الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة الْوَزير الْمَذْكُور وَأَنا سَاكن بسلا
(أيا عمر الْعدْل الَّذِي مطر الندا
…
بوعد الْهدى حَتَّى وفيت بِدِينِهِ)
(وَيَا صارم الْملك الَّذِي يستعده
…
لدفع عداهُ أَو لمجلس زينه)
(سنت عَيْنك اليقظى من الله عصمَة
…
كفت وَجه دين الله موقع شانه)
(وَهل أَنْت إِلَّا الْملك وَالدّين والدنا
…
وَلَا يلبس الْحق الْمُبين بمينه)
الْوَزير الَّذِي هُوَ للدّين الْوزر الواقي، وَالْعلم السَّامِي، المراقب والمراقي، والحلى الْمُقَلّد فَوق الترائب والتراقي، والكنز المؤمل والذخر الْبَاقِي، حجب الله الْعُيُون عَن كمالك، وصير الْفلك الدوار مَطِيَّة آمالك، وَجعل اتِّفَاق الْيمن مَقْرُونا بيمنك، وانتظام الشمل معقودا بشمالك. أعلم أَن مُطلق الثنا على مجدك، والمستضيء على الْبعد بِنور سعدك، والمعقود الرجا بِعُرْوَة وَعدك. لَا يزَال فِي كل سَاعَة يسحب فِيهِ ذيلها، ويعاقب يَوْمهَا وليلها، مصغى الْأذن إِلَى نبإ يهدي عَنْك الله دفاعا، أَو يمد فِي ميدان سعدك باعا، وَأَنت الْيَوْم النصير على الدَّهْر للمظلوم، وأسى الكلوم، وَذُو الْمقَام الْمَعْلُوم، فتعرفت أَن بعض مَا يتلاعب بِهِ بَين أَيدي السَّادة الخدام، وتتفكه بِهِ المناقبة والإقدام، من كرة مُرْسلَة الشهَاب، أَو نارنجة ظهر عَلَيْهَا من صبغها الالتهاب، حومت حول عَيْنك، لَا كدر صفاؤها، وَلَا عدم فَوق مهاد الدعة والأمن إغفاؤها، فرعت حول حماها، وَرَأَتْ أَن تصيب فجنب الله مرماها
(ترى السوء مِمَّا يتقى مِنْهَا بِهِ
…
وَمَا لَا نرى مِمَّا يقي الله أَكثر)
فَقلت مَكْرُوه أَخطَأ سَهْمه، وتنبيه من الله قبل عقله وفهمه، ودفاع قَامَ دَلِيله، وَسعد أشرف تليله، وَأَيَّام أعربت عَن إقبالها، وعصمة غطت بسربالها،
وجوارح جعل الله المليكة تحرسها، فَلَا تغتاله الْحَوَادِث وَلَا تفترسها، والفطن تشعر بالشَّيْء وَإِن جهلت أَسبَابه، والصوفي يسمع من الْكَوْن جَوَابه، فبادرت أهنيه تهنئة من يرى تِلْكَ الْجَوَارِح الْكَرِيمَة أعز عَلَيْهِ من جوارحه، وَيُرْسل طير الشُّكْر لله فِي مساقط اللطف الْخَفي ومسارحه، وَسَأَلته سُبْحَانَهُ أَن يجعلك عَن النوائب [حجرا] لَا يقرب، وربعك ربعا لَا يخرب، مَا سبحت الْحُوت ودبت الْعَقْرَب. ثمَّ إِنِّي شفعت الثَّنَاء ووترته، وأظهرت السرُور فَمَا سترته، بِمَا سنا الله لتدبيرك من مسالمة تكذب الإرجاف، وتغنى عَن الإيجاف، وتخصب الآمال الْعِجَاف، وتريح من كيد، وتفرع إِلَى محاولة عَمْرو وَزيد. وَكَأن بسعدك قد سدل الْأمان، وَعدل للزمان، واصلح الْفَاسِد، ونفق الكاسد، وقرع الروع المستأسد، وسر الحبيب، وساء الْحَاسِد.
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة عَامر بن مُحَمَّد
(تَقول فِي الأظعان والشوق فِي الحشى
…
لَهُ الحكم يمْضِي بَين ناه وآمر)
(إِذا جبل التَّوْحِيد أصبح قارعا
…
فخيم قرير الْعين فِي دَار عَامر)
(وزر تربة المرحوم إِن مزارها
…
هُوَ الْحَج يقْضِي نَحوه كل ضامر)
(ستلقى بمثوى عَامر بن مُحَمَّد
…
ثغور الْأَمَانِي من ثنايا البشائر)
(فَللَّه مَا تبلوه من سعد وجهة
…
وَللَّه مَا تَلقاهُ من يمن طَائِر)
(وتستعمل الْأَمْثَال فِي الدَّهْر مِنْكُمَا
…
بِخَير مزور أَو بأغبط زائر)
لم يكن همي أبقاك الله، مَعَ فرَاغ البال، وإسعاف الآمال، ومساعدة الْأَيَّام والليال، إِذْ الشمل جَمِيع، والزمن كُله ربيع، والدهر مُطِيع سميع، إِلَّا زيارتك
فِي جبلك، الَّذِي يعْصم من الطوفان، ويواصل أَمنه بَين النّوم والأجفان، وَأَن أرى الْأُفق الَّذِي طلعت مِنْهُ الْهِدَايَة، وَكَانَت إِلَيْهِ العودة وَمِنْه الْبِدَايَة، فَلَمَّا حم الْوَاقِع، وَعجز عَن خرق الدولة الأندلسية الرافع، وأصبحت ديار الأندلس وَهِي بَلَاقِع، وَحسنت من استدعائك إيَّايَ المواقع، قوي الْعَزْم وَإِن لم يكن ضَعِيفا، وَعرضت على نَفسِي السّفر فَوَجَدته خَفِيفا، والتمست الْإِذْن حَتَّى لَا نرى فِي قبْلَة السداد تحريفا، واستقبلتك بصدر مشروح، وزند للعزم مقدوح، وَالله يُحَقّق الشُّمُول، [ويسهل بمثوى الأماثل] المثول، ويهيء من قبله الْقبُول وَالسَّلَام.
وخاطبته معزيا عَن أَخِيه عبد الْعَزِيز
(أَبَا ثَابت كن فِي الشدائد ثَابتا
…
أُعِيذك أَن يلقى حسودك شامتا)
(عزاؤك عَن عبد الْعَزِيز هُوَ الَّذِي
…
يَلِيق بعز مِنْك أعجز ناعتا)
(فدوحتك الْغِنَا طَالَتْ ذوابها
…
وسرحتك الشما طابت منابتا)
(لقد هد أَرْكَان الْوُجُود مصابه
…
وأنطق منا الشجو مَا كَانَ صامتا)
(فَمن نفس حرى أوثق الْحزن كظمها
…
وَمن نفس بالوجد أصبح خافتا)
(هُوَ الْمَوْت بالإنسان فصل لحده
…
وَكَيف نرجى أَن نصاحب فائتا)
اتَّصل بِي أَيهَا الْهمام، وَبدر الْمجد الَّذِي لَا يُفَارِقهُ التَّمام، مَا جنته على عليائكم الْأَيَّام، وَمَا اسْتَأْثر بِهِ الْحمام، فَلم تغن الذمام، من وَفَاة صنوك الْكَرِيم الصِّفَات، وهلاله وسطى الأسلاك، وَبدر الأحلاك، ومحير الْأَمْلَاك، وَذَهَاب السَّمْح الْوَهَّاب. وَأَنا لديغ صل الْفِرَاق، الَّذِي لَا يفِيق بِأَلف راق، وجريح سهم الْبَين ومحارب [سهم الْعُيُون] الْجَارِيَة بدمع الْعين، نقصد أنيس سد على مضض النكبة،
ونحى لَيْث الْخطب من فريستي بعد صدق الوثبة، وانسنى فِي الاغتراب وصحبي إِلَى مُنْقَطع التُّرَاب، وكفل أصاغري خير الْكفَالَة، وعاملني من حسن الْعشْرَة بِمَا سجل عقد الْوكَالَة. انتزعه الدَّهْر من يَدي حَيْثُ لَا أهل وَلَا وَطن، والاغتراب قد ألْقى بِعَطَن، وَذَات الْيَد يعلم حَالهَا، من يعلم مَا ظهر وَمَا بطن، وَرَأَيْت من تطارح الأصاغر على شلو الْغَرِيب النازح عَن النسيب والقريب، مَا حَملَنِي على أَن جعلت الْبَيْت لَهُ ضريحا، ومدفنا صَرِيحًا، لأخدع من يرى أَنه لم يزل مُقيما لَدَيْهِ، وَإِن ظلّ شفقته مسجيا عَلَيْهِ، ناعيا مصابي عِنْد ذَلِك السَّرْح، وَأعظم الظمأ البرح، ونكأ الْقرح، إِذْ كَانَ ركنا قد بنته لي يَد معرفتك، ومتصفا فِي الْبر والرعى لصاغيتي بكريم صِفَتك فوالهفي عَلَيْهِ من حسام وغر سَام، وأيادي جسام، وشهرة بَين بني حام وسام، إِلَى جمال خلق، وَوجه للقاصد طلق، وشيم تطمح للمعالي بِحَق، وَأي عضد لَك يَا سَيِّدي الْأَعْلَى لَا يهين إِذا سَطَا، وَلَا يقهر إِذا خطا، يُوجب لَك على تجليه بالتنبيه، مَا توجبه النُّبُوَّة من الهيبة، وَيرد ضيفك آمنا من الخيبة، ويسد ثغرك عِنْد الْغَيْبَة. وكما قَالَ عليه السلام للْأَنْصَار، أَنْتُم الكرس والعيبة. ذهبت إِلَى الْجذع، فَرَأَيْت مصابه أكبر، ودعوت بِالصبرِ فولى وَأدبر، واستنجدت الدمع فنضب، واستصرخت الرَّجَاء فَأنْكر مَا روى وانتضب. وَبِأَيِّ حزن يلقى فقد عبد الْعَزِيز، وَقد جلّ فَقده، أَو يطفى لاعجه وَقد عظم وقده اللَّهُمَّ لَو بَكَى بندى أياديه، أَو بغمام عواديه، أَبُو بعباب واديه. وَهِي الْأَيَّام أَي شامخ لم تهده، أوجديد لم تبله، وَإِن طَالَتْ الْمدَّة. فرقت بَين التيجان والمفارق، والخدود والنمارق، والطلا وَالْقعُود، والكاس وَابْنه العنقود، والتعلل بالفان، وَإِنَّمَا هِيَ إغْفَاءَة أجفان، والتشبث
بالحائل، وَإِنَّمَا هُوَ ظلّ زائل، وَالصَّبْر على المصائب، وَوُقُوع سهمها الصائب، أولى مَا اعْتمد طلابا، وَرجع إِلَيْهِ طَوْعًا أَو غلابا. وَأَنا يَا سَيِّدي أقيم التَّعْزِيَة، وَإِن بوت بالمضاعف المرزية، وَلَا عتب على الْقدر فِي الْورْد من الصَّدْر، وَلَوْلَا أَن هَذَا الْوَاقِع مِمَّا لَا يجدي فِيهِ الخلصان، وَلَا يُغني فِيهِ الراع مَعَ الحرصان، لَا بل جهده من أقرضتموه مَعْرُوفا، أَو كَانَ بالتشيع إِلَى تِلْكَ الهضبة مَعْرُوفا، لَكِنَّهَا سوق، لَا تتفق فِيهَا إِلَّا سلْعَة التَّسْلِيم للحكيم الْعَلِيم، وطى الجوانح على المضض الْأَلِيم. ولعمري لقد خلد لهَذَا الفقيد، وَإِن طمس الْحمام محاسنه الوضاحة لما لبس مِنْهُ الساحة. صحفا منشرة، وثغورا بِالْحَمْد مُؤثرَة، يفخر بهَا بنوه، ويستلكثر بهَا مكتتبو الْحَمد ومقتنوه، وانتم عماد الفازة، وَعلم الْمَفَازَة، وقطب الْمدَار، وعامر الدَّار، وَأسد الأجمة، وَبَطل الكتيبة الملجمة، وكافل الْبَيْت، والستر على الْحَيّ وَالْمَيِّت، وَمثلك لَا يهدي إِلَى لجج لاحب، وَلَا ترشد أنواره بَنو الحباحب، وَلَا يُنَبه على سنَن بني كريم أَو صَاحب، قدرك أَعلَى، وفضلك أجلى، وَأَنت صدر الزَّمَان بِلَا مدافع، وَخير معد لأعلام الْفضل رَافع. وَأَنا وَإِن اخْتَرْت غَرَض العزا، لما خصني من الْمُصَاب، ونالتني من الأوصاب، وَنزل بِي من جور الزَّمَان الغصاب، مِمَّن يقبل عذره الْكَرم، ويسعه الْحرم الْمُحْتَرَم. وَالله سُبْحَانَهُ الْكَفِيل لسيدي وعمادي ببقا يكفل بِهِ الْأَبْنَاء ويعلى لِقَوْمِهِ رتب الْعِزّ سامية الْبَنَّا، حَتَّى لَا يوحش مَكَان فقيد مَعَ وجوده، وَلَا يحس بعض زمَان مَعَ جوده، ويقر عينه فِي وَلَده وَولد وَلَده، وَيجْعَل أَيدي مناوية تَحت يَده وَالسَّلَام.
وخاطبته أَيْضا سَيِّدي الَّذِي هُوَ رجل الْمغرب كُله، وَالْمجْمَع على فَضله وطهارة بَيته، وزكا أَصله، علم أهل الْمجد وَالدّين، وَبَقِيَّة كبار الْمُوَحِّدين. بعد السَّلَام على تِلْكَ الْجَلالَة الراسخة الْقَوَاعِد، السامية المصاعد، والدعا لله أَن يفتح لَك فِي مضيقات
هَذِه الْأَحْوَال مسالك التَّوْفِيق، ويعلقك فِي عصمته بِالسَّبَبِ الوثيق. أعرفك أَن جبلك الْيَوْم، وَقد عظم الرجفان، وفار التَّنور، وطغى الطوفان، تومل النُّفُوس الغرقى جودى جوده، وترجو التَّمَسُّك بالموجود مَعَ وجوده. وَالله العلق الَّتِي يجب لَهَا الِالْتِزَام. مَا وَقع على غير قصدك الاعتزام، وَالله يمدك بإعانته على تحمل القصاد، وَيبقى مجدك رفيع الْعِمَاد، كثير الرماد، وَجعل أَبَا يحيى خلفا مِنْك بعد عمر النِّهَايَة، الْبعيد الآماد، وَيبقى كلمة التَّوْحِيد بَاقِيَة فِيكُم إِلَى يَوْم التناد، وحامله الْقَائِد الكذا، بَيته مَعْرُوف النباهة وَالْجهَاد، وَمحله لَا يُنكر فِي القواد، لما اشتبهت السبل، والتبس القَوْل وَالْعَمَل، لم أجد أنجى من الركون إِلَى جنابك، والانتظام فِي سلك خواصك وأحبابك، حَتَّى ينبلج الصُّبْح وَيظْهر النجح، وَيكون بعد هجرته الْفَتْح. ومثلكم من قصد وأمل، وانضى الله المطى وأعمل. وَأما الَّذِي عِنْدِي من الْقيام بِحَق تِلْكَ الذَّات الشَّرِيفَة، وَالْقَوْل بمناقبها المنيفة، فَهُوَ شَيْء لَا تفي بِهِ الْعبارَة، وَلَا تُؤَدِّيه الْأَلْفَاظ المستعارة. وَالسَّلَام.
وخاطبت شيخ الدولة يحيى بن رحو بِقَوْلِي:
سَيِّدي الَّذِي لَهُ المزية الْعُظْمَى، وَالْمحل الأسمى، شيخ قبيل بني مرين، وقطب مدَار الْأَحْرَار على الْإِجْمَال وَالتَّعْيِين، والمتميز بالدهاء والوجاهة، والمعرفة الفسيحة الساحة، وَالصَّدَََقَة الْمُبَاحَة، وشروط الصُّوفِيَّة من ترك الْأَذَى وَوُجُود الرَّاحَة، أسلم على ذاتك الطاهرة الَّتِي بخلت الْأَزْمَان وَللَّه أَن يَأْتِي بنظيرها، وتنافست الدول فِي تكبيرها، وسارت الْكَوَاكِب الملكية بمسيرها، وأثنت الألسن بفضلها وَخَيرهَا، وأقرر لَدَيْهَا أنني أَعدَدْت من مَعْرفَتهَا بالأندلس كنزا، لم أنْفق مِنْهُ إِلَى الْيَوْم وزنا إعدادا لَهُ وحزنا، إِذْ لَا يخرج العتاد الْكَبِير، إِلَّا عَن حَاجَة وفاقة،
وَلَا ترد الْيَد إِلَى الذَّخِيرَة إِلَّا فِي إِضَافَة وَعجز طَاقَة. وَمَا كَانَت الوصلة بِمثلِهِ ليهملها مثلى جهلا بِقِيمَتِهَا الْعَالِيَة وازدراء بجهتها الكافية. لَكِن نابت عَن يَدهَا أيد، وأعفا عَن ابتذالها مَا كَيفَ الله من عَمْرو وَزيد، والآن أَنى قد كَادَت حَاجَتي إِلَى ذَلِك القتاد [أَن تتمخض، وزبدته أَن تمحض، إِذْ هُوَ حظى من رعى ذَلِك الْقَبِيل] الَّذِي قصرت عَلَيْهِ رياسته، والوزير الَّذِي من رَأْيه تستمد سياسته، وَإِذا وَفد خاصته أهل هَذِه الْمَدِينَة مهنين، وبشكر الإيالة الْكَرِيمَة مثنين، فجهته ظلى الظليل، ومشاركته معتمدي فِي الْكثير، فَكيف لَا وَالْغَرَض إِلَّا فِي الْقَلِيل. وَعِنْدِي أَن رعيه لمثلى لَا يفْتَقر إِلَى وَسِيلَة تجلب، وَلَا ذمام يحْسب، فَمثله من قدر قدر الهنا، وسد أَعْلَام الْحَمد سامية الْبَنَّا، وَعلم أَن الدُّنْيَا على الله أَحْقَر الْأَشْيَاء وَقد رفعت أَمْرِي، بعد الله، إِلَى رَأْيك، وغنيت عَن سعي لنَفسك بجميل سعيك. وَالسَّلَام.
وخاطبت الشَّيْخ أَبَا الْحسن بن بدر الدّين رحمه الله
(يَا جملَة الْفضل والوفا
…
مَا بمعاليك من خفا)
(عِنْدِي فِي الود فِيك عقد
صَححهُ الدَّهْر بكتفا)
(مَا كنت أقضى علاك حَقًا
…
لَو جِئْت مدحا بِكُل فا)
(فَأول وَجه الْقبُول عُذْري
…
وجنب الشَّك فِي صفا)
سَيِّدي الَّذِي هُوَ فصل جنسه، ومزية يَوْمه على أمسه، فَإِن افتخر الدّين من أَبِيه ببدره، افتخر مِنْهُ بشمسه. رحلت عَن المنشإ والقرارة، فَلم تتَعَلَّق نَفسِي بذخيرة، ولاعهد جيرة خيرة، كتعلقها بِتِلْكَ الذَّات، الَّتِي لطفت لطافة
الراح واشتملت بالمجد الصراح، شَفَقَة أَن يُصِيبهَا معرة، وَالله يَقِيهَا ويحفظها ويبقيها، إِذْ الْفَضَائِل فِي الْأَزْمَان الرذلة عوامل، والصد عَن الضِّدّ منحرف بالطبع ومائل. فَلَمَّا تعرفت خلاص سَيِّدي من ذَلِك الوطن، وألقاه، وَرَاء الفرضة بالعطن، لم تبْق لي تعلة، وَلَا أحرضني لَهُ عِلّة، وَلَا أُوتى جمعي من قلَّة، فَكتبت أهنىء نَفسِي الثَّانِيَة بعْدهَا بهنا نَفسِي الأولى، وأعترف للزمان بِالْيَدِ الطولي. وَالْحَمْد لله الَّذِي جمع الشمل بعد شتاته، وَأَحْيَا الْأنس بعد مماته، سُبْحَانَهُ لَا مبدل لكلماته، وإياه أسل أَن يَجْعَل الْعِصْمَة حَظّ سَيِّدي ونصيبه، فَلَا يَسْتَطِيع أحد أَن يُصِيبهُ، وَأَنا أخرج لَهُ عَن بَث كمين، ونصح إنائه قمين، بعد أَن أَسِير غوره، وَأخْبر طوره، وأرصد فوره، فَإِن كَانَ لَهُ فِي التَّشْرِيق أمل، وَفِي ركب الْحجاز نَاقَة وجمل، والرأي قد نجحت مِنْهُ نِيَّة وَعمل، فقد غنى عَن عَوْف والبقرات، فِي زكى الثمرات، وإطفاء الحمران برمى الجمرات، وتأنس بوصال السّري وَوصل السرات، وأناله إِن رضيني أرْضى مُوَافق، ولواء عزى بِهِ خافق، وَإِن كَانَ عَليّ السّكُون بِنَاؤُه، فَأمر لَهُ مَا بعده، وَالله يحفظ من الْغَيْر سعده، وَالْحق إِن تحذف الأبهة وتختصر، ويحفظ اللِّسَان ويغض الْبَصَر، وينخرط فِي الغمار، ويخلى على الْمِضْمَار، وَيجْعَل من الْمَحْظُور، مُلَاحظَة مِمَّن لَا خلاق لَهُ، مِمَّن لَا يقبل الله قَوْله وَلَا عمله، فَلَا يكتم سرا، وَلَا يتطوق زرا، ورفض الصُّحْبَة زِمَام السَّلامَة، وَترك الْعَلامَة على النجَاة عَلامَة. وَأما حَالي مِمَّا علمْتُم ملازم كن، ومبهوظ تجربة وَسن، أَرْجَى الْأَيَّام، وأروم بعد التَّفَرُّق الألتئام، خَالِي الْيَد، ملىء الْقلب والخلد، بِفضل الله الْوَاحِد الصَّمد، عَامل على الرحلة الحجازية الَّتِي أختارها لكم ولنقسى، وأصل فِي التمَاس الْإِعَانَة عَلَيْهَا يومي وأمسي، أوجب مَا ذكرته لكم مَا أَنْتُم أعلم بِهِ، من ود قَرّرته الْأَيَّام والشهور، والخلوص الْمَشْهُور. وَمَا أطلت فِي شَيْء عِنْد قدومي
على هَذَا الْبَاب الْكَرِيم، إطالتي فِيمَا يخْتَص بكم من مُوالَاة، وبذل مجهود القَوْل وَالْعَمَل على مرضاته، وَأما ذكرهم فِي هَذِه الأوضاع، فَهُوَ مِمَّا يقر عين المجادة والوظيفة، الَّتِي ينافس فِيهَا أولو السِّيَادَة. وَالله يصل بقاءكم، وييسر لقاءكم، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله.
وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة شيخ الْعَرَب مبارك ابْن إِبْرَاهِيم
(عرصات دَارك للضياف مبارك
…
وبضوء نَار قراك يهدي السالك)
(ونوالك المبذول قد شَمل الورى
…
طرا وفضلك [لَيْسَ لَهُ حسام فاتك] )
(والجود لَيْسَ لَهُ غمام هاطل
…
وَالْمجد لَيْسَ لَهُ سَنَام هاتك)
(جمع السماحة والرجاجة والندى
…
والبأس والرأي الْأَصِيل مبارك)
(للدّين وَالدُّنْيَا وللشيم العلى
…
والجود إِن صَحَّ الْغَمَام الماسك)
(ورت الْجَلالَة عَن أَبِيه وجده
…
فكأنهم مَا غَابَ عَنْهُم هَالك)
(فجياده للآملين مراكب
…
وخيامه للقاصدين أرائك)
(فَإِذا الْمَعَالِي أَصبَحت مَمْلُوكَة
…
أعناقها بِالْحَقِّ فَهُوَ الْمَالِك)
(يَا فَارس الْعَرَب الَّذِي من بَيته
…
حرم لَهَا حج بهَا ومناسك)
(يَا من يبشر باسمه قصاده
…
وَلَهُم إِلَيْهِ مسارب ومسالك)
(أَنْت الَّذِي استأثرت فِيك بغبطتي
…
وَسوَاك فِيهِ ماخذ ومتارك)
(لَا زلت نورا يَهْتَدِي بضيائه
…
من جنه للروع ليل حالك)
(ويخص مجدك من سلامي عاطر
…
كَمَا لمسك صاك بِهِ الغوالي صائك)
الْحَمد لله الَّذِي جعل بَيْتك شهيرا، وجعلك للْعَرَب أَمِيرا، وَجعل اسْمك فالا، ووجهك جمالا، وقربك جاها ومالا، قَالَ رَسُول الله إِلَى أَلا أسلم عَلَيْك يَا أَمِير الْعَرَب، وَابْن أمرائها، وقطب سادتها وكبرائها، وأهنيك بِمَا منحك الله من شهرة تبقى، ومكرمة لَا يضل المتصف بهَا وَلَا يشقى، إِذْ جعل خيمتك فِي هَذَا الْمغرب على اتساعه وَاخْتِلَاف أشياعه مأمنا للخائف، على قِيَاس الْمذَاهب والطوائف وَصرف الْأَلْسِنَة إِلَى مدحك، والقلوب إِلَى حبك، وَمَا ذَاك إِلَّا لسريرة لَك عِنْد رَبك. وَلَقَد كنت أَيَّام تجمعني وَإِيَّاك الْمجَالِس السُّلْطَانِيَّة، على معرفتك متهالكا، وطوع الأمل مَالِكًا لما يلوح على وَجهك من سِيمَا الْمجد والحيا، والشيم الدَّالَّة على الْعليا، وَزَكَاة الْأُصُول وكريم الإباء. وَكَانَ وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى عين للقاء خَال السُّلْطَان قريبكم، لما توجه فِي الرسَالَة إِلَى الأندلس نَائِبا فِي تأنيسه عَن مخدومه، ومنوها حَيْثُ حل بقدومه، واتصلت بعد ذَلِك بَينهمَا المهاداة والمعرفة، والرسائل الْمُخْتَلفَة، فَعظم لأجل هَذِه الْوَسَائِل شوقي إِلَى التشرف بزيارة ذَلِك الجناب الَّذِي حُلُوله شرف وفخر، وَمَعْرِفَة كنز وَذخر. فَلَمَّا ظهر الْآن لمحل أخي الْقَائِد الكذا فلَان اللحاق بك، والتعلق بسببك، رَأَيْت أَنه قد اتَّصل بِهَذَا الْغَرَض المؤمل بعض، وَالله ييسر فِي الْبَعْض عِنْد تَقْرِير الْأَمْن، وهدنة الأَرْض. وَهَذَا الْفَاضِل بركَة حَيْثُ حل لكَونه من بَيت أَصَالَة وَجِهَاد، وَمَا جد وَابْن أمجاد، وَمثلك لَا يوصى بِحسن جواره، وَلَا يُنَبه على إيثاره، وقبيلك فِي الحَدِيث من الْعَرَب وَالْقَدِيم، وَهُوَ أوجب لَهُ مزية التَّقْدِيم، لم يفتخر قطّ بِذَهَب يجمع، وَلَا ذخر يرفع، وَلَا قصر يَبْنِي، وَلَا غرس يجنى، إِنَّمَا فخرها عَدو يغلب، وثناء يجتلب، وجزور ينْحَر، وَحَدِيث يذكر، وجود على الْفَاقَة، وسماحة بِجهْد الطَّاقَة. فَلَقَد ذهب الذَّهَب، وَبَقِي النشب، وتمزقت الأثواب، وَهَلَكت الْخَيل العراب، وكل الَّذِي
فَوق التُّرَاب تُرَاب، وَبقيت المحاسن تروى وتنقل، والأغراض تجلى وتصقل. وَللَّه در الشَّاعِر حَيْثُ يَقُول:
(وَإِنَّمَا الْمَرْء حَدِيث بعده
…
فَكُن حَدِيثا حسنا لمن وعا)
هَذِه مُقَدّمَة لن يسنى الله بعْدهَا، إِنَّمَا الْأَمِير فيجلى اللِّسَان عَمَّا فِي الضَّمِير.
(ومدحى على الْأَمْلَاك مدح إِنَّنِي
…
رَأَيْتُك مِنْهَا فامتدحت على رسم)
وَمَا كنت بالمهدي لغيرك مدحتي
…
وَلَو أَنه قد حل فِي مفرق النَّجْم)
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ شيخ الدولة الإبراهيمية من طَرِيق الْقدوم على ملك الْمغرب مفلتا من النكبة بِسَبَب شَفَاعَته
سَيِّدي الَّذِي إِلَيْهِ انقطاعي وانحياشي، وملجئي الَّذِي يسر خلاصي، وسني انتياشي، ومنعمي الَّذِي جبر جناحي وَأنْبت رياشي، وَمولى هَذَا الصِّنْف العلمي وَلَا أحاشي، كتبه صَنِيع نعمتكم الْخَالِصَة الْحرَّة، ومسترف فَضلكُمْ الَّذِي تألقت مِنْهُ فِي ليل الخطوب الْغرَّة، ابْن الْخَطِيب، لطف الله بِهِ، من مربلة، والعزم قد أبلغت فِيهِ النَّفس عذرها، وعمرت بالمثول بَين يديكم سرها وجهرها [وَقد سر إِلَى إبلاغ] النَّفس عذرها فِي مُبَاشرَة تَقْبِيل الْيَد الَّتِي لَهَا الْيَد الْعُظْمَى، والسمية الرحمى، وجبال النعم قد أثقلت الْأَكفاء، والأيادي الجمة، قد خلفت الوطن وَالْمَال والعتاد. فَبِأَي لِسَان أَو بِأَيّ بَيَان، وَلَا أثر بعد عيان، تقَابل نعْمَة تداركت الرمق، وَقد أشفى، وأبقت الذما، والشروع فِي استئصالها لَا يخفى، فيالك من فَرد هزم ألفا، ووعد نصر لم يعرف خلفا، وَنِيَّة خَالِصَة تتقرب
إِلَى الله زلفى. فقد صدع بهَا مولَايَ غَرِيبَة فِي الزَّمن، بَالغا حسن صنيعها صنعاء الْيمن، مترفعة عَن الثّمن، إِن لم يقم بهَا مثله، وَإِلَّا فليهن سَيِّدي مَا صاغ لمجده بهَا من فَخر، وَمَا قدم ليَوْم تزل فِيهِ الْأَقْدَام من ذخر، وَمَا جلب للمقام الْعلي من طيب ذكر، واستفاضة حمد وشكر. لقد ارْتهن دُعَاء الحافي والناعل، وَالدَّال على الْخَيْر شريك الْفَاعِل، وَالَّذِي أَحْيَا النَّفس جدير برد جدَّتهَا، وإنجاز عدتهَا. وَأَنا قد قويت بجاهكم، وَإِن كنت ضَعِيفا، واستشعرت سَعْدا جَدِيدا، وَقدرا منيفا، وأيقنت أَن الله عز وجل كَانَ بِي لطيفا، إِذْ هيأ لي من رَحْمَة ذَلِك الْمقَام المولوي على يدكم نصرا عَزِيزًا، وَقد استأسدت الْأَعْدَاء، وأعضل الدَّاء وأعمل الاعتداء، وَعز الْفِدَاء، فانفرج الضّيق، وتيسرت للخير الطَّرِيق، وساغ
…
. وَنَجَا الغريق، غَرِيبَة لَا تمثل إِلَّا فِي الْحلم، ولطيفة فِيهَا اعْتِبَار لأولى الْعلم. اللَّهُمَّ جَازَ بهَا سَيِّدي فِي نَفسه وَولده، وحاله وبلده، ومعاده بعد طول عمره، وانفساح أمده، وَكن لَهُ نَصِيرًا أحْوج مَا يكون إِلَى نَصره، وَاجعَل لَهُ سَعَة فِي كل حصر، واقصر عَلَيْهِ جاه كل نصر، كَمَا جعلت ذَاته فَوق كل ذَات. وعصره فَوق كل عصر، وليعلم سَيِّدي أَن من أرادني مُنَافَسَة وحسدا، وزأر على أسدا، لما اسْتَقل على الْكُرْسِيّ جسدا، من غير ذَنْب تبين، وَلَا حد تعين، أَصَابَهُ من خلاصي الْمُقِيم المقعد، ووعد النَّفس بِأَجل أخلف مِنْهُ الْموعد، لما استنقذني الله برحمته، من بَين ظفره ونابه، وغطاني بستر جنابه، وكثرني فِي الْعُيُون على قلَّة، وأعزني بعز نَصره على حَال ذلة، لم يدع حِيلَة إِلَّا نصبها أماني، ليحبط بذلك الْمقَام الْكَرِيم زمامي، ويكدر حماحي، وَزعم أَن بِيَدِهِ على الْبعد زمامي، ويأبي ذَلِك من يفرق بَين الْحق وضده، وَعدل لَا يخرج الشَّيْء عَن حَده، فبهت سَيِّدي خوفًا أَن نتجه حِيلَة، أَو تنفس وَسِيلَة، وَأَنا قادم بالأهل وَالْولد، والجلدة المستسنة على الْجلد، ليعْمَل رب الصنيعة على شاكلة الْمجد الَّذِي هُوَ لَهُ أهل، فَمَا نما افتدى بِهِ جهل، وَلَا يخْتَلف فِي عظم مَا أسداه غر وَلَا كهل،
وَلَا يَلِيهِ مثله عَن تتميم، وإجزال فضل عميم، ومؤانسة غَرِيب، وصلَة نصر عَزِيز، وَفتح قريب بحول الله.
وخاطبته أَيْضا بِمَا نَصه فِيمَا يظْهر من الْغَرَض
(راش زماني وبرى نبله
…
فَكنت لي من وقعها جنَّة)
(وَلَو قهرت الْمَوْت أمنتني
…
مِنْهُ وأدخلتني الْجنَّة)
(فَكيف لَا أنشرها منَّة
…
قد عرفتها الْإِنْس وَالْجنَّة)
مَاذَا أخاطب بِهِ تِلْكَ الْجَلالَة فيتيسر الْخطاب، وَتحصل الدّلَالَة بسيدي، ويشركني فِيهِ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، فَفِيهِ أم بِروح حَياتِي، ومقدم مَاهِيَّة ذاتي، وذخري الْكَبِير لَا بل فلكي الْأَثِير، وَهُوَ تضييق على الْوَلَد والأهل، وتعزى الْمَرَاتِب المحدودة من الْجَمِيل، فَلم تبْق إِلَّا الْإِشَارَة الْخَارِجَة عَن وظائف اللِّسَان، وَهِي بعض دلالات الْإِنْسَان، أفدت الْأَسير، وجبرت الكسير، وَرويت عَن ابْن الْعَلَاء التَّيْسِير، وعمرت بِالْكَرمِ، وَأمن حمام الْحرم الظعن والمسير، فَمن رام شكر بعض أياديك، فَلَقَد شدّ حقائب الرّحال إِلَى كل الْمحَال. وَالْحق أَن نكل جزاءك للَّذي جعل الْمجد اعتزاك، وَتَوَلَّى شكرك وثناءك، إِلَى من عمر بِمَا يرضيه من الرِّفْق بالخلق وَإِقَامَة الْحق إناءك، وندعو مِنْك بِالْبَقَاءِ إِلَى الرَّوْض المجود، وغمام الْجُود، وَإِمَام الركع وَالسُّجُود، لَا بل لنُور الله الْمشرق على التهائم والنجود، وَرَحمته المبثوثة أثْنَاء هَذَا الْوُجُود. وليعلم سَيِّدي أَن النَّفس طماعة جمَاعَة، وسراب آمالها تِجَارَة لماعة، وَلَا تفيق من كد، وَلَا تقف عِنْد حد، سِيمَا إِذا لم يهذبها السلوك والتجديد، وَلَا يسر مِنْهَا فِي عَالم الْغَيْب اليريد، وَلَا تجلت لَهَا السَّعَادَة الَّتِي تحذب بهَا المُرَاد، ويشمر لَهَا المريد، إِلَى أَن يَتَأَتَّى عَمَّا دون الْحق الْمجِيد، وَيصِح
التَّوْحِيد. وَقد مثلت لي الْآن خصما يُوسع ظهر استظهارة
…
. قضتها
…
وَتقول المَال عديلي عِنْد النقيمة، وطبيبي فِي الْأَحْوَال السقيمة، وَهُوَ نتيجة كدي عِنْد الأقيسة العقيمة، وَمن استخلصني على شرفي إِذا تفاضلت الْجَوَاهِر، وتبينت للحق الْمظَاهر، وتعينت الْمَرَاتِب الَّتِي تعتقدها على رَأْي الإبراهيمية، النُّور الْأَصْفَر والنور القاهر، فخلاص المَال طوع يَدَيْهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الله أَهْون عَلَيْهِ
…
حَتَّى تبين معاطفها وأخادعها، حَتَّى تلوى أخادعها، وَأَقُول قد وَقع الْوَعْد، وأشرق السعد، ولان الْجهد، وَسكن الرَّعْد، وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد
…
الْعُمر الْمَنَام، وَأَيَّام الجاه وَالْقُدْرَة، يحِق لَهَا الاغتنام، وهم الغافل إِلَى وقته الْحَاضِر مَصْرُوف إِذا لم يغبر حَائِط مثل مَعْرُوف. وَفِي الْوَقْت زبون يُرْجَى بِهِ استخلاص الْحُقُوق ويستبعد وُقُوع العقوق، فَإِن رأى مولَايَ أَن يشفع الْمِنَّة، ويقرع بَابا ثَانِيًا من أَبْوَاب الْجنَّة، قبل أَن يشغل شاغل، أَو يكدر الشّرْب وَالْأكل وارش أَو واغل إِذْ يَنُوب للمتعدى نظر فِي النجاح، أَو يدس لَهُ مَا يحملهُ على الِاحْتِجَاج متسع مناطها، تبيح استنباطها، كثير مياطها وسياطها، فَهُوَ تَمام صنيعتها الَّتِي لم ينسج على منوالها الْأَحْرَار، وَلَا اهتدت إِلَى حسناتها الْأَبْرَار، وَلَا عرف بدر فجرها السرَار، فإليه كَانَ الْفِرَار، وَالله تمّ لَهُ خلوص الإضطرار، ويستقر تَحت دخيله الْقَرار، وتطمين الدَّار، فَإِن مَا ابتدا بِهِ من عز ضرب على الْأَيْدِي العادية من حكم الْحُكَّام، وفارع الهضاب والآكام، على ملإ وَمجمع، ومرأى من الْخلق ومسمع يقتضى اضطراد قِيَاس الْعِزَّة القعساء، وسعادة الصَّباح والمساء، وَظُهُور دَرَجَات الرِّجَال على النِّسَاء. فَهُوَ جاه حَارِث فِيهِ الأوهام، وَهَذِه أذياله،
وَمن ركب حَقِيقَة أمرهَا هان عَلَيْهِ خياله، وَالْمَال مَاله، والعيال عِيَاله، وَالْمَوْجُود سريع زياله، وَالْجَزَاء عِنْد الله مكياله، وعروض الْمَغْصُوب بَاقِيَة الْأَعْيَان، مُسْتَقلَّة السحر قَائِمَة الْبُنيان، تمنع عَن شرابها عقائد الْأَدْيَان، وَغَيرهَا من مَكِيل وموزون بَين مَأْكُول ومخزون، والكتب ملقاة بالقاع، مطرحة بأخبث الْبِقَاع، فَإِن تَأتي الْجَبْر، وَإِلَّا فالصبر، على أَن وعد عمادي لَا يُفَارِقهُ الإنجاز. ومكرمته الَّتِي طوقها قد بلغت الشَّام والحجاز، وَحَقِيقَة الْتِزَامه، تبَاين الْمجَاز، وآيات مجده تستصحب الأحجاز. وَللَّه در إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي يُخَاطب الْمَأْمُون لما أكذب فِي الْعَفو عِنْد الظنون:" وهبت مَالِي وَلم تبخل على بِهِ، وَقبل ذَلِك مَا أَن قد وهبت دمى " وَقد كَانَت هَذِه المنقبة غَرِيبَة، فعززتها بأختها الْكُبْرَى وفريدة، فَجئْت باخرى، وشفعت وترا. أبقاك الله لتخليد المناقب، وإعلاء المراقب، وَجعل أخص نعلك تاجا للنجم الثاقب، وتكفل لَك بِالنَّفسِ وَالْولد بِحسن العواقب آمين. آمين، لَا أرْضى بِوَاحِدَة، حَتَّى أضيف لَهَا ألف آمينا. وَأما تَنْبِيه سَيِّدي على اسناء رزق، وَتَقْرِير رفد ورفق، فَلَا أنبه حاتما وكعبا أَن يملآ قَعْبًا، لمن خَاضَ بحرا، وَركب صعبا. هَذَا أَمر كَفَانِيهِ الْكَافِي، ودواءه ذهب الشافي وَالسَّلَام.
وخاطبته وَقد اسْتَقل من مرض
(لَا أعدم الله دَار الْملك مِنْك سنا
…
يجلى بِهِ الحالكان الظُّلم وَالظُّلم)
(وأنشدتك اللَّيَالِي وَهِي صَادِقَة
…
الْمجد عوفي إِذْ عوفيت وَالْكَرم)
من علم، أَعلَى الله قدرك، أَن الْمجد جواد أَنْت شياته، لَا بل الْملك بدر أَنْت آيَاته، لَا بل الْإِسْلَام جسم أَنْت حَيَاته، دعامتك بِالْبَقَاءِ لمجد يروق مِنْك جَبينه، وَملك تنيره وتزينه، وَلدين تعامل الله بإعزازه وتدينه، فَلَقَد ألمت
نفوس الْمُسلمين لآلامك، ووجم الْإِسْلَام لتوقع إسقامك، وخففت الْأَعْلَام لتأخر إطرافك بمصالح الْملك وإعلامك، فَإِنَّمَا أنامل الدُّنْيَا متشبثة باذيال أيامك، ورحال الأمل مخيمة بَين خلالك وخيامك، فَإِذا قابلت الْأَشْرَاف نعم الله بشكر، ورمت الْغَفْلَة عَن ذَلِك بنكر. فاشكره جلّ وَعلا بملء لسَانك وجنانك، وَأجر فِي ميدان حَمده مُطلقًا جيادك، على مَا طرقك من استرقاق حر، وإفاضة أياد غر، واقتناء عسجد من الْحَمد ودر، وإتاحة نفع وَدفع ضرّ، وإذالة حُلْو من مر، وَكن على ثِقَة من مدافعة الله عَن حماك، وَعز تبلغ ذؤابته السماك، ورزق يحده منتماك بزمامك، وحظوة الْخلَافَة فاستحقها بوسائلك القويمة وذمامك، ومحاسن الدولة فاجلها عَن منصة أيامك، ورسوم الْبر فاغربها عين اهتمامك، وذروة الْمِنْبَر فَامْضِ بهَا طُنب جسامك
…
زهر الأيادي الْبيض من أكمامك أمامك، فياعز دولة بك، يَا جملَة الْكَمَال قد استظهرت، وعذبت المعاند وقهرت، وبإعمال آرائك اشتهرت، فراقت الْفَضَائِل مِنْهَا وبهرت، جزالة كَمَا شقّ الجو جارح، ولطافة كَمَا طارح نغم التَّأْلِيف متطارح، وفكر فِي الْغَيْب سارح، وَدين لغوامض الْعدْل والحلم شَارِح، وَمَكَارِم آثَار البرامك سحت، وحلت عُقُود أَخْبَار الأجواد فِي الْأَمْصَار وفسخت، فَلم تدع لفضل الْفضل ذكرا، وَتركت مَعْرُوف خَالِد بن يحيى نكرا، لَا بل لم تبْق لكعب من علو كَعْب، وأنست دَعْوَة حَاتِم بِأبي ماح وَحَام قصاراه سي جوارا، وَمنع صوار، وعقرب نَاب، عِنْد اقشعرار جناب، وَأَيْنَ يَقع من كبر، مذ توبع عَن الْكبر، وجود خضب الْأَيْدِي بحناء التبر، وعق اسْتِخْدَام الأسل الطوَال، بيراع أقل من الشبر، وحقن الدِّمَاء المواقة نجيع الحبر، وَفك العقال، وَرفع النوب الثقال، وراعى الذّرة والمثقال، وعثر
الزَّمَان فأقال، وَوجد لِسَان الصدْق فَقَالَ، أقسم ببارىء النسم، وَهُوَ أبر الْقسم، مَا فازت بمثلك الدول، وَلَا ظَفرت بشبهك الْمُلُوك الْأَوَاخِر وَالْأول، وَلَو تقدّمت لم يضْرب إِلَّا بك الْمثل، وَلم يَقع إِلَّا بسنتك وكتابك الْإِجْمَاع المنعقد على أدائك الْعَمَل، كتب مشيدا بالهناء، ومذيعا مَا يجب من الْحَمد لله وَالثنَاء [والمملوك لما سَام مَالِكه برق الْعَافِيَة، وتدرع بالألطاف الخافية] وشاكرا مَاله بِوُجُودِهِ من الاعتناء وَقد بَادر ركن الدّين بِالْبِنَاءِ، وَأبقى السّتْر والْمنَّة على الْآبَاء وَالْأَبْنَاء، فنسل الله أَن يمتع مِنْك بإيثار الْمُلُوك، ووسطى السلوك، وسلالات أَرْبَاب المقامات والسلوك، ويبقيك، وَصِحَّة الصِّحَّة وافرة، وَعزة الْعِزّ سافرة، وَعَادَة عَادَة السَّعَادَة غير نافرة، وكتيبة الأمل فِي مقامك السعيد غانمة ظافرة، مَا زحفت للصباح شهب المواكب. وتفتحت بشط نهر المجرة أزهار الْكَوَاكِب وَالسَّلَام.
وخاطبته أَيْضا بِمَا نَصه
سَيِّدي وعمادي، كشف قناع النَّصِيحَة من وظائف صديق أَو خديم لصيق، وأنى بكلا الْجِهَتَيْنِ حقيق، ويتلجلج فِي صَدْرِي كَلَام أَنا إِلَى نفثه ذُو احْتِيَاج، وَلَو فِي سَبِيل هياج، وخرق سياج، وخوض دياج. وَقد أَصبَحت سعادتي عَن اصل سعادتك فرعا، يُوجب النصح طبعا وَشرعا. فَليعلم سَيِّدي أَن الجاه ورطة، ولاستفراق فِي تيار الدول غلطة، وبمقدار الْعُلُوّ إِلَّا أَن يقي الله السقطة. وَأَنه وَالله يعصمه من الْحَوَادِث، ويقيه من الخطوب الكوارث، وَإِن بعد الْجمع فَهُوَ مُفْرد، وبسهام الْحَسَد مقصد، وَأَن الَّذِي يقبل يَده يضمر حسده، وَمَا من يَوْم إِلَّا والعلل تستشري، والحيال تريش وتبرى، وسموم المكائد تسرى، وَالْعين الساهرة تطرق الْعين الناعسة من حَيْثُ تَدْرِي وَلَا تَدْرِي. وَهَذَا الْبَاب الْكَرِيم مَخْصُوص بِالزِّيَادَةِ وَالْبركَة وخصوصا فِي مثل هَذِه الْحَرَكَة، فثم ظواهر تخَالف
السرائر. وحيل تصيب فِي الجو الطَّائِر، وَمَا عَسى أَن يتحفظ الْمَحْسُود وَقد عويت الْكلاب، وزأرت الْأسود. وَإِن ظن سَيِّدي أَن الخطة الدِّينِيَّة تذب عَن نَفسهَا، أَو تَنْفَع مَعَ غير جِنْسهَا، فَقِيَاس غير صَحِيح، وهبوب ريح، وَإِنَّمَا هِيَ دَرَجَة فَوق الوزارة والحجابة، ودهر يدعى فيبادر بالإجابة، وجاه يحِق على الْقَبِيل والأذيال، وَيُعِيد الْعِزّ وَالْمَال، بَحر هال، وصدور تحمل الْجبَال، وَإِن قطع بالأمان من جِهَة السُّلْطَان، لم يومن أَن يَقع فِيهِ، وَالله يَقِيه، ويمتع بِهِ ويبقيه. مَا الْيُسْر بصدده، والحي يجْرِي إِلَى أمده، فيستظهر الْغَيْب بقبيل، وَيجْرِي من التغلب على سَبِيل، وَيبقى سَيِّدي، وَالله يعصمه، طائرا بِلَا جنَاح، ومحاربا دون سلَاح، يُنَادي بِمن كَانَ يَثِق يوده فِي طلل، ويقرع سنّ النادم، وَالْأَمر جلل، وَمثله بَين غير صنفه مِمَّن لَا يَتَّصِف بظرف، وَلَا يلْتَفت إِلَى الإنسانية بِطرف، وَلَا يعبد الله وَلَو على حرف، مَحْمُول عَلَيْهِ من حَيْثُ الصنفية، متعمد بالعداوة الْخفية، وَإِن ظن غير هَذَا فَهُوَ مخدوع مسحور، مفتون مغرور، وبالفكر فِي الْخَلَاص تفاضلت النُّفُوس، واستدفع الْبُؤْس، وَله وُجُوه متعذرة الْحُصُول، دونه بيض النصول، إِلَّا مَا كَانَ من الْغَرَض الَّذِي بَان فِيهِ من بعد الْجد الفتور، وَعدل عَنهُ وَقد أَخذ الدستور، وتيسرت الْأُمُور، وتقررت الْإِيمَان وَالنُّذُور، فَإِنَّهُ عرض قريب، وسفر قَاصد، ومسعى لَا ينْفق فِيهِ لسيدي من مَاله دِرْهَم وَاحِد، ووطن بحركة راصد، لَا يمْتَنع عَلَيْهِ أمله، وَلَا يستصعب سهله. وأميره، جبره الله يتطارح فِي يمينكم لاقْتِضَائه، وإحكام آرائه وتأمين خائفه، واستقدام أضيافه وطوائفه، ويتحركون حَرَكَة الْعِزّ والتنويه، وَالْقدر النبيه، لَا يعوزكم مِمَّن وَرَائِكُمْ مطلب، وَلَا يلفي عَن مخالفتكم مَذْهَب، وَلَا يكدر لكم مشرب. وتمر أَيَّام وشهور، وَتظهر بطُون للدهر وَظُهُور، وتفتح أَبْوَاب، وتسبب
أَسبَاب، من رُجُوع يَتَأَتَّى بعده السّكُون والفتور، وَقد سكنت الخواطر وتنوعت الْأُمُور، أَو مقَام تمهد بِهِ الْبِلَاد، وَيعْمل فِي تَرْتِيب السّير وَالِاجْتِهَاد، ويستغرق فِي هَذَا الْغَرَض الآماد، ويتأتى أَن حدث الِاسْتِقْلَال والاستبداد، وَأما اخْتِصَاص بمعقل حريز ومتبوأ عَزِيز، تهنأ فِيهِ الْأَعْمَار، وَيكون لمن يسْتَقلّ بِهِ على [الغرب والشرق] الْخِيَار، أَو التحكم فِي ذخيرة سما مِنْهَا الْمِقْدَار، وَذهل عِنْد مشاهدتها الِاعْتِبَار، وخزانة الْكتب بجملتها وفيهَا الْأُمَّهَات الْكِبَار، قد تخَافت عَنْهَا الْحَاجة وَعدم إِلَيْهَا الِاضْطِرَار، وَالرَّفْع الَّذِي يسوغ بِالشَّرْعِ وَالْعَقار. فَهَذَا كُله حَاصِل، ثمَّ ضَامِن لَا يتهم وكافل، عهود صبغها غير ناصل، وَبِالْجُمْلَةِ فالوطن لأغراض الْملك جَامع، ولمقاصده من الْإِقَامَة والانتقال مُطِيع وسامع. وَإِن توقع إثارة فتْنَة، وارتكاب إحْنَة، فَالْأَمْر أقرب، وإحالة التَّيْسِير أعرب، وَهَذِه الْحجَّة فِي تلمسان غير مُعْتَبرَة، وأجوبتها مقررة. وَقد روسل الطاغية، وأعانته تحصل فِي الْغَالِب على هَذِه المطالب، وَبِالْجُمْلَةِ فالدنيا قد اختلت، والأقدام قد زلت، وَالْأَمْوَال قد قلت، وشبيبة الدَّهْر ولت. وَذَلِكَ الْقطر على علاته، أحكم لمن يروم الجاه وَأَمْنَع، وأجدى بِكُل اعْتِبَار وأنضع. وَقد حضرت لاستخلاصكم إِيَّاه الْآلَة الَّتِي لَا تتأتى فِي كل زمَان. وتهيأ الْمَكَان، واقتضيت إِيمَان، وَعرضت سلع تغل لَهَا، وارتهنت ألوفا مروآت وأديان، وَتحقّق بذلك الْقطر الْفساد الَّذِي اشْتهر بِهِ مأموره وأميره والنكر الَّذِي يجب على كل مُسلم تَغْيِيره. فَإِن شِئْت شرعا فَالْحكم ظَاهر، أَو طَمَعا، فالطمع حَاضر، وَمَا ثمَّ عازل، بل عاذر، والمؤنة الَّتِي تلْزم
…
من أَن تكون ثمن بعض الْحُصُون، وَمَا يستهلك فِي هَذَا الْغَرَض شَيْء لَهُ خطر، وَلَا يستنفد من الصَّحِيفَة سطر، وَالْيَد محكمَة، فَكل
أَو شطر، وَمَا يخص الْمُلُوك من هَذَا الْأَمر إِلَّا استنفاد نشب، واستخلاص مزيل بَين موروث ومكتسب، وبعيد أَن لَا ينصر فِي زمن من الْأَزْمَان، فَلَا بُد فِي كل وَقت من أَعْيَان، ومروات وأحساب وأديان. وَالله سُبْحَانَهُ يَقُول:{كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} وَأما خدمَة دولة فَهِيَ على حرَام، وَلَا ينجح لي فِيهَا إِن اعتمدتها مرام، وكأنني بالمشرق لَاحق، ولأنفاسه الزكية ناشق، فَمَا هِيَ إِلَّا أطماع سرابها لماع، فَإِذا انْقَطَعت انفسحت الدُّنْيَا واتسعت
…
. . معاش فِي غمار، أَو عكوف فِي تمكسر دَار، لمداومة استقالة واستغفار. وَوَاللَّه مَا توهم أحد، أَن من قبلك الْبِلَاد يستنصر بغاته عَلَيْكُم، ويحتقر مَا لديكم، فقد ظهر الكامن وتطابق الْمخبر والمعاين. فسبحان من يُقَوي الضَّعِيف، ويهين المخيف، وَيجْرِي يَد المشروف على الشريف، والهمم بيد الله. ينجدها ويخذلها، وَالْأَرْض فِي قَبضته يرعاها ويهملها. هَذَا بَث لَا يَتَّسِع إفشاؤه، وسر إِن لم يطو سقط بهَا على السرحان عشاؤه، وَفِيه مَا يُنكر الْأَمر، وتتعلق بِهِ الظنون وتعمل الخواطر، فتدبروه واعتبروه، وبعقلكم فاسبروه، ثمَّ غطوه بالأحداق واستروه. وَالله يرشدكم للَّذي هِيَ أسعد، ويحملكم على مَا فِيهِ الْعِزّ السرمد، وَالْفَخْر الَّذِي لَا ينْفد. وَالسَّلَام.
وخاطبته أَيْضا بِقَوْلِي
سَيِّدي، بل مالكي، بل شَافِعِيّ، ومنشلي من الهفوة ورافعي، وعاصمي عِنْد تجويد حروب الصَّنَائِع ونافعي، الَّذِي بجاهه أجزلت الْمنَازل قراي، ووصلت أولاي والْمنَّة لله أخراي، وأصبحت وَقَول الْحسن هجيراي:
(علقت بِحَبل من حبال مُحَمَّد
…
أمنت بِهِ من طَارق الْحدثَان)
(تغطيت من دهر بِظِل جنَاحه
…
[فعيني ترى دهري وَلَيْسَ يران] )
(فَلَو تسل الْأَيَّام مَا اسمى مَا درت
…
وَأَيْنَ مَكَاني مَا عرفن مَكَان)
وصلت مكناسة حرسها الله تَحت غيث [حذا بِي حَذْو] نداك، وسحائب لَوْلَا الْخِصَال المبرة قلت يداك، وَكَانَ الوطن لاغتباطه بِجوَارِي، وَمَا رَآهُ من انبتات زمارى، أوعز إِلَى بهت بِقطع الطَّرِيق، وَأطلق يَده على التَّفْرِيق، وإشراق القوافل مَعَ كَثْرَة المَاء بالريق، فَلم يسع إِلَّا الْمقَام أَيَّامًا، قعُودا فِي الْبر وقياما، واختيارا فِي حروب الْأنس واغتناما، وَرَأَيْت بَلْدَة معارفها أَعْلَام، وهواؤها برد وَسَلام، ومحاسنها تعْمل فِيهَا أَلْسِنَة وَأَقْلَام، فَحَيَّا الله سَيِّدي، فلكم من فضل أَفَادَ، وَأنس أَحْيَا، وَقد باد، وَحفظ مِنْهُ على الْأَيَّام الذخر والعتاد، كَمَا ملكه زِمَام الْكَمَال فاقتاد، وَأَنا أتطارح عَلَيْهِ فِي صلَة تفقده، وموالاة يَده، بِأَن يسهمني فِي فرض مخاطبته، مهمى خَاطب مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْجِهَات، وتصحبني من أنبائه صُحْبَة بكؤوس مَسَرَّة، يعْمل فِيهَا هاك وهات فالعز بعده مَفْقُود، والسعد بِوُجُودِهِ مَوْجُود، أبقاه الله بَقَاء الدَّهْر، وَجعل حبه وَظِيفَة السِّرّ، وحمده وَظِيفَة الْجَهْر، وَحفظ على الْأَيَّام من زَمَنه زمن الزهر، وَوصل لنا بإيالته، الْعَام بِالْعَام، والشهر بالشهر، آمين. آمين وَالسَّلَام.
وخاطبته أَيْضا فِي غَرَض الشَّفَاعَة
يَا سَيِّدي أبقاكم الله محط الآمال، وقبلة الْوُجُوه، وَبلغ سيادتكم مَا تَأمله من فضل الله وترجوه، وكلأ بِعَين حفظه ذاتكم الفاخرة، وَجعل عز الدُّنْيَا، مُتَّصِلا بعز الْآخِرَة، بعد تَقْبِيل يديكم الَّتِي يَدهَا لَا تزَال تشكر، وحسنتها عِنْد الله تذكر، أنهى إِلَى مقامكم أَن الشَّيْخ الكذا أَبَا فلَان، مَعَ كَونه مُسْتَحقّ التجلة،
تهجرة إِلَى أبوابكم الْكَرِيمَة قدمت، ووسائل أَصَالَة وحشمة كرمت، وَفضل ووقار، وتنويه للولاية إِن كَانَت ذَا احتقار، وَسن اقْتضى الْفضل بره، وأدب شكر الِاخْتِيَار علنه وسره، لَهُ بِمَعْرِِفَة سلفكم الأرضى وَسِيلَة مرعية، وَفِي الِاعْتِرَاف بنعمتكم مقامات مرضية، وَتوجه إِلَى بَابَكُمْ، والتمسك بأسبابكم. والمؤمل من سَيِّدي ستره بجناح رعيه فِي حَال الكبرة ولحظه بطرِيق المبرة، إِمَّا فِي اسْتِعْمَال يَلِيق بِذِي الاحتشام، أَو سكن تَحت رعى واهتمام، وإعانة على عمل صَالح، فَيكون مسكه ختام، وَهُوَ أَحَق الفرضين بِالْتِزَام، وإحالة سَيِّدي فِي حفظ رسم مثله على الله الَّذِي يجزى المحسنون بفضله، وَمِنْه نسل أَن يديم الْمجْلس العلمي محروسا من النوائب، فَبلغ الآمال والمآرب. والمملوك قرر شَأْنه فِي إسعاف الْمَقَاصِد المأمولة من الشَّفَاعَة إِلَيْكُم، والتحبب فِي هَذِه الْأَبْوَاب عَلَيْكُم، وتغليب الْقُلُوب بيد الله، الَّذِي يُعْطي وَيمْنَع، وَيملك الْأمة أجمع، وَالسَّلَام.
وخاطبته مقررا للوسيلة والشفاعة
سَيِّدي الْأَعْظَم، وملاذي الأعصم، وَعُرْوَة عزي الوثقى الَّتِي لَا تفصم، أبقاك الله بَقَاء
…
. يَأْمر الدَّهْر فيأتمر، ويلبي بثنائك الطَّائِف والمعتمر، بِأَيّ لِسَان أثنى على فواضلك، وَهِي أُمَّهَات المنن، وطوف الشَّام واليمن، ومقامات بديع الزَّمن، والتحف المترفعة عَن الثّمن، فحسبي دَعَا أردده وأواليه، وأطلب مَطْلُوب الْإِجَابَة من مقدمه وتاليه، وَإِن تشوف الْمُنعم للْحَال الْمَوْقُوف، جبرها بِمَشِيئَة الله على جميل سَعْيه، الموسدة على وطاء لطفه، المفشاة بغطاء رعيه، فَقلب خافق يجاوبه وسواس
مُنَافِق، وَقد تجَاوز مُوسَى مجمع الْبَحْرين، وَأصْبح سرى إيابه سرى الْقَيْن. وَلَقَد كَانَت مراسل الرُّسُل قَصِيرَة قبل أَن يكسبها رحلى ثقل الْحَرَكَة، ويخلط خاصمي فِي وظائفها الْمُشْتَركَة. وليت أَمْرِي برز إِلَى طرف، وأفضى إِلَى منصرف، وَرُبمَا ظهر أنس بِمَا يرجوه، وبرز المحبوب من الْمَكْرُوه، وَالله لَا يفضح جاه الْكتاب الَّذِي أَحْيَا وأنثر، وَحيا وَبشر، وَأعْطى صَحِيفَته بِالْيَمِينِ، وَقد جمعت مثابتكم الْمَحْشَر. وموصل كتابي يَنُوب فِي تَقْبِيل الْيَد العلمية منابي، وليعلم سَيِّدي أَن هَذَا الْقطر على شهرته، وتألق مُشْتَرِيه وزهرته، إِذا انتحل كَرَامَة، وعهد الْفضل لم يبْق إِلَّا انصرامه، فَهُوَ [لبابه المتخير] وزلاله الَّذِي لَا يتَغَيَّر، أَصَالَة مَعْرُوفَة، وهمة إِلَى الإيثار مصروفة، ونبلا عَن السن والكبرة، ورجولة خَلِيقَة بصلَة الْخدمَة والمبرة، والوسيلة لَا تطرح، وَالْمعْنَى الَّذِي لَا يعبر لوضوحه وَلَا يشْرَح، هُوَ انتماؤه إِلَى جناب سَيِّدي حَدِيثا وقديما، واعترافه بنعمته، مديرا لَهَا وخديما. وَالله يوفر من إِيثَار سَيِّدي حَظه، ويحدد لَدَيْهِ رعيه ولحظه، حَتَّى يعود خافقا علم إقباله، معلما برد اهتباله، مَسْرُورا ببلوغ آماله. فلعمري أَن مَحل ولَايَته يَكْفِي، وَأَن عمر أَمَانَته لوفي، وَأَن عَامل جده لظَاهِر وخفي، وَمَا يَفْعَله سَيِّدي من رعيه، وإنجاح سَعْيه، مَحْسُوب فِي جملَة مذاهبه، ومعدود فِي فضل مكارمه ومواهبه. وَالله يبقيه، وَيَضَع الْبركَة فِيهِ. وَالسَّلَام الْكَرِيم يَخُصُّهُ كثيرا أثيرا. وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته.
وَكتب فِي كَذَا.
وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ للْقَاضِي خَالِد ابْن عِيسَى بن أبي خَالِد فِيمَا يظْهر مِنْهَا
وصل الله عزة الْفَقِيه النبيه، العديم النظير والشبيه، وَارِث الْعَدَالَة عَن عَمه وَابْن عَمه وَأَبِيهِ، فِي عزة تظلله، وَولَايَة تتوج جاهه وتكلله، وَمَعْرِفَة تسوغ لَهُ مَا ضَاقَ فِيهِ سَبِيل المعاش وتحلله، وَلَا زَالَ غاصا بمثوب اللطائف حَتَّى من أحواز مَكَّة والطائف منزله. أفاتح ذَلِك الْمجْلس القَاضِي بالتحية، الكفيلة بإنشاء الأريحية، تَحِيَّة الْإِسْلَام الْبَريَّة من الملام، وَلَوْلَا الِالْتِزَام للسّنة لمدت إِلَى تَحِيَّة كسْرَى أَيدي الْمِنَّة، وأشاهد بالتخيل جمال تِلْكَ الْعمة، قبل إِعْمَال ذَوَات الأزمة، وأتنعم على الْبعد بِسَمَاع تِلْكَ الْأَلْفَاظ المشرقية، قبل ذهَاب الْبَقِيَّة، وألاحظ بِعَين الْبَصَر لطافة الخطة، بعد خطوَات كخطوات البطة، ونزعات أودعتها فِي ثرى الطَّبْع النَّبِيل، مياه النّيل، وآداب سرت فِي الْقدر الْجَلِيل من بَرَكَات الْمُقَدّس والخليل، وَأَسْتَغْفِر الله من أَيَّام أقشعت سحابها، وَبت استصحابها، وَلم تعلم بمكاتبة الْمجْلس القاضوي برودها، وَلَا حليت بحلى آدابه وودها وَلَا قضي فِي موارد فَضله وُرُودهَا. أما عُذْري فِي عدم استنزاله واستسقاء غزاله، فَرُبمَا تبين، ويسفر مِنْهُ الجبين، لما استولى على النَّفس من كسل، وراعها للشيب من نصول أسل، وسامها من شراب النحلى ومغتسل. فمذ ثنيت الأعنة من بعد الاغتراب. لم يغرها لمع السراب، وَلَا موصلة الأتراب، وَلَا عولت إِلَّا على التُّرَاب، وَكفى بعبير القَاضِي عِبْرَة، لَا بل خبْرَة، وَهِي هَدِيَّة الطّيب
ومديلة الابتسام من التقطيب، وَقد تضَاعف باصطفائه إِيَّاهَا الشذا، وَكفى فِي مثلهَا من صدقَات الصَّدَقَة، الْمَنّ والأذى. فلولا أَن الْبَاعِث على مخاطبته هَذِه حَال غالبة، ومقدمة للتماسك سالبة، لتناولها عُمُوم حكم الأمساك، حَتَّى عَن مداخلة النساك. وَأما القَاضِي، أعزه الله، فَمَا الَّذِي يمنعهُ عَمَّا يَقُوله أَو يصنعه. نفس نشيطة، وَخلق بَين الْجد الصراح، والهزل الْمُبَاح، وسبطة، ويراع طائع، تسرح تَحت عَصَاهُ من الْبَيَان مطامع، والعذر فِي مثلهَا أدعى مَتى نسب، ومستحق مَتى اكْتسب. وَلما رَابَنِي من ذَلِك مَا حَقه أَن يريب، وينكر مثله، من أَعمال الاستقراء والتجريب، بحثت عَن سَببه، وَعلة منقلبه، والزهد فِيهِ من بعد طلبه، فَذكر لي أَن جو وده غير معاف، وميزان عمله لَيْسَ بِذِي اتصاف بإنصاف، وَأَنه يحقد على الْمُحب، فلتة دعابة وفكاهة، لم تفض وَالْحَمْد لله إِلَى سفاهة، وَلَا خلى طبعها من حلاوة أَو تفاهة، وأعرضت عَن عرض تستبيحه، أَو هجو ينعى على الْفُضَلَاء قبيحه، وولعت بظريف مجَاز، وهيئات حجاز، وقررت نسب الْأَدَب، ووصلت السَّبَب بِالسَّبَبِ. ثمَّ توالى بعْدهَا السَّعْي والكدح، واتصل الْحَمد والمدح، وَرفعت للمنصب الرَّايَات، وسببت الولايات والجرايات، وَوَقع التوافق فِي الأسعار، والتجادل فِي ميدان الاسْتِغْفَار، فهبها سَيِّئَة، فقد محتها الْحَسَنَات، أَو شُبْهَة، فقد نسختها للفخر الْآيَات الْبَينَات، أَو دخلا فقد تحصلت من الْفَوَائِد الْكَثِيرَة الدِّيات ثمَّ الدِّيات، وَلَو كَانَ الِاعْتِقَاد رديا أَو نبأ تِلْكَ الهنات عاديا، لأجهز اللاسب، واعقب السِّيرَة الْمُنَاسب، فَكيف، وَلم يبد بعْدهَا إِلَّا رزق دَار، وَعمل سَار، وَذكر جميل، وتتميم للأغراض وتكميل، ودرج يرتقي، وولايات تخْتَار وتنتقى، ولسان بالعناية يعلن، واغتباط يُغني
ويسمن، " وَإِن يكن الْفِعْل الَّذِي سَاءَ وَاحِدًا، فأفعاله اللائي سررن أُلُوف ". وَلم يعْتَبر هَذَا المظنون، حَتَّى انْتَشَر من بعد الكمون، وَأخْبر عَن القَاضِي بعض أصدقائه ببثه إِيَّاه وإلقائه، وإبراز يَرْبُوع النِّفَاق، من نافقائه، فَوَجَبَ استقراء هَذَا الْقُرْء، وَتَحْقِيق هَذَا
…
وَأَن يكر على العتب بالمحق، وينسخ ثمله بالصحو. فالخواطر محتاجة إِلَى إِزَالَة الشوب، والأعمال الْفَاسِدَة مفتقرة إِلَى التوب، وَالله غَافِر الْحُوب، وأهون بهَا من جِنَايَة لم تثل من عرش، وَلَا افْتَقَرت إِلَى أرش والحقد من شيم النُّفُوس الجاهلة، وسجايا الْعُقُول الساهية عَن الْحق الذاهلة، وليعلم القَاضِي أعزه الله أَنى لم يحملني على استعتابه وَإِيجَاب مثابي أَو مثابة، وإصدار كِتَابه، استكثارا من هَذِه الأقلام، [إيثارا للغو] بالْكلَام. إِنَّمَا هُوَ تَخْفيف منصرف، وتجلة معترف، أَو هَوَاء زمن خرف، وَالله اسل أَن يطهر الْقُلُوب، ويبلغ الْمَطْلُوب، ويستأصل الْهوى المغلوب. وَالسَّلَام.
وخاطبت وَالِي درعة أَبَا مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد لما كنت مستوطنا مَدِينَة سلا حرسها الله
(وَالِي الْوُلَاة وَوَاحِد الزَّمن الَّذِي
…
تبأى الْمُلُوك لمثله وتفاخر)
(صيرت حَاتِم طبى يزرى بِهِ
…
زار ويسخر إِن تذكر ساخر)
(إِن كَانَ طلا أَنْت جود ساجم
…
أَو كَانَ نهر أَنْت بَحر زاخر)
(وَإِذا الزَّمَان الأول استعلى بأهليه
…
استناف بك الزَّمَان الآخر)
كتبت إِلَى سَيِّدي والخجل قد صبغ وَجه يُرَاعِي، وعقم مِيلَاد إنشائي واختراعي، لمكارمه الَّتِي أعيت مِنْهُ ذراعي، وَعجز فِي خوض بحرها سفينتي وشراعي. وَلَو كَانَ فَضله فَنًّا محصورا، لَكُنْت على الشُّكْر معانا منصورا، أَو على غَرَض مَقْصُورا لزأرت أسدا هصورا، وَلم ير فكري عَن عقائل الْبَيَان حصورا، لكنه مجد تألق بِكُل ثنية، وَمَكَارِم رمت عَن كل حنية، وَفضل سبق إِلَى كل أُمْنِية، وأياد ببلوغ غايات الْكَمَال مغنية، فحسبي الْإِلْقَاء بِالْيَدِ لغَلَبَة تِلْكَ الأيادي، وَإِسْلَام قيادي إِلَى ذَلِك الْمجد السيادي، وإعفاء يُرَاعى ومدادي، فَإِن كَانَت الْغَايَة لَا تدْرك، فَالْأولى أَن يلغى الْكل وَيتْرك، وَلَا يعرج على الإدعاء، وَيصرف القَوْل من بَاب الْخَيْر إِلَى بَاب الدُّعَاء، وَقد وصلني كتاب سَيِّدي مُخْتَصر الحجم جَامعا بَين الثريا والنجم، قريب عهد من يَمِينه بمجاورة الْمَطَر التجم، فَقلت اللَّهُمَّ كَاف سَيِّدي واجزه [وَمن مد] يَده بالضر فاخزه، وَللَّه در الْمثل، أشبه امْرُؤ بعض بزه كَمَال واختصار، وَرَيْحَان أنوف، وأثمد أبصار، أعلق بالرعى الَّذِي لَا يقر بعد الدَّار من شيمته، وَلَا يقْدَح اخْتِلَاف الْعرُوض والأقطار فِي ديمته. إِنَّمَا نَفسه الْكَرِيمَة وَالله يَقِيهَا، وَإِلَى معارج السَّعَادَة يرقيها، قانون يلْحق أدنى الْفَضَائِل بأقصاها، وَكتاب لَا يُغَادر [صَغِيرَة وَلَا] كَبِيرَة إِلَّا أحصاها، وَإِنِّي وَإِن عجزت عَمَّا خصني من عمومها، وأحسنى من جمومها، لمخلد ذكرا يبْقى وَتذهب اللها، ويعلى مَعَاني الْمجد تجَاوز ذوابتها السها، ويذيع بمخائل الْملك فَمَا دونهَا، ممادح يهوى الْمسك أَن يكونها، وَتعطف لَهُ الرَّوْض المجود غصونها، وتكحل بِهِ الْحور الْعين عيونها، وتودي مِنْهُ الْأَيَّام المتربة ديونها. وَإِن تشوف سَيِّدي بعد على حَمده وشكرا، واستنفاد الوسع فِي إطالة حَمده، وإطابة ذكره إِلَى الْحَال، ففلان حفظه الله يشْرَح مِنْهَا الْمُجْمل، وَيبين من عواملها الملغى والمعمل
وَأما اعتناء سَيِّدي بِالْوَلَدِ المكفن بحرمته، فَلَيْسَ ببدع فِي بعد صيته، وعلو همته، على من تمسك بأذمته، وفضله أكبر من أَن يُقيد بِقصَّة، وَبدر كَمَاله أجل من أَن يعدل بوسط أَو حِصَّة، وَالله تَعَالَى يحفظ مِنْهُ فِي الولا وَإِلَى الْقبْلَة، وَولى المكارم بِالْكَسْبِ والجبلة، وَيجْعَل جَيش ثنائه لَا يُؤْتى من الْقلَّة بفضله وَكَرمه. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ.
وكتبت إِلَى صَاحب القصبة بمراكش مَسْعُود بن يُوسُف بن فتح الله
(أمسعود بن يُوسُف طير قلبِي
…
على شجو الْكِرَام لَهُ وُقُوع)
(وَفِي علياك كنز اعْتِقَاد
…
على أَمْثَاله تطوى الضلوع)
(إِذا نفس امرىء ولعت بِشَيْء
…
فَمَا بسوى كمالك لي ولوع)
سَيِّدي أبقاك الله عالي الْقدر، منشرح الصَّدْر، حَالا من منَازِل السَّعَادَة منزلَة الْبَدْر، فخلت الأماجد فَوقف على تفضيلك اخْتِيَاري، وَإِن لم يتَّجه لنأى وَلَا قرب جواري، لَكِن السماع، وَمَتى رد حكم أَصله الْإِجْمَاع والاختبار وَالِاعْتِبَار، فَلَمَّا أتاح الدَّهْر لِقَاء على ظهر طَرِيق، وانحفاز فريق، هَمَمْت أَن أَشك فِي اعتقادي، وأبعث بِعقد ودادي، فضاقت الوقفة، وَلم تكمل الصَّفْقَة، وانصرفت انصراف الظمآن شَارف العذب الزلَال، فَلم يشرب، والمحب تمنى سَاعَة اللِّقَاء فَمَا أبان وَلَا أعرب، وَخفت أَن يجريه سَيِّدي مجْرى الهذر الَّذِي هُوَ صرف الأشواق، والمعاملة، بِهِ على الْإِطْلَاق، حَيْثُ لَا خلاق، بل هُوَ وَالله الْحق الَّذِي وضح محياه، والبارق الَّذِي
أغدق سقياه، والْحَدِيث الَّذِي أخجل الْمسك رياه، لم تحمل عَلَيْهِ المطامع، وَلَا الشَّرَاب اللامع. فليثن سَيِّدي من المعتز بِمُوجب حَقه، الْعَلِيم بسبقه، وَالْقَائِل بِأَنَّهُ وحيد عصره، وحسنة دهره، إِلَى أَن يمن الله بلقاء للشرح الْمُضمر ويبينه، حَتَّى تخفق رايته، وينتشر كمينه. وَالله يديم سعد سَيِّدي وعلاه، ويحفظه ويتولاه. وَالسَّلَام
وخاطبت الشَّيْخ أَبَا عبد الله بن أبي مَدين أهنيه بتقليد الخطة
(تعود الْأَمَانِي بعد انصراف
…
ويعتدل الشَّيْء بعد انحراف)
(فَإِن كَانَ دهرك يَوْمًا جنى
…
فقد جَاءَ ذَا خجل واعتراف)
طلع الْبشر أبقاك الله بِقبُول الْخلَافَة المرينية، والإمامة السّنيَّة، خصها الله بنيل الأمنية على تِلْكَ الذَّات الَّتِي طابت أرومتها، وزكت، وتأوهت الْعليا لتذكر عهدها وبكت، وَكَاد السرُور يَنْقَطِع لَوْلَا أَنَّهَا تركت مِنْهَا الْوَارِث الَّذِي تركت. وَلَوْلَا الْعذر الَّذِي تأكدت ضَرُورَته، وَالْمَانِع الَّذِي رُبمَا تقررت لكم صورته، لَكُنْت أول مشافه بالهناء، ومصارف لهَذَا الاعتناء، الوثيق إِلَيْنَا، لنعود الْحَمد لله والثنا. وَهِي طَوِيلَة.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الرئيس أَبَا زيد بن خلدون لما ارتحل من بَحر المرية، وَاسْتقر بِبَلَدِهِ بسكرة، عِنْد رييسها الْعَبَّاس بن مزنى صُحْبَة رِسَالَة خطها أَخُوهُ أَبُو زَكَرِيَّا وَقد تقلد كِتَابَة صَاحب تلمسان وَوصل مِنْهُ من إنشائه
(بنفسي وَمَا نَفسِي على بهينة
…
فينزلني عَنْهَا المكاس بأثمان)
(حبيب نأى عني وصم لأنني
…
وراش سِهَام الْبَين عمدا وأهمان)
(وَقد كَانَ هم الشيب لَا كَانَ كَافِيا
…
فقد عادني لما ترحل همان)
(شرعت لَهُ من دمع عَيْني موردا
…
وكدر شربي بالفراق وأخمان)
(وأرعيته من حسن عهد حميمه
…
فأجدب آمالي وَسكن أزمان)
(حَلَفت على مَا عِنْده لي من رضَا
…
قِيَاسا بِمَا عِنْدِي فأحنث إِيمَان)
(وَإِنِّي على مَا نالني مِنْهُ من قلى
…
لأشتاق من لقيَاهُ نغبة ظمآن)
(سَأَلت جنوني فِيهِ تقريب عَرْشه
…
فقست بجن الشوق جن سُلَيْمَان)
(إِذا مَا دَعَا دَاع من الْقَوْم باسمى
…
وَثَبت وَمَا استتبت شِيمَة هيمان)
(وتا الله مَا أصغيت فِيهِ لعاذل
…
تحاميته حَتَّى ارعوى وتحامان)
(وَلَا استشعرت نَفسِي برحمة عَائِد
…
تظلل يَوْمًا مثله عبد رحمان)
(وَلَا شَعرت من قبله بتشوق
…
تخَلّل مِنْهَا بَين روح وجثمان)
أما الشوق فَحدث عَن الْبَحْر وَلَا حرج، وَأما الصَّبْر فاسأل بِهِ أَيَّة درج، بعد أَن تجَاوز اللوى والمنعرج. لَكِن الشدَّة تعشق الْفرج، وَالْمُؤمن ينسق من
روح الله الأرج، وَإِنِّي بِالصبرِ على أبر الدبر، لَا بل الضَّرْب الهبر، ومطاولة الْيَوْم والشهر، تَحت حكم الْقَهْر. وَهل للعين أَن تسلو سلو المقصر عَن إنسانها المبصر أَو تذهل ذُهُول الزَّاهِد عَن سرها للراني والمشاهد، وَفِي الْجَسَد بضعَة تصلح إِذا صلحت، فَكيف حَاله إِن رحلت عَنهُ ونزحت. وَإِذا كَانَ الْفِرَاق هُوَ الْحمام الأول، فعلام الْمعول، أعيت مراوضة الْفِرَاق على الراق، وكادت لوعة الاشتياق أَن تفضى إِلَى السِّيَاق:
(تركتموني بعد تشييعكم
…
أوسع أَمر الصَّبْر عصيانا)
(أَقرع سنى ندما تَارَة
…
وأستميح الدمع أَحْيَانًا)
وَرُبمَا تعللت بغشيان الْمعَاهد الخالية، وجددت رسوم الأسى بمباكرة الرسوم البالية، أسل نون الناي عَن أَهله، وَمِيم الموقد الهجور عَن مصطليه، وثاء الأثافي الْمُثَلَّثَة عَن منَازِل الْمُوَحِّدين، وأحار بَين تِلْكَ الأطلال حيرة الْمُلْحِدِينَ لقد ضللت إِذا، وَمَا أَنا من المهتدين، كلفت لعمر الله بسال عَن جفوني المؤرقة، ونائم عَن همومي المجتمعة المتفرقة، ظعن عَن سلال لَا متبرما مني بشر خلال وكدر الْوَصْل بعد صفائه، وضرج النصل بعد عهد وَفَاته:
(أقل اشتياقا أَيهَا الْقلب رُبمَا
…
رَأَيْتُك تصفى الود من لَيْسَ جازيا)
فها أَنا أبْكِي عَلَيْهِ بِدَم أساله، وأنهل فِيهِ أسا لَهُ، وأعلل بذكراه قلبا صدعه، وأودعه من الوجد مَا أودعهُ لما خدعه ثمَّ فلاه وودعه، وأنشق رياه أنف ارتياح قد جدعه، وأستعديه على ظلم ابتدعه.
(خليلي هَل ابصرتما أَو سمعتما
…
قَتِيلا بَكَى من حب قَاتله قبلي)
فلولا عَسى الرَّجَاء، وَلَعَلَّه لَا بل شَفَاعَة الْمحل الَّذِي حلّه، لمزجت الحنين بالعتب، وبثثت كِتَابه كمنا فِي شعاب الْكتب، تهز من الألفات رماحا خزر الأسنة، وتؤثر من النونات أَمْثَال القسى المرنة، وتقود من مَجْمُوع الطرس وَالنَّفس، بلقا تردى فِي الأعنة، لكنه أدّى إِلَى الْحرم الْأمين، وتفيأ ظلال الْجوَار الْمُؤمن من معرة الغوار عَن الشمَال وَالْيَمِين، حرم الْخلال المزنية، والظلال اليزنية، والهمم السّنيَّة، والشيم الَّتِي لَا ترْضى بالدون وَلَا بالدنية، حَيْثُ الرفد الممنوح، وَالطير الميامن، يزْجر لَهَا السنوح، والمثوى الَّذِي إِلَيْهِ مهمى تقارع الْكِرَام على الضيفان حول جوابي الجفان الجنوح:
(نسب كَأَن عَلَيْهِ من شمس الضُّحَى
…
نورا، وَمن فلق الصَّباح عمودا)
وَمن حل بِتِلْكَ المثابة، فقد اطْمَأَن جنبه، وتغمد بِالْعَفو ذَنبه وَللَّه در الْقَائِل:
(فوحقه لقد انتدبت لوصفه
…
بالبخل لَوْلَا أَن حمصا دَاره)
(بلد مَتى اذكره تهتج لوعتي
…
وَإِذا قدحت الزند طَار شراره)
اللَّهُمَّ غفرا، وَأَيْنَ قرارة النخيل من مثوى الأقلف الْبَخِيل، ومكذبة المخيل، وَأَيْنَ ثَانِيَة هجر من متبوأ من الْجد وفجر:
(من أنكر غيثا منشأه
…
فِي الأَرْض وَلَيْسَ بمخلفها)
(فبنان بني مزني مزن
…
تنهل بلطف مصرفها)
(مزن مذحل ببسكرة
…
يَوْمًا نطقت بمصحفها)
(شكرت حَتَّى بعبارتها
…
وبمعناها وبأحرفها)
(ضحِكت بأبى الْعَبَّاس من
…
الْأَيَّام ثنايا زخرفها)
(وتنكرت الدُّنْيَا حَتَّى
…
عرفت مِنْهُ بمعرفتها)
بل نقُول يَا مَحل الْوَلَد، لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد، وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد، لقد حل بَيْنك عرى الْجلد، وخلد الشوق بعْدك، يَا ابْن خلدون، فِي الصميم من الْخلد. فَحَيَّا الله زَمنا شفيت برقى قربك زمانته، واجتليت فِي صدف مجدك جمانته، ويامن لمشوق لم تقض من طول خلتك لبانته، وَأهلا بروض أظلت أشتات معارفك بانته، [فحمائمه بعْدك لَا تندب] فيساعدها الجندب، ونواسمه ترق فتتعاشى، وعشياته تتخافت وتتلاشى، ومزنه باك، ودوحه [فِي ارتباك، وحمائمه] فِي مأتم ذِي اشتباك، كَأَن لم تكن قمرها هالات قبابه، وَلم يكن أنسك شَارِع بَابه إِلَى صفوة الظّرْف ولبابه، وَلم يسبح إِنْسَان عَيْنك فِي مَاء شبابه. فلهفي عَلَيْك من درة اختلستها يَد النَّوَى، ومطل بردهَا الدَّهْر ولوى، ونعق الْغُرَاب ببينها فِي ربوع الْهوى، ونطق بالزجر، فَمَا نطق عَن الْهوى، وَأي شَيْء تعتاض مِنْك أيتها الرياض، بعد أَن طما نهرك الْفَيَّاض، وفهقت الْحِيَاض، وَلَا كَانَ الشانيء المثنوء والجرف المهنوء من قطع ليل، أغار على الصُّبْح فَاحْتمل، وشارك فِي الذَّم النَّاقة والجمل، واستأثر جنحه ببدر النادي لما كمل نشر الشراع فراع، وأعمل الْإِسْرَاع كَأَنَّمَا هُوَ تمساح
النّيل، ضايق الأحباب فِي البرهة، واختطف لَهُم من الشط نزهة الْعين، وَعين النزهة، ونجج بهَا والعيون تنظر، والغمر على الِاتِّبَاع يحظر، فَلم يقدر إِلَّا على الأسف [والتماح] الْأَثر المنتسف، وَالرُّجُوع بملء العيبة من الخيبة، وَوقر الجسرة من الْحَسْرَة. إِنَّمَا أَشْكُو إِلَى الله البث والحزن، ونستبطر من عبراتنا المزن، وبسيف الرجا نصول، إِذا شرعت لليأس النصول:
(مَا أقدر الله أَن يدني على شحط
…
من دَاره الْحزن مِمَّن دَاره صول)
فَإِن كَانَ كظم الْفِرَاق رغيبا، لما نَوَيْت مغيبا، وجللت الْوَقْت الهنى تشغيبا، فَلَعَلَّ الْمُلْتَقى يكون قَرِيبا، وَحَدِيثه يرْوى صَحِيحا غَرِيبا، إيه، شقة النَّفس، كَيفَ حَال تِلْكَ الشَّمَائِل المزهرة الخمائل، والشيم الهامية الديم، هَل يمر ببالها من راعت بالبعد باله، وأخمدت بعاصف الْبَين ذباله، أَو ترثى لشون شَأْنهَا، سكب لَا يفتر، وشوق يبت حبال الصَّبْر ويبتر، وضنا تقصر عَن حلله الفاقعة صنعاء وتستر، وَالْأَمر أعظم، وَالله يستر، وَمَا الَّذِي يضيرك صين من لفح السمُوم نضيرك، بعد أَن أضرمت وأشعلت، وَأوقدت وَجعلت، وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت، أَن تترفق بذما، أَو ترد بنغبة مَاء إرماق ظما، وتتعاهد الْمعَاهد بِتَحِيَّة يشم عَلَيْهَا شذا أنفاسك، أَو تنظر إِلَيْنَا على الْبعد بمقلة حوراء من بَيَاض قرطاسك، وَسَوَاد أنفاسك، فَرُبمَا قنعت الْأَنْفس الْمحبَّة بخيال زور، وتعللت بنوال منزور، ورضيت لما لم تصد العنقاء بزرزور:
(يَا من ترحل والنسيم لأَجله
…
يشتاق أَن هبت شذا رياها)
(تحيي النُّفُوس إِذا بعثت تَحِيَّة
…
فَإِذا عزمت اقْرَأ وَمن أَحْيَاهَا)
وَلَئِن أَحييت بهَا فِيمَا سلف نفوسا تفديك، وَالله إِلَى الْخَيْر يهديك، فَنحْن نقُول معشر موديك، ثن وَلَا تجعلها بَيْضَة الديك. وعذرا فإنني لم اجتر على خطابك بالفقر الفقيرة، وأذللت لَدَى حجراتك بِرَفْع العقيرة، عَن نشاط بعث مرموسه، وَلَا اغتباط بالأدب تغرى بسياسته سوسه، وانبساط أوحى إِلَى على الفترة ناموسه، وَإِنَّمَا هُوَ اتِّفَاق جرته نفثه المصدور، وَهنا الجرب المجدور، وخارق لَا مُخَارق، فثم قِيَاس فَارق، أَو لحن غنى بِهِ بعد الْمَمَات مُخَارق، وَالَّذِي سَببه، وسوغ مِنْهُ الْمَكْرُوه وحببه، مَا اقْتَضَاهُ الصنو يحيي مد الله حَيَاته، وحرس من الْحَوَادِث ذَاته، من خطاب ارتشف بِهِ لهَذِهِ القريحة بلالتها، بعد أَن رضى علالتها، وَرشح إِلَى الصهر الْحَضْرَمِيّ سلالتها، فَلم يسع إِلَّا إسعافه بِمَا أعافه، فأمليت مجيبا مَالا يعد فِي يَوْم من الزَّمَان نجيبا، وأسمعت وجيبا، لما ساجلت بِهَذِهِ الترهات سحرًا عجيبا، حَتَّى ألف الْقَلَم الْعُرْيَان سبحه، وَجمع برذون الغزارة فَلم أطق كبحه، لم أفق من غمرة غلوه، وموقف متلوه، إِلَّا وَقد تحيز إِلَى فِئَتك مفترا بل مغترا، واستقبلها ضَاحِكا مفترا، وهش لَهَا برا، وَإِن كَانَ لَونه من الوجل مصفراً. وَلَيْسَ بِأول من هجر فِي التمَاس الْوَصْل مِمَّن هجر أَو بعث التَّمْر إِلَى هجر، وَأي نسب بينى الْيَوْم وَبَين زخرف الْكَلَام، وإحالة جِيَاد الأقلام، فِي محاورة الْأَعْلَام، بعد أَن جال الجريض وَدون القريض، وشغل الْمَرِيض عَن التَّعْرِيض، وَاسْتولى الكسل، ونصلت الشعرات الْبيض كَأَنَّهَا الأسل، تروع برقط الْحَيَّات سرب الْحَيَاة، وتطرق ندوات الْغرَر والشيات عِنْد البيات، والشيب الْمَوْت العاجل. وَإِذا أَبيض زرع صبحته المناجل، وَالْمُعْتَبر الآجل، وَإِذا اشْتغل الشَّيْخ بِغَيْر معاده، حكم فِي الظَّاهِر بإبعاده، وأسره فِي ملكه عَاده، فاغض أبقاك الله، واسمح لمن قصر عَن المطمح، وبالعين الكليلة فالمح، واغتنم لِبَاس ثوب الثَّوَاب، واشف بعض الجوى بِالْجَوَابِ، تولاك الله فِيمَا استضفت
وملكت، وَلَا بَعدت، وَلَا هَلَكت، وَكَانَ لَك أَيَّة سلكت، ووسمك من السَّعَادَة بأوضح السمات، وأتاح لقاك من قبل الْمَمَات، وَالسَّلَام الْكَرِيم يعْتَمد خلال وَلَدي، وَسَاكن خلدي، بل أخي وَإِن اتَّقَيْت عَتبه وسيدي، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته [من محبَّة المشتاق إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْخَطِيب، فِي الرَّابِع عشر من ربيع الثَّانِي، من عَام سبعين وَسَبْعمائة] .
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْفَقِيه أَبَا زَكَرِيَّا ابْن خلدون، لما ولى الْكِتَابَة عَن السُّلْطَان أبي حمو مُوسَى بن زيان، واقترن بذلك نصر وصنع غبطته بِهِ [وقصدت بذلك تنفيقه] وَأَنَّهَا ضد لَدَيْهِ
نخص الحبيب الَّذِي هُوَ فِي الِاسْتِظْهَار بِهِ أَخ، وَفِي الشَّفَقَة عَلَيْهِ ولد، وَالْوَلِيّ الَّذِي مَا بعد قرب مثله أمل، وَلَا على بعده جلد، والفاضل الَّذِي لَا يُخَالف فِي فَضله سَاكن وَلَا بلد، أبقاه الله، وفاز فوزه، وعصمته، لَهَا من توفيق الله عمد، ومورد سعادته المسوغ لعادته غمر لَا ثَمد، ومدى إمداده من خَزَائِن إلهام الله وسداده لَيْسَ لَهُ أمد، وَحمى فَرح قلبه بمواهب ربه لَا يطرقه كمد، تَحِيَّة محلّة من صميم قلبه بمحله المنشئ رواق الشَّفَقَة مَرْفُوعا بعمد الْمحبَّة والمقة، فَوق ظعنه وحله، موثرة ومجلة، المعتنى بدق أمره وجله. فلَان
من الحضرة الجهادية غرناطة، صان الله خلالها، وَوقى هجير هجر الغيوم ظلالها، وَعمر بأسود الله أغيالها، كَمَا أغرى من كفر بِاللَّه حيالها، وَلَا زايد إِلَّا منن الله تصوب، وَقُوَّة يسْتَردّ بهَا الْمَغْصُوب، وتخفض الصَّلِيب الْمَنْصُوب. وَالْحَمْد لله الَّذِي بِحَمْدِهِ ينَال الْمَطْلُوب، وبذكره تطمئِن الْقُلُوب. ومودتكم الْمَوَدَّة الَّتِي غذتها ثدي الخلوص بلبانها، واحلتها حلائل الْمُحَافظَة بَين أعينها وأجفانها، ومهدت موَات إخوتها الْكُبْرَى أساس بنيانها، واستحقت مِيرَاثهَا مَعَ اسْتِصْحَاب حَال الْحَيَاة [إِن شَاءَ الله] واتصال زمانها، واقتضاء عهود الْأَيَّام بيمنها وأمانها وَالله در الْقَائِل:
(فَإِن لم يكنها أَو تكنه فَإِنَّهُ
…
أَخُوهَا غذته أمه بلبانها)
وضل الله ذَلِك من أَجله وَفِي ذَاته، وَجعله وَسِيلَة إِلَى مرضاته، وقربة تَنْفَع عِنْد اعْتِبَار مَا روعي من سنَن الْجَبَّار ومفترضاته. وَقد وصل كتابكُمْ الَّذِي فاتح بالريحان وَالروح، وَحل من مرسوم الحيا مَحل الْبَسْمَلَة من اللَّوْح، وَأذن لنوافح السفا بالفوح، يشْهد عدله بِأَن الْبَيَان يَا آل خلدون سكن مثواكم دَار خُلُود وقدح زندا غير صلود، واستأثر من محابركم السيالة، وقضب رماحكم الميادة الميالة، بأب منجب وَأم ولود، يقضو شافيه غير المشنو، ونصيله غير الجرب وَلَا المهنو من الْخطاب السلطاني سفينة ستوح إِن لم نقل سفينة نوح. ماشيت من آمال أَزوَاج وزمر من الْفضل أَفْوَاج، وأمواج كرم يطفو فَوق أمواج وفنون بشائر وأهطاع قبائل وعشائر، وَضرب للمسرات أعيا السامر. فَللَّه من قلم رَاعى نسب الْغنى فوصل الرَّحِم، وأنجد الوشيج الملتحم، وسَاق بعصاه من الْبَيَان
الذود المزدحم، وأخاف من شَذَّ عَن الطَّاعَة مَعَ الِاسْتِطَاعَة، فَقَالَ:{" لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من من رحم "} ، وَلَو لم يُوجب الْحق برقه ورعده ووعيده ووعده لأوجبه بمنه وسعده، فَلَقَد ظَهرت مخائل نجحه [علاوة على] نصحه، ووضحت محَاسِن صبحه فِي وَحْشَة الْموقف الصعب وقبحه، وصل الله عوائد منحه وَجعله إقليدا كلما اسْتقْبل بَاب أمل وَكله الله بفتحه. أما مَا قَرَّرَهُ ولاؤكم من حب زكا عَن حَبَّة الْقلب حبه، وأنبته النَّبَات الْحسن ربه، وساعده من الْغَمَام سكبه، وَمن النسيم اللدن مهبه، فرسم ثَبت عِنْد الْمولى نَظِيره، من غير معَارض يضيره، وَرُبمَا أربى بتذييل مزِيد، وَشَهَادَة ثَابت وَيزِيد. وَلم لَا يكون ذَلِك، وللقلب على الْقلب شَاهد، وَكَونهَا أجنادا مجندة لَا يحْتَاج تَقْرِيره إِلَى شَاهد أَو جهد جَاهد، ومودة الْأُخوة سَبِيلهَا لاحب، ودليلها للدعوى الصادقة مصاحب، إِلَى مَا سبق من فضل ولقا، ومصاقبة سقا، واعتقاد لَا يراع سربه بذيب الانتقاد، واجتلاء شهَاب وقاد، لَا يحوج إِلَى إيقاد، إِنَّمَا عَاق عَن مُوَاصلَة ذَلِك نوى شط مِنْهُ الشطن، وتشذيب لم يتَعَيَّن مَعَه الوطن، فَلَمَّا تعين تعين، وَكَاد الصُّبْح أَن يتَبَيَّن، عَاد الوميض ديجورا، والمواد بحرا مسحورا إِلَى أَن أعلق الله مِنْكُم الْيَد بِالسَّبَبِ الوثيق، وأحلكم بمنجى نبق لَا يخَاف من منجنيق، وَجعل يراعكم لسعادة مُوسَى معْجزَة تأتى على الْخَبَر لقيان - فتخر لثعبانها سحرة الْبَيَان.
(أيحيى سقى حَيْثُ الحت الجنا
…
فَنعم الشعاب وَنعم الوكول
…
)
(وَحيا يراعك من آيَة فقد
…
حرك الْقَوْم بعد السّكُون)
(دَعَوْت لخدمة مُوسَى عَصَاهُ
…
فَجَاءَت تلقف مَا يأفكون)
(فأذعن من يَدعِي السحر رغما
…
وَأسلم من أجلهَا الْمُشْركُونَ)
(وساعدك الشُّعُور فِيمَا أردْت
…
فَكَانَ كَمَا يَنْبَغِي أَن يكون)
وَأَنْتُم أولى الأصدقاء بصلَة السَّبَب، ورعى الْوَسَائِل والقرب، أبقاكم الله، وأيدي الْغِبْطَة بكم مَالِيَّة، وأحوال تِلْكَ الْجِهَات بدرركم حَالية، وديم المسرات من إنعامكم المبرات، على مَعْهُود المبرات مُتَوَالِيَة. وأماما تشوفتم إِلَيْهِ من حَال وَلِيكُم فأمل متقلص الظل، وارتقاب لهجوم جَيش الْأَجَل المطل، ومقام على مساورة الصل، وَعمل يكذب الدَّعْوَى، وطمأنينة تنْتَظر الْغَارة الشعوا، وَيَد بالمذخور تفتح، وَأُخْرَى تجهد وتمنح، وَمرض يزور فيثقل، وَضعف عَن الْوَاجِب يعقل. إِلَّا أَن اللطائف تستروح، وَالْقلب من بَاب الرجا لَا يبرح، وَرُبمَا ظفر البائس، وَلم تطرد المقابس، تداركنا الله بعفوه، وأوردنا من منهل الرِّضَا وَالْقَبُول على صَفوه، وَأذن لهَذَا الْخرق فِي رفوه. وَأما مَا طلبتم من انتساخ ديوَان، وإعمال بنان، فِي الإتحاف بِبَيَان، فَتلك عهود لدي مهجورة، ومعاهدة لَا متعهدة وَلَا مزورة، شغل عَن ذَلِك، خوض يَعْلُو لجبه، وحوض يفضى من لغط الماتح عجبه، وهول جِهَاد تساوى جمادياه ورجبه، فلولا التمَاس أجر، وتعلل بِرِبْح تجر، لَقلت أَهلا بِذَات النحيين، فَلَهُنَّ شكت وبذلت المصون بِسَبَب مَا أَمْسَكت، فَلَقَد ضحِكت فِي الْبَاطِن ضعف مَا بَكت. ونستغفر الله من سوء انتحال، وإيثار المزاح بِكُل حَال، وَمَا الَّذِي ينْتَظر مثلي مِمَّن عرف المآخذ والمتارك، وجرب لما بلَى الْمُبَارك، وَخبر مساءة الدُّنْيَا الفارك. هَذَا أَيهَا الحبيب مَا وَسعه الْوَقْت الضّيق، وَقد ذهب الشَّبَاب الرِّيق، فليسمح فِيهِ مَعْهُود كمالك، جعل الله مطاوعة آمالك مطاوعة يَمِينك لشمالك، ووطأ لَك موطأ الْعِزّ بِبَاب كل مَالك، وَقرن النجح بأعمالك. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ صَاحب الْعَلامَة بالمغرب أَبَا الْقَاسِم بن رضوَان بِمَا يظْهر من الْغَرَض
(قد كنت أجهد فِي التمَاس صَنِيعَة
…
نفسا شهَاب ذكايها وقاد)
(وَأَقُول لَو كَانَ الْمُخَاطب غَيْركُمْ
…
عِنْد الشدائد تذْهب الأحقاد)
سَيِّدي، أبقاكم الله علم فضل وإنصاف، ومجموع كَمَال أَوْصَاف، كَلَام النيات قصير، وَالله لحسنات الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال بَصِير، وَإِلَيْهِ بعد هَذَا الْحفاظ كُله رجعى منا ومصير، وَلَيْسَ لنا إِلَّا هُوَ مولى ونصير، وَهَذَا الرجل سَيِّدي الْخَطِيب أَبُو عبد الله بن مَرْزُوق، جبره الله، بالْأَمْس كُنَّا نقف بِبَابِهِ، ونتمسك بأسبابه، ونتوسل إِلَى الدُّنْيَا بِهِ، فَإِن كُنَّا قد عرفنَا خيرا وَجَبت الْمُشَاركَة، أَو كفافا تعيّنت المتاركة، أَو شرا [اهتبلت غرَّة] الْهوى الْأَنْفس الْمُبَارَكَة، واتصفت بِصفة، من يعْصى فيسمح، وَيسْأل فيمنح، وَيعود على الْقَبِيح بالستر الْجَمِيل، ويحسب يَد التأميل، وَمَعَ هَذَا فَلم ندر إِلَّا خيرا كرم مِنْهُ المورد والمصرف، وَمن عرف حجَّة على من لم يعرف، وَأَنْتُم فِي الْوَقْت سراج علم لَا يخبو سناه، ومجموع تخلق عرفنَا مِنْهُ مَا عَرفْنَاهُ، وَهَذِه هِيَ الشُّهْرَة الَّتِي تغتنم إِذا سفرت، والْمنَّة الَّتِي تجبر عَلَيْهَا دَابَّة النَّفس إِذا نفرت، حَتَّى لَا يجد بعون الله عارضا يعوقها عَن الْخَيْر وَالْأَجْر فِي اسْتِيفَاء كتاب الشَّفَاعَة، وتحري الْمَقَاصِد النفاعة، وتنفيق البضاعة قد ضمنه من وعد بِقِيَام السَّاعَة، وَالْجَزَاء على الطَّاعَة، فَكيف وَالله يرى عَمَلكُمْ وعملي، والمتروك حقير، والوجود إِلَى رَحْمَة من رحمات الله فَقير وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا كتبت إِلَى الشَّيْخ الْخَطِيب أَبى عبد الله بن مَرْزُوق جَوَابا عَن كِتَابه وَقد اسْتَقر خطيب السُّلْطَان بتونس حرسها الله، وأعزه
(وَلما أَن نأت مِنْكُم دياري
…
وَحَال الْبعد بَيْنكُم وبيني)
(بعثت لكم سوادا فِي بَيَاض
…
لأنظركم بِشَيْء مثل عَيْني)
بِمَ أفاتحك يَا سَيِّدي، وَأجل عددي سَلاما. فَلَا أحذر ملاما، أَو انتخب لَك كلَاما، فَلَا أجد لتبعة التَّقْصِير فِي حَقك الْكَبِير إيلاما. وان قلت تَحِيَّة كسْرَى فِي السنا وَتبع، فكلمة فِي مربع العجنة تربع، وَلها المصيف فِيهِ والمربع، وَالْحَمِيم والمنبع، فتروى مَتى شَاءَت وتشبع، وَإِن قلت إِذا الْعَارِض خطر، وهمي أَو قطر، سَلام الله يَا مطر، فَهُوَ فِي الشَّرِيعَة بطر، ومركبه خطر، وَلَا يرْعَى بِهِ وَطن، وَلَا يقتضى بِهِ وطر، وَإِنَّمَا الْعرف الأوشج، وَلَا يَسْتَوِي البان والبنفسج، والعوسج والعرفج.
(سَلام وَتَسْلِيم وروح وَرَحْمَة
…
عَلَيْك وممدود من الظل سَجْسَج)
وَمَا كَانَ فضلك ليمنعني الْكفْر أَن أشكره، وَلَا ينسيني الشَّيْطَان أَن أذكرهُ، فأتخذ فِي الْبَحْر سَببا، أَو أسلك غير الوفا مذهبا - تأبى ذَلِك والْمنَّة لَك طباع، لَهَا فِي مجَال الرعى بَاعَ، وَتَحْقِيق وإشباع، وسوائم من الْإِنْصَاف، ترعى فِي رياض الِاعْتِرَاف. فَلَا يطرقها ارتياع. وَلَا تخيفها أَسْبَاع، وَكَيف تجحد تِلْكَ الْحُقُوق، وَهِي شمس ظهيرة، وآذان عقيرة جهيرة، فَوق مئذنة شهيرة، أدَّت الأكتاد لَهَا ديونا تستغرق الذمم، وتسترق حَتَّى الرمم، فَإِن قضيت فِي الْحَيَاة، فَهِيَ الخطة الَّتِي ترتضيها، وَلَا تقنع من عَامل الدَّهْر المساعد، إِلَّا أَن ينفذ مراسيها ويمضيها. فَإِن قطع الْأَجَل، فالغني الحميد من خزانه الَّتِي لَا تبيد يَقْضِيهَا، ويرضى من يقتضيها، وَحيا الله أَيهَا الْعلم السامى الْجلَال، زَمنا بمعرفتك المبرة على الآمال بر وأتحف، وَإِن أَسَاءَ بِفِرَاقِك وأجحف، وأظفر بالبتيمة المذخورة للشدائد والمزاين، ثمَّ أوحش مِنْهَا لصونه هَذِه الخزائن،
فآب حنين الأمل بخفيه، وَأصْبح الْمغرب غَرِيبا يقلب كفيه. نَسْتَغْفِر الله من هَذِه الغفلات، ونستهديه دَلِيلا فِي مثل هَذِه الفلوات. وأى ذَنْب فِي الْفِرَاق للزمن أَو [الْغُرَاب الدمن] أَو للرواحل المدلجة مَا بَين الشَّام إِلَى الْيمن، وَمَا مِنْهَا إِلَّا عبد مقهور، وَفِي رقة الْقدر مبهور، عقد وَالْحَمْد لله مَشْهُور، وَحجَّة لَهَا على النَّفس اللوامة ظُهُور، جعلنَا الله مِمَّن ذكر الْمُسَبّب فِي الْأَسْبَاب، وتذكره، وَمَا يتَذَكَّر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب، قبل غلق الرَّهْن وسد الْبَاب. وَبِالْجُمْلَةِ فالفراق ذاتي ووعده ماتي، فَإِن يكن، فَكَانَ قد، مَا أقرب الْيَوْم من الْغَد، والمرء فِي الْوُجُوب غَرِيب، وكل آتٍ قريب، وَمَا من مقَام إِلَّا لزيال من غير احتيال، والأعمال مراحل وَالْأَيَّام أَمْيَال.
(نصيبك فِي حياتك من حبيب
…
نصيبك فِي مَنَامك من خيال)
جعل الله الْأَدَب مَعَ الْحق شَأْننَا، وَأبْعد عَنَّا الْفرق الَّذِي شاننا. وَأَنِّي لأسر لسيدي بِأَن رعى الله [فِيهِ صَلَاح] سلفه، وتداركه بالتلافي فِي تلفه، وخلص بدر سعادته من كلفه، وأجله من الْأَمْن فِي كنفه، وعَلى قدر مَا تصاب الْعليا، وَأَشد النَّاس بلَاء الأنبيا، ثمَّ الأوليا، هَذَا وَالْخَيْر وَالشَّر فِي هَذِه الدَّار المؤسسة على الأكدار، ظلان مضمحلان، فَإِذا ارْتَفع مَا ضرّ أَو مَا نفع، وَفَارق الْمَكَان، فَكَأَنَّهُ مَا كَانَ. وَمن كَلِمَات الْمَمْلُوك الْبعيد عَن السلوك، إِلَى أَن يَشَاء ملك الْمُلُوك:
(خُذ من زَمَانك مَا تيَسّر
…
واترك بجهدك مَا تعسر)
(ولرب مُجمل حَالَة ترْضى
…
بِهِ مَا لم يُفَسر)
(والدهر لَيْسَ بدائم لَا بُد
…
أَن سيسوء إِن سر)
(واكتم حَدِيثك جاهدا
…
شمت الْمُحدث أم تحسر)
(وَالنَّاس آنِية الزّجاج
…
إِذا عثرت بِهِ تكسر)
(لَا تعدم التَّقْوَى فَمن عدم
…
التَّقْوَى فِي النَّاس أعْسر)
(وَإِذا امْرُؤ خسر الْإِلَه
…
فَلَيْسَ خلق مِنْهُ أخسر)
وَإِن لله فِي رعيك لسرا، ولطفا مستمرا، إِذْ أَلْقَاك اليم إِلَى السَّاحِل، فَأخذ بِيَدِك من ورطة الواحل، وحرك مِنْك عَزِيمَة الراحل إِلَى الْملك الحلاحل، فأدالك من إبراهيميك سميا وعرفك بعد وسميا، ونقلك من عناية إِلَى عناية، وَهُوَ الَّذِي يَقُول، وَقَوله الْحق:{مَا ننسخ من آيَة} ، الْآيَة.
وَقد وصل كتاب سَيِّدي، يحمد، وَالْحَمْد لله العواقب، ويصف المراقي الَّتِي حلهَا والمراقب، وينشر المفاخر الحفصية والمناقب، وَيذكر مَا هيأه الله لَهُ، من إقبال ورخاء بَال، وخصيصي اشْتِمَال، ونشوز آمال، وَأَنه اغتبط وارتبط، وَألقى العصى بعد مَا خبط، وَمثل تِلْكَ الْخلَافَة الْعلية من تزن الذوات الْمَخْصُوصَة من الله، بشريف الأدوات، بميزان تمييزها، وتفرق شبه الْمَعَادِن وإبريزها، وَشبه الشَّيْء مثل مَعْرُوف، وَلَقَد أَخطَأ من قَالَ النَّاس ظروف، إِنَّمَا هم شجرات ريع فِي بقْعَة ماحلة، وإبل مائَة لَا تَجِد فِيهَا رَاحِلَة، وَمَا هُوَ إِلَّا اتِّفَاق، ونجح للْملك وإخفاق، وقلما كذب إِجْمَاع وإصفاق، والجليس الصَّالح لرب السياسة أمل مَطْلُوب، وحظ إِلَيْهِ مجلوب، إِن سُئِلَ أطرف، وَعمر الْوَقْت ببصاعة أشرف، وسرق الطباع، وَمد فِي الحسات الباع، وسلا فِي الخطوب، وأضحك فِي الْيَوْم القطوب، وَهدى إِلَى أقوم الطّرق، وأعان على نَوَائِب الْحق، وَزرع لَهُ الْمَوَدَّة فِي قُلُوب الْخلق، زَاد الله سَيِّدي لَدَيْهَا قربا أثيرا، وَجعل فِيهِ.
للْجَمِيع خيرا كثيرا، بفضله وَكَرمه، ولعلمي أبقاه الله، أَنه يقبل نصحي، وَلَا يرتاب فِي صدق صبحي، أغبطه بمثواه، وأنشده مَا حضر البديهة فِي مسرته هَذِه ونجواه:
(بمقام إِبْرَاهِيم عذ واصرف بِهِ
…
نكرا تروق عَن بواعث تفتر)
(بجواره حرم الله وَأَن حمامة
…
وَرْقَاء والأغصان عود الْمِنْبَر)
(فَلَقَد أمنت من الزَّمَان وريبه
…
وَهُوَ المروع للمسيء وللبر)
وَإِن تشوف سيدى للْحَال فلعمر وليه لَو كَانَ الْمَطْلُوب دينا لوَجَبَ وُقُوع الاجتزاء والاغتباط بِمَا تحصل فِي هَذِه الجذور الْمَبِيعَة فِي حَانُوت الزُّور، من السِّهَام الوافرة الْأَجْزَاء. فالسلطان، رعاه الله، يُوجب مَا فَوق مزية التَّعْلِيم، وَالْولد، هدَاهُم الله، قد أخذُوا بِخَط قل أَن ينالوه بِغَيْر هَذَا الإقليم، والخاصة والعامة تعامل بِحَسب مَا بلته من نصح سليم، وَترك لما بِالْأَيْدِي وَتَسْلِيم، وتدبير عَاد على عدوه بِالْعَذَابِ الْأَلِيم، إِلَّا من أبدى السَّلامَة وَهُوَ من أبطال الْجَسَد بِحَال السَّلِيم، وَلَا يُنكر ذَلِك فِي الحَدِيث وَلَا فِي الْقَدِيم، لَكِن النَّفس منصرفة عَن هَذَا الْغَرَض، نافضة يَدهَا من الْعرض، قد فوتت الْحَاصِل، ووصلت فِي الله الْقَاطِع، وَقطعت الْوَاصِل، وصدقت لما نصح الفود الناصل، وتأهبت للقاء الْحمام الْوَاصِل:
(أنظر إِلَى الشيب قد نصلا
…
وزاير الْأنس بعده انفصلا)
(ومطلبي وَالَّذِي كلفت بِهِ
…
حاولت تَحْصِيله فَمَا حصلا)
(لَا أمل مسعف وَلَا عمل
…
وَنحن فِي ذَا وَالْمَوْت قد وهلا)
وَالْوَقْت إِلَى الْإِمْدَاد مِنْكُم بِالدُّعَاءِ فِي الأصائل والأسحار، إِلَى مقيل العثار، شَدِيد الافتقار، وَالله عز وجل يصل لسيدي رعى جوانبه، ويتولى تيسير آماله
من فَضله العميم ومآربه، من التَّحِيَّة المحملة، من فَوق رحال الأريحيات أزكاها، مَا أوجع الْبَرْق الْغَمَام فأبكاها، وَحمد الرَّوْض جمال النُّجُوم الزواهر فقاسها بمياسم الأزاهر وحكاها، وَاصْطفى هرم اللَّيْل عِنْد الْميل عَصا الجوزاء وتوكأها، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا صدر عني مِمَّا أجبْت بِهِ عَن كتاب بَعثه إِلَى الْفَقِيه الْكَاتِب عَن سُلْطَان تلمسان أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف الْقَيْسِي
(حَيا تلمسان الحيا فربوعها
…
صدف يجود بدرها الْمكنون)
(مَا شيت من فضل عميم إِن سقى
…
أروى وَمن لَيْسَ بالممنون)
(أَو شيت من دين إِذا قدح الْهدى
…
أورى وَدُنْيا لم تكن بالدون)
(ورد النسيم لَهَا بنشر حديقة
…
قد أزهرت أفنانها بفنون)
(وَإِذا حَبِيبَة أم يحيى أنجبت
…
فلهَا الشفوف على عُيُون العون)
مَا هَذَا النشر، والصف الْحَشْر، واللف والنشر، وَالْفَجْر والليالي الْعشْر، شذا كَمَا تنفست دارين، وحلل رقم حللها التزيين، وَبَيَان قَامَ على إبداعه الْبُرْهَان الْمُبين، وَنقش وشى بِهِ طرس فجَاء كَأَنَّهُ الْعُيُون الْعين، لَا بل مَا هَذِه الْكَتَائِب الكتبية، الَّتِي أطلقت علينا الأعنة، وأشرعت إِلَيْنَا الأسنة، وراعت الْإِنْس وَالْجنَّة، فأقسم بالرحمن لَوْلَا أَنَّهَا رفعت شعار الْأمان، وحيت بِتَحِيَّة الْإِيمَان، لراعت السرب، وعاقت الذود أَن يرد الشّرْب، أظنها مدد الْجِهَاد قدم، وشارد الْعَرَب اسْتعْمل فِي سَبِيل الله واستخدم، والمتأخر على مَا فَاتَهُ نَدم، والعزم وجد بعد مَا عدم. نَسْتَغْفِر الله إِنَّمَا هِيَ رقاع رقاع، وصلات صلات لَيْسَ فِيهَا سَهْو وَلَا إرقاع، وَبَطل لَهَا بَطل الطباع [الْكَرِيمَة اشفاع] وألحان بَيَان يعضدها إِيقَاع،
ودر منسوق، وَرطب نخلها بسوق، وَللَّه در الْقَائِل، الْملك سوق. وَمن يصبر للشَّيْخ على كَتِيبَة تتبعها كَتِيبَة، واقتضاء وجيبة، من ذِي غيلَة غير نجيبة. بَيناهُ يكابد من مُرَاجعَة الْحَيّ من حَضرمَوْت الْمَوْت، وَلَا يكَاد يرجع الصَّوْت إِذْ صبحته قيس، وَهِي الَّتِي شذت عَن الْقيَاس، وأحجمت عَن مبارزتها أسود الأخياس، فلولا امْتِثَال أَمر، وصبر على جمر، لأعاد مَا حكى فِي مبارزة الْوَحْي عَن عَمْرو، فتحرج من الخطل، وَبَين عذر الْمُكْره عَن مفاخرة البطل ألم يدر قَابل رعيلها، وزائر عيلها، أَنى أمت بِذِمَّة من عَهده لَا تخفر، وَأَن ذَنْب إضافتي لَهُ لَا تغْفر، وَحقه الْحق الَّذِي لَا يجْحَد وَلَا يُنكر.
(لما رَأَتْ راية الْقَيْسِي زاحفة
…
إِلَى ريعت وَقَالَت لي وَمَا الْعَمَل)
(قلت الوغى لَيْسَ من رَأْيِي وَلَا عملى
…
لَا نَاقَة لي فِي هَذَا وَلَا جمل)
(قد كَانَ ذَلِك ورثاث الصميل ضحى
…
يهز عطفي كَأَنِّي شَارِب ثمل)
(والآن قد صوح المرعى وقوضت
…
الخيمات والركب بعد اللَّيْث مُحْتَمل)
(قَالَت أَلَسْت شهَاب الْحَرْب تضرمها
…
حاشى العلى أَن يُقَال استنوق الْجمل)
(وَإِن أحسن من هَذَا وَذَا وزر
…
بِمثلِهِ فِي الدَّوَاهِي يبلغ الأمل)
(هَذَا الْحمى لابي حمو استبحرن فَفِيهِ
…
الْأَمْن منسدل وَالْفضل مكتمل)
(وَالله لَو أهمل الرَّاعِي النفاد بِهِ
…
مَا خَافَ من أَسد حنقان بِهِ همل)
(تكون من قوم مُوسَى إِن قضوا عدلوا
…
وَإِن تقاعد دهر جَائِر حمل)
(فَقلت كَانَ لَك الرَّحْمَن يعدى مَا
…
سواهُ مُعْتَمد والرأي معتمل)
(فها أَنا تَحت ظلّ مِنْهُ يلحفني
…
والشمل منى بستر الْعِزّ يشْتَمل)
(فعل لقيس لقد خَابَ الْقيَاس فَلَا
…
بُد الصَّاع وَتَحْت اللَّيْل فَاحْتمل)
(دَامَت لَهُ ديم النعماء مساجلة
…
يمناه تنهمل الْيُمْنَى فتنهمل)
(وَأمنت شمس علياه الأفول إِلَى
…
طي الْوُجُود فَلَا شمس وَلَا حمل)
وَلَو أخوى والعوذ بِاللَّه نجم هَذَا المقات، وَلم يَتَّصِف السَّبَب وحاشاه بالاتصال وَلَا بالانبتات، فمرعى الْعدْل مكفول، وَسبب الرِّفْق مَوْصُول، وَإِن استجرت نصول، والهرب تأبى الْأَبْطَال التنزل إِلَى نزاله، والناسك التائب يدين ضرب الغارات باعتزاله، إِلَّا من أعزق فِي مَذْهَب الخارجين الأخرق، نَافِع بن الْأَزْرَق، وحسبي، وَقد سَاءَ كسبي أَن أترك الْحَظْر لراكبه، وأخلى الطَّرِيق لمن يَبْنِي الْمنَار بِهِ ونسير بسير أمثالي من الضُّعَفَاء، ونكف، فَهُوَ زمن الانكفاء، ونسلم مخطوبة هَذَا الْفَنّ إِلَى الْأَكفاء، ونقول بالبنين والرفاء، فقد ذهب الزَّمن الْمَذْهَب، وَتبين الْمَذْهَب، وشاخ الْبَازِي الْأَشْهب، وعتاد الْعُمر ينهب، ومرهب الْفَوْت من فَوق الْفَرد يرقب. اللَّهُمَّ ألهم هَذِه الْأَنْفس رشدها واذكرها للسكرات وَمَا بعْدهَا، إيه أخي وَالْفضل وصفك ونعتك، والزيف يبهرجه بختك، وسهام البراعة انْفَرد بهَا بريك ونحتك. وصلتني رِسَالَتك الْبرة، لَا بل غمامتك الثرة، وحبتني ثغور فضلك المفترة، فعظمت بورودها المسرة، جددت الْعَهْد بمحبوب لقائك، وأنهلت طامي الاستطلاع فِي سقائك واقتضت تَجْدِيد الدُّعَاء ببقائك، إِلَّا أَنَّهَا رُبمَا ذهلت عِنْد وداعك، أَو بهر عقلهَا نور إبداعك، فَلم تلقن الْوَصِيَّة،
وسلكت المسالك القصية، وأبعدت من التطوف، وَجَاءَت تبتغي من أسرار التصوف وَمَتى تقرن هَيْبَة السَّبع الشداد بحانوت الْحداد، أَو تنظر أَحْكَام الِاعْتِكَاف بدكان الإسكاف، أَو يتَعَلَّم طبع الشغال بحانوت الْبَقَّال، وَالظَّن الْغَالِب، وَقد تَلْتَبِس المطالب، أَنكُمْ أمرتموها لما أصدرتموها بأعمال التشوف، عَن مقاصدي فِي أغراض التففل والتسوف، فَطُرِدَتْ بِحكم الْإِبْدَال غابته عَمَّا يلْزم من الْجِدَال، وَسمعت السِّين صادا وَلم تلف لإشراك الْمطلب مضادا، وَلَا لزرع الْوَصِيَّة حصادا، وَالله يَجْعَل الْمُحب عِنْد ظن من نظر بمرآته أَو وصف بِبَعْض صِفَاته، وَهِي تذلق عَن صِفَاته. فالتصوف أشرف، وظلاله أورف من أَن يَنَالهُ كلف بباطل، أَو مغرور بسراب ماطل، لَا ير بَاب هاطل، ومفتون بِحَال حَال أَو عاطل، وَمن قَالَ وَلم يَتَّصِف بمقاله، فعقله لم يرم عَن عقاله وخيال أثقاله مَانِعَة لَهُ عَن انْتِقَاله، وعَلى ذَلِك، وَبعد تَقْرِير هَذِه المسالك، فقد غمرت يداها كي لَا تعود بهَا صفرا بعد إِعْمَال السّفر، أَو ترى أَنَّهَا قد طولبت بذنب الْغَلَط المغتفر، وأصبحت الْمُرَاجَعَة بِمَجْلِس وعظ، فتحت بِهِ بَاب الْفَرح، إِلَى إِنْكَار الإِمَام أبي الْفَرح، وفن الْوَعْظ لما سَأَلَ الْأَخ، هُوَ الصّديق المسعد، والمبرق قبل غمامة رَحمته والمرعد، وَللَّه در الْقَائِل، لست بِهِ وَلم تبعد، والاعتراض بعد لَازم، لَكِن الْإِسْعَاف لقصده لَازم، وعامله عِنْد الاعتلال بالعذر جازم، وإعضاؤه ملتمس وفضله لَا يخبو مِنْهُ قبس. وعذرا أَيهَا الْفَاضِل وَبعد الِاعْتِذَار عَن الْقَلَم المهذار، وإغفال الْجِدَار، اقْرَأ عَلَيْهِ من طيب السَّلَام، مَا يخجل أزهار الكمام، عقب الْغَمَام، وَرَحْمَة الله من ممليه على الْكَاتِب، ولعلها تغتر من عتب العائب فلَان، فَإِنِّي كتبت وَاللَّيْل دامس، وبحر الظلام طامس، وَعَادَة الكسل طبع خَامِس، والنابح بشكوى الْبرد هامس، والذبال النادم خَافت، لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ الْفراش
المتهافت، يقوم وَيقْعد، ويفيق ثمَّ يرعد، ويزخر ثمَّ يخمد، ويتحرك ويحمد، وَرُبمَا صَار ورقة آس، ومبضع راس، وَرُبمَا أشبه العاشق فِي البوح بِمَا يخفيه، وظهوره من فِيهِ، [فتمليه الآمال وتلويه] وتميته النواسم الهبابة، بعد مَا تحييه، والمطر قد تعذر مِنْهُ الوطر، وشرفه الْخطر، وَفعل فِي الْبيُوت المتداعية مَالا يَفْعَله التّرْك والتطر، والنشاط قد طوى مِنْهُ الْبسَاط، والجوارح بالكلال تعتذر، ووظائف الْغَد تنْتَظر، والفكر فِي الْأُمُور السُّلْطَانِيَّة جائل، وَهِي بَحر هائل، ومثلى مَفْتُوح مِنْهُ باليسير، ومعذور فِي قصر الباع، وَضعف الْمسير. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك فِي مُرَاجعَة عَن نَفسِي للسُّلْطَان بتونس أبي إِسْحَق ابْن السُّلْطَان أبي يحيى أعزه الله
الْمقَام الإمامي الإبراهيمي، المولوى، المستنصري، الحفصي، الَّذِي كرم فرعا وأصلا وَشرف جِنْسا وفصلا وتملأ فِي ظلّ رِعَايَة الْمجد من لدن المهد كرما وخصلا، وصرفت متجردة الأقلام إِلَى مثابة خِلَافَته، المنصورة الْأَعْلَام، وُجُوه عمادة الْكَلَام، فاتخذوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى. مقَام مولى أَمر الْمُسلمين، الْخَلِيفَة الإِمَام أبي يحيى أبي بكر ابْن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين. أبقاه الله تهوى إِلَيْهِ الأفئدة كلما انتشت بِذكرِهِ، وتتنافس الْأَلْسِنَة فِي إِحْرَاز غَايَة حَمده وشكره، وتتكفل الأقدار بإنفاذ نَهْيه وَأمره، ونغري عوامل عوامله بِحَذْف زيد عدوه وعمروه، ويتبرع أسمر اللَّيْل وأبيض النَّهَار رَبًّا بإعمال بيضه وسمره، وَلَا زَالَ
حسامه الْمَاضِي يفنى يَوْمه عَن شهره، وَالرَّوْض يحييه بمباسم زهره، وَيرْفَع إِلَيْهِ رفع الْحَمد ببنان قضبه، الناشئة من معصم نهره، وَولى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، يمتعه بهما بعد الْإِعَانَة على سهره، يقبل بساطه المعود الاستلام بصفحات الخدود، الرافع عماده ظلّ الْعدْل الْمَمْدُود، عِنْد مقَامه الْمَحْمُود، ووارد غمر إنعامه غير المنزور، وَلَا المثمود، الْمثنى على مننه العميمة ومنحه الجسيمة، ثَنَاء الرَّوْض المجود على العهود فلَان. من بَاب الْمولى مُوجب حَقه، المتأكد الْفُرُوض، الثَّابِت الْعُقُود، الممتد مِنْهُ بالود الْجَامِع الرسوم وَالْحُدُود، وَالْفضل المتوارث عَن الْآبَاء والجدود، يسلم على مثابتها سَلام مثلى على مثلهَا، إِن وجد الْمثل فِي الثَّانِي، ويعوذ كَمَا لَهَا بالسبع المثاني، وَيَدْعُو الله لسلطانها بتشييد المباني، وتيسير الْأَمَانِي، وَينْهى إِلَى عُلُوم تِلْكَ الْخُلَاصَة الفاروقية المقدسة بمناسب التَّوْحِيد، المستولية من مدارك الآمال على الأمد الْبعيد، أَن مخاطبتها المولوية، تأدت إِلَى الْمَمْلُوك فارعة للعلا من عفرَة الْحلَل والحلا، ذهبية المجتلا، تفِيد الْعِزّ المكين، وَالدُّنْيَا وَالدّين، وترعى فِي الأنباء الْبَنِينَ، على مر السنين، {صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين} ، قد حملت من مدرجها الْكَرِيم مَا أخْفى للملوك من قُرَّة عين، ودرة زين، جَنِين الشّرف الوضاح، ومستوجب الْحق على مثله من الْخلق بِالنّسَبِ الصراح، وَالْغرر الأوضاح والأرج الفواح. فاقتنى دره النفيس، وَوجد للدوح من جَانب الْخلَافَة التَّنْفِيس، وَقواهُ لما قراه التَّعْظِيم وَالتَّقْدِيس، وَقَالَ {يَا أَيهَا الْمَلأ إِنِّي ألقِي إِلَيّ كتاب كريم} ، وَإِن لم يكن بلقيس أَعلَى الله تِلْكَ الْيَد مطوقة الأيادي، ومحجلة الْغَمَام والغوادي، وأبقاها عامرة النوادي، غالبة الأعادي، وَجعل سيفها السفاح، ورأيها الرشيق، وَعلمهَا الْهَادِي، وَوصل مَا ألطف بِهِ من أشتات بر بلغت، وموارد فضل سوغت مِنْهَا الإلهية مَا سوغت، أمدتها سَعَادَة الْمولى،
بمدد لم يضر مَعَه الْبَحْر الهائل، وَلَا الْعَدو الغائل، وَأقَام أودها عِنْد الشدائد للفلك الْمسَائِل، لَا بل الْملك الَّذِي لَهُ إِلَى الله الْوَسَائِل، وَحسب الجفن رسالتكم الْكَرِيمَة لحظا بصار وَأكْرم، وعوذة فتعوذ بهَا وَتحرم، وَتَوَلَّى الْمَمْلُوك تَنْفِيقِ عروضها بانشراح صَدره، وعَلى قدره، فَوَقَعت الْموقع الَّذِي لم يقعه سواهَا، فَأَما الْخَيل فَأكْرم مثواها، وَجعلت جنَّات الصون مأواها، وَلَو كُسِيت الرّبيع الزهر حللا، وأوردت فِي نهر المجرة علا ونهلا، وقلدت النُّجُوم العواتم حلا، ومسحت أعطافها بمنديل النسيم، وألحفت بأردية الصَّباح الوسيم، وافترشت لمرابطها الحشايا، وأقضمت حبات الْقُلُوب بالعصايا، لَكَانَ بعض مَا يجب لحقها الَّذِي لَا يجْحَد فَضله، وَلَا يحتجب، وَمَا عَداهَا من الرَّقِيق والفتيان، رُعَاة ذَلِك الْفَرِيق، يكتنفه الِاسْتِحْسَان، ولطنب الِاعْتِقَاد وَإِن قصر اللِّسَان، تولى الله تِلْكَ الْخلَافَة بالشكر الَّذِي يحْسب العطا، وَالْحِفْظ الَّذِي يسبل الغطا، والصنع الَّذِي ييسر من مطى الآمال الامتطا. وَأما مَا يخْتَص بالمملوك فقد خصّه بقبوله تبركا بِتِلْكَ الْمَقَاصِد الَّتِي سددها الدّين وعددها الْفضل الْمُبين، وَأنْشد الْخلَافَة الَّتِي راق من مجدها الجبين:
(قلدتني بفوائد أخرجتها من
…
بَحر جودك وَهُوَ ملتطم البثج)
(ورعيت نسبتها فَإِن سبيكة
…
مِمَّا يلائم لَوْنهَا قطع السبج)
والمملوك بِهَذَا الْبَاب النصري أعزه الله، مَا أنسى الْأَجَل على قدم خدمه، وقائم بشكر منَّة لكم ونعمه، وحاضر فِي جملَة الْأَوْلِيَاء بدعائه وحبه، ويتوسل فِي بَقَاء أيامكم، [وَنصر أعلامكم] إِلَى ربه، وَإِن بعد بجسمه فَلم يبعد بِقَلْبِه. وَالسَّلَام الْكَرِيم الطّيب الْبر العميم يَخُصهَا دَائِما مُتَّصِلا، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أَبَا عبد الله بن عمر التّونسِيّ
سَيِّدي الَّذِي عَهده لَا ينسى، وَذكره يصبح فِي ترديده (بالجميل) ويمسي أبقاكم الله [تجلوه] من السَّعَادَة شمسا وتصرفون فِي طَاعَته لِسَانا فَردا وبنانا خمْسا. وصلني كتابكُمْ الْأَشْعَث الأغبر، ومقتضبكم الَّذِي أضفاثه لَا تعْتَبر شاهدة بِعَدَمِ الاعتنا أوضاعه، مَعْدُوما إمتاعه، قَصِيرا فِي التَّعْرِيف بِالْحَال المتشوف إِلَيْهَا بَاعه متضمنا الإحالة على حلى من مَعْنَاهَا، غير متلبس بموحدها وَلَا مثناها. سَأَلته كَمَا يسْأَل الْمَرِيض عَمَّا عِنْد الطَّبِيب، ويحرص الحبيب على تعرف أَحْوَال الحبيب، يذكر أَنه لم يتَحَمَّل غير تِلْكَ السحاة المفنية فِي الِاخْتِصَار، المجمعة بخطى الإسماع والإبصار، فهممت بالعتب على الْبُخْل بالكتب، ثمَّ عذرت سَيِّدي بِمَا [يعْتَذر بِهِ] مثله من شواغل تطرق، وخواطر تُومِضْ وتبرق، وَإِذا كَانَ آمنا سربه، مهنأ شربه، فَهُوَ الأمل، ونقيع هَذَا الْمُجْمل، وَإِن كَانَ التَّفْسِير هُوَ الْأَكْمَل، وَمَا تمّ مَا يعْمل ووده فِي كل حَال وده، وَالله بالتوفيق يمده، وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الشَّيْخ الْفَقِيه الْخَطِيب أَبَا عبد الله بن مَرْزُوق وَقد بَلغنِي إيابه من زِيَارَة الصلحاء بريف باريس ضجرا لحمل الدولة متراوغا عَنْهَا
سَيِّدي أبقاك الله، تعرج على البقع المزورة ركاب الْجَلالَة، وتورث مراقى الْمَقَابِر لَا عَن كَلَالَة، وتتبجج فِي صميم الْعَمَل الصَّالح بَين السّلف والسلالة.
كَانَت لي آمال أرى لقاك أجلهَا وعمدة الاشتهار الْأَيَّام وأدرجتها، وَعَفا رسمها لما نسجتها، وَالدُّنْيَا حَلُوب خلوب، ومغالب الْقدر مغلوب، وبيد الله أَفْئِدَة وَقُلُوب، وَإِن ساءت ظنون، فثم الْكَاف وَالنُّون، ومؤلف الضَّب وَالنُّون، وَمَا الدَّهْر إِلَّا منجنون أرضانا الله بمصارف الْقدر، وعوضنا مِنْهُ بالحظ المبتدر، وفرغنا للورد الْبعيد والصدر، فَأَنا الْيَوْم لَا آمل إِلَّا لقاءك الَّذِي هُوَ الْحَظ، وَإِن فتك الزَّمن الْفظ، وللنصير لما سَاءَ الْمصير، والكهف لما عظم اللهف، وَكَيف لَا [ورعبك] استخرج من الرَّكية، وَسمع على الْبعد صَوت الشكية، وجودك أعطا وأمطا، وجادك فرش وغطا، فَإِن ذوت أَغْصَان الصَّنَائِع، فلقح جحود، وأصبحت الْأَيَّام الْبيض من الغمد فِي لحود، وأغصان صنائعك قبلنَا قد زهت بحبها وأبها، وحيتها نواسم الْقبُول من مهبها، وأياديك لَدَى أَحيَاء عِنْد رَبهَا، نَسْأَلهُ جلت قدرته الْقَدِيمَة، ووسعت كل شَيْء رَحمته الَّتِي هَمت مِنْهَا الديمة، أَن يجعك جَاهِل فِي الشُّمُول جنس الْأَجْنَاس، وربعك ميدان جِيَاد السرُور والإيناس، ويعصمك يَا مُحَمَّد الْحَمد من النَّاس، وَيجْعَل سعيك مشكورا، وفخرك مَذْكُورا، وقصدك مأجورا، وبابك لَا غفلا وَلَا مَهْجُورًا، ومقامك حجا عَن النوائب مَحْجُورا. وَإِنِّي لما طرق النبأ بوجهتك فِي سَبِيل الْبر والفضائل الغر، وتجدد عَهْدك بِزِيَادَة أولى الْفَضَائِل الباهرة الْآيَة، والمشايخ أشباه سلفك فِي تعدد الْولَايَة، قلت هَذَا حنين لفصيله، وجذب عَن أَسبَاب اصليه، وتحويم على شَرِيعَة ومقدمة أبوة سريعة. مهلا مهلا، فَلم يدع الْعلم جهلا، وَأهلا بمقامك الَّذِي
أقامك الله فِيهِ وسهلا، وَلَو زرت طيفورا أَو سهلا، كف الأكف العادية، وَبث المراشد الرايحة والغادية، وَخِلَافَة الْهِدَايَة الهادية، وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم حجَّة بادية، وَمن وَاقع فَليدع نَادِيه، وَللَّه در رَابِعَة، وَقد شغلت بالحي عَن الْمَيِّت، وبالمشكاة عَن الزَّيْت، فَقَالَت النَّاس يطوفون بِالْبَيْتِ وَإِن [شوق] ارتياض ومران، وَكَاد يلفي بمعطن التَّجْرِيد خوان فَلَيْسَ يحمد قبل النَّضْح بحران، وَعلم السياسة قلب، وود إخْوَان الخوان بارقة خلب، وَفرع دوحتك الَّذِي فِي هضبة الْمِنْبَر الإمامي قد غرسته، وديوان النشأة الطاهرة قد درسته، تعاهده بِالْكَفَالَةِ حَتَّى يشبح، ويرقب دوحه وينتسج، وَلَا توحش منابعه الْمُبَارَكَة بأغباب شمسك، ومتعه وأخويك، بنعيم ملكك، إِذا لَا قدمة لنَفسك، على رد أمسك، وَإِذا ذكر الْقدر فَأمْسك، وَهوى مماليك سَيِّدي، أَن لَا يَقع تعويض، وَلَا يعْدم للمدبر الْحَكِيم تَسْلِيم وتفويض. فَالَّذِي دبره فِي الأحشاء، وَحكم فِي صورته الْحَسَنَة، يَد الْإِنْشَاء، حَيْثُ لَا سَبَب يعْمل، وَلَا فكر فِيمَا يلقى، وَلَا فِيمَا يعْمل، وَلَا حِيلَة بِحكم الْقُوَّة العاجزة وَاللِّسَان الأبكم هُوَ الْكَفِيل لَك بِحِفْظ المنصب، وصون الجناب المخصب، حَتَّى نستوفي عمر:[النِّهَايَة حلْس] وِسَادك فائزا بنعيم الدَّار على رغم حسادك، وتطرب إِذا قرعت المنابر المفضلة، عصيات حفدتك وأولادك، تَحت كفالتك وإرفادك. وسيدي شيخ زَاوِيَة الْخلَافَة، فَلَا أقفر مِنْهُ مِحْرَابهَا، وَلَا أغفلت من غرر صنائعه الْبيض عرابها، وَلَا استوحش من حسام رَأْيه السديد قرابها. وعندما ورد البشير بِرُجُوع نفرك الْأَعْظَم إِلَى بَيت شرفه، واستحثاث بريد الْخلَافَة ركاب مُنْصَرفه، قلت اللَّهُمَّ اكْتُبْ خطاه وأجره، واربح فِي مُعَاملَة أوليائك تجره، وغبطه بعد بالْمقَام فِي الْمقَام الَّذِي فِيهِ أفمته، وأرغمت
الْبَاطِل ووقمته، وهنه الإياب الَّذِي أزحت بِهِ الارتياب، وَالْقَبُول الَّذِي كفيت بِهِ آمالنا الأفول وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مِمَّا خاطبت بِهِ أحد الجلة بِمَا نَصه:
أبقى الله أَيَّام الْمجْلس العلمي العملي، يانعة بِالْفَضْلِ أدواحه، مؤيدة بِروح الله أرواحه، وَلَا زَالَ نور علمه مشرقا صباحه ونسيم ثنائه شهرا غدوه، وشهرا رَوَاحه، بِمَا أثنى على شمائله الَّتِي لَو كَانَت الشَّمَائِل أفكارا، لكَانَتْ حجازا، أَو كَانَت ألفاظا، لكَانَتْ حَقِيقَة لَا مجَازًا، أَكَانَت مواعيد، لكَانَتْ إنجازا، أَو كَانَت آيَات، لكَانَتْ إعجازا، أَو أكافىء بعض فضائله الَّتِي لَو كَانَت غيثا مَا خص بَلَدا، أَو شَفَقَة مَا، أثرت أَهلا وَلَا ولدا، أَو قُوَّة نفسانية، لشعرت النُّفُوس بِمَا تكسب غَدا، أَو أراجع بَيَانه الَّذِي إمداده فلكي وإلهامه ملكي، إِلَّا لَو أَنِّي استعرت لمحة من بلاغته الَّتِي بِحَق مَا كَانَت لَهَا المنابر مَوْضُوعَة، والخواطر فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع مَجْمُوعَة، والمبادرة إِلَى التمَاس بركتها مَشْرُوعَة، والأكف فِي أعقابها للاستسقاء بسحابها مَرْفُوعَة. فلعمري لقد كنت أوفى حَقًا، وأشيم من أفق الرِّضَا عَن نَفسِي برقا، لَكِن حسبي نِيَّة أبلغ من الْعَمَل، وعزم مول وَجهه شطر بُلُوغ هَذَا الأمل. وَلم تزل ترد من لدن الْمجْلس العلمي نواسم قدس، وتحييني من تلقائه مباسم أنس حظرت على بُلُوغ الخواطر، فَعَاشَتْ، وتجلت لجبال الْوُجُود فتلاشت، وطش وبلها بساحات الْعُقُول فطاشت. وَمن لخطاب الْمجْلس العالي بمواد تلِيق بصوره، أَو لبات تحمل بذوره، أَو وُجُوه يرضاها الْحق لغرره، أَو افهام تقبض أيديها قَبْضَة من أَثَره. فلولا أَن الْعدْل من شيمه، وَالْمجد من خيمه، وَالْفضل من ديمه، مَا كَانَ من حَقي أَن ألوذ بِغَيْر
الْقُصُور، وَمن لي بمساورة الْأسد الهصور، ومقابلة الْعلم الْمَنْصُور، على أَنِّي أَقف على شكر الْمجْلس لِسَانا لَو ملكت غَيره لوقفته، وَأنْفق على حَمده بَيَانا لَو ظَفرت يَدي بِأَعْلَى مِنْهُ لأنفقته، وَأنْفق فِي الثنا عَلَيْهِ سَببا لَوْلَا اعتمادى يعلى إغصائه مَا لفقته، وَإِذا كَانَ الْعذر لَا يلتبس طَرِيقه، ظهر بِالْقبُولِ فريقه، وساغ للخجل رِيقه. وليعلم سَيِّدي أَن مشرفته وَجههَا إِلَى الْأَمِير أبي الْحسن أثيره صُحْبَة هَدِيَّة تشْتَمل على فذلكة الطّيب. وفلذات الْعود الرطيب، فعجبت من انتماء ذَلِك الأرج حسا وَمعنى إِلَى دارينه، وتذكرت قَوْلهم، عَن الْمَرْء لَا تسل، وسل عَن قرينه. وَقد كَانَ عِنْدِي أثيرا، فَهُوَ الْيَوْم لوصاتكم فلك أثير ومحترما، وَإِن رعيه الْيَوْم لكثير، فَمن أدّى عني بعض بركم، فَكَأَنَّمَا حمل عني فرضا، وَأحسن قرضا، وَعرض على الآمال عرضا، وَقَالَ خُذ حَتَّى ترْضى، وسيدي يسمح فِيمَا حمل عَلَيْهِ الإدلال من جَوَابه وَيجْعَل إغضاء مثابته حَسْبَمَا يلْتَمس من ثَوَابه، فَلَا يخفى عَن عين فَضله مَا منيت بِهِ من شغل متشغب، ومرام للْخدمَة متصعب، بِحَيْثُ يشغلني عَن شأني، ويضايق فِي خطرة الذّكر نامور جناني، فلولا أَنِّي اختلست هَذِه النفثة فِي كَفه، ونسجت لمصليها موقعا فِي صفه، لما وجدت إِلَى بعثها سَبِيلا، وَلَا ألفيت لأملي الضاحي فِي كنف الْمُرَاجَعَة مقيلا. وَالله تَعَالَى يضفي للمجلس العلمي، موارد عرفانه، ويحفظ مِنْهُ على هَذَا الْوُجُود إِنْسَان عينه وَعين إنسانه وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك ماخاطبت بِهِ الْوَزير المتغلب على الدولة بالمغرب فراجعني صَاحب الْعَلامَة، فَكتبت إِلَيْهِ
أبقى الله سَيِّدي للعشى والنوابغ، وَالْحكم البوالغ، وَالنعَم السوابغ، وَلَا زَالَ
يَنُوب عَن أنس الْعِزّ، فَيحسن المناب، ويحمى خوزة الْمجد فيصون الجناب، وَثَبت لَهُ الضرائر النابتة فيرفع بالعذر مَا نَاب، وَلَا زَالَت مَنَابِر بلاغته للكرامات العمرية مظْهرا ومناسك مبراته لحاج الْحَمد وَالشُّكْر حجا ومعتمرا، وَلَا بَرحت أقلامه تأسو الْكَلَام، وَتَنصر الْأَخ كَانَ الظَّالِم على تَأْوِيله أَو الظلوم، وتنشر الْعُلُوم والحلوم، وفقت من الْمُرَاجَعَة الوزارية بِخَط الْيَد الْبَيْضَاء، المستمدة من جيب الْحلم والإغضاء، المقلمة الظفر مَعَ المضاء، الصادعة بِحجَّة سر الِاخْتِيَار والارتضاء فِي غيب الْقَضَاء، ساكبة غمام الرحمات على الرمضاء، فَقلت اللَّهُمَّ بَارك لذِي الْخلق الْحسن فِيمَا وهبت، وأمتعهم مِنْهَا بِمَا قضيت وَمَا كتبت، فنعمت الحضة الصَّادِر بهَا منشور أَمرك لزيدك وعمرك، صفة أنبيائك، وأجياد عُقُود ثنائك، وإمارات اختصاصك، فِي عَالم الْغَيْب واعتنائك. مَا الَّذِي اشْتَمَل عَلَيْهِ ذَلِك الْمَكْتُوب، وَالْعلم الْمَوْهُوب، من أسرار وَخلق أبرار، وأحلا غطى على أمرار، وتنبيه بِحكم انجرار، واعتدال دَار فلكه على قطب دَار قَرَار. فَللَّه تِلْكَ الذَّات العمرية، مَا ألطف شمائلها، وأورف خصائلها، لعمري إِن السعد لمتوليها، ومظهر ثأرها بِفضل الله ومعليها، زَادهَا الله من فَضله أضعافا، وَلَا قطع عَنْهَا إسعادا وإسعافا، وَجعل سِنَان نصرها رعافا، وقوى ضدها موتا زعافا، وشيمة مجدها عدلا وإنصافا، وتخلقا بالجميل واتصافا، غير أَن النَّفس كالصبى والغلام الغبي، إِذا تسومح فِي زَجره وأدبه، جرى من التَّمَادِي على مذْهبه، فشرهها كثير، ولجاجها لنكير الْحق مثير. جعلنَا الله مِمَّن شدّ خطامها، وَأحكم عَن رضَاع ثدي العوائد فطامها، طمحت للمراجعة فِي عنان الهور، ومشت قطوفا بَين مهاوي العور، فَقلت وبماذا يُجيب من انْقَطع، وَكَيف بلبل الشَّك وَالْحق قد سَطَعَ، إِذْ كَانَ خيالك لليلى الأخيلية، فقد قطع حجاج الْحجَّة لِسَانه، بِأَن أَفَاضَ عَلَيْهِ إحسانه، وَإِن كَانَ
جفاؤك اخْتِيَارا، فقد أظهر مُعَاوِيَة الْحلم شَأْنه وَمَا عابه ذَلِك. مَا كَانَ أَبُو سُفْيَان يَبْغِي مِنْهَا وَلَا شَأْنه وَرَاءَك، قبح الله افتراءك، أَنا علمت أَن الطماح من سيء الْأَخْلَاق، وَأَن كَثْرَة المجاوية مِفْتَاح الطَّلَاق، هبك صمت وَقلت وَجَبت وجلت وجزيت وبلت، مَا الْفَائِدَة، وَبَعض الصّديق كالأصبع الزَّائِدَة، وَلما أعيتني مداراتها عَاقبَتهَا على بعض الْفُصُول، وركضتها خطوَات على سَبِيل الفضول، وسامحتها فِي الْجَواب عَن فصلين، إقناعا لطماعها، واستدفاعا لجماحها، لَا وَالله بل لجماجها، أَحدهَا إِنْكَار توهم الْوَرع وزوره المخترع، فِيمَا يخْتَص بِجِهَة الْمُجيب وَالْكَاتِب، والمعتب أبقاه الله والعاتب، وحسبك من مُرَاجعَة نَكِير فِي وَجه الْوَرع بزخرفها المخترع، هَذَا والورع من المقامات السّنيَّة، والنازل الَّتِي يسري بهَا السالك إِلَى رب هَذِه البلية، الْمَسْأَلَة الأولى الْعَزْم على التَّجَافِي عَن أنعام الْوَزير ورفده الغزير، إِذا حط بِبَاب الرحل، وارتبط الْفَحْل، وَحفظ الْأَزَل وَالْمحل، فَأَنا أستقبل من تِلْكَ الخطة الصعبة مشهدا، وَأمر عَن تِلْكَ الخطة مُجْتَهدا، وأنسب تِلْكَ الْحَال الغالية بَين بيوى الفئة الْمُطَالبَة، وَللَّه در الْقَائِل:
(دَعَوْت عَلَيْك لما عيل صبري
…
وقلبي قَائِل يَا رب لالا)
وَالثَّانِي الإنحاء على رفد بني زيان بِكَوْنِهِ حَرَامًا، ومغرما يجر غراما، ويورد ضراما، والاستعادة من إرفاد يتَحَمَّل الْمُشبه، أَو مصارفة تقبل الشبة، وَنحن فِي هَذَا الْقطر نَأْكُل البقل، وَلَا نسل عَن المبقلة، ونتحمل النَّقْل وَلَا نَنْظُر من نَقله، وللضرائر فِي الشَّرْع أَحْكَام تبيح غير الدكى، ومقاصد لَا تخفى على الدكى. وَهَذَا الْعذر مِمَّا ظهر انحلال أوأخيه، فَإِن ضَاقَ عَنَّا طيفور الْحَلَال رَضِينَا بأَخيه، وَالْحرَام إِذا تحيز وَتعين، فمصرفه فِي الْجِهَاد وَالصَّدَََقَة على مَا تبين، وَهَذِه حجَّة يشفق مِنْهَا الْخصم على خَصمه، ويسامحه إِقَامَة لرسمه. وَبِالْجُمْلَةِ فَنحْن بِهَذَا الْيَد إِلَى من بِيَدِهِ النوال الْغمر، وَله الْخلق وَالْأَمر، أَن
يُعِيد الْأَحْوَال إِلَى معتادها أمنا وصلاحا وشفاء للصدور بتمهيد الْإِسْلَام وانشراحا. وَقد رضيناه بالأعذار، نمتك عظامها، والآمال نلمس أوضامها، والإعانة نشكر حلالها وحرامها. وَلَوْلَا الْأَدَب لقمنا وَلم نبل بالإصابة من غيرَة الْإِصَابَة، اللَّهُمَّ أَن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة، حَال الجريض دون القريض، وضاق الْوَقْت عَن التَّعْرِيض، عَدو مجاور، وتنين مساور، ومادة ناصبة، وتفوس يقرعها الْحق فترتد مغاضبة، وَسَائِر الْفُصُول، أبقى الله سَيِّدي بَين عُمُوم وخصوص، ومخرج ومنصوص، قد وَسعه التَّسْلِيم، وَسمع الشُّكْر عَلَيْهِ السَّمِيع الْعَلِيم. والمسؤول من سَيِّدي أَن يجيل اللِّسَان الرطب، فِي شكر تِلْكَ الوزارة، نَائِبا عَن صَنِيعَة خلالها، ولسان ثنائها، ومستدعى فضل الله لَهَا ولأبنائها، بِمَا أحسن بَيَانه المناب عَن فُصُول اعتنائها، فَهُوَ الملي بِمثل هَذَا الْمطلب الْعَزِيز، وَجَائِز الْوَقْت فِي التبريز بِمثل هَذَا الإبريز. وَمِمَّا يجب عَلَيْهِ التَّنْبِيه، ويطرب بِهِ الْمحل الوزارى النبيه، إِذْ كَانَ الْمَمْلُوك قد اسْتقْرض للجبل رفد طَعَام، فَاسْتعْمل النّظر فِيهِ وخد نعام، من الْحَيَوَان الْغَرِيب الصُّور. الهضوم الزُّور، رزاة الْحمير، وصواعق المطامير، وهضمة الْحَدِيد وبلعة المسامير، كَمَا شَككت أَن لفظ الطَّعَام طرقه التَّصْحِيف أَو التحريف، فتنكر من مَقْصُود التَّعْرِيف وَكَثِيرًا مَا بليت بِهِ الطا، وأبلى ظهرهَا ذَلِك الأمطاء. قَالَ الشَّاعِر:
(هن المطايا عوضت من طابها
…
يَوْم النَّوَى نونا لكل عميد)
فَإِن كَانَ الْجَزَاء مَقْصُودا سلمنَا، وَإِن كَانَ غير ذَلِك فقد نبهنا وتكلمنا، وعرفنا وَأَعْلَمنَا، وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن، نَسْتَغْفِر الله مَا ثمَّ إِلَّا نعم ونعام، وخيل وإنعام، وَنصر إِن شَاءَ الله وَطَعَام، وَإِن مطل شهر وعام، ووزارة وسع مِنْهَا الكنف، وارتفع الحيف، تُؤْخَذ الدُّيُون على وعدها، وتهدد الخطوب بسعدها، وَالصَّبْر ضمين الظفر، وَلَا ييأس من روح الله إِلَّا من
كفر، وَالله عز وجل يبقيه علما ساميا، وغماما للفضل هاميا، وَيجْعَل سعده ناميا، وَحده من ثعر المحمد فِي سَبِيل الْمجد وَالْخَيْر دَائِما. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ قَاضِي الْقُضَاة بِمصْر حَسْبَمَا يظْهر من الْغَرَض
أبقى الله أَيَّام الْمجْلس العلمي القاضوي السيادي وجانبه بالتعظيم مُعْتَمد، وفسحة سعده لَيْسَ لَهَا حد وَلَا أمد، وساحة سروره لَا يعين عَلَيْهَا كمد، ومورد فَضله غمر لَا ثَمد، وَلَا زَالَ عين الْإِسْلَام الَّتِي لَا يشوبها مرض وَلَا يُصِيبهَا رمد، ودام فسطاط الْإِسْلَام ثقله من عناية الله على عمد. مَا الَّذِي يفاتح بِهِ الْمَمْلُوك مجْلِس قَاضِي الْقُضَاة وَهُوَ الأوج، والمثابة الَّتِي يتزاحم فِي استلامها الفوج وَالْبَحْر الَّذِي أبحاثه هِيَ الموج، والديوان الَّذِي عجز عَن حصر أَسبَاب مجده الْفَرد وَالزَّوْج. تالله لَو أمد لساني طبع الْفَاضِل البيساني، بل المدد الحساني، لَا بل الْعقل الإنساني، لتوقعت خمول شاني، وأنفت لدسته الْعَرَبِيّ من لغط حبشاني، وخشيت لهول الهيبة أَن يَغْشَانِي فلج مِقْدَاره، وَإِن رغم الشاني، لَا يتعاطاه مثل هَذَا الشاني، فَكيف مَعَ الْقُصُور، والأمد المحصور، بمساورة الْأسد الهصور، وموافقة الْعلم الْمَنْصُور، وأنى للمغربي بعنصر النُّور. وَمن يسبح بعد فَور التَّنور، لَكِن فضل الْمجْلس العالي للمقصرين شَفِيع، وَإِن اتضع قدر المنشور على خطابه، فَعلمه رفيع، والمتطفل قل أَن يخيبه فِي بَاب مثله صَنِيع، والمستفيد بحرمه، قد كنفه جناب وسيع والموارد يقتحمها العير والجواد، والمسارح الْكَرِيمَة، يقصدها الرواد، والكعبة يعج إِلَيْهَا من الْبِلَاد السوَاد، فَلَو تنخل المستأهل من غَيره أَو عومل
السَّائِل على مِقْدَار سيره وبركته وخيره، لَكَانَ المطرود أَكثر مِمَّن يصلح لَهُ الْوُرُود، ونقع غَلَّته البرود. لَكِن الرَّحْمَة تَشْمَل، والضعيف لَا يهمل، والإغضاء أجمل. وَإِن الْمَمْلُوك مَا زَالَ يتلَقَّى من محامد الْمجْلس العلمي، نوافج طيب ونوافح روض رطيب، وملامح بشر تذْهب بِمَا للزمن من تقطيب، ونقمات مطيل فِي النَّعيم مُطيب، وتعشق النُّفُوس لَيْسَ بمقصور على مُشَاهدَة طرف، وَلَا مُبَاشرَة حسن وَلَا ظرف، أَو شم عرف، وَالْعدْل يمْنَع أَن تقَابل هَذِه الْحجَّة بِصَرْف، أَو يعبد الله فِي إنكارها على حزف. فَمن الْمَشْهُور، والذائع بَين الْجُمْهُور:
(يَا قوم عَيْني لبَعض الْحَيّ عاشقة
…
وَالْأُذن تعشق قبل الْعين أَحْيَانًا)
وَقَوله: وعشق الْفَتى بِالسَّمْعِ مرتبَة أُخْرَى. .
وَلَيْسَ فِي هَذِه الدَّعْوَى عناد، وَلها استناد إِلَى قَوْله، الْأَرْوَاح أجناد، فَلَو تركني الدَّهْر وَمَا أسر من التَّشَيُّع لمثابته للبيت دَاعِي شوقي بإجابته، وَإِن تجاسرت على خرق حجاب مهابته، شَأْن المحبين كلما خَانَهُمْ الصَّبْر، وَلم يتل مواجد كلومهم السبر، لكنه سد المسالك، فاستنبنا الْمَالِك، وأساء الماكد، فاستعدينا عَلَيْهِ الْمَالِك، وَبعثت سبحاتي هَذِه، متوسلة بوسيلة الْحبّ الصَّرِيح، عادلة عَن التَّعْرِيض إِلَى التَّصْرِيح، والبوح المريح، تلطفه فِي المثول بِبَاب إيوانه، والاستشراف على شعب بوانه، مُتَعَلقَة بأردان أَصْغَر أعوانه، فأرجو أَن تبلغ النِّيَّة هديها إِلَى مَحَله، وتفديها سَعَادَة الْجد على مَحَله. والمرغوب من تِلْكَ المثابة الَّتِي تعشو إِلَى نورها الْعُيُون، وتقضى من صدقَات طولهَا الدُّيُون، أَن تحسب هَذَا الْمُحب المادح، مِمَّن سعد بحبه، وَصدق مِنْهُ التوسل فِي لِقَائِه إِلَى
ربه، وَأَن يَنْتَظِم فِي ذَوي ولايه، وشيعة علايه، فَإِن قضي اللِّقَاء حصل الْكَمَال، واستوفيت الآمال، وتضافرت النيات والأعمال، وارتفع عَن سوء الْقَصْد الإهمال، وَإِن كَانَ غير ذَلِك نَفَعت النِّيَّة، وللذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ المزية. وَلما تحققت من مَكَارِم السَّيِّد الْعِمَاد قَاضِي الْقُضَاة، أبقاه الله، أَن يلْتَمس مَا فِي يَدَيْهِ أحظى المتوسلين إِلَيْهِ، افتتحت تعريضي بسؤاله، ومددت يَدي إِلَى نواله، ورغبت مِنْهُ أَن يسم مغفلا، وَيفتح إِلَى الْعِنَايَة بَابا مقفلا، وَيَأْذَن فِي الرِّوَايَة عَن مقَامه المخدوم، بَين الْوِفَادَة على مَحَله والقدوم، وإيجاد الشّرف الْمَعْدُوم لصرحا ملكته، ونسبا عبوديته، وكغلاء ظلاله، ونبهاء مباسم خلاله، أَوْلَاد مُوجب حَقه المحتوم، ومعظم مقَامه الْمَعْلُوم، وهم فلَان وَفُلَان، مطوفا نعْمَته، لإسعاف من يعرف قدرهَا الْعلي فِي الأقدار، ويرقى الْأَهِلّة بإمدادها إِلَى مَرَاتِب الأبدار، وَهُوَ الْكَفِيل بإجابة السَّائِل، وإحساب الْعَامِل، وَللَّه در الْقَائِل:
(وَلم يممتهم فِي الْحَشْر تجدّد
…
لَا عطوك الَّذِي صلوا وصاموا)
والمملوك يطالع الْعُلُوم الشَّرِيفَة بَين جلال تنبض، وهيبة أسودها تربض، وإدلال عروقه تنبض، أَنه وَجه إِلَى تِلْكَ الْمحَال الشَّرِيفَة بهرجا زائفا، ومترقبا خَائفًا، مِمَّا صدر عَن طبع قَاصِر، ووطن دَار بنطاقه لِلْعَدو حاصر، وَلَيْسَ إِلَّا الله نَاصِر، فَإِن أحظاه الْجد بالمثول بناديه، وضفت على طارقه الضاحي ظلال أياديه، والمسئول من شفقته الإغضا عَن معترف، والتجاوز عَن خطل زمن خرف، ويشكر الله الَّذِي كمله، إِذا وقف على النَّقْص وتأمله، ويخفض الْجنَاح لمن أمله، ويعامل بالشفقة من أم لَهُ، وَمن لَهُ، بالوصول إِلَى مجْلِس الْملك، وَإِلَى الله تجلته، كَمَا أعز بنظره مِلَّته، إِنَّمَا هُوَ فرض يفْرض، وآمال على النَّفس تعرض. ونسل الله لمثابة الْمجْلس العالي بقا يمتع الْمُسلمين بمواهب الْعدْل الْمَشْهُور، وَالدّين تجلت شمسه فِي مظَاهر الظُّهُور، وَالْعلم الَّذِي يجلو غياهب
الديجور، والمتكفل من الله بإنماء الأجور، وَالسَّلَام الْكَرِيم، الطّيب العميم، يعْتَمد سَيِّدي عودا على بَدْء، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. من خَاطب شرف وداده، وملتمس مواهب الله فِي إعانته وسداده، فلَان.
وَمن ذَلِك فِي هَذَا الْغَرَض
مِمَّا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء بِمَا نَصه، وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الله بن ولى الله يَعْقُوب البادسي رحمه الله.
(حفيد ولى الله ذِي الرُّتْبَة الْعليا
…
وَمن نَالَ فِي الْأُخْرَى السمو وَفِي الدُّنْيَا)
(أعدت لي الْأَيَّام سهلا ومرحبا
…
وأحييت أنسي بعد مَا مَاتَ يَا يحيا)
(وَمَا كنت إِلَّا ظاميا لَك ضاحيا
…
فأنشأت لي ظلا وأعذبت لي سقيا)
(وسوغت لي الْفضل الَّذِي أَنْت أَهله
…
وَلم تبْق فِي التسويغ شرطا وَلَا ثنيا)
(إِذا مَا أجلت الْفِكر فِي فضلك الَّذِي
…
يسلم فِيهِ للْبَيَان إِذا أعيا)
(أَقُول سقى باديس منسجم الحيا
…
وأوسع رعى الله أرجاءها رعيا)
(وحاكت لَهَا كف السحائب حلَّة
…
ترى مَذْهَب النوار فِي جيدها حليا)
( [لمغنى] أبي يَعْقُوب رهن ضريحه
…
يحِق لأجل الله أَن نعمل السعيا)
(غياث من استعدى وَنور من اهْتَدَى
…
وملجأ من أذته داهية دهيا)
(جعلتك يَا يحيى إِلَيْهِ وَسِيلَة عَلَيْهَا
…
اعْتِمَاد فِي الْمَمَات وَفِي الْمحيا)
مَا كنت أَيهَا الْوَارِث، والحسام الفارث، أَظن الدَّهْر يبْقى مَوضِع صلح، وَلَا اللَّيَالِي تسمح بصبح، وَلَا الزَّمن يرجع عَن تفويق سهم واشراع رمح،
وَلَا الْأَيَّام تسنح بالْحسنِ، مَا سفرت عَنهُ من قبح، حَتَّى ظَفرت يَدي بودك فأثرت، وقدحت زناد حظي فأورت، وشفيت الْعِلَل واستشرت، ورحلت البوس بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ، رحب ساحة، وتأنق سماحة، وندى رَاحَة، ورأم جِرَاحَة، وَطيب نفس إِلَى الْفضل مرتاحة، وخواطر لَهَا فِي بَحر الْمعرفَة، أَي سباحة، فَأَنا وَللَّه الْمِنَّة رائد اغتبط فَارْتَبَطَ، ووال تحكم على الدَّهْر فَاشْترط، لَا بل عَفا عَمَّا فرط، فمذ أَفَادَ قربك قد غفرت جِنَايَته، وشكرت عنايته، وَحمل على أفْصح المحامل إفصاحه وكنايته [فقد يشم الْبَرْق ووضحت الْفرق] وَعَاد الْجمع، وارتفع الْفرق، وَحل العقال فَأمكن الغرب والشرق، وَمن الله اسل أَن يمتع بك، كَمَا وصل سَبَب وليه بسببك، ويفردك بمقامه ويشفيك وإيانا من علل الْحس وأسقامه، ويؤوينا جَمِيعًا إِلَى يقطينة رَحمته، بعد ابتلاع حوت الْوُجُود والتقامه، فَمَا هُوَ إِلَّا أَوْهَام استحكمت، ومألوفات ازدحمت، وعوائد سوء جارت إِذْ حكمت، حَتَّى إِذا شمس الْحق تجلت، حَالَتْ صبغتها واضمحلت، وَأَلْقَتْ الأَرْض مَا فِيهَا وتخلت، وأدبرت شياطينها، الَّتِي اقتضاها طينها وَوَلَّتْ، فاتسع المجال، وَذَهَبت الأوجال، وَارْتَفَعت الحجال، وحمدت سراها عِنْد الصَّباح الرِّجَال، واللطف مَعْرُوف، وَالْمعْنَى معنى، وَمَا سواهُ حُرُوف، وأواني وظروف. وَالسَّلَام على سَيِّدي، وعَلى الْأَصْحَاب كافأ الله تأنيسهم، وَشَمل بالرعي مرؤوسهم وَرَئِيسهمْ، ورو 1 ذحا بخمرة التَّحْقِيق نُفُوسهم، وأطلع لَهُم من ذواتهم، أقمارهم وشموسهم، من محبهم الرَّاغِب فِي اجْتِمَاع الشمل اللَّيْلَة بهم. فلَان. وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.