المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثانيرواية أبي ذر الهروي (434) ه - روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» - جـ ١

[جمعة فتحي عبد الحليم]

فهرس الكتاب

- ‌حول ألفاظ عنوان الرسالة

- ‌1 - الاختلاف:

- ‌2 - الرواية:

- ‌3 - النسخة:

- ‌الاختلاف في تسمية «صحيح البخاري»

- ‌الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع

- ‌تمهيد

- ‌المحور الأول:وضع المحدثين ضوابط وآداب لتحمل الرواية(التحمل والأداء)

- ‌أولًا: التحمل

- ‌سن التحمل:

- ‌ السماع من لفظ الشيخ

- ‌القراءة على الشيخ أو العرض

- ‌ثانيًا: الأداء

- ‌1 - طرق الأداء:

- ‌2 - آداب الرواية (أي: الأداء):

- ‌3 - حالات الإمساك عن الأداء:

- ‌4 - شروط الأداء:

- ‌المحور الثاني:وضع المحدثين ضوابط لضبط الكتاب وتقييده والحفاظ عليه

- ‌كتابة الحديث وكيفية ضبطه

- ‌ في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده:

- ‌الباب الأول«طبقات الرُّواة»

- ‌تمهيد

- ‌الفَصْل الأول«طبقات الرُّواة عن البُخارِيّ»

- ‌المبحث الأولرواية إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي (295) ه

- ‌المبحث الثانيرواية حماد بن شاكر النَّسفي (311) ه

- ‌المبحث الثالثرِواية أبي عبد الله الفَرَبْريّ (231 - 320) ه

- ‌المبحث الرابعباقي الرُّواة عن البُخارِيّ

- ‌رواية أبي طلحة البّزدوي (329) ه

- ‌رِواية أبي عبد الله المحاملي (330) ه

- ‌الفَصْل الثاني«الرُّواة عن الفَرَبْريّ»

- ‌المبحث الأولرِواية أبي علي بن السَّكن (294 - 353) ه

- ‌المبحث الثانيرِواية أبي زيد المَرْوَزيّ (371) ه

- ‌المبحث الثالثرِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) ه

- ‌المبحث الرابعرِواية أبي محمد الحَمُّوييّ (381) ه

- ‌المبحث الخامسرِواية أبى الهيثم الكُشْمِيهَني (389) ه

- ‌المبحث السادسباقي الروايات عن الفربري

- ‌ رِواية حفيد الفَرَبْريّ (371) ه

- ‌ رِواية أبي أحمد الجرجاني (373) ه

- ‌ رِواية ابن شَبُّويه (378) ه

- ‌ رِواية النُّعَيميّ (386) ه

- ‌ رِواية الإشتيخني (381) ه

- ‌ رِواية أبي علي الكُشّانيّ (391) ه

- ‌ رِواية الأَخْسِيكَتي (346) ه

- ‌ رِواية محمد بن خالد الفَرَبْريّ

- ‌ رواية أبي لقمان يحيى بن عمار الختلاني

- ‌الفَصْل الثالث«أشهر الروايات بين العلماء حتى القرن السادس الهجري»

- ‌المبحث الأولرِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) ه

- ‌المطلب الأولترجمة أبي ذر الهَرَويّ

- ‌المطلب الثانيرِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) ه

- ‌المطلب الثالثالنسخ الموجودة من رِواية أبي ذر الهَرَويّ

- ‌المبحث الثانيرِواية الأَصِيلي (392) ه

- ‌المبحث الثالثرِواية أبي الوَقْت (553) ه

- ‌المبحث الرابعرِواية كريمة المَرْوَزيّة (463) ه

- ‌خاتمة الباب الأول

- ‌الباب الثاني«الاختلاف بين الروايات»

- ‌الفصل الأول:صور الاختلافات

- ‌أولًا: السياق العام للكتاب

- ‌ثانيًا: اختلافات في أسانيد الأحاديث وهي أنواع:

- ‌ثالثًا: الاختلافات الواردة في متون الأحاديث: وهي أنواع:

- ‌رابعًا: الاختلافات الواقعة في الأبواب والتراجم والمعلقات:

الفصل: ‌المطلب الثانيرواية أبي ذر الهروي (434) ه

‌المطلب الثاني

رِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) ه

ـ

سبق أن ذكرت في طبقة الرُّواة عن الفَرَبْريّ أبا إسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) هـ وأبا محمد السَّرْخَسي الحَمُّوييّ (381) هـ وأبا الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ وكل راوٍ من هؤلاء الثلاثة اشتهر بروايته لـ «صحيح البُخارِيّ» .

ورِواية أبي ذر الهَرَويّ عن هؤلاء الثلاثة - المُسْتَمْلِيّ، والحَمُّوييّ، والكُشْمِيهَني - تعد أشهر رِوايات «الصحيح» على الإطلاق.

فقد اشتهرت وذاع صيتها في حياته وبعد وفاته، وإلى يومنا هذا لا تزال نسخته يستفيد منها القاصي والداني، وإليك تاريخ هذه النسخة وأشهر الرُّواة لها.

سماع أبي ذر لـ «الصحيح» :

سمع أبو ذر الهَرَويّ «الصحيح» أول ما سمع من الحَمُّوييّ (381) هـ، وكان ذلك بهراة في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، أي: بعد ولادته بسبعة عشر عامًا.

قال ابن رشيد: وسمع وقرأ على المُسْتَمْلِيّ (376) هـ ببلخ سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وبإسنادنا إلى أبي ذر قال: وسمعت منه، ورحلت إليه سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ببلخ، ووجدت بعدُ عن أبي ذر أنه قال: سمعنا من أبي إسحاق في شهور من سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وقد فرغنا من سماعه عليه يوم السبت لست خلون من المحرم من سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.

وسمع وقرأ على الكُشْمِيهَني بكشميهن سنة تسع وثمانين وثلاثمائة في محرم (1).

(1)«إفادة النصيح» ص: 42، وينظر «الفهرسة» لابن خير الإشبيلي ص:94.

ص: 337

فتبين بذلك أن أبا ذر قد أتم سماعه على الشيوخ الثلاثة سنة تسع وثمانين وثلاثمائة. أي: قبل وفاته بخمس وأربعين سنة.

ويذكر لنا الذَّهَبِيّ في «سير أعلام النبلاء» (1) عن أبي على الغساني ما يدل على أن أبا ذر كان يسكن بالسراة أو بسروات - وهي جبال عند تهامة، ومنها سراة بني شبابة التي سكنها أبو ذر - ويتردد بين سكناه وبين المسجد الحرام بمكة.

منهج أبي ذر في رسم كتابه

يعد أبو ذر الهَرَويّ أول من حاول جمع ثلاثة روايات في نص واحد؛ لكي يبتكر منهجًا فريدًا من نوعه، سبق به كل من جاء بعده، حتى عصرنا الحاضر.

سمع أبو ذر أول ما سمع «الصحيح» من شيخه الحَمُّوييّ سنة ثلاث وسبعين، ثم سمع من المُسْتَمْلِيّ ببلخ سنة أربع وسبعين - أي: بينهما عام واحد - ثم سمع بعد ذلك من الكُشْمِيهَني سنة تسع وثمانين، أي: بعد ستة عشر عامًا من السماع من الأول، وخمسة عشر عامًا من الثاني.

ولذلك نجد أن أبا ذر قد جعل سواد الكتاب على روايتَي أبي إسحاق والحَمُّوييّ.

قال ابن رشيد الفهري في «إفادة النصيح» (2): قرأت بخط أبي بكر بن خير - وأنا به جد خبير - مما نقله من خط الشيخ الراوية عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور رحمه الله:

أبو ذر عن أشياخه الثلاثة: أبي محمد الحَمُّوييّ، وأبي إسحاق

(1) 17/ 560 - 561.

(2)

«الإفادة» ص: 45.

ص: 338

المُسْتَمْلِيّ، وأبي الهيثم الكُشْمِيهَني، غير أن سواد الكتاب على روايته عن أبي محمد وأبي إسحاق، فإذا انفرد أحدهما أو اختلفا في شيء، فعلامة الحَمُّوييّ:(حآ) وعلامة أبي إسحاق الهمزة والسين، فإذا اتفقا وخالفهما أبو الهيثم جعل:(صح) على موضع الخلاف، وكتب رِواية أبي الهيثم في الحاشية، وعلامته (ها)، وكذلك علامته فيما ينفرد به. اهـ.

ويتبين من ذلك أن أبا ذر قد استخدم الرموز في الدلالة على أصحاب هذه الروايات، وبالتأمل نجد أنه استخدم رموزًا تحمل في طياتها الدلالة على هذه الروايات، فقد استخدم في كتابه هذا أربعة رموز وهي:

رمز: (حآ) للدلالة على رِواية أبي محمد السَّرْخَسي الحَمُّوييّ.

رمز: (أس) للدلالة على رِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ.

رمز: (ها) للدلالة على رِواية أبي الهيثم الكُشْمِيهَني.

رمز: (صح) للدلالة على صحة الكلمة أو الرِّوَاية عند المرموز له أو الكلمة.

وبالتأمل في هذه الرموز يظهر منها عدة ملاحظات:

1 -

أن كل رمز من هذه الرموز يتألف من حرفين.

2 -

أن هذه الحروف مستمدة من أسماء أصحابها فرمز حآ من الحَمُّوييّ، واختاره؛ لأنه أول حرف في كنيته التي اشتهر بها، ولأنها لا تلتبس بغيرها من ألقاب باقي الرُّواة، واختار أول حرفين من كنية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ، واختار للدلالة على الكُشْمِيهَني حرف الهاء؛ لأنه تميز به عن سائر الرُّواة.

فاختياره لهذه الرموز معبر ومستمد من أسماء هؤلاء الرُّواة.

3 -

يلاحظ أن هذه الرموز قد استخدمها من جاء بعد أبي ذر للدلالة على نفس الروايات مع تغيير طفيف، حيث غير اليُونِينِيّ مثلا رمز أبي

ص: 339

إسحاق المُسْتَمْلِيّ من (اس) عند أبي ذر إلى (سه) ورمز أبي الهيثم الكُشْمِيهَني إلى (هه) بدلا من (ها) ورمز أبي محمد الحَمُّوييّ إلى (حه) بدلًا من (حآ) وأبقى رمز (صح) كما هو، وزاد على هذه الرموز رموزًا أخرى، كما فصلته في الحديث عن رِواية اليُونِينِيّ.

ص: 340

الرُّواة عن أبي ذر الهَرَويّ

لقد رحل إلى أبي ذر العلماءُ من شتى بقاع الأرض، وخاصةً في موسم الحج؛ ليسمعوا منه «صحيح البُخارِيّ» بروايته عن شيوخه، كما كان أيضًا يحدث به في كل رحلاته كما سيأتي.

وقد تتبعت كثيرًا من المصادر وكتب التراجم ووقفت على رواة كثيرين عنه فآثرت - إتمامًا للفائدة من هذا البحث - أن أذكر من وقفت عليهم مع ذكر الإحالات التي تدل على هذا السماع من أبي ذر، حتى إذا انتهى ذلك ذكرت أشهر الروايات وبسطت فيها القول، فأقول وبالله التوفيق.

الرُّواة عن أبي ذر الهَرَويّ:

1 -

أحمد بن عمر بن أنس العذري (478) هـ وسيأتي في أشهر الرُّواة.

2 -

أبو القاسم أصبغ بن راشد بن أصبغ اللخمي الإشبيلي المتوفى قريبًا من عام 440 هـ: رحل وسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وتفقه عليه، وسمع من أبي الحسن القابسي (1).

وقد جاء سماعه من أبي ذر في رحلة ابن رشيد (2) حيث يذكر ابن رشيد حصوله على نسخة عتيقة من «الصحيح» ، بخط أصبغ بن راشد اللخمي، كتبه بمكة المكرمة، وسمع فيه على أبي ذر، وقد صار هذا الأصل - كما يقول ابن رشيد - للإمام المقرئ العالم أبي الحسن علي بن عبد الله بن النعمة رحمه الله، واعتنى به عناية جيدة، ثم صار هذا الأصل إليَّ في أصله والحمد لله. اهـ نقلا من رحلة ابن رشيد.

(1)«الصلة» لابن بشكوال 1/ 109، «تاريخ الإسلام» للذهبي 29/ 501.

(2)

نقلًا عن مقال: «صحيح البخاري ..» للدكتور المنوني ص: 131.

ص: 342

3 -

بكار بن برهون بن عيسى التغلبي الفاسي المعروف بابن الغرديس السجلماسي كان موجودًا حتى عام 492 هـ.

يقول عنه ابن الأبار في «المعجم» أثناء ترجمة أبى القاسم بن أبي الورد (1): وكان قد حج قديما وسمع «صحيح البُخارِيّ» من أبي ذر الهَرَويّ، وعمر طويلًا حتى انفرد بروايته، يقال: إنه بلغ المائة أو أربى عليها، وبيته شهير بمدينة فاس ونزل هو سجلماسة. اهـ ويقول الإمام المنجور (995) (2) عن ابن الغرديس: عمر طويلًا نحو مائة سنة، وسمع في رحلته من أبي ذر الهَرَويّ، فقصده للرِّواية كثير، كأبي القاسم بن ورد، وغيره (3).

4 -

أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الإمام التجيبي الباجي 474 هـ وسيأتي في أشهر الرُّواة.

5 -

أبو القاسم عبد الجليل بن أبي سعيد مخلوف الجذامي (459) هـ، هكذا ذكر في أول ورقة من أصل ابن الحطيئة من «الصحيح» الآتي ذكره في الأصول التي اعتمد عليها اليونيني (4).

ترجم له الذَّهَبِيّ في «تاريخ الإسلام» فقال: عبد الجليل بن مخلوف الإمام أبو محمد المالكي، أفتى بمصر ودرس أربعين سنة، روى السِّلفي وفاته في هذه السنة عن شخص فاضل رآه قال: وصلى عليه رفيقه الفقيه

(1)(17) ص: 22.

(2)

هو أحمد بن علي بن عبد الرحمن، أبو العباس المنجور، فقيه مغربي، له علم بالأدب، أصله من مكناسة، وسكناه ووفاته بفاس، من كتبه «شرح المنهج المنتخب» في فقه المالكية، يعرف بشرح المنجور، و «مراقي المجد لآيات العد» . ينظر ترجمته في «الأعلام» 1/ 180.

(3)

وينظر «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» للمنوني ص: 127.

(4)

ينظر مقال الدكتور المنوني ص: 141.

ص: 343

عبد الحق بن محمد بن هارون السبتي (1). اهـ.

6 -

علي بن سليمان النقاشي ولم أقف له على ترجمة، وإنما ذكره في الرُّواة عن أبي ذر الذَّهَبِيّ في «تذكرة الحفاظ» (2) و «سير أعلام النبلاء» (3).

7 -

أبو الحسن علي بن المفرج بن عبد الرحمن الصقلي، كان حيًّا عام (465) هـ،

وروايته هذه ما زالت موجودة حتى الآن في خزانة تمكروت، ويوجد منها السِّفر الأول في نسختين بخط مغربي، حيث جاء في طالعتهما: أَخْبَرَنا الشيخ القاضي أبو الحسن علي بن المفرج الصقلي رضي الله عنه، في المسجد الحرام بمكة، سنة خمس وستين وأربعمائة، قال: أنا أبو ذر

إلخ، والنسختان معًا في خزانة تمكروت تحت رقمي (1431، 1451)(4).

8 -

عيسى بن أبي ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ، أبو مكتوم، الأنصاري، الهَرَويّ، ثم السروي، سيأتي في أشهر الرُّواة.

9 -

محمد بن أحمد بن منظور، القيسي أبو عبد الله، الإمام المحدث المتقن، سيأتي في أشهر الرُّواة.

10 -

محمد بن شريح بن أحمد بن محمد بن شريح أبو عبد الله الرعيني الإشبيلي المقرئ، ولد سنة 388 هـ، سيأتي في أشهر الرُّواة.

11 -

أبو القاسم مضر بن الحباب النفزاوي.

كذا وجد مكتوبا على ظهرية نسخة من «الصحيح» محفوظة في المكتبة الحسنية تحت رقم (433) وقد كتب على أول هذا السِّفر نقلًا عن النسخة الأصلية!

(1)«تاريخ الإسلام» 30/ 471 وفيات (409) هـ.

(2)

3/ 1105.

(3)

17/ 560.

(4)

ينظر مقال الدكتور المنوني ص: 137.

ص: 344

هذا السِّفر السادس من «الجامع الصحيح» من حديث الرسول عليه السلام، عني بتصنيفه وتبويبه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ، رحمة الله عليه ومغفرته، سمع جميعه أبو القاسم مضر بن الحباب النفزاوي، من أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد الحافظ الهَرَويّ رضي الله عنه، بمكة في المسجد الحرام - عظم الله حرمته - سمعه منه سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وصار «الجامع» كله لأبي القاسم مضر بن الحباب على وجه الشراء، نفعه الله به (1). اهـ.

12 -

موسى بن عيسى بن أبي حاج واسمه يَحُجّ - بفتح الياء وضم الحاء المهملة ثم جيم مشددة (2) - الإمام أبو عمران، الفاسي الدار، الغفجومي النسب - بفتح الغين المعجمة والفاء أو بضم الغين وسكون الفاء، وغفجوم قبيلة من زناتة - البربري، الفقيه المالكي، نزيل القيروان، وإليه انتهت بها رئاسة العلم، تفقه على أبي الحسن القابسي، وهو أجل أصحابه، ودخل إلى الأندلس، فتفقه على أبي محمد الأصيلي، أخذ عنه الناس من أقطار المغرب الفقه والحديث.

ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وتوفي في ثالث عشر رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة (3).

13 -

المهلب بن أحمد بن أسيد بن عبد الله، أبو القاسم بن أبي صفرة، الأسدي المزني، القاضي الفقيه.

(1) لم أقف على ترجمته وينظر في مقَال المنونى ص: 136.

(2)

كما في «الإكمال» 7/ 189، و «تبصير المنتبه» 4/ 1410.

(3)

ينظر «تاريخ الإسلام» 29/ 299، وقد وردت روايته لأبي ذر في كتاب «المدارك» للقاضي عياض 4/ 703 أثناء ترجمته، وفي «سير أعلام النبلاء» 17/ 561. ترجمة أبي ذر الهروي.

ص: 345

سمع من: أبي محمد الأصيلي وصحبه وكان صهره، وأبي الحسن القابسي، وأبي ذر الهَرَويّ وغيرهم.

وحدث عنه: أبو عمر بن الحذاء، والقاضي ابن المرابط، وحاتم بن محمد الطرابلسي، وغيرهم، له كتاب في شرح «صحيح البُخارِيّ» وكتاب «النصيح في اختصار الصحيح» توفي (435) هـ (1).

14 -

يوسف بن حمود بن خلف، أبو الحجاج الصَّدفي، السبتي، الفقيه المالكي، قاضي سبتة نيفًا وعشرين سنة، سمع بالأندلس من أبي بكر الزبيدي، وأبي محمد الأصيلي، وغيرهم.

كان صالحًا متواضعًا أديبًا شاعرًا، قال ابن بشكوال: توفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، ومولده سنة سبع وخمسين وثلاثمائة.

وروايته لـ «الصحيح» عن أبي ذر الهَرَويّ أثناء رحلته إلى الحج.

قال ابن بشكوال: وخرج إلى الحج .. فسمع في رحلته من أبي ذر الهَرَويّ (2).

15 -

أبو بكر بن أبي محرز السجلماسي.

لم أقف له على ترجمة، لكن المكتبة الحسنية بالرباط تحتفظ بروايته في نسخة من «الجامع الصحيح» ، تشتمل على الأسفار الثلاثة الأولى تحت رقم (4330)، وقد كتب بهذه الأسفار نقلًا عن الأصل المنتسخ منه بعد ذكر اسم الكتاب ومؤلفه: سمعه أبو بكر بن أبي محرز السجلماسي من أبى ذر عبد بن أحمد بن محمد الحافظ الهَرَويّ المالكي رضي الله عنه بمكة في

(1) ينظر «الصلة» 2/ 626 - 627 (1379)، «سير أعلام النبلاء» 17/ 579، «شذرات الذهب» 3/ 255 - 256.

(2)

ينظر ترجمته في «الصلة» 2/ 683 (1511)، و «تاريخ الإسلام» 29/ 247 - 248.

ص: 346

المسجد الحرام - حرسه الله وعظم حرمته - سنة ثلاث عشرة وأربعمائة (1).

16 -

أحمد بن علي بن الحسين بن زكريا، أبو بكر الطريثيثي، البغدادي، الصوفي، المعروف بابن زهراء.

صحب أبا سعد النيسابوري، وابن الحسين القطان، وأبا القاسم اللالكائي، وغيرهم.

روى عنه: أبو القاسم السمرقندي، وأبو طاهر السلفي، وابن طاهر المقدسي، وغيرهم.

قال السَّمْعاني: صحيح السماع في أجزاء، لكنه أفسد سماعاته بأن روى منها شيئًا وادعى أنه سمعه من ابن أبي الحسن بن رزقويه، ولم يصح سماعه منه.

ولد سنة إحدى عشرة، وقيل: اثنتي عشرة وأربعمائة، وتوفي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة (2).

17 -

أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون، الخولاني، القرطبي، ثم الإشبيلي، مسندِ الأندلس.

ولد سنة ثماني عشرة وأربعمائة، وسمع من أبيه الحافظ أبي عبد الله كثيرًا، وسمع من أبي عبد الله الأحدب، وعلي بن حمويه الشيرازي.

وأجاز له يونس بن عبد الله بن مغيث القاضي، وأبو عمر أحمد بن محمد الطَّلمنكي، والحافظ أبو ذر الهَرَويّ، وغيرهم.

قال ابن بشكوال: كان شيخًا فاضلًا عفيفًا منقبضًا، من بيت علم ودين وفضل، ولم يكن عنده كبير علم أكثر من روايته عن هؤلاء الجلَّة، وكانت عنده أصول يلجأ إليها، ويُعوَّل عليها، حدث عنه أبو الوليد بن الدباغ، وعلي بن الحسين اللواتي، وجماعة.

(1) ينظر مقال المنوني ص: 135 - 136.

(2)

ينظر ترجمته في «تاريخ الإسلام» 34/ 247 - 248.

ص: 347

توفي في شعبان سنة ثمان وخمسمائة وله تسعون سنة (1).

وروايته لـ «الصحيح» ذكرها القاضي عِياض في مقدمة «مشارق الأنوار» (2) حيث قال وهو يذكر رِواية أبي ذر: وأخبرني الشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون بمدينة إشبيلية عن أبي ذر الهَرَويّ إجازة. اهـ

كما ذكرها التجيبي في «برنامجه» (3) وذكر أن الراوي لها عنه أبو عبد الله بن رزقويه اهـ.

18 -

أبو عبد الله محمد بن معاذ التميمي القيرواني.

لم أقف على من ترجم له، وروايته عن أبي ذر جاءت في «فهرس ابن عطية» (4) حيث يقول: قال لي - أي: والده -: وقرأته بالمهدية قبل طلوعي إلى الحج سنة تسع وستين وأربعمائة على الشيخ الأجل أبي عبد الله محمد بن معاذ التميمي القيرواني، وأخبرني أنه قرأه غير مرة، على الشيخ أبي ذر عبد بن أحمد

إلخ. اهـ.

19 -

أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر، القضاعي (454) هـ، مصنف كتاب «مسند الشهاب» .

وروايته جاءت في «مسنده» حيث روى بعض الأحاديث عن أبي ذر الهروي (5).

(1) ينظر ترجمته في «الصلة» 1/ 73 - 74 (160)، «سير أعلام النبلاء» 17/ 296.

(2)

1/ 9.

(3)

«برنامج التجيبي» ص: 77.

(4)

ص: 46.

(5)

ينظر: «مسند الشهاب» 1/ 128 (162)، 287 (469)، 2/ 194 (1198).

ص: 348

أشهر الروايات عن أبي ذر الهَرَويّ

روى عن أبي ذر «الصحيح» رواة كثيرون، حيث لا نكاد نجد عالمًا في عصره إلا والتقى به وسمع منه «الصحيح» أول ما يسمع منه.

ولكن هناك بعض الروايات اشتهرت عنه في الآفاق، وأخص بالذكر منها ما يلي مع التركيز على مصير هذه الروايات حتى وقتنا الحاضر.

1 -

الراوي الأول: أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر عبد بن أحمد، الأنصاريّ الهَرَويّ، ثمّ السَّرَويّ.

تزوّج أبو ذَرّ في العرب في سَرَوات بني شبابة، وسكن هناك مدّة، ووُلِد له أبو مكتوم في حدود سنة خمس عشرة وأربعمائة.

سمع من أبي عبد الله الصّنعانيّ جملة من «مُسْنَد عبد الرّزّاق» .

وسمع من أبيه «صحيح البخاريّ» ، وكتاب:«الدّعوات» لأبيه، وغير ذلك.

روى عنه «الصحيح» جماعة، منهم: أبو التّوفيق مسعود بن سعيد الأندلسيّ، وأبو عُبَيْد نعمة بن زيادة الله الغَفاريّ، وعليّ بن حُمَيْد بن عمّار المكّيّ، وميمون بن ياسين المرابط.

وروى عنه بالإجازة أبو طاهر السلَفيّ

انقطع خبره بعد سنة سبع وتسعين وأربعمائة (1).

وهذه الرِّواية كانت أشهر الروايات في بلاد المشرق والمغرب: ولعل ذلك بسبب قرابته، وملازمته لأبي ذر، بالإضافة إلى أن أصل والده كان معه.

(1)«تاريخ الإسلام» 34/ 264 - 265و «سير أعلام النبلاء» 19/ 171، و «شذرات الذهب» 3/ 406. .

ص: 349

قال الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفيّ (576) هـ في كتابه «الوجيز في ذكر المجاز والمجيز» في ترجمة أبي مكتوم بن أبي ذر:

وقد كان ميمون بن ياسين الصنهاجى من أمراء المرابطين، رغب في السماع منه بمكة، واستقدمه من سراة بني شبابة وبها كان سكناه، وسكنى أبيه أبي ذر من قبل، فاشترى منه «صحيح البُخارِيّ» أصل أبيه الذي سمعه فيه على أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ (1) .. إلخ.

وهذه الرِّواية حملها عن أبي مكتوم كثيرٌ من العلماء من بلاد المشرق والمغرب.

ومن أشهر الرُّواة عن أبي مكتوم:

أبو الحسن علي بن حميد بن عمار الطرابلسي (576) هـ المكي النحوي، راوي «الصحيح» عنه، والمتفرد بذلك، بقي إلى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وقيل: إنه بقي حتى سنة ست وسبعين.

روى عنه: المحدث محمد بن عبد الرحمن، التجيبي الأندلسي، وناصر بن عبد الله المصري العطار، وعبد الرحمن بن أبي حَرَمِيّ، وسليمان بن أحمد السعديُّ المغربي (2).

وقال الفاسي في «العقد الثمين» : توفي في شوال سنة ست وسبعين وخمسمائة بمكة، كذا وجدت وفاته ملحقة في وفيات الحافظ أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي بخط شخص لا أعرفه، وذكر أنه وجدها في ظهر نسخة من وفيات ابن المفضل بخط أبي الحسن التونسي. اهـ (3).

(1)«الوجيز» ص: 124 - 125.

(2)

«سير أعلام النبلاء» 20/ 541، «ذيل التقييد» 2/ 191 (1413) و «العقد الثمين» 6/ 156 - 157 (2056)

(3)

ص: 157.

ص: 350

وهؤلاء الرُّواة عن أبي الحسن علي بن حميد الطرابلسي أشهرهم على الإطلاق أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حَرَمِيّ المكي بن بنين (645) هـ (1).

ومن طريقه رواه الوادي آشي (2) كما في «برنامجه» (3)، والكرماني كما في «مقدمة شرحه» (4)، وابن حجر العسقلاني كما في «المعجم المفهرس» (5)، و «الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع» ص: 109 رقم (10)، و «فتح الباري» (6)، و «تغليق التعليق» (7)، والقَسْطَلّانِيّ كما في «إرشاد الساري» (8).

ومن طريق ابن أبي حَرَمِيّ أيضًا اتصلت هذه الرِّواية بولي الدين العراقي كما في أول لوحة من المخطوط (9).

(1) هو عبد الرحمن بن أبي حرمي بن بنين بن عبد الرحمن بن عبد الجبار بن محمد المكي، أبو القاسم العطار، مسند مكة، مولده في بضع وأربعين وخمسمائة، وتوفي سنة (645 هـ). ينظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» 23/ 269، «تاريخ الإسلام» 47/ 274، «العقد الثمين» 5/ 398، «ذيل التقييد» 2/ 91 - 92.

(2)

هو محمد بن جابر بن محمد بن قاسم بن إبراهيم القيسي الأندلسي الوادي آشي، ثم التونسي المالكي، ولد سنة (673) هـ، وتوفي سنة (749) هـ. ينظر ترجمته في «الوافي بالوفيات» 2/ 283، «الدرر الكامنة» 3/ 413.

(3)

ص: 189.

(4)

1/ 9، 10.

(5)

ص: 25.

(6)

1/ 6.

(7)

5/ 445.

(8)

1/ 157.

(9)

وقد تكلمت على وصف هذه الروايات فيما بعد عند الحديث عن الروايات المشرقية من رواية أبي ذر.

ص: 351

ومن الرُّواة عن أبي مكتوم أيضًا:

- أبو طاهر السلفي إجازة كما جاء ذلك في كتابه «الوجيز والمجاز» (1) وكما نقل عنه الذَّهَبِيّ ذلك في «السير» (2) نقلا عن علي بن المفضل.

- أبو عُبيد نعمةُ بن زيادة الله الغفاري، وعنه السلفي (3).

ومما يلاحظ أن رِواية أبي ذر بعد ذلك اشتهرت عند المشرقيين من خلال رِواية ابنه أبي مكتوم، ويعتبر أبو الحسن علي بن حميد بن عمار الطرابلسي المنفرد بذلك عنه، وذلك لتأخر وفاته؛ حيث توفي (576) هـ.

2 -

الراوي الثاني عن أبي ذر: أبو عبد الله بن منظور (469) هـ

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن منظور، القيسي، الإشبيلي (4).

اعتمده الأندلسيون، وعوّلوا عليه في صحيح البخاري، راوية أبي ذر لصحبته له ومجاورته معه، حتى كتب «الجامع الصحيح» للبخاري، وعارض فرعه بأصله، وفرغ من نسخه بمكة، في رجب من سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وقابله مع أبي عبد الله الورّاق محمد بن عليّ بن محمود (5).

(1) ص: 124 - 125.

(2)

17/ 560.

(3)

كما جاء في «السير» 17/ 560.

(4)

ينظر ترجمته في: «الصلة» 2/ 548 - 549 (1200)، و «إفادة النصيح» ص: 46 - 50، و «سير أعلام النبلاء» 18/ 389 - 390.

(5)

هو أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن محمود الورّاق، أندلسي، سمع بمكة من الرازي وأبي ذر وجاور بها. وكتب نسخًا كثيرة من «الصحيح» ، حدث عنه من الأندلسيين أبو الوليد الباجي وابن مغيث وغيرهم. له ترجمة في:«التعديل والتجريح» ص: 71 (21)«الصلة» 2/ 534 (1169)

ص: 352

وكتب أيضًا عن أبي ذر غير ما شيء، وسمع عليه كتاب «المعجم» له، فهو ثَبت فيه.

وكانت رحلته إلى المشرق من إشبيلية بلده في شعبان، سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وحجّ حجّتين سنتي ثلاثين، وإحدى وثلاثين، فسمع «الصحيح» من أبي ذر الهروي بمكة المكرمة.

ولقي أيضًا في رحلته أبا النجيب الأُرْمَوِي، وأبا عمرو الصفاقسي وغيرهما.

وانصرف إلى الأندلس فدخل إشبيلية سنة أربع وثلاثين.

قال ابن بشكوال: قال أبو علي الغسّاني: كان من أفاضل الناس، حسن الضبط، جيّد التقييد للحديث، كريم النفس خِيارا.

وقال لنا أبو الحسن يونس بن محمد: كان ذكي الخاطر، حسن المجالسة، من بيت علم وذكر وفضل، رحمه الله.

وقال أبو جعفر بن عَميرة الضْبّي: فقيه محدّث عارف راوية.

وقال: إنَّه كان قاضيًا بإشبيلية.

قال أبو علي: وتوفي بإشبيلية يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من شوال من سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ودفن ضحوة يوم الخميس بعده، وانتهى عمرُه سبعين عامًا، رحمه الله. (1)

سماعه لـ «الصحيح» :

سمع «صحيح البخاري» بمكة - شرفها الله - على أبي ذرّ الهَرَوي عند باب الندوة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في محرّم، وانتهى في سماعه في

(1)«الصلة» 2/ 549 (1200)، و «إفادة النصيح» ص: 48 - 49.

ص: 353

هذه المرة الأولى إلى بعض من كتاب الأَيْمان والنذور.

قال ابن رشيد الفهري:

قرأت بخطّ أبي بكر بن خير في كتاب، مقابل قوله في أوّل حديث من كتاب الأَيمان والنذور:«إِلَاّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي» ما نصه:

إلى هنا انتهيت بالسماع في المرة الأولى. صحّ من خطّ (ظ).

وكتب ابن خير في كتابه المذكور أنَّه يعني بالظاء حيث وقعت من كتابه ابنَ منظور.

قال أبو عبد الله بن منظور: وقرئ عليه أيضًا مرة ثانية وأنا أسمع، والشيخ أبو ذر ينظر في أصله، وأنا أصلحُ في كتابي في المسجد الحرام عند باب النَّدوة.

كان ابتداء هذا السماع الثاني الذي كمل فيه جميع الكتاب في شهر شوال من سنة إحدى وثلاثين المذكورة، وتمامه في ذي القعدة منها (1).

حدّث عنه الجلّة من الأندلسيين. وأجلّهم:

أبو الحسن شُرَيْح بن محمد؛ والقاضي أبو القاسم أحمد بن محمد بن منظور؛ وأبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عثمان التجيّبي القيظي السَّرَقُسْطي، وكتب عنه «صحيح البخاري» ، وقرأه مرة، وسمعه أخرى بقراءة أبي محمد بن العربي.

قال ابن رشيد:

وكان أصل القيظي هذا من الأصول المعتمدة في الأندلس محبسًا بجامع العدَبْس من إشبيلية - طهَّره الله من دنس الكفر، وأعادها الله دار

(1)«إفادة النصيح» ص: 47، وجاء ذلك في «فهرسة ابن خير» ص:94.

ص: 354

إسلام -. وهذا الأصل - جبره الله - من الأصول التي اعتمدها ضابط الأندلسيين في وقته أبو بكر بن خير، وعارض كتابه الحافل به الذي بخطّ أبيه خير رحمهما الله.

وفيه كان سماعي وسماع بُنيّ محمد - هداه الله - مع الجماعة على شيخنا الفقيه الفاضل العدل أبي فارس - أبقاه الله - والشيخ أبو فارس يمسك أيضًا أصله أيضًا بخط أبيه رحمه الله وفيه سمع على شيخه أبي مروان رحمه الله (1).

وهذه الرِّواية اشتهرت من خلال اثنين من الرُّواة:

الأول: أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح (2) الذي يقال له: الخطيب شيخ المقرئين والمحدثين، الإمام، الرعيني، الإشبيلي، المالكي.

قال فيه ابن رشيد: جليل مصره بل جليل عصره، المقرئ، المشهور في أقطار الأرض شرقًا وغربًا، رئيس في العربية والإقراء، متفق على جلالته وعدالته وإتقانه، وعمر وأسن حتى روى عنه الآباء والأبناء والأجداد والأحفاد وألحق الصغار بالكبار (3).

وقال: روى عنه أبو الحكم عمرو بن حجاج وكان يقول: قرأت على شريح أنا وابني وحفيدي.

وقد روى عنه أيضًا القاضي أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن بقي هو وأبوه وجده، وهو آخر من حدث عنه بالإجازة، ولم يزل على ذلك إلى أن غلبه الكبر وأقعده عن التصرف، فلزم داره واستخلف على

(1)«إفادة النصيح» ص: 49 - 50

(2)

ينظر ترجمته في: «الصلة» 1/ 234، 235، «سير أعلام النبلاء» 20/ 142 - 144 (85).

(3)

«إفادة النصيح» ص: 58.

ص: 355

الصلاة، ولم ينقطع الأخذ عنه إلى أن عطَّله الكبر والخرف فقطع، ولا أعلم أحدًا حدث عنه في خرفه (1).

روى وسمع من والده ومن أبي عبد الله بن منظور «الصحيح» وسمع من علي بن محمد الباجي وأبي محمد بن خزرج وطائفة، وأخذ أبو الحسن القراءات عن أبيه أبي عبد الله عرضًا، وأخذ عنه جميع ما كان يرويه وسمع منه أكثر ما عنده، وورث منزلته وارتقى فوقها درجات، وسمع البُخارِيّ منه وعلى أبي عبد الله بن منظور.

وحدث عنه بـ «الصحيح» ابن خير الإشبيلي (575) هـ وأبو بكر محمد بن عبد الله ابن الجد (586) هـ، وأبو محمد عبد الله بن محمد الحجري (591) هـ، ومحمد بن جعفر بن حميد البلني (586) هـ، وخلق آخرهم: عبد الرحمن بن علي الزهري، الذي حدث عنه بـ «صحيح البُخارِيّ» سنة (613) هـ.

جلس الإمام أبو الحسن شريح للتحديث والإقراء مبكرًا، حيث جلس بجامع إشبيلية سنة اثنتين وأربعمائة بتقديم المعتمد أبي القاسم بن عباد. ذكره تلميذه أبو عبد الله محمد بن جعفر بن حميد كما جاء عند ابن رشيد (2).

وقال المحدث الشهيد أبو الربيع بن سالم - فيما قرأه ابن رشيد من خطه -: أخذ الناس عنه قديمًا - أي: أبو الحسن شريح - وحديثا على اختلاف طبقاتهم، وطال عمره حتى انفرد بعلو الإسناد في «صحيح البُخارِيّ» لسماعه له من ابن منظور، وأبيه عن أبي ذر. وكان الناس يرحلون إليه بسببه، وكان عَيَّنَ لقراءته شهر رمضان، فيكثر الازدحام عليه في هذا

(1)«إفادة النصيح» ص: 59.

(2)

«إفادة النصيح» ص: 60.

ص: 356

الشهر، ويتواعد أهل الأقطار المتباعدة للاجتماع فيه عنده.

ثم قال ابن رشيد: حدثني شيخنا أبو محمد بن عبد الله أنه قرأه عليه سنة أربع وثلاثين بعد أن ارتقب النميري، إذ كان موعودًا بقراءته ذلك العام، فلم يصل. قال: وسمعه بقراءتي عالم كثير، أظنه قال: ثلاثمائة رجل. وحدثني أبو عبد الله بن حميد أنه سمعه عليه سنة خمس بعدها في نحو المائتين أو دونها. اهـ (1).

وكانت قراءة أبي محمد عبد الله بن محمد الحَجري على شريح لـ «صحيح البُخارِيّ» ويسمع معه الحاضرون، وكان قد قدم في شهر رمضان فيمن وفد على شريح ليسمع منه.

قال ابن رشيد: قال المتقن طلحة بن محمد القارئ: حدثني الأصولي أبو إسحاق بن قسوم (2)، أنا أبو محمد بن عبد الله، أن شريحا كان يُسمع «الجامع» للبخاري في كل شهر رمضان ويقدم الناس عليه من الأقطار لذلك.

قال: توفدت فيمن وفد فاجتمع أهل المرية وأهل قرطبة وغيرهم، فقدموني لقراءته؛ لعلمهم بنفوذي، فقال لهم شريح: نختبره وإلا رجعنا إلى قارئنا - لرجل من أهل إشبيلية كان أبدًا يقرؤه عليه - قال: فابتدأت القراءة، وكان معه ذلك اليوم جالسًا ليسمعه عليه أبو القاسم بن صاحب الرد (3)

(1)«إفادة النصيح» ص: 60.

(2)

هو إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن قسوم اللخمى، أبو إسحاق من أهل إشبيلية (ت 642 هـ)، فقيه أصولي، ناسك، روى عن ابن الجد وابن رزقويه وابن الأبار ينظر:«التكملة» 1/ 145.

(3)

هو عبد العزيز بن علي أبو الأصبغ اللخمي الإشبيلي الظاهري يعرف بابن صاحب الرد (621) هـ «الوافي بالوفيات» 18/ 530.

ص: 357

فقال لي أبو القاسم هذا: يا أبا محمد، إن قراءتك لتملأ العيون قرة والقلوب مسرة. قال: فغار أهل إشبيلية لذلك، وقالوا: نرفعه لقراءة التفسير في آخر الكتاب. قال: فكانت قراءتي له أحسن من قراءتي لسائره (1).

ومناقبه كثيرة وفضائله غزيرة،، توفي رحمه الله تعالى لساعة واحدة مضت من ليلة الثلاثاء في العشر الأخير من جمادى الأخرى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وكان مولده ليلة الثلاثاء لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.

وروايته هذه رواها عنه خلق كثيرون منهم:

1 -

ابن خير الإشبيلي (575) هـ كما في «الفهرسة» (2)، وكما ذكره ابن رشيد.

2 -

أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد الفهري (586 هـ)(3) ومن طريقه التجيبي كما ذكر في «برنامجه» (4) ومن طريقه ابن رشيد.

3 -

أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي الحجري (591 هـ)(5) ومن طريقه التجيبي (6) وابن رشيد.

(1)«إفادة النصيح» ص: 61.

(2)

«الفهرسة» ص: 94.

(3)

ينظر ترجمته في «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري 1/ 145 (123)، و «إفادة النصيح» ص: 67 وما بعدها، و «سير أعلام النبلاء» 21/ 177 - 179.

(4)

ص: 75.

(5)

ينظر ترجمته في «إفادة النصيح» ص: 78 وما بعدها، و «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري 1/ 217 (261) و «سير أعلام النبلاء» 21/ 251 - 255.

(6)

ينظر «برنامجه» ص: 76.

ص: 358

4 -

أبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد (586 هـ)(1) ومن طريقه الوادي آشي (2).

الراوي الثاني: أبو القاسم بن منظور (3)(436 - 520).

هو أحمد بن أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن منظور بن عبد الله بن منظور القيسي، من أهل إشبيلية ووجوهها، يكنى أبا القاسم، ولي قضاء إشبيلية ببلده مدة، كما ولي أبوه أبو بكر (464) هـ قرطبة، استقضاه عليها المعتمد على الله محمد بن عباد.

وكان أبو القاسم فقيها محدثا، روى عن أبيه القاضي أبي بكر، وسمع من حفيد عم أبيه الراوية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن محمد بن منظور بن عبد الله ابن منظور - وفي محمد بن منظور يجتمعان.

قلت (الباحث): وقد أدى هذا التقارب - في الأسماء والطبقات - إلى خلط من بعض الرُّواة في الاسم: ومنهم ابنُ بشكوال، حيث يقول في ترجمته (4): أحمد بن محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور، وذكر أنه سمع من ابن عم أبيه: أبي عبد الله محمد بن أحمد، - وليس في نسب أحمد هذا من اسمه عيسى.

وقد أعاد هذا الغلط أيضًا في اسم أبيه أبي بكر محمد (5).

(1) ينظر ترجمته في «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري 1/ 137 - 138 (112)، و «سير أعلام النبلاء» 21/ 276 - 277.

(2)

ينظر «برنامجه» ص: 188 - 189.

(3)

وينظر ترجمته في «الصلة» ص: 78 (171)«سير أعلام النبلاء» 19/ 518 (301).

(4)

في «الصلة» ص: 78 (171)

(5)

«الصلة» 2/ 547.

ص: 359

ثم تلاه في هذا الغلط وزاد - كما قال ابن رشيد - المحدث أبو جعفر بن عميرة الضبي، وقرأته بخطه فقال: أحمد بن محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور أبو القاسم الإشبيلي، قاضي إشبيلية فقيه، محدث، مشهور، توفي سنة عشرين وخمسمائة، يروي أبوه عن أبي ذر - عبد بن أحمد الهَرَويّ - يروي عنه أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث وغيره.

فجعله كما ترى ابنًا للراوية عن أبي ذر - وهو أبو عبد الله - وذلك هو الذي حمله في اسم الراوية أبي عبد الله أن قال: إنّه كان قاضيًا، ثم أبعد فقال: بإشبيلية، وذلك كله تخليط (1).

وحدث بـ «الصحيح» عن أبي القاسم بن منظور: أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد الفهري (586) هـ حدثه به عن حفيد عم أبيه أبي عبد الله بن منظور عن أبي ذر.

توفي أبو القاسم رحمه الله تعالى سنة عشرين وخمسمائة، وكانت ولادته سنة ست وثلاثين وأربعمائة.

ومن طريق أبي بكر محمد بن الجد، اشتهرت هذه الرِّواية، ومن طريقه رواها التجيبي في «برنامجه» (2)، وابن رشيد كما جاء في «الإفادة» (3).

3 -

الراوي الثالث عن أبي ذر: أبوعبد الله بن شريح (476)(4).

هو محمد بن شريح بن أحمد بن شريح بن يوسف بن عبد الله بن

(1)«إفادة النصيح» ص: 57.

(2)

ص: 75.

(3)

ص: 67 - 77.

(4)

ينظر ترجمته في: «الصلة» لابن بشكوال 2/ 553 (1212)، و «معرفة القراء الكبار» 1/ 351، و «غاية النهاية» 2/ 153، و «إفادة النصيح» ص: 51 - 55، و «تاريخ الإسلام» 32/ 179، و «سير أعلام النبلاء» 18/ 554 - 555.

ص: 360

شريح الرعيني، المقرئ، الإشبيلي، إمام القراءة في عصره، يكنى أبا عبد الله، وزاد ابن بشكوال: بين أحمد وشريح محمدًا، ولم يرفع ما بعده (1) وتبعه في ذلك غير واحد منهم الذَّهَبِيّ (2) ثم ذكره الذَّهَبِيّ على الصواب كما ذكرته (3).

قال ابن رشيد: والصحيح في نسبه ما ذكرته، وكذلك قرأته بخط المتقنين: الضابط أبي بكر بن خير، والشهيد أبي الربيع بن سالم، وغيرهما من المتقنين.

ورحل إلى المشرق سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، فسمع في طريقه بالمهدية أبا حفص عمر بن حسين المقري، المعروف بابن النفوس، في ذي القعدة من السنة المذكورة.

وسمع بمصر سنة ثلاث، أبا العباس أحمد بن علي بن هاشم المقرئ (445) هـ، وأبا علي الحسن بن محمد بن إبراهيم المقرئ البغدادي المالكي (438) هـ.

وحج في موسم سنة ثلاث وثلاثين، فسمع بالحرم الشريف أبا ذر الهَرَويّ، سمع عليه «صحيح البُخارِيّ» عند باب الندوة، وسمع عليه أيضًا «مناسك الحج» من تأليفه، في ذي الحجة من السنة المذكورة.

وسمع بمصر أيضا في سنة أربع، على أبي العباس بن النفيس المقرئ المصري الطرابلسي (453) هـ، ثم قفل إلى الأندلس، وجلس ببلده لإقراء القرآن، فكانت الرحلة في وقته إليه، وألف كتبا في علوم القرآن.

(1)«الصلة» 2/ 553 (1212).

(2)

«تاريخ الإسلام» 32/ 179، وكذا في «معرفة القراء الكبار» 1/ 351، وابن الجزرى في «غاية النهاية» 2/ 153

(3)

«سير أعلام النبلاء» 18/ 554 - 555.

ص: 361

قال فيه ابن بشكوال: كان من جلة المقرئين وخيارهم، ثقة في روايته (1).

وقال فيه ابن رشيد: إمام القراءة في عصره - حدث عنه من لا يحصى كثرة، وأجلهم في وراثة علمه ابنه أبو الحسن، وأبو العباس بن عيشون (2).

وقال ابن عميرة الضبي: فقيه مقرئ نحوي أديب رئيس وقته في صنعته.

قال ابن بشكوال: توفي رضي الله عنه يوم الجمعة عند صلاة العصر، اليوم الرابع من شوال من سنة ست وسبعين وأربعمائة، وكمل له من العمر أربعة وثمانون عاما إلا خمسة وخمسين يومًا، ومولده سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، أخبرني بوفاته الخطيب أبو الحسن شريح بن محمد رحمه الله (3).

وهذه الرِّواية - رِواية أبي عبد الله بن شريح، عن أبي ذر - رواها عنه وأشهرها ونشرها كل من: ابنه أبو الحسن الخطيب شريح بن محمد (539) هـ، وأبو القاسم بن منظور (520) هـ هي ورِواية أبي عبد الله بن منظور السابقة، وقد سبق ترجمتهما في الراوي الثاني عن أبي ذر.

وعن ابنه أبي الحسن شريح روى ابن خير الإشبيلي كما في «فهرسته» (4)، وعنه أيضًا روى أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد (586) هـ ومن طريقه التجيبي كما جاء في «برنامجه» (5) وابن رشيد كما جاء في «إفادة النصيح» (6).

(1)«الصلة» 2/ 553 (1212)

(2)

«إفادة النصيح» ص: 53.

(3)

«الصلة» 2/ 553 (1212).

(4)

ص: 94.

(5)

ص: 75.

(6)

ص: 51 - 55.

ص: 362

وروى عن أبي عبد الله بن شريح أيضًا: أبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد (586 هـ) ومن طريقه الوادي آشي في «برنامجه» (1).

4 -

الراوي الرابع عن أبي ذر: أبو الوليد الباجي (474) هـ (2)

هو سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الإمام أبو الوليد التجيبي - بضم التاء المعجمة وكسر الجيم وسكون الياء نسبة إلى تجيب وهي قبيلة (3) - القرطبي الباجي - بالباء المفتوحة والجيم المكسورة بعد الألف - وهذه النسبة إلى ثلاثة مواضع:

أحدها باجة بلدة بالأندلس وإليها ينسب أبو الوليد (4).

أصله بطليوسي نسبة إلى بطليوس - بفتح الباء والطاء وبسكون اللام وفتح الياء وسكون الواو وآخرها سين مهملة - مدينة بالأندلس (5) وانتقل آباؤه إلى باجة، وقد ولد في سنة ثلاث وأربعمائة.

سمع من أهل بلدة ومنهم: يونس بن عبد الله بن مغيث ومكي بن أبي طالب وجماعة، ثم رحل إلى بلاد المشرق سنة ست وعشرين وأربعمائة أو نحوها، فأقام بمكة مع أبي ذر الهَرَويّ ثلاثة أعوام، وحج فيها أربع حجج، وكان يسكن معه بالسراة ويتصرف له في جميع حوائجه.

ثم رحل إلى بغداد فأقام فيها ثلاثة أعوام يدرس الفقه ويكتب

(1) ص: 188 - 189.

(2)

ينظر ترجمته في: «الإكمال» 1/ 468، و «الصلة» 1/ 200 - 202 (454)، و «ترتيب المدارك» 4/ 803، و «الأنساب» 2/ 19 - 20، و «وفيات الأعيان» 2/ 408 - 409، و «سير أعلام النبلاء» 18/ 535 - 545، و «شذرات الذهب» 3/ 344 - 345، وغير ذلك ..

(3)

«الأنساب» 2/ 19 - 20.

(4)

«الأنساب» 2/ 13 - 14.

(5)

«الأنساب» 2/ 259 - 260.

ص: 363

الحديث، ولقي فيها جلةً من الفقهاء كأبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري رئيس الشافعية وغيره.

وأقام بالموصل مع أبي جعفر السمناني عامًا كاملًا يدرس عليه الفقه، وكان مقامه في رحلته بالشرق نحو ثلاثة عشر عامًا.

ومن شيوخه المحدثين: أبو عبد الله الصوري محمد بن علي، وأبو النجيب الأرموي الحافظ، وأبو الخطيب البغدادي، وهو ممن روى عنه.

وروى عنه: الحافظ أبو عمر بن عبد البر وهو أكبر منه، وأبو علي بن سكرة الصَّدفي، وأبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، ومحمد بن أبي الخير القاضي، وغيرهم مما لا حصر لهم.

له من المصنفات الكثير منها «المنتقى في شرح الموطأ»

مناقبه: قال ابن ماكولا: فقيه متكلم أديب شاعر، رحل وسمع بالعراق .. وكان جليلا رفيع القدر والخطر (1) اهـ.

وقال أبو علي الصَّدفي: ما رأيت أحدًا على سمته وهيبته وتوقير مجلسه مثل أبي الوليد الباجي .. اهـ (2).

وقال ابن بشكوال نقلًا عن أبي علي الصَّدفي: هو أحد أئمة المسلمين (3).

وقال القاضي عِياض: كان أبو الوليد رحمه الله فقيهًا نظارًا محققًا راويةً محدثًا، يفهم صيغة الحديث ورجاله، متكلمًا أصوليًا، فصيحًا، شاعرًا (4).

(1)«الإكمال» 1/ 468.

(2)

«تاريخ الإسلام» 32/ 119

(3)

«الصلة» 1/ 202.

(4)

«ترتيب المدارك» 4/ 803.

ص: 364

توفي رحمه الله بالمرية، ليلة الخميس بين العشائين، ليلة تسع عشرة من رجب، ودفن يوم الخميس بعد صلاة العصر، سنة أربع وسبعين وأربعمائة، ودفن بالرّباط على ضفة البحر، وصلى عليه ابنه أبو القاسم. نقله ابن بشكوال عن ابن خير (1).

وعن أبي الوليد الباجي: اشتهرت رِواية «الصحيح» في بلاد المغرب، وقد روى في مقدمة كتابه «التعديل والتجريح» أسانيده لـ «صحيح البُخارِيّ» ، فذكر منها روايته عن أبي ذر الهَرَويّ.

وعن أبي الوليد: أخذ الرِّواية أبو علي الحسين بن سكرة الصَّدفي (514) هـ وسيأتي الحديث عنها في أشهر النسخ الموجودة.

وعنه أخذت جميع روايات «الصحيح» من طريق أبي ذر في بلاد المغرب.

ومن أشهر االنسخ التي أخذت عن أبي علي الصَّدفي:

نسخة القاضي عِياض (544 هـ)، وقد استوفيت ترجمته في أثناء الكلام عن كتابه:«مشارق الأنوار» في الباب الثالث فليرجع إليها، وقد نص على روايته هذه في «المشارق» (2)، و «الغنية» (3).

ونسخة صهره أبي عمران موسى بن سعادة (مات بعد 522) هـ.

وسيأتي الحديث عنها في أشهر النسخ الموجودة.

(1)«الصلة» 1/ 202.

(2)

1/ 9.

(3)

ص: 105.

ص: 365

5 -

الراوي الخامس عن أبي ذر: أبو العباس العذري (393 - 478) هـ (1)

هو الإمام الحافظ، المحدث، الثقة، أبو العباس، أحمد بن عمر بن أنس بن دِلْهاث بن أنس، العُذريُّ، الأندلسي، المريي، الدلائي، ودلاية من قرى المَرِيَّة.

ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة في رابع ذي القعدة.

رحل إلى المشرق مع أبويه، وهو حدث سنة سبع وأربعمائة، ووصلا إلى بيت الله الحرام قاصدين الحج، في شهر رمضان سنة ثمان، وجاورا به أعوامًا جمة، وانصرف عن مكة سنة ست عشرة، فسمع بالحجاز سماعًا كثيرًا.

فأخذ «صحيح مسلم» عن أبي العباس بن بندار الرازي، وأخذ عن أبي بكر محمد بن نوح وغيرهما، ولازم الشيخ الحافظ أبا ذر الهَرَويّ، وسمع منه «صحيح البُخارِيّ» مرات، وسمع من جماعة غيرهم من المحدثين من أهل العراق وخراسان والشام الواردين على مكة وأهل الرِّواية والعلم.

وكتب بالأندلس عن أبي علي الحسين بن يعقوب البَجّاني، ويونس بن عبد الله والمهلب بن أبي صفرة، وعمَّر وألحق الصغار بالكبار، وصنف «دلائل النبوة» وغيرها.

حدث عنه: ابن حزم الأندلسي، وابن عبد البر، وأبو علي الجَيّانيّ، وأبو علي بن سكرة الصَّدفي، والحميدي، وغيرهم.

قال ابن بشكوال عنه: كان معتنيًا بالحديث ونقله وروايته وضبطه مع ثقته وجلالة قدره وعلو إسناده، وتوفي رحمه الله في آخر شعبان سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، ودفن بمقبرة الحوض بالمرية، وصلى عليه ابنه أنس بتقديم المعتصم بالله محمد بن معن.

ورِواية أبي العباس العذري عن أبي ذر هذه رواها عنه أبو علي الجَيّانيّ الحسين بن محمد (498) هـ وقد ترجمت له عند الكلام على كتابه «تقييد المهمل» في الباب الثالث فليرجع إليها، ورِواية أبي علي الجَيّانيّ عن العذري

(1) ينظر ترجمته في: «الصلة» 1/ 66 - 67 (141)، «الأنساب» مادة الدلائي، «سير أعلام النبلاء» 18/ 567 (296).

ص: 366

ذكرها في «تقييد المهمل» (1).

وعنه أخذها القاضي عِياض (544) هـ كما في «الغنية» (2).

ولم تكن رِواية أبي علي الجَيّانيّ (498 هـ) هي الوحيدة عن العذري، وإنما هناك روايات أخرى نص عليها العلماء منها رِواية الإمام أبي بحر سفيان بن العاص الأسدي، - المتوفى سنة (520) هـ (3) - عنه، ومن طريقه روى التجيبي «الصحيح» كما في «برنامجه» (4).

(1)«تقييد المهمل» 15/ 61.

(2)

ص: 104.

(3)

ينظر ترجمته في «السير» 19/ 515 - 516.

(4)

ص: 76، 77.

ص: 367

ملخص للروايات

من طريق أبي ذر الهَرَويّ

روى أبو ذر الهَرَويّ (356 - 434 هـ)«الصحيح» عن ثلاثة:

1 -

أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المُسْتَمْلِيّ (376) هـ ببلخ سنة (374) هـ.

2 -

أبو محمد عبد الله السَّرْخَسي الحَمُّوييّ (381) هـ بهراة سنة (373) هـ.

3 -

أبو الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ بكشميهن (389) هـ.

ورواه عن أبي ذر الهَرَويّ كثيرون ذكرتهم بالتفصيل، وسأقتصر على أشهر الرواة:

الأول: أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر (415 - بعد 497 هـ)، وعنه:

1 -

أبو الحسن الطرابلسي (576) هـ، وعنه أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حَرَمِيّ، ومن طريقه جمع من العلماء، منهم الوادي آشي والكرماني وابن حجر والقَسْطَلّانِيّ.

2 -

أبو طاهر السلفي إجازة (1).

3 -

أبو عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري، وعنه السلفي (2).

الثاني: أبو عبد الله بن منظور (399 - 469) هـ.

ورواه عنه:

1 -

أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الخطيب (451 - 539) هـ.

وعنه: ابن خير الإشبيلي (575) هـ (3).

(1)«الوجيز في ذكر المجاز والمجيز» ص: 122، و «السير» 17/ 560.

(2)

«السير» 17/ 560.

(3)

«فهرسته» ص: 94، وابن رشيد في «إفادة النصيح» ص:63.

ص: 368

وأبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد (586) هـ، ومن طريقه التجيبي (1).

وأبو محمد عبد الله بن محمد الحجري (591) هـ، ومن طريقه التجيبي (2)، وابن رشيد.

وأبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد (586) هـ ومن طريقه الوادي آشي (749) هـ (3).

2 -

أبو القاسم بن منظور أحمد بن أبي بكر (436 - 520)، وعنه أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد (586 هـ)، ومن طريقه التجيبي (4)، وابن رشيد (5).

الثالث: أبو عبد الله بن شريح (392 - 476) هـ، وعنه ابنه أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الخطيب (451 - 539) هـ، ورواها عنه جمع كثير منهم:

1 -

ابن خير الإشبيلي (6).

2 -

أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد (586 هـ)، ومن طريقه التجيبي (7)، وابن رشيد (8).

(1)«برنامج التجيبي» ص: 75.

(2)

«البرنامج» ص: 76.

(3)

«برنامج الوادي آشي» ص: 188 - 189.

(4)

«برنامج التجيبي» ص: 75.

(5)

«إفادة النصيح» ص: 67 - 77.

(6)

«فهرسته» ص: 94.

(7)

«برنامج التجيبي» ص: 75.

(8)

«إفادة النصيح» ص: 51 - 55.

ص: 369

3 -

أبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد (586) هـ، ومن طريقه الوادي آشي (1).

الرابع: أبو الوليد الباجي (403 - 474) هـ.

وعنه أبو علي الحسين بن سكرة الصدفى (454 - 514) هـ، وعنه اشتهرت وملأت الآفاق فرواه عنه اثنان:

1 -

القاضي عِياض (544) هـ (2).

2 -

صهره أبو عمران موسى بن سعادة (مات بعد 522) هـ، وعنه نسخ كثيرة، ومنها المخطوط الموجود في بلاد المغرب والأندلس.

الخامس: أبو العباس العذري الدلائي (393 - 478) هـ، وعنه أبو علي الحسين ابن محمد الجَيّانيّ (427 - 498) هـ (3)، وعنه القاضي عِياض (544) هـ (4)، وعنه أبو بحر سفيان بن العاص الأسدي (520 هـ)، ومن طريقه التجيبي (5).

(1)«برنامج الوادي آشي» ص: 76 - 77.

(2)

«مشارق الأنوار» 1/ 9، و «الغنية» ص:105.

(3)

«تقيد المهمل» 1/ 61.

(4)

«الغنية» ص: 104.

(5)

«برنامج التجيبي» ص: 76 - 77.

ص: 370