الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة القسم الأول في ترجمة مؤلِّف الكتاب
وهو العبد المذنب الفقير إلى رحمة ربّه القدير: مصطفى بن عبد الله القسطنطيني المولد والمنشا الحنفي المذهب الإشراقي المشرب الشهير بين علماء البلد بكاتب جلبي وبين أهل الديوان بحاجي خليفة. ولما كان التحديث بنعمة الله من شكر النعمة كان بعض المشايخ يكتب ترجمته في آخر كتابه، كالسيوطي والشعراني وصاحب "الشقائق".
وممن ذكر نفسه في تأليفه الإمام عبد الغافر في "السياق" وياقوت الحموي في "معجم الأدباء" و [لسان الدين] بن الخطيب (1) في "تاريخ غرناطة"(2) والتقي الفاسي في "تاريخ مكة"(3) وشيخ الإسلام ابن حجر في "قضاة مصر" وجماعة لا يحصون وبعضهم أُفرد بالتأليف، فلا بأس علي بتسطير كلمات في ما منَّ الله تعالى عليّ تقليدًا لهم وتحدثًا بنعمة ربّي (4).
فأقول: كانت (5) ولادتي على ما أخبرتني والدتي في يوم من أيام ذي القعدة سنة سبع عشرة وألف، وكان والدي عبد الله دخل الحرم السلطاني وخرج بالوظيفة المعتادة ملحقًا إلى الزمرة السلحدارية وصار يذهب إلى السفر ويجيء، قانعًا بتلك الوظيفة. وكان رجلًا صالحًا ملازمًا لمجالس العلماء والمشايخ، مصليًا، عابدًا في الليالي. ولما بلغت (6) سني إلى خمس أو ست، عيّن لي معلمًا لتعليم القرآن والتجويد وهو الإمام عيسى خليفة القريمي، فقرأت منه القرآن العظيم و"المقدمة الجزرية" في التجويد وشروط الصلاة، ثم أسمعت ما قرأته منه حفظًا في دار القراء لمسيح باشا وللمولى زكريا علي إبراهيم أفندي ونفس زاده واكتفيت بعرض النصف الأول، ثم ابتدأت قراءة التصريف والعوامل على الإمام إلياس خواجه
(1) تكملة منا لابد منها.
(2)
يقصد كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة".
(3)
يقصد كتابه "العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين".
(4)
في الأصل "وتحديثًا لنعمة ربّي".
(5)
في الأصل "كأنما" وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(6)
في الأصل "بلغ".
وتعلّمت الخط من الخطاط المعروف ببوكري أحمد جلبي. ولما بلغت (1) سني إلى أربعة عشر أعطاني أبي من وظيفته كل يوم عشرة دراهم وألحقني بزمرته وجعلني تلميذًا في القلم المعروف بمحاسبة أناطولي من أقلام الديوان، فأخذت قواعد الحساب والأرقام والسياقة من بعض الخلفاء فيه، وكنت أسبقه في مدة قليلة، ثم لما خرج العسكر إلى قتال أبازة باشا سنة ثلاث وثلاثين وألف سافرت مع أبي وشاهدت الحرب الواقعة في تلك السنة بناحية قيصرية، ثم سافرت سفرة بغداد مع والدي وقاسيت الشدائد في المحاصرة مدة تسعة أشهر من الحروب والقتال وانقطاع الَامال، باستيلاء القحط والغلاء وغلبة الأعداء. ولكن البلية إذا عمّت طابت، ذلك تقدير العزيز العليم، ولما رجعنا ميؤوسين مخذولين ودخلنا الموصل مات والدي في يوم من أيام ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وألف وسِنّهُ في حدود الستين ودفن في مقابر الجامع الكبير، ومات عمّي أيضًا بعد شهر في منزل جَرَّاحْلو بقرب من نصيبين، ثم كنت رفيقًا مع بعض أقربائي إلى ديار بكر، فأقمت هناك. وكان رجل من أصدقاء أبي يقال له محمد خليفة جعلني تلميذًا في القلم المعروف بمقابلة السواري (2)، (وكان هو رحمه الله، مكبًا على المطالعة وتأليف الكتب خصوصًا في فنّ التاريخ، ومن جملة ما ألّفه من التواريخ الكتاب الذي سمّاه بـ "الفذلكة" و"تقويم التاريخ").
* * *
[وبهذا تم المجلد الثالث من القسم الأول من الكتاب، ويتلوه المجلد الأول من القسم الثاني، وهو في الأنساب والكنى والألقاب].
(1) في الأصل "بلغ".
(2)
إلى هنا آخر ما كتب المؤلف كاتب جلبي من ترجمته بخط يده.