الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْبَاب الثَّالِث)
(من خَاتِمَة الْخَيْر)
(فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْم تَارِيخه)
(ولمع من أخبارهم ونوادر حوادث أيامهم)
مَكَّة زَادهَا الله شرفاً أشهر من أَن تعرَف أَو أَن يصفها واصف أَلا أَنَّهَا انقرض سكانها من قُرَيْش بعد الْمِائَة الثَّانِيَة بالفتن الْوَاقِعَة بالحجاز من العلوية مرّة بعد أُخْرَى فأقفرت من قُرَيْش وَلم يبْق بهَا أَلا أَتبَاع بني حسن أخلاط من النَّاس ومعظمهم موَالِي سود من الْحَبَشَة والزيلع وَكَانَ أول من وَليهَا بعد الْفَتْح المحمدي عتاب بن أسيد باستخلاف مُحَمَّد
بعد الْفَتْح حِين عزمه إِلَى غَزْوَة حنين عَام ثَمَان من الْهِجْرَة وَالْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثمَّ خلفاء بني أُميَّة وعمالهم ثمَّ خلفاء بني الْعَبَّاس وتعداد عمالهم فَردا فَردا مَبْسُوط فِي التورايخ لَا حَاجَة بِنَا إِلَيْهِ وَكَانَ فِي خلال ذَلِك يتغلب بعض الطالبيين والعلويين عَلَيْهَا فَأول من وَليهَا مِنْهُم بالتغلب مُحَمَّد بن الْحسن بن مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب عَاملا عَلَيْهَا ومؤمرّاً من جِهَة مُحَمَّد الْمهْدي الملقب بِالنَّفسِ الزكية ابْن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب فَإِنَّهُ لما تغلب على الْمَدِينَة على الْمَدِينَة الشَّرِيفَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة فِي دولة الْمَنْصُور العباسي أَمر
على مَكَّة مُحَمَّد بن الْحسن هَذَا وسيره إِلَيْهَا فَخرج إِلَيْهِ السّري بن عبد الله بن الْحَارِث بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَمِير مَكَّة من جِهَة الْمَنْصُور فتحاربا بأذاخر فَهزمَ السّري وَدخل مُحَمَّد مَكَّة فَأَقَامَ بهَا يَسِيرا فَأَتَاهُ كتاب مُحَمَّد النَّفس الزكية يُخبرهُ بمسير عِيسَى بن مُوسَى لمحاربته ويأمره بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ فَسَار مُحَمَّد بن الْحسن إِلَيْهِ من مَكَّة هُوَ وَالقَاسِم بن إِسْحَاق فَبَلغهُ وَهُوَ سَائِر بنواحي قديد قتل النَّفس الزكية فهرب هُوَ وَأَصْحَابه وَتَفَرَّقُوا فلحق مُحَمَّد بن الْحسن بإبراهيم بن عبد الله الْمَحْض حَتَّى قتل إِبْرَاهِيم ذكر هَذَا ابْن الْأَثِير وَرجع السّري إِلَى ولَايَة مَكَّة ثمَّ وَليهَا كَذَلِك بالتغلب سنة 169 تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة فِي دولة الْهَادِي بن الرشيد الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن المثلث بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط وَقد تقدم خَبره فِي الْبَاب قبل هَذَا عِنْد ذكر الدعاة ثمَّ وَليهَا كَذَلِك بالتغلب الْحُسَيْن بن الْحسن الْأَفْطَس بن عَليّ الْأَصْغَر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ الْمَعْرُوف بالأفطس وَذَلِكَ فِي خلَافَة الْمَأْمُون سنة 199 تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَسَببه أَن أَبَا السَّرَايَا السّري بن مَنْصُور الشَّيْبَانِيّ دَاعِيَة ابْن طَبَاطَبَا لما تغلب على الْعرَاق ولي مَكَّة الْحُسَيْن بن الْحسن الْأَفْطَس هَذَا فَسَار إِلَى أَن وصل وَادي سرف الْمَعْرُوف فِي وقتنا الْيَوْم بالنوارية على نصف مرحلة من مَكَّة فتوقف عَن الدُّخُول إِلَى مَكَّة خشيَة من أميرها من جِهَة الْمَأْمُون وَهُوَ دَاوُد بن عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس فَلَمَّا بلغ دَاوُد تَوْجِيه أبي السَّرَايَا للحسين الْأَفْطَس فَارق مَكَّة هُوَ وَمن بهَا من شيعَة بني الْعَبَّاس فَلَمَّا بلغ الْحُسَيْن خُرُوج دَاوُد دَخلهَا لَيْلَة عَرَفَة فَطَافَ وسعى ثمَّ مَشى إِلَى عَرَفَة فَوقف لَيْلًا ثمَّ دفع إِلَى الْمزْدَلِفَة فصلى بِالنَّاسِ الصُّبْح ثمَّ دفع إِلَى منى فَلَمَّا انْقَضى الْحَج عَاد إِلَى مَكَّة فَلَمَّا كَانَ مستهل محرم الْحَرَام افْتِتَاح سنة 200 مِائَتَيْنِ نزع الْحُسَيْن الْمَذْكُور كسْوَة
الْكَعْبَة الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا من قبل الْمَأْمُون ثمَّ كساها كسوتين أنفذهما مَعَه أَبُو السَّرَايَا من قَز إِحْدَاهمَا صفراء وَالْأُخْرَى بَيْضَاء ثمَّ عمد الْأَفْطَس إِلَى خزانَة الْكَعْبَة فَأخذ جَمِيع مَا فِيهَا من الْأَمْوَال فَقَسمهَا مَعَ كسْوَة الْكَعْبَة على أَصْحَابه وهرب النَّاس من مَكَّة لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ أَمْوَالهم يزْعم أَنَّهَا ودائع لبني الْعَبَّاس عِنْدهم وَلما هرب النَّاس هدم دُورهمْ فكرهه النَّاس لظلمه وطغى أَصْحَابه وبغوا وقلعوا شبابيك الْبيُوت الْحَدِيد الَّتِي على الْمَسْجِد وباعوها حَتَّى قلعوا شبابيك زَمْزَم وَلم يزل كَذَلِك على ظلمه إِلَى أَن بلغه قتل مرسله أبي السَّرَايَا سنة مِائَتَيْنِ فَلَمَّا علم بذلك وَرَأى النَّاس قد تغيرُوا عَلَيْهِ لما فعله مَعَهم من الْقَبِيح واستباحة الْأَمْوَال جَاءَ هُوَ وَأَصْحَابه إِلَى مُحَمَّد بن جَعْفَر الصَّادِق الملقب بالديباجة لجمال وَجهه وسألوه الْمُبَايعَة لَهُ بالخلافة فكره ذَلِك فاستعان الْأَفْطَس عَلَيْهِ بولده عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الصَّادِق وَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى بَايعُوهُ بالخلافة وَذَلِكَ فِي ربيع الأول سنة مِائَتَيْنِ وجمعوا النَّاس على بيعَة مُحَمَّد طَوْعًا وَكرها وَبَقِي أشهر وَلَيْسَ لَهُ من من الْأَمر شَيْء وَإِنَّمَا ذَلِك للأفطس ولابنه عَليّ بن مُحَمَّد وهما على أقبح سيرة مَعَ النَّاس ووثب الْأَفْطَس على امْرَأَة جميلَة فانتزعها قهرا من زَوجهَا وَعلي بن مُحَمَّد أَخذ ابْن قَاضِي مَكَّة وحجزه عِنْده فَلَمَّا رأى النَّاس ذَلِك اجْتَمعُوا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَقَالُوا لمُحَمد بن جَعْفَر إِن لم تحضر الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ خلعناك فأغلق بَابه خوفًا من الْعَامَّة وكلمهم من الشباك ثمَّ طلب الْأمان ليخرج يخلصهما فَأعْطى فَخرج وخلص الصَّبِي من ابْنه عَليّ وَالْمَرْأَة من الْأَفْطَس كَذَا ذكره الْأَزْرَقِيّ قلت عِنْدِي فِي صِحَة هذَيْن الأخذين نظر خُصُوصا أَخذ ابْن الديباجة ابْن قَاضِي مَكَّة فَالنَّفْس أبته كل الإباء وَالله أعلم فَلم تكن إِلَّا مُدَّة يسرة حَتَّى قدم إِسْحَاق بن مُوسَى العباسي من الْيمن فَارًّا من إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق فَنزل بالمشاش وَاجْتمعَ إِلَيْهِ جمَاعَة من أهل مَكَّة هربوا من العلويين وَاجْتمعَ الطالبيون إِلَى مُحَمَّد بن جَعْفَر الْمَذْكُور وَجمع النَّاس من الْأَعْرَاب وَغَيرهم وحفروا خَنْدَقًا وقابلهم إِسْحَاق ثمَّ كره الْقِتَال فَسَار إِلَى نَحْو الْعرَاق فَلَقِيَهُ جند أنفذهم هرثمة بن أعين قَائِد الْمَأْمُون وَكَانَ فيهم
الجلودي وورقاء بن جميل فَقَالَا لإسحاق ارْجع مَعنا وَنحن نكفيك الْقِتَال فَرجع مَعَهُمَا ولقيهم مُحَمَّد بن جَعْفَر والطالبيون ببئر مَيْمُونَة وَقد انْضَمَّ إِلَى مُحَمَّد غوغاء مَكَّة وَسَوَاد الْبَادِيَة فَلَمَّا التقى الْفَرِيقَانِ قتل جمَاعَة ثمَّ تحاجزوا ثمَّ الْتَقَوْا من الْغَد فَانْهَزَمَ مُحَمَّد والطالبيون وَمن مَعَهم ثمَّ طلب مُحَمَّد الْأمان من الجلودي وَألا أجلة ثَلَاثَة أَيَّام فآمنه وأجله ثمَّ خرج من مَكَّة وَدخل الجلودي مَكَّة بالجيش فِي جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة 200 مِائَتَيْنِ وَتوجه الديباجة إِلَى بِلَاد جُهَيْنَة فَجمع مِنْهَا جَيْشًا وَسَار إِلَى الْمَدِينَة وَقَاتل واليها من جِهَة الْمَأْمُون وَهُوَ هَارُون بن الْمسيب فَانْهَزَمَ الديباجة أَيْضا وفقئت عينه بنشابة وَقتل من عسكره خلق كثير ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة وَطلب الْأمان من الجلودي فآمنه فَدخل مَكَّة فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة فأصعده الجلودي الْمِنْبَر والجلودي فَوْقه بمرقاتين عَلَيْهِ قبَاء أسود فَاعْتَذر مُحَمَّد بِأَنَّهُ إِنَّمَا وَافق على الْمُبَايعَة لِأَنَّهُ بلغه موت الْمَأْمُون ثمَّ قدم على الْمَأْمُون ب مرو وَاعْتذر واستعفى فَقبل عذره وَعَفا عَنهُ وأكرمه فَلم يلبث قَلِيلا حَتَّى مَاتَ فَجْأَة بجرجان فصلى عَلَيْهِ الْمَأْمُون وَنزل فِي لحده وَقَالَ هَذِه رحم قطعت مذ سِنِين وَكَانَ مَوته فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَسبب مَوته على مَا قيل أَنه جَامع وافتصد وَدخل الْحمام فِي يَوْم وَاحِد وَفِي موسم سنة 202 اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَليهَا كَذَلِك بالتغلب إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الكاظم ابْن جَعْفَر جَاءَ إِلَيْهَا من الْيمن وَعَلَيْهَا إِسْحَاق بن مُوسَى بن عِيسَى العباسي فَلَمَّا سمع بوصوله خَنْدَق عَلَيْهَا وَبنى سوراً على الْجبَال دائراً بالبنيان وَكَانَ فِي السّنة الَّتِي قبلهَا سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ وصل إِلَى مَكَّة صنم من ذهب على صُورَة إِنْسَان لملك من مُلُوك الْهِنْد أرسل بِهِ إِلَى الْكَعْبَة وعَلى رَأس الصَّنَم تَاج مكلل بالجوهر والياقوت والزبرجد والصنم جَالس على سَرِير من فضَّة وعَلى السرير أَنْوَاع الْفرش من الْحَرِير والديباج فَوضع السرير عَلَيْهِ الصَّنَم فِي وسط الْمَسْعَى ثَلَاثَة أَيَّام وَمَعَهُ معرِّف لمن كَانَ لَهُ هَذَا الصَّنَم وَأَنه أسلم وَأرْسل بِهِ هَدِيَّة للكعبة فاحمدوا الله تَعَالَى أَن هداه لِلْإِسْلَامِ ثمَّ أخد أَمِير مَكَّة العباسي الْمَذْكُور ذَلِك الصَّنَم من الحجبة قهرا وضربه دَنَانِير وأنفقها على الْعَسْكَر وَحَارب إِبْرَاهِيم بن
مُوسَى فَكسر الْأَمِير وهرب وَدخل إِبْرَاهِيم بن مُوسَى مَكَّة ثمَّ وَليهَا فِي سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ فِي خلَافَة المستعين بالتغلب أَيْضا إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الأخيصر بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فهرب مِنْهَا عَامل المستعين وَهُوَ جَعْفَر بن الْفضل ابْن عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بشاشات قتل إِسْمَاعِيل الْجند الَّذين بِمَكَّة وَجَمَاعَة من أَهلهَا وَنهب منزل جَعْفَر شاشات وَغَيره وَأخذ من النَّاس نَحْو مِائَتي ألف دِينَار وَعمد إِلَى الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فَأخذ كسوتها وَمَا جدد فِي خزانتها من الْأَمْوَال وَمَا كَانَ أعد من المَال لإِصْلَاح الْعين وَنهب مَكَّة وأحرق بَعْضهَا ثمَّ خرج مِنْهَا بعد مقَامه بهَا خمسين يَوْمًا فِي شهر ربيع الأول وَقصد الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فتوارى عَنهُ عاملها فظلم أَهلهَا وأخرب دُورهمْ وعطلت الْجَمَاعَة من مَسْجده عليه الصلاة والسلام أَكثر من نصف شهر ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة فحصر أَهلهَا حَتَّى مَاتُوا جوعا وعطشاً وَبلغ الْخبز ثَلَاث أَوَاقٍ بدرهم وَاللَّحم رَطْل بدرهم والشربة المَاء بِثَلَاثَة دَرَاهِم ولقى أهل مَكَّة مِنْهُ بلَاء شَدِيدا ثمَّ سَار إِلَى جدة فحبس عَن النَّاس الطَّعَام وَأخذ أَمْوَال التُّجَّار وَأَصْحَاب المراكب ووافى الْموقف وَالنَّاس بِعَرَفَات فَقتل من الْحجَّاج نَحوا من ألف وَمِائَة نفس فهرب الْحجَّاج وَلم يقف بِعَرَفَة أحد لَيْلًا وَلَا نَهَارا سوى إِسْمَاعِيل وَعَسْكَره ثمَّ بعد انْفِصَاله من عَرَفَة رَجَعَ إِلَى جدة ثَانِيًا وأفنى أموالها وَفعل أموراً قبيحة لَا حَاجَة بِنَا إِلَى ذكرهَا كَذَا ذكره الْعَلامَة ابْن جَار الله وَقَبله التقى الفاسي فِي تَارِيخه شِفَاء الغرام انْتهى قلت لَا يظنّ ظان أم صُدُور هَذَا الْفِعْل وَشبهه من مثل هَؤُلَاءِ السَّادة لنَقص فِي دينهم واختلال فِي يقينهم حاشا وكلا وَإِنَّمَا ذَاك وَالله أعلم مِمَّا جرَت إِلَيْهِ الحمية والأنفة والشهامة الَّتِي تناسب أقداسهم من اسْتِيلَاء وُلَاة الْجور على مَا هم الأحقون بِهِ فيقصدون بذلك ثلم وجموعهم وتفريق جموعهم مَا أمكن لتعديهم بِأَصْل الدُّخُول فِي الْخلَافَة وَلم ينْعَقد إِذْ ذَاك إِجْمَاع على حُرْمَة الْخُرُوج على أَئِمَّة الْجور فقد