المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتب مخاطبات الرعايا والجهاتكتبت عن السلطان أبي الحجاج ابن السلطان أبي الوليد ابن نصر، رحمه الله تعالى لأهل ألمرية، أعرف بهلاك الطاغية ملك قشتالة، وإقلاع محلته عن جبل الفتح.من الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن فرج - ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب - جـ ٢

[لسان الدين بن الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌جُمْهُور الْأَغْرَاض السلطانيات

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌كتب مخاطبات الرعايا والجهاتكتبت عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج ابْن السُّلْطَان أبي الْوَلِيد ابْن نصر، رَحمَه الله تَعَالَى لأهل ألمرية، أعرف بِهَلَاك الطاغية ملك قشتالة، وإقلاع محلته عَن جبل الْفَتْح.من الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج

- ‌وَفِي هَذَا الْغَرَض أَيْضا

- ‌ظهاير الْأُمَرَاء والولاة

- ‌وخاطبت الْوَزير الْمَذْكُور على أثر الْفَتْح الَّذِي تكيف لَهُ

- ‌وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة الْوَزير الْمَذْكُور وَأَنا سَاكن بسلا

- ‌وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ إِلَى رَئِيس ديوَان الإنشاد الشريف شمس الدّين أبي عبد الله بن أبي ركب [أعزه الله تَعَالَى]

- ‌كتب الدعابات والفكاهات

- ‌وَمن ذَلِك فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أَبَا إِسْحَاق ابْن الْحَاج على لِسَان قَاضِي الحضرة أبي الْحسنسَيِّدي، جعل الله أكوار العمائم تتضاءل لكور عمامتك، والنفوس الطامحة الهمم على اخْتِلَاف الْأُمَم، تقر بِوُجُوب إمامتك، وسر الْإِسْلَام باتصال سلامتك، وتبرأ الملا من

- ‌المقامات

- ‌من ذَلِك الْكتاب الْمُسَمّى بمعيار الِاخْتِيَار

- ‌الْمجْلس الثَّانِي

- ‌وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي السياسة وَكَانَ إملاؤها فِي لَيْلَة وَاحِدَة

- ‌وَمن ذَلِك كتاب الْإِشَارَة إِلَى أدب الوزارة فِي السياسة

- ‌بَاب بَيَان قدر رُتْبَة الوزارة فِي الأقدار وَبَعض شُرُوط الِاخْتِيَار

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الشريف أبي عبد الله ابْن الْحسن الحسني

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم ابْن الرئيس أبي زَكَرِيَّا العزفي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله ابْن الشَّيْخ الْحَاجِب بتونس أبي الْحسن بن عَمْرو

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن الْحَاجِب بتونس أبي عبد الله بن العشاب

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف صَاحب الْقَلَم الْأَعْلَى بالمغرب أبي مُحَمَّد عبد الْمُهَيْمِن الْحَضْرَمِيّ

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْخَطِيب أبي عبد الله بن رشيد

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن هَانِيء السبتي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي على الْحسن بن تذاررت

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف القَاضِي أبي الْحجَّاج الطرطوشي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْكَاتِب أبي الْعَبَّاس بن شُعَيْب

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن عمرَان التّونسِيّ

- ‌وَفِي وصف أبي عبد الله بن عبد الْملك من أهل مراكش

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق الحسناني من أهل تونس

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله المكودي من أهل فاس

- ‌انْتهى مَا تمّ اخْتِيَاره من كتاب التَّاج الْمحلى فِي مساجلة الْقدح الْمُعَلَّى

- ‌ الأكليل الزَّاهِر فِيمَن فضل عِنْد نظم التَّاج من الْجَوَاهِر " فِي وصف الْخَطِيب أبي عبد الله الساحلي الحمالقى الولى، نفع الله بِهِ

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر الشاطبي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْخَطِيب أبي على الْقرشِي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف القَاضِي أبي عَمْرو بن مَنْظُور

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْخَطِيب أبي الطَّاهِر بن صَفْوَان المالقى

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الشَّيْخ أبي عبد الله الطرطوشي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الفقية أبي عبد الله بن الْحَاج من أهل مالقة

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الشَّيْخ الْوَزير أبي عَليّ بن غفرون

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْوَزير الْكَاتِب أبي عبد الله بن عِيسَى

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْكَاتِب أبي بكر بن العريف

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف للشَّيْخ أبي عبد الله المتأهل

- ‌وَفِي وصف الشَّيْخ أبي عبد الله بن ورد

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الشَّيْخ أبي عبد الله الْعِرَاقِيّ الْوَادي آشيمَعْدُود فِي وقته من أدبائه، ومحسوب فِي أَعْيَان بَلَده وحسبايه، كَانَ رحمه الله من أهل الْعَدَالَة وَالْخَيْر، سايرا على مَنْهَج الاسْتقَامَة، أحسن السّير، وَله أدب لَا يقصر عَن السداد، وَإِن لم يكن بطلا، فَمِمَّنْ يكثر

- ‌معتر غير قَانِع، ومنتجع كل هشيم ويانع، نَشأ بِبَلَدِهِ مالقة، أبرع من أورد البراعة فِي نفس، وهز غصنها فِي رَوْضَة طرس، إِلَّا مَا كَانَ من سخافة عقله، وقعوده تَحت الْمثل أخبر تقله، لَا يرتبط إِلَى رُتْبَة، وَلَا ينتمي إِلَى عصبَة، وَلَا يتلبس بسمت، وَلَا يَسْتَقِيم من

- ‌أديب نَار فكره يتوقد، وأديب لَا يعْتَرض كَلَامه وَلَا ينْقد. أما الْهزْل فَهُوَ طَرِيقَته المثلى، ركض فِي ميدانها وجلى، وطلع فِي أفقها وتجلى، فَأصْبح علم أعلامها، وعابر أحلامها. إِن أَخذ بهَا فِي وصف الكاس، وَذكر الْورْد والآس، وألم بِالربيعِ وخصله، والحبيب

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب أبي الْأصْبع عَزِيز بن مطرف

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب أبي عبد الله بن فَضِيلَة

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم الورشيدي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف القَاضِي أبي بكر بن مَنْظُور

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف القَاضِي أبي جَعْفَر بن برطال

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْفَقِيه أبي عَامر بن عبد الْعَظِيم

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عُثْمَان الغلق

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عُثْمَان بن أبي عُثْمَان

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْمقري أبي الْقَاسِم الجزالي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْفَقِيه الصُّوفِي أبي جَعْفَر العاشق

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم الساحلي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم عبد الله بن الطبيخ

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن قيس

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن السكاك الغرناطي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْوَزير أبي جَعْفَر بن المراني

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْحَاج أبي عبد الله الشَّديد

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن الرعيني

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْفَقِيه الْخَيْر أبي عبد الله السكان الأندرشي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْعدْل أبي عبد الله الْقطَّان

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْوَزير أبي عبد الله بن شلبطور

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْعدْل أبي عبد الله بن مُشْتَمل البلياني

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْمُؤلف

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن سَلمَة الْكَاتِب

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله الشريشي

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله اللؤلؤة

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن خَاتِمَة

- ‌وَفِي وصف أبي يحيى بن دَاوُد

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن أبي الْبَقَاء

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله الطشكري

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن مشرف

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر أَحْمد بن رضوَان بن عبد الْعَظِيم

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن هاني

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْكَاتِب أبي عَمْرو بن زَكَرِيَّا

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْحَاج أبي الْعَبَّاس القراق

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الْكَاتِب أبي الْحسن الملياني صَاحب الْعَلامَة بالمغرب:

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق بن سعد

- ‌وَله فِي وصف أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحق

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الشريف أبي عبد الله العمراني

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن جَابر الكفيف

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب أبي إِسْحَق بن الْحَاج

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب ابْن حزب الله

- ‌وَمن ذَلِك فِي وصف أحد الْفُضَلَاء

- ‌كتب الزواجر والعظات

- ‌فَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة ابْن مَرْزُوق

- ‌وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي هَذَا الْغَرَض بِمَا نَصه:

- ‌وَإِن شَاءَ قَالَ بعد الْخطْبَة

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء

الفصل: ‌كتب مخاطبات الرعايا والجهاتكتبت عن السلطان أبي الحجاج ابن السلطان أبي الوليد ابن نصر، رحمه الله تعالى لأهل ألمرية، أعرف بهلاك الطاغية ملك قشتالة، وإقلاع محلته عن جبل الفتح.من الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن فرج

‌كتب مخاطبات الرعايا والجهات

كتبت عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج ابْن السُّلْطَان أبي الْوَلِيد ابْن نصر، رَحمَه الله تَعَالَى لأهل ألمرية، أعرف بِهَلَاك الطاغية ملك قشتالة، وإقلاع محلته عَن جبل الْفَتْح.

من الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج

بن نصر، أيد الله أمره وَأَعْلَى ذكره.

إِلَى أوليائنا الَّذِي نبادر إِلَيْهِم بالبشائر السافرة الْغرَر، ونجلي عَلَيْهِم وُجُوه الصَّنَائِع الإلهية كَرِيمَة الْخَبَر وَالْخَبَر، ونعلم مَا لديهم من الود الْكَرِيم الْأَثر. الْقَائِد بألمرية وَالْقَاضِي بهَا، والخطبا والفقها والأشياخ بهَا والوزراء والأمناء والأزكياء والكافة والدهماء من أَهلهَا، عرفهم الله عوارف الآلاء، وشكر مَا لَهُم من صَحِيح الود ومحض الْوَلَاء، وأوزعهم شكر نعْمَة هَذَا الْفَتْح الرباني الَّذِي تفتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء، وأشرت معجزاته ميت الرجا، سَلام كريم طيب عميم تَنْشَق مِنْهُ نفحات الْفرج، عاطرة الأرج عَلَيْكُم أَجْمَعِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.

أما بعد حمد الله فاتح أَبْوَاب الأمل، من بعد استغلاقها، ومعيد سعيد سعود الْإِسْلَام إِلَى آفاقها، ومبشر الْعباد والبلاد بحياة أرماقها، ومتدارك هَذِه الْأمة المحمدية، بالصنع الَّذِي تجلى لَهَا ملْء أحداقها، وَالرَّحْمَة الَّتِي مدت على النُّفُوس وَالْأَمْوَال والحرمات وَالْأَحْوَال صافي رواقها، وَالنعْمَة الَّتِي لَا يُوفى

ص: 38

إِلَّا بمعونته سُبْحَانَهُ من الشُّكْر وَاجِب اسْتِحْقَاقهَا، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي دَعوته هِيَ العروة الوثقى لمن تمسك باعتلاقها، وَقَامَ على الْوَفَاء بعهدها وميثاقها، ذِي المعجزات الَّتِي بهرت الْعُقُول بائتلافها، الَّذِي لم ترعه فِي الله الشدائد على اشتداد وثاقها، ووضاعة مذاقها، حَتَّى بلغت كلمة الله مَا شَاءَت من انتظامها واتساقها. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وعترته وَحزبه، الفائزين فِي ميادين الدُّنْيَا وَالدّين بخصل سياقها. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم شكر النِّعْمَة، وَمَعْرِفَة بمواقع كرمه.

من حَمْرَاء غرناطة [حرسها الله] وَلَا زايد بِفضل الله، إِلَّا مَا أَمن الأرجاء ومهدها، وَأَنْشَأَ معالم الْإِسْلَام وجددها، وَأسسَ أَرْكَان الدّين الحنيف، وَأقَام أودها، وَأَنْتُم الْأَوْلِيَاء الَّذين نعلم مِنْهُم خلوص الْأَهْوَاء، ولتحقق مَا عِنْدهم من الود والصفا. وَإِلَى هَذَا فقد علمْتُم مَا كَانَت الْحَال آلت إِلَيْهِ من ضَيْعَة الْعباد والبلاد بِهَذَا الطاغية، الَّذِي جرى فِي ميدان الأمل جرى الجموح، ودارت عَلَيْهِ خمر النخوة وَالْخُيَلَاء مَعَ الغبوق والصبوح، حَتَّى طمح بسكر اغتراره، [واعتز على أنصار الله بأنصاره] ومحص الْمُسلمين على يَدَيْهِ الوقائع الَّتِي تجَاوز بهَا مُنْتَهى مِقْدَاره، وتوجهت إِلَى استئصال الْكَلِمَة مطامع أفكاره، ووثق بِأَنَّهُ يطفىء نور الله بناره، ونازل جبل الْفَتْح فَشد مخنق حصاره، وأدار أشياعه فِي الْبر وَالْبَحْر دور السوار على أسواره، وانتهز الفرصة بِانْقِطَاع الْأَسْبَاب. وانبهام الْأَبْوَاب، والأمور الَّتِي لم تجر للْمُسلمين بالعدوتين على مألوف الْحساب. وتكالب التَّثْلِيث على التَّوْحِيد، وَسَاءَتْ الظنون من هَذَا الْقطر الوحيد، الْمُنْقَطع بَين الْأُمَم الْكَافِرَة، والبحور الزاخرة، والمرام الْبعيد. وأننا صابرنا بِاللَّه تيار سيله،

ص: 39

واستضأنا بِنور التَّوَكُّل عَلَيْهِ فِي جنح هَذَا الْخطب، ودجنة ليله، ولجأنا إِلَى الله الَّذِي بِيَدِهِ نواصي الْخَلَائق، واعتلقنا من حبله المتين بأوثق العلائق، وفسحنا مجَال الأمل فِي ذَلِك الميدان المتضايق، وأخلصنا لله مقيل العثار، ومأوى أولى الإضطرار قُلُوبنَا، ورفعنا إِلَيْهِ أمرنَا، ووقفنا عَلَيْهِ مطلوبنا، وَلم نقصر مَعَ ذَلِك فِي إبرام الْعَزْم. واستشعار الحزم، وإمداد الثغور بأقصى الْإِمْكَان، وَبعث الجيوش إِلَى مَا يلينا من بِلَاده على الأحيان، فرحم الله انقطاعنا إِلَى كرمه، ولجأنا إِلَى حرمه، فَجلى سُبْحَانَهُ، بفضله ظلام الشدَّة، وَمد على الْحَرِيم والأطفال ظلال رَحمته الممتدة، وعرفنا عوارف الصنع، الَّذِي قدم بِهِ الْعَهْد على طول الْمدَّة، ورماه بِجَيْش من جيوش قدرته أغْنى عَن إِيجَاد الركاب، واحتشاد الْأَحْزَاب، وَأظْهر فِينَا قدرَة ملكه، عِنْد انْقِطَاع الْأَسْبَاب، واستخلص الْعباد والبلاد من بَين الظفر والناب، فقد كَانَ سد الْمجَاز بأساطيله، وكاثر كلمة الْحق بأباطيله، وَرمى الجزيرة الأندلسية بشؤبوب شَره، وصيرها فريسة بَين غربان بحره، وعقبان بره، فَلم تخلص إِلَى الْمُسلمين من إخْوَانهمْ مرفقة إِلَّا على الْخطر الشَّديد، والإفلات من يَد الْعَدو العنيد، مَعَ توفر الْعَزْم وَالْحَمْد لله على الْعَمَل الحميد، وَالسَّعْي فِيمَا يعود على الدّين بالتأييد. وبينما شفقتنا على جبل الْفَتْح. تقوم وتقعد، وكلب الْأَعْدَاء علينا يَبْرق ويرعد، واليأس والرجا خصمان، هَذَا يقرب وَهَذَا يبعد، إِذْ طلع علينا البشير بانفراج الأزمة، وَحل تِلْكَ العزمة، وَمَوْت شَاة تِلْكَ الرقعة، وإبقاء الله على تِلْكَ الْبقْعَة، وَأَنه سُبْحَانَهُ أَخذ الطاغية أَشد مَا كَانَ اغْتِرَارًا، وَأعظم أنصارا، وزلزل أَرض عزه، وَقد أَصَابَت قرارا، وَأَن شهَاب سعده أصبح آفلا، وَعلم كبره انْقَلب سافلا، وَأَن من بِيَدِهِ ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض طرقه بحتفه، وأهلكه برغم أَنفه، وَأَن محلته عاجلها التباب والتبار،

ص: 40

وعاث فِي منازلها النَّار، وتمحض عَن سوء عَاقبَتهَا اللَّيْل وَالنَّهَار، وَأَن حماتها يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم، وينادي بالشتات لِسَان مناديهم. وتلاحق بِنَا الفرسان من جبل الْفَتْح، المعقل الَّذِي عَلَيْهِ من عناية الله رواق مَضْرُوب، والرباط الَّذِي من حاربه فَهُوَ المحروب، فاختبرت بانفراج الضّيق وارتفاع العائق لَهَا عَن الطَّرِيق، وبرء الدَّاء الَّذِي أشرق بالريق، وَإِن النصرى دمرهم الله، جدت فِي ارتحالها، وأسرعت بجيفة طاغيتها، إِلَى سوء مآلها، وسمحت للنهب، وَالنَّار بأسلابها وأموالها. فبهرنا هَذَا الصنع الإلهي، الَّذِي مهد الأقطار بعد رجفانها وأنام الْعُيُون بعد سهاد أجفانها. وَسَأَلنَا الله أَن يعيننا على شكر هَذِه النِّعْمَة، الَّتِي إِن سلطت عَلَيْهَا قوى الْبشر فضحتها، أَو قويت بِالنعَم فضلتها ورجحتها. ورأينا سر اللطائف الْخفية، كَيفَ سريانه فِي الْوُجُود، وشاهدنا بالعيان أنوار اللطف والجود، وَقُلْنَا إِنَّمَا هُوَ الْفَتْح شفع بثان، وقواعد الدّين الحنيف، أيدت من صنع الله بَيَان [الْحَمد لله] على نعمك الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة، ومننك الوافرة، أَنْت ولينا، وأمرنا للحين، فقلدت لبات المنابر بِهَذَا الْخَبَر، وجليت فِي جماعات الْمُسلمين وُجُوه هَذَا الْفَتْح الرَّائِق الْغرَر. وعجلنا تعريفكم بِهِ سَاعَة اجتلائه، وَتحقّق أنبائه، لتسحبوا لَهُ أَثوَاب الجذل ضافية، وتردوا بِهِ موارد الأمل صَافِيَة، فَإِنَّمَا هُوَ ستر الله شَمل أَنفسكُم وحريمكم، وأمانه كفى ظاعنكم ومقيمكم، فقرطوا بِهِ الآذان، وبشروا بِهِ الْإِقَامَة وَالْأَذَان، وتملؤوا الْعَيْش فِي ظله، وواصلوا حمد الله، ولي الْحَمد وَأَهله، وانشروا فَوق أَعْوَاد المنابر من خطابه راية مَيْمُونَة الطَّائِر، وَاجْعَلُوا هَذِه الْبشَارَة سَجْدَة فِي فرقان البشائر. فشكرا لله سُبْحَانَهُ، يستدعى الْمَزِيد من نعمه، وَيضمن اتِّصَال كرمه، وَعرفُوا بذلك من يليكم من الرّعية، ليأخذوا بِمثل حظكم، ويلحظوا هَذَا الْأَمر بِمثل لحظكم، فحقيق عَلَيْهِم أَن يشيدوا

ص: 41

بِهَذَا الْخَبَر فِي الْحَاضِر والباد، ويجعلوا يَوْم عَاشُورَاء الَّذِي تجلى فِيهِ هَذَا الصنع ثَالِث الأعياد، وَالله عز وجل يَجعله للمسرة عنوانا، ويطلع علينا [وُجُوه صنعه] غرا حسانا. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم أَجْمَعِينَ، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. كتب فِي كَذَا.

وَصدر عني أَيْضا فِي عَام سَبْعَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة مِمَّا يجْرِي مجْرى الحكم والمواعظ والأمثال، صدعت بِهِ الخطباء من المنابر وَاجْتمعت لإلقائه من الْأُمَم الْبحار الزواخر، وَالله عز وجل لَا يخيب فِيهِ الْفَصْل وَلَا يحبط فِيهِ الْعَمَل بمنه

من الْأَمِير عبد الله الْغَنِيّ بِاللَّه مُحَمَّد بن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نَصره. إِلَى أوليائنا المخصوصين منا وَمن سلفنا بزمام الْجوَار الْقَرِيب، والمساكنة الَّتِي لَا يتَطَرَّق إِلَى حَقّهَا الديني استرابة المستريب، المعتمدين، إِذا عدت الرعايا، وَذكرت المزايا بمزيد الأدنا والتقريب، من الْأَشْيَاخ الجلة الشرفاء، والأعلام الْعلمَاء، والصدور الْفُقَهَاء، والعدول الأزكياء، والأعيان الوزراء، والحماة المدافعين عَن الأرجاء، والأمناء، الثِّقَات الأتقياء، والكافة الَّذين نصل لَهُم عوائد الاعتناء، ونسير فيهم بإعانة الله على السَّبِيل السوَاء، من أهل حضرتنا غرناطة وريضها، شرح الله لقبُول الْحِكْمَة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة صُدُورهمْ، وَكَيف بنتائج الاسْتقَامَة سرورهم، وَأصْلح بعنايته أُمُورهم، وَاسْتعْمل فِيمَا يرضيه آمُرهُم ومأمورهم، سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.

ص: 42

أما بعد حمد الله الَّذِي إِذا رَضِي عَن قوم، جعل لَهُم التَّقْوَى لباسا، والذكرى لبِنَاء المتاب أساسا، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي هدَانَا إِلَى الْفَوْز الْعَظِيم ابْتِغَاء الرَّحْمَة والتماسا. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه الَّذين اخْتَارَهُمْ لَهُ نَاسا، وجعلهم مصابيح من بعده اقْتِدَاء واقتباسا، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله إعزازكم وحرس أحوازكم، وَجعل الْعَمَل الصَّالح اهتزازكم، وبقبول النصائح امتيازكم.

من مستقرنا بذروتكم الْحَمْرَاء حماها الله، وَلَا متعرف بِفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا هِدَايَة تظهر على الْأَقْوَال والأعمال، وعناية تخف عَن الْيَمين وَالشمَال، وتوكل على الله سُبْحَانَهُ، يتكفل لنا وَلكم ببلوغ الآمال، وَأَنْتُم أولياؤنا الَّذين لَا ندخر عَنْهُم نصحا، وَلَا يهمل فِي تدبيرهم مَا يُثمر نجحا، وبحسب هَذَا الِاعْتِقَاد، لَا نغفل عَن نصيحة ترشدكم إِذا غفلتم، وموعظة نَقصهَا عَلَيْكُم إِذا اجْتَمَعْتُمْ فِي بيُوت الله واحتفلتم، ودرعتكم، تَارَة بسلم نعقدها، ومحاولة نسردها، وَتارَة بسيوف فِي سَبِيل الله نجردها، وغمار للشَّهَادَة نردها، ونفوس بوعد الله نعدها، وَنرْضى بالسهر لتنام أجفانكم، وبالكد لتترع صبيتكم وولدانكم، وباقتحام المخاوف ليتحصل أمانكم. وَلَو استطعنا أَن نجْعَل عَلَيْكُم واقية كواقية الْوَلِيد لجعلنا، أَو أمكننا أَن لَا نفضلكم رعية بصلاح دين أَو دنيا إِلَّا فعلنَا، هَذَا [شغل وقتنا مُنْذُ عَرفْنَاهُ، ومرمى هَمنَا مهما استرفعناه] وَقد استرعانا الله جماعتكم وملأنا طاعتكم، وَحرم علينا [إضاعتكم] 0000 والراعي إِذا لم يقْصد بسائمته المراعى الطّيبَة، وينتجع مساقط الغمايم الصيبة، ويوردها المَاء النمير، ويبتغي بهَا النما والتثمير، وَيصْلح خللها، ويداوي عللها، قل عَددهَا، وجدبت غَلَّتهَا وَوَلدهَا، فندم على مَا ضيعه فِي أمسه، وجنى عَلَيْهَا وعَلى نَفسه، وألفيناكم

ص: 43

فِي أيامنا هَذِه الميامين عَلَيْكُم، قد غمرتكم آلَاء الله ونعمه، وملأت أَيْدِيكُم مواهبه وقسمه، وشغل عَدوكُمْ بفتنة قومه، فنمتم للعافية فَوق مهاد، وَبعد عهدكم بِمَا تقدم من جهد وَجِهَاد، ومخمصة وسهاد، فأشفقنا أَن يجركم توالي الرخَاء إِلَى البطر، أَو تحملكم الْعَافِيَة عَن الْغَفْلَة عَن الله، وَهِي أخطر الْخطر، أَو تجهلوا مواقع فَضله تَعَالَى وَكَرمه، أَو تستعينوا على مَعْصِيّة بنعمه، فَمن عرف الله فِي الرخَاء، عرفه فِي الشدَّة، وَمن استعد فِي الْمهل، وجد مَنْفَعَة الْعدة، والعاقل من لَا يغتر بِالْحَرْبِ أَو السّلم بطول الْمدَّة، فالدهر مبلى الْجدّة، ومستوعب الْعدة، وَإِخْوَانكُمْ الْمُسلمُونَ، قد شغلوا الْيَوْم بِأَنْفسِهِم عَن نصركم وسلموا الله فِي أَمركُم وَفتحت الْأَبْوَاب، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه بثغركم، وأهمتهم فتن تركت رسوم الْجِهَاد خَالِيَة خاوية، ورياض الكتايب الْخضر ذابلة ذاوية، فَإِن لم تشعروا لما بَين أَيْدِيكُم فِي هَذِه البرهة، فَمَاذَا تنتظرون، وَإِذا لم تستنصروا بِاللَّه مولاكم فبمن تستنصرون، وَإِذا لم تستعدوا فِي الْمهل، فَمَتَى تستعدون. لقد خسر من رَضِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بالدون، فَلَا تأمنوا مكر الله، فَإِنَّهُ لَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون. وَمن الْمَنْقُول عَن الْملَل، وَالْمَشْهُور فِي الْأَوَاخِر وَالْأول، أَن الْمعْصِيَة إِذا فَشَتْ فِي قوم، أحَاط بهم سوء كسبهم، وأظلم مَا بَينهم وَبَين رَبهم، وانقطعت عَنْهُم الرحمات، وَوَقعت فيهم المثلات والنقمات، وشحت السَّمَاء، وغيض المَاء، واستولت الْأَعْدَاء، وانتشر الدَّاء، وجفت الضروع وأخلفت الزروع، فَوَجَبَ علينا أَن نخولكم بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة، والذكرى الَّتِي توقظ من السّنة، وتقرع آذانكم بقوارع الْأَلْسِنَة، فاقرعوا الشَّيْطَان بوعيها، وتقربوا إِلَى الله برعيها. الصَّلَاة الصَّلَاة فَلَا تهملوها، ووظائفها الْمَعْرُوفَة فكملوها، فَهِيَ الرُّكْن الوثيق، وَالْعلم الماثل على جادة الطَّرِيق، والخاصة الَّتِي يتَمَيَّز بهَا هَذَا

ص: 44

الْفَرِيق. وَبَادرُوا صفوفها الماثلة، وأتبعوا فريضتها بالنافلة، وأشرعوا إِلَى تاركها أسنة الْإِنْكَار، واغتنموا بهَا نواصي اللَّيْل ومبادي الأسحار. وَالزَّكَاة أُخْتهَا المنسوبة، ولدتها الْمَكْتُوبَة المحسوبة، وَمن منعهَا فقد بخل على مَوْلَاهُ باليسير مِمَّا أولاه، وَمَا أحقه بذهاب هبة الله وأولاه، فاشتروا من الله كرايم أَمْوَالكُم بالصدقات، وأنفقوا فِي سَبِيل الله، يربحكم أَضْعَاف النَّفَقَات، وواسوا سؤالكم كلما نصبت الموائد، وأعيدت للقرب العوائد، وارعوا حق الْجَار، وخذوا على أَيدي الدعرة والفجار، واصرفوا الشنآن عَن الصُّدُور، وَاجْعَلُوا صلَة الْأَرْحَام من عزم الْأُمُور، وصونوا عَن الاغتياب أَفْوَاهكُم، وَلَا تعودوا السفاهة شفاهكم، وأقرضوا الْقَرْض الْحسن إلاهكم، وَعَلمُوا الْقُرْآن صِبْيَانكُمْ، فَهُوَ أس هَذَا المبنى، وازرعوه فِي تُرَاب ترابهم، فَعَسَى أَن يجنى، وَلَا تتركوا النَّصِيحَة لمن استنصح، ورد السَّلَام على من بِتَحِيَّة الْإِسْلَام أفْصح، وَجَاهدُوا أهواءكم فَهِيَ أولى مَا جاهدتم وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم، وثابروا على حلق الْعلم والتعلم، وحقوا بمراقي التَّكَلُّم، تعلمُوا من دينكُمْ مَالا يَسَعكُمْ جَهله، وَيبين لكم حكم الله أَهله، فَمن الْقَبِيح أَن يقوم أحدكُم على معالجة بره وشعيره، ورعاية شاته وبعيره، وَلَا يقوم على شَيْء يخلص لَهُ قَاعِدَة اعْتِقَاده، ويعده منجاة ليَوْم معاده، وَالله عز وجل يَقُول:{أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} . وأنفوا من الْحَوَادِث الشنيعة، والبدع الَّتِي تفت فِي عضد الشَّرِيعَة، فقد شن عَلَيْهَا بالمتلبسة بِأَهْل التَّصَرُّف المغار، ونال جُمْلَتهَا بل جهالتها بأغماضهم الصغار، وتؤول الْمعَاد وَالْجنَّة وَالنَّار. وَإِذا لم يغر الرجل على دينه وَدين أَبِيه فعلى من يغار، فالأنبياء الْكِرَام وورثتهم الْعلمَاء الْأَعْلَام هم أَئِمَّة الِاقْتِدَاء، وَالْكَوَاكِب الَّتِي عينهَا الْحق للاهتداء، فاحذروا معاطب هَذَا الدَّاء ودسائس هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاء، وأهم مَا صرفتم إِلَيْهِ الْوُجُوه، واستدفعتم بِهِ الْمَكْرُوه، الْعَمَل على مَا فِي الْآيَة المتلوة، وَالْحكمَة

ص: 45

السافرة المجلوة من ارتباط الْخَيل، وإعداد الْعدة. فَمن كَانَ ذَا سعه فِي رزقه، فَليقمْ لله بِمَا اسْتَطَاعَ من حَقه، وليتخذ فرسا يعلم محلته بصهيله، ويقتنى أجره من أجل الله وَفِي سَبيله، فكم يتَحَمَّل من عِيَال يلْتَمس مرضاتهن باتخاذ الزِّينَة، وَالْعرُوض الثمينة، والتنافس فِي سوق الْمَدِينَة، ومونة الارتباط أقل، وعَلى أهل الهمة وَالدّين أدل، إِلَى مَا فِيهِ من حماية الْحَوْزَة، وَإِظْهَار الْعِزَّة. وَمن لم يحسن الرمى فليتدرب، وباتخاذ السِّلَاح إِلَى الله فليتقرب، فَقبل الرمى تراش السِّهَام، وعَلى العَبْد الِاجْتِهَاد، وعَلى الله التَّمام، وَالسِّكَّة الْجَارِيَة حَدِيث نواديكم، وأثمان الْعرُوض الَّذِي بِأَيْدِيكُمْ. فَمن تحيف حروفها، ونكر معروفها أَو سامح فِي قبُول زيف، أَو هجوس حيف، فقد اتبع هَوَاهُ، وخان نَفسه وسواه. قَالَ الله عز وجل:{أَوْفوا الْكَيْل وَلَا تَكُونُوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} ، ولتعلموا أَن نَبِيكُم صلوَات الله عَلَيْهِ، إِنَّمَا بَعثه الله مُجَاهدًا، وَفِي الْعرض الْأَدْنَى زاهدا. [وبالسلاح راجيا، وبالحق رَاضِيا] ، وَعَن الهفوات حَلِيمًا متغاضيا، فَتمسكُوا بحبله، وَلَا تعرجوا عَن سبله [يوردكم الله فِي سجله] ويرعكم من أَجله، مُرَاعَاة الرجل فِي نجله، فَهُوَ الَّذِي يَقُول:{" وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم وَمَا كَانَ الله يعذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ "} . وَإِن كَانَ فِي وطنكم سَعَة، وَقد ألحفكم الله أمنا ودعة، فأحسبوا أَنكُمْ فِي بلد مَحْصُور، وَبَين لجتي أَسد هصور، كنفكم بَحر يعب عبابه، وَدَار بكم سور بيَدي عَدوكُمْ بَابه، وَلَا يدْرِي مَتى يَنْتَهِي السّلم، ويشعب الْكَلم، فَإِن لم تَكُونُوا بِنَاء مرصوصا، وتستشعروا الصَّبْر عُمُوما وخصوصا، أصبح الْجنَاح مقصوصا، والرأي قد سلبته الْحيرَة، وَالْمَال والحريم، قد سلمت فِيهِ

ص: 46

الضنانة والغيرة، فَإِن أنشأ الله ريح الحمية، ونصرت النُّفُوس على الخيالات الوهمية، فَإِن الْعِزَّة لله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ، وَالله متم على رغم الجاحدين وَكره الْكَافرين. فكم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة، بِإِذن الله، وَالله مَعَ الصابرين. واعتقدوا أَن الله لم يَجْعَل الظُّهُور مَقْرُونا بِعَدَد كثير، وجراد مزرعة أثارها مثير. إِنَّمَا هُوَ إخلاص لَا يَنْبَغِي لغير الله افتقارا، ونفوس توسع مَا سوى الْحق اختصارا، ووعد يصدق، وبصائر أبصارها إِلَى مثابة الْجَزَاء تحدق. وَهَذَا الدّين ظهر مَعَ الغربة، [وشطب الْقرْبَة] ، فَلم ترعه الأكاسرة وقيولها، والأقاصرة وفيولها. دين حنيف، وَعلم منيف من وُجُوه شطر الْمَسْجِد الْحَرَام تولى، وآيات على سَعَة الأحرف تتلى، وَزَكَاة من الصميم تنتقى، وَصَوْم بِهِ إِلَى المعارج يرتقى، وَحج وَجِهَاد، ومواسم وأعياد، لَيْسَ إِلَّا تَكْبِير جهير، وأذان شهير، وَقُوَّة تعد، وثغور لِلْإِسْلَامِ تسد، وَنَبِي يقسم، وفجر يرسم، ونصيحة تهدى، وَأَمَانَة تبدى، وَصدقَة تخفى وتبدى، وصدور تشرح وتشفى، وَخلق من خلق الْقُرْآن تحدى، قبض النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ، وَهَذَا العقد تسجل، والموعد بِهِ قد عجل:{الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} ، وَلَا يَنْقَطِع لهَذَا الْفَرْع عَادَة وصلَة مَا دَامَ شَبِيها بِأَصْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ جلب لكم زبدته المخضوضة، [وخلاصته الممحوضة] وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين. ولتعلمن نبأه بعد حِين، وحضرتكم الْيَوْم قَاعِدَة الدّين، وَغَابَ الْمُجَاهدين. وَقد اخترعت بهَا أيامنا هَذَا وَأَيَّام الْمُقَدّس والدنا الْآثَار الْكِبَار، والحسنات الَّتِي تنوقلت بهَا الْأَخْبَار، وأغفلت إِلَى زمتكم الْحَسَنَة المذخورة، والمنقبة المبرورة. وَهِي ميارستان يضم مِنْكُم المرضى المطرحين، والضعفاء المغتربين مِنْهُم والمنتزحين فِي كل حِين، فَأنْتم تطئونهم بالأقدام على مر الْأَيَّام، ينظرُونَ إِلَيْكُم بالعيون

ص: 47

الكليلة، ويعرفون عَن الْأَحْوَال الذليلة، وضرورتهم غير خافية، وَمَا أَنْتُم أولى مِنْهُم بالعافية، والمجانين تكْثر مِنْهُم الوقائع، ويعيثون بالإناث مِنْهُم العهر الذايع، عَار تحظره الشَّرَائِع، وَفِي مثلهَا تسد الذرايع، وَقد فضلتهم أهل مصر وبغداد بالرباط الدايم وَالْجهَاد، فَلَا أقل من الْمُسَاوَاة فِي معنى، والمنافسة فِي مبْنى، يذهب عَنْكُم لوم الْجوَار، ويزيل عَن وُجُوهكُم سمات الْعَار، وَيدل على همتكم، وَفضل شيمتكم أهل الأقطار. وَكم نَفَقَة هَانَتْ على الرجل فِي غير مَشْرُوع، وحرص اعتراه على مَمْنُوع، فاشرعوا النّظر فِي هَذَا المهم خير شُرُوع، فلولا اهتمامنا بمرتزقة ديوانكم، وإعدادنا مَال الْجِهَاد للمجاهدين إخْوَانكُمْ، لسبقناكم إِلَى هَذِه الزلفة، وقمنا فِي هَذَا الْعَمَل الصَّالح بتحمل الكلفة. وَمَعَ ذَلِك فَإِذا أخذناكم إِلَى الْجنَّة ببنائه، وأسهمناكم فِي فَرِيضَة أجره وثنائه، فَنحْن إِن شَاءَ الله نحبس لَهُ الْأَوْقَاف الَّتِي تجْرِي لمرفقه، وتتصل عَلَيْهِ بهَا الصَّدَقَة، تأصيلا لفخركم، وإطابة فِي الْبِلَاد لذكركم. فليشاور أحدكُم همته وَدينه، ويستخدم يسَاره فِي طَاعَة الله وَيَمِينه، ونسل الله أَن يوفق كلا لهَذَا الْقَصْد الْكَرِيم ويعينه. وَمن وَرَاء هَذِه النصائح، عزم يتهيأ إِلَى غايتها، وَيجْبر الكافة على اتِّبَاع رأيها ورايتها. فاعملوا الأفكار فِيمَا تضمنته من الْفُصُول، وتلقوا دَاعِي الله فِيهَا بِالْقبُولِ، وَالدُّنْيَا مزرعة الْآخِرَة، وَكم مُعْتَبر للنفوس الساخرة بالعظام الناخرة. " يَا أَيهَا النَّاس إِن وعد الله حق فَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور ". وَأَنْتُم الْيَوْم أَحَق النَّاس بِقبُول المواعظ نفوسا زكية، وفهوما لَا قَاصِرَة وَلَا بكية، ووطن جِهَاد، ومستسقى غمايم رَحْمَة من الله وعهاد، وبقايا الأول الَّذين فتحُوا هَذَا الوطن، وألقوا فِيهِ العطن، فَإلَى أَيْن يذهب حسن الظَّن بأديانكم، وَصِحَّة إيمَانكُمْ، وتساوى إسراركم فِي طَاعَة الله وإعلانكم. اللَّهُمَّ إِنَّا قد خرجنَا لَك فيهم عَن الْعهْدَة المتحملة، وأبلغناهم نصيحتك المكملة، ووعدناهم مَعَ الِامْتِثَال رحمتك

ص: 48