الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا نجد المحدثين قد عدوا الحالات التي يمتنع فيها الأداء والتحديث بالمرويات.
وهناك بعض الصفات التي منعها المحدثون أو اختلفوا في جوازها أثناء الأداء؛ صيانة للنصوص من التبديل والتغيير والإخلال بها، وعدم الأخذ بها كان سببًا في وقوع كثير من الاختلافات بين النصوص.
وقبل ذكر هذه الصفات تجدر الإشارة إلى أن هذه الصفات سيأتي ذكرها أيضًا في الأسباب التي أدت إلى وقوع اختلافات، وإنما نشير هنا إشارة سريعة، ونحيل إلى التفصيل في الموضع الآخر.
4 - شروط الأداء:
لقد اشترط العلماء لأداء الراوي ما سمعه أو رواه عن شيخه شروطًا لابد منها؛ حتى يتم نقل المروي كما سمعه التلميذ من الشيخ بعيدًا عن الاختلاف أو الوهم وهى ترجع إلى أمرين:
الأول: عدالة الراوي.
لقد اشترط العلماء لقبول خبر الراوي أن يكون عدلًا حتى يتم الوثوق به في دينه؛ لأن من لا يوثق به في دينه لا يوثق به في مروياته. ولقد توسع العلماء وخاصة المعاصرين في الحديث عن العدالة، وبيان حقيقتها، وكيفية ثبوتها، والفرق بينها وبين عدالة الشهادة، وغير ذلك.
وأكتفي هنا بتعريفها، فلقد اشترط العلماء في الراوي أن يكون عدلًا: والعدل هو: المسلم البالغ العاقل الذي سلم من أسباب الفسق وخوارم المروءة. (1).
الثاني: ضبط المروي
والمراد بالضبط: اليقظة وعدم الغفلة، وأن يكون حافظًا إن حدث من
(1) ينظر «قواعد أصول الحديث» د / أحمد عمر هاشم ص: 192 وما بعدها.
حفظه، ضابطًا لكتابه من التبديل، أو التغيير إن حدث منه عالمًا بما يحيل المعنى، إن روى بالمعنى.
وينقسم الضبط إلى قسمين:
1 -
ضبط الصدر.
2 -
ضبط الكتاب.
أولا: ضبط الصدر: فهو أن يكون الراوي حافظًا لما سمعه في صدره من غير تغيير أو تحريف أو زيادة أو نقص من وقت تحمله إلى وقت أدائه، هذا إذا كان راويًا باللفظ.
أما إذا كان راويًا بالمعنى، فيشترط أن يكون محافظًا على المعنى بحيث لا يزيد ولا ينقص.
وقد أجاز الجمهور الرواية بالمعنى بشرط أن يكون الراوي عالمًا بالألفاظ ومقاصدها خبيرًا بما يحيل المعنى - أي: يغيره، أو يخل به - مدركًا للتفاوت بين المعاني، عارفًا بالشريعة وقواعدها، أما إذا لم يكن على علم بما ذكر فقد أجمعوا على أن الرواية بالمعنى غير جائزة.
وذهب بعض العلماء إلى منع الرواية بالمعنى مطلقًا. وقيد البعض منعها في الأحاديث المرفوعة، والأصح ما ذهب إليه الجمهور، فهو الذي كان عليه الصحابة وأحوال السلف، ولكن الذين أجازوا الرواية بالمعنى استثنوا منها أحاديث العقائد والأحاديث التي يتعبد بها كما في التشهد والأذكار، والأحاديث المشتملة على جوامع الكلم، ومع كل هذا فهم يرون أن الأولى والأفضل هو رواية الحديث بلفظه .. وإن روى بالمعنى فعلى الراوي أن يعينه بقوله: أو كما قال، أو نحو هذا أو شبهه أو قريبًا منه (1).
قال الخطيب: قال كثير من السلف وأهل التحري في الحديث: لا تجوز
(1)«قواعد أصول الحديث» للدكتور / أحمد عمر هاشم ص: 197.
الرواية على المعنى بل يجب مثل تأدية اللفظ بعينه من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا حذف، وقد ذكرنا بعض الروايات عمن ذهب إلى ذلك، ولم يفصلوا بين العالم بمعنى الكلام وموضوعه، وما ينوب منه مناب بعض وما لا ينوب منابه، وبين غير العالم بذلك، وقد ذكر عن بعض السلف أنه كان يروي الحديث على المعنى إذا علم المعنى وتحققه وعرف القائم من اللفظ مقام غيره. وقال جمهور الفقهاء: يجوز للعالم بمواقع الخطاب ومعاني الألفاظ رواية الحديث على المعنى، وليس بين أهل العلم خلاف في أن ذلك لا يجوز للجاهل بمعنى الكلام ومواقع الخطاب، والمحتمل منه وغير المحتمل. (1).
ثانيا: ضبط الكتاب: فهو صيانته وحفظه من التغيير والتحريف بحيث يأمن عليه من وقت تحمله إلى وقت الأداء (2).
والضابط من يكون حافظًا متيقظًا، غير مغفل ولاساه وشاك في حالتي التحمل والأداء (3).
وكما اهتم المحدثون بالبحث عن مدى حفظ الراوي وتمكنه من مروياته اهتموا أيضًا بالتفتيش عن ضبط كتابه وصيانته.
واعتبر المحدثون الخطأ والفساد الواقع في كتاب المحدث من قلة ضبطه واختلال روايته.
اختلال الضبط:
الضبط بنوعيه السابقين يمكن أن يختل، فإذا وقع ذلك من الراوي لم يعد في مأمن من التغيير والتحريف في المتون والأسانيد وإحالة المعاني، ولذا فإن المحدثين يردون رواية من كان من هذا الصنف.
(1)«الكفاية» ص: 300.
(2)
ينظر «نزهة النظر» لابن حجر ص: 29.
(3)
«توضيح الأفكار» لمحمد بن إسماعيل الصنعاني 1/ 8.
ويعرف اختلال ضبط الراوي الذي تُرد به روايته بفحش غلطه بحيث يغلب خطأ الراوي على صوابه.
ومما يطعن في ضبط الراوي أيضًا الغفلة، وهي: قلة تعاهد الراوي لمحفوظاته، وعدم عنايته بصناعة الحديث حفظًا ومذاكرة وكتابة .. إلى غير ذلك.
وكل ما سبق يندرج في اختلال ضبط الصدر، وضبط الكتاب هو الآخر يمكن أن يتطرق الخلل إليه؛ وذلك بسبب ضياع الأصول أو فسادها أو التغيير في أصلها من قبله أو من غيره.
فإذا حدث بأصوله ذلك لم تعد هناك ثقة بذلك الراوي الذي وقع في أصوله هذا التغيير، وكتب المصطلح وقواعد الحديث وأصوله مملوءة بذكر نماذج لكل ما سبق، ولولا خشية الإطالة لنقلت ذلك.
ومن أجل عدم وقوع خلل في الحفظ أو الكتب اشترط العلماء تعاهد الراوي لمحفوظاته كما اشترطوا عدم اعتماد الراوي على محفوظاته أثناء الأداء والتحديث.
فقد قال الخطيب: وينبغي مع هذه الحال ألا يَغفُل الراوي عن مطالعة كتبه وتعاهدها والنظر فيها، ويجب أن ينظر من كتبه فيما علق بحفظه، فإن تعاهد المحفوظ أولى، والمراعاة له أعم نفعًا (1). ثم روى بإسناده إلى علي بن المديني أنه قال: عهدي بأصحابنا وأحفظهم أحمد بن حنبل، فلما احتاج أن يحدث لا يكاد يحدث إلا من كتاب.
وقد كان بعض المحدثين يمتنعون من السماع ممن ليس له أصل أو لم يحضر أصله.
قال ابن معين: قال لي عبد الرزاق: اكْتُبْ عني ولو حديثًا واحدًا من غير
(1)«الجامع» 2/ 14
كتاب. فقلت: لا ولا حرف. اهـ
ويدخل هذا الشرط - وهو التحديث من أصل - ضمن العناية والحيطة التي كان عليها المحدثون؛ من أجل المحافظة على السنة حتى لا يدخلها الخطأ أو التغيير.
قال الخطيب: الاحتياط للمحدث والأولى به أن يروي من كتابه؛ ليسلم من الوهم والغلط ويكون جديرًا بالبعد عن الزلل (1).
(1) ينظر «الجامع» 2/ 10 - 12