الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسعادة. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. من مبلغ ذَلِك إِلَيْكُم ابْن الْخَطِيب
ظهاير الْأُمَرَاء والولاة
صدر عني لشيخ الْغُزَاة بالحضرة الْعلية أبي زَكَرِيَّا يحيى بن عمر بن رحو لأوّل دولة أَمِير الْمُسلمين السُّلْطَان أبي عبد الله بن نصر رضي الله عنه
هَذَا ظهير كريم، مَنْزِلَته فِي الْمظهر الْكَرِيمَة منزلَة المعتمدية فِي الظّهْر الْكِرَام. أطلع وَجه التَّعْظِيم سَافر القسام، وَعقد راية الْعِزّ السامية الْأَعْلَام، وجدد كريم المتات. وقديم الذمام، وانتضى للدّين عَن حوزة الدّين حساما، هز بمضائه صدر الحسام، فأعلى تجديده بشد أزر الْملك، ومناصحة الْإِسْلَام، وأعرب عَن الاعتنا الَّذِي لَا تخلق جدته اللَّيَالِي وَالْأَيَّام. أَمر بِهِ الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نَصره، لوَلِيِّه الَّذِي هُوَ عماد سُلْطَانه، وَوَاحِد خلصانه، وَسيف جهاده، وَرَأس أولى الدفاع من بِلَاده، وعضد ملكه، ووسطى سلكه: الشَّيْخ الكذا ابْن الشَّيْخ الكذا زَاد الله مجده علوا، وَقدره سموا، وجهاده ثَنَا متلوا. لما كَانَ مَحَله من مقَامه الْمحل الَّذِي تتقاصر عَنهُ أبصار الأطماع، فترتد خاسرة، وَكَانَ للدفاع عَن دولته يدا باطشة، ومقلة باصرة، فَهُوَ ملك أمورها، وَارِدَة أَو صادرة، وَسيف جهادها الَّذِي أَصبَحت بمضائها ظافرة، وعَلى أعدائها ظَاهِرَة، وَكَانَ لَهُ الصيت الْبعيد، والرأي السديد الحميد، والحسب الَّذِي يَلِيق بِهِ التمجيد، وَالْقدر الَّذِي سما مِنْهُ الْجد، وعرفه بِهِ الْقَرِيب والبعيد، وَالْجهَاد الَّذِي صدق فِي قَوَاعِده، كالاجتهاد والتقليد، فَإِن قاد جَيْشًا أبعد غارته، وَإِن دبر أمرا أحكم إدارته، مستظهرا بالجلال الَّذِي لبس شارته، فَهُوَ وَاحِد الزَّمَان، وَالْعدة
الرفيعة، من عدد الْإِيمَان، وَمن لَهُ بِذَاتِهِ وسلفه علو الشان، وسمو الْمَكَان، والحسب الوثيق الْبُنيان، ولبيته الْكَرِيم من نجد حق السَّابِقَة فِي ولَايَة هَذِه الأوطان، والمدافعة عَن حوزة الْملك، وَحمى السُّلْطَان، إِن فوخر، فاصدعوا بالمفاخر الْمَعْلُومَة، ومتوا إِلَى ملك الْمغرب ببنوة العمومة، وتزينوا من خُيَلَاء الْعِزّ بالتيجان الْمَنْظُومَة، فهم سيوف الدّين، وأبطال الميادين، وأسود العرين، ونجوم سَمَاء بني مرين. وَكَانَ سلفه الْكَرِيم رضي الله عنه يستضيء من رَأْيه بالشهاب الثاقب، ويحله من بِسَاط تقريبه أَعلَى الْمَرَاتِب، ويستوضح كنه جَمِيع الْمذَاهب، ويستظهر بِصدق دفاعه على جِهَاد الْعَدو المكاذب، وَيرى أَن عز دولته وَسيف صولته، وذخيرة فخره، وسياج أمره، جدد لَهُ هَذِه الرتب تجديدا صير الْغَايَة مِنْهَا ابتدا، واستأنف بِهِ أعلا، وَلم يدّخر بِهِ حظوة، وَلَا اعتنا. وَحين صير الله إِلَيْهِ ملك الْمولى أَبِيه بمظاهرته ورأيه، وقلده قلادة الْملك الْأَصِيل وراثة آبَائِهِ، وَحمد سَعْيه بعد أَن سبق الألوف إِلَى الْأَخْذ بثأره، وعاجلت البطشة الْكُبْرَى يَد ابتداره، وأردى بِنَفسِهِ الشقى الَّذِي سعى فِي تبديد الْإِسْلَام وإطفاء أنواره، على تعدد خلصان الْملك يَوْمئِذٍ، وتوفر أنصاره، فاستقر الْملك فِي قراره، وانسحب السّتْر على مَحَله. وامتد ظلّ الْحِفْظ على دَاره. عرف وَسِيلَة هَذَا الْمقَام الَّذِي قامه، والوفا الَّذِي رفع أَعْلَامه، فَألْقى إِلَيْهِ فِي مُهِمّ الْأُمُور بالمقاليد، وألزمه مُلَازمَة الْحُضُور مَجْلِسه السعيد، وَشد يَد الِاغْتِبَاط على قربه مستمنحا مِنْهُ بِالرَّأْيِ السديد، ومستندا من وده إِلَى الرُّكْن الشَّديد، وأقامه بِهَذِهِ الجزيرة الأندلسية عماد قومه، فَهُوَ فيهم يعسوب الكتيبة، ووسطى العقد الفريد، وفذلكة الْحساب، وَبَيت القصيد، فدواره مِنْهُم للشريد مأوى الطريف والتليد، وَالْكَفِيل بِالْحُسْنَى والمزيد. يقف بِبَابِهِ أمراؤهم، ويركض خَلفه كبراؤهم، مجددا من ذَلِك مَا عقده سلفه من تَقْدِيمه، وأوجبه مزية حَدِيثَة وقديمة. فَهُوَ شيخ الْغُزَاة على اخْتِلَاف
قبائلهم، وتشعب وسائلهم، تتفاضل دَرَجَات الْقبُول عَلَيْهِم بتعريفه، وتشرف أقداره لديهم بتشريفه، وَتثبت واجباتهم بتقديره، وينال لَهُم الْمَزِيد بتحقيقه للغنا مِنْهُم وَتَقْرِيره، فَهُوَ بعده، أيده الله، قبْلَة آمالهم، وميزان أَعْمَالهم، والأفق الَّذِي يصوب من سَحَاب رفده غمام نوالهم، وَالْيَد تستمنح عَادَة أطعمتهم وَأَمْوَالهمْ، فليتول ذَلِك عَظِيم الْقدر، منشرح الصَّدْر، حَالا من دارة حشمهم مَحل الْقلب من الصَّدْر، متألقا فِي هالته تألق الْبَدْر، صادعا بَينهم باللغات الزناتية، الَّتِي تدل على الْأَصَالَة العريقة، وَاللِّسَان الْحر. وَهُوَ إِن شَاءَ الله الحسام الَّذِي لَا يُنَبه على الضريبة، وَلَا يزِيدهُ حسنا جلب الحلى العجيبة، حَتَّى يشْكر الله والمسلمون اغتباط مقَامه بِمثلِهِ، ويربى بره على من أسس بره من قبله، ويجتنى الْملك ثَمَرَة تقريبه من مَحَله. وَمن وقف على الظهير الْكَرِيم من الْغُزَاة أساد الكفاح: ومعتلقى السيوف، ومعتقلي الرماح، كماة الهيجاء، وحماة البطاح، حَيْثُ كَانُوا من موسطة ثغر، وَمن أقيم من موسطة ثغر، وَمن أقيم فِي رسم من الْجِهَاد أَو أَمر أَن يعلمُوا قدر هَذِه الْعِنَايَة المشرقة وَالْيَد المنطلقة، والحظوة المتألقة، فَتكون أَيْديهم فِيمَا قلدوا رده ليده، وعزائمهم متجهة إِلَى مقْصده فقدره فَوق الأقدار، وَأمره الَّذِي هُوَ نَائِب أمره، مُقَابل بالابتدار، على توالي الْأَيَّام، وتعاقب الْأَعْصَار.
وَصدر عني ظهير شيخ الْغُزَاة أَيْضا أبي الْحسن عَليّ بن بدر الدّين رَحْمَة الله عَلَيْهِ
هَذَا ظهير كريم، مَنْزِلَته من الظهائر، منزلَة الْمُعْتَمد بِهِ من الظهرا، وَمحله من الصكوك الصادرة عَن أعاظم الْمُلُوك، مَحَله من أولى الرَّايَات الخافقة العذبات والآراء. فتح على الْإِسْلَام، من بعد الْإِبْهَام أَبْوَاب السرا، وراق طرازا مذهبا على عاتق الدولة الغرا، وأعمل عوامل الْجِهَاد فِي طَاعَة رب الْعباد، مُنَازعَة لأهل
الْكفْر والعناد من بَاب الإعمال والإغراء، أَمر بِهِ فلَان لصدر صُدُور أودائه، وحسامه الْمَشْهُور على أعدائه، ووليه الَّذِي خبر صدق وفائه، وجلى فِي مضمار الخلوص لَهُ، مغبرا فِي وُجُوه الكفايه، شيخ شُيُوخ الْمُجَاهدين، وقائد كتائبه المنصورة إِلَى غَزْو الْكَافرين والمعتدين، وعدته الَّتِي يدافع بهَا عَن الدّين، وسابق وده المبرز فِي الميادين، الشَّيْخ الكذا، أبي فلَان بن فلَان، وصل الله سعده، وحرس مجده، وبلغه من مُظَاهرَة دولته ومؤازرة خِلَافَته قَصده. رفع قبَّة الْعِنَايَة والاختبار، على عماد، وأشاد بدعوة التَّعْظِيم سمعا كل حَيّ وجماد، وقابل السَّعْي الْكَرِيم بإحماد، وَأورد من الْبر غير ثماد، وَاسْتظْهر بالوفا الَّذِي لم يسْتَتر ناره برماد، وَلَا قصرت جياده عَن بُلُوغ آماد، وقلد سيف الْجِهَاد عاتق الْحسب اللّبَاب، وأعلق يَد الِاسْتِظْهَار بأوثق الْأَسْبَاب، واستغلظ على الْأَعْدَاء بِأحب الأحباب، لما قَامَت لَهُ الْبَرَاهِين الصادقة. على كريم شيمه، ورسوخ قدمه، وجنى مِنْهُ عِنْد الشدَّة ثَمَرَة مَا أولاه من نعمه، قَابل كرام ذممه، وَعِظَام خدمه، وَشد يَده على عَهده، الَّذِي عرفه حِين انتكث العقد، وأخف المعتقد، واستأسد النغد، وتنكر الصّديق، وَفرق الْفَرِيق، وسدت عَن النُّصْرَة الطَّرِيق، فأثقل لَهُ ميزَان الْمُكَافَأَة، وسجل لَهُ رسم المصافاة، وَجعله يَمِين الْملك الَّذِي بِهِ يناضل، ويقاطع ويواصل، وَسيف الْجِهَاد الَّذِي يحيى بمضائه، حوزة الْبِلَاد، ومرآة النصح الَّذِي يتجلى بِهِ وُجُوه الرشاد. فقدمه أَعلَى الله قدمه، وشكر نعمه، وأسعده فِيمَا يممه، وَنشر بالنصر علمه. شيخ الْغُزَاة بِحَضْرَتِهِ الْعلية، ومساير بِلَاده النصرية، ترجع الْقَبَائِل والأشياخ إِلَى نظره، فِي السكنات والحركات، ويبتدر على يَده من مقامنا الْكَرِيم غمائم البركات، وتقرر وسائلها بوساطة حظوته، وتقصر خطاها، اعترافا بِحقِّهِ الْوَاجِب عَن حظوته، فَعَلَيهِ تَدور أفلاك جَمَاعَتهمْ كلما اجْتَمعُوا وائتلفوا، وبحجة فَضلهمْ يَزُول إشكالهم مهمى اخْتلفُوا، وبلسانه
الْمُبين، يُقرر لَهُم مَا أسلفوا، وَفِي كنف رعيه. ينشأ من أعقبوا من النشء وخلفوا، وبأقدامه تنهض أَقْدَامهم مهمى توقفوا، فَهُوَ يعسوب كتائبهم الملتفة، وفرنان قطعهم المصطفة، وَسَهْم جوارحهم الفارهة، وَعين عيونهم النابهة، [وَتَأْويل أُمُورهم المتشابهة] عَن نظره، يردون وَيَصْدُرُونَ. وبإشارته يرشون ويبرزون، وآثاره يقتفون. وبتلعة، دواره [المرينى] فِي خدمَة مقامنا النصرى يقفون، فَهُوَ الَّذِي لَا تأنف أَشْرَاف الْقَبَائِل من اقتفا آثاره. وَلَا تجْهَل رفْعَة مِقْدَاره، فليبتد المزية بِالْحَقِّ، المستوحية للفخر لسابقة السَّعَادَة لعبد الْحق، ولذاته قصب السَّبق، ولوفائه الشُّهْرَة فِي الغرب والشرق. فليتول ذَلِك، تولاه الله. منشرحا بالعز صَدره، مشرقا من شمس سعادته بدره، مَعْرُوفا حَقه، مُعظما قدره، فَهِيَ خطة قومه، وفريسة حومه، وطية أمسه ويومه، وكفو خطته، ومرمى رتبته، وحلى جيده، ومظهر توفيقه وتسديده، مُطلقًا من عنان الثنا على الْغِنَا، معاملا بصديق الإطراء لِذَوي الأراء، مُتَعَمدا الإغضا هفوات المضا، مُعَرفا بالقبائل والعشائر والفضائل، كلما وفدوا من الْآفَاق للاستلحاق مِنْهَا على مظان الِاسْتِحْقَاق، مطبقا على الطباق، متميزا لجهادها يَوْم السباق، حَرِيصًا على إِنَّمَا الْأَعْدَاد، مطبقا مفاصل السداد، محتاطا على الْأَمْوَال الَّتِي يملى بهَا أكف الجباية، ضروع الْعباد، وَاضِعا مَال الله حَيْثُ وَضعه الْحق من الْوَرع والاستزاد، سِيمَا فِي هَذِه الْبِلَاد، حَتَّى تعظم المزايا والمزاين، وتتوفر الْكَتَائِب والخزائن، ويبهج السَّامع وَيسر المعاين، وَيظْهر الْفضل على من تقدم، وَعند الله يجد كل مَا قدم، فَهِيَ قلادة الله الَّتِي لَا يضيع من أضاعها، ويوفى صاعها، ويرضى من أعمل فِيهَا أوامره وأطاعها. وَهُوَ وصل الله سعادته، وحرس مجادته،
أولى من لاحظ ضرارها، وَشد مزارها، واستطلع من ثنايا التَّوَكُّل على الله بشايرها، سنا وحسبا وجدا، وَأَبا وجدا وشبا، ونجدة وضحت مذهبا، وعَلى الْغُزَاة وفر الله جموعهم، وأنجد تَابعهمْ ومتبوعهم، أَن يعرفوا قدر هَذَا التَّعْظِيم، الَّذِي خَفَقت أَعْلَامه، وَصحت أَحْكَامه، والاختصاص الَّذِي لطف مَحَله، والاعتقاد الْكَرِيم الَّذِي صفى ظله، ليَكُون من إِيجَاب حَقه حَيْثُ حد ورسم، وَخبر ووصم، لَا يتَخَلَّف أحد مِنْهُم فِي خدمته، أيده الله على إِشَارَته الموفقة، وَلَا يشذ عَن رياسته الْمُطلقَة، بحول الله وقوته. وَكتب فِي كَذَا.
وَمن ذَلِك ظهير أمليته للشَّيْخ الْأَجَل أبي الْعلي إِدْرِيس رَحْمَة الله عَلَيْهِ
هَذَا ظهير كريم أطلع الرِّضَا وَالْقَبُول صباحا، وَأَنْشَأَ للعناية فِي جو الْوُجُود من بعد الركود رياحا، وأوسع الْعُيُون قُرَّة، والصدور انشراحا، وهيأ للمعتمد بِهِ مغدا فِي السَّعَادَة ومراحا. وهز مِنْهُ سَيْفا عتيقا يفوق اخْتِيَارا، ويروق التماحا، وولاه رياسة الْجِهَاد بالقطر الَّذِي تقدّمت الْولَايَة فِيهِ لسلفه فنال عزا شهيرا، وازداد مجدا صراحا، وَكَانَ ذَلِك لَهُ إِلَى أَبْوَاب السَّعَادَة مفتاحا. أَمر بِهِ وأمضاه، وَأوجب الْعَمَل بِحَسبِهِ وَمُقْتَضَاهُ الْأَمِير فلَان، لوَلِيِّه فِي الله، الَّذِي كَسَاه من جميل اعْتِقَاده حللا، وَأوردهُ من عذب رِضَاهُ منهلا، وعرفه عوارف قبُوله، مفصلا خطابها ومجملا، الشَّيْخ الكذا أَبُو الْعلي إِدْرِيس بن الشَّيْخ الكذا أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعلي، وصل الله لَهُ أَسبَاب سعادته، وحرس اكناف مجادته، وأجراه من ترفيع المكانة لَدَيْهِ على أجمل عَادَة سلفه وعادته. لما كَانَ لَهُ الْقدر الْجَلِيل، وَالْمجد الأثيل، وَالذكر الْجَمِيل، والفضائل الَّتِي كرم مِنْهَا الْإِجْمَال وَالتَّفْصِيل، وأحرز قصب السَّبق بِذَاتِهِ، إِذا ذكر الْمجد الطَّوِيل العريض، وَكَانَ قد أعمل الرحلة إِلَيْهِ، يحدوه إِلَى خدمته التأميل، ويبوء بِهِ الْحبّ الَّذِي وضح
مِنْهُ السَّبِيل، وعاقه عَنهُ الْوَاقِع الَّذِي تبين فِي عذره الْجَمِيل، ثمَّ خلصه الله من ملكه الْكفْر الَّذِي قَامَ بِهِ على عنايته الدَّلِيل، قابله بِالْقبُولِ والإقبال، وفسح لَهُ ميدان الرِّضَا رحب المجال، وَصرف إِلَيْهِ وَجه الِاعْتِدَاد بمضائه رائق الْجمال، سافرا عَن بُلُوغ الآمال، وأواه من خدمته إِلَى ربوة منيعة الأرجاء وارفة الظلال، وَقطع عَنهُ الأطماع بِمُقْتَضى همته الْبَعِيدَة المنال، ثمَّ رأى، وَالله ينجح رَأْيه، ويشكر فِي سَبِيل الله عَن الْجِهَاد سَعْيه، أَن يستظهر بمضائه، ويصل لَدَيْهِ عوارف آلائه، ويعمر بِهِ رتب آبَائِهِ، فقدمه، أَعلَى الله قدمه، وشكر آلاءه ونعمه، شيخ الْغُزَاة الْمُجَاهدين، وكبير أولى الدفاع عَن الدّين، بِمَدِينَة مالقة حرسها الله، أُخْت حَضْرَة ملكه، وثانية الدرة الثمينة من سلكه وَدَار سلفه، وقرارة مجده، والأفق الَّذِي تألق مِنْهُ نور سعده، رَاجعا إِلَيْهِ نظر الْقَوَاعِد الغريبة، رندة وذكوان وَمَا إِلَيْهَا، رُجُوع الِاسْتِقْلَال والاستبداد، والعز الفسيح المجال الْبعيد الآماد، يَقُود جَمِيعهَا إِلَى الْجِهَاد، عَاملا على شاكلة مجده فِي الإصدار والإيراد، حَتَّى يظْهر على تِلْكَ الْجِهَات الْمُبَارَكَة آثَار الحماية والبسالة، وَيعود لَهَا عهد المجادة وَالْجَلالَة، وتتزين ملابس الإيالة، وَهُوَ يعْمل فِي ذَلِك الْأَعْمَال الَّتِي تلِيق بالمجد الْكَرِيم، والحسب الصميم، حَتَّى يَنْمُو عدد الحماة، ويعظم آثَار الْأَبْطَال الكماة، وَتظهر ثَمَرَة الاختبار، ويشمل الْأَمْن جَمِيع الأقطار، وتنسحم عَنْهَا أطماع الْكفَّار، وعَلى من يقف عَلَيْهِ من الفرسان، وفر الله أعدادهم، وأعز جهادهم، أَن يَكُونُوا ممتثلين فِي الْجِهَاد لأَمره، عارفين بِقَدرِهِ ممضين فِيمَا ذكر بِحكمِهِ، واقفين عِنْد حَده ورسمه، وعَلى سواهُم من الرعايا والخدام، والولاة والحكام، أَن يعرفوا قدر هَذَا الاعتنا الْوَاضِح الْأَحْكَام، وَالْبر الْمشرق القسام، فيعاملوه بِمُقْتَضى الإجلال وَالْإِكْرَام، والترفيع والإعظام. على هَذَا يعْتَمد، وبحبسبه (؟) يعْمل. وَكتب فِي كَذَا.
وأمليت ظهيرا للأمير أبي زيد بن عمر نَصه أَيْضا
هَذَا ظهير كريم، بلغ فِيهِ الِاخْتِيَار، الَّذِي عضده الاختبار، إِلَى أقْصَى الْغَايَة، وَجمع لَهُ الْوِفَاق الَّذِي خدمه الْبَحْث والاتفاق، والأهلية الَّتِي شهِدت بهَا الْآفَاق، بَين تجمع الرَّأْي، وَنصر الرَّايَة، وأنتجت بِهِ مُقَدمَات الْوَلَاء نتيجة هَذِه الرُّتْبَة السامية، الْعلَا وَالْولَايَة، وَاسْتظْهر من الْمُعْتَمد بِهِ على قصد الْكَرِيم فِي سَبِيل الله ومذهبه، بليث من لُيُوث أوليائه، شَدِيد الْوَطْأَة على أعدائه والنكاية، وَفرع من فروع الْملك الْأَصِيل. مَعْرُوف الْأُبُوَّة والإباية، لتتضح صفحة النَّصْر الْعَزِيز، وَالْفَتْح الْمُبين، مجلية الْآيَة، وتدل بداءات هَذِه الدولة، الرافعة لمعالم الدّين، المؤيدة فِي الْأَفْعَال والأقوال، بمدد الرّوح الْأمين على شرف النِّهَايَة. أصدر حكمته وأبرم حكمه، وَقرر حَده الْمَاضِي ورسمه، عبد الله الْغَنِيّ بِاللَّه، مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، عضد الله كتايبه. وَكتب عضده، وَيسر فِي الظُّهُور على أَعدَاء الله قَصده، لوَلِيِّه المستولى على ميادين حَضرته وإيثاره، الفائز بالقدح الْمُعَلَّى من إجلاله وإكباره، ظهير استنصاره وَسيف جهاده، الْمعد ليَوْم ضريبته وَيَوْم افتخاره، ويعسوب قبائل الْغُزَاة بأصقاعه الجهادية وأقطاره. الْأَمِير الكذا ابْن الْأَمِير الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، وصل الله أَسبَاب سعده، وأنجز للْمُسلمين بمظاهرته إِيَّاه على الْكَافرين سَابق وعده، لما وَقد على بَابه الْكَرِيم، مؤثرا عَمَّا كَانَ بسبيله من جواره، ملقيا بمحله الجهادي عصى تسياره، مفضلا مَا عِنْد الله على رحب أوطانه وأنصاره، شِيمَة من أسْرع إِلَى خير الْآخِرَة ببداره، قبل اكتمال هلاله وإبداره، وعَلى انبعاث أمله واستقامة مَدَاره، قَابل أيده الله وفادته، بِالْقبُولِ الممنوح، والصدر المشروح، وَجعل لَهُ الشّرْب المهنإ فِي مناهل الصَّنَائِع الَّتِي صنع الله لملكه والفتوح، وَلم
يدّخر عَنهُ تَقْرِيبًا يقف الْأَوْلِيَاء دون مداه، وترفيعا تشهد بِهِ محافل الْملك ومنتداه، إِلَى أَن ظَفرت بِحَقِيقَة الْمُوَالَاة الْكَرِيمَة يَدَاهُ. ثمَّ استظهر بِهِ على أَعدَاء الله وعداه، فوفى النصح لله وَأَدَّاهُ، وأضمره وأبداه وتحلى بالبسالة وَالْجَلالَة وَالطَّهَارَة اللائقة بِمنْصب الْإِمَارَة فِي مراحه ومغداه، حَتَّى اتّفقت الْأَهْوَاء على فَضله وعفافه، وَكَمَال أَوْصَافه، وَظَهَرت عَلَيْهِ مخائل أسلافه. ثمَّ رأى الْآن، سدد الله رَأْيه، وشكر عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سَعْيه، أَن يوفد ركائب الِاعْتِقَاد على جنابه، ويفسح ميدان الِاسْتِظْهَار، بِحسن مَنَابه، ويصل أَسبَابه بأسبابه، ويضاعف بولايه الصَّادِق اهتمامه، ويقيمه فِي قَود عَسَاكِر الْجِهَاد الْبر مقَامه. فأضفى ملابس وده عَلَيْهِ، وَجعله فاتح أَبْوَاب الْجنَّة بِفضل الله بَين يَدَيْهِ، وأجراه مجْرى عضده، الَّذِي يتَصَدَّق عَنهُ الضريبة فِي المجال، وسيفه الَّذِي يفرج بِهِ مضايق الْأَهْوَال، ونصبه للقبائل الجهادية، قبله فِي مناصحة الله ومناصحة مَشْرُوعَة، وَرَايَة سعيدة فِي مظاهرته متبوعة، وَعقد لَهُ الْولَايَة الجهادية الَّتِي لَا تعدل بِولَايَة، وَلَا توازن عناية الْمُعْتَمد بهَا عناية، يشْهد بصراحة نَسَبهَا الدّين، ويتحلى بحلى غرتها الميادين. وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله نحلة نَبِي الْأمة وَمن بعده من الْأَئِمَّة، لَا سِيمَا فِي هَذَا الْقطر المتأكد الأذمة لأولى الدّين والهمة، فيتول ذَلِك تولى مثله، وَإِن قل وجود مثله، جَارِيا على سنَن مجده وفضله، سائرا من رضى الله على أوضح سبله، مُعْتَمدًا عَلَيْهِ فِي الْأَمر كُله. وليعلم أَن الَّذِي يخلق مَا يَشَاء ويختار، قد هيأ لَهُ من أمره رشدا، وسلك بِهِ طَرِيقا سددا، وَاسْتَعْملهُ الْيَوْم فِيمَا يحظه غَدا، وَجعل حَظه الَّذِي عوضه نورا وَهدى، وَأبْعد لَهُ فِي الصَّالِحَات مدا. ولينظر فِيمَن لَدَيْهِ من الْقَبَائِل الموفورة، والجموع المؤيدة المنصورة، نظرا يرِيح من الْعِلَل ويبلغ الأمل، ويرعى المهمل، وَيحسن القَوْل، وينجح الْعَمَل، منبها على أهل الْغِنَا والاستحقاق، مُسَددًا لعوائد الأرزاق، مُعَرفا بالغرباء الواردين
من الْآفَاق، مُطيعًا مِنْهُم للطباق، متغمدا للهفوات بِحسن الْأَخْلَاق، مستجيدا للأسلحة والكراع، مبادرا هيآت الصَّرِيخ بالإسراع، مستدعيا للمشورة الَّتِي يَقع الحكم فِيهَا على حُصُول الْإِجْمَاع، رَفِيقًا بِمن ضعف عَن طول الباع، محتاطا على الْإِسْلَام فِي مَوَاقِف الدفاع [مقدما عِنْد اتجاه الأطماع صَابِرًا فِي المضايق على الفراع] مُتَقَدما للأبطال بالاصطناع. مُقَابلا نصائح أولى الْخِبْرَة بالاستماع، مُسْتَعْملا فِي الحروب من وُجُوه الخداع، حَتَّى يكون عمله وفْق شهرته الْبَعِيدَة المطار، وَسيرَته فِيمَا أسْند إِلَيْهِ مثلا فِي الأقطار، واستقامة التَّدْبِير على يَدَيْهِ، ذَرِيعَة إِلَى إرغام أنوف الْكفَّار، بِقُوَّة الله وَحَوله، وعزته وَطوله، وعَلى الْغُزَاة بالحضرة الْعلية، وَسَائِر الْبِلَاد النصرية من بني مرين، وَسَائِر قبائل الْمُجَاهدين، أَن يعرفوا قدره، ويمتثلوا فِي مرضاتنا أمره، ويكونوا مَعَه يدا وروحا وجسدا، وسعيا وعضدا، فبذلك يشملهم من الله، وَمن مقامنا، الرِّضَا وَالْقَبُول، والعز الْمَوْصُول، ويمضى فِي عَدو الله النصول، ويتأتى على خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْحُصُول إِن شَاءَ الله. وَمن وقف عَلَيْهِ، فَيعرف مَا لَدَيْهِ. وَكتب فِي كَذَا.
وَاقْتضى نظر السُّلْطَان أعزه الله أَن قدم وَلَده على الْجَمَاعَة الْكُبْرَى من جَيش الْغُزَاة بِحَضْرَتِهِ الْعلية عِنْد قَبضه على يحيى بن عمر. فَكتبت فِي ذَلِك ظهيرا كَرِيمًا نَصه:
هَذَا ظهير كريم فاتح بنير الألوية والبنود، وقود العساكر والجنود، وأجال فِي ميدان الْوُجُود [جنَاح الْبَأْس والجود] وأضفى ستر الحماية والوقاية بالتهائم والنجود، على الطائفين والعاكفين والركع وَالسُّجُود، عقد للمعتمد بِهِ عقد الشريف، وَالْقدر المنيف، زاكي الشُّهُود، وَأوجب المنافسة بَين مجَالِس
السُّرُوج ومضاجع المهود، وسبر السيوف فِي الغمود، وَأَنْشَأَ ريح النَّصْر آمِنَة من الخمود، أمضى أَحْكَامه، وأنهد الْعِزّ أَمَامه، وَفتح عَن نصر السُّعُود كمامه، أَمِير الْمُسلمين عبد الله، الْغَنِيّ بِاللَّه، مُحَمَّد بن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين وناصر الدّين أبي الْحجَّاج. ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيده الله وَنَصره، لكبير وَلَده وسابق عَهده وَرَيْحَانَة خلده، وياقوتة الْملك على يَده، الْأَمِير الْكَبِير، الطَّاهِر الظَّاهِر الْأَعْلَى، وَاسِطَة السلك، وهلال سَمَاء الْملك، ومصباح الظُّلم الحلك، ومظنة الْعِنَايَة الأزلية، من مُدبر [الْملك، ومجري] الْفلك، عنوان سعده، وحسام نَصره، وعضده وسمى جده، وسلالة فَضله ومجده، السعيد المظفر الْهمام الْأَعْلَى الْمُجَاهِد المؤمل الأرضي أبي الْحجَّاج يُوسُف، ألبسهُ الله من رِضَاهُ عَنهُ حللا لَا تخلق جدَّتهَا الْأَيَّام، وَلَا تبلغ كنهها الأفهام، وبلغه من خدمته المبالغ الَّتِي يسر بهَا الْإِسْلَام، وتسبح فِي بحار صنائعها الأقلام، وحرس معاليها الباهرة بِعَيْنِه الَّتِي لَا تنام. وكنفه بركنه الَّذِي لَا يضام. فَهُوَ الْفَرْع الَّذِي جرى بخصله على أَصله، وارتسم نَصره فِي نصله، واشتمل جده على فَضله، وَشهِدت ألسن خلاله برفعة جَلَاله، وَظَهَرت دلايل سعادته فِي بَدْء كل أَمر وإعادته، لما صرف وَجهه إِلَى ترشيحه لافتراع صِفَات الْمجد الْبعيد المدا، وتوشيحه بِالصبرِ والحلم والبأس والندا، وأرهب مِنْهُ سَيْفا من سيوف الله لضرب هام العدا، وأطلعه فِي سَمَاء الْملك بَدْرًا هدا لمن رَاح وَغدا، وَأَخذه بالآداب الَّتِي تقيم من النُّفُوس أودا، ويبذر الْيَوْم ليجنى غَدا، ورقاه فِي رتب الْمَعَالِي طورا فطورا، وترقى للنبات وَرقا ونورا، ليجده بحول الله يدا باطشة بأعدائه، وَلِسَانًا مجيبا عِنْد ندائه، وطرازا على حلَّة عليائه، وغماما من غمام آلائه، وكوكبا وهاجا بسمائه، وَعقد لَهُ لِوَاء الْجِهَاد على الكتيبة الأندلسية من جنده، قبل أَن ينْتَقل عَن مهده، وظلله
بجناح رايته، وَهُوَ على كتد دَابَّته. واستركب جَيش الْإِسْلَام ترحيبا بوفادته، وتنويها بمجادته، وَأثبت فِي غَرَض الْإِمَارَة النصرية سهم سعادته، رأى أَن يزِيدهُ فِي عنايته ضروبا وأجناسا، وَيتبع أَثَره نَاسا فناسا، قد اخْتلفُوا لِسَانا ولباسا، وَاتَّفَقُوا ابْتِغَاء لمرضات الله والتماسا، مِمَّن كرم انتماؤه، وزينت بالحسب الغر سماؤه، وَعرف غناؤه، وتأسس على المجادة بِنَاؤُه، حَتَّى لَا يدع من الْعِنَايَة فَنًّا إِلَّا جلبه إِلَيْهِ، وَلَا سَعَادَة فَخر إِلَّا جعلهَا فِي يَدَيْهِ، وَلَا حلية عز إِلَّا أضفى ملابسها عَلَيْهِ. وَكَانَ جَيش الْإِسْلَام فِي هَذِه الْبِلَاد الأندلسية، أَمن الله خلالها، وَسكن زِلْزَالهَا، وَصدق فِي رَحْمَة الله الَّتِي وسعت كل شَيْء آمالها، كلف همته، ومرعى أذمته، وميدان جياده، ومتعلق أمد جهاده، ومعراج إِرَادَته إِلَى تَحْصِيل سعادته، وسبيل خلاله إِلَى بُلُوغ كَمَاله. فَلم يدع عِلّة إِلَّا أزاحها، وَلَا طلبة إِلَّا أجال قداحها، وَلَا عَزِيمَة إِلَّا أورى اقتداها، وَلَا رَغْبَة إِلَّا فسح ساحها، أخذا مرونته بالتهذيب، ومصافه بالترتيب [أورى اقتداحها، وَلَا رَغْبَة، إِلَّا فسح ساحها، أَخذ مدونته بالتهذيب ومطافة بالترتيب، وآماله] بالتعريب محسنا فِي تلقي الْغَرِيب [وتأنيس الحريب، مستنجزا لَهُ وَبِه وعد النَّصْر الْعَزِيز وَالْفَتْح الْقَرِيب] وَرفع عَنهُ لهَذَا الْعَهْد، نظر من حكم الِاعْتِرَاض فِي حماته، واستشعر عروق الحسائف لتشذيب كماته، واستقل عَن حسن الوساطة لَهُم بمصلحة ذَاته، وجلب هباته، وتثمير مَاله، وتوفير أقواته، ذَاهِبًا أقْصَى مَذَاهِب التَّعْمِير بأمد حَيَاته، فانفرج الضّيق وخلص [إِلَى حسن نظره]
وساغ الرِّيق، ورضى الْفَرِيق، وَرَأى، وَالله الْكَفِيل بنجح رَأْيه، وشكر سَعْيه، وصلَة حفظه ورعيه، أَن يحمد لَهُم اختيارهم وَيحسن لديهم آثاره، ويستنيب فِيمَا بَينه وَبَين سيوف جهاده، وأبطال جلاده، وحماة أحوازه، وآلات اعتزازه، من يجْرِي مجْرى نَفسه النفيسة فِي كل مغنى، وَمن يكون لَهُ لفظ الْولَايَة، وَله أيده الله الْمَعْنى، فقدمه على الْجَمَاعَة الأولى كبرى الْكَتَائِب، ومقاد الجنائب، وأجمة الْأَبْطَال، ومزنة الودق الهطال، الْمُشْتَملَة من الْغُزَاة على مشيخة آل يَعْقُوب، نسب الْمُلُوك الْكِرَام، وأعلام الْإِسْلَام، وَسَائِر قبائل بني مرين، لُيُوث العرين، وَغَيرهم من اصناف الْقَبَائِل، وَأولى الْوَسَائِل، يحوط جَمَاعَتهمْ، وَيرْفَع بتفقده إضاعتهم، ويستخلص لله، ولأبيه أيده الله، طاعتهم، وتشرق بإمارته مراكبهم، ويزين هلاله الناهض إِلَى الإبدار على فلك سَعَادَة الْإِنْذَار كواكبهم، تَقْدِيمًا اشرق لَهُ وَجه الدّين الحنيف وتهلل، وأحس باقتراب مَا أمل. فللخيل اختيال ومراح، وللأسل السمر اهتزاز وارتياح، وللصدور انْشِرَاح، وللآمال مغدى فِي فضل الله ومراح، فليتول ذَلِك، أسعده الله تولى مثله، فَمن اسرة الْملك أسرته، وأسرة النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] أسرته، وَالْملك الْكَرِيم اصل لفرعه، وَالسَّبَب الْعَرَبِيّ منجد لطيب طبعه، أَخذ أَشْرَافهم بترفيع الْمجَالِس، بِنِسْبَة أقدارهم، مقربا حسن اللقا بإيثارهم، شاكرا غناءهم، مستدعيا ثناءهم، مستدرا لأرزاقهم، موجها المزية بِحَسب استحقاقهم، شافعا لَدَيْهِ فِي رغباتهم المؤملة ووسائلهم المتحملة، مسهلا الْإِذْن لوفودهم المتلاحقة، منفقا لبضائعهم
النافقة، مونسا لغربائهم، مستجلبا أَحْوَال أَهْليهمْ وغربائهم، مُمَيّزا بَين أغفالهم ونبهائهم، وعَلى جَمَاعَتهمْ رعى الله جهادهم، ووفر أعدادهم، أَن يطيعوه فِي طَاعَة الله وَطَاعَة أَبِيه، ويكونوا يدا وَاحِدَة على دفاع أعادي الله وأعاديه، ويشدوا فِي مواقفه الْكَرِيمَة أزره، ويمتثلوا نَهْيه وَأمره، حَتَّى يعظم الِانْتِفَاع، ويثمر الدفاع ويخلص المصال لله والمصاع، فَلَو وجد، أيده الله، غَايَة فِي تشريفهم لبلغها، أَو موهبة لسوغها، لَكِن مَا بعد وَلَده الْعَزِيز عَلَيْهِ مَذْهَب، وَلَا وَرَاء مباشرتهم بِنَفسِهِ مرغب. وَالله منجح الْأَعْمَال، ومبلغ الأمال، وَالْكَفِيل بسعادة الْمَآل. فَمن وقف على هَذَا الظهير الْكَرِيم، فَليعلم مِقْدَار مَا تضمنه من أَمر مُطَاع، وفخر مُسْند إِلَى إِجْمَاع، وَوُجُوب اتِّبَاع. وَليكن خير مرعى لخير رَاع بحول الله. وأقطعه، أيده الله، ليَكُون بعض الْموَاد لازواد سَفَره، ومحاط سَفَره، من جملَة مَا أولاه من نعمه، وسوغه من موارد كرمه، جَمِيع الْقرْيَة المنسوبة إِلَى عرب غَسَّان، وَهِي الْمحلة الأثيرة والمنزلة الشهيرة، تَنْطَلِق عَلَيْهَا أَيدي خُدَّامه وَرِجَاله، جَارِيَة مجْرى صَحِيح مَاله، محررة من كل وظيف لاستغلاله إِن شَاءَ الله، فَهُوَ الْمُسْتَعَان سُبْحَانَهُ. وَكتب فِي كَذَا.
وَفِي ظهير أَخِيه لتقديمه على الكتيبة الثَّانِيَة من جَيش الْغُزَاة
هَذَا ظهير كريم جعل الله لَهُ الْمَلَائِكَة ظهيرا، وَعقد مِنْهُ فِي سَبِيل الله، لِوَاء مَنْصُور، وَأعْطى الْمُعْتَمد بِهِ بِالْيَمِينِ كتابا منشورا، وَمَا كَانَ عَطاء رَبك محذورا، وأطلع صبح الْعِنَايَة المبصرة الْآيَة، يبهر سفورا، ويسطع نورا، واقر عيُونا للْمُسلمين، وَشرح صدورا، ووعد الْأَهِلّة أَن تصير بإمداد شمس الْهدى إِيَّاهَا بدورا، وَبشر الْإِسْلَام بالنصر المنتظر، وَالْفَتْح الرَّائِق الْغرَر مواسطا وثغورا، وأتبع حماة الدّين لِوَاء الْإِمَارَة السعيدة النصرية، فأسعد بِهِ آمرا، وَأكْرم بِهِ
مَأْمُورا. أَمر بِهِ وأمضاه، وَأوجب حكمه وَمُقْتَضَاهُ، الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وَأَعْلَى ذكره لقرة عينه وَمُقْتَضى حَقه فِي الْعدَد وَدينه، [وعضد درعه] آيَة لوحه، ودرة قلادته، وذرى أفلاك مجادته، وَسيف نَصره، وهلال قصره، وزينه عصره، ومتقبل هَدْيه ورشده، ومظنة إشراف سعده، وإنجاز وعده، وَلَده الأسعد، وسليل ملكه الْمُؤَيد، الْأَمِير الْأَجَل الْأَعَز الأسمى الْأَسْنَى الأطهر الْأَظْهر الْأَعْلَى، لابس أَثوَاب رِضَاهُ، وَنعمته، ومنحة الله لنصره وخدمته، ومظهر عز نَصره، وَبعد همته، الراضى الْعَالم الْمُجَاهِد، حامي الْحمى، تَحت ظلّ الْإِسْلَام، الَّذِي يَأْمَن بِهِ من إضاعته، المحرز مزايا الْأَعْمَال الطاهرة، حَظّ الشَّهْر فِي يَوْمه، وحظ الْيَوْم فِي سَاعَته، الموقر المهيب، المؤمل، الْمُعظم، أبي النَّصْر سعد، عرفه الله بركَة سعد بن عبَادَة جده، خَال رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ، وَأعظم بمجده، ووزيره فِي حلّه وعقده، وإجناه ثَمَرَة النَّصْر الَّذِي كناه بِهِ، وَوصل سَببه بسبيه، فَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْده، وأنتج لَهُ الْفَتْح الْمُبين فِي مقدمتي نَصره وعضده. لما صرف وَجه عنايته، فِي هَذِه الْبِلَاد الأندلسية، الَّتِي خلص لله انفرادها وانقطاعها، وتمحص لِأَن تكون كلمة الله الْعليا قراعها، وَصدق مصالها فِي سَبِيل الله ومصاعها، إِلَى مَا يمهد أرجاءها، ويحقق رجاها، من سلم يعْقد، وَلَا يعْدم الحزم مَعَه وَلَا يفقد، وَعَطَاء ينفذ، وَرَأى لَا يتعقب وَلَا ينْقد، وَحرب تتضمر لَهَا الْجِيَاد، وتعتقل الأسل المياد. وَكَانَ الْجَيْش روض أمله الَّذِي فِي جناه يسرح، ومرمى فكره الَّذِي عَنهُ لَا يبرح، فديوانه ديوَان أمانيه، الَّذِي تسهب فِيهِ وتسترح، اسْمَعْهُ من سياسته أوفى الحظوظ وأسفاها، وَقصر عَلَيْهِ
لفظ الْعِنَايَة وَمَعْنَاهَا، فأزاح علله، وَأَحْيَا أمله، وَأَنْشَأَ جذله، وَرفع عَنهُ من لم يبْذل الْحَد لَهُ، وَلَا أخْلص فِيهِ إِلَّا لله عمله، وَاخْتَارَ لقياده مغانيه المنصورة، وإمارة غَزَوَاته المبرورة، أقرب النَّاس إِلَى نَفسه نسبا، وأوصلهم فِيهِ سَببا، وأحقهم بالرتبة المنيفة، والمظاهر الشَّرِيفَة، ذاتا وَأَبا، وحدا وشبا، وَأمره على أَشْرَافهم، وَدلّ بِهِ الإقبال على أعرافه، وَصرف إِلَيْهِ آماله، وَاسْتعْمل فِي إسنة يَمِينه، وَفِي أَعِنَّة شِمَاله، وَعقد عَلَيْهِ ألويته الخافقة لعزة نَصره، وَرَأى الظُّهُور على أَعدَاء الله جنا فهيأه لمصره، وأدار هَالة قتام الْجِهَاد عَن قرب بِالْولادَةِ على بدره وَنبهَ نفوس الْمُسلمين، على جلالة قدره، وَقدمه على الكتيبة الثَّانِيَة من عَسْكَر الْغُزَاة الْمُشْتَملَة على الْأَشْيَاخ من أَوْلَاد يَعْقُوب كبار بني مرين، وَسَائِر قبائلهم الْمُكرمين، وَغَيرهم من الْقَبَائِل المحترمين، يَنُوب عَن أمره، وَعرض مسايلهم، وقرى وافدهم، وأجرى عوايدهم، تَقْدِيمًا تهلل لَهُ الْإِسْلَام، واستبشر وتيقن الظفر، فاستبصر لما علم من استنصر، فليخلصوا لله فِي طَاعَته الْكُبْرَى المطاعة، وليعلقوا ببنان نداه بنان الطَّاعَة، ويؤملوا على يَدَيْهِ نجح الْوَسِيلَة إِلَى مقَامه والشفاعة، ويعلموه أَن اختصاصهم بِهِ هُوَ العنوان على رفع محالهم لَدَيْهِ، وَعزة شَأْنهمْ عَلَيْهِ، فَلَو وجد هضبة أَعلَى لفرعها لَهُم وعلاها، أَو [عزت] عزة مجلاها، أَو قبْلَة أزكى، لصرف وُجُوههم شطرها وولاها، حَتَّى تجني ثَمَرَة هَذَا الْقَصْد، وتعود بالسعد حَرَكَة الرصد، وَتَعْلُو ذؤابة الْمجد، وَتشهد بنصر الدّين على يَده أَلْسِنَة الْغَوْر والنجد بِفضل الله وَعَلِيهِ، أسعد الله الدولة بِاسْتِعْمَالِهِ مكافحا بأعلامها، وزينا لأيامها، وسيفا فِي طَاعَة الله وَطَاعَة إمامها، أَن يقدم مِنْهُم بمجلسه أهل التَّقَدُّم، ويقابل كرامهم بالتكريم، ويستدعي آراء مشايخهم فِي المشكلات من أُمُور الْحَرْب، وَيَقْتَضِي حُقُوق عزايمهم فِي موقف الطعْن وَالضَّرْب، ويتفقدهم بإحسانه عِنْد الْغِنَا، ويقابل حميد سَعْيهمْ بالثنا. على
هَذَا يعْتَمد، وبحسبه يعْمل، وَهُوَ الْوَاجِب الَّذِي لَا يهمل، فَمن وقف عَلَيْهِ، فليتول أمره بالامتثال، وقصده بالإعظام والإجلال، والانقياد الَّذِي يعود بالآمال، ونجح الْأَعْمَال، بحول الله وقوته. وَكتب فِي كَذَا.
وَمن إملائي ظهير قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْحسن بن الْحسن
هَذَا ظهير كريم، أنتج مَطْلُوب الِاخْتِيَار قِيَاسه، وَدلّ على مَا يرضى الله عز وجل التماسه، أطلع نور الْعِنَايَة يجلو الظلام نبراسه، وَاعْتمد بمثوبة الْعدْل من عرف باقتراع هضبتها ناسه، وَألقى بيد الْمُعْتَمد بِهِ، زِمَام الِاعْتِقَاد الْجَمِيل تروق أَنْوَاعه وأجناسه، وشيد مبْنى الْعِزّ الرفيع فِي قنة الْحسب المنيع، وَكَيف لَا وَالله بانيه، وَالْمجد أساسه. أَمر بِهِ وأمضى الْعَمَل بِحَسبِهِ، الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نَصره لقَاضِي حَضرته الْعلية، وخطيب حمرايه السّنيَّة، الْمَخْصُوص لَدَيْهِ بترفيع المزية، الْمَعْرُوف إِلَيْهِ خطاب الْقَضَاء بإيالته النصرية، قَاضِي الْجَمَاعَة، ومصرف الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة المطاعة، الشَّيْخ الكذا، أبي الْحسن ابْن الشَّيْخ الْوَزير الكذا أبي مُحَمَّد بن الْحسن، وصل الله سعادته، وحرس مجادته، عصب مِنْهُ جبين الْمجد بتاج الْولَايَة، وأجال قداح الِاخْتِيَار حَتَّى بلغ الْغَايَة، وَتجَاوز النِّهَايَة، فَألْقى مِنْهُ بِيَمِين عرابة الرَّايَة، وأحله مَحل اللَّفْظ من الْمَعْنى والإعجاز من الْآيَة، وَحشر إِلَى مُرَاعَاة ترفيعه وُجُوه الْبر وأعيان الْعِنَايَة، وأنطق بتبجيله ألسن أهل جيله، بَين الإفصاح وَالْكِنَايَة، وَلما كَانَ لَهُ الْحسب الَّذِي شهِدت بِهِ وَرَقَات الدَّوَاوِين، والأصالة الَّتِي قَامَت عَلَيْهَا صِحَاح الْبَرَاهِين، والإباء الَّذِي اعْتد بمضاء قضاتهم الدّين، وطبق مفاصل الحكم بسيوفهم الْحق الْمُبين، وازدان بمجالسة وزراهم السلاطين، فَمن فَارس حكم، أَو حَكِيم [بتدبير]
أَو قَاض فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة ووزير، أَو جَامع بَينهمَا جمع سَلامَة لَا جمع تكسير. تعدد ذَلِك واطرد، وَوجد مشرع الْمجد عذبا فورد، وَقصرت النظراء عَن مداه فَانْفَرد، وَفرق الْفَرِيق فِي يَد الشَّرْع فاشبه السَّيْف الْفَرد، وَجَاء فِي أَعْقَابهم محييا لما درس، بِمَا حقق ودرس، جانيا لما بذر السّلف الْمُبَارك واغترس، طَاهِر النشأة وقورها، مَحْمُود السجية مشكورها، متحليا بِالسَّكِينَةِ، حَالا من النزاهة بالمكانة المكينة، ساحبا أذيال الصون، بَعيدا عَن الاتصاف بِالْفَسَادِ من لدن الْكَوْن. فخطبته الخطط الْعلية، واغتبطت بِهِ المجادة الأولية، واستعملته دولته الَّتِي ترتاد أهل الْفَضَائِل للرتبة وتستظهر على المناصب بأبناء التقى والحسب وَالْفضل وَالْمجد وَالْأَدب، مِمَّن يجمع بَين الطارف والتالد، وَالْإِرْث والمكتسب، فَكَانَ معدودا من عدُول قضاتها، وصدور نبهائها، وأعيان وزرائها، وَأولى آرئها. فَلَمَّا زَان الله خِلَافَته بالتمحيص، المتجلي عَن التَّخْصِيص، وخلص ملكه الْأَصِيل كالذهب الأبزيز من بعد التخليص، كَانَ مِمَّن صحب ركابه، الطَّالِب للحق بِسَيْفِهِ الْحق، وسلك فِي مظاهرته أوضح الطّرق، وجادل من حاده بأمضى من الْحداد الذلق، واشتهر خبر وفائه فِي الغرب والشرق، وَصلى بِهِ صَلَاة الْحَضَر وَالسّفر، والأمن والحذر، وخطب فِي الْأَمَاكِن الَّتِي بعد [بِذكر الله] عهدها، وخاطب عَنهُ أيده الله المخاطبات الَّتِي حمد قَصدهَا، حَتَّى اسْتَقل ملكه فَوق سَرِيره، وانتهج مِنْهُ الْإِسْلَام بأميره، وَابْن أميره، وَنزل السّتْر على [الْعباد والبلاد] ببركة إيالته، ويمن تَدْبيره. وَكَانَ الجليس الغرب الْمحل، والحظى المشاور فِي العقد والحل، وَالرَّسُول المؤتمن على الْأَسْرَار، والأمين على
الْوَظَائِف الْكِبَار، فزين الْمجْلس السلطاني بالوقار، ومتحف الْملك بغريب الْأَخْبَار، وخطيب منبره العالي فِي الْجِهَات، وقارىء الحَدِيث لَدَيْهِ فِي المجتمعات. ثمَّ رأى أيده الله، أَن يُشْرك رَعيته فِي نَفعه، وَيصرف عوامل الحظوة إِلَى مزِيد رَفعه، ويجلسه مجْلِس الشَّارِع، صلوَات الله عَلَيْهِ، لإيضاح شَرعه، أَصله وفرعه، وَقدمه أَعلَى الله قدمه، وشكر آلائه ونعمه، قَاضِيا بالأمور الشَّرْعِيَّة، وفاصلا فِي القضايا الدِّينِيَّة. بِحَضْرَة غرناطة الْعلية، تَقْدِيم الِاخْتِيَار والانتقاء وَأبقى لَهُ فَخر السّلف على الْخلف، وَالله يمتعه بطول الْبَقَاء، فليتول ذَلِك عادلا فِي الحكم بِنور الْعلم، مسويا بَين الْخُصُوم، حَتَّى فِي لحظه والتفاته، متصفا من الْحلم بِأَفْضَل صِفَاته، مهيبا فِي الدّين، رؤوفا بِالْمُؤْمِنِينَ، ومسجلا للحقوق، غير مبال فِي رضَا الْخَالِق بسخط الْمَخْلُوق، جزلا فِي الْأَحْكَام، مُجْتَهدا فِي الْفَصْل بأمضى حسام، مراقبا لله عز وجل فِي النَّقْض والإبرام، وأوصاه بالمشورة، الَّتِي تقدح زناد التَّوْفِيق، والتثبت حَتَّى يتبلج قِيَاس التحقق بآراء مشيخة أهل التوثيق، عادلا إِلَى سَعَة الْأَقْوَال عَن الضّيق، سائرا من مَشْهُور الْمَذْهَب إِلَى أهْدى طَرِيق، وَصِيَّة أصدرها لَهُ مصدر الذكرى الَّتِي تَنْفَع، ويعلى بهَا الله إِلَى الدَّرَجَات وَيرْفَع، وَإِلَّا فَهُوَ عَن الوصاة غنى، وقصده قصد سنى، وَالله عز وجل ولى إعانته، والحارس من التَّبعَات أكفاف ديانته، وَالْكَفِيل بحفظه من الشُّبُهَات وصيانته، وَأمره أيده الله، أَن ينظر فِي الأحباس على اختلافها، والأوقاف على شَتَّى أصنافها، واليتامى الَّتِي أسدلت كَفَالَة الْقُضَاة على ضعافها، فيذود عَنْهَا طوارق الْخلَل، وَيجْرِي أمورها بِمَا يتكفل لَهَا بالأمل. وليعلم أَن الله عز وجل يرَاهُ، وَأَن فلتات الحكم، تعاوده الْمُرَاجَعَة فِي أخراه، فيدرع جنَّة تقواه، وَسُبْحَان من يَقُول إِن
الْهدى هدى الله. فعلى من يقف عَلَيْهِ، أَن يعرف هَذَا الإجلال، صائنا منصبه عَن الْإِخْلَال، مبادرا أمره الْوَاجِب بالامتثال بحول الله. وَكتب فِي الثَّالِث من شهر الله الْمحرم، فاتح عَام أَرْبَعَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة.
وأمليت أَيْضا ظهيرا للمذكور بخطابه الْجَامِع الْأَعْظَم من غرناطة
هَذَا ظهير كريم أَعلَى رُتْبَة الاحتفا اخْتِيَارا واختبارا، وَأظْهر مَعَاني الْكَرَامَة والتخصيص انتقاء واصطفاء وإيثارا، وَرفع لِوَاء الْجَلالَة على من اشْتَمَل عَلَيْهِ حَقِيقَة واعتبارا، ورقى فِي دَرَجَات من طاولتها علا بهر أنوارا، ودينا كرم فِي الصَّالِحَات آثارا، وزكا فِي الْأَصَالَة بخارا وخلوصا، إِلَى هَذَا الْمقَام الْعلي السعيد، راق إِظْهَارًا وإضمارا، أَمر بِهِ فلَان لقَاضِي الْجَمَاعَة الكذا أبي الْحسن ابْن الشَّيْخ الْوَزير الكذا أبي مُحَمَّد بن الْحسن، وصل الله عزته، ووالى رفعته، ووهبه من صلَة الْعِنَايَة الربانية أمله وبغيته. لما أصبح فِي صُدُور الْقُضَاة الْعلمَاء، مشارا إِلَى جَلَاله، مُسْتَندا إِلَى معارفه، الْمَخْصُوصَة بِكَمَالِهِ، مطمورا على الإفادة العلمية والأدبية، بمحاسنه البديعة وخصاله، محفوفا مقْعد الحكم النَّبَوِيّ، ببركة عَدَالَته، وَفضل خلاله، وَحل فِي هَذِه الحضرة الْعلية الْمحل الَّذِي لَا يرقاه إِلَّا عين الْأَعْيَان، وَلَا يتبوأ مهاده إِلَّا مثله من أَبنَاء الْمجد الثَّابِتَة الْأَركان، ومؤملي الْعلم الْوَاضِح الْبُرْهَان، والمبرزين بالمآثر الْعلية فِي الْحسن وَالْإِحْسَان، وتصدر لقَضَاء الْجَمَاعَة، فصدرت عَنهُ الْأَحْكَام الراجحة الْمِيزَان، والأنظار الْحَسَنَة الْأَثر والعيان، والمقاصد الَّتِي وفت بالغاية الَّتِي لَا تستطاع فِي هَذَا الميدان. فكم من قَضِيَّة جلى بمعارفه مشكلها، ونازلة مُبْهمَة فتح بإدراكه مقفلها، وحيلة مهمة عرف نكرتها وَقرر
مهملها، حَتَّى قرت بعدالته وجزالته الظنون، وَكَانَ فِي تصديره لهَذِهِ الْآيَة الْعُظْمَى من الْخَيْر والخيرة، مَا عَسى أَن يكون، كَانَ أَحَق بالتشفيع للوجاهة وَأولى، وأجدر بمضاعفة النعم الَّتِي لَا تزَال تترادف على قدره الْأَعْلَى، فَلذَلِك اصدر لَهُ هَذَا الظهير الْكَرِيم، مشيدا بالترفيع والثنويه، ومؤكدا للاحتفاء والتوجيه، قدمه أَعلَى [الله قدره] وشكر نعمه، خَطِيبًا بالجامع الْأَعْظَم من حَضرته، مُضَافا ذَلِك إِلَى ولَايَته، ورفيع مَنْزِلَته، مرافقا [لمن] بالجامع الْأَعْظَم، عمره الله بِذكرِهِ، من علية الخطباء وكبار الْعلمَاء وَخيَار النبهاء والصلحاء، فليتداول ذَلِك فِي جمعاته مظْهرا أثر بركاته وحسناته، عَاملا على مَا يقربهُ عِنْد الله من مرضاته، ويظفره بجزيل مثوباته، بحول الله.
وَثَبت فِي ظهير ريس الْكتاب الْفَقِيه أبي عبد الله ابْن زمرك هَذَا ظهير كريم، نصب الْمُعْتَمد بِهِ للأمانة الْكُبْرَى بِبَابِهِ فرفعه، وأفرد لَهُ متلو الْعِزّ وَجمعه، وأوتره وشفعه، وقربه فِي بِسَاط الْملك تَقْرِيبًا فتح لَهُ بَاب السَّعَادَة وشرعه، وَأَعْطَاهُ لِوَاء الْقَلَم الْأَعْلَى، فَوَجَبَ على من دون رتبته، من أولى صَنعته أَن يتبعهُ، ورعى لَهُ وَسِيلَة السَّابِقَة عِنْد استخلاص الْمُلُوك لما ابتزه الله من يَد الْغَاصِب وانتزعه، وحسبك من ذمام لَا يحْتَاج إِلَى شَيْء مَعَه. أَمر بِهِ الْأَمِير فلَان، وصل الله سعادته، وحرس مجادته، وأطلع لَهُ وَجه الْعِنَايَة، أبهى من الصُّبْح الوسيم، وأقطعه جَانب الإنعام الجسيم، وأنشقه أرج الخطوة عاطرة النسيم، وَنَقله من كرْسِي التدريس والتعليم إِلَى مرقى الثنويه والتعليم، والرتبة،
الَّتِي لَا يلقاها إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم، وَجعل أقلامه جيادا لإجالة أمره الْعلي، وخطابه السّني فِي ميادين الأقاليم، وَوضع فِي يَده أَمَانَة الْقَلَم الْأَعْلَى، جَارِيا من الطَّرِيقَة المثلى، على النهج القويم، واختصه بمزية الشفوف على كتاب بَابه والتقديم، لما كَانَ ناهض الوكر فِي طلبة حَضرته من الْبِدَايَة، وَلم تزل تظهر عَلَيْهِ لأولى التميز مخايل هَذِه الْغَايَة. فَإِن نظم أَو نثر أَتَى بالقصائد المنقولة، والمخاطبات المصقولة، فاشتهر فِي بَلَده وَغير بَلَده، وَصَارَت أزمة السِّقَايَة طوع يَده، بِمَا أوجب لَهُ المزية فِي يَوْمه وغده. وَحين رد الله علينا ملكنا الَّذِي جبر بِهِ جنَاح الْإِسْلَام، وزين وُجُوه اللَّيَالِي وَالْأَيَّام، وأدال الضيا من الإظلام. كَانَ مِمَّن وسمه الْوَفَاء وشهره، وعجم الْملك عود خلوصه وَخَبره، فَحَمدَ أَثَره، وشكر ظَاهره ومضمره، واستصحب على ركابه الَّذِي صحب الْيمن سَفَره، وأخلصت الْحَقِيقَة نفره، وكفل الله ورده وصدره، مَيْمُون النقيبة، حسن الضريبة، خَالِصا فِي الْأَحْوَال المريبة، ناطقا عَن مقَامه بالمخاطبات العجيبة، واصلا إِلَى الْمعَانِي الْبَعِيدَة، بالعبارة الْقَرِيبَة، مبرز الخدم الغريبة، حَتَّى استقام الْعِمَاد، ونطق بِصدق الطَّاعَة الْحَيّ والجماد، وَدخلت فِي دين الله أَفْوَاجًا الْعباد والبلاد، لله الْحَمد على نعمه الترة العهاد، وآلائه المتوالية الترداد، رعى لَهُ أيده الله، هَذِه الْوَسَائِل، وَهُوَ أَحَق من يرعاها، وشكره الخدم المشكور مسعاها، فقصر عَلَيْهِ الرُّتْبَة الشماء الَّتِي خطبهَا بوفائه، وَألبسهُ أَثوَاب اعتنائه، وفسح لَهُ مجَال آلائه. وَقدمه أَعلَى الله قدمه، وشكر نعمه، كَاتب السِّرّ، وَأمين النهى وَالْأَمر، تَقْدِيم الِاخْتِيَار [بعد الاختبار] والأغتباط بخدمته الْحَسَنَة الْآثَار، والتيمن باستخدامه قبل الْحُلُول بدار الْملك والاستقرار، وَغير ذَلِك من مُوجبَات الإيثار. فليتول ذَلِك عَارِفًا بمقداره، مقتفيا لآثاره، مستعينا بالكتم لأسراره، والاضطلاعه بعظيم أُمُوره وكباره، متصفا بِمَا يحمد من أَمَانَته وعفافه ووقاره، معطيا هَذَا الرَّسْم حَقه
من الرياسة، عَارِفًا أَنه أكبر أَرْكَان السياسة، حَتَّى يتَأَكَّد الِاغْتِبَاط بتقريبه وإدنائه، وتتوفر أَسبَاب الزِّيَادَة فِي إعلائه، وَهُوَ إِن شَاءَ الله، غنى عَن الوصاة مهما ثاقبا، وأدبا لعيون الْكَمَال مراقبا، فَهُوَ [يعْمل فِي] ذَلِك أقْصَى الْعَمَل، المتكفل يبلوغ الأمل، وعَلى من يقف عَلَيْهِ من حَملَة الأقلام وَالْكتاب [الْأَعْلَام] وَغَيرهم من الكافة والخدام، أَن يعرفوا قدر هَذَا الإنعام [والتقديم] الراسخ الْأَقْدَام، ويوجهوا مَا أوجب من الْبر وَالْإِكْرَام، والإجلال والإعظام. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ.
[وَالَّذِي خاطبت بِهِ عَن نَفسِي أَو عَن السُّلْطَان يَنْقَسِم إِلَى مَكْتُوب عَن ولد الْملك أَو حرمه، أَو مُخَاطبَة سُلْطَان وَولي نعمه، أَو ريس طوق يدا، أَو فَاضل رَاح فِي الْفضل وَغدا]
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أَمِير الْمُسلمين السُّلْطَان الْكَبِير الْمُقَدّس، أَبَا الْحسن، لما قصدت تربته عقب مَا تذممت بجواره، وتوسلت فِي أغراضي إِلَى وَلَده، رَحْمَة الله عَلَيْهِ
السَّلَام عَلَيْك ثمَّ السَّلَام، أَيهَا الْمولى الإِمَام، الَّذِي عرف فَضله الْإِسْلَام، وَأوجب حَقه الْعلمَاء الْأَعْلَام، وخفقت بعز نَصره الْأَعْلَام، وتنافست فِي إِنْفَاذ أمره وَنَهْيه السيوف والأقلام، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْمولى الَّذِي قسم زَمَانه إِلَى
بَين حكم وَفضل [وإمضاء نصل] وإحراز خصل وَعبادَة [فاقت فِي الْيَقِين] على أصل. السَّلَام عَلَيْك يَا مقرّ الصَّدقَات الْجَارِيَة، ومشبع الْبُطُون الجائعة، وكاسي الظُّهُور الْعَارِية، وقادح زناد العزائم الوارية، ومكتب الْكَتَائِب الغازية، فِي سَبِيل الله، والسرايا السارية. السَّلَام عَلَيْك يَا حجَّة الصَّبْر وَالتَّسْلِيم، ومتلقى أَمر الله بالخلق الرضى وَالْقلب السَّلِيم، ومفوض الْأَمر فِي الشدائد إِلَى السَّمِيع الْعَلِيم، ومعمل البنان الطاهرة فِي اكتتاب الذّكر الْحَكِيم. كرم الله تربتك وقدسها، وَطيب روحك الزكية وأنسها، فَلَقَد كنت للدهر حمالا، وللإسلام ثمالا، وللمستجير مجيرا، وللمظلوم وليا ونصيرا. لقد كنت للمحارب صَدرا، وَفِي المواكب بَدْرًا، وللمواهب بحرا، وعَلى الْعباد والبلاد ظلا ظليلا وسترا. لقد فرعت أَعْلَام عزك الثنايا، وأجزلت همتك لملوك الأَرْض الْهَدَايَا، كَأَنَّك لم تعرض الْجنُود، وَلم تنشر البنود، وَلم تبسط الْعدْل الْمَحْدُود، وَلم تُوجد الْجُود، وَلم تريمن للرُّكُوع وَالسُّجُود، فتوسدت الثرى، وأطلت الْكرَى، وشربت الكأس الَّتِي شربهَا الورى، وأصبحت ضارع الخد، كليل الْجد، سالكا سنَن الْأَب الْفَاضِل وَالْجد، لم تَجِد بعد انصرام أملك إِلَّا صَالح عَمَلك، وَلَا صَحِبت لقبرك إِلَّا رابح تجرك، وَمَا أسلفت من رضاك وصبرك. فنسل الله أَن [يؤنس] اغترابك، ويجود بسحاب الرَّحْمَة ترابك، وينفعك بِصدق الْيَقِين، ويجعلك من [الْأَئِمَّة] الْمُتَّقِينَ، ويعلى درجتك فِي عليين، ويحشرك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين، [وليهنك] أَن صير الله ملكك بعْدك إِلَى نير
سعدك وبارق رعدك، ومنجز وَعدك، أرْضى ولدك، وَرَيْحَانَة خلدك، وشقة نَفسك والسرحة الْمُبَارَكَة من عزمك، وَبدر شمسك، وموصل عَمَلك الْبر إِلَى رمسك. فقد ظهر عَلَيْهِ أثر دعواتك فِي حلولك وأعقاب صلواتك، فكلمتك والْمنَّة لله بَاقِيَة، وحسنتك إِلَى مَحل الْقبُول راقية، يرْعَى بك الْوَسِيلَة، وَيتم مقاصدك الجميلة، أَعَانَهُ الله ببركة رضاك على مَا قَلّدهُ، وَعمر بتقواه يَوْمه وغده، وَأنْفق فِي السعد أمده، وَأطلق بِالْخَيرِ يَده، وَجعل الْمَلَائِكَة أنصاره، والأقدار عدده. وإنني أَيهَا الْمولى الْكَرِيم، الْبر الرَّحِيم، لما اشتراني وراشني وبراني وتعبدني بإحسانه. واستعجل استخلاصي خطّ بنانه، لم أجد مُكَافَأَة إِلَّا التَّقَرُّب إِلَيْهِ، وبرثائك، وإغراء لساني بتخليد عليائك، وتعفير الْوَجْه فِي حَرمك، والإشادة بعد الْمَمَات بمجدك وكرمك، ففتحت فِي هَذَا الْغَرَض، إِلَى الْقيام بحقك. الَّذِي لولاه لاتصلت الْغَفْلَة عَن أَدَائِهِ، وتمادت فِيهَا سبّ الألسن وَلَا كَادَت، متميزا بِالسَّبقِ إِلَى أَدَاء هَذَا الْحق، باديا بزيارة قبرك، الَّذِي رحلته، الغرب فِيهَا نوبت من رحْلَة الشرق، وعرضته عَلَيْهِ، فأقطعه إِثْر مواقع الِاسْتِحْسَان، وَجمع بَين الشُّكْر والتنويه وَالْإِحْسَان. وَالله يَجعله عملا مَقْبُولًا، ويبلغ فِيهِ من الْقبُول مأمولا، ويتغمد من ضاجعته من سلفك الْكَرِيم بالمغفرة الصيبة، والتحيات الطّيبَة. فَنعم الْمُلُوك الْكِبَار، وَالْخُلَفَاء الْأَحْرَار، وَالْأَئِمَّة الأخيار. الَّذين كرمت مِنْهُم السّير، وَحسنت الْأَخْبَار، وَسعد بعزماتهم الجهادية الْمُؤْمِنُونَ، وشقى الْكفَّار، وصلوات الله بدءا وعودا، على الرَّسُول الَّذِي اصطفاه وَاخْتَارَهُ، فَهُوَ الْمُصْطَفى الْمُخْتَار، وعَلى آله وَصَحبه الَّذين هم السَّادة الأخيار، وَسلم تَسْلِيمًا.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ وَلَده السُّلْطَان أَبَا سَالم رحمه الله أهنئه بِفَتْح تلمسان
مولَايَ فتاح الأفكار والأمصار، فَائِدَة الْأَزْمَان والأعصار، أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار، قدوة أولى الْأَيْدِي والأبصار، نَاصِر الْحق عِنْد تعدد الْأَنْصَار، مستصرخ الْملك الْغَرِيب من وَرَاء الْبحار، مصداق دُعَاء الْأَب الْمولى فِي الأصائل والأسحار. أبقاكم الله لَا تقف إيالتكم عِنْد حد، وَلَا تحصى فتوحات الله عَلَيْكُم بعد، وَلَا تفيق أعداؤكم من كد، ميسرًا على مقامكم مَا عسر على كل أَب كريم وجد. عبدكم الَّذِي خلص إبريز عبوديته لملككم الْمَقْصُود، الْمُعْتَرف لأدنى رَحْمَة من رحماتكم بِالْعَجزِ عَن شكرها والقصور. [أرْغم الله] الْعِزّ طاعتكم أنف الْأسد الهصور، وَيبقى الْملك فِي عقبكم إِلَى يَوْم النفح فِي الصُّور. ابْن الْخَطِيب من الضريح الْمُقَدّس، وَهُوَ الَّذِي تعدّدت على الْمُسلمين حُقُوقه، وسطع نوره وتلألأ شروقه، وَبلغ مجده السَّمَاء لما بسقت فروعه، ورسخت عروقه، وَعظم ببنوتكم فخره، فَمَا فَوق البسيطة فَخر يروقه، حَيْثُ الْجلَال قد رسخت هضابه، وَالْملك قد كُسِيت بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة الشَّرِيفَة قبابه، وَالْبَيْت الْعَتِيق قد الحفت الملاحد الأمامية أثوابه، وَالْقُرْآن الْعَزِيز ترتل أحزابه، وَالْعَمَل الصَّالح يرْتَفع إِلَى الله ثَوَابه، والمستجير يخفى بالهيبة سُؤَاله [فيجهر] بنصرة الْعِزّ جَوَابه، وَقد تفيأ من أوراق الذّكر الْحَكِيم حديقة وخميلة أنيقة، وَحط بجودي الْجُود نفسا فِي طوفان الضّر غريقة، والتحف بعرف الهيبة الَّتِي لَا تهدى النَّفس فِيهَا إِلَّا بهداية الله طَريقَة، واعتز بعزة الله، وَقد توَسط جَيش الْحُرْمَة المرينية حَقِيقَة،
إِذْ جعل الْمولي الْمُقَدّس المرحوم أَبَا الْحسن مقدمه وأباه وجده سبقه، يرى بركم بِهَذَا اللَّحْد الْكَرِيم قد طُنب عَلَيْهِ من الرِّضَا بساطا، وأعلق بِهِ يَد الْعِنَايَة المرينية اهتماما واغتباطا، وحرر لَهُ أَحْكَام الْحُرْمَة نصا جليا واستنباطا، وَضمن لَهُ. بِحسن العقبى التزاما واشتراطا، وَقد عقد النَّصْر بطرِيق رحمتكم المنتظرة المرتقبة، وَمد الْيَد إِلَى لطائف شفاعتكم الَّتِي تتكفل بِعِتْق المَال، كَمَا تكفلت بِعِتْق الرَّقَبَة، وَشرع فِي المراح بميدان نعمتكم. بعد اقتحام هَذِه الْعقبَة، كَمَا شنفت لآذان الْبُشْرَى، الَّتِي لم يبْق طَائِر إِلَّا سجع بهَا وَصرح، وَلَا شهَاب دجنة إِلَّا اقتبس من نورها واقتدح، وَلَا صدر إِلَّا انْشَرَحَ، وَلَا غُصْن عطف إِلَّا مرح، بشرى الْفَتْح الْقَرِيب، وَخبر النَّصْر الصَّحِيح الْحسن الْغَرِيب، ونبأ الصنع العجيب، وهدية السَّمِيع الْمُجيب، فتح تلمسان الَّذِي قلد المنابر عُقُود الابتهاج، ووهب الْإِسْلَام منحة النَّصْر غنية عَن الْهياج، وألحف الْخلق ظلا ممدودا، وَفتح بَاب الْحق، وَكَانَ مسدودا، وَأقر عُيُون أَوْلِيَاء الله الَّذين يذكرُونَ الله قيَاما وقعودا، وأصرع لسيف الْحق جباها أبيَّة وخدودا، وملككم من أبيكم، الَّذِي امتار عَلَيْهِ الْأَمْوَال، وخاطر من دونه الْأَهْوَال، وأخلص الضراعة وَالسُّؤَال، من غير كد يغمر عطف المسيرة، وَلَا يجْهد يكدر صفو النِّعْمَة الثرة، وَلَا حصر ينفض بِهِ المنجنيق ذؤابة، ويطهر بِتَكَرُّر الرُّكُوع إنابته. وَالْحَمْد لله الَّذِي أقَال العثار، ونظم بدعوتكم الانتثار، وَجعل ملككم يجدد الْآثَار، وَيَأْخُذ الثار. وَالْعَبْد يمنى مَوْلَاهُ، بِمَا أنعم الله عَلَيْهِ واولاه، وَمَا أجدره بالشكر وأولاه، فَإِذا أجال العَبْد قداح السرُور، فللعبد الْمُعَلَّى والرقيب، وَإِذا استمنحوا حظوظ الجذل. على الْقسم الوافر والنصيب. وَإِذا اقتسموا فَرِيضَة شكر الله، فلى الْفَرْض والتعصيب
لتضاعف أَسبَاب الْعُبُودِيَّة قبلي، وترادف النعم الَّتِي عجز عَنْهَا قولي وعملي، وتقاصر فِي ابْتِغَاء مكافأتها وجدى، وَإِن تطاول أملي. فمقامكم الَّذِي نفس الْكُرْبَة، وَأنس الغربة، ورعى الْوَسِيلَة والقربة، وأنعش الأرماق، وَفك الوثاق، وأدر الأرزاق، وَأخذ على الدَّهْر باستقالة الْعَهْد والميثاق. وَإِن لم يُبَاشر العَبْد الْيَد الغالية بِهَذَا الهنا، ويمثل بَين يَدي الْخلَافَة الْعَالِيَة السناء والسنا، ويمد نَفسه فِي البدار إِلَى تِلْكَ السما، فقد بَاشر بِهِ الْيَد الَّتِي يحِق مولَايَ لتذكر تقبيلها، ويكمل فروض الْمجد بتوفية حُقُوقهَا الأبدية وتكميلها، ووقفت بَين يَدي ملك الْمُلُوك الَّذِي أجال عَلَيْهَا القداح، ووهل فِي طلب وصالها بالمساء وبالصباح، وَكَأن فَتحه إِيَّاهَا أَبَا عذر الِافْتِتَاح، وَقلت يهنيك يَا مولَايَ رد ضَالَّتهَا المنشودة، وجبر لقطفته الْمَعْرُوفَة المشهودة، وود أمتك المودودة، فقد اسْتحقَّهَا وارثك الأرضي، وسيفك الأمضى، وقاضي دينك، وقرة عَيْنك، مستنقذ دَارك من يَد غاصبها، ورد رتبك إِلَى مناصبها، وعامر المثوى الْكَرِيم، وَستر الْأَهْل والحريم، مولَايَ هَذِه تلمسان قد طاعت، وأخبار الْفَتْح على ولدك الحبيب قد شاعت، والأمم إِلَى هنائه قد تداعت، وعدوك وعدوه قد شردته المخافة، وانضاف إِلَى عرب الصحرا، فخفضته بِالْإِضَافَة، وَعَن قريب تتحكم فِيهِ يَد احتكامه، وتسلمه السَّلامَة إِلَى حمامه. فلتطب يَا مولَايَ نَفسك، وليستبشر رمسك، فقد نمت سر بركتك وزكا عزمك، نسل الله أَن يُورد على ضريحك من أنباء نَصره مَا تفتح لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء قبولا، ويترادف إِلَيْك مدَدا مَوْصُولا، وعدوا آخرته لَك خير من الأولى، ويعرفه بركَة رضاك عَنهُ ضمنا وحلولا، ويضفي عَلَيْهِ مِنْهُ سترا مسدولا. وَلم يقنع العَبْد بِخِدْمَة النثر حَتَّى أجهد القريحة الَّتِي ركضها الدَّهْر
فأنضاها، واستشفها الْحَادِث الجلل وتقاضاها، فلفق من خدمَة النظوم، مَا يتغمده حلم تَقْصِيره، وَيكون إغضاؤكم، إِذا لَقِي معرة العتب، وليه ونصيره، وإحالة مولَايَ على الله فِي نفس حترها، ووسيلة عرفهَا، مجده فَمَا أنكرها، وَحُرْمَة بضريح مولَايَ وَالِده شكرها، ويطلع العَبْد مِنْهُ على كَمَال أمله، ونجح عمله، وتسويغ مقترحه، وتتميم جذله، وَالسَّلَام الْكَرِيم على مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ السُّلْطَان أَبَا زيان عِنْدَمَا تمّ لَهُ الْأَمر وَولى ملك الْمغرب، رَحْمَة الله عَلَيْهِ
(يَا ابْن الخلائف يَا سمى مُحَمَّد
…
يَا من علاهُ لَيْسَ يحصر حاصر)
(أبشر فَأَنت ممجد الْملك الَّذِي لولاك
…
اصبح وَهُوَ رسم داثر)
(من ذَا يعاند مِنْك وَارثه الَّذِي
…
بسعوده فلك الْمَشِيئَة دائر)
(أَلْقَت إِلَيْك يَد الْخلَافَة أمرهَا
…
إِذْ كنت أَنْت لَهَا الْوَلِيّ النَّاصِر)
(هَذَا وَبَيْنك للضريح وَبَينهَا
…
حَرْب مضرسة وبحر زاخر)
(من كَانَ هَذَا الصنع أول أمره
…
حسنت لَهُ العقبى وَعز الآخر)
(مولَايَ عِنْدِي فِي علاك محبَّة
…
وَالله يعلم مَا تكن ضمائر)
(قلبِي يحدثني بأنك جَابر كسْرَى
…
وحظي مِنْك حَظّ وافر)
(بثرى جدودك قد حططت حقيبتي
…
فوسيلتي لعلاك نور باهر)
(وبذلت وسعي واجتهادي مثل مَا
…
يلقى لَا كل سيف أَمرك عَامر)
(وَهُوَ الْوَلِيّ لَك الَّذِي اقتحم الردى
…
وَقضى الْعَزِيمَة وَهُوَ سيف باقر)
(وَولى جدك فِي الشدائد عِنْدَمَا
…
خذلت علاهُ قبائل وعشائر)
(فاستمد مِنْهُ النجح وَاعْلَم أَنه
…
فِي كل معضلة طَبِيب ماهر)
(إِن كنت قد عجلت بعض مدائحي
…
فَهِيَ الرياض وللرياض بواكر)
مَوْلَانَا، وعصمة ديننَا ودنيانا، الَّذِي سخر الله الْبر وَالْبَحْر بأَمْره، وَحكم فَوق السَّمَوَات السَّبع بعز نَصره، وأغنى يَوْم سعده عَن سل السِّلَاح وشهره، وفتق عَن زهر الصَّنِيع الْجَمِيل كمامة تَسْلِيمه وَصَبره، وقيض لَهُ فِي علم غيبه، وزيرا مذخورا لشد أزره، وقود الْملك إِلَيْهِ فِي حَال عصره، الْخَلِيفَة الإِمَام، الَّذِي استبشر بِهِ الْإِسْلَام، وخفقت لعزه الْأَعْلَام، ولاح بدر محياه فافتضح الإظلام، الْمُقْتَدِي بِالنَّبِيِّ الْكَرِيم، سميه فِي المراشد الَّتِي تألق مِنْهَا الصُّبْح، والمقاصد الَّتِي لازمها النجح، والتمحيص الَّذِي تبع مِنْهُ الْمنح، حَتَّى فِي الْهِجْرَة الَّتِي جَاءَ بعْدهَا الْفَتْح، أَبُو زيان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان، ولي الْعَهْد ترشيحا ومآلا، ومؤمل الْإِسْلَام تقلدا للْمَذْهَب الصَّرِيح وانتحالا، وأمير الْمُسلمين لَو أوسعه الْقدر إمهالا، ووسطى عقد الْبَنِينَ، خلائق مُتعَدِّدَة وخلالا، المتحف بالسعادة، وَلم يعرف بدره هلالا، المعوض بِمَا عِنْد الله سَعَادَة ألبسته سربالا، وأبلغته من رضوَان الله آمالا، أَبى عبد الله ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين، كَبِير الْخُلَفَاء، وعنصر الصَّبْر وَالْوَفَاء، وَستر الله المسدول على الضُّعَفَاء، والمجاهد فِي سَبِيل الله بِنَفسِهِ وَمَاله المنيف على مراكز النُّجُوم بهمه وآماله، الْمُقَدّس أبي الْحسن، ابْن موالينا الْخُلَفَاء الطاهرين، وَالْأَئِمَّة المرتضين، من قبيل بني مرين، وصفوة الله فِي هَذَا الْمغرب الْأَقْصَى من أوليائه الْمُؤمنِينَ، وزينة الدُّنْيَا، وعمدة الدّين، هنأه الله مَا أورثه من سَرِير الْملك الْأَصِيل، وخوله من سَعَادَة الدُّنْيَا وَالدّين على الْإِجْمَال وَالتَّفْصِيل، وَتوجه من تَاج الْعِزَّة القعساء عِنْد اشْتِبَاه السَّبِيل، وعوضه من قبيل المليكة، عِنْد تشَتت الْقَبِيل، وَجعل قدمه الراسخة، وآيته الناسخة، وربوته السامية الباذخة، وَعزة نَصره الشامخة، وأوزعه شكر آلائه فِي الْخَلَاص من ملكه أعدائه، وخطر الْبَحْر وعدوان مَا بِهِ، وغول السّفر، وارتكاب الْغرَر، وثبات أَقْدَام أوليائه الَّذين مَا بدلُوا تبديلا، وَلَا ارتضوا لقبلة طَاعَته، بعد أَن
ولوا وُجُوههم شطرها تحويلا، بل صَبَرُوا صبرا جميلا، وَبَاعُوا نُفُوسهم تتميما لعقدة إِيمَانهم وتكميلا. يسلم على مقامكم الَّذِي وسم السعد مشرق جَبينه، وذخرت قبل الطَّاعَة ليمينه، وَأقسم الدَّهْر بمظاهرة أمره السعيد، فبر وَالشُّكْر لله فِي يَمِينه، عبدكم، الَّذِي اعتلق مِنْكُم بالوسيلة الْكُبْرَى، وقر بملككم عينا، وَشرح صَدرا، وبذل الْجهد، وَإِن جلّ قدرَة وَقدرا، وَالْتمس لكم الدُّعَاء علنا وسرا، ابْن الْخَطِيب الَّذِي حط رَحل انْتِظَاره بِتُرَاب الْمُلُوك الْكِرَام من جدودكم، محاريب بركم، وَأَسْبَاب وجودكم وإبائكم، الَّذين فِي مظاهرتهم ورعيهم، تظهر للنَّاس مخائل هدَاهُم، وتدر سحائب جودكم، ملتحفا مُنْذُ سِنِين [بِأَسْتَارِ قُبُورهم وثيابها، مستظلا بأقيلتها المعظمة وقبابها، ممرغا خَدّه بترابها، مواصلا الصُّرَاخ بآل مرين وبآل يَعْقُوب، متطارحا على أَبْوَابهَا. فَلم يتح الله لَهُ نصْرَة ترعى الضَّعِيف، وتحمى الدخيل، أَو حمية ترفع الضيم، وتشفي الغليل إِلَّا على يديكم يَا الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم، وَبَطل الميدان فِي موقف الهول الْعَظِيم، الْمَنْصُوب للمظلوم وإنصاف الْغَرِيم، وإجالة أَقْلَام الْفَتْح، لفتح الأقاليم، كتبه مهنيا بِمَا سناه الله، لملككم من الصنع الَّذِي خرق حجاب الْمُعْتَاد، وَأرى أَنْوَاع الْيمن والإسعاد، معجلا ذَلِك بَين يَدي المبادئ إِلَى لثم بساطكم الَّذِي تصرف إِلَيْهِ الْوُجُوه، وتخشاه الْأَمْلَاك الْجَبَابِرَة، وترجوه مُؤديا الْوَاجِب من الْقيام بمنظوم ثنائه فِي الحفل الْمَشْهُود وإبلاغ لِسَان الْحَمد وسع المجهود، وإلقاء مَا عِنْد العَبْد من خلوص وجنوح وَحب وضح أَي وضوح، فولى دعوتكم الشَّيْخ ابْن ثَابت أعزه الله، يقرره وَيبين مجمله ويفسره، وَالْعَبْد واثق بِفضل الله على يديكم، وملتمس النّظر إِلَيْكُم،
وقاطع أَن طلبته بكم تتسنى، وأنكم سَبَب عَاقِبَة الْحسنى، إِمَّا بالظهور على الوطن الَّذِي تجرأ التغلب بِهِ على ملككم، وَمد الْيَد إِلَى نثر مسككم، وَنقض أثر سلفكم الْمُسلم الْمُحَرر، وزلزل وطنكم المؤسس على الطَّاعَة، بكم الْمُقَرّر، وأضرم النَّار فِي بسائطكم وحيالكم، وَأطلق يَد الْفِتْنَة على بيُوت أَمْوَالكُم، مكثرا عَلَيْكُم بالقلة، متعززا بالذلة، جَان على داركم بِمَا لَا تبيحه الْملَّة، أَو بالشفاعة الجازمة، إِن لم يتأذن الله [فِي الِانْصِرَاف] وَالله يَجْعَل الظُّهُور لكم من الْأَوْصَاف، ويعينكم على جبر الكسير، وتيسير الأمل العسير، ويهنيكم منحة الْملك الْكَبِير وَيبقى كَلمته فِي عقبكم تخلد التَّعْمِير. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وخاطبنا السُّلْطَان أَبَا زيان الْمَذْكُور رَحْمَة الله عَلَيْهِ
الْمقَام الَّذِي طوف المنن، وَأَحْيَا السّنَن، وَأنْبت حبه فِي حب الْقُلُوب النَّبَات الْحسن. مقَام الْمولى ناظم كلمة الدّين بعد انتارها، ومقيل عثارها، وَالْأَخْذ بثارها، والمخلد لآثارها. السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله عالي الْقدَم، مَنْصُور الْعلم، ث ظَاهرا على الْأُمَم، مَقْصُود الْحمى كالركن والملتزم، عبد مقامكم الَّذِي أويتموه غَرِيبا، وأنستموه مريبا، وأنلتموه على عَدو الدَّهْر نصرا عَزِيزًا، وفتحا قَرِيبا، فَلم يخْش دركا وَلَا تثريبا، وَلَا عدم حظوة وَلَا شَفَقَة وَلَا نعْمَة وَلَا تَقْرِيبًا، ابْن الْخَطِيب مؤكدا عَن ثَنَا يعطر الْآفَاق، ويرقم الأوراق ووجاس اشتهاره الشَّام وَالْعراق، ويطالع العَبْد مَحل مَوْلَاهُ الَّذِي خلف بِبَابِهِ مَاله وَولده، وَصَبره وَجلده، وصير وَطنه الْحَقِيقِيّ وبلده. أَنه لما قدم على مَحل أَخِيه، [المعتد بِمَا] أودع الله من الْخلال السّريَّة فِيهِ، مولَايَ ابْن مولَايَ أبي عبد الله، كافأ الله جميل رعيه
وكرم عَهده، وَحكم بإعلاء جده، ومضاء حَده، رعى الْوَسِيلَة، وَهدى المخيلة، وجلا عِنْد اجتلا مخاطبتكم أسارير الْفَضِيلَة، فَلم يدع حَقًا إِلَّا صرفه، وَلَا نكرَة إِلَّا أظهر شَأْنهَا وعرفه، وَلَا نعْمَة إِلَّا سكبها، وَلَا مزية إِلَّا أوجبهَا، وَلَا رُتْبَة، إِلَّا أَعْلَاهَا، وَلَا نعْمَة إِلَّا أولاها، وَمَا ذَلِك يَا مولَايَ، وَإِن تعدّدت الْوَسَائِل والأذمة، وَذكرت الْقرْبَة بعد أمة، إِلَّا بوصاتكم الَّتِي لَا تهمل، وحرمتكم الَّتِي لَا تجْهَل، وَعطف مقامكم الَّذِي اشْتهر، واعتنائكم بعبدكم الَّذِي راق وبهر. وَالْعَبْد عبدكم بِكُل اعْتِبَار، وخديمكم بَين يَدَيْهِ، وَإِن نأت الدَّار، ومحسوب على نعْمَة مقامكم الرفيع الْمِقْدَار، والأمل فِي مقامكم غير مُنْقَطع السَّبَب، والأهل وَالْولد تَحت كنف مقامكم الْأَصِيل الْحسب، حَتَّى يمن الله بِحَجّ بَيته، وزيارة رَسُوله [صلى الله عليه وسلم] ، بَين يديكم، وَيكون قَضَاء هَذَا الوطر مَنْسُوب إِلَيْكُم، وَبعد يسْتَقرّ الْقَرار حَيْثُ يختاره من يخلق مَا يَشَاء ويختار بحول الله. وَالْعَبْد يذكر مَوْلَاهُ بِمَا نثره بَين يَدي وداعه، وبمرأى وزيره السعيد واستماعه من انجلاء الْحَرَكَة عَن عزه وظهوره، ونجاح أَحْوَاله، واستقامة أُمُوره، ويهنيه [بِصدق] الْوَعْد، وإمطار الرَّعْد، وَظُهُور السعد، وَهِي وَسِيلَة إِذا عددت الْوَسَائِل، وروعيت الذمم الجلائل، وَمثل مولَايَ من رعى وَأبقى، وسلك الَّتِي هِيَ أبر وَأتقى، وَمَا قصر عَنهُ الْقَلَم من حق مولَايَ، فالرسول أعزه الله متممه، وَمَا قصر عَنهُ الرَّسُول فَالله يُعلمهُ، وَهُوَ جلّ وَعلا، يديم أَيَّام مولَايَ ويثني سعده. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ مَوْلَانَا السُّلْطَان أَبَا عبد الله بن نصر عِنْدَمَا وصل إِلَيْهِ وَلَده من الأندلس إِلَى فاس
(الدَّهْر أضيق فسحة من أَن يرى
…
بالحزن والكمد المضاعف يقطع)
(وَإِذا قطعت زمانة فِي كربَة
…
ضيعت فِي الأوهام مَا لَا يرجع)
(واقنع بِمَا أَعْطَاك دهرك واغتنم
…
مِنْهُ السرُور وخل مَالا ينفع)
مولَايَ الَّذِي لَهُ المنن والخلق الْجَمِيل، والخلق الْحسن، وَالْمجد الَّذِي وضح مِنْهُ السّنَن، كتبه عبد نِعْمَتك مهنأ بنعم الله الَّتِي أفاضها عَلَيْك، وجلبها إِلَيْك، من اجْتِمَاع شملك بنجلك، وَقَضَاء دينك من قُرَّة عَيْنك، إِلَى مَا تقدم من إفلاته وسلامة ذاتك، وتمزق أعدائك، وانفرادك باودائك، وَالزَّمَان سَاعَة وَأكْثر، لَا بل كلمح الْبَصَر، وَكَأن بالبساط قد طوى وَالتُّرَاب على الْكل قد سوى، فَلَا تبقى غِبْطَة وَلَا حسرة، وَلَا كربَة وَلَا مَسَرَّة. وَإِذا نظرت، مَا كنت فِيهِ تجدك لَا تنَال مِنْهُ إِلَّا إكلة وفراشا، وَكُنَّا ورياشا، مَعَ توقع الوقائع، وارتقاب الفجائع ودعا الْمَظْلُوم، وصداع الجائع، فقد حصل مَا كَانَ عَلَيْهِ التَّعَب، وَأمر الذَّهَب، ووضح الْأجر الْمَذْهَب، وَالْقُدْرَة بَاقِيَة، والأدعية راقية، وَمَا تَدْرِي مَا تحكم بِهِ الأقدار، ويتمخض عَنهُ اللَّيْل وَالنَّهَار. وَأَنت الْيَوْم على زَمَانك بِالْخِيَارِ، فَإِن اعْتبرت الْحَال، واجتنبت الْمحَال، لم يخف عَنْك أَنَّك الْيَوْم خير مِنْك أمس، من غير شكّ وَلَا لبس، وَكَانَ أمْلى التَّوَجُّه لرؤية ولدك، لَكِن عارضتني مَوَانِع وَلَا نَدْرِي فِي الْكَوْن مَا الله صانع، فاستنبت هَذِه فِي تَقْبِيل قدمه، والهناء بمقدمه وَالسَّلَام.
وخاطبته لما بَلغنِي مَا كَانَ من صنع الله لَهُ، وعودته إِلَى سُلْطَانه
(هَنِيئًا مَا خولت من رفْعَة الشان
…
وَإِن كره الْبَاغِي وَإِن رغم الشاني)
(وَإِن خصك الله جل جلاله
…
بمعجزة منسوبة لِسُلَيْمَان)
(أغار على كرسيه بعض جنه
…
فَأَلْقَت لَهُ الدُّنْيَا مقادة إذعان)
(فَلَمَّا رَآهَا فتْنَة خر سَاجِدا
…
وَقَالَ إلهي اُمْنُنْ عَليّ بغفران)
(وهب لي ملكا بعْدهَا لَيْسَ يَنْبَغِي
…
تقلده بعدِي لإنس وَلَا جَان)
(فَأَتَاهُ لما أَن أجَاب دعاءه
…
من الْعِزّ مَا لم يُؤْت يَوْمًا لإِنْسَان)
(وَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر فِي الدَّهْر مُفردا
…
فَأَتَت لَهُ لما اقتديت بِهِ الثان)
(فقابل صَنِيع الله بالشكر واستعن
…
بِهِ واجز إِحْسَان الْإِلَه بِإِحْسَان)
(وَحقّ الَّذِي سماك باسم مُحَمَّد
…
لَو أَن الصِّبَا قد عَاد مِنْهُ بريعان)
(لما بلغ النعمى على سروره
…
ألية واف لَا ألية خوان)
(إِذا كنت فِي عز وَملك وغبطة
…
فقد نلْت أوطاري وراجعت أوطان)
مولَايَ الَّذِي شَأْنه عجب، وَالْإِيمَان بِهِ بعناية الله قد وَجب، وعزه أظهره فِي برداء الْعِزَّة احتجب، إِذا كَانَت الغابة لَا تدْرك، فَأولى أَن تسلم وتترك، ومنة الله عَلَيْك لَيْسَ مِمَّا تشرح، قد عقل الْعقل فَمَا يبرح، وَقيد اللِّسَان فِيمَا يرتقب فِي مجَال الْعبارَة وَلَا يسرح. اللَّهُمَّ ألهمنا على هَذِه النِّعْمَة شكرا ترضاه، وإمداد من لَدُنْك تتقاضاه، بِاللَّه بِاللَّه. سعود أنارت بعد أفول شهابها، وحياة كرت بعد ذهابها، وأحباب اجْتمعت بعد فراقها، وأوطان دنت بعد دنت بعد شامها [من عراقها] وأعداء أذهب الله رسم نعيمهم ومحاه، وبغاة أدَار عَلَيْهِم الدَّهْر رحاه، وَعباد من من
كشف الْغم مَا سَأَلُوهُ، ونازحون لَو سئلوا فِي إتاحة الْقرب بَاقِي أرماقهم لبذلوه. وَسُبْحَان الَّذِي يَقُول وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم، واخرجوا من دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ. فليهن الْإِسْلَام ببياض وَجهه بعد اسوداده، وتغلب إيالة من لَا يُؤمن بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر على بِلَاده، وعودة الْملك الْمَظْلُوم إِلَى معتاده، واستواء الْحق الفاني جنبه فَوق مهاده، ورد الْإِرْث الْمَغْصُوب إِلَى مُسْتَحقّه عَن آبَائِهِ وأجداده. وَالْحَمْد لله الَّذِي غسل عَن وَجه الْملَّة الحنيفيه الْعَار، وأنقذ عهدتها، وَقد ملكهَا الذعار، فَرد المعار. وأعيد الشعار. نحمدك الله حمدا يَلِيق بقدسك، بل لَا نحصى ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك. وَالْعَبْد يَا مولَايَ قد بهرته آلَاء الله قبلك: بالفكر جائل، وَاللِّسَان سَاكِت، وَالْعقل ذاهل، والطرف باهت، فَإِن أَقَامَ رسما للمخاطبة، فقلم مرح وركض، وطرس هز جنَاح الارتياح ونفض، لَيْسَ هَذَا المرام مِمَّا يرام، وَلَا هَذِه الْعِنَايَة الَّتِي تحار فِيهَا الأقلام، مِمَّا تصمى عرضة السِّهَام. نسْأَل الله أَن يَجْعَل مولَايَ من الشَّاكِرِينَ، وبأحلام تقلبات الْأَيَّام من المعتبرين، حَتَّى لَا يغره السراب الخادع [والدهر المرغم للأنوف الجادع] وَلَا يرى فِي الْوُجُود غير الله من صانع، وَلَا معط وَلَا مَانع، ويمتعه بالعز الْجَدِيد، ويوفقه للنَّظَر السديد، ويلهمه الشُّكْر، فَهُوَ مِفْتَاح الْمَزِيد. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا خاطبته بِهِ على لِسَان وَلَده أسعده الله عِنْدَمَا حللنا بمالقة حرسها الله
مولَايَ الَّذِي رضَا الله مقترن بِرِضَاهُ، والنجح مسبب عَن نِيَّته الصَّالِحَة وَدعَاهُ، وطاعته مرتبطة بِطَاعَة الله. أبقى الله على بكم ظلّ حماه، وغمام نعماه،
وَزَادَنِي من مواهب هدايته فِي تَوْفِيَة حَقه الْكَبِير، فَإِن الْهدى هدى الله. يقبل مواطىء رجلكم الَّتِي ثراها شرف الجدود. وفخر الجباه، ويقرر من عبوديته مَا يسجل الْحق مُقْتَضَاهُ، وَيسلم على مثابة رحمتكم السَّلَام الَّذِي يُحِبهُ الله ويرضاه ولدكم وعبدكم يُوسُف من منزل تأييدكم بِظَاهِر مالقة حرسها الله، وللوجود ألسن بِالْعِزَّةِ لله ناطقة، وللأعلام وَالشَّجر ألوية بالسعد خافقة، وأنواع التَّوْفِيق مُوَافقَة وصنائع اللَّطِيف الْخَبِير مصاحبة مرافقة. وَقد وصل يَا مولَايَ لعبدكم المفتخر بالعبودية لكم، مَا بعث بِهِ على مقامكم، وجادت بِهِ سحائب إنعامكم، وَلمن تَحت حجبة سركم المسدول، وَفِي ظلّ اهتمامكم الْمَوْصُول، وَلمن ارتسم بِخِدْمَة أبوابكم الشَّرِيفَة من الخدام، وَأولى المراقبة والالتزام. مَا تضيق عَنهُ بَيَان الْعبارَة، وتفتضح فِيهِ لِسَان القَوْل وَالْإِشَارَة من عنايات سنية، وَنعم باطنة وجلية، وملاحظة مولوية، ومقاصد ملكية. فَمَا شِئْت من قباب مذهبَة، وملابس منتخبة، وأسرة مرتبَة، ومحاسن لَا مستورة وَلَا محجبة. واللوا الَّذِي نشرتم على عبدكم ظله الظليل، ومددتم عَلَيْهِ جنَاح الْعِزّ الْكَفِيل، جعله الله أسعد لِوَاء فِي خدمكتم، وَمد عَليّ وَعَلِيهِ لِوَاء حرمتكم، حَتَّى يكون لجهادي بَين يديكم شَاهدا وبالنصر الْعَزِيز، وَالْفَتْح الْمُبين عَلَيْكُم عَائِدًا، ولطابعة الخلوص لأمركم قائدا، ولأولياء مَا بكم هاديا، ولأعدائكم كائدا. وَاتفقَ يَا مولَايَ، أَن كَانَ عبدكم قد ركب مغتنما أبرد الْيَوْم. ومؤثرا للرياضة عقب النّوم، والتفت عَلَيْهِ الخدام، والأولياء الْكِرَام، فَلَمَّا عدنا تعرضت تِلْكَ العنايات المجلوة الصُّور، المتلوة السرر، وَقد حشر النَّاس، وَحَضَرت الْأَجْنَاس، فعلا الدُّعَاء، وانتشر الثَّنَاء وراقت الْأَبْصَار للهمة الْعليا، فنسل الله يَا مولَايَ أَن يكافىء مقدمكم بالعز الَّذِي لَا يتبدل، والنصر الَّذِي يسْتَأْنف وَيسْتَقْبل، والسعد الَّذِي حكمه لَا يتَأَوَّل
وَالْعَبْد وَمن لَهُ على حَال اشتياق للورود على بَابَكُمْ الرفيع الْمِقْدَار [وارتياح لقرب المزار] .
(وأبرح مَا يكون الشوق يَوْمًا
…
إِذا دنت الديار من الديار)
وَالْعَمَل على تسيير الْحَرَكَة مُتَّصِل، والدهر لأوامر سعدكم محتفل، بِفضل الله. وَالسَّلَام على مقَام مولَايَ وَرَحْمَة الله.
وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ عَن السُّلْطَان رضي الله عنه للْوَلِيّ أبي الْعَبَّاس السبتي بمراكش وَنحن مستقرون بفاس [
(يَا ولي الْإِلَه أَنْت جواد
…
وقصدنا إِلَى حماك المنيع)
(رَاعنا الدَّهْر بالخطوب فحينا
…
نرتجي من علاك حسن الصَّنِيع
…
)
(فمددنا لَك الأكف نرجي
…
دَعْوَة الْعِزّ تَحت شَمل جَمِيع)
(قد جعلنَا وسيله، تربك الزاكي
…
وزلفى إِلَى الْعَلِيم السَّمِيع
…
)
(كم غَرِيب أسرى إِلَيْك فوافي
…
برضى عَاجل وَخير سريع)
]
يَا ولي الله الَّذِي جعل جاهه سَببا لقَضَاء الْحَاجَات، وَرفع الأزمات، وتصريفا بَاقِيا بعد الْمَمَات وَصدق نقل الحكايات ظُهُور الْآيَات، نَفَعَنِي الله بنيتي فِي بركَة قربك، وَأظْهر على أثر توسلي بك إِلَى الله رَبك، مزق شملي، وَفرق بيني وَبَين أَهلِي، وتعدى على، وصرفت وُجُوه المكايد إِلَيّ، حَتَّى أخرجت من وطني وبلدي، وَمَالِي وَوَلَدي وَمحل جهادي، وحقي الَّذِي صَار لي طَوْعًا عَن آبَائِي
وأجدادي، عَن بيعَة لم يحل عقدتها الدّين، وَلَا ثُبُوت جرمة تشين. وَأَنا قد قرعت بَاب الله بتأميلك، فالتمس لي قبُوله بقبولك، وردني إِلَى وطني على أفضل حَال، وَأظْهر على كرماتك الَّتِي تشد إِلَيْهَا الرّحال. فقد جعلت وسيلتي إِلَيْك رَسُول الْحق إِلَى جَمِيع الْخلق [[صلى الله عليه وسلم]] . وَالسَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْمولى الْكَرِيم الَّذِي يَأْمَن بِهِ الْخَائِف، وينتصف بِهِ الْغَرِيم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْوَزير المتغلب على دولة الْمُلُوك بالمغرب عَامر بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عَليّ
(لَا ترج إِلَّا الله فِي شدَّة
…
وثق بِهِ فَهُوَ الَّذِي أيدك)
(حاشا لَهُ أَن ترجو إِلَّا الَّذِي
…
فِي ظلمَة الأحشاء قد أوجدك)
(فاشكره بِالرَّحْمَةِ فِي خلقه
…
ووجهك أبسط بِالرِّضَا أَو يدك)
(وَالله لَا تهمل ألفافه
…
[قلادة الْحق] الَّذِي قلدك)
(مَا أسعد الْملك الَّذِي سسته
…
يَا عمر الْعدْل وَمَا أسعدك)
تخص الْوَزير الَّذِي بهر سعده، وَحمد فِي المضاء قَصده، وعول على الشيم الَّذِي اقتضاها مجده، وأورثه إِيَّاهَا أَبوهُ وجده، الشَّيْخ الكذا ابْن فلَان. أبقاه الله ثَابت الْقدَم. خافق الْعلم، شهيرا حَدِيث سعده فِي الْأُمَم، مثلا خبر بسالته وجلالته فِي الْعَرَب والعجم. تَحِيَّة مجده الْكَبِير، الْمُسْتَند إِلَى عَهده الوثيق،
وحسيه الشهير، المسرور بِمَا سناه الله لَهُ من نجح التَّدْبِير، والنصر الْقَدِيم النظير وإنجاده إِيَّاه عِنْد إِسْلَام النصير، وفراق الْقَبِيل والعشير، ابْن الْخَطِيب من سلا، حرسها الله، وَالْيَد ممدودة إِلَى الله، فِي صلَة سعد الْوَزير، أبقاه الله، ودوام عصمته، وَاللِّسَان يطنب ويسهب فِي شكر نعْمَته، والأمل مُتَعَلق بأسبابه الْكَرِيمَة وأذمته. وَقد كَانَ شيعته مَعَ الشَّفَقَة الَّتِي أذابت الْفُؤَاد، وألزمت الأرق والسهاد، على علم بِأَن عناية الله عَلَيْهِ عاكفة، وديم الآلاء لَدَيْهِ واكفة، وَأَن الَّذِي أقدره وأيده وَنَصره، وأنفذت مَشِيئَة مَا دبره، كَفِيل بإمداده، وملبى بإسعاده، ومرجى بإصلاح دُنْيَاهُ ومعاده. وَفِي أثْنَاء هَذِه الأراجيف استولى على مُعظم وزارته الْجزع، وتعاورته الأفكار تَأْخُذهُ وَتَدَع. فَإِنِّي كَمَا يعلم الْوَزير، أعزه الله، مُنْقَطع الْأَسْبَاب مستوحش من الْجِهَة الأندلسية على بعد الجناب، ومستعدا عَليّ لكوني من الْمَعْدُودين فِيمَن لَهُ من الخلصان والأحباب، فشرعت فِي نظر، أحصل مِنْهُ على زَوَال اللّبْس، وأمان النَّفس، واللحاق بمأمن يرعاني برعي الْوَزير، بخلال مَا يدبر الْأَمر من لَهُ التَّدْبِير. فَفِي أَثْنَائِهِ، وتمهيد أساس بنائِهِ، ورد البشير بِمَا سناه الله لسيدي وَجَابِر كسْرَى، ومنصفي بِفضل الله من دهري، من الصنع الَّذِي بهر، وراق نوره وَظهر. فآمنت، وَإِن لم أكن مِمَّن جنا، وجفتني المسرات بَين أَفْرَاد وثنى، وانشرح بِفضل الله صَدْرِي، وزارتني النعم والتهاني من حَيْثُ أَدْرِي وَلَا أَدْرِي. ووجهت الْوَلَد، الَّذِي شملته نعْمَة الْوَزير وإحسانه، وَسبق إِلَيْهِ امتنانه، نَائِبا عني فِي تَقْبِيل يَده، وشكر بره، وَالْوُقُوف بِبَابِهِ، والتمسك بأسبابه. آثَرته بذلك لأمور، مِنْهَا المزار فِيمَا كَانَ يلْزَمنِي من إخْوَته الأصاغر، وتدريه على خدمَة الْجلَال الباهر، ولعائق ضعف عَن الْحَرَكَة وإفراد لَهُ بِالْبركَةِ. وَبعد ذَلِك أشرع بِفضل الله فِي الْعَمَل على تَجْدِيد الْعَهْد بِبَاب الوزارة الْعلية، عارضا من ثنائها مَا يكون وفْق الأمنية، وَرب عمل أغْنى عَنهُ فضل النِّيَّة، وَالسَّلَام الْكَرِيم على سَيِّدي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.