم يتناول الموضوع بعمق، ومحاولة الاستقراء، وتتبع الروايات إلا أنه يعتبر ألقى ضوءًا على الموضوع بما لم يسبق إليه أحد من المعاصرين، فجزاه الله خيرًا.

والبحث الثاني: بحث للدكتور / نزار عبد القادر الريان رحمه الله أستاذ الحديث المشارك بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة فلسطين، وهو بعنوان:(الإمام اليونيني وجهوده في حفظ «صحيح البخاري» وتحقيق رواياته).

وهو بحث مستلٌّ من المجلة من المجلد العاشر العدد الأول من ص: 223 - 260 لسنة 2002 (1). وهو في حدود 37 صفحة، وتناول فيه الموضوع في أربعة مطالب: الأول عن الإمام اليونيني وأسرته العلمية، والمطلب الثاني عن تصنيف البخاري لكتابه «الصحيح» ، والمطلب الثالث لرواة «صحيح البخاري» ونسخه التي اعتمدها اليونيني، والمطلب الرابع في نهوض اليونيني لـ «صحيح البخاري» دراسة وجمعًا للروايات، وتدريسًا ومقارنة بين الروايات.

(1) وقد حصلت على هذه المستلة من الأستاذ الدكتور / مصطفى أبو عمارة حيث كان عضوًا محكمًا لهذا البحث.

ص: 52

وهي دراسة وإن كان صغيرة إلا أنها مركزة في بابها، غير أنها تحتاج إلى تبسيط وتدعيم بالنماذج التطبيقية، فجزاه الله خيرًا، وأدخله فسيح جناته.

البحث الثالث: بحث بعنوان: (صحيح البخاري في الدراسات المغربية من خلال رواته الأولين ورواياته وأصوله) تأليف الأستاذ / محمد المنوني أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب ودار الحديث الحسنية بالمغرب. وهو بحث منشور في مجلة دعوة الحق العدد الأول من السنة السابعة عشر مارس سنة 1975 م وهو في حدود أربعين صفحة.

وقد تناول «صحيح البخاري» ورواية المغاربة له، وذلك من خلال راويين فقط هما: إبراهيم بن معقل النَّسفي، ومحمد بن يوسف الفربري ثم تطرق للرواة عنهما تفصيلًا، وأشهر الروايات عنهما، وأماكن وجود هذه النسخ، وهو بحث قيم استفدت منه كثيرًا في المبحث الخاص بعناية المغاربة بـ «صحيح البخاري» .

البحث الرابع: بحث بعنوان: (صحيح البخاري بخط الحافظ الصدفي) تأليف الدكتور / عبد الهادي التازي، وهو منشور في مجلة معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وقد نشر في المجلد التاسع عشر الجزء الأول الصادر في ربيع الآخر سنة 1393 هـ الموافق شهر مايو 1973 م، وهو يشمل الصفحات من ص: 21 حتى ص: 52 أي: حوالي ثلاثين صفحة.

وقد خصصه للحديث عن إحدى مخطوطات نسخة أبي علي الصدفي وسيأتي الحديث تفصيلًا عن هذه النسخة.

البحث الخامس: بحث بعنوان: (التنويه والإشادة بمقام رواية ابن سعادة) للشيخ عبد الحي الكتاني مخطوط، وهو مقدمة وضعها المؤلف لبيان فضل رواية ابن سعادة (522) هـ التي رواها عن صهره وشيخه أبي علي الصدفي (514) هـ عن أبي الوليد الباجي (474) هـ عن أبي ذر الهروي (434) هـ عن

ص: 53

شيوخه الثلاثة عن الفربري، كما سيأتي الحديث تفصيلًا عن هذه النسخة.

وهذه المقدمة وضعها الشيخ عبد الحي الكتاني كمقدمة للمجلد الأول الموافق للخمس الثاني من أصل «الصحيح» وقد نَشَرَ هذا الخمس بالتصوير الشمسي كمخطوط الأستاذ ليفي بروفنسال (1) مدير معهد الرباط، وذلك في باريس سنة 1347 هـ - 1928 م، وعندي مصورة لهذه المقدمة وهذا الخمس من نسخة ابن سعادة، وهذه المقدمة في حدود 33 لوحة وهي بخط أندلسي.

كما توجد بعض المقالات التي تناولت النسخة اليونينية مثل مقالة الشيخ أحمد شاكر وهي بعنوان: (النسخة اليونينية من صحيح البخاري) وقد وضعتها دار الجيل في مقدمة الطبعة التي طبعوها من النسخة السلطانية، وسيأتي الحديث عن هذه المقالة في مبحث النسخة اليونينية.

ومنها مقدمة الدكتور / محمد زهير بن ناصر لطبعة «صحيح البخاري» لدار طوق النجاة وغير ذلك.

ووجدت في مجال التعريف ببعض الرُّواة كثيرًا من كتب الفهارس والبرامج ومعاجم الشيوخ والمشيخات، حيث تناولوا التعريف ببعض الرُّواة، وذكر الروايات المختلفة ورواة النسخ المشهورة عن البخاري، وبيان طرق هذه النسخ إلى مؤلفي هذه الكتب.

كما اعتنت كتب التراجم والجرح والتعديل وتواريخ الرجال وكتب الطبقات المختلفة بالحديث عن رواة البخاري.

وقد أُفرد الرُّواة بالتصنيف فقد صنف الإمام أبو بكر محمد بن عبد الغني

(1) ليفي بروفنسال Levi - Provencal ولد في الجزائر، وحصل على درجة الليسانس من كلية الآداب بالجزائر، وعمل في معهد الدراسات العليا المغربية في الرباط، وعمل أستاذًا للعربية والحضارة الإسلامية في جامعة باريس، وفي كلية الآداب بالجزائر. ودعي للعمل أستاذًا زائرًا في جامعة القاهرة ومن أبرز اهتماماته تاريخ الأندلس.

ص: 54

البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة (629) هـ كتابه «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» وألف الإمام محب الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد الفهري السبتي الأندلسي (721) هـ كتاب «إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح» كتبه ابن رشيد وترجم فيه لسلسلة رواة «صحيح البخاري» منه إليه وجعل كتابه سبع حلقات أو قرائن، هي الطبقات بينه وبين البخاري، مقتصرًا في كل طبقة على واحد أو أكثر الذين بهم يتصل إسناده، ويستقيم طريق روايته، وهو طريق أبي ذر الهروي وغير ذلك.

والكتاب مطبوع طبعته الدار التونسية للنشر بتحقيق الشيخ الدكتور / محمد الحبيب ابن الخوجة.

ومن الملاحظ على كل هذه الدراسات التي كتبت باللغة العربية أنها أبحاث صغيرة، كل منها يختص بأحد مباحث هذه الرسالة.

ومما يثير العجب والدهشة أن المستشرقين مع قلة إنتاجهم الفكري بما يتعلق بالدراسات الإسلامية (1)،

إلا أن موضوع روايات صحيح البخاري كان

(1) مما تجدر الإشارة إليه أن المستشرقين كانت لهم عناية بالدراسات الشرقية عمومًا، والعربية خصوصًا، ومن مظاهر عنايتهم بالدراسات العربية والإسلامية محاولتهم اقتناء كثير من المخطوطات العربية.

ولاشك أن أهم هذه المجموعات على الإطلاق - كما قَال د / أيمن فؤاد سيد - هي مجموعة المخطوطات الموجودة في مكتبات إستانبول والأناضول والتي يقدر عددها بنحو (250) ألف مخطوط عربي، وكذلك المخطوطات العربية الموجودة في إيران.

أما مجموعات المخطوطات العربية الموجودة في أوربا فأهمها المجموعات الموجودة في باريس وبرلين ولندن وليدن ومدريد وروما ودبلن وسان بطرسبرج، وتتركز أهم مجموعات المخطوطات العربية في الولايات المتحدة الأمريكية في برنستون وييل، كما تشتمل مكتبات الهند والدول الإسلامية التي تكون الكومنولث الروسي على مجموعة هامة من المخطوطات العربية والإسلامية.

وفي تركيا تتكون مكتبات استانبول وحدها من نحو 150 خزانة وقفية، موزعة الآن على نحو 16 مكتبة جمع القسم الأكبر منها مؤخرًا في المكتبة السليمانية، ولم يبق خارجها إلا المجموعات المحفوظة في متحف طوبقبوسراي، ومكتبة كوبريلي، وغير ذلك.

ويوضح سبب كثرة المخطوطات في استانبول إجابة العالم التركي الراحل خوجا شرف الدين عندما سأله صديقه المستشرق الألماني هلموت ريتر عندما قَال له: كيف استطعتم أن تجمعوا كل هذه الكتب؟

أجابه بكلمة واحدة: «بالسيف» وأضاف ريتر: وفي الحقيقة فإن قسمًا كبيرًا من هذه الكنوز كان أسلابًا وغنيمةً، فقد ورث العثمانيون الدول الإسلامية السابقة عليهم، واعتبروا أنفسهم حكام العالم الإسلامي بعد انتقال الخلافة إليهم فكان من الطبيعي أن ينقلوا إلى عاصمتهم - عاصمة الخلافة - بين ما نقلوه من البلاد التي وقعت تحت سيطرتهم الإنتاج الفكري المتمثل في المخطوطات العربية.

أما في أوربا فيرجع تكوين المخطوطات الشرقية عمومًا، والمخطوطات العربية خصوصًا إلى فترة الحروب الصليبية، ولكن البداية الحقيقية ترجع إلى القرن السادس عشر الميلادي عندما بدأ اتصال فرنسا بالمخطوطات العربية، غير أنها لم تتعد في هذه الفترة أصابع اليدين، ثم ارتفع عدد المخطوطات في فرنسا في عام 1668 م ليبلغ 468 مخطوطة، ثم ارتفع في فترة حكم لويس الرابع عشر إلى أكثر من 1800 مخطوطة، ثم ارتفع عقب الحملة الفرنسية (1798 - 1801 م) ليصل عدد المخطوطات إلى أكثر من خمسة آلاف مخطوطة عربية وازداد شيئًا فشيئًا حتى وصل العدد في سنة 1993 (7200) سبعة آلاف ومائتي مخطوطة.

أما أسبانيا فتتمثل أكبر مجموعة في مكتبة دير الإسكوريال في ضواحي مدريد التي أقامها ملك أسبانيا فيليب الثاني سنة 1576 م تخليدًا لذكرى انتصاره على الفرنسيين عام 1557 م.

ومقتنيات هذه المكتبة كثيرة جدًا، حيث جمع فيها ما تركه المسلمون في بلاد الأندلس بعد الاستيلاء عليها. كما ضم إليها في عهد الملك فيليب الثالث عام 1612 م خزانة مولاي زيدان السعدي ملك مراكش التي كان ينقلها في سفينة أثناء صراعه مع إخوته، واختطفها القراصنة الأسبان في عرض البحر، ظنًا منهم أن هذه الصناديق تحتوي على ذهب، وأهدوها إلى ملك أسبانيا، وكانت تضم نحو خمسة آلاف مخطوط عربي، باءت جميع محاولات استعادتها بالفشل، كما أن بابا الفاتيكان أمر بأن لا يخرج من هذه الخزانة أي كتاب خارج نطاق الدير.

أما الألمان فقد تركزت مجموعات المخطوطات لديهم في مكتبة برلين، وهي كثيرة جدًا، حتى إن المستشرق هانس روبرت رويمر عمل إحصاء وفهرسة شاملة لجميع المخطوطات الشرقية الموجودة في ألمانيا، وذلك في سنة 1955 م، وتبين من المسح الأولي لهذه المكتبات أن هناك ما يقرب من 14 ألف مخطوط شرقي غير مفهرس.

أما في بريطانيا فتركز أهم المخطوطات في المكتبة البريطانية (المتحف البريطاني سابقًا)(10600مخطوط) ومكتبة جامعة كمبردج (1910 مخطوط) ومكتبة البودليانا بإكسفورد (2350 مخطوطًا).

ومن أهم المكتبات الغنية بالمخطوطات النفيسة في أوربا مكتبة شيستربتي، الموجودة الآن في دبلن بأيرلندا، وهذه المكتبة جُمعت بعناية فائقة، جمعها السير ألفريد شيستربتي أحد هواة جمع المخطوطات الشرقية في القرن العشرين الذي نجح في جمع (3510) مخطوطة شرقية نادرة، وكانت هذه المجموعة أغلبها من مصر والشام واليمن، وكانت سنة 1930 م في بارودا هاوس بلندن، وعُدَّت في ذلك الوقت واحدة من أشهر مجموعات المخطوطات العربية في العالم، ثم نقلت إلى دبلن بأيرلندا سنة 1950 م، ووقف لها هناك مبنى خاصًا بها.

وتحتفظ مكتبة شيستربتي أيضًا بأرشيف ضخم للمراسلات التي دارت بينه وبين تجار الكتب، الذين زودوه بهذه المخطوطات، كما تحتفظ بمعلومات عن مخطوطات أخرى، لم تصل إليه ولا يعلم مصيرها الآن.

باختصار وتصرف من كتاب: «الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات» لمؤلفه د / أيمن فؤاد سيد من ص: 507 - 520.

ص: 55

محط اهتمامهم، حيث كتب فيه غير واحد من المستشرقين، مما يدل على أن الموضوع مطروح بقوة، وذلك لأنه يتعلق بتاريخ أصح كتاب عندنا نحن المسلمين بعد كتاب الله تعالى.

ومن هذه الدراسات على سبيل المثال:

1 -

كتب المستشرق يوهان فك (1) عن تاريخ رواية «صحيح البخاري» .

(1) هو مستشرق ألماني له: كتاب: «تاريخ حركة الاستشراق» ، ترجمة عمر لطفي العالم. دمشق، دار قتيبة، نشر سنة: 1417 - 1996.

وله كتاب «العربية» ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار، طبع دار الكتاب العربي.

ص: 57

2 -

كتب ابن أبي شنب (1) عن الرواية التي اشتهرت لـ «صحيح البخاري» في الجزائر.

3 -

كتب المستشرق منجانا (2)، عن أقدم مخطوط يعرف حتى الآن لـ «صحيح البخاري» وهو من رواية أبي زيد المروزي (371) هـ عن الفربري والمخطوط عبارة عن قطعة من «الصحيح» تبدأ بكتاب الزكاة وتنتهي بكتاب الحج.

وكتب منجانا دراسة حول هذه الرواية باللغة الإنجليزية، ونشرت هذه الدراسة عام 1936 م في كامبردج وساعده في بعضها المستشرق مرجليوث (3).

4 -

كما كتب الأستاذ / فؤاد سزكين عن رواية «صحيح البخاري» في كتابه «مصادر البخاري في الصحيح» ، وهو بحث نشر وكتب باللغة التركية،

(1) هو محمد بن العربي ابن أبي شنب 1869 - 1929 م ولد في مدينة المدية، وهي بلدة مشهورة من أعمال الجزائر، له كثير من المؤلفات والتحقيقات.

تنظر ترجمته في «الأعلام» 6/ 266 وفي كتاب: «محمد بن أبي شنب وآثاره» للشيخ عبد الرحمن الجيلالي، طبع المؤسسة الوطنية للكتاب ـ الجزائر 1983 م

(2)

أستاذ اللغة العربية في جامعة مانشستر بلندن، ويوجد فهرس لمجموعته، وتوجد المخطوطات العربية في المجلد الرابع منه. ومجموعته الآن محفوظة في مكتبة سيلي أوك - برمنجهام / بريطانيا

وينظر: «مجموعات المخطوطات العربية» لسزكين ص: 72، و «فهارس المخطوطات العربية» لعواد 2/ 267.

(3)

هو ديفيد صموئيل مرجليوث (1858 - 1940 م) David Samuel Margoliouth مستشرق إنجليزي شهير، أستاذ اللغة العربية في جامعة أكسفورد منذ سنة 1889 م، له من المؤلفات العربية: آثار عربية شعرية نشر بلندن - ليبسيك 1887 م.

وعنى بنشر «معجم الادباء» لياقوت الحموي في 7 مجلدات، وكتاب «الانساب» للسمعاني، و «رسائل أبي العلاء المعري» مع ترجمتها إلى اللغة الانكليزية ..

ص: 58

وقد سبق نقل جزء من ملخص هذه الدراسة.

5 -

وكتب المستشرق ليفي بروفنسال (1894 - 1956 م) مدير معهد الرباط عن الرواية المغربية لـ «صحيح البخاري» والمعروفة بنسخة ابن سعادة (521) هـ، ونشرت هذه الدراسة باللغة الفرنسية مع مقدمة الشيخ عبد الحي الكتاني لهذه النسخة، وصور الخمس الثاني من هذه النسخة بالتصوير الشمسي وسبق الحديث عنها قريبًا.

ص: 59