الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 -
مع قائد من المجاهدين
وفي معاقل الثوار، تم لقاء بين الصحفي المصري - إلهامي حسين - والقائد (عمران) في أواخر سنة (1956) حيث قام (إلهامي حسين) بتحقيق داخل خطوط النار في الجزائر، وتعرض خلال الاثني عشر يوما التي أمضاها هناك لأخطار كادت تؤدي بحياته. وفي تلك الفترة، كان (القائد عمران) قد حل محل (بن بللا) الذي اختطفته فرنسا مع أربعة من رفاقه المجاهدين. وطرح (إلهامي حسين) على القائد مجموعة من الأسئلة، كانت إجاباتها صادقة وواضحة وصريحة، وهي تمثل الموقف العسكري خلال تلك الفترة التاريخية:
* - ما هي حقيقة الموقف الآن في الجزائر؟
- تتعاظم قوة جيش التحرير الجزائري يوما بعد يوم، وإن تنظيمنا وجهادنا يحققان الانتصار العسكري على العدو. وقد أصبح الشعب الجزائري اليوم كله مجندا للقيام بواجبه العسكري. وفي الوقت نفسه، يتأكد جند الاستعمار الفرنسي من عدم جدوى تلك الحرب التي يشنونها علينا بدون وجه حق. ويتأكد المسؤولون الفرنسيون أيضا من فداحة الخسائر المالية والمادية التي يبذلونها من غير أمل بتحقيق نصر حاسم على الثورة.
* - باعتبارك مسؤولا عسكريا، ما هي المناطق التي يسيطر عليها جيش التحرير الوطني الجزائري؟
- للإجابة على هذا السؤال أعطيك مثلا قدمه الفرنسيون أنفسهم، لقد استطاعت المخابرات الجزائرية أن تحصل على خريطة وزعتها القيادة الفرنسية على ضباطها، وفيها توضح مناطق الجزائر وتقسها بحسب درجة خطورتها على الفرنسيين. وقد اتضح أن نصف الجزائر مناطق خطيرة جدا، غير مسموح للفرنسيين بارتيادها إلا في مجموعات مدعمة بالدبابات والطائرات. والربع في الجبال، وهو ممنوع ارتياده نهائيا. وأما الربع الباقي فهو المدن ذاتها، والنشاط فيها متروك للمقاومة السرية، ويسيطر جيش التحرير الوطني الجزائري سيطرة تامة على مناطق بأكملها: وهي منطقة: وهران، وشمال قسنطينة كلها، ومنطقة جبال وارسنيس، وجبال بوزجرة، والأوراس، وسيدي ناجي، ومنطقة وادي الصومام، وجبال جرجره. وكل هذه المناطق يسيطر عليها جيش التحرير الجزائري سيطرة تامة، حيث يقوم جيش التحرير بأعمال الشؤون الصحية والإجتماعية وجباية الضرائب، ورعاية الأهالي، وشؤون الزراعة والتموين.
* - تردد الصحافة الفرنسية في هذه الأيام بأنكم ستقومون بهجوم عام وشامل، فما هي الحقيقة؟
إن فرنسا تقول ذلك حتى تثبت للعالم أننا لا نحارب إلا قبل انعقاد الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة. ولكنني أقول للعالم: أننا في حرب دائمة منذ الفاتح من نوفمبر - تشرين الثاني (1954) وحتى اليوم. حقيقة أن الحرب بدأت على نطاق محدود، ولكنها بلغت من التنظيم والدقة من ناحيتنا الآن حدا جعل الفرنسيين
يعتقدون أن كل هجوم قوي يقوم به جيش التحرير إنما هو هجوم هائل عام، المقصود به التأثير على الجمعية العامة لهيئة الأمم. ومن ناحية أخرى، تأمر السلطات الفرنسية بنشر هذه الشائعات، حتى ترغم جنودها على البقاء في مرحلة استعداد دائم للقتال، لا سيما بعد أن أظهر هؤلاء الجنود في مرات عديدة تمردهم على قياداتهم، وأعلنوا رغبتهم في العودة إلى وطنهم - فرنسا - بنتيجة الهلع والذعر الذي بات مهيمنا عليهم. وأقولها صريحة: لقد بلغ تنظيم الجيش الجزائري مرحلة متقدمة، وأصبحت لدينا الوسائل الهائلة التي تمكننا من نيل استقلالنا بدماء شهدائنا وأقول للفرنسيين: لا تنتظروا هجوما واحدا، وعليكم أن تتوقعوا دائما هجماتنا المتكررة.
* - أنت قائد عسكري، تعرف قوة الفرنسيين قدر معرفتك لقوة جيش التحرير، فما هو رأيك في هذا الصراع، وهل تستطيع تحديد مدة استمرار القتال؟
- هذا شيء يعلمه الله وحده، غير أنني أستطيع القول، جازما، بأننا سوف نحارب حتى ننال حريتنا. وإننا لن نضيق بالاستشهاد في سبيل الجزائر أبدا، بل سنحارب، وسنحارب حتى الاستقلال. ولديا كل الإمكانات.
* - ما هي الخطة العسكرية الفرنسية في الجزائر؟
- لقد تطورت الخطة الفرنسية الآن بعد تقوية الجيش الجزائري. فحشدت فرنسا قواتها كلها والمكونة من (600) ألف جندي و (175) ألف شرطي - بوليس - و (60) ألف من (ميليشيات المعمرين) الذين جندتهم فرنسا، أي أنها حشدت مليون مقاتل تقريبا ليضغطوا على الشعب الجزائري، حتى يوقف جيش التحرير عملياته، وحتى يقف الشعب ضد جيشه. ولكن
الشعب الذي ذاق مرارة الاستعمار وعرف وحشية قواته يعمل معا حتى النساء والشيوخ والأطفال. وكل له دوره الذي لن يتزحزح عنه حتى نخرج الفرنسيين من بلادنا. لقد اشتشهد حتى الآن (500) ألف جزائري خلال ثلاث سنوات. استشهدوا وهم يحاربون في سبيل الاستقلال. وبعد كل هذا يظن الفرنسيون أننا سنتوقف عن القتال. ليس هناك جزائري واحد، لم ينله شرف استشهاد أخ له أو أخت أو أب أو أم أو ابن.
ثم قال: إن الجرح عميق .. عميق جدا. لن يغسله إلا الدم ثم الاستقلال (*).
…
وكانت (دمشق) على موعد مع القائد (عمر عمران) في ربيع سنة (1958) حيث جرى لقاء صحفي آخر دار فيه الحوار التالي:
* - ما هي قوة جيش التحرير الوطني الجزائري حاليا؟
- ارتفع عدد أفراد جيشنا الآن حتى (150) ألف جندي، مزودين بأحدث أنواع الأسلحة الحديثة، الخفيفة منها والثقيلة، فعندنا المدافع، ومدافع الهاون والمدافع المضادة للطائرات، والمدافع المضادة للدبابات، والمدافع الرشاشة إلخ ..
* - تردد الصحافة الأمريكية أن حماسة جيش التحرير الجزائري قد (فترت) هذا العام كثيرا إذا ما قورنت بما كانت عليه حماسته في العام الماضي. فما هو نصيب هذه المقولة من الصحة؟
(*) المرجع: الثورة الجزائرية (أحمد الخطيب) دار العلم للملايين - بيروت - نوار (1958) ص 213 - 216.
- إن هذا الكلام تدحضه وتكذبه الأرقام في سلسلة المعارك الناشبة في مختلف أنحاء الجزائر في هذه الأيام.
* - وتزعم الصحافة الأمريكية أيضا أن بعض قادة الثورة الجزائرية قد اجتمعوا ببعض المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية بهدف إيجاد حل للثورة الجزائرية - فما هي الحقيقة؟
- لم تعهد قيادة جيش التحرير الوطني لأحد بالتفاوض مع رجال وزارة الخارجية الأمريكية وليس في نيتها إطلاقا إجراء أي نوع من المفاوضات، أو الاتصال معهم مستقبلا. فلقد كفرنا بالغرب، ولا يمكن أن نأمن جانبه، أو نمد يدنا إليه.
في هذه الأثناء، دخل أحد أقطاب جبهة التحرير الجزائري - التي تقود الصراع السياسي في ثورة الجزائر. وهو السيد (محمد الغسيري) وكان يحمل في يده كشفا دفع به الى القائد (عمر عمران). وقرأ القائد الكشف، ثم قال:
هل تعرف خسائر فرنسا في الأسبوع الماضي؟
* - (219) قتيلا، و (302) جريحا، وطائرتان، ومجموعة ضخمة من الأسلحة، وكميات كبيرة من الذخيرة.
* - ما هي المدة المتوقعة لنجاح الثورة الجزائرية وانتصارها؟
وأجاب (عمران): إن الثورة الجزائرية المؤيدة من الشعب الجزائري جميعه، تستطيع أن تثبت عشر سنوات كاملة، هذا إذا كانت فرنسا قادرة على مواصلة هذه الحرب الإجرامية. وسننتصر في النهاية بإدن الله (*).
(*) صحيفة (المنار) الدمشقية. العدد (1845) - صباح الأحد 24 - رمضان 1377 هـ الموافق 13 نيسان - ابريل - 1958. ص 3.