الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ إِلَى رَئِيس ديوَان الإنشاد الشريف شمس الدّين أبي عبد الله بن أبي ركب [أعزه الله تَعَالَى]
أبقى الله أَيَّام الْمجْلس العالي ظلا على العشائر والفضائل، أجمة للأسد الغر الصَّائِل، مفضضة الغدوات، مذهبَة الأصائل، من أمثالهم الَّتِي كلفت بهَا الألسن، الموثرة لما يحسن، لَوْلَا الحمقاء لخربت الدُّنْيَا، وَالَّذِي يشْرَح بِهِ هَذَا الْمُضمر، إِنَّهَا بهم تعمر، فَيعْمل الصَّائِف للشاتي، ويخلف الذَّاهِب الْآتِي، وَمن الْأَدِلَّة، والبراهين المستقلة عِنْد الجلة، مُخَاطبَة الْمَمْلُوك ذَلِك الْمجْلس العلمي مَعَ قُصُور النّسَب الَّتِي قدمت للْعُذْر وتمهد، بل مَعَ وفور مَا يرغب ويزهد، أما بِاعْتِبَار الإيالة والخلافة العباسية أصل، وَمَا سواهَا فرع، حجَّة يعضدها طبع وَشرع، وَلَا يَتَّسِع فِي ردهَا ذرع. وَأما بِاعْتِبَار الْقطر فايز الْقدَم من المفرق، وَأَيْنَ الغرب من الْمشرق، تشهد بذلك الشعار الْخمس، وَالْيَوْم والأمس، لَا بل الشَّمْس، فَهَذَا ننصب فِيهِ منصتها، وتشهر قصَّتهَا، وَهَذَا تتبلع فِيهِ فرصتها، وتجترع غصتها. وَأما بِاعْتِبَار الذوات، فَلَو لم يكن إِلَّا النّسَب الْقرشِي (لَكَانَ] مُوجبا للتقديم، مسوغا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح مزية التَّقْدِيم، فَإلَى أَيْن يذهب مُخَاطب الْمجْلس العلمي، وَقد سدت الْمذَاهب، وتباينت الْأَنْوَار والغياهب، وَالله الْوَاهِب، وَلَقَد أحس الْمَمْلُوك عِنْد تعَاطِي هَذِه الذريعة الَّتِي تزل فِيهَا الْأَقْدَام، وينتصح الْإِقْدَام، وتخل الدَّعْوَى بصاحبها. كَمَا يفعل الدام، خورا فِي الطباع، وقصرا فِي الباع، وكلالا فِي الأداة، وسهوا فِي فَرِيضَة الْبَيَان المؤداة. أما الْفِكر ففر، وَأما البراع فنحل واصفر، وَأما الطرس فخفق فُؤَاده، وَأما النَّفس فحال سوَاده،
مهلا عَلَيْك، وَإِلَيْك عني إِلَيْك. الْجَهْل لوم، والأوزان الْأَعْيَان حلوم، وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم، ومتعدى طوره ظلوم، قد علم كل أنَاس شربهم، فليعملوا إِلَى الْإِنْصَاف مهربهم، وَلَا تجود يَد إِلَّا بِمَا تَجِد مثل مَعْرُوف، وَإِذا لم تكن إبل فمعرى، لمثل هَذَا الْغَرَض مَصْرُوف، وَرب حفيرة أَجدت، وَنَفس حر إِلَى الْموقع اللَّطِيف تهدت، وَقد أَهْدَت القبرة إِلَى سُلَيْمَان جَرَادَة، فَقبل مَا أَهْدَت، والمجلس العلمي تولى الله إطالة مدَّته، يجرى الْمَمْلُوك فِي الإدلال على مدَّته مجْرى العاطش، ورد المَاء فاقتحمه غير مبال بِمن زحمه
…
. . الَّذِي وَقع على الْحَمِيم فأسام، وَمَا سَالَ وَلَا سَام، وَلَا بالي بِنَبِي حام - وسام. والمحب أمكنه الْوَصْل، فَمَا راعه النصل، وطالما قبض الْعَنَان، وزجر البنان، وَعلل بالجذع الْجنان، وَأما أَن يكون اللِّقَاء، وَيَقَع بالمشاهفة الْإِلْقَاء، ويتأتى إِلَى الْأُفق الْأَعْلَى الارتقاء، وتكبر عَن أَن تصاد العنقاء، فعرج على طلل الصَّبْر، ويمم، وَلم يجد إِلَّا الصَّعِيد فَتَيَمم، فأصدر هَذِه المفاتحة، لتمثل بِبَاب الْمجْلس العلمي حاطة رَأسهَا، رابطة بالعناء الْمُقَدّس أفراسها، مصدقة افتراضها وافتراسها، جانية غراسها، لائمة ركن الْمجد الَّذِي يشْهد بمجده الرُّكْن المستلم، والنقا وَالْعلم، والمسعى والملتزم وأريس وزمزم، مودية من الشوق الَّذِي شب عمروه مَا لَوْلَا ندا الْمجْلس العلمي لخيف تعديه، وَظُهُور مَا يكنيه زنده الواري ويبديه، وَمن الِاعْتِدَاد أصفى مَا تأزره الآمال وترتديه، وَمن التَّحِيَّة الطّيبَة [وَالْبركَة الصبية] أطيب مَا يتحفه النسيم اللدن
ويهديه، ومقررة أَنه بِالنَّفسِ يفْدِيه، وعَلى الشوق الحثيث يستعديه. وَكَانَ الأمل أَن يُشَاهد غرَّة السِّيَادَة من المرقب الْغَرِيب، ويقتني غرائب إفادته الَّتِي لَا غرو أَن تحن على الْغَرِيب، وَيَقْضِي الأمل بلقائه ممطول دينه، ويزيل المنافسة الَّتِي وَقعت من جراء كَمَاله بَين أذن الْمَمْلُوك وعينه، لَكِن الِاخْتِيَار لمن بِيَدِهِ المقاد، وَأَن لَا فعل لسواه هُوَ الِاعْتِقَاد، وَغير ذَلِك خطة الانتقاد. وَعَسَى أَن لَا يخيب هَذِه السحاة من لثم يَمِينه، واجتلاء نور جَبينه، فأجدر بِمن ركب الْفلك، وخاض اللجج الحلك، إِلَى بَاب من كرم انتماؤه، وزينت بنجوم الْحسب المنيف سماؤه، أَن لَا يعْدم مشفعا، وَلَا يكون قَصده مخفقا. واقرأ على الْمجْلس العلمي من طيب السَّلَام، مَا يخجل رَوْضَة الْحسن عقب المزن، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أَبَا الْقَاسِم الشريف:
(أخذت وأمواج الردى متلاطمة
…
بضبعي يَا نجل الْوَصِيّ وَفَاطِمَة)
(وسكنت ريح الْخطب بعد هبوبها
…
ولولاك كَانَت موجها لي حاطمة)
(وَقَامَ بأَمْري مِنْك أروع ماجد
…
برد حُرُوف الدَّهْر عني راغمة)
(سللت لنصري من علاك مهندا
…
كَفَفْت بِهِ كفا من الْبَغي ظالمة)
(أَبَا قَاسم لَا زلت للفضل قاسما
…
ظباه لظهر الْجور وَالظُّلم قاصمة)
(سجاياك تفضى أَنَّك ابْن مُحَمَّد
…
أيمجد حق وَالشَّهَادَة قَائِمَة)
(ألنت لي الدَّهْر الظلوم فَأَصْبَحت
…
لياليه من بعد التعسف خادمة)
(فقد كظم الغيظ الشَّديد بعزمة
…
سرت لَك من عهد العقيق وكاظمة)
(فيا ملبسي من فَضله قرشيته
…
أتيح لَهَا من كَفه أَي راقمة)
(بِأَيّ لِسَان أَو بِأَيّ بلاغة أَقْْضِي
…
حقوقا من فروضك لَازِمَة)
(فدم وَاحِد الْآحَاد فِي كل غِبْطَة
…
وَلَا بَرحت عين الردى عَنْك نَائِمَة)
فِي علم سَيِّدي وذخري أَن الغايات يؤمل دركها، ويسفر عَن الْغنم وَالظفر معتركها، ويرام مفردها ومشتركها، إِلَّا مَا كَانَ من تَوْفِيَة حَقه، فَإِنَّهَا الْغَايَة الَّتِي تتْرك إِذْ لَا تدْرك، وتتعدى إِذْ لوازمها لَا تُؤدِّي، فسيان الإطالة والاختصار، والاسترسال والإقصار، فحياها الله من ذَات تحذر على عين كمالها الْعين، وأخلاق كَمَا سبك اللجين. وحسبك بمجد توارثه عَن الرَّسُول الْكَرِيم، وَلَده الْحُسَيْن. لَكِن الْمَرْء مَطْلُوب بِجهْدِهِ، وَمن عهد لزمَه الْوَفَاء بعهده. فحسبي، أبقى الله سَيِّدي، أَن أقصر عَلَيْك الثنا وَإِن كَانَ قَصِيرا، وَألقى قَمِيصه على وَجه القريحة فيرتد بَصيرًا، وأستعين الله عَلَيْهِ وأتولاه، وَكفى بِاللَّه وليا، وَكفى بِاللَّه نَصِيرًا:
(حَتَّى يعود الدَّهْر رب شَرِيعَة
…
بعلاك وَالْأَيَّام أهل كتاب)
وَقد كَانَ ظَنِّي أَن مَطِيَّة الدَّهْر غير ركُوب لكل منكوب، وَمَا الْحَيَاة غير شروب لكل محروب، والأحرار فِي أَرض الله غياث، لمن نَالَ سعادته التياث، وأركان لمن نبا بِهِ مَكَان، فَالْحَمْد لله الَّذِي كذب الْقيَاس، وَبَطلَت النتيجة، وأقصرت فِي يَد الدَّعْوَى الوشيجة، وَجَرت بِالْحَقِّ الْوَسِيلَة المرعية والوليجة. وَمَا أعز هَذَا الْبَيْت الْمُتَعَلّق بأذيالك يَا كَبِير أهل الْبَيْت، النَّاجِي بسببك الوثيق، من بعد الكيت والكيت، [وأسراح الْكُمَيْت] ألادجنا أخرج من إيالة الْكفْر وفريسته استخلصت من بَين الناب وَالظفر، والآمال بعد فِي سَيِّدي، فسيحة كعلاه، والمطامع لَا تحصر، كأوصافه الْكَرِيمَة وحلاه، لله در الْقَائِل فَمَا أحلاه:
(تَمُوت مَعَ الْمَرْء حاجاته
…
وَيبقى لَهُ حَاجَة مَا بقى)
انصرم عمر هَذِه المراحل، وكل شَيْء إِلَى تَمام، وزادت الْعشْرَة ذماما إِلَى ذمام، فَلَو أَن فلاحا، توسل إِلَيْهِ زرعه، أَو أَهله ذكره بالذمام فَرعه، لذكرت سَيِّدي بِعُود راشه، وجاه مسح من غير الخمول وَجهه، وَكَفاهُ قحة، الدَّهْر ونجهه، وحرصت على استخلاص جدة غصب سفينتها الْملك الغصاب، وَذمَّة عظمت لأَجلهَا الأوصاب، وَجل لفقدها الْمُصَاب، فَأَصْبَحت النَّفس بَهِيمَة يروعها القصاب، ومصادرة يشد عَلَيْهَا الدَّهْر الغصاب. وَإِذا أحكم سَيِّدي أَسبَاب التعاطف، سهلت ببركة جده الشَّفِيع الشَّفَاعَة، وصدرت الْعَزِيمَة النفاعة، وَعين سَعَادَة الْمَطْلُوب والطالب وَالْوَقْت والساعة، فارتفع كل، وتأتى للْمَالِك نهل وعل، وَسعد بمحالفة الركاب الْهَاشِمِي ظعن وَحل، وَالله يُعينهُ على الْعَجز الَّذِي يخْطب مثله علمه وَدينه، وشرفه الَّذِي ثبتَتْ براهينه، وينجده على العتاد الَّذِي يجده. وَمثله من سلالة خَاتم النَّبِيين من أحسن الختام، وَرفع عَن وَجه الصنيعة القتام. وَأما تمهيد جرايه أَو عقد رايه، فَلَا يُنَبه كَعْب أَو حَاتِم على من طرقها، وَاللَّيْل عاتم، وَوَاللَّه مَا أجد لَدَى أَدَاة تجلى فِي ميدان، وَلَا لى بالكفاية المرضية يدان، وَإِنَّمَا حمل يخت انسدل ستره، وَسعد امْتَدَّ بره، وشفع وتره، فَإِن هبت رِيحه من بعد الخمود، أَو نجمت مِنْهُ زهرَة بعد جفاف الْعود، فمعجزة إِلَى بركَة سَيِّدي منسوبة، وَفِي كرامات أهل بَيته محسوبة، وَإِلَّا فدهر تحرّك ثمَّ استكان، وَشَيْء رد إِلَى اصله، وَالْأَصْل بقا مَا كَانَ على مَا كَانَ. وَالله أسل أَن يديم النِّعْمَة على سَيِّدي، من شرِيف اقتعد الْفضل مَطِيَّة، وَتَهْنَأ الْكَمَال هبة من الله وعطية، ويبقيه ناجح الْأَعْمَال، مبلغ الآمال، ويقيه عين الْكَمَال، وَالسَّلَام
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْفَاضِل أَبَا عبد الله الفشتالي بِمَا نَصه:
(من ذَا يعد فَضَائِل الفشتالي
…
والدهر كَاتب أَيهَا والتالي)
(علم إِذا التمسوا الْفُنُون فَعلمه
…
مرعى الْحَمِيم ونجعة المتكال)
(نَالَ الَّتِي لَا فَوْقهَا من رفْعَة
…
مَا أملتها حِيلَة الْمُحْتَال)
(وَقضى قِيَاس تراثه عَن جده
…
إِن الْمُقدم فِيهِ غير التال)
قَاضِي الْقُضَاة بِمَا أثنى على جلالك المرتضاه، أبقديمك الْمُوجب لتقديمك، أم ذَا بحديثك الدَّاعِي لتجمل حَدِيثك، وَكِلَاهُمَا بعد غَايَة بعد مرماها، وتحامي التسور حماها، والضالع لَا يسام سَيْفا، والمنبت لَا أَرضًا قطع، وَلَا ظهرا أبقى، وَمَا الظَّن بأصالة تعترف بهَا الْآثَار وَتشهد، وأبوة صَالِحَة كَانَت فِي غير الْحق تزهد، وَفِي نيل الِاتِّصَال بِهِ تجهد، ومعارف تقرر قَوَاعِد الْحَقَائِق وتمهد، وتهزم الشّبَه إِذا تنهد. وَقد علم الله أَن جوارك، لم يبْق على الدَّهْر جورا، ولاحت من غصني وَرقا وَلَا نورا. هَذَا وَقد زأر على أسدا، وَحمل ثورا. فقد أَصبَحت فِي ظلّ الدولة الَّتِي وقف على سَيِّدي اخْتِيَارهَا، وَأظْهر خلوص إبريزه معيارها تَحت كنف، وَعز مؤتنف، وَجوَار أبي دلف، وعَلى ثِقَة من الله خلف. وَمَا منع من انتياب مَا لَدَيْهِ من الْفَضَائِل إِلَّا رحْلَة لم يبرك بعد جملها، وَلَا فرغ عَملهَا، وأوحال حَال بيني وَبَين مسور الْبَلَد الْقَدِيم مهملها. وَلَوْلَا ذَاك لاغتبط الرائد، واقتنيت الْفَوَائِد. وَالله يُطِيل بقاه تتأكد الْقرْبَة الَّتِي تنسى بهَا الغربة، وتعظم الْوَسِيلَة الَّتِي لَا تذكر مَعهَا الْفَضِيلَة. وَأما مَا أَشَارَ بِهِ من تَقْيِيد القصيدة الَّتِي نفق سوقها استحسانه وَأنس باستظرافها إحسانه، فقد أعمل وَمَا أهمل، والقصور
باد إِذا تومل، والإغضاء أولى مَا أمل، فَإِنَّمَا هِيَ فكرة أخمدت نارها الْأَيَّام وغيرت آثارها اللئام وَكَانَ الْحق إجلال سَيِّدي عَن مطالعة خللها، وتنزيه رجله عَن تَقْبِيل مرتجلها، لَكِن أمره ممتثل، وأتى [من الْمجد] أَمر لَا مرد لَهُ مثل. وَالسَّلَام على سَيِّدي من مُعظم قدره، وملتزم بره ابْن الْخَطِيب وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء
(تعرفت أمرا سَاءَنِي ثمَّ سرني
…
وَفِي صِحَة الْأَيَّام لَا بُد من مرض)
(تعمدك المحبوب بِالذَّاتِ بَعْدَمَا
…
جرى ضِدّه وَالله يَكْفِيك بالغرض)
فِي مثلهَا أبقى الله سَيِّدي يجمل الِاخْتِصَار، وَيقصر الْأَنْصَار، وتطرق الْأَبْصَار، إِذا لم يتَعَيَّن ظَالِم، وَلم يتَبَيَّن يقظ وَلَا حالم. وَإِنَّمَا هِيَ هَدِيَّة أجر، وَحَقِيقَة وصل عقب بحار هجر، وجرح جَبَّار، وَأمر لَيْسَ بِهِ اعْتِبَار، ووقيعة لم يكن فِيهَا إِلَّا غُبَار، وعثرة الْقدَم لَا تنكر، وَالله يحمد فِي كل حَال ويشكر. وَإِذا كَانَ اعْتِقَاد الْخلَافَة لم يشبه سائب، وَحسن الْولَايَة لم يعبه عائب، والراعي دائب، والجاني تائب، فَمَا هُوَ إِلَّا الدَّهْر الحسود لمن يسود. خمس بيد قَائِم سترهَا، وَرمى عَن قَوس مَا أصلحها وَالْحَمْد لله، وَلَا أوترها. إِنَّمَا بَاء بشينه، وجنا من مزِيد الْعِنَايَة، سخنة عينه. وَلَا اعْتِرَاض على قدر أعقب بحظ مبتدر، وَورد نغص يكدر، ثمَّ أنس بأكرم صدر. وحسبنا أَن نجهد الدفاع من الله والذب، وَلَا نقُول مَعَ الكظم إِلَّا مَا يُرْضِي الرب. وَإِذا تسابق أَوْلِيَاء سَيِّدي فِي مضمار، وحماية ذمار، واستباق إِلَى ندا وابتدار، بِجهْد اقتدار،
فَأَنا، وَلَا فَخر متناول القصبة، وَصَاحب الدّين من بَين الْعصبَة، لما بلوت من بر أوجبه الْحسب، وَالْفضل الْمَوْرُوث والمكتسب، ونصح وضح مِنْهُ الْمَذْهَب، وتنفيق رَأْي من الرِّدَاء الْمَذْهَب. هَذَا مُجمل بَيَانه عَن وَقت الْحَاجة مُؤخر، ونبذة سهر لتعجيلها يراع مسخر. وَالله يعلم مَا انطوى عَلَيْهِ لسيدي، من إِيجَاب الْحق، وَالسير من إجلاله على أوضح الطّرق. وَالسَّلَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة صَاحب قلم الْإِنْشَاء أبي زيد بن خلدون
ورد البشير بالإبلال، مُقَارنًا بِخَبَر الاعتلال، وتألم ذَلِك الْجلَال، فَكَانَت رَحْمَة لقِيت عذَابا، وعقبى نسخت عتابا، وذنبا من الدَّهْر أتبعه مثابا، فَالْحَمْد لله الَّذِي اقال، وَفك من الوعك العقال، وأدر من الرَّحْمَة السحائب الثقال، وَأقر الْحَال وَقد عرف الِانْتِقَال. وَهل أَنْت أعزّك الله إِلَّا عين تألمها عَزِيز، وَلها على الْجَوَارِح بِالْفَضْلِ تَمْيِيز، فَالله عز وجل يعقب الْقُوَّة والنشاط، والتمتع والاغتباط. وَللَّه در الشَّاعِر:
(فَإِذا مَرضت وَلَا مَرضت فَإِنَّهُ
…
مرض الرِّيَاح يطيب فِيهِ ثناها)
ولحين تعرفي هَذَا النبأ لم أطْعم النّوم هنيا، وَلَا اقتطعت الأمل جنيا، ولازلت بتحقيق الْأَعْمَال معنيا، حَتَّى ثَبت سَنَده، واستقام أوده. وَكثر من روايه عدده، فَكتبت أمني نَفسِي بسلامة سقتها، ومظنة مقتها، وَحفظ ثمالها، وحراسة رَأس مَالهَا، وَلَو تمثلت لي القوى الطبيعية فِي الْخَارِج لعرفت عقدي،
ورابها فِي سوء التَّصَرُّف نقدي، أَو نسي التَّيْسِير لعتبتها، أَو الهضبة الْمُبَارَكَة، لقررتها بنظري ورتبتها، لَكِن أَحْوَال تشذ عَن الِاسْتِطَاعَة، وَلَا تدين فِي غير سَبِيل البخت والاتفاق بِالطَّاعَةِ، فلنسل الله خير مَا لَدَيْهِ، ونتق بِهِ فِي حفظ ذَلِك الْجلَال ونتوكل عَلَيْهِ، وَقد كنت تعرفت أَن سَيِّدي، زَاد عِنْده مَوْلُود مبارك، فبادرت بِمَا يصله، فَإِن كَانَ الْخَبَر حَقًا لم يكن مني إغفال، وَإِن كَانَ منتظرا فَهُوَ فأل وَالسَّلَام.
(هَنِيئًا أَبَا الْفضل وَالرِّضَا وَأَبا زيد
…
وَأمنت من بغي يخَاف وَمن كيد)
(بطالع يمن طَال فِي السعد شأوه
…
فَمَا هُوَ من عمر الرِّجَال وَلَا زيد)
(وَقيد بشكر الله أنعمه الَّتِي أوابد
…
هَا تأبى سوى الشُّكْر من قيد)
أَهلا بدرى الْكَاتِب وصدري المراقب، وعتبى الزَّمَان العاتب، وفكر المُشْتَرِي وَالْكَاتِب. ومرحبا بالطالع فِي أسعد الْمطَالع، والثاقب فِي أَعلَى الْمَرَاتِب وسهلا بغنى البشير، وَعزة الْأَهْل والعشير، وتاج الْفَخر الَّذِي يقصر عَنهُ كسْرَى وأزدشير. الْآن اعتضدت الْخلَّة الحضرمية بالفارس، وَأمن السارح فِي حمى الحارس، وسعدت بالنير الْكَبِير أفلاك التدمين من حلقات الْمدَارِس، وقرت بالجنى الْكَرِيم عين الْفَارِس، واحتقرت أنظار الآبلى وأبحاث ابْن الدارس، وَقيل للمشكلات طالما ألفت الْخمْرَة، وأمضت على الأذهان الإمرة، فتأهبي للغارة المبيحة لحماك، وتحيزي إِلَى فِئَة البطل المستأثر برشف لماك. وَللَّه من نصبة
احتفى فِيهَا المُشْتَرِي واحتفل، وَكفى الْغمر سنى ترتيبها وكفل، واختال عُطَارِد فِي حلل الجذل لَهَا ورفل، واتضحت الْحُدُود، وتهللت الْوُجُوه [وتنافست لآلىء كَانَت تؤمل الْمظهر وترجوه] وَنبهَ الْبَيْت على واجبه، وَأَشَارَ لحظ الشّرف بحاجبه، وأسرع نير التَّوْبَة فِي الأوبة، قَائِما بالاعتذار مقَام التَّوْبَة، واستأثر بالبروج المولدة، بَيت الْبَنِينَ، وتخطت خطى الْغمر رَأس الْجَوْهَر وذنب التنين، وساوى مِنْهَا بِحكم الأَصْل حذرك النَّعْل بالنعل، تَحْويل السنين، وحقق هَذَا الْمَوْلُود نير الموالد، نِسْبَة عمر الْوَالِد، فَتَجَاوز دَرَجَة الْمُبين، واقترن بعاشره السعدان اقتران الْجَسَد، وَثَبت بدقيقة من كرّ قلب الْأسد، وسرق من بَيت أعدائه، خرثى الغل والجسد، ونطقت طرق التَّيْسِير، كَمَا يفعل بَين يَدي السَّادة عِنْد الْمسير، وَسقط الشَّيْخ البهم من الدوح فِي البير، وَدفع الْمقَاتل إِلَى وبال كَبِير:
(لم لَا تنَال العلى أَو يعْقد التَّاج
…
وَالْمُشْتَرِي طالع وَالشَّمْس هيلاج)
(والسعد يرْكض فِي ميدانها مرحا
…
جذلان والفلك الدوار هملاج)
كَأَن بِهِ وَالله بَقِيَّة، قد انْتقل من مهد التَّقْوِيم، إِلَى النهج القويم، وَمن أريكة الذِّرَاع، إِلَى تصريف اليراع، وَمن كتد الداية، إِلَى مقَام الْهِدَايَة، والغاية المختطفة الْبِدَايَة، جعل الله وقايته عَلَيْهِ عودة، وَقسم حَسَدْته قسْمَة محرم اللَّحْم بَين منخنقة ونطيحة، ومتردية، وموقوذة، وَحفظ هلاله فِي البدار إِلَى تمه، وَبعد تمه، وَأقر عين أَبِيه فِيهِ وَأمه، غير أنني وَالله يغْفر لسيدي، بيد
أَنِّي رَاكِع فِي سَبِيل الشُّكْر وَسَاجِد، وَأَنا عَاتب وواجد، إِذْ كَانَ ظَنِّي أَن الْبَرِيد إِلَى بِهَذَا الْخَبَر يعْمل، وَأَن إتحافي بِهِ لَا يهمل، فانعكست الْقَضِيَّة، وَرَأَيْت الْحَال المرضية، وفضلته الْأُمُور الذاتية لَا العرضية، وَالْحكم جازم، وَأحد الْأَمريْنِ لَازم. أما عدم السوية، ويعارضه اعتنا سَببه معار، وعهدة سلم لم تدْخلهَا جِزْيَة وَلَا صغَار، أَو جهل بِمِقْدَار الْهِبَة، ويعارضه علم بِمِقْدَار الْحُقُوق، ورضا منَاف للعقوق، فَوَقع الْإِشْكَال، وَرُبمَا لطف عذر كَانَ عَلَيْهِ الاتكال. وَإِذا لم يبشر مثلى بمنيحة الله قبل تِلْكَ الذَّات السّريَّة، الخليقة بِالنعَم الْحُرِّيَّة، فَمن الَّذِي يبشر، أَو على من تعرض برهَا وينشر، وَهِي الَّتِي واصلت التفقد وبهرجت الْمُعَامَلَة وأبت أَن تنقد، وأنست الغربة، وجرحها غير مندمل، ونفست الْكُرْبَة، وجنحها على الجوانح مُشْتَمل، فَمَتَى فرض نِسْيَان الْحُقُوق لم يتأن فرض، وَلَا شهِدت بِهِ لاعلى سَمَاء وَلَا أَرض. وَإِن قصر فِيمَا يجب لسيدي عمل، لم يقصر رَجَاء وَلَا أمل، ولى فِي شرح حَمده نَاقَة وجمل، وَمِنْه جلّ وَعلا نسل أَن يرِيه قُرَّة الْعين فِي نَفسه وبنيه، وَيجْعَل أكبر عطايا الهيالج اصغر سنيه، ويقلد عوائق الْكَوَاكِب اليابانية حمائل أمانيه. وَإِن تشوف سَيِّدي لحَال وليه، فَحَمَلُوهُ طيبَة وَرَحْمَة من جناب الله صيبة، وبرق يشام، فَيُقَال حدث مَا وَرَاءَك يَا هِشَام. وَللَّه در شَيخنَا إِذْ يَقُول:
(لَا بَارك الله فِي إِن لم
…
اصرف النَّفس فِي الأهم)
(وَكثر الله فِي همومي إِن
…
كَانَ غير الْخَلَاص همي)
وَإِن أنعم سَيِّدي بالإلماع بِحَالهِ، وأحوال الْوَلَد الْمُبَارك، فَذَلِك من غرر إحسانه، ومنزلته فِي لحظ لحظى بِمَنْزِلَة أنسانه.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة ابْن رضوَان
(مَرضت فأيامي لذاك مَرِيضَة
…
وبرءك مقرون ببرء اعتلالها)
(فَلَا رَاع تِلْكَ الذَّات للضر رائع
…
وَلَا وسمت بِالسقمِ غر خلالها)
وَردت على من فئتي الَّتِي إِلَيْهَا فِي معرك الدَّهْر أتحيز، وبفضل فَضلهَا فِي الأقدار الْمُشْتَركَة أتميز، سحاءة سرت وَسَاءَتْ، وَبَلغت من القصدين مَا شَاءَت، أطلع بهَا سَيِّدي صَنِيعَة وده من شكواه على كل عابث فِي السويداء، مُوجب اقتحام الْبَيْدَاء، مضرم نَار الشَّفَقَة فِي فؤاد لم يبْق من صبره إِلَّا الْقَلِيل، وَلَا من إفصاح لِسَانه إِلَّا الأنين والأليل، وَنوى مدت لغير ضَرُورَة يرضاها الْخَلِيل، فَلَا تسل عَن ضنين تطرقت الْيَد إِلَى رَأس مَاله، أَو عَابِد يوزع متقبل أَعماله، أَو أمل ضويق فِي فذلكة آماله، لكنني رجحت دَلِيل الْمَفْهُوم على دَلِيل الْمَنْطُوق وعاوضت الْقَوَاعِد الموحشة بالفروق، وَرَأَيْت الْحَظ يبهر وَالْحَمْد لله ويروق، وَاللَّفْظ الْحسن تُومِضْ فِي حبره للمعنى الْأَصِيل بروق، فَقلت ارْتَفع الوصب، ورد من الصِّحَّة المغتصب، وَآلَة الْحس وَالْحَرَكَة هُوَ العصب. وَإِذا أشرق سراج الْإِدْرَاك، دلّ على سَلامَة سليطه، وَالروح خليط الْبدن، والمرء بخليطه. وَمَعَ ذَلِك فبليد احتياطي لَا يقنعه إِلَّا الشَّرْح، فِيهِ يسكن الظمأ البرح، وعذرا على التَّكْلِيف فَهُوَ مَحل الِاسْتِقْصَاء والاستفسار، والإطناب والإكثار، وزند القلق فِي مثلهَا أورى، والشفق بِسوء الظَّن مغرى، وسيدي هُوَ الْعُمْدَة الَّتِي سلمت لي الْأَيَّام فِيهَا، وَقَالَت حسب آمالك ويكفيها، فَكيف لَا أشْفق، وَمن أنْفق من عينه، فَأَنا من عَيْني لَا أنْفق، وَالله لَا يحبط سعيى فِي سُؤال عصمتها وَلَا يخْفق، ويرشد إِلَى شكره على مَا وهب مِنْهَا ويوفق. وَالسَّلَام الْكَرِيم على سَيِّدي، الْبر
الْوُصُول، الَّذِي زكتْ مِنْهُ الْفُرُوع، لما طابت الْأُصُول، وخلص من دره لِابْنِ الْخَطِيب الْمَحْصُول وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ صَاحب الْعَلامَة أَبَا الْحسن بن السُّعُود بِمَا نَصه
(أَبيت إِلَّا كرما دلّ عَلَيْهِ العزما
…
يَا ابْن السُّعُود دمت صبا بالمعالي مغرما)
(مثلك من فرطس أغراض العلى رما
…
وجدد الْعَهْد من الْمجد وَكَانَ انصرما)
(والدهر قد شب بِهِ وَكَانَ يشكو الهرما
…
)
أَخْبَار الأماجد كثيرا مَا تجمح أفراسها عِنْد الركض، وتتباين أحوالها فِي حلبة الْعرض، فَرُبمَا فضحت الْمُشَاهدَة وصف الواصف، أَو أقرَّت شَهَادَة المتناصف، إِلَّا مَا كَانَ من خبر فضلك، فقد تمحص إِلَى طرف الصدْق وترجح، وَبِأَيِّ ناقله وتبجح، وَمن أبلغ عذرا لمن أنجح، زجر وفال، وحزم لَا يشوبه إغفال، وبراءات تصحبها أنفال، واحتفا بالضيف واحتفال، إِلَى الْجَانِب المرهف، وَالْوَجْه الطلق، والخصال الَّتِي تذكر قَوْله عز وجل، يزِيد فِي الْخلق، وَقد كنت على الْبعد علم الله، ترد على آثَار سَيِّدي، فاستدل على ظرف، يحسده عُطَارِد، وعقل صفت مِنْهُ الْمَوَارِد. فَأَنا الْآن فِي جوَار سَيِّدي رائد، اغتبط فَارْتَبَطَ، واستؤثر فَاسْتَكْثر، وعاطش ورد الْكَوْثَر. وَالْحَمْد لله الَّذِي أظفر جوَار سَيِّدي بِجِهَة مفضلة، وَللَّه در حساننا إِذْ يَقُول: جاور عليا وَلَا تحفل بمعضله. وَلَقَد عظمت عناية الله بالوالد وَالْولد، فِي الْقدوم على هَذَا الْبَلَد، وَهُوَ حل بِهَذَا الْبَلَد، وَقد صَبر وطاب الْجلد، فانسر ورحب، وتبسط بره وتسحب، هَدِيَّة سجية عدمت من الدَّهْر مُنْذُ زمَان، وسلعة لَيْسَ لَهَا غير الهمم الشَّرِيفَة من أَثمَان. وَالله أسل أَن يمتع من فضل سَيِّدي بالمتاع الْحسن، ويحلنا من عين كَمَاله مَحل الوسن، ويتبعه السعد سَلس القيادة والرسن، كَمَا جعل فَضله، يشذ عَن مدرك اللسن. وَأما
شكري لهديته، الَّتِي مبتداها من العوامل، وانتسبت شواهدها إِلَى الْكَامِل، فقد أوجر، وتطيب الإطناب فأوجز، ووعد فَمَا أنْجز. وَالله يتَوَلَّى سَيِّدي بِحسن الْمُكَافَأَة، ويعين على مَا يحبب لَهُ من المصافاة. ويحجبه من الْآفَات بحجاب المعافاة، مَا اسْتَقَلت طيور الهمزات على قضبان الألفات، والتفتت عُيُون السحر الْحَلَال من خلال أدواح الِالْتِفَات. وَالسَّلَام الْكَرِيم يَخُصُّهُ من مُعظم مجده، المسرور بجواره. فلَان.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة صَاحب الْعَلامَة أبي سعيد بن رشيد بِمَا نَصه من المنثور والمنظوم
(بل الخطط الرفيعة فلتهنا
…
فَإنَّك سعدها لفظا وَمعنى)
(إِذْ أذكر الْعَلَاء فَأَنت أَعلَى
…
وَإِن ذكر السنا فَأَنت أسنا)
(محاسنك اغتدت جنَّات عدن
…
لمن يرتاد إحسانا وحسنا)
(فمهما حلهَا إِنْسَان عين
…
فلإنسان فِيهَا مَا تمنا)
(غرزت أَبَا سعيد مِنْك دوحا
…
بِهِ مَا شِئْت من ظلّ ومجنا)
(فَكُن حَيْثُ اقْتضى مِنْك اعتدادي
…
وَشد لي من كريم الرعى مبنا)
(فَتى الفتيان أَنْت بِلَا نزاع
…
ومثلى من وفا بيد وأثنا)
الْحَمد لله حمد من لم يفقد اللطف، وَلم يعْدم على الْبَدَل الْعَطف، وَالشُّكْر لله الَّذِي سحب السحب الوطف، وسوغ من أفنان نعمه القطف. أطالع سَيِّدي الَّذِي وسم السعد كنيته وأعلمها، وَقبل الْإِجْمَاع حجَّة فَضله وَسلمهَا، وتيمنت باسمه وَصورته ومعرفته الدولة الَّتِي خدمها، لما عجل لَهَا الْوَسِيلَة وقدمها، إِنَّنِي
لما اتَّصل بِي خبر استقلاله برياسة الْقَلَم الْأَعْلَى، والرتبة الفضلى، والدرجة الَّتِي هُوَ الأحق بهَا وَالْأولَى، ذاتا وصفاتا وقولا، قلت هَذِه فَرِيضَة لي فِيهَا حَظّ وتعصيب، وغنيمة لي فِيهَا إرضاخ وَنصِيب، وهدف لي مِنْهُ سهم مُصِيب، العروة وثقى، وَالْآخِرَة خير وَأبقى، اللَّهُمَّ أوزعنا شكر نعمك، وَلَا تقطع عَنَّا عوائد كرمك، سادة لكعوب الرمْح، فَضلهمْ أوضح من فلق الصُّبْح، كلما أفل مِنْهُم آفل أَو غَابَ كَاف كافل، أربى من أقبل على من أدبر. وَقَالَ لِسَان الْحَال هَذَا هَذَا أكبر، سِيمَا هَذَا الْفَاضِل، الَّذِي هُوَ يمن كُله، وطبعه على الْفَضَائِل يدله، ماشيب من رشد وَسعد، وَوجه سبط وَحسب جعد، وَقبل وَبعد، ومخيلة نجح لَا تخلف بوعد، ورياسة هَذَا الْقَلَم الْأَعْلَى، أبقى الله سَيِّدي مورد مثلى مِمَّن اصبح سلْعَة يتغالى فِيهَا أولُوا الذوات الفاخرة، ويتناغى الْمُتَنَافسُونَ فِي إحْيَاء الْعِظَام الناخرة، وحظ الدُّنْيَا وحظ الْآخِرَة، فَإِذا فِي الرُّتْبَة علم خفاق، وَتعين إِجْمَاع وإصفاق، فَهُوَ قِبْلَتِي الَّتِي أرضاها، ووجهتي الَّتِي عينهَا الدَّهْر واقتضاها. فهنأت أَولا نَفسِي بوفور حظها من النِّعْمَة، وفوزها بالقدح الْمُعَلَّى عِنْد الْقِسْمَة، ثمَّ هنأت الرُّتْبَة الَّتِي ظَفرت بالكفو الْكَرِيم، ولازمها الْيمن والسعد مُلَازمَة الْغَرِيم، وقدمت بَين يَدي قدومي على سَيِّدي، الَّذِي لَا محط لي إِلَّا على نَار قراه، وَلَا سير لي إِلَّا لذراه، فقد جمع لي الصَّبْر فراه، وَحمد عزمي عِنْد صبح وَجهه الْمشرق سراه، وتنبيه مثله على رعى مثلي جفوة يَسعهَا كَمَاله، ويتغمدها أفضاله، إِذْ ذَاته أشرف، وَهُوَ بِمَا توجبه طباعه الْكَرِيمَة أعرف، حفظ الله علينا مِنْهُ جملَة الْكَمَال، وقبلة الآمال، وعرفه الْيمن والإقبال، بفضله، وَالسَّلَام الْكَرِيم يَخُصُّهُ، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء بِمَا نَصه
سَيِّدي شهَاب الطّلبَة الثاقب، وفخر الكتبة الْعَظِيم المناقب، أقسم بالحاشر العاقب، والغاسق الواقب، لما زلت سحاءتكم بِحَال المراقب. وصلني كتابكُمْ
الَّذِي هَنأ وَبشر، وَأَحْيَا وأنشر، ناصحا هاديا، رائحا فِي الْوَفَاء غاديا، فأردى صاريا، وَأخذ بحظ من فَضِيلَة قَوْله، وَلَا يفطمون وَاديا. فحبذا طَعَام أشركناه زكا، ومتات توسد وانكا، ووفاء وَفَاء السموأل حكا، وأنجد لما خذل الدَّهْر الخؤون، وَالله المشتكا، وأنار الله مشكاة تِلْكَ الذوات، الَّتِي لطفت أسرارها، وتألقت أنوارها، وأعلقها بالعالم الأزلي وانتهابها فِي المورد المفيض على القطب وَالْوَلِيّ، فألفاني محتزما، ولخدمة الْمولى ابْن الْمولى مُلْتَزما، وَيحل ودي فِي مثلهَا أَن يذكر هُوَ أشهر من أَن يذكر: لَا تدعني إِلَّا بياعبدها فَإِنَّهُ أشهر أسمائي. وَأما مَا أهديتم من نبإ فَإِنَّهُ مسكوب، وَملك لملكهم مَنْسُوب، فَمن جاد بالنفوس على أعدائه، فَكيف لَا يجدد بِالْعرضِ على أوليائه، وَالله الْكَفِيل بِحسن جَزَائِهِ. وَمن أياديكم لدي، يَا مَحل وَلَدي حبا وشفقة، وَمحل أخي اعتدادا وثقة، أَن تمرغوا عَنى خدكم فِي أَخْمص رجله الْعَالِيَة، وتقبلوا بِسَاط تربه، قبلا مُتَوَالِيَة، بخلال مَا يرْتَفع إِن شَاءَ الله بالحضور حكم النِّيَابَة، وييسر الله اللحاق بِتِلْكَ المثابة. وَالسَّلَام على سَيِّدي وَأخي، وَرَحْمَة الله.
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة صَاحب قلم الإنشا أبي زيد ابْن خلدون فِي الْغَرَض الْمَذْكُور
سَيِّدي الَّذِي لَهُ الْفَضَائِل الذاتية، والمزايا الحسية والمعنوية، ودرجة السَّبق فِي المكارم دون مثنوية، صُورَة مكملة، وذاتا مقلدة بالخصال الشَّرِيفَة محملة، وبيتة موصلة، ومجادة مجملة ومفصلة، كتبت أهنىء سيادتك، بِنِعْمَة الْخَلَاص من الشدَّة، واستيعاب سَعَادَة النصبة، وَطول الْمدَّة، والسلامة من التَّحَوُّل، العائدة بِسوء التقول، وَذَهَاب التمول، فَأَنت الْيَوْم غير مثلوم الوفا
وَلَا متكدر الصَّفَا، قرير الجفن بالإغفا، مَجْمُوع الشمل بِالْيَقِينِ، وَالله يجمعه بالرفا. وَكنت أتوقع أَن يذهب بك الضجر مذهبا تسوء مغبته، أَو تخلف حبته، وَأَنت الموشح، والمحلى والمرشح، والغمر جَدِيد، فعلام المرعز شَدِيد، والأمل مديد، فعلام القلق عتيد. وَإِن نافست أَرْبَاب الرتب الْعَالِيَة، فَاعْتبر مَا نلْت من رتب الْحِكْمَة، وَإِن نافست أَرْبَاب الذمم فالمعارف هِيَ وَنور الذِّمَّة. وَأنْفق فِي سوق السياسة صرفهَا من الهمة، وَلَا تغفل مُلَاحظَة الْأُمُور المهمة، ولتعلم أَنِّي وَإِن أعييت فِي بَاب الدَّالَّة عَلَيْك، أعرف الْخلق بِمَا لديك، وأهواهم إِلَيْك، فانصفني باغتفار جنايتي، وَلَا يوحشك عتبي فِي سَبِيل حبي، فَالله يعاملني فِيك بنيتي، ويبلغني من جَرَيَان أمورك على مَا يرضى أمنيتي قبل منيتي، وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة الْمَذْكُور
(حللت حُلُول الْغَيْث فِي الْبَلَد الْمحل
…
على الطَّائِر الميمون والرحب والسهل)
(عبنا بِمن تعنو الْوُجُوه لوجهه
…
من الشَّيْخ والطفل المعصب والكهل)
(لقد نشأت عِنْدِي للقياك غِبْطَة
…
تنسى اغتباطي بالشبيبة والأهل)
(وودي لَا يحْتَاج فِيهِ لشاهد
…
وتقريري الْمَعْلُوم ضرب من الْجَهْل)
يَمِينا بِرَبّ حجت قُرَيْش لبيته، وقبر صرفت أزمة الْأَحْيَاء لميته، وَنور ضربت الْأَمْثَال بمشكاته وزيته، لَو خيرت أَيهَا الحبيب الَّذِي زيارته الأمنية السّنيَّة، والعارفة الوارفة، واللطيفة المطيفة، بَين رَجَعَ الشَّبَاب، يقطر مَاء ويرف نَمَاء، ويغازل عُيُون الْكَوَاكِب [فضلا عَن الكواعب] إِشَارَة وإيماء، بِحَيْثُ لَا الوحظ يلم بسياج لمته، أَو يقْدَح ذبالته فِي ظلمته، أَو يقوم حواريه فِي لمته، من الأحابش وَأمته، وزمانه روح وَرَاح، ومغدى فِي النَّعيم ومراح، وَنصب وصراح،
وانتخاب واقتراح، وصدور مَا بهَا إِلَّا انْشِرَاح، ومسرات تردفها أفراح، وَبَين قدومك خليع الرسن، ممتعا باليقظة والوسن، محكما فِي نسك الْجُنَيْد أَو فتك الْحسن، ممتعا بظرف المعارف، ماليا أكف الصيارف، مَا حَيا بأنوار الْبَرَاهِين شبه الزخارف. لما اخْتَرْت الشَّبَاب، وَإِن شاقني زَمَنه، وأعياني ثمنه، وأجرت سَحَاب دمعي دمنه. فَالْحَمْد لله الَّذِي وقى جُنُون اغترابي، وملكني أزمة أرابي، وغبطني بمائي وترابي، وَقد أغصني بلذيذ شرابي، وَوَقع على سطوره الْمُعْتَبرَة أضرابي، وعجلت هَذِه مغبطة بمناخ الطية، ومنتهى الطية، وملتقى السُّعُود غير البطية، وتهني الآمال الوثيرة الوطية، فَمَا شيت من نفوس عاطشة إِلَى ريك، متجملة بزيك، عَاقِلَة خطا مهريك، وَمولى مكارمه نشيدة أمثالك، ومطابق مثالك، وسيصدق الْخَبَر مَا هُنَالك، ويسمعني فضل مجدك، عَن التَّخَلُّف عَن الأصحار، لَا بل للقاء من وَرَاء الْبحار، وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة القَاضِي بدكالة
(إِلَيْك قَلِيل نظرة إِن نظرتها
…
إِلَيْك وكلا لَيْسَ مِنْك قَلِيل)
وصلت أَيهَا القَاضِي رفعتك الَّتِي تَضَمَّنت الْفَوَائِد، وصلتك الَّتِي استصحبت الْعَائِد، وَشَاهد فضلك، الَّذِي بَين تصريفه الْأَصْلِيّ وَالزَّائِد، متفننة فِي ضروب لَا تجنح شمسها إِلَى غرُوب، هزت ألحانها مني عطفي طروب، وَاسْتقر قراها بَين يَدي أكول [لمثلهَا] وشروب. فَللَّه مَا تَضَمَّنت من فَوَائِد رحْلَة حجازية، لبست من حسن الحجازية، وَذكر أَعْلَام وَمَكَان استسلام، إِلَّا أَنَّهَا كَانَت كليلة الْوَصْل، مَا عابها إِلَّا الْقصر، فَلَوَدِدْت أَن لَو أمدها بسواده مني الْقلب، الْبَصَر، بخس وَزنهَا الِاخْتِصَار، لَا بل الِاقْتِصَار، وافتقرت إِلَى شرح يَقع بِهِ على متعاصى مَعَانِيهَا الِانْتِصَار، ووعد الْمجْلس القاضوي باكتتاب شَيْء من منظومه بعد اعترافه بِأَنَّهُ كثير، ومهاد وثير، فَمَا كَانَ إِلَّا الْوَعْد، والإخلاف من بعد:
(يَا لواله الدّين عَن ميسرَة
…
والضنينات، وَمَا كُنَّا لِئَامًا)
وَالظَّن لسيدي أَنه عَاد عِنْد شربه من بير الْحرم، بِأَن ترفع عِنْد مُؤنَة الْكَرم، فأجيبت الدعْوَة كَمَا ورد، واستقام الْعَمَل واضطرد، فَكَانَ اللِّقَاء على مَسَافَة قَصِيرَة، وملاحظة [الْبر] بمقلة غير بَصِيرَة، والزيارة مزورة، وَأَظنهُ لاحظ بَيت شَاعِر المعرة:
(لَو اختصرتم من الْإِحْسَان زرتكم
…
والعذب يهجر الإفراط فِي الخصر)
والقرى قد كفى القَاضِي وَالْحَمْد لله مؤونته الثَّقِيلَة، وَلم يحوج إِلَى تشويش [الْعقل، واستخدام] العقيلة، وَهَذَا الْقسم غير مَعْدُود، وَلَا تقع المشاهة إِلَّا فِي مَرْدُود، وهم يتحفه شعره. ثمَّ قَالَ بالبداء، وناداه الإنجاز، فَصم عَن الصدا فاضطرد بَاب الشُّح حسا وَمعنى، وموحدا ومثنى، حَتَّى كَأَن دكاله، شرابة لسوء، والقضاة أكالة، وبيدها لتحجير أَيْديهم وكَالَة. وَهَذِه الْحَرَكَة كَانَت المحبه حَرَكَة الْفَتْح، ووجهة الْمَنّ والمنح، فَلَو لم يَقع فِيهَا بخلة تميمه، للعقتة الْعين، وعسر الهين. وَالْقَاضِي أعزه الله كَمَال، وعيب الْكَمَال لَا يُنكر، وَالْغَالِب الْفضل، وَغير الْغَالِب لَا يذكر، وَهُوَ على التافه يشْكر، داعبته حفظه الله. مداعبة من يعْتَقد خلاف مقَالَة، وَيرجع القناطر المقنطرة بمثقاله، وَلَا يَقُول فِي حَال سيره بانتقاله، وَمَعَ الْيَوْم غَد، وَلكُل شَيْء أمد، ويرجى أَن يمتع الله مِنْهُ بِوَقْت فِيهِ اسْتِدْرَاك، ويرتفع باختصاص النُّزُول لَدَيْهِ الِاشْتِرَاك إِن شَاءَ الله. وَالسَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة الْفَقِيه أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن عَليّ بن أبي رمانة فِيمَا يظْهر من الْغَرَض
(جَفا ابْن أبي رمانة وَجه مقدمي
…
ونكب عني معرضًا وتحامان)
(وحجب عني حبه غير جَاهِل
…
بِأَنِّي ضيف والمبرة من شان)
(وَلَكِن دراني مغربيا محققا
…
وَأَن طَعَامي لم يكن حب رمان)
زِيَارَة القَاضِي، أصلحه الله لمثلي، مِمَّن لَا يخافه وَلَا يرجوه، تحب من وُجُوه، أَولهَا كَونه ضيفا مِمَّن لَا يعد على الِاخْتِيَار زيفا، وَلَا تجر مؤانسته حيفا، فضلا أَن تشرع رمحا أَو تسل سَيْفا، وَثَانِيها أَنِّي أمت إِلَيْهِ من الطّلب بِنسَب، بَين مَوْلُود ومكتسب. وَقَاعِدَة الْفضل قد قررها الْحق وَأَصلهَا، وَالرحم كَمَا علم، تَدْعُو لمن وَصلهَا، وَثَالِثهَا المبدأ فِي هَذَا الْغَرَض، وَلَكِن الْوَاو لَا ترَتّب إِلَّا بِالْعرضِ، وَهُوَ اقتفاء سنَن الْمولى أيده الله فِي تأنيسي، وَوَصفه إيَّايَ بمغربي أَو جليسي، [وَرَابِعهَا وَهُوَ عدَّة كيسي، وهزيز خيسي] وقافية تجنيسي ومقام تلويني وتلبيسي، مَوَدَّة رَئِيس هَذَا الصِّنْف العلمي ورئيسي، فليت شعري مَا الَّذِي عَارض هَذِه الْأُصُول الْأَرْبَعَة، وَرجح مذاهبها المتبعة، إِلَّا أَن يكون عمل أهل الْمَدِينَة ينافيها، فَهَذَا [الْحسب النَّفْسِيّ] ويكفيها. وَإِن تعذر لِقَاء أَو استدعاء، وَعدم طَعَام أَو وعَاء، وَلم يَقع نِكَاح وَلَا استدعاء، فَلم يتَعَذَّر عذر يَقْتَضِيهِ الْكَرم، والمنصب الْمُحْتَرَم، فالجلة إِلَى التمَاس الْحَمد ذَات استباق، وَالْعرْف بَين الله وَالنَّاس بَاقٍ، والغيرة على منصب مثله مَفْرُوضَة، والأعمال معروضة وَالله لَا يستحي
أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة. وَإِن كَانَ لَدَى القَاضِي فِي ذَلِك عذر فليفده، وَأولى الْأَعْذَار بِهِ أَنه لم يَقْصِدهُ. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الشريف أَبَا عبد الله ابْن نَفِيس مِمَّا يظْهر من الْغَرَض
(جزيت يَا ابْن رَسُول الله أفضل مَا
…
جَزَاك الْإِلَه شرِيف الْبَيْت يَوْم جزا)
(إِن أعجز الشُّكْر مني منَّة ضعفت
…
عَن بعض حَقك شكر الله مَا عَجزا)
سَيِّدي، أبقى الله شرفك تشهد بِهِ الطباع، إِذا بَعدت الْمعَاهد المقدسة وَالْبِقَاع، وتعترف بِهِ الْأَبْصَار والأسماع، وَإِن جحدت عارضها الْإِجْمَاع. بِأَيّ لِسَان أثني، أم أَي الأغصان أهصر وأجنى، أم الْمَقَاصِد الْكَرِيمَة، أَعنِي، أمطيت جوادك الْمُبَارك. وأسكنت دَارك، وأوسعت مَطْلِي اصطبارك، وهضمت حَقك، وبوأت جوارك، وواصلت للغرباء إيثارك. أشهد بأنك الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم لَا أَقف فِي تعدادها عِنْد حد، إِلَى خير جد، فَإِن أعَان الدَّهْر على مجازاة، وَإِن ترفع كرمك عَن موازاة، مجاجة نفس قضيت، وَأَحْكَام آمال أمضيت، وَإِن اتَّصل الْعَجز، فعين عَن القذا أغضيت، ومناصل عزم مَا انتضيت. وعَلى كل حَال فالثناء ذائع، وَالْحَمْد لله شَائِع، وَالله مُشْتَر مَا أَنْت بَائِع. وَقد وجهت من يحاول لسيدي ثمن مَا أكسبه مجده، وسفر عَنهُ حَمده، والعقيدة بعد التَّرَاضِي، وَكَمَال التقاضي، وَجَمِيل الصَّبْر وسعة التغاضي، وَكَونه الْخصم وَالْقَاضِي. إِنَّهَا هبة سوغها إنعامه، والجلة سناها إطعامه، نسل الله أَن يعلى ذكره، ويتولى شكره، وينمي مَاله وَيرْفَع قدره. وَالْولد جازه الْغَرِيب، الَّذِي برز إِلَى مقارعة الْأَيَّام عَن خبْرَة قَاصِرَة،
وتجربة غير منجدة على الدَّهْر وَلَا ناصرة، قد جعلت وَدِيعَة فِي كرم جواره، وأنمته فِي حجر إيثاره، فَإِن زاغ بِيَدِهِ الْعليا فِي تبصيره، ومؤاخذته بتقصيره، وَمن نبه مثله نَام، وَمن استنام إِلَيْهِ بهمه أكْرم مِمَّن إِلَيْهِ استنام، وَإِن تشوف سَيِّدي لحَال محبه، فمطلق للدنيا من عقال، ورافض أثقال، ومؤمل اعتياض لخدمة الله وانتقال. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك فِي الْغَرَض الْمَذْكُور
(لم يبْق لي جود الْخلَافَة حَاجَة
…
فِي الْأَمر أَو فِي الجاه أَو فِي المَال)
(فقد القا ألوى الْفَضَائِل بغيتي
…
وَرَأَيْت هَذَا الْفضل شَرط كَمَال)
(أجملته وتشوفت ببيانه هم
…
فَكنت مُفَسّر الْإِجْمَال)
(وخصصت بالإلقا غَيْرك غيرَة
…
وَجعلت ذكرك شَاهد الْأَعْمَال)
(للبست يَا ابْن أبي الْعلَا قشب
…
الملا وَتركت أهل الأَرْض فِي أسمال)
(إِن دون الفضلا فضلا معلما
…
فَلَقَد أتيت عَلَيْهِ بالإكمال)
(تثنى عَلَيْك رعية آمالها
…
فِي أَن تفوز يداك بالآمال)
(أرعيتها هملا فَلم يطْرق لَهَا
…
بمنيع سورك فَارق الإهمال)
(من كنت وَإِلَيْهِ تولته الْعلَا
…
وَمن أطرحت فَمَا لَهُ من وَال)
أبقى الله سَعَادَة والى الْوُلَاة، وَعلم العلاه، وقضايا فَضله منتشرة فِي الْجِهَات، ضَرُورِيَّة بِحَسب الْوَصْف والذات، مشروفة فِي العزمات، عرفية فِي الأزمات، يطرز بهَا ابْن الْخَطِيب أوراق آيَاته الْبَينَات، فَإِن أتيت وأفردت، وأفصحت وكنيت وخطبت وبينت، فمسألة إِجْمَاع، وَنُهْبَة إبصار وإسماع، ومعقول
أَولا، وبديهي مَا على غَيره معول، وَتَحْصِيل الْحَاصِل إِضَاعَة وَقت، وإذاعة شت، فلنصرف الْعَنَان إِلَى تأصيل الود الْأَصِيل، وتحرير الْحبّ الْغنى عَن التَّقْرِير، فأقسم بباري النسم، وَهُوَ أبر الْقسم، لقد خلق سَاعَة النمحة الطّرف، وَدلّ عَلَيْهِ قبل الْمعرفَة الْعرف، وَحكم ميذق الفراسة بِطيبَة، قبل أَن يعْمل فِي ديناره الصّرْف، إِنَّه مَدْلُول مَا ضَاعَ لَهُ من الثنا المسموع، وَتَقْرِيره ذَلِك الْمَشْرُوع، وجرثومة تِلْكَ الْفُرُوع، وبذر الْحبّ المزروع. حَتَّى إِذا قرطست السِّهَام، وارتفع الْإِبْهَام، وَكَاد يتغشى النَّفس الإلهام، وَشهد الِاسْتِفْهَام، عجبت واعتبرت، وارتجزت عِنْد الضريبة وَكَبرت، وَقلت دس عرق الْفَاقَة، وَأحكم الْكَشْف والاطلاع عمل الثقافة، وَانْحَدَرَ التَّحْلِيل عَن مقولة الْإِضَافَة، وَلم تبْق ضميمة إِلَّا انضمت، وخصت بعد مَا عَمت، وَلَا امْرَأَة مرام عَزِيز إِلَّا أمت وألمت، لما شمت النِّعْمَة الَّتِي تمت، وَلَقَد هَمت من بسالة يعرفهَا الكمي، ويشمخ بِمِثْلِهَا الْأنف الحمي، وخصل يشْهد بِهِ الْأُمِّي، وَعدل تساوى فِيهِ الرفيع وَالذِّمِّيّ، وطرف كَمَا وسم الرَّوْضَة الوسيمة الوسمي، واهتزاز إِلَى الضَّيْف يَقْتَضِيهِ الْقدر السمي، والخلق العلمي. وَفضل تَوَاتر نَقله، عَمَّن رَضِي دينه وعقله، وَسوى بغل حميمه، وجم بقله، ووقار، قصر عَنهُ كسْرَى السرير وهرقله، وندى هُوَ الْغَمَام، وَلَوْلَا التَّوَاتُر قُلْنَا رغم الْهمام، وَلم أزل لأواجه فِي الْمجَالِس ناشقا. ولجلاله عَاشِقًا، يروقني فِي حفوف المحافل وقاره وسكونه، ويشوقني جنوحه إِلَى المعارف وركونه، إِلَى أَن انْصَرف، وَلَو عرف لما تحول قبل معرفتي وانحرف، ولطرز بهَا الْمجد الَّذِي حازه والشرف، فَإِنَّهُ وَالله يَقِيه، وَإِلَى أقْصَى السَّعَادَة يرقيه، إِن عضل عقايل بره عَن إكفاء استحساني. أَو غصب حلل شيمي طرر لساني، أنكح
هَذِه فِي جنب لفقدها الأراقم، وأفقد هَذِه عجائب وشى شكرت الراقم، فطويت، علم الله الجوانح على برح. يجل عَن الشَّرْح. ونكأت قرحا بقرح، وسمت هامات الزَّفِير بُنيان صرح، حَتَّى إِذا الْمقَام المولوي، الإمامي، كافأ الله تهممه، وشكر أنعمه، أطرفني باجتلاء هَذِه العمالة، ودرب السن الركائب عِنْد ربوع الحبايب عَن الإمالة، وَنصب مني لوصف الْبِقَاع وأربابها قسطاسا لَا يظلم مِثْقَالا وَلَا يعلم فِي غير الْإِنْصَاف عِنْد الْحلِيّ والأوصاف مقَالا، ولبيت دَاعِي الْحَرَكَة الَّتِي عَلَيْهَا جبلت، وصرفت إِلَيْك صُدُور الرِّجَال حايرة فِي الأوحال حيرة الْمُتَكَلّم فِي الْحَال، وَصَاحب سوء فسطاي فِي انتحال الْمحَال، وَكلمَة اعترضتني الرِّبَا والأكم جذبتني المعارف وَالْحكم، فَقلت فِي بَيته يُؤْتى الحكم، وَرُبمَا نثرت وَقلت، وآثرت الِاعْتِبَار وتمثلت:
(أزوركم لَا أكافيكم بجفوتكم
…
إِن الْمُحب إِذا لم يزر زارا)
وخططته والنسوع مشدودة، والمراحل مَعْدُودَة، واللقيا مَرْدُودَة، وَالله يصدق المخيلة، فِي إيناس ذِي أَنْوَاع وأجناس، وَصدق قِيَاس، واستمتاع بحلم أحنف فِي ذكاء إِيَاس، وَإِذا كَيفَ النَّفس التشوق، ووسمها التوشح بِهِ والتطوق انتابها الخيال، وتتابع مِنْهُ الانثيال، ونشأت نشأة لَا يستطيعها الجريال، وَكَأَنِّي بمثوال قد حططت، وانشدت لما اغتبطت، وعقلت وربطت:
(نادتني الْأَيَّام عِنْد لِقَائِه
…
وَهِي الَّتِي لَا تغفل التنبيها)
(يَا ابْن الْخَطِيب حظيت بالعزم والعلا
…
فبلغت مِنْهَا الْفضل يَا ابْن أَبِيهَا)
(الْوَجْه طلقا والمعارف جمة
…
والجود رحبا وَالْمحل نبيها)
(أثرت باشقات الْفَضَائِل كفة
…
أَتَرَى ولَايَته الَّتِي يُحْيِيهَا)
وَمن ذَلِك مِمَّا خاطبت بِهِ الْوَالِي بمراكش
وَإِلَى الْوُلَاة الَّذِي بمكارمه يضْرب الْمثل، وَشرف الْحَيَاة الَّذِي جمع لَهُ الْعلم وَالْعَمَل، أبقاكم الله، والسعادة لكم مركب، ونصبه ولايتكم لَا يُخَالف سعدها كَوْكَب، كتبته ولساني طليق، وثناي بالاقتصار على تِلْكَ الذَّات خليق. وَقد كَانَت عِنْد مكارمكم الَّتِي وقفت على أعيانها، وبحثت فِي سمع كيانها، واجتزيت بأثرها عَن عيانها، وتخطيت إجمالها إِلَى بَيَانهَا، مِمَّا يَقْتَضِي مِنْهُ الْعجب ويجلى من عرف الْجُود مَا احتجب، وأظن ذَلِك احتفالا اسْتَنْفَذَ الْقُوَّة، وحذقا ختم آي الْكَرم المتلوه، فأتيح لي استخبار الضاربين فِي الأَرْض، والواردين على الْغمر والبرض، ومتحملي العنايات والشفاعات والوسائل النفاعات، كَأبي عبد الله بن جِدَار، والشرفا ألوى المدن الْكِبَار، وسواهم على تبَاين الأقدار، إِن قَضِيَّة مكاركم مُطلقَة، وأعداد جودكم، بالثنا منْطقَة، فلعمري لقد وجدت لذَلِك خفَّة على كَبِدِي، إِذا لم أر الصنيعة الْبَعِيدَة مُخْتَصَّة بيَدي. إِنَّمَا أَنْت بَحر الْوَاهِب الزاخر، وَالْوَاحد الَّذِي افتخر بِهِ الزَّمن الآخر، ومتحمله فلَان من ذَوي الْفضل ذاتا وصحبة، ووسيلة وتربة، وَله بِصَاحِب رياسة الْإِنْشَاء تخصص وتميز، وفية وتحيز، وَالْمرَاد أَن يكون من رعى وَإِلَى الْوُلَاة بمَكَان مكين، وآويا من مجده إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين، يكون ذَلِك من جملَة مَاله من الأيادي الثرة، والفواضل المتألقة الْغرَّة، وَالله يديم سعده، ويحرس مجده، وَالسَّلَام
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة بعض الْفُضَلَاء وَقد كتبت إِلَيْهِ رقْعَة تغافل عَن جوابها فَظن القَاضِي أَنَّهَا لم تصل فَأَعَادَهَا مخاطبته بِمَا نَصه
الرَّامِي، أبقى الله سَيِّدي إِذا أضلّ بعد إصماء الرَّمية سَهْمه، وَقد حكم عقله
وفهمه، أرسل سَهْما آخر على سمته متحرجا من عوجه وأمنه، فَيجْبر ثَانِيهمَا الأول، وأظن هَذَا الْغَرَض، اعْتبر سَيِّدي وَتَأمل إِذْ أرسل سَهْمه، وَهُوَ الْمُصِيب شاكلة السداد بتفريق توفيق الإلهام والإمداد، مُخْتَصًّا بسواد المداد، ثمَّ خَفِي عَلَيْهِ موقع نصله، وعمى لَدَيْهِ خبر خصله، وَلم يقم من الْأَمر على أَصله، فَأَعَادَ، وَالْعود أَحْمد، وثنى وقصده الْبر يشْكر ويحمد، فأقسم بشيمه، وبركات ديمه، مَا رَأَيْت إغفالا سوغ أنفالا، وأكد احتفا واحتفالا، ونسيانا يَقع أَحْيَانًا، فَمَلَأ الْيَد بَيَانا وذهولا، عرف خطا مَجْهُولا، وأقطع من الفصوك حزونا وسهولا، وبلما النَّفس أملهَا، وأنجح قَوْلهَا وعملها، كإبلاغي التَّعْرِيف ببلوغ هَدْيه إِلَى مَحَله، وتبنى قراه المبرور قرى حلّه، فقد كَانَ الأول وصل والعناية تزف عروسه، والبراعة تهدل غروسه، فاستقر بَين سحر الْقبُول ونحره، مُحدثا فِي الْبر عَن بحره، إِن أجهد هَذَا الْفِكر المكدود، جهد نزوح إِلَى روضه أَو ظمى، وَقد تذوكر عهد كريم كرع فِي حَوْضه، وَلَو توهم أَن مهديه يتشوف إِلَى بَرَاءَة مؤديه، لتعين الِاجْتِهَاد وَوَقع بِقَبض ذَلِك الْبسط الْإِشْهَاد، وضمنت رُؤْيَة الْعين بِالْعينِ، وَقد تحصل حصولا بريا من المين. لَكِن تبع الرشا، [من ذَلِك السَّعْي الرشا] وَأَنْشَأَ سحائب الرَّحْمَة المترادفة ذَلِك الْإِنْشَاء، وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء ولحكمة مَا ثنيت الْجَوَارِح المصونة عَن الهوان فِي الْحَيَوَان أعداه لحسن الْخلف، ومنابا إِن وفع بمفرد مِنْهَا وُقُوع التّلف. فالمحب يماصع من رقْعَة سَيِّدي بسيفين مرهفين [ويسنو إِلَى درتين مشرقين، أطلعهما رب المشرقين مرصعين] فِي قوتهما مدافعة أَلفَيْنِ، ويصول بكفين، ويرتبط لطراد الْمعَانِي مِنْهَا أسهمين
سليمين، وَيرجع من مذخورهما إِلَى خُفَّيْنِ محقين [ويعشوا إِلَى درين مشرقين أطلعهما رب المشرقين] وَلَقَد نبه سَيِّدي، بِمَا أظهر من الضنانة بالمكتوب الْمكنون، وإعمال الشَّفَقَة فِي شَأْنه، وترجيم الظنون، على نفاسه عروضه، وَوُجُوب فروضه، من لم يكن عَن ذَلِك ذاهلا، وَلَا فِي المبالاة بأمثاله مستأهلا، مستأهلا، فَهِيَ النفثات السحرية [وَالْحكم الْحَقِيقَة بِالْحِفْظِ الْحُرِّيَّة] والكرائم الَّتِي تبرها الْبَريَّة. وَإِذا تقرر مَا إِلَيْهِ سَيِّدي تشوف، وَأمن على نَعته مَا تخوف، فالمحب يهيده من لطائف الشُّكْر مَا يَلِيق بِمهْر الْبكر، وَالله عز وجل يبْقى سَيِّدي صدفا لمثل هَذِه الدُّرَر، بل لمثل تِلْكَ الْكَوَاكِب الْغرَر. وَالسَّلَام عَلَيْهِ من وليه الشاكر لمواقع وليه المعتد على الزَّمَان بعليه [وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته] .
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الشَّيْخ الْوَلِيّ الْفَاضِل أَبَا مُحَمَّد بن بطْنَان فِيمَا يظْهر من الرسَالَة
(لَا نَاقَة لي فِي صبري وَلَا جمل
…
من يعد مَا ظعن الأحباب وَاحْتمل)
(قَالُوا استقلوا بِعَين الْقطر قلت لَهُم
…
مَا أعرسوا بسوى قلبِي وَلَا نزل)
مَا هَذَا الاستدعاء الَّذِي نقد وبهرج، وَعطف على من اتّصف بالسعادة وعرج وَمر على الخليط الْمُنَاسب كَمَا مرت على الطَّحْن سبابة الحاسب، يقدم ويحفل، ويعلى ويسفل، وَيعلم ويغفل، ومنزلتي صفر من هَذَا التَّعْيِين، وحظى الظمأ من المورد الْمعِين. فَلَيْسَ إِلَّا الصَّبْر، إِن كَانَت الْوَسِيلَة الْمُعْتَبرَة، وَسِيلَة الْحبّ، فَمَا لوسيلتي تحفظ، وركائب استقدامي لَا ترتبط، وَفِي مثلهَا يحْسد أَو يغبط
الصحب، وَالْمحل الرحب. بِحَيْثُ يفعم الوطب، ويدرأ الْخطب، وترفع للطارق نَار الْقرى مادتها المندل الرطب. نَسْتَغْفِر الله من الاسترابة بالود اللّبَاب، ونتوب فِي الِاعْتِذَار عَن الأحباب، وَلَو علمُوا بارتفاع النقية، والمطالبة بالبقية، لما حجبوا بروقهم، وَلَا أغفلوا مشوقهم، وَلَا منعُوا عَنهُ صبوحهم وَلَا غبوقهم.
(وَعَسَى الَّذِي قدر البعاد يُزِيلهُ
…
وَعَسَى الَّذِي كتب الْفِرَاق يجمع)
وَلما وقفت على استدعاء صاحبنا أبي الْقَاسِم، وصل الله حفظه، وأجزل من نعمه حَظه، آثرت اعتزامه، واقتضيت بالعهد الْتِزَامه، وكافحت جَيش اعتذاره، حَتَّى رَأَيْت انهزامه، فِي أَن أشاهد ذَلِك الْجمع الْمُبَارك بعيني، وأكون غَرِيم الدَّهْر فِي اقْتِضَاء ديني، وحركت لَهُ الشوق يذهب مَعَه الوسن، ويخلع فِي طَاعَته الرسن وَكنت فِي طَاعَته كَمَا قَالَ الْحسن:
(أَيهَا الرابحان باللوم لوما
…
لَا أَذُوق المدام إِلَّا شميما)
(جلّ حظي مِنْهَا إِذا هِيَ دارت
…
أَن أَرَاهَا وَأَن أَشمّ النسيما)
(نالني بالملام فِيهَا إِمَام
…
لَا أرى لي خِلَافه مُسْتَقِيمًا)
(فَكَأَنِّي وَمَا أزين مِنْهَا
…
تعدى يزين التحكيما)
(كل عَن حمله السِّلَاح إِلَى الْحَرْب
…
فأفضى المطين أَن لَا يُقِيمَا)
وَالله يسر براحة الشَّيْخ النُّفُوس، وَيذْهب البوس، ويضفي من الْوِقَايَة اللبوس، وَالسَّلَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْحسن بن يحيى فِيمَا يظْهر من الرسَالَة
(وسائلة عَن الْحسن بن يحيى
…
وَقد جرحت مآقيها الدُّمُوع)
(تَقول ترحل المفضال عَنَّا
…
وَضعنَا بعده فَمَتَى الرُّجُوع)
(وَكَأن الشَّمْس فارقنا سناه
…
فأظلمت الْمعَاهد والربوع)
(فَقلت كَانَ بمقدمه فَقَالَت
…
بشارتك الصواهل والنجوع)
(تولى الله مِنْهُ خير وَال
…
نكف بِهِ الخطوب فَمَا تروع)
(فَقلت لَعَلَّهَا انْفَرَدت بِهَذَا
…
فَقَالَ بقولِهَا الْحَيّ الْجَمِيع)
(فَكَانَت دَعْوَة صعدت ونجوى
…
فقبلها الْمُجيب لَهَا السَّمِيع)
(وَوَافَقَ مَا نطقت بِهِ قَضَاء
…
قضى إِن الْوَسَائِل لَا تضيع)
مَا كنت، أعزّك الله أَظن الْإِجْمَاع ينْعَقد على فضل وَال، وَلَا الأكف تمد فِي سَبِيل ضراعة من أَجله وسؤال، فَالنَّاس فِي الْوُلَاة على اخْتِلَاف أَحْوَال، بَين معاد وموال، ومتوقع عِقَاب ومؤمل نوال، حَتَّى خضت بَحر أهوال، وجنحت شمس ولايتك إِلَى وَقت زَوَال، فَظهر أَنه ثوب لم ينسج على منوال، وعنوان قبُول من الله متوال، وَلم يكن إِلَّا أَن أعملت الرحلة وأزمعتها، ولفقت الْعَزِيمَة وجمعتها، وشرعت فِي أَن أحقق الْأَخْبَار الَّتِي عَنْك سَمعتهَا، فنغص سروري الْوَاقِع، وأوحشتني الرسوم البلاقع، وساءتني المواقع، ثمَّ تدارك الْخرق وَالْحَمْد لله الرافع، وَبَطل بترياق الخواطر ذَلِك السم الناقع، فسكن الرَّعْد، وأنجز الْوَعْد، وسبط الْجَعْد، وساعد وجهتي السعد، وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد، ووفدت على مَنْزِلك مطلا على الْقَبِيل والعشير، مَعَ البشير، مزاحما إِيَّاه فِي ثنية الْمسير، فَلَو لم يكن لله على منَّة إِلَّا هَذِه الْمِنَّة، الَّتِي وكفت، لأحسبت وكفت، ولوت وعطفت، وحجت واعتكفت، لارتهنت أمد الْحَيَاة شكر لساني، واستدعت إدامة ذكرى لمن لَا ينساني، فَالْحَمْد لله الَّذِي نظم الشمل لما انتثر، وَأَحْيَا الرَّسْم فَمَا أمحا وَلَا دثر [وَقد روينَا الحَدِيث وحققنا الْأَثر] ، وَفِيه أَن الله أَخذ بيد الْكَرِيم كلما عثر، وَمَا زلت تسمعني الثنا الحائك، وينشقني الْحَمد رواحك وريحانك
فَأَقُول رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ. فَلَمَّا تجللت الْحَال، يثني عَلَيْك مثيرها وراعيها، وتعرفت آثَار عداك، تكلّف الْأَلْسِنَة بشكر مساعيها، علمت أَن الله لَا يهملك، وَأَن حلمه يحملك، وبصنعه يزينك ويحملك، حَتَّى ينجح من يؤملك، وهممت أَن أقيم حَتَّى أشافهك بهنائك، وأسرك بتعرف ثنائك، إِلَّا أَنِّي تعرفت أَن الشغب تبيت مِنْهُ تبعة، ستزول بِفضل الله وترتفع. وتنصرف بقدرته وتندفع، وَالَّذِي حفظ جَوْهَر الذَّات، يجْبر عرض المَال، وَالَّذِي أحسن فِي الْمَاضِي وَالْحَال، يحسن فِي المنال، وللإنسان حَظّ يَسْتَوْفِيه، ورزق يفضل عَنهُ أَو يَكْفِيهِ وَغدا لَا يدْرِي مَا الله صانع فِيهِ، فَرَأَيْت أَن أنصرف حَتَّى أزورك بحول الله، رَضِي البال، ناجح الانتهاز فِي فرص الْعِزّ والاهتبال، راشقا إِلَى هدى السَّعَادَة بأشد النبال، جَامِعَة ولايتك بَين السهول وَالْجِبَال، وَأحل بك وفكرك وادع، وعزك لأنف الدَّهْر جادع وأمرك بالعز صادع، فَمَا أَحْرَى دهرك أَن يضن مِنْك بالذحيرة الَّتِي أزرت بهَا كف هَذِه الْأَزْمَان الْأَخِيرَة، ليستدل على مَا ذهب من الْخيرَة، وَمَعَ الْعسر يسر، وَالْأَيَّام رطب وَبسر، وصفقة الْفضل لَا يتعقبها خسر. وَالله يتولاك ويحرس علاك ويحفظ عَلَيْك مَا أولاك، كَمَا جعل المحامد حلاك، وَالسَّلَام يخصك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مِمَّا خاطبت بِهِ الشَّيْخ أَبَا الْحسن ابْن بطان أهنيه بولده عبد الْوَاحِد
(يهنيك مقدم عبد الْوَاحِد ابْنك عَن
…
مطل بوعد من الْأَيَّام مرقوب)
(كيوسف كَانَ فِي فعل الزَّمَان بِهِ
…
وَكنت فِي البث والشكوى كيعقوب)
قد علم الله، وَهُوَ الذى يعلم السِّرّ والخفى، ويميز المأذق والوفى، أننى
أَيهَا الْفَاضِل، الَّذِي إِلَيْهِ فِي الْمجد الْإِشَارَة، وباجتماع شَمله ذاعت الْبشَارَة، من يَوْم وَقع عَلَيْك بَصرِي، وَوَجَب عَن حصر كرمك حصري، وَرَأَيْت مِنْك كَوْكَب السحر الَّذِي أَخذ أعقاب النُّجُوم، وَالصُّبْح مرتقب الهجوم، وَبَقِيَّة الْغَيْث السجوم، والزمن كثير [الفبارك] والرجوم، واسيت لفراق ابْنك، إِذْ جوانحي بالفراق جد مكلومة، وأسوار صبري بمنازلة الدَّهْر [غير الموادع] أَي مثلومة، وَنَفْسِي بالرقة المسترقة مَعْلُومَة، وَفِي الْجزع للبين غير ملومة، لم أزل أضن على الْحَوَادِث بذاتك، وأوسع الْأَيَّام ذما فِي أذاتك، وأرغب فِي بقا رسم الْمَرْوَة بِبَقَاء حياتك، وأمل جمع شملك بِعَين أهلك، وأحتقر فِي جنبه مَا أملك، وَمَا عَسى الْيَوْم أَن أملك. وَأما مَا يرجع إِلَى تخليد ذكر جميل، وتنفيق فِي مَحل تأميل، وهز الْخلَافَة إِلَى وعيك، وإحماد سعيك، فَأمر لم آل فِيهِ جهدا، فقد أوسعته حرصا لَا زهدا، ونشرت لَك بأبوابهم مِنْهُ نبدا، وجندت جندا. وَكنت عينت الشكران من أَجلك، إِذا جمع الله شملك بنجلك، فَلَمَّا تعرفت خلاص بدره من سراره، ودنو دَاره، ورجوعه بعد الْميل إِلَى مَدَاره، ثمَّ نظرت إِلَى محاسنه بِعَين نايبة عَن عَيْنك، وسرني حسن القضا، بعد أَن مطل الدَّهْر بِدينِك، شاهدت فَاضلا فِي فِرَاق مثله يحسن الْجزع، ويرفض الصَّبْر المنتزع، وابنا مزيته على الْبَنِينَ مزية سنة الْهِجْرَة على السنين، حفظ الله كَمَاله، وَبلغ كلا مِنْكُم آماله، وأعانه على تأدية حَقك الَّذِي لَا يُوسع الشَّرْع وَلَا الطَّبْع إهماله، وحمدت الله وشكرته ورحت فِي طلق المسرة وابتكرت، وعذرت ووفيت بِمَا نذرت، وَلم يقنعني إِلَّا بعث من يشافه بهنائك [فِي أحب
أبنائك] وَلَوْلَا أَنِّي ملازم حُرْمَة لَا أبرحها، ومغمور جراية لَا أرفض حُقُوقهَا، وَلَا أطرحها، وموصل آمال لَا أشرحها، لم يقنعني إِلَّا أَعمال الركاب، بدل إِعْمَال الْكتاب. فمثلي إِذا عرف مثلك الْتزم، وَقطع بِمُوجب الوفا وَجزم، وَفِي وضع موَاضعهَا حزم من حزم، وَالله أسل أَن يَجْعَل شملكم شملا مَحْفُوظًا، وبعين الْجمع على الْأَيَّام ملحوظا، ومقدما مجدودا محظوظا ويمتع الْفُرُوع بِالْأَصْلِ، وَالْأُصُول بالفروع ويجعله ريعا بالبين غير مروع، ويعين من الْبر على الْحق الْمَشْرُوع. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة الْفَقِيه أبي عبد الله الْكِنَانِي وَقد صرف عَن خطة الِاشْتِغَال إِلَى الْخدمَة
(أَصبَحت سَهْما من كِنَانَته صائبا
…
يمْضِي إِلَى هدف الْكَمَال ونحره)
(وَأَبُو المكارم جدك الأرضى الَّذِي
…
استولى على سر الْكَمَال وجهره)
(مَا كَانَ يَدعِي بالمكارم كنية
…
إِلَّا لكونك ثاويا فِي ظَهره)
سَيِّدي الَّذِي لساني مُرْتَهن حَمده، وجناني مستودع وده، أقسم بِمن فضلك على أَبنَاء جنسك، ومنابت غرسك، وَجعل يَوْمك فِي الْفضل موفيا على أمسك، مَا من يَوْم إِلَّا ولى فِيهِ لعلاك ذكر، وَحمد وشكر، وهم بلقائك وفكر، لما استجلبت من جمال يثير الكلف، وجلال يذكر من سلف، وَلما تعرفت مَا كَانَ من الِانْصِرَاف، وتطويق الافتراف، وَتَصْحِيح الْمثل فِي الْأَطْرَاف منَازِل الْأَشْرَاف، ارتمضت وَمَا اغتمضت، ثمَّ شكرت الله على نعمه وتبينت مَوَاضِع لطفه بك وَكَرمه، كَأَنَّك وَالله يقيك عرضة لإصابة الْعين ووقعها، ونعوذ بِاللَّه لَيْسَ بالهين. وَكم بَين المشوب والمحض، وَبَعض الشَّرّ أَهْون من بعض، ويتفاضل الدَّهْر فِي
العض، وَللَّه عناية ببقاع الأَرْض. فَإِن كَانَت سجلماسة قبل الْيَوْم يجلب مِنْهَا التبر إِلَى دَار الْملك، فقد رد إِلَيْهَا الذَّهَب الإبريز من بعد السبك، وَلَا بُد أَن يصول الْحق على الشَّك، فتعود الْأُمُور إِلَى معتادها، وتملك الْعليا مَحل فؤادها، فَإِنَّمَا هُوَ جميم وَرَاءه إنعام عميم، وَمن الله أسل أَن يكل لَك أَسبَاب الْعِزّ آمِنَة من الانصرام، وَلَا يقطع عَنْك عوارف الإنعام، وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مِمَّا خاطبت بِهِ الْفَقِيه الْحَكِيم الْقَاسِم ابْن دَاوُد الفخار من أهل سلا
(يَا من يُعِيد الطين كل صُورَة
…
عَن مثل فِي علمه محصورة)
(والفلك الدوار من دواره
…
وَالنَّار تمْضِي حكمه ضَرُورَة)
(فَهَذِهِ تحمل طيبا طَاهِرا
…
وَهَذِه تَكْفِي بهَا قاذورة)
(أَوْصَاف حق فِي مقَال بَاطِل
…
وَآلَة منهية مأمورة)
سَيِّدي جعلك الله مِمَّن تكيف بِالْحَقِّ وتجوهر، وَعلم الْمشرق والمظهر، إِذا غلب الْفرق اشْتقت إِلَى لقائك وارتمت إِلَى الْبَرْق من تلقائك. وَإِذا غلب الْجمع، وَهُوَ ثَمَرَة المجاهدة، تمتعت بك عين الْمُشَاهدَة، إِن تشوفت إِلَى الْأَحْوَال واستشرقت، فَلم تنْتَقل عَمَّا عرفت خرقَة الْقَوْم اللبَاس، وَمن بشكاة الْحق الاقتباس وَقد ذهب الباس. ولى أمل فِي العودة إِلَى ذَلِك الْجوَار، الحقي بالدوار، والجناب المظلل بالأعناب، وَالْبَيْت الْمَعْمُور بالكليات من الْأُمُور. وَالله يبلغ المآرب، وييسر المسارب، ويعذب المشارب، وَقد نظمت كلمة تَضَمَّنت ذكر الْمعَاهد الَّتِي نشأت بهَا العلاقة، وتعذرت من سكر شكرها الْإِفَاقَة، لتنظرها بِعَين الرِّضَا الكليلة عَن الْعُيُوب، وتأذن فِي انتساخها كمن ذهب إِلَى ذَلِك من أَرْبَاب الْقُلُوب، لَعَلَّ ذكرهم بالجميل ينفع، وَفِي كثير من سيئاتي يشفع. وَالله عز وجل، يتَوَلَّى
شَأْنكُمْ أَيهَا الْحَكِيم الَّذِي لَهُ النَّفس الزكية وَالْقلب السَّلِيم، ويبلغك [كَمَا لَك] الْأَخير، فَهُوَ على كل شَيْء قدير. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْفَقِيه أَبَا جَعْفَر بن خَاتِمَة رحمه الله، عَن رِسَالَة كتب بهَا إِلَى
(لم فِي الْهوى العذري أَو لَا تلم
…
فالعذل لَا يدْخل أسماع)
(شَأْنك تعنيفي وشاني الْهوى
…
كل امْرِئ فِي شَأْنه ساع)
أَهلا بتحفة القادم وَرَيْحَانَة المنادم، وذكرى الْهوى المتقادم، لَا يصغر الله مسراك، فَمَا أسراك، لقد جيت إِلَى من همومي لَيْلًا، وجبته خيلا ورجلا، ووفيت من صَاع الْوَفَاء كَيْلا، وظننت بِي الأسف على مَا فَاتَ فأعملت الِالْتِفَات لكيلا. فأقسم لَو أَن أَمْرِي الْيَوْم بيَدي، أَو كَانَت اللمة السَّوْدَاء من عددي، مَا أفلت أشراكي المنصوبة لأمثالك. حول الْمِيَاه وَبَين المسالك، ولعلمت مَا هُنَا لَك، لكنك طرقت حمى كسحته الْغَارة الشعواء وغيرت ربعَة الأنواء، فجمد بعد ارتجاجه، وَسكن أذين دجاجه، وتلاعبت الرِّيَاح الهوج فَوق مجاجه، وَطَالَ عَهده بالزمن الأول، وَهل عِنْد رسم دارس من معول. وَحيا الله ندبا إِلَى زيارتي ندبك، وبآدابه الحكيمة أدبك
…
. [
(فَكَانَ وَقد أَفَادَ بك الْأَمَانِي
…
كمن أهْدى الشفا إِلَى العليل)
]
وَهِي شِيمَة بوركت من شيمه، وَهبة الله قبله من لدن المشيمة، وَمن مثله فِي صلَة رعى، وَفضل سعى، وَقَول ووعى
…
...
…
.
(فقسما بالكواكب الزهر والزهر عاتمة
…
إِنَّمَا الْفضل مِلَّة ختمت بِابْن خَاتِمَة)
كساني حلَّة فَضله، وَقد ذهب زمَان التجمل.
( [وحملني ناهض شكره
…
وكتدى واه عَن التَّحَمُّل] )
ونظرني بِالْعينِ الكليلة، عَن، للعيب، فَهَلا أَجَاد التَّأَمُّل، واستطلع طلع بثى ووالي فِي أحرك المجرة] حثي. إِنَّمَا أَشْكُو بثي.
(وَلَو ترك القطا لَيْلًا لناما)
وَمَا حَال شَمل قَيده مفروق، وقاعدته فروق، وصواع بني أَبِيه مَسْرُوق، وَقَلبه قرحَة من عضة الدَّهْر دَامَ، وجمرة حسرته ذَات احتدام. هَذَا وَقد صَارَت الصُّغْرَى، الَّتِي كَانَت الْكُبْرَى لمشيب لم يرع أَن هجم، لما نجم، ثمَّ تهلل عَارضه وانسجم.
(لَا تجمعي هجرا على وغربة
…
فالهجر فِي تلف الْغَرِيب سريع)
نظرت فَإِذا الْجنب نَاب، وَالنَّفس فريسة ظفر وناب، وَالْمَال أكيلة انتهاب، والعمر رهن ذهَاب، وَالْيَد صفر من كل اكْتِسَاب، وسوق الْمعَاد مترامية، وَالله سريع الْحساب.
(وَلَو نعطى الْخِيَار لما افترقنا
…
وَلَكِن لَا خِيَار مَعَ الزَّمَان)
وهب أَن الْعُمر جَدِيد، وظل الْأَمْن مديد، وَرَأى الِاغْتِبَاط بالوطن سديد، فَمَا الْحجَّة لنَفْسي، إِذا مرت بمطارح جفوتها، وملاعب هفوتها، ومثاقب قناتها، وَمظَاهر [عراها وهناتها] والزمن ولود، وزناد الْكَوْن صلود.
(وَإِذا امْرُؤ لدغته أَفْعَى مرّة
…
تركته حِين يجر حَبل مفرق)
ثمَّ إِن المرغب قد ذهب، والدهر قد اسْترْجع مَا وهب، والعارض قد اشتهب
وأدات الِاكْتِسَاب مرجوحة مرفوضة، وأسماؤه على الْجوَار مخفوضة، وَالنِّيَّة مَعَ الله على الزّهْد فِيمَا بأيدي خلقه معقودة، وَالتَّوْبَة بِفضل الله عز وجل شُرُوطهَا غير مُعْتَرضَة وَلَا منقودة، والمعاملة سامرية، ودروع الصَّبْر سابرية، والاقتصاد قد قرت الْعين بِصُحْبَتِهِ، وَالله قد عوض حب الدُّنْيَا بمحبته، فَإِذا رَاجعهَا مثلي من بعد الْفِرَاق، وَقد رقى لدغتها ألف راق، وجمعتني بهَا الْحُجْرَة، مَا الَّذِي تكون الْأُجْرَة، جلّ شأني وَإِن رضى الوامق، أَو سخط الشاني. إِنَّنِي إِلَى الله مهَاجر، وللعرض الْأَدْنَى هَاجر، ولأظعان السّري زاجر، [لأحد إنْشَاء الله وحاجر] لكني دَعَاني إِلَى الْهَدْي إِلَى الْمولى الْمُنعم هوى، خلعت نعلى الْوُجُود، وَمَا خلعته، وشوق أَمرنِي فأطعته، وغالب وَالله صبري فَمَا استطعته، وَالْحَال [وَالله] . أغلب، وَعَسَى أَن لَا يخيب الْمطلب. فَإِن يسره رِضَاهُ فأمل كمل، وراحل احْتمل، وحاد أشجى النَّاقة والجمل. وَإِن كَانَ خلاف ذَلِك، فالزمن جم الْعَوَائِق، وَالتَّسْلِيم بمقامي لَائِق:
(مَا بَين طرفه عين وانتباهتها
…
يقلب الْأَمر من حَال إِلَى حَال)
وَأما تفضيله هَذَا الوطن على غَيره ليمن طيره وَعُمُوم خَيره وبركة جهاده وَعمْرَان رباه ووهاده، بأشلاء زهاده، حَتَّى لَا يفضله إِلَّا أحد الْحَرَمَيْنِ، فَحق بَرى من المين. لكني للحرمين جنحت، وَفِي جو الشوق إِلَيْهَا سرحت. وَقد أفضت إِلَى طَرِيق قصدي محجته، ونصرتني والْمنَّة لله حجَّته، وَقصد سَيِّدي أَسْنَى قصد، توخاه الشُّكْر وَالْحَمْد، ومعروف عرف بِهِ النكر، والآمال من فضل الله بعد تمتار، وَالله يخلق مَا يَشَاء ويختار، ودعاؤه بِظهْر الْغَيْب مدد، وعدة وَعدد
وبره حَالي الْإِقَامَة، والظعن معتمل مُعْتَمد، ومجال الْمعرفَة يفضله لَا يحصره أمد. وَالسَّلَام الْكَرِيم من محبه الْمثنى على كَمَاله. فلَان.
وَمن ذَلِك فِي مُرَاجعَة قَاضِي الْجَمَاعَة عَن رِسَالَة فِي شَأْن نَخْلَة خَارج الْحَمْرَاء
(مزايا النّخل يَوْم الْفَخر مِمَّا
…
تساوى الشَّيْخ فِيهِ والغلام)
(وَحقّ بِطيبَة للنخل طيب
…
على حجرات ساكنها السَّلَام)
(فيا قَاضِي الْقُضَاة فدتك نَفسِي
…
أقرّ الْخصم فارتفع الْكَلَام)
وَأَنت أيتها الطارقة طروق الولهان، المنافرة فِي الْفَخر إِلَى الْكُهَّان، الْمُسَابقَة يَوْم الرِّهَان، المنتصرة من امتهان غير المهان، حياك الله من أبيَّة حنيم، وبارقة غيم، وراعية جَار، ومشيدة نجار، وملحقة من قل فِي أمس وَيَوْم، وَوُجُود سوم، بسراة قوم مَعَ الْبَرَاءَة من لؤم أَو لوم، حَتَّى جزت بأنسابه الْعَرَب، وقارعة النبع بالغرب، بَين الشعوب والقبائل، والبطون والفضائل، متلفعة ببرود لبردى الْبكر والأصايل، مَتى أطلت صُحْبَة كميل، واستفدت مَا لَدَى النَّضر بن شُمَيْل، مَتى وَردت بِغَيْر ثماد، من معرفَة الْأَصْمَعِي وَحَمَّاد، حَتَّى رددت كلا إِلَى نسبه، وجبرت على اللَّقِيط لقطَة حَسبه، وَرفعت بالأصباع عَن ذهدة اللوم، وسبرت غابرة الكلوم، ورددت الْمَجْهُول إِلَى الْمَعْلُوم. وَكم مر قبلك من حَان وفاعل، فَوق ناهق وصاهل، وسهى وعد ووعيد. وطالب مرام بعيد، ومبدي فِي اللَّغْو ومعيد، وبارز إِلَى مصلى عيد، وَفَارِس صنديد، وأسراب عباديد، يمتون إِلَى تِلْكَ الغريبة. بالوسائل الْقَرِيبَة، ويعترفون لسخبها
بِطيب الضريبة، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا مَعَ ذَلِك بالعيون المريبة، ويجتنبونها اجْتِنَاب الحريبة، وَهِي الْعمة، وَلها الْحُقُوق الجمة، وَالرَّفْع والضمة. دَعْنَا من إطراء ذَاتهَا، والامتعاض لأذاتها، وَالنَّظَر فِي آلامها ولذاتها، ولنعتبر مزية أَصْلهَا، وصعدة نصلها، وبركة فصلها، وتفد الجس إِلَى جِنْسهَا عَن فَضلهَا. أليست قسيمة آدم أبي الْبَريَّة فِي طيبَة البشرية، أَلَيْسَ جذعها الْمَخْصُوص بالمعجزة السّنيَّة لما انثال على البتول بالرطب الجنية، بِأَمْر رب هَذِه البنية، وحن إِلَى الرَّسُول الْخَاتم واهتز، وابتز الشوق من تماسكه مَا ابْتَزَّ، إِلَى مَا ورد فِي الذّكر من تَكْمِيل لبرها، وتتميم، وَتَخْصِيص من بعد تَعْمِيم، فَمَا الْعذر فِي الإغفال، وَالْتِبَاس الهوادي بالأكفال [وَعدم الاحتفاء والاحتفال وَكَاد أَن يرْضخ لَهَا من الْأَنْفَال] وَأَن تستعد لتجنبك الْأَطْفَال وتوسم بهَا الموائد الأغفال، وتحاط خزائنها إِذا كملت جرايتها بالأقفال، وينال من ضلعها التقريع والعتب السَّرِيع، وَيعلم بهَا ذَلِك الرّيع، ويستدعى لَهَا الْعَيْش المريع، ويدار بهَا سياج السَّلامَة، ويتاحف من سقيطها وَلَو بالقلامة، وَيرْفَع ببرها عَن [بني أَخِيهَا] وترتب الْمَلَامَة، وَيجْعَل لِلْأُصُولِ الغريبة كالعلامة، لَكِن رُبمَا أجَاب مِنْهُم منتدب محتسب، وجذب إِلَى الْأَنْصَار منتسب، فَقَالَ مَا لنا وللبر المضاع، والعتب الْمُقَرّر الأوضاع، وَلم يخف علم الله رحما، وَلَا أنكرناه عيصا ملحما وفوجا ملتحما فَمَا كل نسب يرْعَى وَلَا كل ولد يَرث أَبَاهُ شرعا، وَرُبمَا أنكر الأَصْل فرعا، وَمَا كالسعدان كل مرعى. وَفِي التَّفْرِقَة بَين نوح وَبَين سليله، مَا يتكفل لهَذَا الْقبُول بتعليله وتكثير قَلِيله إِذْ يَقُول سُبْحَانَهُ، وَقد جعله مِمَّن يهْلك، يَا نوح
إِنَّه لَيْسَ من أهلك، وَهَذَا السَّبِيل الَّذِي عفم مِنْهُ النَّسْل، قيل فِي الْحَقِيقَة، وحايد عَن الطَّرِيقَة العريقة، خلع فِي السخف الرسن، وَلم ينبته الله النَّبَات الْحسن، وَأدْركَ بادس الْملك وَمَا سكن، فَمَا أطرق بتمره اللِّسَان وَلَا أطلق بفضله اللسن، أغفل الشُّكْر على الْمَعْرُوف، وَعدل عَن الْأَسْمَاء للحروف، وَنظر عَن الظّرْف المظروف، واتصف مَعَ الأَصْل الشريف بِصفة المشروف، بعد أَن أكتب من مقرّ الْعِزّ جواره، وكنفته من معقل الْملك أسواره، فَمَا عدم مَاء يَسْتَدْعِي نَمَاء وآثاره تحفظ مِنْهُ ذما، يحيا عِنْد افْتِتَاح الْبَاب ويبيا، وَينظر عَن يَمِين الْمحيا، قد رفع علما بِبَاب الشَّرِيعَة، ومنارا بهضب الرَّوْضَة المريعة، يهدي الطارق ويصافح البارق، ويشيع الغارب، وَيسْتَقْبل الشارق، فأخلف ذَلِك الْخلف الْوَعْد، وَأثر فِي الزَّمن الْبسط خلقه الْجَعْد. أما عموده فقصير، وَإِن طَال مِنْهُ الْعُمر، وَأما ثمره فمعدوم، وَإِن جَادَتْ التَّمْر، وَأما جديده فَغير نَافِع لمن يُريدهُ، قد أمكن أهل السبت من ناصيته، وأبلغ مرتادهم إِلَى قاصيته والسمح للْكَافِرِ بكفراه، فَمَا أحقه باللوم وأحراه، فاستضافة الكدبة على الغرير، ومالوا إِلَيْهِ عَن الْغَيْر، فدان بدينهم، واتسم بسمة خدينهم، وَظَهَرت عَلَيْهِ الْغلَّة، وَضربت المسكنة والذلة، وحكمهم فِي مفرقه، يعلونه بالأنامل، إِلَى أَن يبلغُوا مِنْهُ أمل الآمل، وَأما من مَكَائِد مستسر، فِي مَظَنَّة بر، إِذا أخبر العبور، والتلمود المستور، بعيد إِسْرَائِيل تهلل، وَإِن باكره التَّكْبِير، وَالذكر الْجَمِيل، تذلل، وبالصغار فِي عين الْخُشُوع تجلل. فأقسم بِمن حرم الفسوق وَوصف الطّلع والمبسوق، ونفق مِنْهَا السُّوق، إِنِّي ليغلب على ظَنِّي، وَبَعض الظَّن إِثْم، وَفَوق كل ذِي علم عليم، وعَلى أَن نواته المجتلبة على النَّوَى، والغربة
الهادية من التخوم، الثَّابِتَة إِلَى هَذِه الْقرْبَة، كَانَ من خمرة خَبِير اكتسابها، وَفِي بني النظير أَو بني قُرَيْظَة انتسابها، وَأَن بركَة بِي الْحقيق ظَهرت على ذَلِك العذيق فَلذَلِك مَا تألفت الأشكال، وَحقّ النكال، وَإِلَّا فَمَا للنخيل وشيم الْبَخِيل وأكذاب المخيل، وَالنّسب الدخيل، إِنَّمَا هِيَ مِمَّن غل يَده العقال، وَلعن بِمَا قَالَ. فليعد ذَلِك العذق بالملامة على نَفسه فهضمه لَا يعود على جنسه، ومعرة الْيَوْم مُرْتَفعَة عَن أمسه أَمر. وعَلى ذَلِك فجواره الْقَرِيب الَّذِي لَا يهمل، وعيته بعد وصاة قَاضِي الْقُضَاة، لَا تسمل، بل تكنف إِن شَاءَ الله بالرعى وتسمل وتتلقى بِالَّتِي هِيَ أجمل، فَالله قد زكى بنظره الشُّهُود لما وفى النصح المجهود، وَأدْخل فِي الدّين الحنيف على يَده النَّصَارَى وَالْيَهُود، فَالْخَبَر يُبَارك وسيدي فِي الرَّد إِلَى الْحق يُشَارك، والقس يصلب، وَالله عز وجل بسعيه الْقُلُوب يقلب، حَتَّى أكثرت المهاجرة وبرت الْقسم الْفَاجِرَة، وَلَعَلَّ هَذِه النَّخْلَة الإسرائيلية تكون بليته مِمَّن أسلم، وأسدى وَتعلم، وأبل بعد مَا تألم، وَانْطَلق لِسَانه بالعز وَتكلم، حَتَّى يجود غمامها وَتحمل بالرطب أكمامها. وَيعود إِلَى الْمُلَامسَة عودهَا، وتنجز بالأزهاء وعودها، ويرتفع جمودها، الَّذِي شان وخمودها، وتيأس الْيَهُود من جناها المحبور، وحماها الشاكي بالحبور، كَمَا يسر الْكفَّار من أَصْحَاب الْقُبُور، وَإِن تَمَادى الاهويا فِي مبعث أهل السبت وَوَقع عَلَيْهِ الْكتب بالكبت، فعدله أبقاه الله، يجْبر الْيَهُود على جبره، ويرعى مَا أبداه من تماسكه على دينهم وَصَبره، وبحكم التَّوْرَاة، فِي مواراة وَصله وَالزَّبُور، وليكلف الحبر أَن يعامله مُعَاملَة وَلَده لصلبه، وَإِلَّا فليجعله جذعا لصلبه، وَإِذا كَانَ كَذَلِك، فيرجى أَن تنشأ لَهُ فِي أهل الْكتاب ناشية وتتعلق بِهِ أَحَادِيث فَاشِية، وَيجْعَل الله بِرَأْسِهِ من التَّمْر
المضفر شاشية، وَحفظ أهل الذِّمَّة، لَا يُنكر على هَذِه الْأمة. وَالله يبْقى سَيِّدي مُشِيرا للهمة بالأمور المهمة، ومحييا للرمة، وراعيا للوسائل والأذمة، بحول الله.
وَمن ذَلِك وَقد تَكَرَّرت حَرَكَة السُّلْطَان أيده الله تَعَالَى إِلَى سُكْنى قَصَبَة الْمنْكب فكثرت بيني وَبَين الْأَوْلَاد والأحباب الْمُكَاتبَة
(بِحَق مَا بَيْننَا يَا سَاكِني القصبة
…
ردوا على حَياتِي فَهِيَ مغتصبة)
(مَاذَا جنيتم على نَفسِي ببعدكم
…
وَأَنْتُم الأمل والأحباب والعصبة)
لمن المشتكي بالبطيحة، الَّتِي هواؤها مثل مَائِهَا أجن، وقدرها ساجن، وساكنها الْأَصْلِيّ جلال دَاجِن، وبحرها متلاعب متماجن، والمشاهق مثل جَارك الناهق، مقفر من أنيسه، فاغرة حلوق دماميسه، والأثر الماثل سَيْفا فَردا لَا بل مُفردا، ينحت جَوَانِب الْأَعْمَار، ويذود راعيه قطائع اللَّيْل وَالنَّهَار، فَلَقَد عوضتني من من النَّعيم ببوسي، وحجبت عني أقماري وشموسي، وليت شعري لمن تنافرها الحضرة من الكنهان مستعدية بِسَبَب الامتهان. أما المزية الَّتِي أحلتها هَذَا الْمَكَان حَتَّى تتْرك وَهِي المفداة، وتفضل حاضرتها مَا سكنته البداه. نَسْتَغْفِر الله، فالقبح وَالْحسن على الشَّرْع موقوفان، وَالْعقل مَعْزُول عَن هَذَا الْعرْفَان. ومولانا أبقاه الله حجَّة، وبحر إِدْرَاكه، لَا يُقَاس بِهِ لجة، وحسبنا أَن نسل الله إمتاعه بِمَا اخْتَارَهُ فَإِن يجْرِي وفْق غَرَضه أقداره، وَإِن تشوفتم إِلَى الْحَال فمقبول الْمَرَض بعد جاثم، وَالشَّيْخ فِي الشُّكْر على مَا سَاءَ وسر آثم، وَاللَّفْظ لجب، وَوجه الْحق محتجب، ففرجوا بعض الكرب برقى رقاعكم، وَبَادرُوا السَّهْو عَن مكاتبتي بأرقاعكم،
وَلَا تغفلوا عَن مؤانسة من وجوده وَحْشَة لولاكم، صانكم الله وتولاكم، وشملكم بالعافية، وأوردكم فِي الْحل والترحال، مواردها الصافية. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا كتبت إِلَيْهِم فِي الْمَعْنى
(يَا سَاكِني مرفا الشواني
…
شوقي من بعدكم شواني)
(ولاعج الشوق قد هواني
…
من بعدكم وَاقْتضى هواني)
(لقد كفاني لقد كفاني
…
بَاقِي ذما ناهبا كفاني)
(كَأَنَّهُ مَالِكًا عناني
…
أنموذج من أبي عناني)
(منوا على الشوق بالأمالي
…
فَأنْتم جملَة الْأَمَانِي)
إِلَى أَي كَاهِن أتنافر، وَفِي أَي ملعب أتجاول وأتظافر، وَبَين يَدي أَي حَاكم أتظالم، فَلَا أتفاخر، مَعَ هَذَا الْجَبَل، الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَة جمل، حف بِهِ من الدّور همل، سنامه التامك أجرد، وذنبه قد سَالَ كَأَنَّهُ مطرد وعنقه إِلَى مورد الْبَحْر يتعرج ويتعرد، وكأنما البنية بأعلاه، خدر فاتنة، أَو برق غمامة هاتنة، اسْتَأْثر غير مَا مرّة بأنسي، وَصَارَت عينه الحمئة، مغرب شمسي، حَتَّى كَانَ هَذَا للشكل من خدر وبعير، وَإِن كَانَ مجَاز مستعير، ليتضمن شكوى الْبَين، وَيفرق بَين المحبين
(مَا فرق الأحباب بعد الله إِلَّا الْإِبِل
…
وَالنَّاس يلحون غراب الْبَين لما جهل)
(وَمَا على ظهر غراب الْبَين تقضى الرحل
…
وَلَا إِذا صَاح غراب فِي الديار ارتحل)
(وَمَا غراب الْبَين إِلَّا نَاقَة أَو جمل
…
)
فأقسم لَوْلَا أَن الله تَعَالَى، ذكر الْإِبِل فِي الْكتاب الَّذِي أنزل، وَأعظم الْعِنَايَة
بهَا وأجزل، لسللت عَلَيْهَا سلَاح الدُّعَاء، وأغريت بهجرها نفوس الرعاء. وَقلت أَرَانِي الله إكسارك من بعير فَوق سعير، وَلَا سمحت عقبَة الأندر وَالشعِير بتبن وَلَا شعير.
(دَعَوْت عَلَيْك لما عيل صبري
…
وقلبي قَائِل يَا رب لَا لَا)
نَسْتَغْفِر الله، وَأي ذَنْب لذِي ذَنْب شَامِل، وَلَيْث مائل، بِإِزَاءِ لج هائل يتعاوده الْوَعْد والوعيد، فَلَا يُبْدِي وَلَا يُعِيد، وتمر الْجُمُعَة والعيد، فَلَا يستزيد وَلَا يستعيد، إِنَّمَا الذَّنب لدهر يرى الْمُجْتَمع فيغار ويشن مِنْهُ على الشمل الْعَار، ونفوس على هَذَا الْغَرَض تساعده، وتعينه ليبطش ساعده، وتقاربه فِيمَا يُرِيد فَلَا تباعده:
(وَلَقَد علمت فَلَا تكن متجنيا
…
أَن الْفِرَاق هُوَ الْحمام الأول)
(حسب الْأَحِبَّة أَن يفرق بَينهم
…
رب الْمنون فَمَا لنا نستعجل)
لَكِن الْمُحب حبيب ولغرض المحبوب منيب
(وَيحسن الْفِعْل إِن جَاءَ مِنْكُم
…
كَمَا طَابَ عرف الْعود وَهُوَ دُخان)
وَقد قنعت برسالة تبلغ الأنة، وَتدْخل بعد ذَلِك الصِّرَاط الْجنَّة، ويعبر لسانها عَن شوقي من دون عقله، وَتنظر عَيْني من بَيَاض طرسها، وَسَوَاد نَفسهَا بمقلة، فَإِن كَانَ الْجَواب، فَهُوَ الْأجر وَالثَّوَاب، وَلم أر قبل شوقي من نَار تخمد بطرس، يلقى على أوارها، فَيَأْمَن عَادِية جوارها، لَكِنَّهَا نَار الْخَلِيل، رُبمَا تمسكت من المعجزة بأثر، وعثرت على آثاره مَعَ من عثر، جمع الله من الشمل بكم مَا انتثر، وأنسى بِالْعينِ الْأَثر، وحرس على الْكل من مشوق وشائق، وموحش ورائق سر الْقُلُوب، ومناخ الْهوى المجلوب، ومثار الأمل الْمَطْلُوب، وَلَا زَالَت الْعِصْمَة
تنسدل فَوق مثواه قبابها، والسعود يحمد فِي أمره العالي مثابها، فالمحبوب إِلَيْهِ حبيب، وَإِن أَسَاءَ وأوحش الصَّباح والمسا:
(إِن كَانَ مَا سَاءَنِي مِمَّا يسركم
…
فعذبوا فقد استعدبت تعذيبي)
وَالسَّلَام عَلَيْكُم مَا حن مشوق، وتأود لليراع فِي رياض الرّقاع قصب ممشوق، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك وَقد أجابني الْفَقِيه أَبُو عبد الله بن زمرك وإبناي عبد الله وعَلى، فراجعت الثَّلَاثَة بِمَا نَصه
(أكْرم بهَا من بِنَا بنان
…
أرسخ فِي الْفَصْل من أبان)
(أجنا لَدَيْهَا الرِّضَا حنان
…
من الْمعَانِي جنا جنان)
(أَي جبى للأكف وَأَن
…
مِمَّا للمباري بِهِ يدان)
(أقسم بِالذكر والمثان
…
مَالك فبمَا سَمِعت ثَان)
(مدامة بزت الْأَوَانِي
…
تنشط لِلْقَوْلِ كل دَان)
(تَقول أوضاعها الغواني
…
با الْعلم عَن زِينَة الغوان)
(يارب بَارك لمن بنان
…
فِي الْفِكر وَالْقلب والبنان)
هَكَذَا هَكَذَا، وبعين الحسود القذا، تتناثر الدُّرَر الكامنة، وتهاج القرائح لنائمة الآمنة، وتقضى الدُّيُون من الطباع الضامنة:
(أُعِيذهَا بالخمس من ولايد
…
قد قلدت بنخب القلايد
…
. غَيره)
(أُعِيذهَا بالخمس من حبايب
…
يغذين بالمراضع الأطايب
…
غَيره)
(أُعِيذهَا بالخمس من وُجُوه
…
يصونها الله من الْمَكْرُوه)
ويامانح قلب الْقُلُوب أوريت، وَصدق مانويت، البير بيرك، وَذُو حفرت وَذُو طويت، وَمَا رميت إِذْ رميت، وَلَو علمنَا السرائر، لأعددنا لهَذَا الْمكيل الغرائر، وَلَو تحققنا إِجَابَة السُّؤَال، والنسيج على هَذَا المنوال لفسحنا الظروف لهَذَا النوال. ساجلنا الغيوث فشححنا، وبارزنا الليوث فاقتضحنا، وصلينا، وَالْحَمْد لله على السَّلامَة بِمَا قدحنا لَا بل التمسنا نقبة، وأقطعنا تنورا واقتبسنا جذوة، فأقبستنا نورا.
(ملك الثَّلَاث الآنسات عناني
…
وحللن من قلبِي بِكُل مَكَان)
(هَذَا الْهلَال وَتلك بنت المُشْتَرِي
…
حسنا وهذي أُخْت غُصْن البان)
مَتى كَانَ أفق الْمنْكب مطلعا لهَذَا الْكَوْكَب، وأجمة تِلْكَ السَّاحِل الماحل، من معاهد الدمر الحلاحل، ومورد الْجمل الْبَادِيَة الغر، مقاصا لمثل هَذَا الدّرّ، إِلَّا أَن يكون كنز هَذَا المرام المستدعي الكلف والغرام من مستودعات تِلْكَ الْأَهْوَاء والأهرام، دمنة الْملك الغضاب، بعد أَن قدست الأنصاب، وأقفى الْأَثر فَلَا يصاب، أَو تكون الْأَنْوَار هُنَالك تتجسم، والحظوظ تعين وتقسم، والحقائق تحد وترسم، أَو تتوالد بِتِلْكَ المغارات يوسانيا وروسم ظَنَنْت بِأَن تثور من أجم الأقلام أسود، وتعبث بالسويداوات من نتائج اليراع والدواة لحاظ سود. من قَالَ فِي الْإِنْسَان عَالما صَغِيرا فقد ظلمه، كَيفَ وَالله بالقلم علمه وَرفع فِي العوالم علمه. لقد ذرت حلمات تِلْكَ الأحلام من رسل غرير، وَمَا كَانَ فَحل تِلْكَ الأقلام بزير، وَلَا سُلْطَان تِلْكَ الطباع، المديدة الباع، ليستظهر بوزير، إِنَّمَا هِيَ مشاكي أَعمال أوقدها الله وأسرجها، وملكات فِي الْقُوَّة رَجمهَا، مُرَجّح الْقُدْرَة فأبرزها إِلَى الْعقل وأخرجها، وَأَحْرَى بهَا أَن تحط بذور
المدارك الإلهية رِحَالهَا، وتترك إِلَى الْوَاجِب الْحق مجالها، فَتَجَاوز أوحالها مستنيرة بِمَا أُوحِي لَهَا. إيه بنية، أقسم بِرَبّ البنية. وقاسم الحظوظ السّنيَّة، لقد فزت من نجابتكم عِنْد التماح إجابتكم بالأمنية، فَمَا أُبَالِي بعد بالمنية وَقَاه الله عين الْكَمَال من كَمَال، وصان سروجه من السمال، واكتنفه بالمزيد من عز، يَمِين وشمال، كَمَا سوغ الْفَقِير مثلي إِلَى فقرها زَكَاة حجال لَا زَكَاة جمال. ولعمري، وَمَا عمري عَليّ بهين، وَلَا الْحلف فِي مقطع الْحق بمتعين، لقد زحفت مِنْهَا إِلَى ثَلَاث كتائب، قادها النَّصْر جنائب، ألفاتها العصي، ونوناتها القسي، وغاياتها المرام العصي، ورقومها الْخلق، وجيادها قد فشى فِيهَا البلق، بِحَيْثُ لَا استظهار للشَّيْخ إِلَّا بشعب، وَلَا افتراس إِلَّا لمن قد قدر، ودريد هَذَا الْفَنّ يحمل فِي خدر:
(سلت على سيوفها أجفانه
…
فلقيتهن من الْمُنِيب بمغفر)
فلولا تقدم الْعلم بالسلم، لخيف من كلمها وُقُوع الْكَلم. أما أحداهن ذَات الْقيام والدلج بالإعتام، المستمد سوادها الْأَعْظَم من مسك الختام، فعالت فريضتها بِالزِّيَادَةِ، وعلت يَدهَا بمنشور السِّيَادَة، ورسم شنشتها الْمَعْرُوفَة أخزم، وجادها من الطَّبْع الْمعِين السماك والمرزم، وظفر أسجاعها المظفرة لُزُوم مَا لَا يلْزم:
(خدم اليراع بهَا فدلجها
…
وَسَأَلت مُجْتَهدا عَن الْفَرْض)
(فَعلمت أَن الصُّلْح مقْصده
…
لتزول بعض عَدَاوَة الربض)
وَأما أُخْتهَا التالية، ولدتها الحانية، فنؤوم مكسال، رِيقهَا برود مسلسال، وَمن دونهَا موارد وكسال وذيب عَسَّال، وَإِن عالت بِنَقْض فِي النّظم، فقد أخذت من الْبَدَائِع بالكظم، وامتكت الْمَعَالِي امتكاك الْعظم. وَأما الثَّالِثَة فكاعب حسنها
بالعقول متلاعب، بنت لبون لَا بنت حَرْب زبون، حياها الله وبياها، فَمَا أعظم رياها.
(تشم أنفاس نجد من ثِيَابهمْ
…
عِنْد الْقدوم لقرب الْعَهْد بِالدَّار)
وَلَو قصرت لتغمد تَقْصِيرهَا، وَكثر بِالْحَقِّ نصيرها فَكيف وَقد أجابت، وصابت غمامتها وجادت، وَقد شكرت على الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل، وَعرفت مِنْهُ الْبَاذِل وَجهد الفصيل، وطالعت مسَائِل الْبَيَان والتحصيل، وقابلت مفضض الضُّحَى بِمذهب الْأَصِيل، وأثرت يَدي، وَكَانَت إِلَى تِلْكَ الْفقر الفقيرة، ونبهت فِي عَيْني الدُّنْيَا، وَكَانَت حقيرة، ورجوت أَن لَا تعدم هَذِه الْأَسْوَاق مديرا، وَلَا تفقد هَذِه الْآفَاق رَوْضَة وغديرا، وَسَأَلت لجملتكم المحوطة الشمل الملحوظة بِعَين السّتْر الْجَمِيل، عزا أثيرا، وَخيرا كثيرا، وَأمنا تحمدون مِنْهُ فراشا وثيرا. وعذرا أَيهَا الأحباب، والصفو اللّبَاب عَن كدح سنّ وَكبره، وفل استرجاع وعبرة، استرقته ولج الشغب طام ذُو التظام، والخلق فرَاش يكبون منى على حطام. ورسل الفرنج قد غشى الْمنَازل منثالها، ونتجتها بالعشى أَمْثَالهَا، والمراجعات تَشْكُو البث، والجفاة تستشعر المكيدة والحيف.
(وَلَو كَانَ هما وَاحِدًا لبكيته
…
وَلكنه هم وثان وثالث)
وَالله عز وجل يمتع بأنسكم من عدم الِاسْتِمْتَاع بسواه، وتصر عَلَيْهِ متشعب هَوَاهُ، وَيبقى بركَة الْمولى الَّذِي هُوَ قطب مدَار هَذِه الأقمار والأهلة، لَا بل مَرْكَز فلك الْملَّة، وسجل حُقُوقهَا المستقلة، وَالسَّلَام عَلَيْكُم مَا حنت النيب إِلَى الفصال، وتعللت أنفس المحبين بِذكر أزمنة الْوِصَال، وكرت الْبكر على الآصال، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك، وَقد صدرت بَين فاضلين من الْأَصْحَاب مُكَاتبَة مفتتحة بِأَبْيَات، وصرفا إِلَى التَّحْكِيم، وَجعلا لنظري التَّفْضِيل، فَكتبت:
(بَارك عَلَيْهَا بِذكر الله من قصَص
…
وَاذْكُر بهَا مَا أُتِي فِي سُورَة الْقَصَص)
(حَيْثُ اغتدى بِسحر يلهو بالعقول وَقد
…
أجال بَين حبال كبده وعص)
(عقائل الْعقل وَالسحر الْحَلَال ثوت
…
من كافل الصون بعد الْكَوْن حجروص)
(وَأَقْبَلت تتهادى كالبدور إِذا
…
سجن من فلك التدوير فِي حصص)
(من للبدور وربات الْخُدُور بهَا
…
الْمثل غير مُطِيع والمثال عص)
(مَا قرصة الشَّمْس وَالشَّمْس المنيرة إِن
…
قيست بِهن سوى من جملَة الفرص)
(تالله مَا حكمهَا يَوْمًا بمنتقض
…
كلا وَلَا بدورها يَوْمًا بمنتقص)
(إِن قَالَ حكمى فِيهَا بالسواء فقد
…
أمنت مَا يحذر القَاضِي من الْغصَص)
(أَو كنت أرخصت فِي التَّرْجِيح مُجْتَهدا
…
لم يقبل الْوَرع الْفتيا من الرُّخص)
يَا مُدْلِج ليل التَّرْجِيح قف، فقد جفيت الْكَوَاكِب، وَيَا قافي طرق التحسين والتقبيح، تَسَاوَت وَالْحَمْد لله، المناكب، وَيَا مستوكف خبر الوقيعة، من وَرَاء قتام القيعة، تصالحت المواكب. حصحص الْحق فارتفع اللجاج، وتعارضت الْأَدِلَّة فَسقط اللجاج، وَطَاف [نحل الأقلام بأزهار الأحلام، فطاب المجاج] وَقل لفرعون الْبَيَان وَإِن تأله، وبلد الْعُقُول وبله، وَدلّ بالغرور
ودله، أوسع الكناس نثلا، ودونك أيدا شلا، وشجرا جثلا، لاخمطا وَلَا أثلا إِن هَذَانِ لساحران يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما، ويذهبا بطريقتكم المثلى، وَإِن أثرت أدب الْحَلِيم مَعَ قصَّة الْحَكِيم، فَقل لمجيل جِيَاد التعاليم، وَوَاضِع حفر أبيار الأقاليم، أندلسنا كَمَا علمت بلد الأجم: لَا سود الْعَجم، ومداحض السُّقُوط على شوك قتاد القوط، وَلم ندر أَن مَحل ذَات العجايب والأسرار، الَّتِي تضرب بهَا أباط النجايب، فِي غير الإقليم الأول، وَهَذَا الوطن بِشَهَادَة الْقلب الْحول، إِنَّمَا هُوَ رسم دارس، لَيْسَ عَلَيْهِ من معول، فهنالك يتَكَلَّم الْجِنّ لبَعْضهِم وَيفهم، وَيرد المدد على النُّفُوس الحزينة، من مطالع الأضواء الْكُلية، فَيحدث ويلهم وعود خَازِن الأمدار على المتوسل، لوسيلة الاستعداد، فَيقطع ويسهم. وَأما أقليمنا الرَّابِع وَالْخَامِس، بعد أَن تكافأت المناظر والملابس، وتناصف اللَّيْل الدامس، وَالْيَوْم الشامس، ذاعتدال ربيعي، ومجرى طبيعي، وذكى وبليد، ومعاش وتوليد، وطريف فِي البداوة وَتَلِيدُ، لَيْسَ بِهِ مرماة وَلَا هرم، يخْدم بهَا ذرى يخترم، ويشب لغربانه ضرم، فَيُفِيد روحانيا، يتَصَرَّف، وربيا يتَعَرَّض ويتعرف، كلما استنزل صاب، وأعمل الانتصاب، وَعلم الْجَواب، وَفهم الصَّوَاب. وَلَو فَرضنَا هَذِه المدارك ذَوَات أَمْثَال أَو مسبوقة بمثال. لتلقينا منشور الفضايل بامتثال، لأننا نَخَاف أَن نَمِيل بعض الْميل، فنجنى بذلك بخس الجرى، وارضاء الزميل، [وتجر تنابح] الزُّهْرِيّ مَعَ الصميل، فَمن خير حير، وَمن حكم ازدرى بِهِ وتحكم. فَمَا سل سيوف الْخَوَارِج فِي الزَّمن الدارج إِلَّا التَّحْكِيم، حَتَّى جهل الْحَكِيم، وخلع الخطام، وَنزع الشكيم، فأضر
بالخلق نَافِع، وَذهب [الطِّفْل] لجراه واليافع، وذم الذمام، ورد الشافع، وقطر سيف قطره بِكُل نجيع طرى، وزار لشبيب الْأسد الهصور، وصلت الغزالة بِمَسْجِد الثَّقَفِيّ وَهُوَ مَحْصُور، وانتهبت المقاصير والقصور، إِلَّا أَن مستاهل الْوَظِيفَة الشَّرْعِيَّة عِنْد الضَّرُورَة تحير، والمنتدب [للبر] يجبى عِنْد الله ويحير، واجعلني على خزاين الأَرْض، وَهُوَ الْأَصَح الْأَشْهر فِيمَا بِهِ يستظهر. وَأَنا وَإِن حكت على التَّعْجِيل، فَغير مشْهد على نَفسِي بالتسجيل، إِنَّمَا هُوَ تلفيق يُرْضِي، وتطفيل يعتب عَلَيْهِ، من يصدع بِالْحَقِّ ويمضي، إِلَّا أَن يقْضِي، ورأيي فِيهَا المراضات وَإِلَّا فالسلاح، والركاب الطلاح، وَالصُّلْح خير، وَمَا استدفع بِمثل التسامح ضير، وَمن وقف عَلَيْهِ وَاعْتبر مَا لَدَيْهِ، فَليعلم أَنِّي قد صدعت وَقطعت، وَالْحق أَطَعْت. وَإِن أُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح مَا اسْتَطَعْت وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أَبَا الْحسن القرموني من حذام الْخَطِيب أبي عبد الله بن مَرْزُوق وَلها حِكَايَة تظهر من الرسَالَة
حَملَنِي أعزّك الله على قصدك، وَتَحْقِيق رصدك، مَا حدثوا بتونس عَن يَوْم فصدك، وَأَن الْعَاقِل ود يَوْمئِذٍ أَن يكون حجاما، وَلم يعرف إسراجا فِي ابْتِغَاء الفضايل وَلَا إلجاما،، وَلَا يعرف امتيازا بالفضايل وَلَا اختصاصا إِلَى ليلاتك الَّتِي فضحت الظُّلم، وأنست ليَالِي ذِي سلم، وأضحت لشهرتها نَارا على علم، إِذْ بَانَتْ العيدان مصطفة اصطفاف الْهدى، أَخْذَة مَا بَين رَأس السرطان إِلَى رَأس الجدي، وَقلت نَفسِي لَا تدين بالإمساك، وَلَا تلِيق لوعظ النساك، لابد تَحت هَذِه السفرة من نفاضة، وحول هَذِه الزبرة من قراضة، فَلَمَّا رَأَيْتُك، رَأَيْت مخيلة
رجولة فِي طلعة مَقْبُولَة، وَعلمت أَن اخْتِصَاص سيدنَا باستعمالك وَعدم إهمالك، قبُول الشَّهَادَة مزكيك، وَبَيَان يرفع التشكيك، فاستعنت بقربك، وطعنك وضربك، وَقد بَلغنِي جميل بلائك، وَإِن كَانَ ضَعِيفا، لَكِن الله سُبْحَانَهُ وَله الْمثل الْأَعْلَى، يقبل رغيفا. وَالشُّكْر وَاجِب، وَالْعَمَل الصَّالح لَا يَحْجُبهُ عَن الرقى حَاجِب، فخاطبتك شاكرا، وبفضل مَا صدر عَنْك ذَاكِرًا وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا كتبت فِيمَا يظْهر من الرسَالَة لأحد الْفُضَلَاء بِمَا نَصه
(تعرفت قرب الدَّار مِمَّن أحبه
…
فَكنت أجد السّير لَوْلَا ضروره)
(فأتلوا من أبي المحاسن سُورَة
…
وَأبْصر من شخص المكارم صوره)
كنت أبقاك الله، لاغتباطي بولائك، وسروري بلقائك، أود أَن أطوي إِلَيْك هَذِه المرحلة، وأجدد الْعُمر بلقياك المؤملة، فَمنع مَانع، وَلَا نَدْرِي فِي الْآتِي مَا الله صانع، وعَلى كل حَال فشأني قد وضح مِنْهُ سَبِيل مسلوك، وَعلمه مَالك ومملوك، واعتقادي أَكثر مِمَّا تسعه الْعبارَة والألفاظ المستعارة، وموصلها يَنُوب عني فِي شكر تِلْكَ الذَّات، المستكملة شُرُوط الوزارة، المتصفة بالعفاف وَالطَّهَارَة. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني مِمَّا خاطبت من بعض الْفُضَلَاء
(يَا حفيد الْوَلِيّ يَا وَارِث الْفضل
…
الَّذِي نَالَ فِي مقَام وَحَال)
(لَك يَا أَحْمد بن يُوسُف حبا
…
كل ثغر يعْنى أكف الرِّجَال)
أبقاك الله مثابة انْتِفَاع، ونورا على يفاع، ومتضعا على علو وارتفاع، ترى الْوتر فِي أشفاع، وتقابل الْوَهم بطراد من الْحَقِيقَة ووضاع. ان حثت على لِقَاء الْأَعْلَام، شهرتهم فلك الشُّهْرَة، وَأَنت الْعلم والشهاب الَّذِي تجلى بِهِ الظُّلم،
ورباط جدك بالمغرب الرُّكْن المستلم، فَإلَى أَيْن يذهب عَن جنابك الذَّاهِب، وَقد وضحت الْمذَاهب، وَالله الْمَانِع والواهب، وإلي من لدن اجتليت غرتك، الَّتِي تلوح عَلَيْهَا سِيمَا الْولَايَة إِرْثا واكتسابا، وانتماء إِلَى جَانب الله وانتسابا، أُؤَمِّل التوسل والتقرب، وأخطب مِنْك الْأنس الَّذِي أنسى بِهِ التغرب إِلَى أَن تهَيَّأ بِفضل الله وتيسر، وَتبين مُجمل الشوق وتفسر. وشتان مَا بَين أثرى وأعسر، وَأَنا الْآن وَالْحَمْد لله، قد حططت بمثوى الْولَايَة رحلي، وعثرت بأثر أسرار الْأَبْرَار نحلى، وَأخذت من الدَّهْر ذحلى، وحللت من رِبَاط الشَّيْخ أبي مُحَمَّد صَالح بِالْحرم الْأمين، فظفرت من ود حافده بالذخر الثمين، فيا لَيْت قومِي يعلمُونَ بِمَا غفر لي رَبِّي، وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين، عرفتك أبقاك الله بقصدي، وحركة رصدي، لتعلم أَن هَذِه الوجهة لقاؤك أقوى دواعيها، وأنجح مساعيها [وبركة الشَّيْخ] نفع الله بِهِ، تلاحظها وتراعيها، فَمَا استبعد المرام من قصد الْكِرَام. وَمَا فقد الإيناس من أمل النَّاس، وتنخل الْأَفْرَاد، وتخطى الْأَجْنَاس، وَترك للنصر الْقيَاس، وتملك المنى لما أحرز الرياس. وسيدي بعد، وَمَا يظْهر لَهُ من تأنيس غربته، وإزاحة كربته، ووعى وسيلته وقربته، وإتحاف باجتلا حمى نزور وتربة، وَالله عز وجل يبقيه مَقْصُودا على بعد الْمَكَان، مرجحا فِي الْفضل طرف الْإِمْكَان، مطمين الْفُؤَاد بِذكر الله، رطب اللِّسَان من رجا فِي الْوُصُول إِلَيْهِ مقَام الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالْإِحْسَان. وَالسَّلَام
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء
(إِن كَانَت الْآدَاب أضحت جنَّة
…
فقد غَدا جنانها الْجنان)
(أقلامه الْقصب اللدان بروحها
…
والزهر مَا رقمته مِنْهُ بنان)
مَا كنت أَيهَا الْفَاضِل، الَّذِي زار وتفقد، وضاء كوكبه الدُّرِّي وتوقد، فأنسى سناه الفرقد، أَظن هَذَا الْبَلَد يشْتَمل على مثل درتك دَرَجَة، وَلَا يشرف بِمثل نيرك برجه، وَلَا يشمخ بِمثل بطلك سَرْجه، حَتَّى اجتليت مِنْك معارف شَتَّى وَغَايَة فضل لَا تحد بحتي، فَعلمت أَن الْبلدَانِ بخيارها، لَا بِتَعَدُّد ديارها، والأماكن بأربابها، لَا بِتَعَدُّد أَبْوَابهَا. وَقد علمت أَي ضيف، وقراي خَفِيف، لَا قديد وَلَا ضَعِيف، إِنَّمَا هُوَ أنس يبْذل، وَنَفس فِي الانقباض تعذل، ومذاكرة يهز دوجها وينشق روحها. فَإِن أردْت أَن تعدد مَا أفردت، وتعيد من دوَل الفضايل مَا أوردت، أفدت شكرا لَا يجر ذكرا، واغتنمت حمدا وشكرا. وَالسَّلَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ قَائِد الأسطول أهنيه بِطُلُوع وَلَده
أبقاك الله أَيهَا الْقَائِد الَّذِي بأسه ضرم، وشأنه شجاعة وكرم، وَمحل ولَايَته من الْعَدو حرم، لَا تسل عَن شوقي لقربك، وعكوفي على حبك، وضراعتي فِي سعادتك إِلَى الله رَبِّي وَرَبك، وَبَلغنِي الطالع لديك، والوارد من حَضْرَة الْمَوَاهِب الآلهية عَلَيْك. جعله الله أسعد مَوْلُود على وَالِد، ووقفك لما يرضيه من مقَام الشاكر الحامد، وَأقر عَيْنك مِنْهُ بالقائد بن الْقَائِد [ابْن الْقَائِد بن الْقَائِد] وَقد كنت أعدك مِنْهُ تفاؤلا واستفتاحا، وسؤالا من الله واستمناحا، فَالْحَمْد لله الَّذِي صدق الزّجر، ووضح الْفجْر. وَقد نظمت لَهُ أبياتا، إِن أَدْرَكته بعْدهَا حَياتِي، بر وشكر، أَو كَانَت الْأُخْرَى ترحم وَذكر وَهِي:
(أرفع قسى الشتات بوعده
…
واستنجز النَّصْر الْعَزِيز لوعده)
(وَانْظُر إِلَيْهِ تلح إِلَيْك بِوَجْهِهِ
…
سمة الشجَاعَة من أَبِيه وجده)
(لله من سيف لنصرك صارم
…
ينساب مَاء الْحسن فَوق فرنده)
(صدرت إِلَيْك بشارتي وتفاؤلي
…
بِالْأَمر قبل بروزه من غمده)
(يستبشر الأسطول مِنْهُ بقائد
…
كالبدر تَحت شراعه أَو بنده)
(وَالْبَحْر يفخر مِنْهُ يَوْم ولاده
…
بملنده ابْن ملنده ابْن ملنده)
وَمن ذَلِك مَا صدر عني لما استدعى مني الْإِجَازَة وكتبت مَا نَصه:
أما بعد حمد الله الَّذِي جعل الْفَضَائِل بذرا تنْبت زرعا، وأصلا يخلف فرعا، فَإِن أهمل الأَصْل، فَهُوَ من الاستعادة الْفَصْل، وَإِن نرك الزَّرْع، ضَاقَ بِالْحَاجةِ الضَّرع، فحفظها لهَذَا السَّبَب، حفظ الْأَنْوَاع، وأغرى بهَا سكيمة الْفِكر وكريمة الطباع، فاضطرت الْعِنَايَة واستمرت، وانثالت وَدرت، ونجحت الْأَعْمَال، وانبعثت الآمال، وتعديت شُرُوط الْوُجُوب إِلَى شُرُوط الْكَمَال. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي فضلت مِلَّته الْملَل، وشفت هدايته الْعِلَل، فَكَانَ مِمَّا انْفَرَدت بِهِ رِوَايَة السّلف عَن السّلف، وتلافى الْفَوَائِد من قبل التّلف، والرضى عَن آله الطيبين، وصحابته المنتخبين، فَإِنِّي لما استدعاني السَّيِّد الْكَبِير الحبر الإِمَام، صَاحب الْقَلَم الْأَعْلَى، والطريقة المثلى، والذات الفضلى رَيْحَانَة الأندلس، الَّذِي تضوع فِيهَا الْمغرب، وتغنى بِحَدِيث فَضلهَا الْحَادِي المطرب، وفخر الْأُفق الجهادي، وبيتا معمورا بالوزراء الأخيار، والصلحاء الْأَبْرَار، ونسبا فِي ذرْوَة الْأَنْصَار من بني النجار، وحسبك بخؤولة الْمُخْتَار، وعفافا طَاهِر الثَّوْب ضافى الْإِزَار إِلَى الْوَجْه المبشر بالسعادة وبيمن النقيبة، فِي الإبداء والإعادة، والمحيا الَّذِي نضر الْوَجْه. وراق الْبشرَة، والذات الَّتِي لَا تعرف
الخسرة وَالْعلم المملك من أزمة الْفُنُون، الْمُسلم لَهُ فِي الإبكار مِنْهُ والعون، أَبُو فلَان لإجازة وَلَده الأسعد الأمجد. وَارِث رتبته الشماء بعد تملي الْحَيَاة وَطول الْبَقَاء، وتتمة عين المجادة والعلياء، أبي فلَان وَابْن أَخِيه، الْفَاضِل، الصَّدْر الرفيع الْقدر أبي الْفضل، وَهُوَ الْوَلَد الأسعد أَبُو فلَان، شَمل الله الْجَمِيع بستره وعصمته، وَوصل لَهُم مَا عودهم من نعْمَته، وشغلهم بِالْعلمِ النافع وخدمته، وأعلقهم بوسائل الْعرْفَان وأذمته تضاءلت علم الله إجلالا لمحله من التبحر فِي المعارف، واستظلاله بظلها الوارف، لَكِن قدمت امتثالا وحذوت من أمره مِثَالا، وبادرت اعْتِمَادًا على إغضايه واتكالا، فَقلت أجزت للوزير الْمَذْكُور فِيمَا يَصح لي أَن أُجِيز فِيهِ من رِوَايَة أشرك هَذَا الْفَاضِل فِي بَعْضهَا، وأسهم بتافه من فَرضهَا، ونظم ونثر، هَذَا المكتتب من بعض فنيه، وتأليف يُنَبه عَلَيْهِ ككتاب " الْإِحَاطَة فِي تَارِيخ غرناطة " فِي سَبْعَة أسفار، و " عايد الصِّلَة " فِي سفرين، و " عمل من طب لمن حب " فِي سفر، و " الْكتاب اليوسفي " فِي سفرين، و " طرفَة الْعَصْر " فِي ثَلَاثَة " والصيب والجهام " فِي سفرين، و " نفاخة الجراب " فِي ثَلَاثَة، و " الأراحيز الْخمس من تطمى بِمَدِينَة سلا فِي أصُول الْفِقْه "، و " التَّارِيخ الإسلامي والسياسة "، والعلاج، والأغذية، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ بهرج، يفْتَقر إِلَى إغضاء الْعَارِف وزيف يحْتَاج إِلَى مُسَامَحَة أَمَام الصيارف إجَازَة تَامَّة على شَرطهَا الْمُعْتَبر، وسننها الْوَاضِح الْأَثر، وَالله يعدل بِنَا إِلَى مَا ينفع، ويزكى وَيرْفَع، فَلَقَد ذهب الْعُمر الأطيب فِي السَّعْي الأخيب، وَانْصَرف الزَّمن الأبدع فِي السراب الَّذِي يخدع. اللَّهُمَّ لَا تطردنا من بابك، وَلَا تقطع بِنَا عَن جنابك. وَكتب العَبْد الغافل الراجي الآمل فلَان فِي كَذَا.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْمقَام السلطاني بِمَا يظْهر من الْغَرَض
(أبقاك ظلا للعباد وملجأ
…
وأعانك الرَّحْمَن من سُلْطَان)
(قد زين الدُّنْيَا بِنور جماله
…
فَلذَلِك مَا يدعى أَبَا زيان)
مولَايَ، سُلْطَان الْمُسلمين وَالْإِسْلَام، مُخْتَار الْملك العلام، المستخلص رَحْمَة لعباد الله من أَيدي عباد الْأَصْنَام، الَّذِي أحسن خلقه، وسوغه بارئه من وَرَاء الْبحار الزاخرة، والأمم الْكَافِرَة، وأورثه حَقه الْمولى الْهمام، الْخَلِيفَة الإِمَام، أَبُو زيان ابْن مَوْلَانَا، ولي الْعَهْد، وفارع هضبة الْمجد، الْمُقَدّس، المطهر، الْمعلم بشيم الْكَرم، المشهر أبي عبد الرَّحْمَن، ابْن مَوْلَانَا كَبِير الْمُلُوك وإمامها، وَعلم أعلامها، الإِمَام الْخَلِيفَة الشهير - الْمُعظم الْمُقَدّس، أبي الْحسن، ابْن موالينا الْأَئِمَّة، المهتدين، وَالْخُلَفَاء من بني مرين، أبقاه الله ممتعا بِالْملكِ، الَّذِي ألبسهُ حلته، وشفا بِهِ علته، وَجعله فِي عقبه بَاقِيا، وَكَانَ لَهُ فِيهَا حَافِظًا وافيا، عبدكم الَّذِي أَمن عدوان الدَّهْر فِي ظلكم، ونشق نسيم الرَّحْمَة من جَانب فَضلكُمْ، وتعرف من ضروب نعمكم الْكَرِيمَة، الْأَنْوَاع والأجناس، واستضاء من حبكم وطاعتكم بِنور يمشي بِهِ فِي النَّاس مَا أوجب أَن يتَمَثَّل بقول أبي نواس.
(علقت بِحَبل من حبال مُحَمَّد
…
أمنت بِهِ من طَارق الْحدثَان)
(تغطيت من دهر بِظِل جنَاحه
…
فعيني ترى دهري وَلَيْسَ يران)
(فَلَو تسل الْأَيَّام مَا اسْمِي مَا درت
…
وَأَيْنَ مَكَاني مَا عرفن مَكَاني)
يسلم على الْمقَام المولوي سَلام الْعُبُودِيَّة الثَّابِتَة الرَّسْم، ويتطارح على تَقْبِيل ذَلِك الْبسَاط، بِالروحِ قبل الْجِسْم، ويسل الله لكم وَنور الْحَظ من السَّعَادَة وَالْقسم، ويطالع بِأَنَّهُ انْصَرف بنية الرحيل إِلَى مراكش إِلَى، وأهم الْأَغْرَاض أَن يلْتَمس الدُّعَاء بمقام الْأُبُوَّة، من الْمُشَاهدَة الْمَشْهُورَة، بِقبُول السُّؤَال، المتكفلة ببلوغ الآمال، فَلَمَّا توَسط تامسنا، شعر بالضعف عَن الْحَرَكَة، وأحس بِأَسْبَاب
الْمَرَض مُنْفَرِدَة ومشتركة، فانكفأ رَاجعا، مستعينا بِاللَّه وببركة الْمولى الَّذِي عرفت رَحمته، وغمرت فِي الظعن وَالْإِقَامَة نعْمَته، خوفًا من ألم يتحكم، أَو مرض يسري فِي هَذِه البنية الضعيفة ويلحم، وَنَرْجُو الله أَن يَقْتَضِي لكم الدُّعَاء من هَذَا الْوَلِيّ الَّذِي من الله بجواره، وَجعله من بَرَكَات هَذَا الْبَلَد وآثاره، إِلَى أَن يتيح نشاطا مستأنفا للحركة الَّتِي كَانَ قد أزمعها، وييسر الأعانة، ويسوغ مشرعها. وَقد كَانَ العَبْد عني برحلة، تصف المراحل والمنازل، وَالْحَادِي والنازل، والجاد والهازل، مطرزة باسمكم السعيد مشرقة باسمكم الحميد. حَسْبَمَا يتضمنه أفذاذ بعث العَبْد شَيْئا من فصولها وفروعها وأصولها، تقرر أَن الْحَرَكَة والسكنة بِالْخدمَةِ معمورة، وَالنَّفس مسخرة فِي التمَاس رِضَاء الْمولى أيده الله ومأمورة، وَهُوَ جلّ وَتَعَالَى الْمعِين على لَازم الْعُبُودِيَّة بجلالتكم المولوية. وَالسَّلَام الْكَرِيم الْمُبَارك العميم، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته.