الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء
الْحَمد لله على نعْمَة الْإِسْلَام، وبنور النُّبُوَّة تجلو عَنَّا غياهب الظلام، ونسعى إِلَى دَار السَّلَام، حفظك الله يَا أَبَا سعيد، وأرشد سعيك وتدارك بالمرمة وهيك، قبل أَن يسمع الْمَوْت نعيك، وقفت على براءتك الطَّوِيلَة الذيل. المطفقة فِي الْكَيْل، مُشْتَمِلَة على تهويل، ومرعى وبيل، وعتاب طَوِيل، وتبجج بِأَلْفَاظ وأقاويل، لم ينجع فيا طب ابْن مقدم، وَلَا علاج ابْن عبد الْجَلِيل. مَا ثمَّ إِلَّا عوايد يشتكي من لُزُومهَا ودخز قلومها، وَبعد يتَضَرَّر من طول مداه، وَوهم يقلق من اشتباك لحْمَته بسداه، مَعَ الِاعْتِرَاف مِنْهُ بالعثور من الشَّيْخ الْوَاصِل، على الْكَنْز الْحَاصِل [ومصاحبة من يطبق بالحسام الناصل شوا كل المفاصل] إِن كَانَ الْفَتْح حَاصِلا فَمَا معنى الشكوى. أَو لم يحصل، فحتى مَتى الْبلوى، وَهَذَا الدّين الَّذِي يلوي، وغريمه مَعَ اللدد يهوى، والهوى مَعَ انصرام الْعُمر فِي هَذَا المهوى. أَيْن الثمرات يَا شجر الْحور، أَيْن الراهبي يَا جاعلي البصلة فِي أست الثور. ثناؤكم على النَّاس تَقْلِيد، وشأنكم فِي الاختبار شَأْن البليد، وعقولكم يترفع عَنْهَا عقل الْوَلِيد. ثمَّ إِن هَذِه العوايد، الَّتِي تشكى ويضحك لَهَا ثمَّ يبكي، ويتلذذ بذكرها حِين تحكى، لم تضايق الْإِيمَان، وَلَا رفعت وَالْحَمْد لله الْأمان. إِنَّمَا هِيَ بزعمكم حب دنيا لَا يُعَارض الْوَعْد، وَلَا يسابق العقد، والعوايد تعالج مَعَ بَقَائِهَا وَعمْرَان نافقاتها، بأدوية شَرْعِيَّة تنير عبوسها: وَتذهب بوسها، وتملس أديمها، وتونس عديمها، صَعب عَلَيْكُم اسْتِعْمَالهَا، وَسَهل لديكم إهمالها. ورمتم الغايات بالترهات، والحقائق بِالشُّبُهَاتِ، وَدَعوى الدَّرَجَات، مَعَ المداجاة، والشريعة لم تذْهب، والمدارس لم تخرب، والكتب لم تحرق، وسيرة النَّبِي وَالسَّلَف الصَّالح لم تختلس وَلم تسرق. أينكم من الْوَسَائِل الشَّرْعِيَّة، والذمم المرعية. أَيْن الصَّدقَات، إِذا حدقت إِلَى الأكف الحدقات، أَيْن زلف اللَّيْل، أَيْن الزَّكَاة
المتوعد ممسكها بِالْوَيْلِ، أَيْن الْجِهَاد وارتباط الْخَيل، أَيْن الْحَج وركبانه، تتدافع تدافع السَّيْل، أَيْن تِلَاوَة الْقُرْآن الَّذِي تطمئِن بِهِ الْقُلُوب، أَيْن الْخلق الَّذِي لَا يَصح دونهَا الْمَطْلُوب، أَيْن الْحَظ المغلوب، أَيْن الصَّبْر والسكون، وانتظار الْفرج مِمَّن يَقُول للشَّيْء كن فَيكون، أَيْن قيدها وتوكل، أَظُنهُ أشكل، أَيْن الأنفة من الاشتهار، أَيْن الْأنس بالخلوة بَيَاض النَّهَار، عدل عَن ذَلِك كُله إِلَى الْبُخْل على الْمَسَاكِين، والسلاطة على أهل الدكاكين، وهجر الممورد الْمعِين، والتعويل على الْوُصُول إِلَى الله من خرجَة ابْن سبعين. والحرمان تتضاعف مكاسبه، والمقصد الْخَبيث يمده الشَّيْطَان بِمَا يُنَاسِبه، مقَام التَّوْبَة لم يحصل، وَسُوء الْولَايَة تفصل، وعقود العقد الصَّحِيح لم تبرم، والمحرمات بعد لم تحرم، والمواجد لم يخْطب الْمحل الأكرم، الْقَوَاعِد بعد مضاعة، وَمَعْرِفَة الله قد حفلت براعة، الْخلق لم تهذب، والنفوس فِي التمَاس الْكَمَال تعذب، ثَمَرَات الْعَمَل لم تحصد، وغاياتها فِي الحوانيت تقصد، كَانَ جُمْهُور الْمُسلمين همج مهمل، كَأَن الْأَنْبِيَاء لم تبين مَا يعْمل، كَانَ الشَّرِيعَة لَيْسَ لأوضاعها سوق، وَلَا لنخلها بسوق، كَأَن الشَّافِعِي أَو مَالك لَيْسَ بسالك، وَإِن مَا دون أشياخكم هَالك، هَذَا لَو كَانَ لكم أَشْيَاخ، أَو لمسير جيرتكم مناخ. إِنَّمَا هِيَ أَعْلَام للشهرة تنصب، وتيجان للخطوب تعصب النسي يذكر، وَالذكر ينسى، وَظُهُور الْوَلَد وَالْمَسَاكِين تعرى، والخليلي يكسى، وابدأ بِمن تعول يُوسع رسمه طمسا، والاعتدال يحكم فِيهِ الْجِدَال، بِاللَّه خلوا عَنْكُم الِاصْطِلَاح الْخَالِي، وَهَذَا التَّنْوِين الغالي مَعَ حرمَان المخالي، والقنوع بالقراغ مَعَ حرونة المراغ، والغليان الَّذِي يبغضكم إِلَى الله وَإِلَى خلقه، وهم الشُّهَدَاء فِي رقة مَعَ الْغَفْلَة عَمَّا أوضح لكم المشرع من حَقه، وتخطى الظَّاهِر الْمَضْمُون إِلَى الْمُشكل المظنون، فَلَو كَانَ سيركم مُسْتَقِيمًا، لم يكن الْقيَاس
عقيما، عُمْيَان قد هجرت الكحال، وأملت فِي رد أبصارها الْمحَال. مَا الَّذِي رابكم، أنس الله اغترابكم، من سيرة السّلف الَّذين تجروا وكسبوا وانتموا لغنى الأكف وانتسبوا، وتصدقوا ووهبوا، وَجَاهدُوا وحجوا وَمَا انحرفوا وَلَا لجوا، وبسيرة أَعْمَالهم احْتَجُّوا، وَسعوا والتمسوا، وأكلوا الطّيب ولبسوا، وجوارحهم بميزان الشَّرِيعَة، أرْسلُوا وحبسوا، وَشهد لَهُم بالخلاص عقدهم الَّذِي حفظوا ودرسوا، لم يزمعوا لغير الضَّرُورَة طَلَاقا، وَأَشْفَقُوا من فِرَاق أَهْليهمْ إشفاقا، وَلَا حلوا لحسن الْعَهْد نطاقا، وَلَا قتلوا أَوْلَادهم إملاقا، وَلم يضرهم مَعَ الاسْتقَامَة معاشهم، وَلَا قطع بهم عَن الله أثاثهم وَلَا رياشهم، بل إِلَى فِئَة الْحق انحياشهم، وَأَنْتُم على الْحَقِيقَة، وَمن لكم بذلك أوباشهم، فَإِن قُلْتُمْ وَسعوا مَا ضَاقَ عَنهُ احتمالنا، وَلم تستطعه أَعمالنَا، فَهَلا تفطنتم وتنبهتم، وتكلفتم هديهم وتشبهتم. أتظنون أَنهم غَابَ عَنْهُم مَا أدركتم، أَو عجزوا عَمَّا إِلَيْهِ تحركتم، وهب أَن ثمَّ مقامات عالية، ولمقدمات أصل الشَّرِيعَة بزعمكم بالية، هلا استربتم إِذْ لم تدركوها، وَإِن لم تحصلوا مِنْهَا إِلَّا على أَن تحكوها، فرجعتم إِلَى الأَصْل الْمُجَرّد. وَالطَّرِيق الْمُقَرّر، فَمن ضل وَجب عَلَيْهِ أَن يعرس حَتَّى يصبح، ويبدو المهيع ويتضح، فاقتحام المفاز بِلَا دَلِيل شَأْن غير النَّبِيل، وبالانقطاع كَفِيل، وَيَا ليتكم بَلغْتُمْ دَرَجَة البله الْمَشْهُود بتوفيقهم، وَصِحَّة طريقهم، وَمن أجهده الْحزن أمْهل، وَمن تحير وَجب عَلَيْهِ أَن يسْأَل، وَيتْرك اللجاج أجمل، وَلم ير فِي الْأَمر حَتَّى يتَأَوَّل، وَمن لم يستيقن فَلَا يستعجل، وَالطَّرِيق الَّذِي احتقرتم، وَالله أهمل، وأحجكم بالشيخ عبد الْجَلِيل الَّذِي ظلمتموه، وبكشف الغيوب اتهمتموه، وبالولاية حددتموه ورسمتموه، وَهُوَ يقوم على السَّلب بيعا وشرا، واعتمارا وكرا، وَيصْلح من كرمه الَّذِي لم يعه، فَإِن قُلْتُمْ ذَلِك شيخ هِدَايَة، فقد كَانَ ذَا بداية، ومفتقرا مثلكُمْ إِلَى داية، فَلم تلح عَلَيْهِ من شَيْء مِمَّا أَنْتُم عَلَيْهِ آيَة، وَلم يُطلق زوجه مجَّانا،
وَلَا تطارح فِي مصلى الجنايز عُريَانا، وَلَا خطت مِنْهُ فِي مجَال النَّجَاسَات، رجل وَلَا دب إِلَى وَادي الجمد، كانه عجل. فعلى م عولتم فِيمَا تأولتم. الْقَدِيم مُخَالف للسمت، والْحَدِيث مُتَّهم بالعوج والأمت أَعلَى أهل السبت، وَمن حكم عَلَيْهِ بالكبت. نَسْتَغْفِر الله ذَا الْجلَال، ونستهديه من الضلال، ونبدأ إِلَيْهِ من نفوس عجل لَهَا الْعَذَاب، وغرها الأمل الْكذَّاب، وَأَظْمَأت وحولها الْمَوَارِد الْعَذَاب. فَترك الشَّرَاب، وَاتبع السراب. وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه [الْعلي الْعَظِيم] . وَأما مَا يخص حالك يَا أَبَا سعيد، والقريب الْبعيد، فمورد الْمَوَدَّة لم ينضب معينه. وَلَا الْتبس بِالشَّكِّ يقينه، وَمن أعَان مُسْتَقِيمًا فَالله يُعينهُ، وَمَا يتَّصل بكم من جفَاء فَهُوَ علم الله، تَأْدِيب وتهذيب وغيرة يجدهَا ولي حبيب، وَالله شَهِيد رَقِيب، وَلَو كَانَ بودي، لم تكن يدك مغلولة [وَلَا نيتك مسلولة، وَلَا عقيدتك معلولة وَلَا نَفسك على الشُّح مجبولة] وَلَا ولدك عَارِيا ذليلا، وَلَا الْخَيْر ببيتك المليء بالحبوب المختزنة قَلِيلا، وَلَا همتك عَن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله كاسدة، وَلَا خبايث المصطلحات عَن حدبك ناسلة، وَلَا استعذبت على شيخك بِمَا رزأه من مَالك وذممك سَمَاعا من فمك، فَأَصْبَحت فِي أفقها، والرفض من شيمك، فتفطن لما نزل بك، وسل الله صلَة بسببك، وَاعْلَم أَنِّي بذلت لَك النَّصِيحَة مُنْذُ زمَان برسالة " الْغيرَة على أهل الْحيرَة "، وَقد علمت بمآل أَمرك وَضرب زيدك وعمرك، فَإِن قبلت مَا جبلت، وَلَو سَمِعت مَا كنت فِي الْمحَال طمعت، ولكنت معتدل التصريف مجانبا للتحريف، منفقا فِي سَبِيل الله التليد الغالي والطريف، جَارِيا من الْإِحْسَان لنَفسك وولدك على السّنَن الشريف. هَذَا جَوَاب سحاءتك المسجعة، ورسالتك القليلة الطَّحْن الْكَثِيرَة الجعجعة. وَقد أعدتنا وَالْحَمْد لله،
تِلْكَ الغزارة، وَإِن النَّفس لأمارة، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم. [وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا] .
انْتهى هَذَا الْكتاب الْمُسَمّى " بريحانة الْكتاب، ونجعة المنتاب " على يَد ناسخها لنَفسِهِ تمّ لمن شَاءَ من وَلَده من بعده، عبيد الله الْمقر بِذَنبِهِ، الراجي عَفْو ربه، أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله البقني الْأنْصَارِيّ غفر الله ذنُوبه، وَستر عيوبه، بتاريخ أواسط شَوَّال عَام ثَمَانِيَة وَثَمَانِينَ وثمان مائَة، وَالْحَمْد لله، وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى.
تمّ نسخه بِحَمْد الله فِي صباح يَوْم السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من رَجَب سنة 1399 هـ الْمُوَافق 23 يونيه سنة 1979 م.