الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على حَدَاثَة سنه الكهول، وَلما تحلى من الفوايد العلمية بِمَا تحلى، وبرز فِي ميدان المعارف وجلى، واشتهر اشتهار الصَّباح إِذا تجلى، تنافست بِهِ همم الْمُلُوك الأخاير، واستأثرت بِهِ الدول على عَادَتهَا فِي الاستئثار بالذخاير، فاستقلت بسياستها ذراعه، وَأَخْدَم السيوف والذوابل يراعه. وَهُوَ الْآن عينهَا الَّذِي تبصر، ولسانها الَّذِي بِهِ تسهب وتختصر. وَقد تقدّمت لَهُ إِلَى هَذِه الْبِلَاد الْوِفَادَة، وجلت بِهِ لَدَيْهَا الإفادة، وَكتب عَن بعض مُلُوكهَا، وانتظم فِي سموطها الرفيعة وسلوكها. وَله فِي الْأَدَب الرَّايَة الخافقة، والعقود المتناسقة، فَمَا شيت من لفظ طَابَ عرفه، وَمعنى سحر الْأَلْبَاب ظرفه. وَقد أثبت من كَلَامه فِي هَذَا الْكتاب مَا تتمناه النحور بدل قلايدها، وتجعله الْحور تَمام على ولايدها.
وَمن ذَلِك فِي وصف الْخَطِيب أبي عبد الله بن رشيد
بَحر معارف لَا يسبر غوره، وَروض فنون تضوع مسراه وأينع نوره، وفريد زَمَانه الَّذِي لَا يَأْتِي بِمثل دوره. نَشأ بِبَلَدِهِ سبتة حرسها الله أصون من الدّرّ فِي صدفه، وأطهر من المَاء الطّهُور فِي نطفه، لَا يسرح فِي غير المطالعة طرفا، وَلَا ينتشق لغير المعارف عرفا، حَتَّى سما مِقْدَاره. وكمل فِي وَطنه أبداره، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ الْعُيُون، وطمح إِلَى الرحلة وَالزَّمَان برحاله غنى، وَبِكُل قطر روض جنى. وعالم سني، فَرَحل عَن بَلَده [رحيل الْغَمَام بعد مَا أمطر، وأقشع إقشاع الرّبيع بعد مَا أَزْهَر وَلم يزل] مطلع بِكُل ثنية. ويعشو إِلَى نَار كل فايدة سنية، وَكلما مر بفايدة فِي طَرِيقه، صرف إِلَيْهَا أَعِنَّة فريقه، حَتَّى عرس بالمثوى الْجَلِيل، واستظل بالجدار الَّذِي رفعت قَوَاعِده أكف الْخَلِيل، ونقع من مَاء زَمْزَم مُحْتَرم العليل، وسنح لَهُ بِالْيمن طيره، وأحسب رحلته بِالْحرم الْأمين، أَبُو الْيمن وَغَيره. ثمَّ صرف عنان أمله وسؤله، إِلَى زِيَارَة قبر النَّبِي وَرَسُوله،