المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولرواية أبي علي بن السكن (294 - 353) ه - روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» - جـ ١

[جمعة فتحي عبد الحليم]

فهرس الكتاب

- ‌حول ألفاظ عنوان الرسالة

- ‌1 - الاختلاف:

- ‌2 - الرواية:

- ‌3 - النسخة:

- ‌الاختلاف في تسمية «صحيح البخاري»

- ‌الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع

- ‌تمهيد

- ‌المحور الأول:وضع المحدثين ضوابط وآداب لتحمل الرواية(التحمل والأداء)

- ‌أولًا: التحمل

- ‌سن التحمل:

- ‌ السماع من لفظ الشيخ

- ‌القراءة على الشيخ أو العرض

- ‌ثانيًا: الأداء

- ‌1 - طرق الأداء:

- ‌2 - آداب الرواية (أي: الأداء):

- ‌3 - حالات الإمساك عن الأداء:

- ‌4 - شروط الأداء:

- ‌المحور الثاني:وضع المحدثين ضوابط لضبط الكتاب وتقييده والحفاظ عليه

- ‌كتابة الحديث وكيفية ضبطه

- ‌ في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده:

- ‌الباب الأول«طبقات الرُّواة»

- ‌تمهيد

- ‌الفَصْل الأول«طبقات الرُّواة عن البُخارِيّ»

- ‌المبحث الأولرواية إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي (295) ه

- ‌المبحث الثانيرواية حماد بن شاكر النَّسفي (311) ه

- ‌المبحث الثالثرِواية أبي عبد الله الفَرَبْريّ (231 - 320) ه

- ‌المبحث الرابعباقي الرُّواة عن البُخارِيّ

- ‌رواية أبي طلحة البّزدوي (329) ه

- ‌رِواية أبي عبد الله المحاملي (330) ه

- ‌الفَصْل الثاني«الرُّواة عن الفَرَبْريّ»

- ‌المبحث الأولرِواية أبي علي بن السَّكن (294 - 353) ه

- ‌المبحث الثانيرِواية أبي زيد المَرْوَزيّ (371) ه

- ‌المبحث الثالثرِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) ه

- ‌المبحث الرابعرِواية أبي محمد الحَمُّوييّ (381) ه

- ‌المبحث الخامسرِواية أبى الهيثم الكُشْمِيهَني (389) ه

- ‌المبحث السادسباقي الروايات عن الفربري

- ‌ رِواية حفيد الفَرَبْريّ (371) ه

- ‌ رِواية أبي أحمد الجرجاني (373) ه

- ‌ رِواية ابن شَبُّويه (378) ه

- ‌ رِواية النُّعَيميّ (386) ه

- ‌ رِواية الإشتيخني (381) ه

- ‌ رِواية أبي علي الكُشّانيّ (391) ه

- ‌ رِواية الأَخْسِيكَتي (346) ه

- ‌ رِواية محمد بن خالد الفَرَبْريّ

- ‌ رواية أبي لقمان يحيى بن عمار الختلاني

- ‌الفَصْل الثالث«أشهر الروايات بين العلماء حتى القرن السادس الهجري»

- ‌المبحث الأولرِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) ه

- ‌المطلب الأولترجمة أبي ذر الهَرَويّ

- ‌المطلب الثانيرِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) ه

- ‌المطلب الثالثالنسخ الموجودة من رِواية أبي ذر الهَرَويّ

- ‌المبحث الثانيرِواية الأَصِيلي (392) ه

- ‌المبحث الثالثرِواية أبي الوَقْت (553) ه

- ‌المبحث الرابعرِواية كريمة المَرْوَزيّة (463) ه

- ‌خاتمة الباب الأول

- ‌الباب الثاني«الاختلاف بين الروايات»

- ‌الفصل الأول:صور الاختلافات

- ‌أولًا: السياق العام للكتاب

- ‌ثانيًا: اختلافات في أسانيد الأحاديث وهي أنواع:

- ‌ثالثًا: الاختلافات الواردة في متون الأحاديث: وهي أنواع:

- ‌رابعًا: الاختلافات الواقعة في الأبواب والتراجم والمعلقات:

الفصل: ‌المبحث الأولرواية أبي علي بن السكن (294 - 353) ه

‌المبحث الأول

رِواية أبي علي بن السَّكن (294 - 353) ه

ـ

اسمه ونسبه (1):

هو سعيد بن عثمان بن السَّكن، أبو علي، الحافظ، البزاز، نزيل مصر، وأصله من بغداد.

ولد سنة أربع وتسعين ومائتين، نزل مصر بعد أن أكثر الترحال ما بين النهرين: نهر جيحون، ونهر النيل.

شيوخه: لقد سمع ابن السَّكن من شيوخ كثيرين ومن أقطار متعددة، فسمع ببغداد من أبي القاسم البَغَويّ، وابن أبي داود وطبقتهما، وسمع بحرّان من الحافظ أبى عروبة وطائفة.

وبدمشق من أحمد بن عمير بن جوصا، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي، ومحمد ابن خزيم وجماعة من بقايا أصحاب هشام بن عمار.

وبخراسان سمع «صحيح البُخارِيّ» من محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، فكان أول من جلب «الصحيح» إلى مصر وحدث به، ولحق بمصر محمدَ بن محمد بن بدر الباهلي، وعليَّ بن أحمد بن علان، وأبا جعفر الطحاوي، وغيرهم.

وسمع بنيسابور من أبي حامد بن الشرقي، ومكي بن عبدان.

وكان رحمه الله واسع الرحلة، وأعانه على ذلك التكسبُ بالتجارة؛ فقد كان معروفًا بتجارة البزِّ.

(1) انظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» 26/ 88، «سير أعلام النبلاء» 16/ 117 (85)، «تذكرة الحفاظ» 3/ 937، «الوافي بالوفيات» 15/ 242 (341)، «شذرات الذهب» 3/ 12.

ص: 214

تلاميذه:

لقد تتلمذ على يد ابن السَّكن كثير من العلماء، حيث سمعوا منه مروياته ومسموعاته كما سمعوا منه «صحيح البُخارِيّ» .

وممن سمع منه «الصحيح» وحدث به: عبد الله بن محمد بن أسد القُرْطُبِي (310 - 395) هـ، وأبو جعفر بن عون الله (300 - 378) هـ، والقاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مُفَرِّج (315 - 380) هـ.

كما حدث عنه أبو سليمان بن زَبَر، وأبو عبد الله بن منده، وعبد الغني بن سعيد الأزدي، وعلي بن محمد الدَّقّاق، وعبد الرحمن بن عمر بن النَّحاس، وجماعةٌ من الأندلسيين والمصريين.

مكانته العلمية:

وصف ابنَ السَّكن كثيرٌ من العلماء بأعلى صفات المدح والثناء، فقد قال فيه الإمام الذَّهَبِيّ: الإمام الحافظ المجوَّد الكبير (1)، وقال فيه أيضًا: الحافظ الحجة (2).

وقال ابن العماد: صاحب التصانيف وأحد الأئمة

وكان ثقة حجة (3).

ولم تقتصر عبارات العلماء على وصفه بالإمامة والحفظ، وإنما وصف رحمه الله تعالى بأنه ممن كان له عناية بعلوم الحديث والتصنيف فيها.

قال الذَّهَبِيّ: وعُني بهذا الشأن، وجمع، وصنف وبَعُد صيتُه (4)، وقال في «السير»: جمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل (5).

(1)«سير أعلام النبلاء» 16/ 117.

(2)

«تذكرة الحفاظ» 3/ 937.

(3)

«شذرات الذهب» 3/ 12

(4)

«تذكر الحفاظ» 3/ 937.

(5)

16/ 117.

ص: 215

وقال في «التاريخ» : وكان كبير الشأن مكثرًا متقنًا مصنفًا بعيد الصيت (1).

وقال ابن حجر - بعد أن حكى اختلاف الروايات في أحد شيوخ البُخارِيّ -: والعمدة على ما قال ابن السَّكن فإنه حافظ اهـ (2).

مصنفاته:

مما سبق في أقوال العلماء فيه، يتبين لنا أن ابن السَّكن كان مصنفًا بعيد الصيت مهتمًّا بهذا الشأن.

ويبدو أن مصنفاته لم تنتشر عند المشارقة، ومن المصنفات التي وقفت عليها له: كتابه: «الصحيح المنتقى» والكتاب كما هو واضح من اسمه مصنف في الصحيح المجرد، وهذا الكتاب اشتهر عند المغاربة وأهل الأندلس، وكثيرًا ما ينقل منه شراح الحديث، وخاصة ابن حجر في «الفتح» .

قال الذَّهَبِيّ: كان ابن حزم يثني على «صحيحه المنتقى» ، وفيه غرائب (3)، وقال في «التاريخ»: وهو كبير (4).

ومن مصنفاته أيضًا والتي لها قيمة كبيرة جدًّا: كتاب في الصحابة؛ حيث لم يخلُ كتاب أُلِّف في الصحابة بعده إلا وقد استفاد منه.

ولكن للأسف فإن الكتابين ما زالا مجهولين في مكتبات العالم، ولم يُعرف عنهما شيئٌ إلا من خلال الكتب التي نقلتْ عنهما.

وفاته:

تُوفي رحمه الله تعالى في المحرم سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.

(1) 26/ 88.

(2)

«فتح الباري» (3/ 549).

(3)

«سير أعلام النبلاء» 16/ 117.

(4)

26/ 88.

ص: 216

رِواية ابن السَّكن لـ «الصحيح»

مما سبق يتبين لنا أن أبا علي بن السَّكن قد سمع «صحيح البُخارِيّ» من الفَرَبْريّ بخراسان، ويعتبر ابن السَّكن أول الرُّواة عن الفَرَبْريّ موتًا فيما وقفت عليهم؛ حيث توفي سنة (353) هـ، ويبدو - والله أعلم - أن سماع أبي علي بن السَّكن من الفَرَبْريّ كان مبكرًا؛ حيث ولد ابنُ السَّكن سنة (294) هـ وتوفي الفَرَبْريّ (320) هـ فيكون بينهما على أقصى تقدير أربعة وعشرون عامًا.

وقد صرح الذَّهَبِيّ في «سير أعلام النبلاء» في ترجمة ابن السَّكن أنه أول من جلب «الصحيح» إلى مصر وحدث به بعد أن سمعه بخراسان من الفَرَبْريّ.

ولحق ابنُ السَّكن في مصر محمدَ بن محمد بن بدر الباهلي، ولم أقف على سنة وفاته، كما أدرك أبا جعفر الطحاوي المتوفى سنة (321) هـ مما يعني أنه حدث بـ «الصحيح» بعد سماعه بخراسان قبل سنة (321) هـ.

وقد اشتهرت رِواية ابن السَّكن في بلاد الأندلس عن طريق ثلاثة رواة فيما وقفت عليه من تراجم:

الأول: عبد الله بن أسد الجهني (310 - 395)(1).

هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد، أبو محمد، الجهني،

(1) ينظر ترجمته في: «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي 1/ 248 (759)، «جذوة المقتبس» 234 - 235، «ترتيب المدارك» 2/ 440 - 441، «الصلة» لابن بَشْكُوال ص: 245 - 247 (558)، «بغية الملتمس» 331، 332، «تاريخ دمشق» 21/ 218 - 220، «تاريخ الإسلام» 27/ 315 - 316، «سير أعلام النبلاء» 17/ 83 - 84، «الوافي بالوفيات» 15/ 42 (341)، «النجوم الزاهرة» 3/ 338، «حسن المحاضرة» 1/ 351 - 352 (55)، «شذرات الذهب» 3/ 12، «الأعلام» 3/ 98، وغيرها.

ص: 218

الطُليطِلي، البزّار، القُرْطُبِي، الفقيه الأديب.

ولد سنة عشر وثلاثمائة من الهجرة.

شيوخه: سمع بقرطبة من قاسم بن أصبغ وغيره، وارتحل فسمع من أبي محمد ابن الورد، وأبي علي بن السَّكن بمصر، وأبي العباس السُّكري، وابن فِراس، وحمزة الكناني وغيرهم.

كما سمع بمكة من أحمد بن محمد بن أبي الموت، وصحب القاضي منذر بن سعيد، وكانت رحلته إلى المشرق سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة.

وكانت رحلته هذه مع أبي جعفر أحمد بن عون الله وأبي عبد الله بن مُفَرِّج، وسمع معهما «الصحيح» من ابن السَّكن بمصر، ورُغب إليه إذ قدم الأندلس أن يحدث، فقال: لا أحدث ما دام صاحباي حيين، فلما ماتا، جلس للسماع فأخذ الناس عنه.

تلاميذه: حدث عنه من كبار العلماء: أبو الوليد بن الفرضي، والقاضي أبو المطرف بن فطيس، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر الحذاء، والخولاني وغيرهم.

وممن روى عنه «الصحيح» : ابن عبد البر وأبو عمر الحَذّاء.

مكانته العلمية:

قال القاضي عِياض: من أهل الفقه والرِّواية .. وتوسع في السماع، وكان ضابطًا متقنًا للرِواية، حسنَ الحديث، فصيحَ اللسان، حاضرَ الجواب، جليلَ القدر (1).

ونقل ابن بَشْكُوال عن أبي عمر بن الحذاء قوله: كان أبو محمد هذا شيخًا فاضلًا، رفيعَ القدر، عاليَ الذكر

ما رأيت أضبطَ لكتبه وروايته

(1)«ترتيب المدارك» 2/ 440 - 441.

ص: 219

منه (1).

كما نقل عن الخولاني قوله فيه: كان شيخًا ذكيا، حافظًا لغويًا، من أهل العلم متقدمًا في الفهم (2).

وقال الذَّهَبِيّ: الإمام العلامة، عالم الأندلس (3).

وقال أيضًا: كان من أوعية العلم، رأسًا في اللغة، فقيهًا محررًا، عالمًا بالحديث، كبير القدر (4).

وفاته: توفي رحمه الله تعالى في يوم الإثنين لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، ودفن بمقبرة متعة (5)، وصلى عليه القاضي أبو العباس بن ذكوان رحمه الله تعالى.

الثاني: أبو عبد الله بن مُفَرِّج (315 - 380)(6)

هو محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مُفَرِّج، أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر الأندلسي القُرْطُبِي مولى بني أمية. المعروف والده

(1)«الصلة» ص: 245.

(2)

«الصلة» ص: 246.

(3)

«سير أعلام النبلاء» 16/ 83.

(4)

«سير أعلام النبلاء» 16/ 84.

(5)

هي مقبرة مشهورة في بلاد الأندلس وقد أكثر ابن الفرضي (403 هـ) من ذكر كثيرٌ من العلماء الذين دفنوا فيها وذلك في كتابه «تاريخ علماء الأندلس» ، ينظر التراجم (150، 187، 214، 417) وغير ذلك من التراجم من هذا الكتاب.

(6)

ينظر ترجمته في: «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي 2/ 93 - 95 (1360)، «تاريخ ابن عساكر» 51/ 114 - 117، «تاريخ الإسلام» 26/ 663 - 664، «سير أعلام النبلاء» 16/ 390 - 392، «الوافي بالوفيات» 2/ 515، «مرآة الجنان» 2/ 409، «ونفح الطيب» 2/ 218 - 219 (135) وغيرهم.

ص: 220

بالقنتوري. ولد سنة خمس عشرة وثلاثمائة.

شيوخه: سمع بقرطبة من أبيه ومن قاسم بن أصبع، وبمكة أبا سعيد بن الأعرابي، وبمصر محمّدَ بن الصموت وابنَ السَّكن، وخيثمةَ بأطرابُلس الشام، وأبا ميمون بن راشد بدمشق وطبقتهم.

ورحل إلى المشرق سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وبقي فيه حتى بعد سنة خمسٍ وأربعين وثلاثمائة.

وعدة شيوخه مائتان وثلاثون شيخًا.

تلاميذه: روى عنه: الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد الصوفي - وهو شيخه - وأبو الوليد عبد الله بن الفرضي، وإبراهيم بن شاكر، وعبد الله بن الربيع التميمي، وأبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي.

كان من أئمة هذا الشأن وممن له تصانيف فيه، ومنها:«مسند حديث قاسم بن أصبغ» ، و «فقه الحسن البصري» و «فقه الزهري» ، وغيرها.

قال فيه ابن الفرضي: وكان حافظًا للحديث عالمًا به بصيرًا بالرجال، صحيح النقل، جيد الكتاب على كثرة ما جمع (1).

وقال أبو عبد الله بن عفيف: كان ابن مُفَرِّج من أغنى الناس بالعلم، وأحفظهم للحديث، ما رأيت مثله في هذا الفن، من أوثق المحدثين وأجودهم ضبطًا.

وقال القاضي عِياض في ترجمة أبيه: وأما ابنه أبو عبد الله فتفرد بعلم الحديث، وكان من أعلم أهل الأندلس به وأقومهم عليه وأوثقهم فيه.

وقال فيه الذَّهَبِيّ: الإمام الفقيه الحافظ القاضي (2).

ص: 221

وفاته: توفي رحمه الله ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثمانين وثلاثمائة، ودفن يوم الجمعة بعد صلاة العصر في مقبرة الرّبض (1) قرب قبر أبي جعفر أحمد بن عون الله رحمهما الله تعالى.

الثالث: أبو جعفر بن عون الله (300 - 378) هـ (2)

هو أبو جعفر أحمد بن عون الله بن حدير بن يحيى بن تبع بن تبيع البزاز القُرْطُبِي، ولد سنة ثلاثمائة.

شيوخه: سمع بقرطبة من قاسم بن أصبغ ومحمد بن عبد الله بن دليم وغيرهما من أهل قرطبة، ورحل فسمع بمكة من ابن الأعرابي وابن فِراس وأبي الحسن محمد ابن جبريل بن الليث العجيفي.

وسمع بطرابلس الشام من خيثمة بن سليمان بن حيدرة الطرابلسي.

وبدمشق من الأذرعي أبى يعقوب، وأبي الميمون الدمشقي وغيرهم.

وسمع بمصر من أحمد بن سلمة الضحاك الهلالي، وعبد الله بن جعفر بن الورد البغدادي، وبكر بن العلاء القشيري القاضي، وسعيد بن السَّكن وغيرهم.

تلاميذه: روى عنه: أبو الوليد بن الفرضي وأبو عمر الطلمنكي وجماعة.

أقوال العلماء فيه: قال ابن الفرضي: كان شيخا صالحًا صدوقا، صارمًا في السنة، متشددًا على أهل البدع، وكان لهجًا بهذا النوع، صبورًا

(1) هي مقبرة مشهورة في بلاد الأندلس وقد أكثر ابن الفرضي (403 هـ) من ذكر كثيرٌ من العلماء الذين دفنوا فيها وذلك في كتابه «تاريخ علماء الأندلس» ، ينظر التراجم (195، 206، 395، 404) وغيرها.

(2)

«تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي 1/ 54 (183)، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 390.

ص: 222

على الأذى فيه، كتب عنه الناس قديمًا وحديثًا، وكتبت عنه (1).

وقال فيه الذَّهَبِيّ: الشيخ المحدث الإمام الرحال (2).

وفاته: توفي رحمه الله ليلة السبت لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، ودفن بمقبرة الرَّبض، وصلى عليه القاضي محمد بن يبقى رحمه الله تعالى (3).

وكان سماع هؤلاء الثلاثة من أبي علي سعيد بن السَّكن بمصر مجتمعين أثناء رحلتهم إلى بلاد المشرق، ثم عادوا إلى بلاد الأندلس، وطلب الناس من عبد الله بن محمد الجهني (395) هـ أن يحدث بما سمع، فامتنع وقال: لا أحدث ما دام صاحباي حيَّين، فلما ماتا جلس للسماع فأخذ الناس عنه (4).

ورِواية ابن السَّكن يبدو أنها لم تنتشر إلا من خلال هؤلاء الرُّواة الثلاثة عنه، وهؤلاء الثلاثة من بلاد الأندلس، وهذا يفسر لنا اشتهار هذه الرِّواية في بلاد الأندلس.

يقول أبو علي الجَيّانيّ: وقد روى «الجامع» عن ابن السَّكن جماعة من أهل الأندلس منهم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى بن مُفَرَّج،

(1)«تاريخ علماء الأندلس» 1/ 54.

(2)

«سير أعلام النبلاء» 16/ 390.

(3)

هو أبو بكر محمد بن يبقى بن زَرب القاضي القرطبي المالكي صاحب التصانيف وأحفظ أهل زمانه بمذهب مالك، سمع قاسم بن أصبغ وجماعة فولي القضاء سنة سبع وستين وثلاثمائة إلى أن مات سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. انظر «العبر» 1/ 165، «الديباج المذهب» لابن فرحون (ص: 142).

(4)

«الصلة» 1/ 245 (558).

ص: 223

وأبو جعفر أحمد بن عون الله وغيرهما رحمهم الله أجمعين (1).

ومن النصوص السابقة يتبين لنا أن رِواية ابن السَّكن سمعها الثلاثة سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة هـ في أثناء رحلتهم إلى المشرق، ولم يعرف تاريخ الرجوع إلى بلاد الأندلس، ولكن مما لا شك فيه أن رجوعهم كان قبل وفاة أولهم موتًا، وهو أبو جعفر بن عون الله حيث توفي سنة (378) هـ حيث كان سماع العلماء لهذة الرِّواية من خلال ابن عون الله وابن مُفَرِّج حتى وفاته سنة (380) هـ، وبعدها جلس ابن أسد الجهني حتى وفاته سنة (395) هـ.

وتأخر وفاة الإمام ابن أسد الجهني حتى عام (395) هـ يفسر لنا اشتهار رِواية ابن السَّكن من طريقه في بلاد الأندلس، حيث جعل ذلك روايته أعلى إسنادًا، مما جعل إقبال الناس عليها أولى من غيرها.

ومن أشهر العلماء الذين عرفت لهم رِواية عن عبد الله بن أسد الجهني، عن ابن السَّكن: الحافظان الإمامان أبو عمر يوسف بن عبد البر المتوفى سنة (463) هـ، والحافظ أبو عمر أحمد بن محمد بن يحيى الحذاء.

ونظرًا لمكانة كلً منهما في بلاد الأندلس والمغرب العربي فقد أقبل الناس على رِواية ابن السَّكن من طريقهما.

فقد روى عنهما الإمام الحافظ أبو علي الجَيّانيّ المتوفى سنة (498) هـ (2)، وأبو عبد الله بن عيسى القاضي، وعنهما أخذ القاضي عِياض كما في

(1)«تقييد المهمل» 3/ 1068.

(2)

ينظر الجدول الخاص بأسانيد ابن السَّكن.

ص: 224

«مشارق الأنوار» (1).

ويروي لنا ابن بَشْكُوال في كتابه «غوامض الأسماء المبهمة» (2) في ترجمة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وابنتها أمامة - أو أميمة - حديثًا من رِواية ابن السَّكن، رواه عن شيخه أبي الحسن يونس بن محمد بن مغيث القُرْطُبِي ت (532) هـ عن أبي عمر أحمد ابن محمد القاضي الحذاء، عن أبي محمد بن أسد، عن ابن السَّكن، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ من حديث أسامة بن زيد (3).

أما رِواية رفيقَيِ ابن أسد الجهني وهما: ابن عون الله ت (378) هـ وابن مُفَرِّج (380) هـ، فقد عرفت في بلاد الأندلس أيضًا، فقد روى الحافظ أبو عبد الله بن نبات «صحيح البُخارِيّ» رِواية ابن السَّكن من طريقهما، وعنه: محمد بن عتاب، وعنه: ولده أبو محمد عبد الرحمن بن محمد، وعنه: القاضي عِياض ت (544) هـ كما في «المشارق» .

كما ذكر لنا أيضًا ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة (456) هـ أحاديثَ من «الصحيح» في كتابيه «المحلى» و «جمهرة أنساب العرب» من رِواية شيخه عبد الله بن ربيع، عن ابن مُفَرَّج، عن ابن السَّكن، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ (4).

(1) ينظر الجدول الخاص بأسانيد القاضي عِيَاض.

(2)

ص: 305.

(3)

«صحيح البُخَارِيّ» 7/ 117 (5655) كتاب: المرضى، باب: عيادة الصبيان.

(4)

ينظر «المحلى» 1/ 82 حديث هرقل الطويل وهو في «الصحيح» كتاب: بدء الوحي 1/ 8، 9، 10 (7)، وينظر «المحلى» أيضًا 1/ 106 مسألة رقم (125) من حديث علي في غسل الذكر من المذي، وهو في «الصحيح» كتاب: الغسل، باب: غسل المذي والوضوء منه 1/ 62 (269) وفي «جمهرة أنساب العرب» 1/ 234 / 235، باب بني قمعة بن إلياس.

ص: 225

وبعد أن ظلت هذه الرِّواية - رِواية ابن السَّكن - في بلاد الأندلس عادت إلى بلاد المشرق مرة أخرى في الاشتهار في القرن التاسع وما بعده؛ حيث نجد ابن حجر العسقلاني (852) هـ يروي رِواية ابن السَّكن من طريق أبي علي الجَيّانيّ (498) هـ عن الحافظين ابن عبد البر وأبي عمر الحذاء، عن أبي محمد الجهني عنه (1).

ومن طريق ابن حجر تتصل هذه الرِّواية بالإمام القَسْطَلّانِيّ في شرحه على «الصحيح» (2).

ومن الملاحظ أن الإمام شرف الدين اليُونِينِيّ ت (701) هـ - صاحب النسخة المشهورة من «الصحيح» والتي عليها مدار المشارقة حتى اليوم - لم يذكرها من بين الروايات التي جمعها لنسخ «الصحيح» ورواياته، ولم يشر إليها في حواشي نسخته مما يؤكد عدم اشتهار هذه الرِّواية في بلاد المشرق حتى عصر اليُونِينِيّ.

مظان رِواية ابن السَّكن

من أراد الوقوف على رِواية ابن السَّكن من «الصحيح» وجد صعوبة في ذلك، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم دقة من قاموا بفهرسة نسخ ومخطوطات «الصحيح» في مكتبات العالم المختلفة وليس ذلك خاصًّا برِواية ابن السَّكن وحدها، إلا ما حدث مع بعض الروايات التي اشتهرت مؤخرًا، مثل رِواية أبي ذر الهَرَويّ وبعض الروايات الأخرى.

وقد وقفت على ذكر للمجلد الأول من رِواية ابن السَّكن، فقد ذكر

(1) ينظر الجدول الخاص بأسانيد ابن حجر العسقلاني.

(2)

ينظر الجدول الخاص بأسانيد القَسْطَلّانِيّ.

ص: 226

الأستاذ محمد المنوني (1) أنه يوجد في الخزانة الوقفية بالجامع الأعظم من مدينة تازة المجلد الأول من رِواية ابن السَّكن، وهي بخط عبد المهيمن بن علي بن علي بن حرز الله التميمي عام ثمانية وتسعين وستمائة للهجرة، وهو منقول ومقابل بأصل أبي الحسن ابن مغيث المكتوب بخط أبي عمر الطلمنكي (2).

والأمر الذي يهمنا في هذا الوصف هو مقابلة هذه النسخة على أصل أبى الحسن يونس بن محمد بن مغيث القُرْطُبِي المعروف بابن الصفار، المتوفى سنة (532) هـ وهو معروف ومشهور بروايته عن أحمد بن محمد بن يحيى بن الحذاء، عن عبد الله بن محمد بن أسد الجهني (395) هـ عن ابن السَّكن (3).

ومما يدل على اشتهار ابن مغيث بهذه الرِّواية المسندة إلى ابن السَّكن أن ابن خير الأشبيلي في «فهرسته» يسند هذه الرِّواية من جهته (4).

وهناك بعض الكتب التي نص مؤلفوها على روايتهم لها، ومقارنتها بروايات «الصحيح» منها:

(1) أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب ودار الحديث الحسنية في بحث «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» ، ص:134.

(2)

هو أحمد بن محمد بن عبد الله المقرئ الطلمنكي، كان محدثا إمامًا في القراءات، وثقة في الرواية، سمع بالأندلس من محمد بن أحمد بن مفرج، وأبى جعفر أحمد بن عون الله، وروى عنه الإمامان: ابن حزم وابن عبد البر وطبقتهما، مات بعد العشرين وأربعمائة. ينظر «تذكرة الحفاظ» 3/ 1098 (994)، «الوافي بالوفيات» 8/ 32 (3432)، «طبقات المفسرين» للداودي 1/ 79 (72).

(3)

ينظر الجدول الخاص برواية ابن السَّكن السابق ذكره.

(4)

ينظر «فهرسة ما رواه عن شيوخه» ص: 95.

ص: 227

1 -

كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجَيّانيّ (498) هـ.

2 -

كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عِياض (544) هـ.

3 -

كتاب «فتح الباري بشرح صحيح البُخارِيّ» لابن حجر العسقلاني (852) هـ.

4 -

«إرشاد الساري شرح صحيح البُخارِيّ» للعلامة القَسْطَلّانِيّ (923) هـ.

فهذه الكتب ذكر مؤلفوها المقارنات في الألفاظ المختلف فيها من «الصحيح» بين الروايات، ومنها رِواية ابن السَّكن كما يتبين ذلك من مقدمات هذه المصنفات.

ومن استقراء النصوص يمكن استخلاص بعض هذه المعالم كما يلي:

1 -

اهتمامه وعنايته بنسبة شيوخ البُخارِيّ المهملين:

كان ابن السَّكن - رحمه الله تعالى - ممن له عناية خاصة بنسخته من «صحيح البُخارِيّ» التي سمعها من الفَرَبْريّ بخراسان، فقد كان ممن يصنف ويَجْرَح ويعدِّل ويصحِّح ويعلِّل، كما ذكر ذلك الذَّهَبِيّ عنه (1).

ونسخة ابن السَّكن كانت لها قيمة خاصة جدًّا في التعريف بشيوخ البُخارِيّ الذين أهمل أنسابهم اعتمادًا على شهرتهم، وكانت طريقته في ذلك كما جاء في «الفتح» (2) أن يذكر نسبة الشيخ المهمل، ويذكر قبلها كلمة:(يعني) للدلالة على الزيادة من عنده على الرِّواية، فيقول مثلا: يزيد - يعني: ابن زريع -.

ص: 228

ولذلك نجد الإمام أبا علي الجَيّانيّ (498) هـ يقول في مقدمة القسم الخاص بالتعريف بشيوخ البُخارِيّ من كتابه الشامل «تقييد المهمل» وهو يعدد من كان له مشاركة في هذا المجال قبله - يقول -: وقد نسب أبو علي ابنُ السَّكن جماعة منهم في نسخته من «الجامع» التي رواها عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ (1).اهـ.

وكثيرًا ما كان أبو علي الجَيّانيّ ينقل أقوال ابن السَّكن في شيوخ البُخارِيّ.

فعلى سبيل المثال يقول في حرف الألف ممن اسمه أحمد: قال البُخارِيّ في كتاب الصلاة في موضعين، وفي الجنائز في موضعين، وفي العيدين، وفي الحج في ثلاثة مواضع، وفي الجهاد والمغازي، وبدء الخلق، وتفسير سورة الأحقاف: حَدَّثَنا أحمد، نا ابن وهب. نسبه أبو علي بن السَّكن في نسخته التي رويناها من طريق أبي محمد بن أسد عنه فقال فيه: أحمد بن صالح المصري. اهـ.

فابن السكن في روايته قد ميز الشيخ المهمل للبخاري عن ابن وهب فذكر أنه ابن صالح المصري.

ثم بدأ الجَيّانيّ يفرد هذه المواضع موضعًا موضعًا، ويؤيد ما ذهب إليه ابن السَّكن إن وافقه، أو يأتي بما يدل على المخالفة من أقوال العلماء إن خالفه.

والمواضع في هذا القسم التي ينقل فيها أبو علي الجَيّانيّ نسبة ابن السَّكن لشيوخ البُخارِيّ كثيرة، وفي هذه المواضع يقول الجَيّانيّ: نسبه ابن السَّكن. ثم يذكر من وافقه من العلماء على نسبته هذه، وهو كثير، وأحيانا

(1) 2/ 942.

ص: 229

يخالفه أبو علي وينازعه في هذه النسبة، فيقول مثلًا: وهو ضعيف عندي (1).

ولقد حاولت استقراء هذه المواضع التي نقل فيها الجَيّانيّ عن ابن السَّكن فوجدتها كثيرة (2).

وينقل أبو علي الجَيّانيّ نقلًا مهمًّا عن ابن السَّكن يمثل قاعدة نهتدي بها ونحتكم إليها في شيوخ البُخارِيّ الذين أهمل أنسابهم فيقول.

أَخْبَرَنا أبو عمر أحمد بن محمد بن يحيى بن الحذاء قراءة مني عليه قال: أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد الجهني قال: نا أبو علي سعيد بن عثمان ابن السَّكن الحافظ قال: كل ما في كتاب البُخارِيّ مما يقول فيه: (نا محمد قال: أنا عبد الله)، فهو محمد بن مقاتل المَرْوَزيّ، عن عبد الله بن المبارك.

وما كان فيه: (محمد) عن أهل العراق، مثل: أبي معاوية وعبدة ويزيد بن هارون ومروان الفزاري، فهو محمد بن سلام البيكندي.

وما كان فيه: (نا عبد الله) غير منسوب فهو عبد الله بن محمد الجعفي المسندي، وهو مولى البُخارِيّ.

وما كان فيه: (عن يحيى) غير منسوب، فهو يحيى بن موسى البلخي

(1) كما في ص: 1003 أو يقول: وهو وهم كما في ص: 1014.

(2)

ومنها هذه المواضع وهي في المجلد الثالث ينظر: ص: 959، 962، 963، 965، 966، 971، 972، 973، 979، 980، 992، 993، 994، 996، 997، 999، 1003، 1014، 1017، 1018، 10200، 1022، 1023، 1024، 1025، 1026، 1027، 1028، 1029، 1030، 1031، 1032، 1034، 1035، 1037، 1041، 1046، 1050، 1056، 1057، 1059، 1060، 1063، 1065. كل هذه المواضع في نسبة ابن السَّكن لشيوخ البُخَارِيّ الذين أهمل أنسابهم يوافقه أبو على كثيرًا في نسبته ويخالفه أحيانًا.

ص: 230

المعروف بـ (خَت) وسائر شيوخه فقد نسبهم غير أصحاب ابن المبارك فهم جماعة.

وما كان فيه: (عن إسحاق) غير منسوب فهو إسحاق بن راهويه (1). اهـ.

ذكر مثالين برز فيهما قيمة رِواية ابن السَّكن في نسبة شيوخ البُخارِيّ المهملين:

الأول: ما جاء في «تقييد المهمل» وغيره: قال البُخارِيّ: وقال أبو صالح: حدثني عبد الله، عن يونس (2).

هكذا في «اليُونِينيّة» ، وفي حاشيتها: أبو صالح سَلَمُويَهْ.

فالرِّواية عند جمهور الرُّواة هكذا: أبو صالح حدثني عبد الله.

قال الجَيّانيّ: وفي رِواية أبي علي بن السَّكن: وقال أبو صالح سلمويه: حدثني عبد الله بن المبارك، عن يونس.

قال أبو علي: وروايته أولى ونسبته أصح، وأبو صالح سلمويه اسمه: سليمان بن صالح، مروزي (3) اهـ.

ويذكر ابن حجر في «الفتح» مخالفة بعض العلماء لابن السَّكن، ثم يرجح رِواية ابن السَّكن قائلًا: وجزم الإسماعيلي بأنه أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، وشيخه عبد الله - على هذا - هو ابن وهب.

وزعم الدمياطي أنه أبو صالح محبوب بن موسى الفراء الأنطاكي، ولم يذكر لذلك مستندًا .. والمعتمد هو الأول (4) اهـ. أي: رِواية ابن السَّكن.

(1)«تقييد المهمل» 3/ 1068 - 1069.

(2)

«صحيح البُخَارِيّ» 3/ 96 (2297) كتاب: الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده.

(3)

«تقييد المهمل» 2/ 619.

(4)

«الفتح» 4/ 476 - 477.

ص: 231

المثال الثاني: والذي يبين قيمة نسبة ابن السَّكن أيضًا.

ما جاء في حديث مغيرة بن شعبة (1): وفيه جاء شيخ البُخارِيّ مهملًا هكذا: حَدَّثَنا يحيى قال: حَدَّثَنا أبو معاوية.

وكذا جاء: (يحيى عن أبى معاوية) غير منسوب في موضعين آخرين من «الصحيح» ، الأول: في كتاب الجنائز، باب الجريد على القبر (2).

والثاني: كتاب التفسير تفسير سورة الدخان، باب:{يغشى الناس هذا عذاب أليم} (3)[الدخان: 11].

قال أبو علي: فنسب ابن السَّكن الذي في الجنائز: يحيى بن موسى، وأهمل الموضعين الآخرين، ولم أجدهما منسوبين لأحد من شيوخنا، فالله أعلم (4) اهـ.

وقال ابن حجر في «الفتح» معقبا ومتممًا لكلام الجَيّانيّ: فينبغي حمل ما أهمل على ما بين، وقد جَزم أبو نعيم بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن جعفر البيكندي، وذكر الكرماني أنه رأى في بعض النسخ هنا مثله.

قلت: والأول أرجح؛ لأن أبا علي بن شَبُّويه وافق ابن السَّكن عن الفَرَبْريّ على ذلك في الجنائز وهنا أيضًا، ورأيت بخط بعض المتأخرين: يحيى هو ابن بكير، وأبو معاوية هو شيبان النحوي. وليس كما قال، فليس ليحيى بن بكير عن شيبان رِواية.

وبعد أن ردد الكرماني يحيى بين ابن موسى أو ابن جعفر أو ابن معين

(1) 1/ 81 رقم (363) كتاب: الصلاة، باب الصلاة في الجبة الشامية.

(2)

2/ 95 (1361).

(3)

6/ 131 (4821).

(4)

«تقييد المهمل» 3/ 1060.

ص: 232

قال: وأبو معاوية يحتمل أن يكون شيبان النحوي، وهو عجيب؛ فإن كلًّا من الثلاثة لم يسمع من شيبان المذكور، وجزم أبو مسعود وكذا خلف في «الأطراف» وتبعهما المزي بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن يحيى.

وما قدمناه عن ابن السَّكن يرد عليهم وهو المعتمد، ولاسيما وقد وافقه ابن شَبُّويه، ولم يختلفوا في أن أبا معاوية هنا هو الضرير. (1) اهـ.

2 -

أهمية نسخة ابن السَّكن في الترجيح بين الروايات في الأوهام الواقعة في الأسانيد من قبل الرُّواة:

خصص أبو على الجَيّانيّ في كتابه «تقييد المهمل» قسمًا خاصًا لبيان الأوهام الواقعة في أسانيد «صحيح البُخارِيّ» الواقعة من قبل الرُّواة.

وقد نقل من رِواية ابن السَّكن نقولًا كثيرة فكان أحيانا يوافقه، وأحيانا يخالفه أو يستدرك عليه.

ومن الأمثلة على ذلك (2):

1 -

ما قاله: قال البُخارِيّ في كتاب التفسير، سورة التحريم (3): حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ فِي الْحَرَامِ: يُكَفِّرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

هكذا روى البُخارِيّ هذا الإسناد عن شيخه معاذ بن فضالة: هشام، عن يحيى، عن ابن حكيم كما في «اليُونِينيّة» ، وكلمة ابن حكيم مصححة

(1) 1/ 474، وينظر «هدي الساري» ص:254.

(2)

وهذه المواضع حاولت تتبعها ومنها: ص: 583، 593، 595، 619، 625، 632، 665، 668، 669، 690، 700.

(3)

6/ 156 (4911).

ص: 233

في أصل «اليُونِينيّة» ، وفي حاشيتها: هو يعلى بن حكيم الثقفي. وعليه علامة التصحيح والنسبة لرِواية أبي ذر الهَرَويّ.

وساق الجَيّانيّ (1) إسناد الحديث: هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعلى بن حكيم عن سعيد، ثم قال: هكذا إسناد هذا الحديث في روايتنا عن أبي علي بن السَّكن، وفي نسخة أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد وأبي زيد: نا هشام، عن يحيى، عن ابن حكيم - لم يسمه - عن سعيد بن جبير.

وفي نسخة أبى ذر: عن أبي محمد الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ: نا هشام، عن يحيى ابن حكيم، عن سعيد بن جبير.

قال أبو علي: وهذا خطأ فاحش، وصوابه: عن هشام عن يحيى - وهو ابن أبي كثير - عن يعلى بن حكيم كما روى عن ابن السَّكن، ورِواية أبي أحمد وأبي زيد مخلصة من الوهم. ثم ذكر الحديث بإسناده إلى إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام الدستوائي .. إلخ مؤيدًا لرِواية ابن السَّكن (2).

2 -

ما جاء في كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة: قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عياش بن الوليد، حَدَّثَنا الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي (3) .. إلخ.

(1)«التقييد» 2/ 699.

(2)

قلت: والحديث أخرجه مسلم في «صحيحه» (1473) كتاب: الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته من طريق إسماعيل بن إبراهيم أيضا بمثل رواية ابن السَّكن.

كما أخرجه البُخَارِيّ أيضًا 7/ 44 (5266) كتاب: الطلاق، باب لم تحرم ما أحل الله لك، ومسلم في الموضع السابق، كلاهما من رواية معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير .. بمثل رواية ابن السَّكن.

(3)

5/ 46 (3856).

ص: 234

هكذا الحديث عند البُخارِيّ كما في «اليُونِينيّة» وعلى كلمة: (عياش) علامة التصحيح.

قال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (1): هكذا روايتنا عن ابن السَّكن: عياش - بالشين المعجمة - وكذلك قال أبو ذر الهَرَويّ عن مشايخه، وكان في كتاب أبي محمد الأصيلي غير مقيد. وقال بعضهم: هو عباس بن الوليد - بباء معجمة بواحدة وسين مهملة - وزعم أنه ابن الوليد بن مَزْيَد - بزاي معجمة بعدها ياء معجمة باثنتين - الدمشقي، ثم البيروتي وليس هذا بشيء، وقد حَدَّثَنا أبو العباس العُذري عن أبي ذر أنه قال: عباس بن الوليد البيروتي متأخر، ولا أعلم البُخارِيّ ومسلمًا رويا عنه، وإنما يروي عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وأبو بكر النيسابوري، ومن كان في طبقتهما من المتأخرين.

قال: ولا أعلم للعباس بن الوليد بن مزيد رِواية عن الوليد بن مسلم، فإن أكثر ما روى: عن أبيه الوليد بن مزْيَد، وكان من أصحاب الأوزاعي رحمه الله. اهـ.

ولذا يقول الجَيّانيّ، أيضا (2): والصواب رِواية ابن السَّكن ومن تابعه.

3 -

ما جاء في كتاب الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال: قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عبد الله بن عبد الوهاب، حَدَّثَنا خالد بن الحارث، حَدَّثَنا سفيان، حَدَّثَنا أبو حصين: سمعت عمير بن سعيد النخعي (3).

قال الجَيّانيّ: هكذا رواه أبو علي بن السَّكن وأبو أحمد: سمعت عمير

(1) 2/ 534.

(2)

2/ 668.

(3)

8/ 158 (6778).

ص: 235

بن سعيد، وروي عن أبي زيد المَرْوَزيّ: عمير بن سعد - بسكون العين دون ياء بعدها - والصواب ما رواه ابن السَّكن وأبو أحمد وغيرهما (1).

وما كان على الصواب عند ابن السَّكن وغيره قد أزال إشكالًا عند بعض العلماء الذين أعلوا الحديث بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه.

قال ابن حجر في «الفتح» : وعمير بن سعيد بالتصغير، وأبوه - بفتح أوله وكسر ثانيه -: تابعي كبير ثقة. قال النووي: هو في جميع النسخ من الصحيحين هكذا.

ووقع في «الجمع» للحميدي: (سعد) بسكون العين، وهو غلط، ووقع في «المهذب» وغيره:(عمر بن سعد) بحذف الياء فيهما، وهو غلط فاحش.

قلت: ووقع في بعض النسخ من البُخارِيّ كما ذكر الحميدي، ثم رأيته في «تقييد» أبي علي الجَيّانيّ منسوبًا لأبي زيد المَرْوَزيّ، قال: والصواب: سعيد، وجزم بذلك ابن حزم، وأنه في البُخارِيّ: سعد بسكون العين، فلعله تابع الحميدي.

ووقع للنسائي والطحاوي: (عُمَر) بضم العين وفتح الميم كما في «المهذب» لكن الذي عندهما في أبيه: (سعيد)، ووقع عند ابن حزم في النسائي:(عمرو) بفتح أوله وسكون الميم والمحفوظ: (عمير) كما قال النووي.

وقد أعل ابن حزم الخبر بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه، وليست بعلة تقدح في روايته، وقد عرفه ووثقه من صحح حديثه. (2) اهـ.

(1)«التقييد» 2/ 746.

(2)

12/ 67 - 68.

ص: 236

4 -

ما جاء في كتاب الرقاق، باب في الحوض (1): قال البُخارِيّ وهو يعدد أسانيد حديث أبي هريرة: وقال الزبيدي، عن الزهري، عن محمد بن علي، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ.

كذا الإسناد في «اليُونِينيّة» . وهناك علامة التصحيح على كلمة: (عبيدالله).

قال الجَيّانيّ: كذا رويناه عن أبي علي بن السَّكن: عبيدالله بن أبي رافع، عن أبي هريرة.

وفي نسخة أبي محمد وأبي الحسن [أي: القابسي]: عبد الله بن أبي رافع - بتكبير عبد الله - وهو وهم. ورِواية ابن السَّكن أولى بالصواب، وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقي من حديث عبيدالله بن أبي رافع (2).

ونقل ابن حجر في «الفتح» كلام الجَيّانيّ في رِواية الأصيلى والقابسي عن أبي زيد المَرْوَزيّ، وأقره (3).

5 -

ما جاء في كتاب جزاء الصيد، باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين (4) قال: حَدَّثَنا أحمد بن يونس، حَدَّثَنا إبراهيم بن سعد، حَدَّثَنا ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله رضي الله عنه

الحديث. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة» .

وقد جاء هذا الإسناد مصحفًا عند أبي زيد المَرْوَزيّ وحده.

قال الجَيّانيّ: أتى هذا الحديث مرسلًا في رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ وحده: عن سالم بن عبد الله بن عمر ليس فيه: عن ابن عمر.

والصواب ما رواه ابن السَّكن وأبو أحمد ومن تابعهما: الزهري عن

(1) 8/ 120 - 121 (6586).

(2)

«تقييد المهمل» 2/ 744 - 745.

(3)

«فتح الباري» 11/ 474.

(4)

3/ 16 (1842).

ص: 237

سالم، عن عبد الله بن عمر متصلًا مسندًا (1).

وذكر ذلك ابن حجر أيضًا في «الفتح» وأشار إلى علة الوهم قائلًا: تصحفت (عن) فصارت (ابن)(2).

3 -

وقوع انفردات لرِواية ابن السَّكن دون غيره من الرُّواة:

من خلال تتبع النصوص التي ذكر فيها ابن السَّكن تبين أن رِواية ابن السَّكن قد انفردت ببعض الزيادات دون باقي الروايات، وهذه الزيادات منها ما هو في السند، ومنها ما هو في المتن، ومنها ما حكم العلماء بصحته، ومنها ما خالفه العلماء فيها.

فمن الزيادات التي جاءت في السند عند ابن السَّكن ووافقه عليها العلماء تلك الزيادات التي سبق ذكرها في نسبة كثير من الرُّواة، وخاصة شيوخ البُخارِيّ الذين أُهمل نسبتهم، والتي سبق ذكرها والمنقولة من كتاب «تقييد المهمل» لأبي علي الجَيّانيّ.

أما الزيادات في السند التي خالفه العلماء فيها فقد نبه الجَيّانيّ عليها في «تقييد المهمل» (3) قائلًا: ولابن السَّكن انفردات في الأسانيد غريبة قد تقدم التنبيه على كثير منها. اهـ.

وهذه الزيادات والانفردات أنواع:

النوع الأول: منها ما انفرد ابن السَّكن به مِنْ جَعْلِهِ بعضَ الرُّواة من رجال البُخارِيّ، بحيث لو صح ما رواه ابن السَّكن لكان الراوي على شرط البُخارِيّ.

ولم يقع لابن السَّكن من هذا النوع إلا في موضعين:

(1)«تقييد المهمل» 2/ 614.

(2)

«فتح الباري» 4/ 57.

(3)

2/ 695 - 696.

ص: 238

الأول: ما ذكر في أول كتاب الوصايا حيث قال البُخارِيّ: (حَدَّثَنا عمرو بن زرارة، أَخْبَرَنا إسماعيل عن ابن عون (1) ..) إلخ.

كذلك ذكر شيخ البُخارِيّ في «اليُونِينيّة» : (عمرو بن زرارة)، وقال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» في رِواية أبي علي بن السَّكن وحده، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ:(حَدَّثَنا إسماعيل بن زرارة، أنا إسماعيل ابن علية عن ابن عون). جعل مكان: (عمرو ابن زرارة)(إسماعيل بن زرارة) قال أبو علي: وَهِم، ولم أرَ هذا لغير ابن السَّكن.

وقد ذكر أبو الحسن الدارقطني وأبو عبد الله الحاكِم في شيوخ البُخارِيّ: إسماعيل بن زرارة الثغري، ولم يذكره أبو نصر الكلاباذي (2).

وأما عمرو بن زرارة فمشهور من شيوخه، حدث عنه في غير موضع من الكتاب عن عبد العزيز أبي حازم، وهشيم بن بشيد، وزياد البكائي، والقاسم بن مالك (3).

وقال ابن حجر: ووقع في رِواية أبي علي بن السَّكن بدل: (عمرو بن زرارة) في هذا الحديث (إسماعيل بن زرارة) يعني: الرقي.

قال أبو علي الجَيّانيّ: لم أرَ ذلك لغيره. قال وقد ذكر الدارقطني وأبو عبد الله بن منده في شيوخ البُخارِيّ إسماعيل بن زرارة الثغري، ولم يذكره الكلاباذي ولا الحاكِم (4).

ولم يذكر بنُ القيسراني (507) هـ إسماعيلَ بن زرارة في كتاب

(1) 4/ 3 (2741).

(2)

نقل الحافظ في «الفتح» خلاف هذا كما سيأتي، فهل هذا وهم في النقل أو اختلاف في النسخ؟ الله أعلم.

(3)

«التقييد» 2/ 625.

(4)

«الفتح» 5/ 361

ص: 239

«الجمع بين رجال الصحيحين» لكتابي أبي نصر الكلاباذي وأبي بكر الأصبهاني.

وقد راجعت كتاب «المدخل إلى الصحيح» لأبي عبد الله الحاكِم فوجدته قد ذكره في الباب الثاني عشر: ذكر مشايخ روى عنهم الشيخان في صحيحيهما وذكره فيمن انفرد بالرِّواية عنهم البُخارِيّ (1): إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي.

وذكر ابن عساكر في «المعجم المشتمل» (2) عن الدارقطني والبرقاني أنهما ذكراه في شيوخ البُخارِيّ.

وذكره المزي في «تهذيب الكمال» تمييزًا - وذكر حديث الباب الذي معنا كما هو عند جمهور الرُّواة - وقال: ووقع في رِواية أبي علي بن السَّكن وحده عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ: إسماعيل بن زرارة.

وذكر الدارقطني والبرقاني إسماعيل بن زرارة في شيوخ البُخارِيّ كما تقدم، وتابعهما على ذلك الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي وقال: روى عنه في الرقاق والتفسير، ولم يذكره الكلاباذي. وقال الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الأشبيلي في كتابه الذي سماه:«لسان البيان لما في كتاب أبي نصر من الإغفال والنقصان» : إسماعيل بن زرارة من الشذوذ الذي لا يلتفت إليه، ولعله من طغيان القلم، والله أعلم (3).

وقال ابن حجر - بعد أن نقل كلام المزي - في «تهذيب التهذيب» (4):

(1) 4/ 305 ترجمة رقم (134)

(2)

رقم (173)

(3)

3/ 119 - 123 (457).

(4)

1/ 156 - 157

ص: 240

وقد ذكر إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي أيضًا في شيوخ البُخارِيّ الحاكِم وأبو إسحاق الحبال وأبو عبد الله بن منده وأبو الوليد الباجي، وابن خلفون في:«الكتاب المعلم برجال البُخارِيّ ومسلم» . اهـ.

الموضع الثاني: ما جاء في «صحيح البُخارِيّ» كتاب التفسير، باب: ومن تفسير سورة النساء في قوله تعالى: {وأولى الأمر منكم} (1)[النساء: 59].

قال البُخارِيّ: (حَدَّثَنا صدقة بن الفضل، أَخْبَرَنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج ..) إلخ.

كذا في «اليُونِينيّة» وقال الجَيّانيّ: روايتنا عن أبي علي بن السَّكن في هذا الإسناد عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ: (حَدَّثَنا سنيد بن داود قال: نا حجاج ..) إلخ.

فجعل: (سنيد بن داود) بدل: (صدقة بن الفضل) وانفرد بذكر: سنيد بن داود (2).

وقال ابن حجر في «الفتح» قوله: (حَدَّثَنا: صدقة بن الفضل). كذا للأكثر، وفي رِواية ابن السَّكن وحده، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ:(حَدَّثَنا: سنيد)، وهو ابن داود المصيصي، واسمه: الحسين، وسنيد: لقب، وهو من حفاظ الحديث، وله تفسير مشهور، لكن ضعفه أبو حاتم والنسائي، وليس له في البُخارِيّ ذكر إلا في هذا الموضع، إن كان ابن السَّكن حفظه، ويحتمل أن يكون البُخارِيّ أخرج الحديث عنهما جميعًا، واقتصر الأكثر على صدقه لإتقانه، واقتصر ابن السَّكن على سنيد بقرينة التفسير (3) اهـ.

(1) 6/ 46 (4584).

(2)

«تقييد المهمل» 2/ 695، 3/ 1112.

(3)

8/ 253

ص: 241

وقال المزي في «التهذيب» في ترجمة سنيد بعد أن ذكر حديث الباب الذي معنا: وروى أبو علي سعيد بن عثمان بن السَّكن وحده، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ قال: حَدَّثَنا سُنيد، عن حجاج بن محمد. فذكره بإسناده.

قال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الأشبيلي - صاحب أبي علي الغساني في كتابه الذي صنفه على كتاب أبي نصر الكلاباذي -: والصواب ما روت الجماعةُ وليس بمبعد؛ فإن سنيدًا هذا صاحب تفسير، وذِكْر ابن السَّكن له في التفسير من الأوهام المحتملة؛ لأنه إنما ذكره في بابه الذي هو مشهور به، فهو قريب بعيد وبالله التوفيق (1).

النوع الثاني: الزيادات التي جاءت وهي بمعنى الإقحام في السند:

ومن أمثلة هذا النوع ما يلي:

أ - ما جاء في البُخارِيّ: كتاب صلاة الكسوف، باب قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد (2).

(وقال أبو أسامة: حَدَّثَنا هشام قال: أخبرتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء ..) الحديث.

كذا الإسناد في «اليُونِينيّة» لكن قال الجَيّانيّ: وقع في رِواية ابن السَّكن في إسناد هذا الحديث وهم، وذلك أنه زاد في الإسناد رجلًا، أدخل بين هشام وفاطمة: عروة ابن الزبير، والصواب: هشام عن فاطمة (3).

وتعقبه الحافظ ابن حجر في «الفتح» وقال: لعله كان عنده [أي: ابن السَّكن] هشام بن عروة بن الزبير، فتصحفت (ابن) فصارت (عن) وذلك من

(1)«تهذيب الكمال» 12/ 165 (2600).

(2)

2/ 39 (1061)

(3)

«تقييد المهمل» 2/ 598.

ص: 242

الناسخ، وإلا فابن السَّكن من الحفاظ الكبار (1).

ب - ما جاء في البُخارِيّ، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ} (2) [الفتح: 15] قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا أبو نعيم، حَدَّثَنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة .. إلخ. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة» .

وقال الجَيّانيّ: هكذا إسناد هذا الحديث عند جميع الرُّواة، ما خلا ابن السَّكن، فإنه قال فيه: نا أبو نعيم قال: نا سفيان، نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. فزاد في الإسناد رجلًا وهو سفيان الثوري (3).

وقال ابن حجر: ورأيت في رِواية القابسي عن أبي زيد المَرْوَزيّ: (حَدَّثَنا أبو نعيم، أراه: حَدَّثَنا سفيان الثوري: حَدَّثَنا محمد) فحذف لفظ (قال) بين قوله: أراه، وحَدَّثَنا. و: أراه بضم الهمزة، أي: أظنه، وأبو نعيم سمع من الأعمش ومن السفيانين عن الأعمش، لكن سفيان المذكور هنا هو الثوري جزمًا، وعلى تقدير ثبوت ذلك فقائل: أراه. يحتمل أن يكون البُخارِيّ، ويحتمل أن يكون من دونه وهو الراجح.

وقد خرجه أبو نعيم في «المستخرج» من رِواية الحارث بن أبي أسامة، عن أبي نعيم، عن الأعمش بدون الواسطة، وهذا من أعلى ما وقع لأبي نعيم من العوالي في هذا «الجامع الصحيح» (4).

(1)«فتح الباري» 2/ 547.

(2)

9/ 143 (7492)

(3)

«تقييد المهمل» 2/ 759.

(4)

«فتح الباري» 13/ 467 - 468.

ص: 243

النوع الثالث: انفراد ابن السَّكن بجعل راو مكان آخر، وكلاهما معروف بالرِّواية عن شيخ واحد.

ومن ذلك ما يلي:

1 -

ما جاء في «الصحيح» من كتاب اللباس، باب الحرير للنساء (1) قال: (حَدَّثَنا سليمان بن حرب، نا شعبة. وحدثني محمد بن بشر قال: نا غندر، نا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب، عن علي قال: كَسَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةً سِيَرَاءَ

) الحديث.

كذا في «اليُونِينيّة» . وقال الجَيّانيّ: هكذا إسناد الحديث عند رواة الفَرَبْريّ، وعند غيرهم من رواة البُخارِيّ إلا أبا علي بن السَّكن فإن في روايته:(شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال، عن علي قال: كساني النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا قال، جعل:(النزال بن سبرة) بدل: (زيد بن وهب)، والحديث محفوظ عن شعبة، عن عبد الملك ابن ميسرة، عن زيد بن وهب، عن علي.

وقد تقدم هذا الحديث في «الجامع» في موضعين في كتاب الهبة (2) وفي كتاب النفقات (3) أيضًا عن حجاج بن منهال، عن شعبة، عن عبد الملك، عن زيد بن وهب.

ورواه ابن السَّكن في الموضعين كما روته الجماعة على الصواب من حديث زيد بن وهب، وكذلك خرجه مسلم في كتاب اللباس (4) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة بهذا.

(1) 7/ 151 (5840).

(2)

باب: هدية ما يكره لبسها 3/ 163 (2614).

(3)

باب: كسوة المرأة بالمعروف 7/ 66 (5367).

(4)

باب: تحريم استعمال إناء الذهب 3/ 1645 (2071).

ص: 244

وحَدَّثَناه حكم بن محمد، نا أبو بكر قال: نا أبو بشر الدولابي، نا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر قال:(نا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب، عن علي) بهذه القصة (1).

وقال ابن حجر في «الفتح» : قوله: (عن زيد بن وهب). كذا للاكثر، وتقدم كذلك في الهبة والنفقات، وكذا عند مسلم، ووقع في رِواية أبي علي بن السَّكن [تحرفت في المطبوع من الفتح إلى: علي بن السكن] هنا وحده: (عن النزال بن سبرة) بدل: (زيد بن وهب)، وهو وهم، كأنه انتقل من حديث إلى حديث؛ لأن رِواية عبد الملك عن النزال، عن علي إنما هي في الشرب قائما كما تقدم في الأشربة (2)، وقد وافق الجماعة في الموضعين الآخرين (3).

2 -

ومنها أيضًا ما جاء في «الصحيح» من كتاب الأدب، باب لا تسبوا الدهر (4) قال البُخارِيّ:(حَدَّثَنا يحيى بن بكير، حَدَّثَنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه ..) الحديث. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة» .

قال الجَيّانيّ: هكذا رُوِي هذا الإسناد من حديث الليث عن يونس، عن ابن شهاب. وفي روايتنا عن ابن السَّكن:(نا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب). جعل عقيلًا مكان يونس. قال أبو علي: والحديث محفوظ ليونس بن يزيد عن الزهري بهذا الإسناد.

(1)«تقييد المهمل» 2/ 729 - 730.

(2)

باب الشرب قائمًا 7/ 110 (5615، 5616).

(3)

«فتح الباري» 10/ 296 - 297.

(4)

8/ 41 (6181)

ص: 245

وكذلك ذكره مسلم بن الحجاج من حديث ابن وهب عن يونس (1).

وقال محمد بن يحيى في كتاب «علل حديث الزهري» : (نا أبو صالح، نا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ..) الحديث. وهذه الرِّواية تقوي ما في رِواية ابن السَّكن إن كان حفظه (2).

فتبين من كلام الجَيّانيّ أن الحديث محفوظ ليونس عن الزهري، وقد خالفه ابن حجر في «الفتح» فقال: الحديث عند الليث عن شيخين (3).

4 -

وجود بعض المواضع سقط فيها بعض الرُّواة الذين ثبت ذكرهم عند باقي النسخ أو وجود بعض الأوهام.

ومن هذه المواضع:

1 -

ما جاء في كتاب الشفعة باب أي الجوار أقرب (4) وفي كتاب التفسير باب: ومن سورة الفتح (5).

حيث جاء شيخ البُخارِيّ هكذا: (علي نا شبابة). هكذا غير منسوب في كثير من الروايات، ومنها رِواية أبي ذر الهَرَويّ كما في «اليُونِينيّة» (6)، ونسبه ابن السَّكن فقال:(علي بن عبد الله) قال الجَيّانيّ: وهذا ضعيف عندي (7).

(1)«صحيح مسلم» (2246) كتاب: الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر.

(2)

«تقييد المهمل» 736 - 737.

(3)

«فتح الباري» 10/ 565.

(4)

3/ 88 (2259).

(5)

6/ 136 (4841).

(6)

ص: 1003.

(7)

«التقييد» ص: 1003.

ص: 246

قلت (الباحث): قول الجَيّانيّ هذا فيه نظر؛ فإن الحديث في الموضعين جاء عند الأصيلي غير منسوب، ولم ينسبه أبو مسعود الدمشقي في الموضعين كما ذكر الجَيّانيّ، وقال أبو نصر الكلاباذي في إسناد حديث عائشة - وهو الأول من الموضعين السابقين -: يقال: هو علي بن سلمة اللبقي (1).

وكذلك نسبه أبو ذر في روايته عن أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ وابن السَّكن، كما ذكر الجَيّانيّ. وكذا نسبته كريمة، كما ذكر ابن حجر (2):(علي بن عبد الله).

وكذا هو في أصل «اليُونِينيّة» .

ونسبه ابنُ شَبُّويه: ابنَ المديني.

وصنيع الجَيّانيّ يرجح أنه اللبقي. وذكره الكلاباذي وابن طاهر أيضا كما أشار إلى ذلك ابن حجر، وهو الذي ثبت عند أبي ذر عند المُسْتَمْلِيّ كما نبه الجَيّانيّ وابن حجر.

قال الحافظ: وهذا يشعر بأن البُخارِيّ لم ينسبه وإنما نسبه من نسبه من الرُّواة بحسب ما ظهر له، فإن كان كذلك فالأرجح أنه ابن المديني؛ لأن العادة أن الإطلاق إنما ينصرف لمن يكون أشهر، وابن المديني أشهر من اللبقي، ومن عادة البُخارِيّ إذا أطلق الرِّواية عن علي إنما يقصد به علي بن المديني (3).

أما الموضع الثاني من حديث ابن مغفل، فقد جاء في «اليُونِينيّة»

(1)«الهداية» 2/ 530.

(2)

«الفتح» 4/ 438.

(3)

«فتح الباري» 4/ 438.

ص: 247

منسوبًا: علي ابن عبد الله، وفي الحاشية نسبه: علي بن سلمة. ورَمَز لرِواية أبى ذر عن المُسْتَمْلِيّ وحده وكذا جاء عند الجَيّانيّ ولم ينسبه أبو نصر.

قال ابن حجر: علي بن عبد الله المديني، كذا للأكثر (1).

ومن الأوهام التي جاءت في رِواية ابن السَّكن: ما جاء في كتاب الأدب، باب منه (2) قال البُخارِيّ: وحدثني محمد بن زياد، نا محمد بن جعفر، نا عبد الله بن سعيد .. إلخ.

كذا في كل الروايات كما جاء عند اليُونِينِيّ وعند الجَيّانيّ.

وفي رِواية عن ابن السَّكن: حَدَّثَنا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر وهو وهم كما نص عليه الجَيّانيّ (3).

قال أبو نصر في «الهداية» (4): هو محمد بن زياد بن عبيدالله بن الربيع بن زياد، ليس له في «الجامع» غير هذا الحديث. اهـ.

وقال أبو أحمد بن عدي في «أسامي من روى عنهم البُخارِيّ» (5): هو محمد ابن زياد الزيادي بصرى. اهـ.

ومن هذه الأوهام التي جاءت في رِواية ابن السَّكن تصحيف اسم (همام) إلى (هشام) في حديث أنس في كتاب اللباس، باب قبالان في نعل (6).

قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا حجاج بن منهال، حَدَّثَنا همام، عن قتادة، حَدَّثَنا

(1)«فتح الباري» 8/ 587.

(2)

8/ 28 (6113).

(3)

«تقييد المهمل» 3/ 1014.

(4)

2/ 648.

(5)

ص: 156.

(6)

7/ 154 (5857).

ص: 248

أنس .. الحديث.

كذا الإسناد عند جمهور الرُّواة كما عند اليونينى وكما جاء عند الجَيّانيّ وغيره وذكر الجَيّانيّ في «التقييد» (1) أن في نسخة أبي محمد بن أسد عن ابن السَّكن: هشام، عن قتادة. فذكر هشامًا بدل همام وليس بشيء. اهـ.

ومن هذه الأوهام سقوط شيخ البُخارِيّ في بعض الأحاديث التي ثبت ذكرها عند باقي الرُّواة، انظر لذلك مثالًا: سقوط شيخ البُخارِيّ محمد هكذا مهملًا وذلك في مواضع، كما ذكر الجَيّانيّ ذلك في «تقييد المهمل» (2).

5 -

أهمية هذه الرِّواية في التراجم التي وضعها البُخارِيّ.

لم تقتصر أهمية هذه الرِّواية في حل الإشكالات في الأحاديث فقط، بل كان لها أثر في تراجم الأبواب، فقد جاء في كتاب البيوع، باب: ما قيل في اللحام والجزار (3)، وقبله باب: بيع الخلط من التمر، وبعده باب: ما يمحق الكذب والكتمان في البيع. كذا عند جمهور الرُّواة، وفي رِواية ابن السَّكن وقعت بعد خمسة أبواب كما نص عليه ابن حجر في «الفتح» قائلًا: كذا وقعت هذه الترجمة هنا، وفي رِواية ابن السَّكن بعد خمسة أبواب، وهو أليق؛ لتتوالى تراجم الصناعات (4) اهـ.

قلت (الباحث): فقد جاء في هذا الموضع الذي أشار إليه ابن حجر قبله باب: ما قيل في الصواغ، ثم ذكر بعده بابًا: في ذكر القين والحداد، ثم بابًا: في الخياط ثم النساج.

(1) 2/ 730

(2)

«تقييد المهمل» ص: 1038، 1039، 1043، 1048.

(3)

3/ 60 (2081).

(4)

«الفتح» 4/ 34.

ص: 249