الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتنادى أُخْرَى، يَا ليتنا نرد فنعمل غير الَّذِي كُنَّا نعمل، وَتقول أُخْرَى رب ارجعوه، وتستغيث أُخْرَى هَل إِلَى مرد من سَبِيل، فرحم الله من نظر لنَفسِهِ، قبل غرُوب شمسه، وَقدم لغده من أمسه، وَعلم أَن الْحَيَاة تجر إِلَى الْمَوْت، والغفلة تقود إِلَى الْفَوْت، وَالصِّحَّة مركب الْأَلَم، والشبيبة سفينة تقطع إِلَى سَاحل الْهَرم.
وَإِن شَاءَ قَالَ بعد الْخطْبَة
إخْوَانِي مَا هَذَا التواني، والكلف بالوجود الفاني، عَن الدَّائِم الثَّانِي، والدهر يقطع بالأماني، وهادم اللَّذَّات قد شرع فِي نقض المباني إِلَّا مُعْتَبر فِي معالم هَذِه الْمعَانِي [الْأَمر تحل عَن مَقَابِر هَذِه الْمعَانِي] :
(أَلا أذن تصغي إِلَى سميعة
…
أحدثها بِالصّدقِ مَا صنع الْمَوْت)
(مددت لكم صوتي بأواه حسرة
…
على مَا بدا مِنْكُم فَلم يسمع الصَّوْت)
(هُوَ الْغَرِيب الْآتِي على كل دمنة
…
فتولوا سرَاعًا قبل أَن يَقع الْفَوْت)
يَا كلفا بِمَا لَا يَدُوم، يَا مفتونا بغرور الْمَوْجُود الْمَعْدُوم، يَا صريع جِدَار الْأَجَل المهدوم، يَا مشتغلا ببنيات الطَّرِيق، قد ظهر المناخ، وَقرب الْقدوم، يَا غريقا فِي بحار الأمل مَا عساك تقوم، يَا مُعَلل الطَّعَام وَالشرَاب، ولمع السراب لابد أَن يهجر المشروب، وَيتْرك المطعوم، دخل سَارِق الْأَجَل بَيت عمرك، فسلب النشاط، وَأَنت تنظر، وطوى الْبسَاط وَأَنت تكذب. واقتلع جَوَاهِر الْجَوَارِح، وَقد وَقع بك البهت، وَلم يبْق إِلَّا أَن يَجْعَل الوسادة على أَنْفك وَيفْعل:
(لَو خفف الوجد عَنى دَعَوْت طَالب ثارى
…
كلا إِنَّهَا كلمة هُوَ قَائِلهَا كَيفَ التَّرَاخِي)
والفوت مَعَ الأنفاس يرتقب وينتظر، كَيفَ الْأمان، وهادم اللَّذَّات لَا يبْقى وَلَا يذر، كَيفَ الركون إِلَى الطمع الفاضح، وَقد صَحَّ الْخَبَر من فكر فِي كرب الْخمار،
تنغصت عِنْده لَذَّة النَّبِيذ من أحس بلغط الحرس فَوق جِدَاره لم يصغ بسمعه إِلَى نَغمَة الْعود، من تَيَقّن نذل الغزلة هان عِنْده عز الْولَايَة.
(مَا قَامَ خيرك يَا زمَان بشره
…
أولى لنا مَا قل مِنْك وَمَا كفا)
أوحى الله إِلَى مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ، أَن ضع يدك على متن ثَوْر، فبقدر مَا حازته من شعره تعيش سِنِين، فَقَالَ يَا رب وَبعد ذَلِك، قَالَ تَمُوت، وَقَالَ يَا رب فَالْآن.
(رأى الْأَمر يُفْضِي إِلَى آخر
…
فصير آخِره أَولا)
إِذا شَعرت نَفسك آلي بالميل إِلَى شَيْء مَا عرض عَلَيْهَا غُصَّة فِرَاقه ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة. وَيحيى من حيى عَن بَيِّنَة، فالمفروح بِهِ، هُوَ المحزون عَلَيْهِ، أَيْن الأحباب مروا، فيالت شعري أَيْن استقروا، واستكانوا لله واضطروا، واستغاثوا بأوليائهم فَفرُّوا، وليتهم إِذْ لم ينفعوا مَا ضروا، فالمنازل من بعدهمْ خَالِيَة خاوية، والفروس ذابلة ذاوية، وَالْعِظَام من بعد التَّفَاضُل متشابهة مُتَسَاوِيَة، والمساكن تندب فِي أطلالها الذناب العادية:
(صحت بِالربعِ فَلم يَسْتَجِيبُوا
…
لَيْت شعري أَيْن يمْضِي الْغَرِيب)
(وبجنب الدَّار قبر جَدِيد
…
مِنْهُ يستسقى الْمَكَان الجديب)
(غاص قلبِي فِيهِ عِنْد التماحي
…
قلت هَذَا الْقَبْر فِيهِ الحبيب)
(لَا تسل عَن رجعتي كَيفَ كَانَت
…
إِن يَوْم الْبَين يَوْم عصيب)
(باقتراب الْمَوْت عللت نَفسِي
…
بعد الغي وكل آتٍ قريب)
أَيْن المعمر الخالد، أَيْن الْوَلَد أَيْن الْوَالِد، أَيْن الطارف أَيْن التالد، أَيْن المجادل أَيْن المجالد، هَل تحس مِنْهُم من أحد أَو تسمع لَهُم ركزا، وُجُوه
علاها الثرى، وصحائف تقض وأعمال على الله تعرض، تحث الزهاد والعباد والعارفون والأوتاد، والأنبياء الَّذين هدى لَهُم الْعباد، عَن سَبَب الشَّقَاء الَّذِي لَا سَعَادَة بعده، فَلم يَجدوا إِلَّا الْبعد عَن الله، وَسَببه حب الدُّنْيَا، لن تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة:
(هجرت حبايبي من أجل ليلى
…
فَمَالِي بعد ليلى من حبيب)
(وماذا أرتجي من حب ليلى
…
سيجزي بالقطيعة عَن قريب)
وَقَالُوا مَا أورد النَّفس الْمَوَارِد، وَفتح لَهَا بَاب الحتف إِلَّا الأمل، كلما قومتها مثاقف الْحُدُود فسح لَهَا أَرْكَان الرُّخص، كلما عقدت صَوْم الْعَزِيمَة، أهداها طرف الْغرُور فِي أطباق، حَتَّى إِذا وَلَكِن، وَرُبمَا، فأفرط الْقلب فِي تقليبها حَتَّى أبطر:
(مَا أوبق الْأَنْفس إِلَّا الأمل
…
وَهُوَ غرر مَا عَلَيْهِ عمل)
(يفْرض مِنْهُ الشَّخْص وهما مَاله
…
حَال وَلَا مَاض وَلَا مُسْتَقْبل)
(مَا فَوق وَجه الأَرْض نفس حَيَّة
…
إِلَّا قد انقض عَلَيْهَا الْأَجَل)
(لَو أَنهم من غَيرهَا قد كونُوا
…
لامتلاء السهل بهم والجبل)
(مَا تمّ إِلَّا لقم قد هيئت للْمَوْت وَهُوَ الْآكِل المستعجل
…
)
(والوعد حق والورى فِي غَفلَة
…
قد خدعوا بعاجل وضلل)
(أَيْن الَّذين شيدوا واغترسوا
…
ومهدوا وافترشوا وظلل)
(أَيْن ذَوُو الراحات راحت حرَّة
…
إِذْ جَنبُوا إِلَى الثرى وانتقل)
(لم تدفع الأحباب عَنْهُم غير أَن
…
بكوا على فراقهم وأعول)
(الله فِي نَفسك أولى من لَهُ
…
ذخرت نصحا وعتابا يقبل)
(لَا تتركها فِي عمى وحيرة
…
عَن هول مَا بَين يَديهَا تغفل)
(حقر لَهَا الفاني وحاول زهدها فِيهِ وشوقها لما يسْتَقْبل
…
)