الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى جانب كل الوطنيين، وكل الشعوب المحبة للحرية، ونحن كذلك (*).
20 ماي - أيار - 1956.
ج - رسالة جبهة التحرير الوطني إلى اليهود:
إلى السيد الحاخام
إلى السادة أعضاء المجلس الديني الأعلى للاسرائيليين.
إلى جميع النواب والمسؤولين عن طائفة الاسرائيليين بالجزائر.
سيدي الحاخام،
معشر السادة والمواطنين الأعزاء.
إن جبهة التحرير الوطني التي تتحمل عبء قيادة الثورة ضد الاستعمار منذ سنتين بقصد تحرير الوطن الجزائري لترى أنه قد حان الوقت على كل جزائري إسرائيلي ليفرض على نفسه، وبناء على ضوء تجربته الخاصة، تحديد موقفه دون غموض أو إبهام في هذه المعركة التاريخية العظيمة.
إنه من المعلوم اليوم أن حرب (تجديد الاحتلال) التي أرغم عليها الشعب الجزائري، قد أتت نهائيا بفشل مزدوج في الميدانين العسكري والسياسي. ويعترف القادة الفرنسيون اليوم، وعلى رأسهم (الماريشال جوان) بعدم إمكانية القضاء على الثورة الجزائرية الظافرة.
وإن الحكومة الفرنسية الآن في بحثها عن حل سياسي لا مفر
(*) ملفات وثائقية (24) وزارة الاعلام والثقافة. أوت - آب - 1976 ص 62 - 63 (الجزائر).
منه، لتريد الاستسلام إلى أمانيها في سلب الشعب الجزائري انتصاره بتماديها في الأعمال السفيهة والمناورات الدنيئة التي لن يكون نصيبها، ومنذ الآن، إلا الفشل الذريع. وأهم ما في هذه المناورات أنها تحاول عزل جبهة التحرير الوطني عن الشعب، ولو بكيفية جزئية، وذلك بحملها على إجماع الوطن إجماعا حصينا في قيامه ضد الاستعمار.
إنكم لا تجهلون يا معشر المواطنين الأعزاء أن جبهة التحرير الوطني التي جعلت رائدها إيمانا وطنيا رفيعا بينا، قد قضت على السياسة الشيطانية التي كانت تحاول بث التفرقة؛ إذ برزت أخيرا في مقاطعة إخواننا التجار (الميزابيين) التي كادت تتعداهم إلى كافة التجار الإسرائيليين - ان هذه المحاولة التي قضينا عليها قبل استفحالها، كانت كأخواتها السابقات من صنع الإدارة الافرنسية العليا، وقد قامت بتطبيقها شرذمة من المغامرين والمخادعين التابعين لمصلحة البوليس. - إن رجال الشرطة والخونة والوشاة ورجال الإرهاب السفاكين - قد قتل من قتل منهم لا باعتبار ملته ودينه، ولكن قتلوا باعتبارهم أعداء للشعب.
إن جبهة التحرير الوطني التي هي الممثل الحقيقي الوحيد للشعب الجزائري لترى اليوم أنه من الواجب عليها أن تتوجه رأسا إلى جماعة الإسرائيليين؛ لتطلب منهم أن يصرحوا علنا بانتمائهم إلى الأمة الجزائرية، وإن هذا الاختيار إن وقع التعبير عنه بكل وضوح لمما يبيد الشكوك والخلافات وينتزع بذور الحقد التي غرسها الاستعمار الفرنسي في القلوب. وإنه من ناحية أخرى لخير معين على خلق الأخوة الجزائرية خلقا جديدا، بعد أن حطمها الاستعمار الفرنسي يوم أن فجعنا به. إن جماعة الإسرائيليين بالجزائر في
تخوفها من سوء مصيرها ومستقبلها كانت منذ ثورة فاتح نوفمبر - تشرين الثاني - 1954 محل اضطرابات وتغييرات سياسية مختلفة.
إن المندوبين الجزائريين في المؤتمر اليهودي العالمي الأخير، الذي انعقد بلندن، قد أظهروا تعلقهم بالجنسية الفرنسية خلافا لإخوانهم التونسيين والمغاربة ونحن على هذا الموقف متأسفون.
ولم تتجه الجماعة الاسرائيلية نحو اتخاذ موقف محايد إلا بعد أن ظهرت قلاقل السادس من فبراير - شباط - ذات الصبغة الاستعمارية الفاشستية. وظهرت فيها من جديد تلك العبارات المعادية لليهود ثم ظهرت من بعد جماعة من الإسرائيليين تنتمي إلى جميع الطبقات، وظهرت خصوصا بعاصمة الجزائر، وأدت بها شجاعتها إلى القيام بعمل مضاد للاستعمار. بكيفية واضحة، إذ صرحت باختيارها الحكيم النهائي للجنسية الجزائرية إن هؤلاء لم ينسوا تلك القلاقل المعادية لليهود سواء منها الاستعمارية والعنصرية. إذ تتابعت بكيفية طاحنة سفاكة إلى نظام (فيشي) الدنيء. فعلى الجماعة الإسرائيلية أن تفكر في الحظ القاسي الذي حازه إليها (بيتان) وكبار المستعمرين من نزع للجنسية الفرنسية، وإصدار قوانين وقرارات استثنائية، واغتصاب وإذلال واعتقال ورمي في النيران. وبعدما ظهرت حركة (بوجاد) وظهر انبعاث الفاشستية، فإنه يمكن اليهود أن يعرفوا من جديد رغم جنسيتهم الفرنسية ذلك الحظ الذي عرفوه أثناء نظام (فيشي).
إننا لا نريد تتبع مجرى التاريخ القديم، ولكنه يجدينا نفعا أن نذكر بالعهد الذي كان فيه اليهود بفرنسا أقل اعتبارا من الحيوان. وكان ممنوعا عليهم دفن موتاهم، وكانوا يضعون الأموات تحت
التراب اختلاسا في الليل، في أي مكان، لأنه كان ممنوعا عليهم منعا كليا أن يملكوا أدنى مقبرة من المقابر. وقد كانت الجزائر في ذلك الوقت - ذاته - مأوى لجميع الإسرائيليين، وأرض حرية لهم يفرون إليها من القمع والاضطهاد الديني. وهذا ما جعل الجماعة الاسرائيلية تفخر بأن تقدم إلى وطنها الجزائري الشعراء والفنانين والتجار وأهل القانون بل حتى القناصل والوزراء.
إن يكن الشعب الجزائري قد أبدى أسفه لسكوتكم وصمتكم، فإنه أخذ بعين الاعتبار أيضا الموقف المعادي للاستعمار الذي أبداه الرهبان الكاثوليكيون، مثل أولئك الذين كانوا في مناطق الحرب (كالرمشي) و (سوف اهراس). وإنه ليرى بعين الاعتبار حتى موقف كبير الأساقفة الآن؛ رغم أنه كان في الماضي القريب يتصف بصفات القمع الاستعماري. إن جبهة التحرير الوطني لترجو من قادة الجماعة اليهودية (الطائفة) أن تؤدي بهم الحكمة إلى المشاركة في بناء الجزائر الحرة ذات الإخاء الحقيقي، وما هذا الرجاء منها إلا لأنها تعتبر الاسرائيليين الجزائريين من أبناء وطنها.
إن جبهة التحرير الوطني واثقة من أن المسؤولين سيفهمون أن من واجبهم، ومن المصلحة الرشيدة لجماعتهم الإسرائيلية، أن لا تبقى بعيدة عن الغوغاء، وأن تحكم بدون تحفظ على النظام الاستعماري المحتضر، وأن تصرح باعتناقها الجنسية الجزائرية. وتقبلوا تحياتنا الوطنية.
حرر بمكان ما بالجزائر
- في فاتح اكتوبر - بتشرين الأول 1956
جبهة التحرير الوطني