الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمكنك الفرصة، وترفع إِلَيْك الغصة، وتثقب الفرصة، وَلَا تشره إِلَى عمل لَا تفي مِنْهُ بِتمَام، وَخذ عَن إِمَام، وَللَّه در عُرْوَة بن حزَام:
(الله يعلم مَا تركت قِتَالهمْ
…
حَتَّى رموا مهري بأشقر مُزْبِد)
(وَعلمت أَنِّي إِن أقابل دونهم
…
أقتل وَلَا يضرر عدوي مشْهد)
(ففررت عَنْهُم والأحبة فيهم
…
طَمَعا لَهُم بعقاب يَوْم مُفسد)
واللبانات تلين وَتجمع، المآرب تَدْنُو وتنزح، وتخور ثمَّ تسمح. وَكم من شُجَاع خام ويقظ نَام، وَدَلِيل أَخطَأ الطَّرِيق، وأضل الْفَرِيق. وَالله عز وجل يَجْعَلهَا خلة مَوْصُولَة، وشملا أكنافه بِالْخَيرِ مشمولة، وبنية أَرْكَانهَا لركاب الْيمن مأمولة، حَتَّى تكْثر خدم سَيِّدي وجواريه، وأسرته وسراريه، وتصفو عَلَيْهِ نعْمَة باريه، مَا طورد قنيص، واقتحم عيص، وَأدْركَ مرام عويص، وَأعْطى زاهد، وَحرم حَرِيص، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أَبَا إِسْحَاق ابْن الْحَاج على لِسَان قَاضِي الحضرة أبي الْحسن
سَيِّدي، جعل الله أكوار العمائم تتضاءل لكور عمامتك، والنفوس الطامحة الهمم على اخْتِلَاف الْأُمَم، تقر بِوُجُوب إمامتك، وسر الْإِسْلَام باتصال سلامتك، وتبرأ الملا من
ملامتك، وصلتني رِسَالَتك الَّتِي أخبت فِي ميدان البلاغة فأوضعت، وأخلاف الْفُنُون ارتضعت، وعَلى ارْتِفَاع الْقدر اتضعت، وَوضعت الْحِكْمَة المشرقية بنت سَاعَة وَالله أعلم بِمَا وضعت، لَكِنَّهَا تنافست الْجَوَارِح، كَمَا غصت بنعمها المسارح، وتعارض السائح والبارح والرامز والسارح فِي صلت الْإِذْن على المغنا، وأنجبت من اللَّفْظ البديع بأعذب المنا، واستولت الْعين من الْخط على الْحسن الْبعيد الشط، ونتيجة مَا أودع الْبَارِي بَين مقدمتي الْبري والقط، وعظمت حسرة الْخلق، إِذْ بَقِي بَابه مسدودا، وَأصْبح سلكه من المسالك المنافذة معدودا،
وَاشْتَدَّ أَسف الضرس إِذا أَصبَحت أرْضى طواحنه عاطلة، وسحاب الدّين عَلَيْهَا غير هاطلة، ومذاهبها بَاطِلَة، ومواعيد بالمضغ ماطلة، وماضر سَيِّدي وَالله يَقِيه الضّر، ويحفظ منصبه الْحر، وبحره الَّذِي يقذف الدّرّ، أَن لَو ضَاعَت الطول، وَجمع الْفِعْل وَالْقَوْل، فَوجه من الْكَتَّان، مَا يثقل ظهر الأتان، وَمن الزَّيْت، مَا يمْلَأ ركن الْبَيْت، وَمن الدَّجَاج وَالْعَسَل المجاج، مَا يتكفل بصلاح المزاج، وَمن الأترج والليم، مَا يخل بحلم الْحَلِيم، فجانب الْوَرع عَن هَدِيَّة سَيِّدي، لَا يضيق، فَهُوَ الرفيق الشَّقِيق، وَالْعدْل الَّذِي وضح من فَضله الطَّرِيق. وَأما أَن لَا يكون حَظّ وليه إِلَّا نقر لَا تدفع فقرا، وألفاظ لَا تذْهب وقرا، وحلة يجوع من حل بهَا ويعري، وبحر لَا يجد الغائص لَهُ قعرا، فَأمر يُنكر على المجادة التميمية، والمثابة الْحكمِيَّة، مَعَ أَن الإقليم، لم تزل ترفد هَذِه الخطة كلما وصلت وَتصْلح صلَاتهَا إِذا سهت، وَلَا مرفقتها مَا أمرت وَلَا نهدت، وَلَا أكلت مَا اشتهت، فَليُرَاجع سَيِّدي عَادَة الْكَرم، وَلَا يحْسب الشَّحْم فِي الورم، وَالله يطلع من تلقائه على الأدقة، الَّتِي تضيق عَن أحمالها عراض الْأَزِقَّة، والعسول المتكفلة بالسول، وَالزَّبِيب الَّذِي يسر قلب الحبيب، والأجبان الَّتِي تشجع قلب الجبان، والجدبان الَّتِي تردي بالْخبر عَن العيان، وَالْبيض الَّذِي تشهد بالفيض، وَالزَّيْت الَّذِي يخلف حَيَاة الْمَيِّت، وَالله يبقي سَيِّدي للقضاة زيتا، وَفِي الْعلمَاء عينا، ويفضي بجودك على الدَّهْر، الَّذِي سمح بجوده دينا، وَالسَّلَام عَلَيْهِ مَا استمح جواد، وأطرف بالفكاهة فؤاد، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مخاطبته أَيْضا إِذْ هُوَ الْيَوْم فَارس الميدان، وَصدر هَذَا الشَّأْن
(يَا قَاضِي الْعدْل الَّذِي لم تزل
…
تمتاز شهب الْفضل من شمسك)
(قعدت للإنصاف بَين الورى
…
فاطلب لنا بالإنصاف من نَفسك)
مَا للْقَاضِي أبقاه الله، ضَاقَ ذرع عدله الرحب عَن الصحب، وصم عَن العتب، وضن على صديقه حَتَّى بالكتب، ابْن الْمُدَوَّنَة الْكُبْرَى ارْتكب هَذَا التَّخْرِيج، أم من المبسوطة ذهب إِلَى هَذَا الْأَمر المريج. أم من الْوَاضِحَة امْتنع عَن الْإِلْمَام بِرَفْع الوفا والتعريج. وَمن أمثالهم إِذا ولى أَخُوك فاقنع بعشروده، وَقد قنعنا نَحن وَالْحَمْد لله بِحَبَّة من مده، وإيثارة من دَرَجه وبده، وَسَاعَة معتدلة من زمَان بُلُوغ اشده، فَمَا باله يمطل مَعَ الْغِنَا، ويحوج إِلَى العنا مَعَ قرب الجنا، المرحلة مرحلة طالع وخامع، ومطمع طامع، ومرأى رَاء وَسمع سامع، والكنف، وَاسع وَالْمَكَان لاناء وَلَا شاسع، والضرع حافل، والذرع كَاف كافل، والقريحة وارية الزند، والإمامة خافقة البند، وهب الْبُخْل يَقع بِمَا فِي الخوان على الإخوان، فَمَا باله يَقع بالبنان، أعيذ سَيِّدي من ارْتِكَاب رَأْي ذميم، يُؤَيّد بَيت القطافي تَمِيم، ويعضد مَعْنَاهُ بتشميم، وهلا تَلا حَامِيم، وعهدي بالسيادة القاضوية، قد نَامَتْ فِي مهاد الترف، نوم أهل الْكَهْف، وَلم تبل بمدد الويل واللهف، أَو شربت لحفظ الصِّحَّة بختجا، ودقت لإعادة الشبيبة عفصا ورد وردسختجا، وغطت على الصُّبْح بِاللَّيْلِ إِذا سجا، ومدت على ضاحي الْبيَاض ظلا سجسجا، وَردت سوسن الْعَارِض بنفسجا، وَلبس بحرها الزاخر ثوبا من طحلب الْبر منشجا، وَأحكم الْعِمَامَة، وصديق الْمَرْأَة ينصح ويرشد، وَينظر فِي المحاسن وينشد، حَتَّى حسنت الدارة، وَصحت الاستدارة، وَأَعْجَبهُ الْوَجْه الْجَمِيل، وَالْقد الَّذِي يمِيل [فِي دكة الدَّار ويميل، فاعرى السِّوَاك التتميم والتكميل ووشج بَين شفري سَيِّدي الْميل] وَقيل لوضاح الْيمن خَابَ فِيك التأميل، وامتد جنَاح برنس الشرق، واحتفل الْغُصْن الرطيب فِي ناضر الْوَرق، ورش الْورْد
مَاؤُهُ عَن رشح الْعرق، وتهيأ للمنطلق، وقرأت عَلَيْهِ نسَاء أعوانه، وكتبة ديوانه سُورَة العلق، من بعد مَا أوقف الأملين الْحجاب على أَقْدَامهم، وكفهم الخذلان عَن أَقْدَامهم، فمثلوا وَاصْطَفُّوا، وتألفوا والتفوا، [وداروا وحفوا] وَمَا تسللوا وَلَا خفوا، كَأَنَّمَا أسمعتهم صَيْحَة النشر، أَو خَرجُوا الأول الْحَشْر، فعيونهم بملتقى المصراع معقودة، وأذهانهم لمَكَان الهيبة، وحفالاتهم قبل الطّلب بهَا منقودة، فعندما فرش الوساد، وارتفع بالنفاق الكساد، وذاع الكبا، وتارج الجساد، واستقام الْكَوْن وارتفع الْفساد. وأرجعت أرداجها الأجساد، جَاءَت السِّيَادَة فَجَلَست وتنعمت الأحداق بِالنّظرِ الَّذِي اختلست، وسمحت الأكف حَتَّى أفلست، وزانت الشَّمْس ذَلِك الْفلك وجلت الْأَنْوَار الحلك، فتحت الْأَبْوَاب، وَقَالَت هيت لَك، ووقفت الْأَعْيَان سماطين، ومثلوا خُفَّيْنِ. وتشكلوا مجرة تَنْتَهِي إِلَى البطين، يعلنون بالتفدية ويجهرون، لَا يعصون الله مَا أَمرهم، ويفعلون مَا يؤمرون، من كل شهب ثاقب، وطايف غَاسِق واقب، وملاحظ مراقب، كميش الْإِزَار، بعيد المزار، حَامِل للأوزار، خصيم مُبين، ووارث سوفسطها عَن رنين، مطلع بِفقه البير وحريمها، فضلا عَن تلقين الْخُصُوم وَتَعْلِيمهَا، أسْهم العريف المقرب، والمقدم المدرب، والمشافه الْمُبَاشر، والنابح الكاشر، والمنهج الْعَاشِر، الَّذِي يَقْتَضِي خلاص العقد، وَيقطع فِي الكاي والنقد، ويزكى ويجرح ويمسك الْمُثبت أَو يطْرَح، ويجمل ويشرح، والمسيطر الَّذِي بِيَدِهِ ميزَان الْوَرق، وَجمع الْأجر المفترق، وكفه قَابِلَة رحم الدواة الفاغرة، ورشا بلالة الصُّدُور الواغرة، فَإِذا وقف الخصمان بأقصى مطرح الشعاع، وأفأى مجمع الرعاع، واعلنا الندا، وَطلب الأعدا، وصاحا جعل الله أَنْفُسنَا لَك الفدا، وَرفع الْأَمر، إِلَى مقطع الْحق، وَالْأولَى بالمثابة الأحق، أخذتهما الْأَيْدِي دفعا
فِي القفى، ورفعا لستر اللطف الْخَفي، وإمساكا بِالْحجرِ والأكمام، ومنعا للمباشرة والإلمام واستنطاقا عِنْد الْأَخْذ بالْكلَام، وإسكاتا عِنْد صريف الأقلام فَإِذا أدلى بحجته من أدلى، وسعهما دينه عدلا، وَحقّ القَوْل، وَاسْتقر الهول، وَوَجَبَت الْيَمين أَو الْأَدَاء الَّذِي يفوت لَهُ الذخر الثمين أَو الرَّهْن أَو الضمين، أَو الاعتقال، الَّذِي هُوَ على أَحدهمَا الْأمين، نهش الصل، الَّذِي سليمه لايبل ولسبت العقارب الَّذِي لَا يفلتها الهارب، وَلَا تنجى مِنْهَا المسارب. وَكم تَحت الظلام من غرارة يحملهَا غر، وحرة ريح فِيهَا صر، وسهد فِي انْتِظَار قلَّة شهد، وكبش يجر تَارَة بروقيه، وَيدْفَع بعد رفع سَاقيه، ومعزى وجدي وقلايد هدى، وسرب دَجَاج ذَوَات لجاج، يقضحن الطارق، ويشيعن المفارق، فَمَتَى يستفيق سَيِّدي مَعَ هَذَا اللَّغط، العايد بالصلة، واللهى الْمُتَّصِلَة. أَو تتفرع يَده الْبَيْضَاء لأعمال ارتياض، وَخط سَواد فِي بَيَاض، أَو حنين لدوح أَو رياض، أَو إمتاع طرف، باكتئاب حرف أَو إِعْمَال عدل لرَسُول فِي صرف، أَو حَشْو طرب يتحفه ظرف، شَأْنه أَشد استغراقا، وميوله أَكثر طراقا، من ذكر حبيب ومنزل، وَأم معزل، وَكَيف يستخدم الْقَلَم الَّذِي يصارف مَاء الحبر يذوب التبر فِي ترهات عدم جناها، وأقطع جَانب الخيبة لَفظهَا وَمَعْنَاهَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تحصل النَّفس على كِفَايَة تختم لَهَا الصرر، وتشام من خلالها للجين الْغرَر، أَو تحن النَّفس إِلَى الفكاهة والأنس، وَينْفق لَدَيْهَا ذمام الْإِبْقَاء على الْجِنْس، فَرُبمَا تقع المخاطبة المنزورة، وتبيح هَذَا المرتكب الصعب للضَّرُورَة، والمرغوب من سَيِّدي القَاضِي أَن يذكر بؤسنا بالإغفال عِنْد نعيمه، وَلَا يخيب آمالنا الْمُتَعَلّقَة بأذيال زعيمه ويسهمنا حظا من فوايد حَظه، لَا من فوايد خطته، وَيجْعَل لنا كفلا من فضل بريته وفطنته، لَا من فضل بعره وقطته، فقد غنينا عَن الحلاوات،
بحلاوة لَفظه، وَعَن الطّرف الْمَجْمُوعَة، بفنون حفظه، وَعَن قصب السكر، بقصب أقلامه، وَعَن جنى الدوم بداومه، وبهديه عَن جديه، وبمحاجته عَن دجاجته، وَبدر لجه عَن أترجه، وَعَن الْبر ببره، وَعَن الْحبّ بحبه، وَلَا نأمل إِلَّا طُلُوع بطاقته، وَقد رَضِينَا بِجهْد طاقته، وَإِلَّا فَلَا بُد أَن نحشد جَيش الْكَلَام إِلَى عَتبه، ونوالي الكتايب، حَتَّى يَتَّقِي بضريبة كتبه. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي سَبِيل الدعابة فِيمَن تزوج قَيْنَته
كتبت أغبطك، أعزّك الله، بتسويغ اللَّذَّات، وتسنى طيب الْحَيَاة، ولباس خلع الخلاعة، وَلَو قَامَت السَّاعَة، فَإِنَّمَا الْإِنْسَان بيومه لَا بقَوْمه، وبوقته لَا بالمبالات بمقته، وأدعو الله أَن يجزك أجرتك، ويتقبل هجرتك، ويؤمن من الشُّرُوط حجرتك، ويعطف على محلك قُلُوب الفتيان، وَيَدْعُو بهم للإتيان، وَيقطع بشهرة قينتك حظوظ القيان، ويسلبك الْغيرَة الَّتِي تفْسد الْعشْرَة، وَتكشف القشرة، وَكَأَنِّي بك أعزّك الله، وَقد ظهر بِوَجْهِك سعفة النَّبِيذ، وتفطر لَهَا وَجهك تفطر الجدي الحنيذ، وأصابت أسنانك الْحَضَر، وريحك البخر، وعينك السّتْر، وشعرك الحزاز، ويدك الكزاز، وأصبحت مخمورا، مَنْهِيّا عَن عِيَالك مَأْمُورا، وَقد أغلقت عمامتك بسروالك، وسدلت القشرة الْبَيْضَاء على أسمالك، وَقَعَدت بركَة بابك، تتلقف العيادة، وتعترض السِّيَادَة، وَتعين للْوَقْت الزِّيَادَة، فَإِذا اقتضيت النَّقْد من الخرج، ودللت الفحول على المرج، وخطبت لمشاهدة الرقص والدرج، نهضت لشرامون فحولك، وَمَا يتكل بسولك، من طرواة تصقل الْعشْرَة وتنقيها، ولخلخلة يستر رَائِحَة الْإِبِط وتخفيها، وسنون يطيب الْفَم، ويوافق الشم، وضماد يشد الثدي إِذا ذبل، وبرزجة تمنع الْحمل، وحشوت جيبك أوتارا، وأعددت دستانا ثَانِيًا وَحِمَارًا، وشاركت على الْمُرَابَحَة خمارا،
وَبسطت نطع الْقعُود، واعددت لإيداع الْفتُوح غشا الْعود، وترددت إِلَى الْبَاب، توقعا لإخلاف الوعود، فأقسم عَلَيْك يَا سَيِّدي أَن لَا تغفلنا من بالك، وَلَا تنسنا من حرامك الْمُصحف [أَو حلالك، وأسهمنا] فِي فضل تجارتك. وعيى جعالتك وإجارتك، وَاضْرِبْ لنا بِخَط عِنْد قسم مَا فِي طنجارتك. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة بعض الْأَطِبَّاء بِمَا يظْهر من الْغَرَض
أبثك يَا أحب الأحباء، أطرف الأنباء، من حَدِيث الْأَطِبَّاء، وَذَلِكَ أَن لي أَيَّامًا ثَلَاثَة، أعاني مَا أعاني، من الْأَلَم الَّذِي شريني وأرتعاني، فَأَما قوتي فواهية، فِي دَرَجَات الضعْف متناهية، وَأما أفكاري فمتبلدة متناهية، وَأما آلام الْفُؤَاد فَمَا أدريك مَاهِيَّة، فَإِذا دخل الْقَوْم حيو وقعدوا، وصوبوا فِي الهذر وصعدوا، وَرُبمَا امتدوا طوع تعديهم، إِلَى تنَاول الرّقاع والكراريس بِأَيْدِيهِم، يدرسون أسطارها سرا، ويكفون، ويكبون عَلَيْهَا إكبابا مستمرا، فَإِذا ملوا نهضوا على جادة أُخْرَى واستقلوا، فأفاضوا فِي التَّوْرَاة وَالزَّبُور، والتلمود والعبور، وَغير ذَلِك من فُصُول الْأُمُور. وَلَقَد أتحامل الخلا، والضعف ظَاهر الاستيلا، ومجالس السهل مترادفة الولا، فيذهلون عَمَّا ألاقيه من العفا، إِلَى أَن ينتصف الْيَوْم، وبريبهم التثاؤب وَالنَّوْم، فَحِينَئِذٍ يَتَحَرَّك الْقَوْم، وَوَاللَّه مَا أعملوا فِي العلاج قولا، وَلَا نظرُوا خرا وَلَا بولا، وَلَا قعدوا وَلَا شعروا هَل أَنا مَرِيض أم لَا، وَمَا ضرّ لَو أَشَارَ مِنْهُم المشير بعلاج، أَو أخذُوا للمذاكرة فِي نتاج، حَتَّى يقيموا رسم الصِّنَاعَة، ويأنفوا لَهَا من طَرِيق الإضاعة، أَو يعدلُوا هَوَاء،
أَو يبدلوا سَبِيلا سَوَاء، أَو يجلب أحدهم من الخزانة السُّلْطَانِيَّة دَوَاء. إِنَّمَا هِيَ عَادَة الْأَيَّام، وَعدم الاهتمام، وتعدي طرق الْكِرَام. فَإِذا وَقعت الهفوة، عتبوا وشافهوا [وَكَتَبُوا] كَأَنِّي لست مَوْضُوعا إِلَّا لشكوى دهر. وتعزير صَخْر أَو تمر أَو بكاء هم، أَو السباحة للفضول فِي يم، وَإِن قَالُوا قدرك سنىء. وَأَنت عَن نَظرنَا غنى، فَأَنا عَن الزِّيَارَة مني إِلَى العلاج وَعَن الْأَصَالَة الخارقة للسياج مني لصلاح المزاج، قدرت لَك عُذْري لتقوم فِيهِ بحجتي، وإيضاح محجتي، لَا زلت متحليا من الْإِنْصَاف، بأجمل الْأَوْصَاف، وَالسَّلَام المتعاهد بالألطاف، والرحمات الدانيات القطاف يخصك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة ابْن جبور الْوَالِي بمكناسة فِي بعض الْأَغْرَاض
شاع، أعزّك الله، على أَلْسِنَة أَصْحَابك مِمَّن عرف نبله وعقله، وَصَحَّ فِي الْأَخْبَار نَقله، أَنَّك جواد الْوَقْت، الآمن المقت، وَأَنَّك مجلى التخت، ومفيد البخت، ومأوى الضَّيْف، فِي الشتَاء والصيف، وَأَنا مَا علمت ضيف الْكِرَام حَيْثُ حللت، ونزيل الأجواد مَتى نزلت، أرحل عَنْهُم، وَالثيَاب تضيق بهَا الْعباب، والجياد يجنبها القياد، والصرر قد أشرقت مِنْهَا الْغرَر، حرصا على ثَنَاء يخلد، وَمعنى يُقَلّد، ودولة تجلى بالمكارم [ومروة تحل عَلَيْهَا] ضرب المغارم، فَبت بجوارك لَيْلَتَيْنِ، أكلت فيهمَا من زادي، وشربت من مَاء الْوَادي، وَجعلت الأَرْض مهادي، وَطَالَ لأجل البراغيث سهادي. وَلَقَد سَأَلَني الْوَزير أبقاه الله عَن طريقي، ورفيقي وفريقي، وأجملت الْمُفَسّر، وألممت من الْكَذِب بِمَا تيَسّر، وَقلت علم استدعاؤك إيَّايَ، واستقدامي من مثواي، فسائر النَّاس بجملتهم هواي، وأماني الإياب، بعد أَن بدأت الْبَيْت، وأوليت مَا أوليت، فَالْأَمْر أكبر،
وَالْخَبَر لَا يَفِي بِهِ الْخَبَر، فخاطبتك، أعزّك الله، مُخَاطبَة من يغار على شهرة جودك، وَالْحكم لَك بالثنا قبل وجودك. فإمَّا أَن يَقع الصُّلْح على ضريبة قريبَة، ويرتفع عَن وَجه المجادة نقاب الرِّيبَة أَو يكذب النَّقْل، وَيكون قرى ضيفك، المَاء. والبقل، اللَّهُمَّ [إِلَّا] أَن يكون قبولك خَاصّا بِمن راق خَدّه، وَحسن قده، وتبلبلت نظرته، وأخجلت البدو غرته، فحظنا لديك الخيبة، وَلَو قصدناك من قلَّة وطيبة وموصله يُقرر الْمطلب، وَيجْبر مِنْك البارق والخلب، وَالْقَصْد الْمُشَاركَة فِيمَا أَمر بِشِرَائِهِ، ومحاولة نَقله، بِمَا يستخف من كرايه، وَأَنا أرتقب وُصُوله، وأنتظر حُصُوله، وعَلى كل حَال، فشكري لشكر الْخلق فِيك تبع، وَإِن لم يَقع فِي جوارك ري وَلَا شبع، وثنائي جميل، وَإِن لم يقْض من برك نأميل، وَمَا أَلممْت بِهِ إِنَّمَا هُوَ دعابة، تخف على أهل النبل، وَمن يسْلك من التظرف أوضح السبل، وَالله يمتع بعد بلقائك، ويجلي غرر الْفضل من تلقائك. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني مِمَّا خاطبت بِهِ الْوَزير أَبَا بكر بن الْحَكِيم.
(ألام على أَخذ الْقَلِيل وَإِنَّمَا
…
أعامل أَقْوَامًا أقل من الذَّر)
(فَإِن أَنا لم آخذ مِنْهُم فقدته
…
وَلَا بُد من شَيْء يعين على الدَّهْر)
سَيِّدي: أطلق الله يدك بِمَا تملك، وفتر عَن مخنقك الْبُخْل لِئَلَّا تهْلك، كنت قد هومت، وزجرني القلق فتلومت، ونومي مَا علمت سني الْخلال، عَزِيز الْوِصَال، يمطل غَرِيمه ديني، ويعافه طيري، ورد نمر عَيْني، وَإِذا بِالْبَابِ يدق بِحجر، دقا يُنَبه عَن ضجر، وجار الْجنب يُؤْخَذ بالذنب، فَقُمْت مبادرا، وَجَزِعت، وَإِن كَانَ الْجزع مني نَادرا، واستفهمت من وَرَاء الفلق، عَن سَبَب
هَذَا القلق، واستعذت بِرَبّ الفلق، فَقَالَت امْرَأَة من سكان السوَاد، ورابطة الْفُؤَاد، يَا قوم رَسُول خير، بأيمن طير، وقرع إدلال: لَا قرع إذلال، حطو شعار الْحَرْب وَالْحَرب، وَقد ظفرتم ببلوغ الأرب، فتأخرت عَن الْإِقْدَام، وانهدت إِلَيْهِ مجن عمر ابْن أبي ربيعَة مِمَّن كَانَ بِالدَّار من الخدام، وأسفرت الوقيعة عَن سَلام وَسلم، وَلم يرزأ أحد منا بكلم. وَنظرت إِلَى رجل قرطبي الطلعة والأخلاق، جاو على الْإِطْلَاق، تنهد قبل أَن سلم، وارتمض لما ذهب من الشبيبة وتألم، شنشنة مَعْرُوفَة، وَعَن تِلْكَ الْجِهَة، معَاذ الله، مصروفة، وَقد حَملته سيادتكم من المبرة ضروبا شَتَّى، وتجاوزت فِي السراوة غَايَة حَتَّى، وَلم نذع عضوا من جسده، فضلا عَن مَنْكِبه وَيَده، إِلَّا أعلقته وعَاء ثقيلا، وناطت بِهِ زنبيلا، وصييره مضاعف الْبر، سفينة من سفن الْبر، فَأَنَاخَ كَالْجمَلِ إِذا برك، واستلقى كالكمى ترك المعترك، وعلت حوله تِلْكَ الأثقال، وتعاورها الِانْتِقَال، وَكثر بالزقاق القيل والقال. فَلَمَّا تحصلت بِالدَّار، وسترت معرتها بالجدار، وتناولها الاختبار الفاضح، وَبَان قُصُورهَا الْوَاضِح، تلاشت بعد مَا جَاشَتْ واضمحلت بعد مَا حلت، وَنظرت إِلَى قَعْب من التِّبْن المذوق، الَّذِي لَا يسْتَعْمل فِي الْبيُوت، وَلَا يُبَاع فِي السُّوق، أذكرني قَول الشَّاعِر:
(تِلْكَ المكارم لَا قعبان من لبن
…
شيبا بِمَاء فَعَاد أبعد أبوالا)
أما زبده فَرفع، وَأما زيته فانتيت بِهِ وانتفع. وَأما من أنف من بَعثه من فضلاء الخدام فَرفع، وَكَأَنِّي بِهِ قد ألح فصفع. والتفت إِلَى قفة قد خيطت، وبعنق ذَلِك البائس قد نيطت، رمس فِيهَا أفراخ من الحمائم، وقلدت بلبته، كَمَا يتقلد بالعمائم، وَشد حبلها بمخنقه، وألزم مِنْهَا فِي العاجلة طَائِره فِي عُنُقه، هَذَا بعد مَا ذبحت، وَأما حشوتها فربحت، وَلَو سلكتم الطَّرِيقَة المثلى، لحفظتم جثتها من العفن بِمَا تحظ بِهِ جثث الْقَتْلَى، وأظنكم لم تغفلوا هَذَا الْغَرَض،
وَلَا أهملتم هَذَا المهم الَّذِي عرض، فَإِنِّي رميت مِنْهَا للبر رمى المختبر، فكلح من مرَارَة الصَّبْر، وَلما أخرجتها من كفن القفة، واستدعيت لمواراتها من حضر من الْأَصْحَاب أهل الصّفة، تمثلت تمثل لَبِيب بقول حبيب:
(هن الْحمام فَإِن كسرت عناقه
…
من حايهين فَإِنَّهُنَّ حمام)
وَلَوْلَا أَن أحد الدجاجتين لاحت عَلَيْهَا مخيلة سرو، وَكَانَت من بقايا ديوك مرو، بعث بهَا جلالك جَلَاله، وَأهْدى مِنْهَا لفساد مزاجي آله، لم يكن فِي الْهَدِيَّة مَا يذكر، ولكانت مِمَّا يُنكر، وَأَسْتَغْفِر الله، فَلَو لم تكن التُّحْفَة إِلَّا تِلْكَ الأكولة العاطرة، والغمامة الماطرة، حَتَّى أحسبت الأمل الْأَقْصَى، وتجاوزت المنن الَّتِي لَا تحصى، للَزِمَ الشُّكْر وَوَجَب، وبرز من حر الْمَدْح مَا تيَسّر واحتجب، والمكارم وَإِن تَغَيَّرت أنسابها، وَادّعى إرثها واكتسابها. إِلَيْكُم تُشِير أيديها، ولفئتكم تميل بهواديها، وبساحتكم يسيل واديها، وعَلى أَرْضكُم تسح غواديها، ومثلى أعزكم الله لَا يفض من قدر تحفكم الحافلة، وَلَا يقْعد من شكرها عَن فَرِيضَة وَلَا نَافِلَة، وَلكنهَا دعابة مُعْتَادَة، وفكاهة أصدرتها وداده، وَلَا أَشك أَنكُمْ بِمَا جبلتم عَلَيْهِ من محبتي قَدِيما وحديثا، وأثاري الَّذِي صيرتموه سمرا وحديثا، تهدرون جفاي فِي جنب وفائي وتغضون، وتتجلون، وَبقول الشَّاعِر تتمثلون
(وأسمع من أَلْفَاظه اللُّغَة الَّتِي
…
يلذ بهَا سَمْعِي وَإِن ضمنت شتمي)
وَهِي طَوِيلَة
وَمن ذَلِك مَا صدر عني مِمَّا خاطبت بهَا أَبَا عبد الله الْيَتِيم بِمَا نَصه
يَا سَيِّدي الَّذِي إِذا رفعت راية ثنائه، تلقيتها باليدين، وَإِذا قسمت سِهَام وداده، على ذَوي اعْتِقَاده، كنت صَاحب الْفَرِيضَة وَالدّين، وَأم بقاؤك، لطرفة
تبديها، وغريبة تردفها بِأُخْرَى تَلِيهَا، وعقيلة بَان تجتليها، وَنَفس أَخذ الْحزن بكظمها، وكلف الدَّهْر بِشَتٍّ نظمها، تونسها وتسليها، لم أزل أعزّك الله، أَشد على بدائعك يَد الضنين، وأقتني دُرَر كلامك، ونفثات أقلامك، اقتناء الدّرّ الثمين، وَالْأَيَّام بلقاك تعد، وَلَا تسعد. وَفِي هَذِه الْأَيَّام انثالت على سماؤك بعد قحط، وتوالت لَدَى آلاؤك على شحط، وزارتني من [عقائل بنانك] ، كل فاتنة الطّرف، عاطرة الْعرف [رافلة فِي حلل الْبَيَان والطرف] لَو ضربت بيوتها بالحجاز، لأقرت لَهَا الْعَرَب العاربة بالإعجاز، ماشيت من رصف المبنى، ومطاوعة اللَّفْظ الْمَعْنى، وَطيب الأسلوب، والتشبث بالقلوب، غير أَن سَيِّدي أفرط فِي التنزل، وخلط المخاطبة بالتغزل، وراجع الِالْتِفَات، ورام اسْتِدْرَاك مَا فَاتَ، يرحم الله شَاعِر المعرة، فَلَقَد أَجَاد فِي قَوْله، وَأنكر مُنَاجَاة الشوق بعد انصرام حوله، فَقَالَ:
(أبعد حول تناجى النَّفس نَاجِية
…
هلا وَنحن على عشر من الْعشْر)
وَقد تجاوزت فِي الأمد، وأنسيت أَخْبَار صَاحبك عبد الصَّمد، فأقسم بألفات القدود، وهمزات الجفون السود، وحاملي الْأَرْوَاح مَعَ الألواح، بِالْغُدُوِّ والرواح، لَوْلَا بعد مزارك، مَا أمنت غائلة مَا تَحت إزارك، ثمَّ إِنِّي حققت الْغَرَض، وبحثت عَن الْمُشكل الَّذِي عرض، فَقلت للخواطر انْتِقَال، وَلكُل مقَام مقَال، وتختلف الْحَوَائِج باخْتلَاف الْأَوْقَات، ثمَّ رفع اللّبْس خبر الثِّقَات، وَمِنْهَا: وتعرفت مَا كَانَ من مُرَاجعَة سَيِّدي لحرفة التكتيب والتعليم والحنين إِلَى الْعَهْد الْقَدِيم، فسررت باستقامة حَاله، وَفضل مَاله، وَإِن لاحظ الملاحظ، مَا قَالَ الجاحظ، فاعتراض لَا يرد، وَقِيَاس لَا يضطرد حبذا وَالله عَيْش أهل التَّأْدِيب، فَلَا بالضنك وَلَا بالجديب، معاهدة الْإِحْسَان، ومشاهدة الصُّور الحسان. يَمِينا إِن
المعلمين لسادة الْمُسلمين، وَإِنِّي لأنظرهم كلما خطرت على الْمكَاتب، أُمَرَاء فَوق الْمَرَاتِب، من كل مسطر الدرة، متقطب الأسرة، متنمر للوارد تنمر الْهِرَّة، يَغْدُو إِلَى مكتبه، كالأمير فِي موكبه، حَتَّى إِذا اسْتَقر فِي فرشه، واستوى على عَرْشه، وترنم بِتِلَاوَة قالوته وورشه، أظهر لِلْخلقِ احتقارا، وأزرى بالجبال وقارا، وَرفعت إِلَيْهِ الْخُصُوم، ووقف بَين يَدَيْهِ الظَّالِم والمظلوم، فَتَقول كسْرَى فِي إيوانه أَو الرشيد فِي زَمَانه، أَو الْحجَّاج بَين أعوانه، فَإِذا استولى على الْبَدْر السرَار، وَتبين للشهر الْفِرَار تحرّك لِلْخُرُوجِ تحرّك القرد إِلَى الْفرج، اسْتغْفر الله مِمَّا يشق على سَيِّدي سَمَاعه، وتشمئز من ذكره طباعة، شيم اللِّسَان خلط الْإِسَاءَة بِالْإِحْسَانِ، والغفلة من صِفَات الْإِنْسَان، وَأي عَيْش كَهَذا الْعَيْش، وَكَيف حَال أَمِير هَذَا الْجَيْش، طَاعَة مَعْرُوفَة، ووجوه إِلَيْهِ مصروفة. فَإِن أَشَارَ بالإنصات، لتحقيق الغصات، فَكَأَنَّمَا طمس على الأفواه، ولاءم بَين الشفاه. وَإِن أَمر بالإفصاح، وتلاوة الألواح، علا الضجيج والعجيج، وحف بِهِ كَمَا حف بِالْبَيْتِ الحجيج، وَكم بَين ذَلِك من رشوة تدس، وغمرة لَا تحس، ووعد يستنجز وحاجة تستعجل وتجهز. هَنأ الله سَيِّدي مَا خوله، وأنساه بِطيب آخِره أَوله، وَقد بعثت بدعابتي هَذِه، مَعَ إجلال قدره، والثقة بسعة صَدره، فليتلقها بِيَمِينِهِ، ويفسح لَهَا فِي الْمجْلس بَينه وَبَين خدينه، ويفرغ لمراجعتها وقتا من أوقاته، عملا بِمُقْتَضى دينه، وَفضل يقينه، وَالسَّلَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أحد المنتحلين لصنعة الْحجامَة
يَا أَحْمد أبقاك الله لذكر تعظه. وورم تبطه، وَدم تسيله، وَرَأس سما بِهِ الْكبر تميله، حَتَّى يتَبَيَّن لديك حَال الثروة، ويجتمع بَين يَديك من الشُّعُور، مثل مَا يجْتَمع بَين الصَّفَا والمروة، مَا هَذِه الْغَيْبَة، الَّتِي أسالت من صبيتك
القوارب، وأطالت من معامليك اللمم والشوارب، وَتركت من كَانَ يحوم على دكانك، وَينْفق سلْعَته فِي مَكَانك، كأسد السُّوق، يُعِيد الْعَهْد بالفسوق. إثن من عنانك، وألن لمن خلقك قاسي جنانك وَارِث لخدود كنت حاصد نباتها، ومتفيىء جناتها فقد طَغى بهَا الآس على الْورْد، ولبست من خلعات العذار، كل محكمَة السرد، فبلطافة شمائلك، وَطيب حمائلك، أَلا مَا أخذت فِي الإياب، وأدلجت إدلاج الذياب، فقد طَال الأمد، وَعظم على حَملتك العاشقة الكمد، واستصحب مَا رسمت لَك [من الفخار] وَغَيره، وَخذ فِي الْقدوم، وحث من سيره، وَإنَّهُ سلامي من اسْتَسْقَيْت سحب خَيره، وتيمنت [لله مَادَّة] طيره، وصل الله علاءه وأجزل لَدَيْهِ آلاءه. وَالسَّلَام
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة أبي جَعْفَر بن سُلَيْمَان الْقرشِي وَقد عرض عَلَيْهِ عقد إِيجَابه
يَا مَحل الْوَلَد، هَذَا رَأْي، مَا فِيهِ وَالْحَمْد لله وَهِي، وَنظر مُعْتَبر، يرجحه كتاب وَخبر، وحسبك بهَا من صلَة رحم، وعصابة فضل تزدحم، فَإلَى أَيْن يذهب الْمُحْتَار، عَمَّا يذب إِلَيْهِ الْمُخْتَار، كتب الله لكم السعد، حَلِيف هَذَا النَّقْد، وَلَا زَالَ نَقده وكاليه آمِنين من النَّقْد، وَجعل حُصُول الأنبا بالأبناء عَن الرفاء ورفكم فِيهِ عوارف الْيمن والأمان، وَجعل حِكْمَة سعادته مِمَّا فهمها الله - والدكم سُلَيْمَان بفضله وَكَرمه.