المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ذكر بني قتادة أمراء مكة بعد الهواشم إلى وقتنا هذا) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٤

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(الْبَاب الرَّابِع)

- ‌(فِي الدولة الأيوبية السُّنِّيّةِ السَّنيّة)

- ‌(السَّبَب فِي توردهم الديار المصرية)

- ‌(السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْعَزِيز عُثْمَان)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْعَادِل)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل مُحَمَّد)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه أَبُو بكر الْعَادِل)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل)

- ‌(ثمَّ تولى تورنشاه)

- ‌(ثمَّ تولت شَجَرَة الدّرّ)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك عز الدّين أيبك التركماني)

- ‌(فَتَوَلّى الْملك الْأَشْرَف مُوسَى مظفر الدّين)

- ‌(الْبَاب الْخَامِس)

- ‌(فِي ذكر الدولة التركمانية)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عَليّ)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك المظفر سيف الدّين قطز)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الظَّاهِر بيبرس)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك السعيد نَاصِر الدّين)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك سلامش بن بيبرس)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك المصنور قلاوون الألفي)

- ‌(ثمَّ تولى الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر مُحَمَّد)

- ‌ كتبغا

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين)

- ‌(ثمَّ عَاد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌ بيبرس الجاشنكير

- ‌(تمّ تولى الْأَشْرَف عَليّ كجك بن مُحَمَّد النَّاصِر بن قالوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَحْمد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور ابْن مُحَمَّد قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل شعْبَان بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى حاجي)

- ‌(تمّ تولى السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(من أَوْلَاد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح صَالح بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى مُحَمَّد ابْن الْملك المظفر حاجي)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك شعْبَان بن حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده عَليّ بن الْأَشْرَف شعْبَان)

- ‌(وتلقب بِالْملكِ الْمَنْصُور فِي عَام السَّبع وَالسبْعين والسبعمائة الْمَذْكُور)

- ‌(ثمَّ تولى أَخُوهُ حاجي بن شعْبَان الْأَشْرَف)

- ‌(الْبَاب السَّادِس)

- ‌(فِي ذكر الدولة الشركسية بِمصْر وَالشَّام وأعمالهما)

- ‌(السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر سيف الدّين)

- ‌(أَبُو سعيد برقوق بن آنص العثماني كَذَا ذكره المقريزي فِي خططه

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك النَّاصِر)

- ‌(ثمَّ ولي الْخَلِيفَة العباسي)

- ‌(ثمَّ تولى الْأَمِير شيخ المحمودي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده الْملك المظفر)

- ‌(ثمَّ تولى ططر)

- ‌(ثمَّ تولى بعده ابْنه الْملك مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده يَوْم مَوته)

- ‌(الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن برسباي وعمره أَرْبَعَة عشر عَاما)

- ‌(ثمَّ تولى بعده أَبُو السعادات فَخر الدّين عُثْمَان بن حقمق)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين أَبُو النَّصْر أينال العلائي)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه أَحْمد الْمَذْكُور ابْن أينال ولقب بِالْملكِ الْمُؤَيد)

- ‌(ثمَّ تولى أتابكه الْملك الْعَادِل سيف الدّين خشقدم الناصري)

- ‌(ثمَّ تولى بعده فِي ذَلِك الْيَوْم أتابكه بلباي الْمُؤَيد)

- ‌(ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد تمريغا الظَّاهِرِيّ)

- ‌(ثمَّ تولى السلطنة أتابك العساكر يَوْمئِذٍ السُّلْطَان الْأَشْرَف قايبتاي)

- ‌(المحمودي الظَّاهِرِيّ الشركسي)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَبُو السعادات مُحَمَّد بن السُّلْطَان قايتباي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده خَاله الْملك الظَّاهِر قانصوه)

- ‌(ثمَّ تولى بعده السلطنة أَمِير كَبِير جانبُلاط)

- ‌(ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الْعَادِل طومان باي)

- ‌(ثمَّ تولى قانصوه الغوري السلطنة)

- ‌(الْبَاب السَّابِع)

- ‌(فِي ذكر مُلُوك آل عُثْمَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان أورخان الْغَازِي ابْن السُّلْطَان عُثْمَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد خَان الْغَازِي خدا وندكار)

- ‌(ابْن السُّلْطَان أورخان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان يلدرم با يزِيد ابْن السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان يلدرم)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّانِي ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد بن يلدرم)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فاتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة ابْن مُرَاد)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان بايزيد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد)

- ‌(وَجلسَ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وافتتح الفتوحات)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم ابْن السُّلْطَان با يزِيد)

- ‌(كاسر الْعَجم وفاتح بِلَاد الْعَرَب)

- ‌ سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم الثَّانِي ابْن سُلَيْمَان خَان)

- ‌(وَجلسَ على سَرِير السلطنة فِي سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث ابْن السُّلْطَان سليم)

- ‌(ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد)

- ‌(ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان ابْن السُّلْطَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان أَحْمد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد)

- ‌(ابْن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد أَخُوهُ)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان عُثْمَان بن أَحْمد خَان بن مُحَمَّد خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد خَان)

- ‌(وَهَذِه هِيَ التَوْليَةُ الثَّانِيَة)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي ابْن أَحْمد)

- ‌(ابْن مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن السُّلْطَان أَحْمد)

- ‌(أَخُو السُّلْطَان مُرَاد الْمَذْكُور قبله)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان الْغَازِي الْمُجَاهِد)

- ‌(فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم)

- ‌(فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة وَذكر مَكَان دُعَائِهِ إِلَيْهَا وزمانه وَمَا جرى على كل قَائِم مِنْهُم من خَليفَة زَمَانه وتعدادهم من عَليّ بن أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا حَتَّى لَا تَخْلُو الأَرْض من قَائِم من آل مُحَمَّد يَدْعُو إِلَى الْحق وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم إِلَى أَن يظْهر مهديها المنتظر وَهَذَا على

- ‌(فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا فَنَقُول وَبِاللَّهِ العون)

- ‌(الْبَاب الأول)

- ‌(فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي)

- ‌(فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث)

- ‌(من خَاتِمَة الْخَيْر)

- ‌(فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْم تَارِيخه)

- ‌(ولمع من أخبارهم ونوادر حوادث أيامهم)

- ‌(ذكر دولة السليمانيين)

- ‌(وَمِنْهُم آل أبي الطّيب)

- ‌(ذكر دولة الهواشم)

- ‌(ذكر بني قَتَادَة أُمَرَاء مَكَّة بعد الهواشم إِلَى وقتنا هَذَا)

- ‌(ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي)

الفصل: ‌(ذكر بني قتادة أمراء مكة بعد الهواشم إلى وقتنا هذا)

شَيْئا فَرَأى السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِسْقَاط ذَلِك وَأَن يعرض عَنهُ أَمِير مَكَّة فقرر مَعَه أَنه يحمل إِلَيْهِ كل عَام ألفي دِينَار وَثَمَانِية آلَاف أردب قَمح إِلَى سَاحل جدة ووقف على ذَلِك أوقافاً وخلدها فانبسطت لذَلِك النُّفُوس وَزَاد السرُور وَزَالَ الْبُؤْس وَصَارَ يُرْسل الإنعام للمجاورين بالحرمين من الْعلمَاء والفقراء ومدحه الْعَلامَة ابْن جُبَير بقصيدة أَولهَا // (من المتقارب) //

(رَفَعْتَ مَغَارِمَ مَكْسِ الحِجَازِ

بإنْعَامِكَ الشَّامِلِ الكَافِلِ)

ثمَّ ذكر ابْن جُبَير شَيْئا من أَخْبَار هَذَا المكس فَقَالَ إِنَّه كَانَ يُؤْخَذ من كل إِنْسَان سَبْعَة دَنَانِير مصرية وَنصف فَإِن عجز عَن ذَلِك عُوقِبَ بأنواع الْعَذَاب الْأَلِيم من تَعْلِيقه بالخصيتين وَغير ذَلِك وَكَانَت هَذِه البلية فِي مُدَّة دولة العبيديين المتخلفين بِمصْر جعلوها مَعْلُوما لأمير مَكَّة فأزالها الله تَعَالَى بعد أَن أزالهم على يَد السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَعوض أَمِير مَكَّة مَا تقدم ذكره وَضعف أَمر الهواشم وَكَانَ مكثر هُوَ آخِرهم وَكَانَ أَبُو عَزِيز قَتَادَة يناسبهم من جِهَة النِّسَاء فورث أَمرهم وَملك مَكَّة من أَيْديهم وطردهم عَنْهَا بِالسَّيْفِ وَأما مَا يسمع على الأفواه من أَن الشريف قَتَادَة إِنَّمَا دخل مَكَّة سَابِع عشر رَجَب فِي عمْرَة ابْن الزبير الَّتِي يخرج فِيهَا كل أهل مَكَّة رفيع ووضيع فَلم أطلع على أصل فِي ذَلِك وانقرضت دولتهم والبقاء لله وَحده لَا شريك لَهُ فِي ملكه سبحانه وتعالى

(ذكر بني قَتَادَة أُمَرَاء مَكَّة بعد الهواشم إِلَى وقتنا هَذَا)

كَانَ من ولد مُوسَى الجون الَّذين مر ذكرهم فِي بني حسن عبد الله أَبُو الْكَرم وَكَانَ لَهُ على مَا نقل نسابتهم ثَلَاثَة من الْوَلَد سُلَيْمَان وَزيد وَأحمد وَمِنْه تشعب وَلَده فَأَما زيد فولده الْيَوْم بالصفراء بنهر الحسنية وَأما أَحْمد فولده بالدهناء وَأما سُلَيْمَان فَكَانَ وَلَده مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن مُوسَى بن عِيسَى بن سُلَيْمَان بن عبد الله أبي الْكَرم وَكَانَ لمطاعن إِدْرِيس وثعلب فالثعلبية شعب بالحجار وَكَانَ لإدريس ابْنَانِ قَتَادَة النَّابِغَة وصرخة

ص: 222

فَأَما صرخة فولده بينبع يعْرفُونَ بالشكرة وَأما قَتَادَة النَّابِغَة فَكَانَ يكنى أَبَا عَزِيز وَكَانَ من وَلَده عَليّ الْأَكْبَر وشقيقه حسن فَمن ولد حسن إِدْرِيس وَأحمد وَمُحَمّد وجماز وإمارة يَنْبع فِي أَعْقَابهم حَتَّى الْآن فيرجعون إِلَى إِدْرِيس بن حسن بن إِدْرِيس وَأما أَبُو عَزِيز قَتَادَة فَمن وَلَده بَنو أبي نمي أُمَرَاء مَكَّة لهَذَا الْعَهْد وَكَانَ بَنو الْحسن بن الْحسن كلهم متوطنين بنهر العلقمية من وَادي يَنْبع لعهد إِمَارَة الهواشم وَكَانُوا ظواعن بادية وَلما نَشأ فيهم قَتَادَة هَذَا جمع قومه ذَوي مطاعن وأركبهم الْخُيُول واستبد بإمارتهم وَكَانَ بوادي يَنْبع بَنو حراب من ولد عبد الله بن الْحسن بن الْحسن وَكَانَ بهَا بَنو عِيسَى بن سُلَيْمَان بن مُوسَى الجون فحاربهم بَنو مطاعن هَؤُلَاءِ وأميرهم أَبُو عَزِيز قَتَادَة فَأخْرجهُمْ وَملك يَنْبع والصفراء واستكثر من الْجند والمماليك ثمَّ استألف بني مُحَمَّد وَبني إِبْرَاهِيم وَسَار إِلَى مَكَّة فانتزعها من أيدى الهواشم وخطب للناصر العباسي كَذَا فِي تَارِيخ الْعَلامَة ابْن خلدون فوليها الشريف قَتَادَة وَهُوَ أول من وَليهَا من هَذَا الْفَخْذ الشريف قَالَ فِي الْوَسِيلَة وَسبب طمعه فِي ملك مَكَّة مَا بلغه من انهماك ولاتها الهواشم على اللَّهْو وتبسطهم فِي الظُّلم وإعراضهم عَن صونها مِمَّن يريدها بِسوء اغْتِرَارًا مِنْهُم بِمَا هم فِيهِ من الْعِزّ وَالسيف لمن عارضهم فِي مُرَادهم وَإِن كَانَ ظلما فتوحش عَلَيْهِم بذلك خواطر جمَاعَة من قوادهم وَلما عرف قَتَادَة ذَلِك مِنْهُم استمالهم إِلَيْهِ وسألهم المساعدة على مَا يرومه عَن الِاسْتِيلَاء على مَكَّة وَبَعثه على الْمسير إِلَيْهَا أَن بعض النَّاس فزع إِلَيْهِ مستغيثاً بِهِ فِي ظلامة ظلمها فوعده بالنصر وَتوجه إِلَى مَكَّة فِي جمَاعَة من قومه فَمَا شعر أهل مَكَّة أَلا وَهُوَ مَعَهم بهَا وولاتهم على مَا هم فِيهِ من اللَّهْو والانهماك فَلم تكن لَهُم بمقاومته طَاقَة فملكها

ص: 223

وَقيل إِنَّه لم يَأْتِ إِلَيْهَا بِنَفسِهِ فِي ابْتِدَاء ملكه وَإِنَّمَا أرسل إِلَيْهَا ابْنه حَنْظَلَة فملكها لَهُ وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بِتَقْدِيم التَّاء فِي اللفظتين وَخرج مِنْهَا مكثر بن عِيسَى إِلَى وَادي نَخْلَة وَفِي سنة سِتّمائَة مَاتَ مكثر بنخلة وَجَاء ولد مُحَمَّد بن مكثر وَقَاتل حَنْظَلَة بن قَتَادَة عِنْد المتكا وَلم يحصل لمُحَمد ظفر وتمت الْبِلَاد لِقَتَادَة ذكر ذَلِك ابْن مَحْفُوظ وَابْن فَهد فِي إتحاف الورى بأخبار أم الْقرى قَالَ صَاحب عُمْدَة الطَّالِب فِي مَنَاقِب آل أبي طَالب وَهُوَ الْعَلامَة السَّيِّد النسيب والشريف الحسيب أَبُو جَعْفَر شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن مهنا الدَّاودِيّ الموسوي كَانَ قَتَادَة جباراً فتاكاً فِيهِ قسوة وتشدد وحزم وَكَانَ الْخَلِيفَة فِي زَمَانه النَّاصِر العباسي فاستدعى النَّاصِر الشريف قَتَادَة إِلَى بَغْدَاد ووعده ومناه فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَسَار إِلَى أَن وصل إِلَى الْعرَاق ثمَّ إِلَى المشهد الغروي فَخرج أهل بَغْدَاد لتلقيه وَكَانَ مِمَّن خرج فِي غمار النَّاس رجل درويش مَعَه أَسد مسلسل فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ الشريف قَتَادَة تطير وَقَالَ مالى ولبلد تذل فِيهَا الْأسود فَرجع من فوره إِلَى الْحجاز وَكتب إِلَى الْخَلِيفَة العباسي بقوله // (من الطَّوِيل) //

(بِلَادِى وَلَوْ جَارَتْ عليَّ مُرِيفَةٌ

وَلَوْ أَنَّنِى أَعْرَى بِهَا وأَجُوعُ)

(وَلِى كَفُّ ضِرْغَام إِذَا مَا بَسَطْتُهَا

بِهَا أَشْتَرِى يَوْمَ الوَغَى وأَبِيعُ)

(مُعَوّدَة لَثْمَ المُلُوكِ لِطُهْرِهَا

وَفِى بَطْنِها للمُجْدِبِينَ رَبِيعُ)

(أَأَتْرُكُهَا تَحْتَ الرِّهَانِ وأَبْتَغِي

بِهَا بَدَلاً إِنِّى إِذَنْ لَرَقِيعُ)

(ومَا أَنَا إِلَاّ المِسكُ فِي غَيْرِ أَرْضِكُمْ

أَضُوعُ وَأَمَّا عِنْدَكُمْ فَأَضِيعُ)

فَلَمَّا وقف النَّاصِر العباسي على هَذِه الأبيات استشاط غَضبا وامتلأ حنقاً وحرباً وَكتب إِلَى الشريف قَتَادَة كتابا يَقُول فِيهِ أما بعد فَإِذا نزع الشتَاء جلبابه وَلبس الرّبيع أثوابه قاتلناكم بِجُنُود لَا قبل لكم بهَا ولنخرجنكم مِنْهَا أَذِلَّة وَأَنْتُم صاغرون فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب الشريف قَتَادَة ارتاع لذَلِك أَشد ارتياع وَأرْسل إِلَى بني عَمه بني الْحُسَيْن بِالْمَدِينَةِ يستنجدهم ويسألهم المعونة وَصدر الْكتاب بقوله // (من الطَّوِيل) //

(بَنِى عَمِّنَا مِنْ آلِ موسَى وَجَعْفَرٍ

وآلِ حُسَيْنٍ كَيْفَ صَبْرُكُمُ عَنَّا)

ص: 224

(بَنِى عَمِّنَا إِنَّا كَأَفْنَاِن دوْحَةٍ

فَلَا تَتْركُونَا يَتَّخِذْنَا الفَنَا فَنَّا)

(إِذَا مَا أَخٌ خَلَّى أَخَاهُ لآكِلٍ

بَدَا بِأَخِيهِ الأَكْل ثُمَّ بِذَا ثَنَّى)

فَأَتَتْهُ مِنْهُم رجال النجدة ذَوُو الْعدَد وَالْعدة فَلَمَّا أَقبلت تِلْكَ الكتيبة الناصرية كسرهَا وبدد شملها وقهرها فَلَمَّا بلغ ذَلِك النَّاصِر العباسي والى عَلَيْهِ الإنعامات الْكَامِلَة وأقطعه الإقطاعات الهائلة وَذكر ابْن الْأَثِير فِي سنة إِحْدَى وسِتمِائَة كَانَ الْحَرْب بَين قَتَادَة الشريف أَمِير مَكَّة وَبَين الْأَمِير سَالم بن قَاسم الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة وَمَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا جمع كثير وَفِي ذَلِك يَقُول الشريف قَتَادَة // (من الطَّوِيل) //

(مَصَارِعَ آلِ الُمصْطفَى عُدْتِ مثلَ مَا

بَدَأْتِ وَلَكِنْ صِرْتِ بَيْنَ الأَقَاِربِ)

فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا وَكَانَ الْحَرْب بِذِي الحليفة وَقد كَانَ قَتَادَة قصد الْمَدِينَة ليحصرها ويأخذها فحصرها مُدَّة مَعْلُومَة فَلَقِيَهُ سَالم بعد أَن قصد الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَصلى عِنْدهَا ودعا وَسَار إِلَى قتال قَتَادَة فَانْهَزَمَ قَتَادَة وَتَبعهُ سَالم إِلَى مَكَّة وحصرها وَأرْسل إِلَى قَتَادَة يَقُول بعد أَن حصرها الْمدَّة الْمَعْلُومَة حصر بحصر يَا ابْن عَم فَأرْسل قَتَادَة إِلَى من مَعَ سَالم فأفسدهم عَلَيْهِ فمالوا مَعَه فَلَمَّا علم بذلك سَالم رَحل عَنهُ عَائِدًا إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ إِن قَتَادَة خرج لِحَرْب ثَقِيف فَتَحَصَّنُوا فَلم يقدر عَلَيْهِم فآمنهم وَحلف فَحَضَرُوا عِنْده فَقتل مِنْهُم طَائِفَة من أكابرهم واستخلف على بِلَادهمْ نواباً من عِنْده وعضدهم بعبيد لَهُ فَلم يبْق لأهل الطَّائِف مَعَهم كلمة وَلَا حُرْمَة فَعِنْدَ ذَلِك اجْتمع أهل الطَّائِف ودفنوا سيوفهم فِي الرمل وَذَلِكَ فِي الْمجَالِس الَّتِي جرت عَادَتهم بِالْجُلُوسِ فِيهَا مَعَ أَصْحَاب قَتَادَة واستدعوا أَصْحَاب قَتَادَة وأوهموهم أَن ذَلِك بِسَبَب كتاب ورد عَلَيْهِم فَلَمَّا اجْتَمعُوا أخرجُوا سيوفهم وَقتلُوا أَصْحَاب قَتَادَة عَن آخِرهم وَلم يسلم مِنْهُم أَلا وَاحِد وصل إِلَى قَتَادَة وَهُوَ واله الْعقل لما شَاهد من الهول وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وَذكر الميورقي أَن فِي هَذِه الْوَاقِعَة فقد كتاب رَسُول الله

لأهل الطَّائِف لما

ص: 225

نهب جَيش قَتَادَة الْبِلَاد وَذكر أَبُو شامة فِي أَخْبَار سنة تسع وسِتمِائَة قَالَ فِيهَا قتل قَتَادَة صَاحب مَكَّة إِمَام الْحَنَفِيَّة وَإِمَام الشَّافِعِيَّة وَنهب اليمنيين وَذكر أَيْضا فِي سنة ثَمَان وسِتمِائَة نهبه الْحَاج الْعِرَاقِيّ وَكَانَ أَمِير الركب عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن ياقوت نِيَابَة عَن أَبِيه وَمَعَهُ ابْن أبي فراس يدبره وَحج من الشَّام الصمصام إِسْمَاعِيل وَكَانَت ربيعَة خاتون أُخْت الْعَادِل بن أَيُّوب فِي الْحَج فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّحْر بعد رمي الْجَمْرَة وثب بعض الإسماعيلية على رجل شرِيف من بني عَم قَتَادَة أشبه النَّاس بِهِ وظنه إِيَّاه فَقتله عِنْد الْجَمْرَة وَيُقَال إِن الَّذِي قَتله كَانَ مَعَ أم جلال الدّين فثار عبيد مَكَّة عِنْد ذَلِك والأشراف وصعدوا على الجبلين بمنى وهللوا وَكَبرُوا وضربوا النَّاس بِالْحِجَارَةِ والمقاليع والنشاب ونهبوا النَّاس يَوْم الْعِيد وَاللَّيْلَة وَالْيَوْم الثَّانِي وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة فَقَالَ ابْن أبي فراس لمُحَمد بن ياقوت ارحل بِنَا إِلَى الزَّاهِر إِلَى منزلَة الشاميين فَلَمَّا حصلت الأثقال على الْجمال حمل قَتَادَة وَالْعَبِيد فَأخذُوا الْجَمِيع أَلا الْقَاتِل وَقَالَ قَتَادَة مَا كَانَ الْمَقْصُود أَلا أَنا وَالله لَا أبقيت من حَاج الْعرَاق أحدا وَكَانَت ربيعَة خاتون بالزاهر وَمَعَهَا ابْن السلاخور سياروج وحاج الشَّام فجَاء مُحَمَّد بن ياقوت أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ فَدخل خيمة ربيعَة خاتون مستجيراً بهَا وَمَعَهُ أم جلال الدّين فَبعث قَتَادَة يَطْلُبهُ فَبعثت خاتون مَعَ ابْن السلاخور إِلَى قَتَادَة تَقول لَهُ مَا ذَنْب الْمُسلمين قد قتلت الْقَاتِل وَجعلت ذَلِك وَسِيلَة إِلَى نهب الْمُسلمين واستحللت الدِّمَاء فِي الشَّهْر الْحَرَام فِي الْحرم وَقد عرفت من أَنا وَالله لَئِن لم تَنْتَهِ لَأَفْعَلَنَّ وأفعلن فجَاء ابْن السلاخور إِلَى قَتَادَة فَأخْبرهُ وخوفه عَاقِبَة مَا يروم وَقَالَ إِن فعلت غير مَا فعلت قصدك الْخَلِيفَة من بَغْدَاد وَنحن من الشَّام فَكف عَنْهُم وَطلب مائَة ألف دِينَار فَجمعُوا لَهُ ثَلَاثِينَ ألفا من أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ وَمن خاتون أم جلال الدّين وَأقَام النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام حول خيمة ربيعَة خاتون بَين جريح وقتيل ومسلوب وجائع وعريان وَيُقَال إِن قَتَادَة أَخذ من الْمَتَاع مَا قِيمَته ألف ألف دِينَار وَأذن للنَّاس فِي الدُّخُول إِلَى مَكَّة فَدخل الأصحاء الأقوياء وطافوا ومعظم النَّاس مَا دخل مَكَّة ورحلوا إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ إِنَّهُم دخلُوا إِلَى بَغْدَاد على غَايَة الْفقر والذل والهوان

ص: 226

وَفِي سنة تسع وسِتمِائَة وصل من قبل الْخَلِيفَة النَّاصِر العباسي إِلَى قَتَادَة مَعَ الركب الْعِرَاقِيّ مَالٌ وخلعة وَكِسْوَة وَلم يظْهر لَهُ الْخَلِيفَة إنكاراً على مَا تقدم من نهب الْحَاج وَجعل أَمِير الْحَاج يتدرجه ويخدعه بِأَنَّهُ لم يَصح عِنْد الدِّيوَان الْعَزِيز أَلا أَن الشرفاء وأتباعهم نهبوا أَطْرَاف الْحَاج وَلَوْلَا تلافيك لهلكوا وَقَالَ لَهُ يَقُول لَك مَوْلَانَا الْوَزير وَلَيْسَ كَمَال الْخدمَة الإمامية أَلا بتقبيل العتبة وَلَا عز الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَلا بنيل هَذِه الرُّتْبَة فَقَالَ الشريف قَتَادَة سَأَنْظُرُ فِي ذَلِك ثمَّ تسمع الْجَواب وَاجْتمعَ ببني عَمه الْأَشْرَاف وعرفهم أَن ذَلِك اسْتِدْرَاج لَهُم وَله حَتَّى يتَمَكَّن من الْجَمِيع ثمَّ قَالَ لَهُم يَا بني الزهراء عزكم إِلَى آخر الدَّهْر مجاورة هَذِه البنية والاجتماع فِي بطائحها فَلَا يرغبونكم بالأموال وَالْعدة وَالْعدَد وَقد عصمكم الله وعصم أَرْضكُم بانقطاعها وَإِنَّهَا لَا تبلغ أَلا بشق الْأَنْفس ثمَّ عَاد أَبُو عَزِيز قَتَادَة إِلَى أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ وَقَالَ لَهُ اسْمَع الْجَواب ثمَّ أنْشدهُ الأبيات الْمُتَقَدّمَة فَقَالَ لَهُ أَمِير الركب الشريف يَا شرِيف حاشا الله أَن أحمل مثل هَذِه الأبيات مِنْك وَأَنت ابْن بنت رَسُول الله

والخليفة ابْن عمك وَأَنا مَمْلُوك تركي لَا أعلم من الْأُمُور الَّتِي فِي الْكتب مَا علمتَ وَلَكِنِّي قد رَأَيْت أَن هَذَا من سرف الْعَرَب الَّذين يسكنون الْبَوَادِي وترغاب قطاع الطَّرِيق وَالله لَا حملت هَذِه الأبيات عَنْك فَأَكُون قد جنيت على بَيت الله وَبني بنت نبيه وَوَاللَّه لَو وصل إِلَيْهِ مَا ذكرت لجعل سَائِر الْوُجُوه إِلَيْك وَلَكِن لي رَأْي أعرضه عَلَيْك فأصغي إِلَيْهِ أَبُو عَزِيز وَعلم أَنه رجل عَاقل قَالَ الرَّأْي أَن ترسل أحد أولادك من لَا تهتم لَهُ إِن جرى عَلَيْهِ مَا تتوقعه ومعاذ الله أَن يجْرِي عَلَيْهِ أَلا مَا تحبه وَترسل مَعَه جمَاعَة من ذَوي الْأَسْنَان والهيئات فيدخلوا مَدِينَة السَّلَام وَفِي أَيْديهم أكفانهم منشورة وَسُيُوفهمْ مسلولة ويقبلون العتبة ويتوسلون بالنبى

وبصفح أَمِير الْمُؤمنِينَ وسترى مَا يكون من الْخَيْر لَك وَلِلنَّاسِ قَالَ فشكره قَتَادَة وَوجه صحبته وَلَده رَاجع بن قَتَادَة وأشياخ الشرفاء ودخلوا بَغْدَاد على تِلْكَ الْهَيْئَة الَّتِي ذكرهَا وهم يضجون ويتضرعون ويبكون وَالنَّاس يَبْكُونَ لبكائهم فَاجْتمع الْخلق كَأَنَّهُ الْمَحْشَر ومالوا إِلَى بَاب النّوبَة من أَبْوَاب مَدِينَة الْخَلِيفَة فقبلوا هُنَالك العتبة وَبلغ الْخَيْر النَّاصِر العباسي فَعَفَا عَنْهُم وَعَن مرسلهم وأنزلوهم فِي الديار

ص: 227

الواسعة وأكرموا الْكَرَامَة الَّتِي ظَهرت واشتهرت وعادوا إِلَى أبي عَزِيز بِمَا أحب فَكَانَ بعد ذَلِك يَقُول لعن الله أول رأى عِنْد الْغَضَب وَلَا عدمنا عَاقِلا ناصحاً يثبتنا عِنْده قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي التكملة كَانَ قَتَادَة الْمَذْكُور مهيباً وقوراً قوي النَّفس شجاعاً مقداماً فَاضلا لَهُ شعر تولى إمرة مَكَّة رَأَيْته بهَا يطوف بِالْبَيْتِ وَيَدْعُو بتضرع وخشوع والريس على زَمْزَم يَدْعُو لَهُ وَهُوَ كالأسد شجاعة والقطب خشوعاً وتضرعاً والبدر كمالاً وبهاء وَكَانَ مولده بوادي يَنْبع وَبِه نَشأ وَكَانَت مَمْلَكَته قد اتسعت من حُدُود الْيمن إِلَى خلف مَدِينَة النبى

وَكثر عسكره واستكثر من المماليك وخافته الْعَرَب فِي تِلْكَ الْبِلَاد خوفًا عَظِيما وَسَار فِي مَكَّة سيرة حَسَنَة وأزال عَنْهَا العبيد المفسدين وَحمى الْبِلَاد وَأحسن إِلَى الْحجَّاج وَأكْرمهمْ وَبَقِي كَذَلِك مُدَّة ثمَّ أَسَاءَ السِّيرَة وجدد المكوس وَفعل أفعالاً شنيعة وَنهب الْحجَّاج وَكَانَ يخْطب للناصر أَحْمد العباسي ابْن المستضيء ثمَّ يخْطب لنَفسِهِ بالأمير الْمَنْصُور ودام ملكه نَحْو سبع وَعشْرين سنة وَكَانَ وراثته الْملك عَن مكثر بن عِيسَى الَّذِي وَرثهُ من آبَائِهِ الهواشم وَلم يكن أَبُو عَزِيز من الهواشم أَلا من جِهَة النِّسَاء ثمَّ زَاد ظلم قَتَادَة فِي النَّاس وأذاه للحجاج من الْعِرَاقِيّين وَغَيرهم وَأظْهر التَّعَدِّي حَتَّى ضج النَّاس وفسدت نِيَّته على الْخَلِيفَة النَّاصِر العباسي فارتفعت الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ فَقتله الله على يَد ابْنه حسن بن قَتَادَة وَكَانَ قَتله فِي جُمَادَى الأولى هَكَذَا ذكره أَبُو شامة فِي سنة 617 سبع عشرَة وسِتمِائَة وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ بل فِي جُمَادَى الْأُخْرَى من سنة 618 ثمَّ اسْتَقر بعده فِي ملك مَكَّة ابْنه حسن بن قَتَادَة قيل قَتله خنقاً وَسبب قَتله أَن قَتَادَة جمع جموعاً وَسَار من مَكَّة يُرِيد الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَنزل

ص: 228

بوادي الْفَرْع وَهُوَ مَرِيض وَبعث أَخَاهُ على الْجَيْش وَمَعَهُ ابْنه حسن هَذَا فَلَمَّا بعد وأبلغ حسن أَن عَمه قَالَ لبَعض الْجند إِن أخي قَتَادَة مَرِيض وَهُوَ ميت لَا محَالة وَطلب مِنْهُم أَن يحلفوا لَهُ ليَكُون هُوَ الْأَمِير بعده فَلَمَّا بلغ الْحسن ذَلِك أرسل إِلَى عَمه من خنقه وَخرج للنَّاس فِي الْحرم وَطلب الْأَشْرَاف ووجوه النَّاس وَقَالَ لَهُم إِن أبي اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وَأَنا أحب أَن تُبَايِعُونِي فَبَايعُوهُ وحلفوا لَهُ فأحضر تابوتاً مغطى وَقَالَ هَذَا أبي مَاتَ وَكَانَ قد دَفنه لَيْلًا فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ الْإِمَارَة لحسن وَثبتت قدمه أرسل إِلَى أَخِيه وَكَانَ بينبع وَطَلَبه وَلم يُخبرهُ بِحَال أَبِيه فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ قَتله وَكَانَ لَهُ أَخ اسْمه رَاجِح كَانَت بَينهمَا مباينة أَقَامَ فِي الْأَعْرَاب هَارِبا بِظَاهِر مَكَّة حَتَّى كَانَ من أمره مَعَ آق باش أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ مَا كَانَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا وَلما بلغ قَتَادَة قتل حسن لِعَمِّهِ قَامَت قِيَامَته وَحلف ليقْتلن حسنا فَبلغ ذَلِك حسنا فَدخل على أَبِيه بعد عوده من الْمَدِينَة فَبَالغ قَتَادَة فِي ذمه وتهديده فَوَثَبَ إِلَيْهِ حسن واستعان بِغُلَام وَجَارِيَة كَانَا يخدمان أَبَاهُ فأمسكا يَدَيْهِ فَقتله خنقاً ثمَّ قَتلهمَا ليخفي سَبَب قَتله وَقيل بل قَتله سما فَهَذَا سَبَب قتل حسن أَبَاهُ قَتَادَة وَكَانَت وَفَاته كَمَا تقدم فِي جُمَادَى الْآخِرَة عَام 617 سبع عشرَة وسِتمِائَة أَو ثَمَان عشرَة وَالْأول هُوَ الَّذِي رَأَيْته أَكثر وَكَانَ قَتَادَة يَقُول أَنا أَحَق من النَّاصِر العباسي بالخلافة وَكَانَ فِي زَمَنه فِي الْمَسْجِد يُؤذن بحي على خير الْعَمَل وَمُدَّة عمره نَحْو سبعين سنة وَمُدَّة ولَايَته من سنة 599 تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة إِلَى سنة 617 سبع عشرَة وسِتمِائَة وَلما وصل الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن أَمر بنبش قبر قَتَادَة وإحراقه لما فعل من نهب اليمنيين فوجدوا فِي الْقَبْر تابوتاً لَيْسَ فِيهِ شَيْء فَعرف النَّاس بذلك أَن حسن قتل أَبَاهُ وَدفن التابوت فِي قبر آخر ليخفي قَبره على النَّاس وَكَانَ لِقَتَادَة من الْوَلَد رَاجِح وَهُوَ الْأَكْبَر الَّذِي فر إِلَى الْأَعْرَاب بِظَاهِر مَكَّة كَمَا تقدم وَحسن وعَلى الْأَكْبَر جد الْأَشْرَاف المعروفين بذوي عَليّ وعَلى الْأَصْغَر جد

ص: 229

أبي نمي جد الْأَشْرَاف الَّذين كَانُوا وُلَاة خليص وهم الْآن ولاه مَكَّة أَلا ترى أَن عجلَان بن رميثة بن أبي نمي مُحَمَّد بن أبي سعد الْحسن بن عَليّ هَذَا الْأَصْغَر بن قَتَادَة وَلكُل من هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّة وأعقاب وَمِمَّا صنع الشريف قَتَادَة أَن أدَار على مَكَّة سوراً من أَعْلَاهَا ليحفظها عَمَّن يريدها بِسوء ثمَّ وَليهَا الشريف حسن بن قَتَادَة عَام سبع عشرَة وسِتمِائَة وَوَقع فِيهَا قتال بَينه وَبَين آق باش أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ وَهُوَ مَمْلُوك تركي للناصر العباسي عقد لَهُ الْولَايَة على مَكَّة وعَلى كل بلد يدخلهَا وَمعنى آق باش أَبيض الرَّأْس وَسبب الْقِتَال أَنه لما ورد آق باش الْمَذْكُور أَمِيرا تعرض رَاجِح لقطع الطَّرِيق بَين مَكَّة وعرفة فأمسكه الْأَمِير الْمَذْكُور فَأرْسل أَخُوهُ حسن إِلَى الْأَمِير موعداً لَهُ بِمَال جزيل أَن يسلم إِلَيْهِ أَخَاهُ راجحاً فَبلغ ذَلِك راجحاً فَقَالَ للأمير أَنا أُعْطِيك أَضْعَاف مَا وَعدك فأعني على ولَايَة مَكَّة فوعده بذلك فأرادا جَمِيعًا دُخُول مَكَّة فمنعهما حسن وَوَقع الْحَرْب فَصَعدَ آق باش على جبل عَرَفَة بِمَا عِنْده من المنعة فأحدقت بِهِ أَعْرَاب الشريف حسن فَقتل وعلق رَأسه فِي ميزاب الْكَعْبَة وَقيل رفع على رَأس رمح بالمسعى وَأرْسل يعْتَذر إِلَى دَار الْخلَافَة كَذَا فِي عُمْدَة الطَّالِب وَفِي موسم تِسْعَة عشرَة وسِتمِائَة وَليهَا الْملك المسعود يُوسُف من بني أَيُّوب وصل إِلَيْهَا وَكَانَ قد تفرق عَن حسن والأشراف لشحه وَلم يبْق عِنْده أَلا جمَاعَة من عشيرته وَجَاء مَعَ صَاحب الْيمن الْمَذْكُور أَخُو الشريف حسن الشريف رَاجِح بن قَتَادَة فتقاتلا بالمسعى فانكسر حسن وَفَارق مَكَّة فنهبها الْملك المسعود وراجح حَتَّى سلبوا النَّاس أَشْيَاء من على أَجْسَادهم وَولى الْملك المسعود رَاجِح بن قَتَادَة حليا وَنصف المخلاف وَأمر المسعود بنبش قبر قَتَادَة فَلم يَجدوا أَلا التابوت كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَعمل المسعود فِي مَكَّة من الْمُنْكَرَات مَا لم يُرَ مِنْهَا أَنه يطلع على قبَّة زَمْزَم وَيَرْمِي الْحمام بالبندق وَيجْلس عبيده بالمسعى فيضربون أرجل النَّاس بِالسُّيُوفِ يَقُولُونَ إِن السُّلْطَان سَكرَان نَائِم امشوا قَلِيلا قَلِيلا لِئَلَّا توقظوه كَانَت دَاره على الْمَسْعَى تسمى دَار السلطنة وَكَانَت تسمى دَار الْقَوَارِير

ص: 230

قلت عثرت فِي بعض التواريخ أَن محلهَا كَانَ مَحل الْمدرسَة القايتبائية الْآن انْتهى ثمَّ خرج من مَكَّة واستناب عَلَيْهَا نور الدّين عَليّ بن رَسُول الغساني الملقب بِالْملكِ المظفر ورتب مَعَه ثَلَاثمِائَة فَارس وَولى راجحاً حليا وأعمالها ثمَّ وصل حسن بِجَيْش عَظِيم من الينبع إِلَى مَكَّة سنة عشْرين وسِتمِائَة فَخرج إِلَيْهِ أميرها عَليّ بن رَسُول الْمَذْكُور فَكَسرهُ عَليّ بن رَسُول فَتوجه إِلَى الشَّام فَلم ير بهَا وَجها وَلم يفلح بعد قتل وَالِده وَعَمه وَقد دَعَا عَلَيْهِ أَبوهُ قَتَادَة فِي قصَّة اتّفقت لَهُ نقلهَا الزنجاني وَزِير أَبِيه الشريف قَتَادَة هِيَ أَنه كَانَ الشريف قَتَادَة بِالْحرم الشريف مَعَ الْأَشْرَاف فهجم عَلَيْهِ ولد لوَلَده حسن وترامى فِي حجره مستجيراً وَإِذا بوالده حسن يشْتَد فِي إِثره حَتَّى ألْقى يَده فِي شعره وجذب الصَّبِي من حجر جده فاغتاظ الشريف قَتَادَة وَقَالَ الْحسن هَكَذَا ربيتك وَلِهَذَا ادخرتك فَقَالَ حسن ذَاك الْإِخْلَال أوجب هَذَا الإدلال فَقَالَ الشريف قَتَادَة لَيْسَ هَذَا بإدلال وَلكنه إذلال وَانْصَرف حسن بولده فَفعل فِيهِ مَا اقْتَضَاهُ عقله فَالْتَفت الشريف قَتَادَة إِلَى الْأَشْرَاف وَقَالَ لَهُم وَالله لَا أَفْلح هَذَا فَلم يمر بِهِ أَلا زمن يسير حَتَّى قتل أَبَاهُ وذاق عُقُوبَة العقوق والقطيعة ثمَّ توجه إِلَى الْعرَاق فَلم ير بهَا وَجها بل أَرَادوا قَتله بِسَبَب قَتله آق باش الناصري مَمْلُوك الْخَلِيفَة النَّاصِر العباسي فِي الْوَاقِعَة الَّتِي جرت فِي أَيَّامه بِمَكَّة زمن الْحَج فَخرج مِنْهَا خَائفًا وَلم يزل طريداً شَرِيدًا خَائفًا إِلَى أَن وصل بَغْدَاد فأدركه أَجله فِي الْجَانِب الغربي على دكة فَلَمَّا علم بِهِ غُسل وصُلي عَلَيْهِ وَحمل فَدفن فِي مشْهد مُوسَى الكاظم سامحه الله تَعَالَى هَذَا حَاصِل مَا ذكره المؤرخون فِي مصنفاتهم مفرقاً غير مُجْتَمع فِي كتاب وَلَا مُسْتَوْفِي جمعت مَا ذَكرُوهُ وسقته مجتمعاً كل حَدِيث فِي مَحَله وكل فرع إِلَى أَصله وكل نوع إِلَى جنسه وشكله وَهَذَا شاني فِي تَرْجَمَة كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ السَّادة الْأَعْلَام أذكرها كافلة للمرام بعون الْملك العلام على إِنِّي لَا أَخْلو من قَول جَاهِل خامد أَو فَاضل حَاسِد أَو مبغض جَاحد هَل زَاد على الْجمع وَمَا درى أَنه تفطير للفؤاد تقطير للدمع إِذْ تتبع ذَلِك من مظانه المتفرقات وَضم شَمل الْقِصَّة وسبكها فِي ألطف قالب من الْعبارَات يعرف قدره

ص: 231

من أشرق فِي أفق الْفضل وَمَا غاض بدر تمه وَلَا يجْحَد حَقه أَلا كل عاض بظر أمه على أَن لي فِيهِ فلتوتات كَأَنَّهَا ياقوتات ينظرها بِنور الْعدْل والإنصاف زاكي السريرة ذاتاً وسمى ويتخونها من عَم بَصَره وبصيرته عَمه وعمى لَكِن الْأَعْمَال بمقاصدها وَالله عَالم بِصَحِيح النِّيَّة من فاسدها وَلم تزل مَكَّة فِي ولَايَة الْملك المسعود يُوسُف بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد ابْن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب ونائبه عَلَيْهَا نور الدّين عَليّ بن رَسُول إِلَى سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة فَتوفي الْملك المسعود بعد أَن فلج ويبست يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَرَأى فِي نَفسه العبر نَعُوذ بِاللَّه من سوء قَضَاهُ وفيهَا وصل إِلَى مَكَّة جَيش من صَاحب مصر وعَلى الْجَيْش طغتكين وَمَعَهُ مِائَتَا فَارس ففر مِنْهَا نائبها نور الدّين عَليّ بن رَسُول نَائِب الْملك المسعود وَأنْفق طغتكين على أهل مَكَّة نَفَقَة جَيِّدَة وحلفهم وتوثق مِنْهُم فَلَمَّا كَانَ سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة وصل إِلَى مَكَّة جَيش صَاحب الْيمن عَليّ بن رَسُول الغسانى وصحبته السَّيِّد راحج بن قَتَادَة فنزلوا بِالْأَبْطح وحصروا مَكَّة وَأرْسل الشريف رَاجِح إِلَى أهل مَكَّة يذكرهم إِحْسَان السُّلْطَان نور الدّين أَيَّام نيابته بِمَكَّة عَن الْملك المسعود فَمَال رُؤَسَاء مَكَّة إِلَيْهِ فَلَمَّا أحس بذلك الْأَمِير طغتكين خَافَ على نَفسه فَخرج خَائفًا وَقصد وَادي نَخْلَة فَدخل رَاجِح وَمن مَعَه فوليها الشريف رَاجِح بن قَتَادَة وَكَانَ أَمِير الْجَيْش يُسمى ابْن عَبْدَانِ فَدخل إِلَى مَكَّة وَاسْتولى عَلَيْهَا وخطب للْملك الْمَنْصُور ابْن الْملك المسعود وَتوجه طغتكين إِلَى يَنْبع وَكَانَ بهَا رُتْبَة للكامل صَاحب مصر الأيوبي فَأَقَامَ هُنَاكَ وَعرف الْكَامِل بالْخبر فَجهز جَيْشًا كَبِيرا من مصر وَأمر صَاحب الينبع وَصَاحب الْمَدِينَة أَن يخرجَا مَعَ ذَلِك الْجَيْش إِذا وصل إِلَيْهِمَا ففعلا ووصلوا إِلَى مَكَّة جَمِيعًا فِي رَمَضَان وحاصروا راجحاً وَابْن عَبْدَانِ وقاتلوهما فانكسروا وَاسْتولى على مَكَّة أميرها الأول طغتكين فَقتل من اْهل مَكَّة خلقا كثيرا وأنهبت ثَلَاثَة أَيَّام وَأظْهر حقده عَلَيْهِم وأخافهم خوفًا شَدِيدا وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة جمع الشريف رَاجِح جموعا عَظِيمَة وأمده الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن بعساكر فَقدم مَكَّة وطرد طغتكين وعسكر الْملك الْكَامِل

ص: 232

صَاحب مصر فَلَمَّا علم بذلك الْكَامِل جهز عسكراً فِي شَوَّال سَبْعمِائة فَارس فَلَمَّا أَن وصل الْحَاج واتضح أَمر الْعَسْكَر خرج الشريف رَاجِح من مَكَّة فَدَخلَهَا الْعَسْكَر الْمصْرِيّ من غير محاربة وطيبوا قُلُوب أَهلهَا وَعدلُوا فيهم وأحسنوا وَحج بِالنَّاسِ أَمِير يُسمى الزَّاهِد وَترك فِي مَكَّة أَمِيرا يُقَال لَهُ ابْن مجلي فِي خمسين فَارِسًا أَقَامَ بِمَكَّة فَعدل وَأحسن السِّيرَة وَفِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ جهز الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن إِلَى السَّيِّد رَاجِح عسكراً جراراً وخزانة عَظِيمَة فَنَهَضَ رَاجِح وَمن مَعَه من الْعَسْكَر ودخلوا مَكَّة وأخرجوا ابْن مجلي وَمن مَعَه فَلَمَّا أَن وصل الْحَاج سمع الشريف راحج أَن الْملك الْكَامِل حَاج على النجب لوعد بَينه وَبَين الْخَلِيفَة العباسي فَخرج رَاجِح من مَكَّة فَتغير عَلَيْهِ خاطر الْملك الْمَنْصُور فَلَمَّا رَجَعَ الْملك الْكَامِل عَاد رَاجِح إِلَى مَكَّة وَكَانَ بهَا غلاء عَظِيم سموهُ غلاء ابْن مجلي وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وصل من صَاحب مصر عَسْكَر ألف فَارس فَخرج الشريف رَاجِح إِلَى الْيمن فجهزه الْملك الْمَنْصُور بخزانة وعسكر أَيْضا وَأرْسل قناديل ذهب وَفِضة لتَعلق فِي جَوف الْكَعْبَة فَلم يقدر رَاجِح وَمن مَعَه لمقاومة الْعَسْكَر الْمصْرِيّ فَلم يدْخل فَلَمَّا سمع بهم الْعَسْكَر الْمصْرِيّ خَرجُوا إِلَيْهِم من مَكَّة فَالْتَقوا بِمحل يُقَال لَهُ الْخلف والخليف فانهزمت الْأَعْرَاب أَصْحَاب رَاجِح وَأسر أَمِير عسكره ابْن عَبْدَانِ فقيد وَأرْسل بِهِ إِلَى مصر وَفِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة خرج السُّلْطَان نور الدّين عَليّ بن رَسُول من الْيمن قَاصِدا مَكَّة فِي ألف فَارس وَأرْسل للجند الَّذين بِمَكَّة أَن كل من جَاءَ إِلَيْهِ يُعْطِيهِ ألف دِينَار وحصاناً وَكِسْوَة فَمَال إِلَيْهِ كثير من الْجند وآثروه على مَوْلَاهُم ووفي لَهُم بِمَا وعدهم وَأرْسل إِلَى الشريف رَاجِح فَتَلقاهُ من أثْنَاء الطَّرِيق فقدمه صُحْبَة ثَلَاثمِائَة فَارس من أهل النجدة من عسكره وَأَعْطَاهُ النقارات والكئوسات وَتقدم إِلَى مَكَّة فَلَمَّا تحققت عَسَاكِر مصر وُصُول السُّلْطَان أحرقوا مَا كَانَ عِنْدهم من الأثقال والأقوات وَخَرجُوا من مَكَّة فَأرْسل الشريف رَاجِح يبشر السُّلْطَان نور الدّين بِمَا وَقع فَأحْرم بِعُمْرَة وَدخل مَكَّة فِي رَجَب وَتصدق على أهل مَكَّة بأموال جزيلة

ص: 233

وَفِي ذَلِك الْعَام مَاتَ الْكَامِل صَاحب مصر فخطبوا للْملك الْمَنْصُور ابْن الْملك المسعود صَاحب الْيمن وَفِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة أرسل صَاحب مصر الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل إِلَى مَكَّة ألف فَارس عَلَيْهِم الشريف شيحة بن قَاسم الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَلَمَّا سمع بهم رَاجِح وَمن مَعَه من عَسَاكِر الْملك الْمَنْصُور فروا إِلَى الْيمن وأخلوا مَكَّة فَدَخلَهَا شيحة وملكها ونهبها فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن جهز السَّيِّد راجحاً بعسكر مَعَه إِلَى مَكَّة فَلَمَّا أحس بهم الْحُسَيْنِي فر هَارِبا من مَكَّة وأخلاها وَفِي موسم سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة دخل من صَاحب مصر عَسْكَر إِلَى مَكَّة فَلَمَّا بلغ صَاحب الْيمن تجهز وَخرج إِلَى مَكَّة بِجَيْش كثيف فهرب المصريون وأحرقوا دَار السلطنة بِمَكَّة فَدخل السُّلْطَان نور الدّين عَليّ بن رَسُول الغساني وَصَامَ رَمَضَان وَأقَام بهَا وأبطل المكوس والجبايات والمظالم وَكتب ذَلِك فِي رخامة مربعة جعلت قبالة الْحجر الْأسود فِي حَائِط زَمْزَم وَأرْسل يطْلب أَبَا سعيد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة من يَنْبع فَلَمَّا أَتَاهُ أكْرمه وأنعم عَلَيْهِ فاستخدمه على مَكَّة وَاشْترى مِنْهُ قلعة الينبع وَأمر بخرابها لأجل أهل مصر وَأبقى عِنْده مَمْلُوكه ابْن فَيْرُوز والأمير فَخر الدّين بن السِّلَاح فَأَقَامَ ابْن السِّلَاح أَمِيرا سبع سِنِين فولى بعده الْأَمِير ابْن الْمسيب سنة خمس وَأَرْبَعين وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة ولي مَكَّة الشريف أَبُو سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة وَذَلِكَ أَن الْملك الْمَنْصُور قبل ذَلِك لما دخل مَكَّة أَقَامَ أَبَا سعد هَذَا بوادي مر ليساعد عسكره الَّذين أَقَامُوا بِمَكَّة فَحسن مَشَايِخ الْعَرَب من زبيد وَغَيرهم لأبي سعد الْحسن بن عَليّ بن قتاده أَخذ مَكَّة والاستيلاء عَلَيْهَا والفتك بِمن فِيهَا من الْعَسْكَر اليمني وهونوا عَلَيْهِ أَمرهم وَكَانُوا فرْقَتَيْن فرقة تخرج إِلَى أَعلَى المعلاة والفرقة الْأُخْرَى تخرج إِلَى أَسْفَلهَا هَكَذَا كل يَوْم فَحمل أَبُو سعد على إِحْدَى الْفرْقَتَيْنِ فَكَسرهَا فضعفت الْأُخْرَى فَقبض على ابْن الْمسيب وَأخذ خيله وعدده ومماليكه وَاسْتولى على مَكَّة وأحضر الْأَعْيَان من أَهلهَا وَقَالَ مَا لَزِمته أَلا لتحققي خِلَافه وَنِيَّته الْخُرُوج على الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن والذهاب بِهَذَا المَال إِلَى

ص: 234

الْعرَاق وَالْمَال عِنْدِي مَحْفُوظ إِلَى أَن يصل مرسوم السُّلْطَان فأسلمه إِلَيْهِ فوردت الْأَخْبَار بعد أَيَّام يسيرَة بِمَوْت الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن رَسُول فقوي أَمر أبي سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة الْمَذْكُور فَخرج الشريف رَاجِح من مَكَّة لما رأى أَن ابْن أَخِيه أَبَا سعد الْحسن الْمَذْكُور استولى عَلَيْهَا وَسكن الْمحل الْمَعْرُوف بالواديين وَكَانَ الشريف الْحسن هَذَا شجاعاً جلدا كريم الْأَخْلَاق شَدِيد الْحيَاء جمع الشجَاعَة وَالْكَرم وَالْعلم وَالْعَمَل وَكَانَت أمه حبشية وَوَقع لَهُ مَعهَا أَنه حَارب بعض الْعَرَب فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ جَاءَتْهُ فِي هودجها فَقَالَت لَهُ اعْلَم أَنَّك وقفت فِي موقف إِن ظَفرت أَو قتلت قَالَت النَّاس ظفر ابْن رَسُول الله أَو قتل ابْن رَسُول الله وَإِن هربت قَالُوا هرب ابْن السَّوْدَاء فَانْظُر أى الْأَمريْنِ تحب أَن يُقَال فَقَالَ لَهَا جَزَاك الله خيرا لقد نصحت فأبلغت وَرجع فقاتل حَتَّى ظفر فَقَالَ النَّاس كَمَا قَالَت ودامت ولَايَته على الْحجاز نَحْو أَربع سِنِين وَأشهر إِلَى أَن قَتله ابْن عَمه جماز ابْن حسن بن قَتَادَة لثلاث خلون من شعْبَان سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة وَقيل فِي شهر رَمَضَان وَقيل فِي شَوَّال وَأَبُو سعد هَذَا هُوَ وَالِد عبد الْكَرِيم جد الْأَشْرَاف ذَوي عبد الْكَرِيم ووالد أبي نمي صَاحب مَكَّة الْآتِي ذكره كَانَ الشريف أَبُو سعد هَذَا فَاضل الْأَخْلَاق طيب الأعراق شَدِيد الْحيَاء جمع الشجَاعَة وَالْكَرم وَالْعلم وَالْعَمَل لَهُ الشّعْر الرَّائِق والنثر الْفَائِق فَمن شعره القصيدة الْمَشْهُورَة // (من المتقارب) //

(خُذُوا قَوَدِى مِنْ أسيرِ الكللْ

)

نَسَبهَا الْعَلامَة الفاسي إِلَيْهِ وَالْمَشْهُور أَنَّهَا لِابْنِ مطروح والشهرة تساعده قَالَ أَلا أَن فِي القصيدة أبياتاً ترجح أَنَّهَا لأبى سعد لِأَن إنشاءها إِنَّمَا يَلِيق بالملوك مِنْهَا قَوْله فِيهَا // (من المتقارب) //

(وإنْ قِيلَ إِنِّى غَدّا مَيِّتٌ

بِأَيْدِى الصَّبَابَةِ ظُلْماً فَهَلْ)

(تموتُ نفوسٌ بآجَالِها

وَنْفِسى تَمُوتُ بِغَيْرِ الأجَلْ)

(فَلَيْتَ إِذَا مَا أَتَانِى الحِمَامُ

يُؤَخِّرُ عَنِّى الألهُ الأجَلْ)

ص: 235

(لأنِّى غيُوثٌ إِذَا الغَيْتُ مَلّ

وَيوْمَ الِكفَاحِ أُرَوِّى الأَسَلْ)

فَيحْتَمل وَيحْتَمل وَالله أعلم قلت الِاسْتِدْلَال على أَنَّهَا لأبي سعد بِأَن فِيهَا أبياتاً لَا يَلِيق إنشاؤها أَلا بالملوك اسْتِدْلَال لَا ينْهض إِذْ كل كريم شُجَاع يسوغ لَهُ أَن يتمدح وَيَقُول عَن نَفسه ذَلِك بل صناعَة الشّعْر ومبالغاته تسوغ للشاعر القَوْل وَإِن لم يَتَّصِف بإنالة نائل وَلَا طول طائل ثمَّ وَليهَا جماز بن حسن بن قَتَادَة فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَذَلِكَ أَنه لما كَانَت سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة قدم الشريف جماز هَذَا بعسكر من عِنْد النَّاصِر بن الْعَزِيز بن الظَّاهِر بيبرس ووعده أَن يخْطب لَهُ بِمَكَّة فأمده بعسكر صُحْبَة الركب الشَّامي فَتقدم أَمَام الركب وَدخل مَكَّة فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَاسْتولى على مَكَّة وَقتل ابْن عَمه أَبَا سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة وَحج بِالنَّاسِ ثمَّ نقض عهد النَّاصِر وَلم يخْطب لَهُ وخطب للْملك المظفر بن الْمَنْصُور بن المسعود صَاحب الْيمن فَلَمَّا كَانَ آخر يَوْم من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة قدم عَمه رَاجِح بن قَتَادَة ففر مِنْهُ جماز بِلَا قتال إِلَى يَنْبع ثمَّ وَليهَا رَاجِح بن قَتَادَة وَكَانَ بِمَكَّة غلاء عَظِيم وعطش بِيعَتْ شربة المَاء بدرهم وَالشَّاة بِأَرْبَعِينَ درهما وَاسْتمرّ إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة فَلَمَّا كَانَ شهر ربيع الأول مِنْهَا هجم عَلَيْهِ ابْنه غَانِم بن رَاجِح وَأخرجه من مَكَّة بِلَا قتال فوليها غَانِم بن رَاجِح فِي شهر ربيع الأول وَاسْتمرّ إِلَى شهر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ وَليهَا أَبُو نمي بن أبي سعد بن قَتَادَة وَعَمه إِدْرِيس بن حسن بن قَتَادَة وَأخرج غَانِم بن رَاجِح مِنْهَا وَأَبُو نمي هَذَا هُوَ وَالِد أبي سعد الْحسن الْمَذْكُور وَذَلِكَ أَنه فِي شَوَّال آخر السّنة الْمَذْكُورَة أغْنى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة قبل وُصُول الْحَج إِلَى مَكَّة قدم الشريف أَبُو نمي وَعَمه إِدْرِيس وأخذا مَكَّة من غَانِم بن رَاجِح بن قتال شَدِيد قتل فِيهِ من الْأَشْرَاف ثَلَاثَة فَلَمَّا كَانَ أول الْحجَّة وصل من جَانب الْملك المظفر صَاحب الْيمن عَسْكَر عَلَيْهِ

ص: 236

أَمِير ابْن برطاش فبرز لَهُ الْأَشْرَاف أَبُو نمي وَإِدْرِيس وَمن مَعَهُمَا إِلَى خَارج مَكَّة وتقاتلوا بالسرحة من قوز المكاسة وَكَانَ مَعَهم الشريف جماز بن شيحة فَقتل بَين الصفين خلق كثير وَانْهَزَمَ الْأَشْرَاف وَدخل مَكَّة عَسْكَر الْملك المظفر وَفِي عَام ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة جمع الشريف أَبُو نمي مُحَمَّد بن أبي سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة وَعَمه الشريف حسن بن قَتَادَة جمعا عَظِيما وقصدوا مَكَّة فَدَخَلُوهَا من رُءُوس الْجبَال وتقاتلوا وسط مَكَّة هم وعسكر الْملك المظفر صَاحب الْيمن فَقتلُوا غَالب الْعَسْكَر وأسروا الْأَمِير ابْن برطاش وسفكت الدِّمَاء بِالْحرم الشريف وامتلأت الْبَلَد مِنْهُم رعْبًا بِحَيْثُ لم يصل فِي الْحرم أحد وَوَقع بَينهم فِي أَيَّام الْحَج وَبَين أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ فتْنَة درأها الله تَعَالَى بِالصُّلْحِ فَسلم الْمُسلمُونَ وفدى نَفسه ابْن برطاش الْأَمِير وَرجع من حَيْثُ جَاءَ وَفِي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة استظهر إِدْرِيس على أبي نمي بإمرة مَكَّة ثمَّ اشْتَركَا وَفِي موسم خمس وَخمسين وسِتمِائَة لم يحجّ أحد من أهل الْحجاز وَلم ترفع راية من رايات الْمُلُوك لأحد بِمَكَّة وَفِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة خرج أَبُو نمي إِلَى ثَقِيف وبقى إِدْرِيس بِالْبَلَدِ فهجم عَلَيْهِ أَوْلَاد حسن بن قَتَادَة إخوتة بعد أَن لزموه فوليها أَوْلَاد حسن بن قَتَادَة فِي غيبَة أبي نمي فَلَمَّا جَاءَ أخرجهم مِنْهَا فِي السّنة الْمَذْكُورَة بِغَيْر قتال وَكَانَت مدتهم سِتَّة أَيَّام وَفِي سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة حج الْملك المظفر يُوسُف بن الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن مَعَه المراكب تسايره فِي الْبَحْر مشحونة بالعلوفات والأطعمة وَأكْثر فِي طَرِيقه من الصَّدقَات وَفعل الْخيرَات والمبرات والشريف أَبُو نمي وَعَمه إِدْرِيس متوليين إمرة مَكَّة فَلَمَّا سمعا بِهِ خرجا خوفًا مِنْهُ فَدَخلَهَا المظفر فِي عَسَاكِر كَثِيرَة محرما خَاشِعًا حاسر الرَّأْس حَتَّى دخل المطاف ثمَّ نزل عسكره بالحجون وَلم يزل بِمَكَّة إِلَى أَن قضى مَا عَلَيْهِ من الْوُقُوف بِعَرَفَة وَبَقِيَّة الْمَنَاسِك وَلم يزل مُدَّة إِقَامَته بِمَكَّة يُصَلِّي الْمغرب على قبَّة زَمْزَم وخدم الْبَيْت وغسله مَعَ الخدام وصب عَلَيْهِ وكنس وكسا الْبَيْت الشريف من دَاخله وَلم يكسه ملك قبله بعد الْخُلَفَاء العباسية وَقَامَ بمصالح الْحرم وَأَهله ثمَّ أَقَامَ بِمَكَّة عشرَة أَيَّام يفرق الصَّدقَات حَتَّى

ص: 237

وصلت صدقاته إِلَى كل منزل بِمَكَّة ونثر على الْكَعْبَة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَعمل للكعبة بَابا وقفلاً وودع الْبَيْت باكياً وَعَاد إِلَى بِلَاده وَفِي غَالب سلطنته كَانَ يخْطب لَهُ بِمَكَّة وَاسْتمرّ أَبُو نمي وَعَمه إِدْرِيس متوليين إمرة مَكَّة إِلَى سنة سبع وَسِتِّينَ ثمَّ انْفَرد بهَا أَبُو نمي وَأخرج عَمه إِدْرِيس مِنْهَا وخطب لصَاحب مصر الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقداري وَاشْترط عَلَيْهِ السُّلْطَان أَن لَا يمْنَع زَائِرًا لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَلَا يعْتَرض تَاجِرًا بظُلْم وَأَن تكون الْخطْبَة وَالدُّعَاء لَهُ وَلأبي نمي وَجعل لَهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم فِي كل سنة فَأجَاب الشريف أَبُو نمي بِقبُول هَذِه الاشتراطات فَلَمَّا ورد إِلَى السُّلْطَان من أبي نمي الْإِجَابَة بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَقبُول مَا اشْتَرَطَهُ كتب السُّلْطَان إِلَيْهِ مرسوماً بإمرة مَكَّة مُنْفَردا فَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ حج السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس على تجريدة خيل وركاب وَكَانَ قدم لَهُ مَعَ الْحَج خيلاً وحملاً ومتاعاً فِي الْمنَازل كلما أصبح فِي منزل ترك الْخَيل الأولى وَأخذ المهيئات لَهُ فارتحل إِلَى أَن وصل مَكَّة ثامن ذِي الْحجَّة آخر النَّهَار وَقد طلع النَّاس عَرَفَة وَلم يبْق فِي مَكَّة غير الشريف أبي نمي وَعَسْكَره فاستنكروا ذَلِك وَقَالُوا مَا يصل فِي هَذَا الْوَقْت أَلا من قصد إِدْرَاك الْحَج قبل فَوَاته أَو غَرِيب مَا قدم قبل ذَلِك لَا يعرف الْعَادة ورأوهم جَمِيعهم على الْخَيل البلق فَقَالُوا لَهُم من أَيْن أَنْتُم من الْعرَاق أَو من الْكُوفَة أَو من الْعَجم أَو من التّرْك فَقَالَ السُّلْطَان قُولُوا لَهُ أَلَيْسَ قد قلت لَا يجيئني أَلا على خيل بلق فقد جئْنَاك على البلق وَنحن محرمون وَهَذَا صَاحب مصر مَعَه أُمَرَاء مصر وَالشَّام وعرفوه كل أَمِير باسمه فَإِن تقتل الْجَمِيع فاقتلهم وَكَانَ الشريف أَبُو نمي قد قَالَ مثل هَذَا القَوْل فِي الْعَام الْمَاضِي فَاسْتَغْفر وَتقدم إِلَى السُّلْطَان وَقَالَ الْعَفو يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان ثمَّ ركب وسعى مَعَ السُّلْطَان وَأشْهد على نَفسه أَن لَا يمكس أحدا من الْحجَّاج القادمين برا وبحراً وَيبْطل الجباية والمظالم إِلَى أَن تقوم السَّاعَة وَكتب عَلَيْهِ الْإِشْهَاد بذلك فَبَطل ذَلِك وَكَانَ فِي صَحَائِف الْملك الظَّاهِر بيبرس وَتصدق السُّلْطَان بِالْحرم وَفرق كساوي على أَهله وعلق كسْوَة الْكَعْبَة بِيَدِهِ وزار من بِمَكَّة من الصَّالِحين وَأحسن إحساناً كثيرا إِلَى الشريف أبي نمي وَكَذَلِكَ لأمير الْمَدِينَة وَكتب لأبي نمي وَإِدْرِيس

ص: 238

أَن يكون حَالهمَا وَاحِدًا فِي إمرة مَكَّة فعادا شَرِيكَيْنِ ثمَّ انْفَرد إِدْرِيس بهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ قتل أَبُو نمي عَمه إِدْرِيس فِي حَرْب كَانَت بَينهمَا بخليص وَانْفَرَدَ بهَا وَذَلِكَ أَنه لما استظهر عَمه إِدْرِيس عَلَيْهِ وَأخرجه من مَكَّة وَانْفَرَدَ بالإمرة خرج أَبُو نمي هَارِبا من عَمه إِدْرِيس من مَكَّة وَوصل إِلَى يَنْبع واستنجد بصاحبها وحشد وَجمع وَقصد مَكَّة بالجيش فَالتقى هُوَ وَعَمه إِدْرِيس بخليص وتحاربا فطعن أَبُو نمي عَمه فَأَلْقَاهُ من ظهر الْفرس وَنزل واحتز رَأسه واستقل بِالْولَايَةِ مُنْفَردا وَذَلِكَ فِي سنة 669 تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَله وقائع مَشْهُورَة مَعَ مُلُوك مصر وَغَيرهم مِنْهَا فِي سنة 683 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَكَانَت فتْنَة بَينه وَبَين وَاحِد من أَبنَاء أَخِيه لأجل مَا يُؤْخَذ من الْحَاج قيل كَانُوا يَأْخُذُونَ من حج اليمإني فِي كل جمل ثَلَاثِينَ درهما وَمن حَاج مصر على كل جمل خمسين درهما وَمَعَ هَذَا لَا يسلمُونَ من النهب والعسف فَلَمَّا حج الظَّاهِر بيبرس أزاله ثمَّ أعادوه فَأرْسل الْملك المظفر عسكراً ملكوا مَكَّة فَجمع أَبُو نمي عسكراً وَدخل إِلَى مَكَّة وَأخرج عَسْكَر الْيمن وَزَاد على الْحجَّاج فِي الجباية وَوَصله جَيش من مصر فَلَمَّا وصلوا إِلَى قرب مَكَّة قفل أَبُو نمي أَبْوَاب سور مَكَّة ومنعهم من الدُّخُول فَاجْتمع الْحجَّاج فهدموه وأحرقوا بَاب المعلاة ودخلوا مَكَّة هجماً بعد فرار أبي نمي من مَكَّة زمن الْحَج فخشي الْملك من عوده فَترك بهَا ثَلَاثَة آلَاف مَعَ نَائِب من قبله فأقاموا بهَا فاتفق أَن ألفا مِنْهُم خَرجُوا لناحية منى للتنزه فكمن لَهُم الشريف أَبُو نمي فِي خيل وَرجل بِمَسْجِد الْخيف فَلَمَّا عَادوا قَاصِدين إِلَى مَكَّة هجم عَلَيْهِم فقصد أَمِيرهمْ فَقتله ثمَّ قَالَ كل من قتل فَارِسًا فَلهُ فرسه فَعَاد أَكثر رجله خيالة ثمَّ صدقُوا الْمُحَاربَة والمجالدة مَعَه فكسروا الْألف عَن آخِرهم وانتصروا وغنموا خيولهم وسلاحهم وتفكك مِنْهُم أَفْرَاد فَلَحقُوا بالباقين بِمَكَّة وعرفوهم الْحَال وَأَن لَا طَاقَة لكم بِهِ فَهزمَ الْجَمِيع إِلَى مصر فَلَمَّا بلغ ذَلِك ملك مصر جهز جَيْشًا كثيفاً لقِتَال أبي نمي الْمَذْكُور ثمَّ عزم على الْوُصُول إِلَى مَكَّة بِنَفسِهِ فَأَتَاهُ أحد الْعلمَاء الصَّالِحين وَسَأَلَهُ عَن توجهه فَقَالَ إِنَّه لقتل الشريف أبي نمي وَأَهله فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْعَالم إِنَّك حسنت الْعبارَة وَلَكِن النَّاس يَقُولُونَ إِنَّك ذَاهِب إِلَى حرم الله تَعَالَى وَقتل أَوْلَاد حَبِيبه رَسُول الله

فَوَقع ذَلِك من الْملك

ص: 239

موقعاً وَرجع عَن عزمه ثمَّ راسل الشريف أَبَا نمي بالمراسيل والهدايا وَالْكَلَام اللين حَتَّى زَالَت الوحشة بَينهمَا وَأقرهُ على إمرة مَكَّة وَفِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَقع بَين الشريف أبي نمي وَبَين الْحَاج فتْنَة عِنْد الثَّنية أَعنِي الشبيكة وانْتهى الْأَمر إِلَى أَن دخلُوا الْحرم ورؤي فِي الْحرم الشريف أَكثر من عشرَة آلَاف سيف وَقتل بَين الْفَرِيقَيْنِ فَوق أَرْبَعِينَ نفسا وَقتل ولد السَّيِّد أَحْمد بن عَليّ بن قَتَادَة وَأُصِيب بِسَهْم وَأما الْجَرْحى فكثيرون ونهبت أَمْوَال النَّاس وَفِي موسم إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَقعت بِعَرَفَة جفلة عَظِيمَة وَلزِمَ رَاجِح بن إِدْرِيس أَمِير الينبع ثمَّ عزموا بِهِ إِلَى مصر وَسلم الله الْمُسلمين وَكَانَت الوقفة بالثلاثاء وتعبت النَّاس من قلَّة المَاء فبيعت الراوية بأَرْبعَة دَنَانِير ورحل الْحَاج قبل وقته الْمُعْتَاد وَاسْتمرّ إِلَى أَن أخرجه جماز مِنْهَا ثمَّ وَليهَا جماز بن شيحة أَمِير الْمَدِينَة وغانم بن إِدْرِيس بن حسن بن قَتَادَة أَمِير الينبع الْمُبَارك وَأَخْرَجَا أَبَا نمي الْمَذْكُور مِنْهَا فِي صفر من سنة 690 تسعين وسِتمِائَة ثمَّ عَاد أَبُو نمي بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا وأخرجهما مِنْهَا ثمَّ وَليهَا جماز بن شيحة بمفرده عَام سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة بمعاونة أَمِير يُقَال لَهُ الحكاحكي كَانَ بِمَكَّة من قبل الْملك الْمَنْصُور قلاوون صَاحب مصر وَالشَّام وخطب لجماز بِمَكَّة المشرفة وَضربت السكه باسمه فِيهَا وَبَطل ذَلِك بعد مُدَّة يسيرَة من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ عَاد أَبُو نمي وَتفرد بهَا ودامت ولَايَته عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ عَام إِحْدَى وَسَبْعمائة فَقبل مَوته بيومين ولى ولديه حميضة ورميثة أَمر مَكَّة كَمَا سَيَأْتِي ولنذكر طرفا من محامده فَنَقُول ولى أَبُو نمي مُحَمَّد هَذَا مَكَّة نَحْو خمسين سنة مشاركاً لِأَبِيهِ وَعَمه ومنفرداً أما مشاركته لِأَبِيهِ فَكَانَت أَيَّام صباه وسنه سبع عشرَة سنة وَكَانَ يكنى أَبَا مهْدي ويلقب بِنَجْم الدّين وَسبب مشاركته لِأَبِيهِ أَبى سعد الْحسن ابْن عَليّ بن قَتَادَة أَن راجحاً بن قَتَادَة عَم وَالِده أبي سعد استنجد أَخْوَاله بني حُسَيْن بِالْمَدِينَةِ وَطلب مِنْهُم الْإِعَانَة على إِخْرَاج ابْن أَخِيه أبي سعد الْحسن بن عَليّ الْمَذْكُور وَالِد أبي نمي الْمَذْكُور من مَكَّة وَأَخذهَا مِنْهُ فَسَار مَعَه من الْمَدِينَة سَبْعمِائة فَارس من

ص: 240

بني حُسَيْن وجماعتهم وَعَلَيْهِم الْأَمِير عِيسَى الملقب بالحرون فَارس بني حُسَيْن فِي زَمَانه وَكَانَ أَبُو نمي فِي الينبع فَلَمَّا بلغه خبر رَاجِح وَخُرُوجه ببني حُسَيْن مَعَه من الْمَدِينَة إِلَى قتال أَبِيه وإخراجه من مَكَّة قصد مَكَّة لنصرة أَبِيه فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا فصادف راجحاً وَعِيسَى وجماعتهم سائرين إِلَى مَكَّة لَيْسَ لَهُم خبر فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ حمل أَبُو نمي عَلَيْهِم فَمَا حملوه لَحْظَة حَتَّى ولوا هاربين إِلَى الْمَدِينَة وانتشرت عِمَامَة عِيسَى الحرون وَذهب يجرها خَلفه فَقَالَ السَّيِّد جَعْفَر الحسينى النسابة وَهُوَ لِسَان بني حسن بالعراق قصيدة يذكر فِيهَا الْوَاقِعَة ويمدح أَبَا نمي مُحَمَّد بن أبي سعد الْمَذْكُور مِنْهَا // (من الوافر) //

(أَلَمْ يَبْلُغْكَ شَأْنُ بَنِى حُسَيْنٍ

وَفَرّهمُ وَمَا فَعَلَ الحَرُونُ)

(فَيَا لله فِعْلُ أبي نُمَيِّ

وبعضُ البَأْسِ يُشْبِهُهُ الجُنُونُ)

(يَصُولُ بِأرْبَعِينَ عَلَى مِئَاتٍ

وَكَمْ مِنْ كَثْرَةٍ ظَلَّتْ تَهُونُ)

وَكَانَ إِذْ ذَاك عمره سبع عشرَة سنة ثمَّ دخل مَكَّة مَسْرُورا منصورَاً فقابله أَبوهُ بالإعزاز وَالْإِكْرَام وأشركه مَعَه فِي الْملك من حِينَئِذٍ ثمَّ شَاركهُ عَمه إِدْرِيس إِلَى آخر مَا تقدم وَكَانَت لَهُ شجاعة مَشْهُورَة وخصال حميدة مَذْكُورَة قَالَ وَلَده حميضة كَانَت لأبي خمس خِصَال الْعِزّ وَالْكَرم والحلم والشجاعة وَالشعر من شعره مدحاً فِي الْمَنْصُور لاجين ملك مصر لما تسلطن بعد كتبغا سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَأرْسل بهَا إِلَيْهِ وَهِي // (من الطَّوِيل) //

(أَمَا وتعادى المُقْرَبَاتِ الشَّوَازِبِ

بفُرْسَانها فِي ضِيقِ ضَنْكِ المَقَانِبِ)

(وبِالجَحُفَلِ الجَرَّارِ أَفْرَطَ جَمْعُهُ

كَأَسْرَابِ كُدْرِى أَو سَوَارِ قَوَارِبِ)

(وبِالزَّرَدِ الموضونِ ضمَّتْ غُضُونُهُ

عَلَى كلِّ مَاضِى العَزْمِ حَتْف المحَارِبِ)

(وبالبَيْض والبِيضِ الرِّقَاقِ أَليَّة

لِنَثْر عِدَاتِى حَلْفَة غَيْر كاذبِ)

(لقد نُصِرَ الإسلامُ بالمَلِكِ الذِي

رقَى فِي سَمَاءِ الْمجد أَعْلَى المراتبِ)

(حُسَامُ الهدَى والدينِ مَنْصُورٌ الذِي

تَرَعْرَعَ مِنْ شُمِّ المُلُوكِ أيّ الشنَاخِبِ)

(مُلُوك جِهَاتِ الأَرضِ تَعنُو لِقَهرِه

فَمَرهُوبُهاً مِنْ سَيفِهِ أَي رَاهِبِ)

(تَفَرَّدَ بالمْلكِ العَظِيمِ فَلَمْ يَزَلْ

لَهُ خَاضِعاً صِيدُ الملوكِ الأغالِبِ)

(مضَى كتبُغا خَوْفَ الحِمَام وَقد أتَتْ

إِلَيْهِ أُسُودُ الخَيْلِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ)

ص: 241

(وأَحْيَيْتَهُ بالعَفْوِ مِنكَ وزِدْتَهُ

لِبَاسَ أَمَانٍ مِنْ عِقَابِ العَوَاقِبِ)

(وأَحَرزْتَ مُلْكَ الأرضِ بالسَّيْفِ عَنْوَةً

وَعبدتَّ مَنْ فِي شَرْقِها والمغَاربِ)

(تَوَلَّيْتَ هَذَا الأَمْرَ فِي خَيْرِ طَالِعٍ

لأَسْعَدِ نَجْمٍ للسَّعَادةِ ثَاقِبِ)

قلت وَالله إِنَّهَا لقصيدة فصيحة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى صَحِيحَة وَمَا أحسن بَيتهَا الثَّانِي وتشبيهه البديع الْمعَانِي وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة المشرفة رَابِع شهر صفر سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة بِتَقْدِيم السِّين وَقد أناف على السّبْعين وَوَقعت لَهُ كَرَامَة بعد مَوته ذكرهَا الْعَلامَة تَقِيّ الدّين الفاسي قَالَ لما مَاتَ أَبُو نمي مُحَمَّد بن أبي الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة امْتنع الشَّيْخ عفيف الدّين الدلاصي من الصَّلَاة عَلَيْهِ فَرَأى فِي مَنَامه تِلْكَ اللَّيْلَة السيدة فَاطِمَة ابْنة رَسُول الله

وعَلى أَبِيهَا وَعَلَيْهَا وذويها بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَالنَّاس يسلمُونَ عَلَيْهَا فجَاء الشَّيْخ ليسلم عَلَيْهَا فَأَعْرَضت عَنهُ ثَلَاث مَرَّات ثمَّ إِنَّه تحامل وسألها عَن سَبَب إعراضها عَنهُ فَقَالَت يَمُوت وَلَدي وَلم تصَل عَلَيْهِ فَاعْتَذر مِنْهَا وَتَابَ عَن مثل ذَلِك واعترف بالْخَطَأ وَله من الْوَلَد ثَلَاثُونَ ذكرا واثنتا عشرَة أُنْثَى مِنْهُم زيد الْأَكْبَر وَزيد الْأَصْغَر وَأَبُو الْغَيْث وشميلة وعطيفة ورميثة وَسيف وَأسد ومقبل وحميضة وَعبد الله ثمَّ وَليهَا بعد أبي نمي ولداه حميضة يلقب معز الدّين ورميثة يلقب أَسد الدّين فِي حَيَاته ودعي لَهما على زَمْزَم قبل وَفَاته بيومين فِي السّنة الْمَذْكُورَة سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة وَاسْتمرّ شَرِيكَيْنِ فِي الإمرة فَلَمَّا وصل الْحَاج وصل صحبته ثَلَاثُونَ أَمِيرا فجَاء إِلَيْهِم أَبُو الْغَيْث وعطيفة وَشَكوا إِلَيْهِم من حميضة ورميثة أَنَّهُمَا أسراهما وربطاهما واستبد بالإمرة دونهمَا وأنهما أَحَق مِنْهُمَا فَمَال الْأُمَرَاء إِلَيْهِمَا فَلَمَّا انْقَضى الْمَوْسِم أمسك الْأُمَرَاء رميثة وحميضة وأوثقوهما فِي الْحَدِيد وَذهب بهم إِلَى مصر وولوا أَبَا الْغَيْث وأخاه عطيفة فأقاما إِلَى عَام ثَلَاث وَسَبْعمائة ثمَّ عَاد كل من حميضة ورميثة إِلَى إمرة مَكَّة المشرفة عَام أَربع وَسَبْعمائة وأظهرا عدلا وأسقطا بعض المكوس ثمَّ ساءت سيرتهما فَبعث الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ابْن الْملك الْمَنْصُور قلاوون من يقبض عَلَيْهِمَا فانهزما

ص: 242

ثمَّ فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة حج النَّاصِر ففرا مِنْهُ ثمَّ فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة وصل عَسْكَر من صَاحب مصر الْمَذْكُور نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس وأمدهم صَاحب الْمَدِينَة بِخَمْسِمِائَة فَارس وَوصل مَعَهم أَبُو الْغَيْث فَلَمَّا سمع بهم رميثة وحميضة خرجا إِلَى حلى بن يَعْقُوب ثمَّ وَليهَا أَبُو الْغَيْث بمفرده فعزلهما بأخيهما أبي الْغَيْث مُنْفَردا وجهز مَعَه عسكراً قَوِيا فاستولى على مَكَّة أَيَّام الْمَوْسِم من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ أَقَامَ الْعَسْكَر عِنْد أبي الْغَيْث شَهْرَيْن وَكَانَت مَكَّة مقحطة جدا فتعب الْجند من الغلاء وضجر أَبُو الْغَيْث من النَّفَقَة عَلَيْهِم فَكتب لَهُم خطة بالاستغناء عَنْهُم ففارقوه فَلم يلبث بعدهمْ سوى جُمُعَة حَتَّى قَصده أَخُوهُ حميضة فقاتله فَانْهَزَمَ أَبُو الْغَيْث وَقتل من أَصْحَابه جمَاعَة وفر هُوَ إِلَى أَخْوَاله هُذَيْل بوادي نَخْلَة وَأرْسل حميضة إِلَى الْملك النَّاصِر يستعطفه فَلم يرض عَنهُ وَأرْسل أَبُو الْغَيْث يستنصره فوعده بالنصر ثمَّ التقى الأخوان فِي رَابِع ذِي الْحجَّة عَام أَربع عشرَة وَسَبْعمائة فغلب حميضة أَخَاهُ أَبَا الْغَيْث فَأسرهُ ثمَّ أَمر بعد ذَلِك بعض عبيده بقتْله فَقتله بخيف بني شَدِيد ذبحا بِحَضْرَة النَّاس فهالهم ذَلِك قَالَ فِي عُمْدَة الطَّالِب إِن حميضة قتل أَخَاهُ أَبَا الْغَيْث على فرَاشه وَحمله إِلَى دَاره ثمَّ استدعى إخواته للضيافة فَاجْتمعُوا فَمَا راعهم أَلا أَبُو الْغَيْث مقتولاً فِي جَفْنَة مسلوقاً كَمَا هُوَ وَقد وضع بَين أَيْديهم وعَلى رَأس كل وَاحِد مِنْهُم غلامان أسودان من غلْمَان حميضة مَعَهم السِّلَاح فأذعنوا لَهُ بِالْملكِ قهرا ودامت لَهُ الْولَايَة على مَكَّة حَتَّى فَارقهَا فِي رَمَضَان سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة لما سمع بوصول أَخِيه رميثة ثمَّ وَليهَا رميثة مُنْفَردا مُتَوَلِّيًا إمرة مَكَّة المشرفة فِي عَسْكَر مَعَه من مصر وَذَلِكَ فِي سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة فَلَمَّا سمع حميضة فزع لذَلِك وَقبل وصولهم إِلَى مَكَّة بِسِتَّة أَيَّام أَخذ المَال من النَّقْد والبز وَهُوَ مائَة حمل وأحرق الْبَاقِي فِي الْحصن الَّذِي فِي الجديدة من وَادي مر وَقطع ألفي نَخْلَة وَكَانَ وُصُول الْعَسْكَر صُحْبَة الشريف رميثة إِلَى مَكَّة يَوْم السبت منتصف رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة فأقاموا بهَا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا ثمَّ توجهوا جَمِيعًا إِلَى الحليف وَهُوَ حصن بَينه وَبَين مَكَّة سِتَّة أَيَّام كَانَ حميضة بعد فعل مَا فعله التجأ إِلَى صَاحبه

ص: 243

وصاهره لَعَلَّه يحتمى بِهِ فواقع الْعَسْكَر حميضة وَصَاحب الْحصن وَأخذُوا جَمِيع أَمْوَال حميضة وخزانته وَنهب الْحصن وأحرق وَأسر ولد حميضة ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَسلم إِلَى عَمه رميثة ثمَّ رَجَعَ الْجَيْش إِلَى مَكَّة فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة واستمروا إِلَى أَن حضر الْموقف وَرَجَعُوا وَاسْتمرّ رميثة بِمَكَّة وَنَجَا حميضة بِنَفسِهِ فقصده أَخُوهُ الشريف رميثة والعسكر فحاربوه فهرب حميضة ثمَّ احتال عَلَيْهِ النَّاصِر ملك مصر واعتقله ثمَّ احتال فِي الْهَرَب وَذَلِكَ أَنه أَمر بعض غلمانه الْخَاصَّة أَن يهيىء لَهُ فرسا سَابِقًا ليهرب عَلَيْهِ فَلَمَّا تمم لَهُ ذَلِك حضر الْغُلَام إِلَى بَاب السجْن وَالْفرس مَعَه فأوقفه نَاحيَة ثمَّ دخل إِلَى سَيّده ثمَّ لبس السَّيِّد لِبَاس الْغُلَام والغلام لِبَاس السَّيِّد فَلَمَّا خرج على الموكلين لم يشكوا أَنه الْغُلَام فهرب على فرسه وَقصد الْعرَاق واستنصر بِملكه خدابنده بن أرغون بن ابغا بن هولاكو ملك التتار وَطلب مِنْهُ جَيْشًا يَغْزُو بِهِ مَكَّة فَجهز مَعَه جَيْشًا عدتهمْ عشرَة آلَاف فَارس وَأمر عَلَيْهِم السَّيِّد أَبَا طَالب الدلقندي وَأمرهمْ بِطَاعَة حميضة فَسَارُوا إِلَى الْبَصْرَة وَمِنْهَا إِلَى القطيف طَالِبين أَطْرَاف الشَّام وَأرْسل حميضة إِلَى أُمَرَاء الْعَرَب من كل نَاحيَة فَأَجَابُوهُ والتجئوا إِلَى أُمَرَاء طيىء بالبادية فَقدر الله موت السُّلْطَان خدابنده وَكتب الْوَزير رشيد الدّين الطَّبِيب إِلَى عَسْكَر المغول بالْخبر فَلم يدبروا واشتهر الْخَبَر فطمع الْعَرَب فِي عَسْكَر المغول وَنَكَثُوا الْعَهْد وثاروا وأوقدوا نَار الْحَرْب فحارب حميضة بِنَفسِهِ ودافع عَن عَسْكَر المغول دفاعاً شَدِيدا بِحَيْثُ إِن أَبَا طَالب قَالَ مَا زلت أسمع بحملات عَليّ بن أبي طَالب حَتَّى رَأَيْتهَا عيَانًا فِي حميضة بن أبي نمي وتسحب حميضة وَمَعَهُ أَبُو طَالب وَملك شاه وَمَعَهُمْ ثَلَاث وَعِشْرُونَ رَاحِلَة إِلَى أَن قرب إِلَى مَكَّة وَكتب إِلَى أَخِيه رميثة يَسْتَأْذِنهُ فِي دُخُول مَكَّة فَمَنعه أَلا بِإِذن سُلْطَان مصر وَأرْسل إِلَى مصر يسْتَأْذن لَهُ وَإِن حميضة لم يكن مَعَه أَلا فرس وَاحِد فَكتب السُّلْطَان جَوَابا لرميثة إِن حضر حميضة إِلَى الديار المصرية على عزم الْإِقَامَة بهَا قابله السُّلْطَان بالأمان وسامحه من ذنُوبه السالفة وَأما الْحجاز فَلَا يُقيم بِهِ وَكتب إِلَى أبي طَالب الدلقندي وَملك شاه بالأمان وَأرْسل عدَّة أُمَرَاء إِلَى مَكَّة لإحضار حميضة وَلَو حضر من التتار فوصلوا إِلَى مَكَّة وَأَرْسلُوا إِلَى حميضة فِي معاودة الطَّاعَة وَأَن يتَوَجَّه مَعَهم إِلَى الْأَبْوَاب فَاعْتَذر بِالْعدمِ وَطلب مَا يَسْتَعِين بِهِ

ص: 244

فَأَعْطوهُ فَلَمَّا قبض المَال تغيب فعادوا إِلَى الْقَاهِرَة فِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة من سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة فَلَمَّا كَانَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة أَو فِي أَوَاخِر السّنة الَّتِي قبلهَا وثب على أَخِيه رميثة وَاسْتولى على مَكَّة فَخرج مِنْهَا أَخُوهُ رميثة إِلَى نَخْلَة فَقطع حميضة الْخطْبَة عَن النَّاصِر وخطب لأبي سعيد بن خدابنده ملك التتار فانزعج النَّاصِر لذَلِك وَأرْسل عسكراً لإحضار حميضة بِسَبَب مَا فعل فى مَكَّة من خطبَته لصَاحب الْعرَاق خدابنده وَأَخذه أَمْوَال التُّجَّار ومحاربته أَخَاهُ رميثة وإخراجه إِيَّاه من مَكَّة وَقد كَانَ فعل ذَلِك كُله فَلَمَّا بلغه فر من مَكَّة فَلَمَّا دَخلهَا عَسْكَر النَّاصِر وَمنعُوا العبيد من حمل السِّلَاح وَنَادَوْا بالأمان وأظهروا الْعدْل فأرسلوا فِي طلب حميضة فَإِن السُّلْطَان ألزمهم بتحصيله وَحمله إِلَى مصر وَألا يعودوا إِلَى الديار المصرية أَلا بحميضة وَأَرْسلُوا إِلَى الْعَسْكَر أَمِيرا يُقَال لَهُ بهادر الإبراهيمي كَانَ من أهل يَنْبع فَلَمَّا وصلوا توجه الإبراهيمي لمحاربة حميضة وتقاربا فَلم يقدم الإبراهيمي على مواجهته وفر حميضة فَاقْتضى رَأْي الْعَسْكَر أَن يلزموا رميثة والإبراهيمي باتهامهما أَنَّهُمَا بَاطِنا على حميضة حَتَّى فر وَكَانَ الْقَبْض عَلَيْهِمَا رَابِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام بعد انْقِضَاء أَيَّام التَّشْرِيق وَأَرْسلُوا بهما تَحت الاحتفاظ إِلَى مصر فَلَمَّا وصلا مصر رسم على الشريف رميثة ثمَّ شفع فِيهِ فَأكْرمه السُّلْطَان ورتب لَهُ كل يَوْم شريحتين ذَهَبا وَكَانَ يطلع إِلَى الدِّيوَان إِلَى يَوْم من الْأَيَّام خرج إِلَى أَطْرَاف مصر وَكَانَ قد هيئت لَهُ النجب فَركب وفر فَلَمَّا علم السُّلْطَان بِهِ أرسل فِي إثره وألزم بعض مَشَايِخ الْعَرَب وَكتب إِلَى شيخ آل حَرْب يَقُول لَهُ هَذَا هرب إِلَى بلادك مُعْتَمدًا عَلَيْك وَلَا أعرفهُ أَلا مِنْك وَإِن لم تأتني بِهِ فَأَنت خصمي فَأَنت الَّذِي أعنته على الْخُرُوج فَركب شيخ آل حَرْب بالهجن السَّبق وَسَار مجداً حَتَّى أدْرك الشريف رميثة تَحت الْعقبَة وَقد اطْمَأَن فَنَامَ فَجَلَسَ عِنْد رَأسه وَقَالَ لَهُ قُم يَا أسود الْوَجْه فَقَالَ لَهُ الشريف رميثة صدقت لَو لم أكن أسود الْوَجْه مانمت حَتَّى أدركتني فَلَزِمَهُ وَدخل بِهِ إِلَى مصر فَوضع فِي السجْن الْكَبِير واحتفظ عَلَيْهِ وَكَانَ الْقَبْض عَلَيْهِ فِي شهر جُمَادَى الأولى سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة وَتوجه إِلَى مَكَّة وَكَانَ أمرهَا لِأَخِيهِ عطيفة الْآتِي ذكره على الْفَوْر وولوا على مَكَّة الشريف عطيفة

ص: 245

ثمَّ وَليهَا الشريف عطيفة بن أبي نمي من الْملك النَّاصِر وأنفذ مَعَه عسكراً فبلغوها سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة وَعَلَيْهِم أميران وَأَقَامُوا عِنْده ثمَّ توجه الأميران اللَّذَان كَانَا بِمَكَّة الْعَام الماضى وَكتب الشريف عطيفة أَن القواد أَطَاعَته وَأَن الشريف حميضة عزم الْيمن وتفرق عَنهُ العربان وَبَنُو شُعَيْب الَّذين كَانُوا مَعَه جنده ورخصت الْبِلَاد وَأمنت النَّاس على أَمْوَالهم وَدِمَائِهِمْ فَلَمَّا بلغ الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون صَاحب مصر ذَلِك خرج إِلَى الْحَج تَاسِع ذِي الْقعدَة بعد الْحَاج وَوصل إِلَى مَكَّة بتواضع وانكسار وذل بِحَيْثُ إِن بعض النَّاس حسن لَهُ الطّواف رَاكِبًا كَمَا فعله

فَقَالَ وَمن أَنا حَتَّى أتشبه بالنبى

وَالله مَا أَطُوف أَلا مَعَ الْحجَّاج فَكَانُوا يدْفَعُونَ عَنهُ النَّاس وَهُوَ يَنْضَم إِلَيْهِم يَقُول لعَلي أقبل برحمة وَاحِد مِنْهُم وَأبْدى من الْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان وَالْخَيْر فِي الْحَرَمَيْنِ مَا لَا يُوصف وَسَأَلَهُ التُّجَّار وَأهل مَكَّة أَن يبْقى عِنْدهم عسكراً لِئَلَّا يرجع إِلَيْهِم حميضة فَفعل وَاتفقَ ذَلِك الْعَام أَن شخصا من أكَابِر خدام الدولة طلع إِلَى الْبَيْت ليباشر فِي الْكسْوَة وَجلسَ على طُنفِ الْبَيْت الشريف فَأنْكر النَّاس جُلُوسه وَعدم أدبه فَأَخذه النعاس فَسقط من أَعلَى الْبَيْت إِلَى المطاف فَكَانَ أعظم عِبْرَة لمن اعْتبر وعزم السُّلْطَان إِلَى مصر فَقدم حميضة من الْيمن بِجَيْش سنة عشْرين وَسَبْعمائة فَأَرَادَ دُخُول مَكَّة فَلم يظفر وانتصر عَلَيْهِ عطيفة وَمن مَعَه من الْعَسْكَر المقيمين بِمَكَّة الَّذين أبقاهم النَّاصِر فَلَمَّا ولى هَارِبا خرج مَعَه ثَلَاثَة من المماليك وَأَقَامُوا عِنْده وَكَانَ بِمَكَّة أَمِير الْعَسْكَر يُسمى بيبرس الْحَاجِب أرسل إِلَى الشريف حميضة يرغبه فى مَكَّة وَالصُّلْح وَالْحلف وَكَانَ الشريف حميضة بِقرب نَخْلَة فَقَالَ لَهُ الشريف حميضة أرسل إِلَى أحد أولادك يكون عِنْدِي رهينة فَأرْسل إِلَيْهِ الْأَمِير بهدية صُحْبَة وَلَده وَجَمَاعَة فَفِي حَال خُرُوجهمْ إِلَيْهِ جَاءَ الْخَبَر بِمَوْت الشريف حميضة وَأَنه وثب عَلَيْهِ بعض مماليكه وَهُوَ نَائِم فَقتله جَاءَ بِهَذَا الْخَبَر رجل من الْأَعْرَاب فَأنْكر الْأَمِير وُقُوع ذَلِك وَظن أَن ذَلِك مكيدة فتوقف عَن إرْسَال وَلَده والهدية فَلَمَّا كَانَ الْمسَاء طرق بَاب المعلاة بِمَكَّة فَفتح فَإِذا مَمْلُوك اسْمه استدمر وَهُوَ على حجرَة حميضة وصل إِلَى مَكَّة فَأرْسل الْأَمِير ولديه نَاصِر الدّين مُحَمَّد وشهاب الدّين أَحْمد إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة بِهَذَا الْخَبَر وجهز من توجه لإحضار سلب حميضة

ص: 246

والمملوكين الباقيين فأحضر السَّلب وَأحد المملوكين وَقيل إِن الثَّالِث مَاتَ فألزم صَاحب نَخْلَة بإحضاره وتوعده إِن تَأَخّر فَأحْضرهُ وَاسْتمرّ الْأَمِير بيبرس إِلَى أَن عَاد الْجَواب بِطَلَبِهِ فَتوجه فِي شعْبَان وَوصل إِلَى مصر أَوَائِل رَمَضَان فشمله الإنعام السلطاني وَكَانَ مَعَ الشريف حميضة هَذِه المهرة عزيزة اسْمهَا جُمُعَة طلبَهَا مِنْهُ السُّلْطَان فِي السَّابِق فَلم يسمح لَهُ بهَا وَلما وصل الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان أَمر بقتل الْمَمْلُوك الْقَاتِل وَهُوَ أحد مماليك ثَلَاثَة للسُّلْطَان هربوا لما كَانَ بِمَكَّة لِلْحَجِّ ووصلوا إِلَى حميضة اسْمه استدمر أخبر أَنه قتل حميضة اغتاله وَهُوَ نَائِم وفر على حجرَة حميضهْ الْمُسَمَّاة جُمُعَة الْمَشْهُورَة ثمَّ جرد سَيْفه وَإِذا بِهِ أثر الدَّم وَكَانَ ذَلِك فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشْرين وَسَبْعمائة وَذكر اليافعي أَن حميضة كَانَ يَقُول لأبي خمس فَضَائِل الشجَاعَة وَالْكَرم والحلم وَالشعر والسعادة فالشجاعة لعطيفة وَالْكَرم لأبي الْغَيْث والحلم لرميثة والسعادة لي حَتَّى لَو قصدت جبلا لدهكته وَمِمَّا قيل فِي حميضة قَول موفق الدّين الحديدى قصيدة هِيَ // (من الْخَفِيف) //

(قَدَحَ الوَجْدُ فِي فُؤَادِى زِنَادا

مَنَعَ الجَفْنَ أنْ يَذُوقَ الرُّقَادَا)

(وفُؤَادُ الشَّجِيِّ يَوْمِ الْآل

سَاقهُ سَائِقُ الظُّعُونِ وَقَادَا)

(بَدِّلينى بِالوَصْلِ هَجْراً وبالزوْرَة

ِ صَدًّا وبالتَّدَانِى بِعَادَا)

(يَا مُعِيدَ الحَديثِ عُدْنِيهِ عَنْهُمْ

مَا أَلَذَّ الَحدِيثَ عَنْهُم مُعَادا)

(هاتِ بِاللَّه يَا مُحَدِّثُ حَدِّثْ

بِجِيَادٍ جَاد الغَمَامُ جِيَادا)

(بَلَدًا بِالشَّرِيفِ شَرَّفَهُ الله

بِقَاعًا شيحَانُهُ وَوِهَادا)

(مَلِكٌ مِنْ قَتَاَدة مَلأَ الأَرْضَ

نِصَالاً مَحْشُودَةً وصِعَادا)

(إِن أكُنْ فِي حميضَةٍ زِدتُّ فى الْمَدْحِ

فَقَدْ زَادَ فِى نَوَالِى وَزَادَا)

(رَجُلٌ سَالَمَ المسالِمَ فِي الله

ِ وفِى اللهِ للمُعَادِينَ عَادَى)

(عَادَ أبْدَى أوْلَى فَوَالَى تَعَالَى

عَزَّ أَعْطَى سَطَا أَفَادَ أَبَادَا)

(جَادَ أغْنَى عَلَا سَمَا جَلَّ جَلَّى

ظُلَمَ الظُّلْمِ عَدْلُهُ سَارَ سَادَا)

(حَسَنُ السَّمْتِ لَيْسَ يَحْسُنُ أَنْ تَسْمَعَ

إِلَاّ فِي مِثْلِهِ الإنْشَادَا)

(إِبْنِ بِنْتِ النَّبيِّ لَمَ يَجْعَلِ اللهُ

سِوَاكُمْ لأرْضِهِ أَوْتَادَا)

ص: 247

(يَا رِكَابَ الآمَالِ ويحَكِ بالنُّجْحِ

بحصنِ الجَدِيدِ أُمِّى نِجَادا)

(يَا جَوَادَ الزَّمَانِ مَا زُرْتَ مَعْنَاهُ

ابْتُ مِنْ عَنْدِهِ أَقُودُ جَوادَا)

(كُلُّ شِعْرٍ أَتَاكُمُ غَيْرُ شِعْرِي

يَا أَبا زيد لَيْسَ يَسْوَى المِدَادَا)

وَقَالَ فِي الْعُمْدَة إِن السُّلْطَان النَّاصِر هُوَ الَّذِي دس عَلَيْهِ من قَتله غيلَة وَالله أعلم بالحقائق ثمَّ إِن السُّلْطَان أطلق الشريف رميثة حِينَئِذٍ من السجْن وَأحسن إِلَيْهِ وأشركه فِي إمرة مَكَّة مَعَ أَخِيه عطيفة وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَت سنة قحط لعدم الأمطار وَعدم الْوَاصِل من الْبَحْر فَتوجه الشريف عطيفة إِلَى مصر وشكا ذَلِك فرسم السُّلْطَان بِحمْل الْحبّ إِلَيْهَا ورتب لصَاحب مَكَّة كل عَام شَيْئا يحمل إِلَيْهِ من بلدين بالصعيد وألزمه أَن يسْقط المكوس الَّتِي تُؤْخَذ من مَكَّة على المأكولات الَّتِي تجلب إِلَيْهَا فَفعل ذَلِك وَفِي موسم سنة 730 ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة اتّفق أَن أهل الْعرَاق جَاءُوا بفيل عَظِيم جعلُوا محملهم عَلَيْهِ فتطير الْعَالم مِنْهُ وَقَالُوا هَذَا عَام الْفِيل ثمَّ دخلُوا بِهِ مَكَّة ووقفوا بِهِ بِعَرَفَة ثمَّ توجهوا بِهِ إِلَى الْمَدِينَة المشرفة فَلَمَّا وصلوا الفريش وَقدمُوا على الْبَيْدَاء أوقفهُ الله فَلم يسْتَطع الْمَشْي فضربوه ضربا مبرحاً فَلم يبرح فَلم يزَالُوا يضربونه حَتَّى مَاتَ هُنَالك وَقدر الله بعد إتْمَام الْحَج بِمَكَّة أَن سَافر أَمِير أول وَتَأَخر أَمِير الْمحمل الْمصْرِيّ الْمُسَمّى أزدمر الخازندار تَأَخّر لصَلَاة الْجُمُعَة فَلَمَّا صعد الْخَطِيب الْمِنْبَر عَبث بعض العبيد بخطف شَيْء من أَمْتعَة الْحجَّاج بِبَاب إِبْرَاهِيم فصرخت النَّاس فارتج الْمَسْجِد فَفَزعَ السَّيِّد مبارك بن عطيفة وفواده بِآلَة الْحَرْب وركبوا الْخَيل وتبعهم الشريف عطيفة فبادر ولد أَمِير الْحَاج لتخميد الْفِتْنَة فأصابته حَرْبَة فَفَزعَ وَالِده أَمِير الْحَاج أزدمر وهم بقتل الضَّارِب فأصابته حَرْبَة أُخْرَى فماتا جَمِيعًا فَاشْتَدَّ الْأَمر وَعظم وهجم بِالْخَيْلِ إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام ونهبت الْأَسْوَاق وتعب الشريف عطيفة وتحير فِي أمره وَلم يسْتَطع ردهم وَلَا قهرهم وَكَانَ حَتَّى الْحَاج نَفسه ينهب بعضه بَعْضًا فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك أَمر بقتل الْأَشْرَاف وَقطع الْأَشْجَار من وادى نَخْلَة والأودية وَأجلى نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ وجهز عسكراً وَأمرهمْ أَن يقيموا بِمَكَّة وَلَا يرتحلوا حَتَّى يقضوا حَاجته فِي الْمَأْمُور فيهم بذلك وَكَانَ شخص من أهل الْعلم

ص: 248

يُسمى قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي واعظاً فَقَامَ وَوعظ السُّلْطَان وَنَهَاهُ أَن يحدث فِي حرم الله أَو أَبنَاء رَسُول الله

وَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا الرَّأْي أَن ترضيهم وتأخذهم بالطيب فَأرْسل إِلَيْهِم بعض الْأُمَرَاء بِدُونِ مَا كَانَ جهزه ونواه وعزل الشريف عطيفة لأَنهم اتَّهَمُوهُ بقتل الْأَمِير أزدمر الخازندار الْمَذْكُور بعد أَن دَامَ سُلْطَانه عَلَيْهَا إِلَى سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَرَضي عَن الشريف رميثة وَأَعَادَهُ لولاية مَكَّة فوليها رميثة بمفرده وولاه إمرتها مُفردا مُسْتقِلّا إِلَى عَام أَربع وَثَلَاثِينَ وَمضى عطيفة إِلَى مصر بعد عَزله وَوصل مُتَوَلِّيًا لإمرة مَكَّة شَرِيكا لرميثة ثمَّ أخرجه رميثة لَيْلَة رحيل الْحَاج من مَكَّة من هَذِه السّنة ثمَّ اشْتَركَا فِي ذِي الْحجَّة من سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ فِي رَمَضَان من سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ هجم رميثة مَكَّة وَخرج مِنْهَا بعد قتل وزيره الرباع وَبَعض أَصْحَابه وَعَاد إِلَى الجديدة ثمَّ اصطلحا واشتركا فِي الإمرة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وتوجها إِلَى مصر للْملك النَّاصِر مطلوبين فعوق عطيفة فِيهَا وَلزِمَ حَتَّى مَاتَ بهَا فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين بالقبيبات ظَاهر الْقَاهِرَة وَدفن هُنَاكَ وَكَانَ مَوْصُوفا بشجاعة مفرطة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول الْعَلامَة شرف الدّين يحيى الْمَعْرُوف بالقشر المكى قصيدة مِنْهَا // (من الْكَامِل) //

(تَجرِى مَقَادِيرُ الْإِلَه بمَا تَشَا

والدَّهْرُ قَدْ ألْقى إليكَ زِمَامُهُ)

(أللهُ أَعْطاكَ الذِى أَمَّلْتَهُ

فَدَعِ الحَسُودَ تُمِيتُه أَوْهَامُهُ)

(مَا للسُّكُوتِ إفَادةٌ عَنْ كلِّ مَنْ

أَمدَتْ بِه بَيْنَ الوَرَى أَجْرَامُهُ)

(هَا قَدْ قَدَرْتَ فَلَا تَكُنْ مُتَوَانيًا

فَالأُفْعُوَانُ قَوِيَّةٌ أَسْمَامُهُ)

(لَا تَحْلمَنَّ عَنِ العَدُوِّ تَكَرُّمًا

كَمْ سَيِّدٍ ضَرَّتْ بِهِ أَحْلَامُهُ)

(لَا تَحْقرنَّ أَخَا العَدَاوة إِنَّهُ

كَالجَمْرِ يُوشِكُ أَنْ يَضُرَّ ضِرامُهُ)

(أَنْتَ المليكُ ابنُ المليكِ أصَاَلةً

فَالجُودُ مِنْكُمْ وُفِّرَتْ أَقْسَامُهُ)

(أَوَ مَا عَلِمْتَ بأنَّ فِيك فَصاحةٌ

مَا حَازها قُسٌّ ولَا أَقْوَامُهُ)

(ليثٌ تَخَافُ الأُسْدُ مِنْ سَطَوَاتِهِ

غيثٌ يَجُودُ عَلَى الأَنَامِ غَمَامُهُ)

(مَنْ لَيْسَ مَشْغُولَ البَنَانِ عَن النَّدى

يَوْماً إِذا شَغَلَ اليَمِينَ حُسَامُهُ)

وَعَاد رميثة مُتَوَلِّيًا مُنْفَردا فوصل فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَلم يزل مُنْفَردا بهَا

ص: 249

مُسْتقِلّا إِلَى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة كَمَا سَيَأْتِي وَوَقع فِي ولَايَة الشريف رميثة بن أبي نمي وَاقعَة وَهِي أَنه لثلاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَقعت فتْنَة بِعَرَفَة بَين الْحجَّاج المصريين وَبَين أهل مَكَّة من أهل مَكَّة من قبل الظّهْر إِلَى غرُوب الشَّمْس قتل فِيهَا جمَاعَة وَمن التّرْك سِتَّة عشر نَفرا وَمن أَتبَاع الْأَشْرَاف نَاس قَلِيل وَنَفر النَّاس من عَرَفَة قبل الْغُرُوب وسلكوا طَرِيق الْمظْلمَة وَلم يقعوا بِمُزْدَلِفَة ورحل الْحجَّاج جَمِيعهم يَوْم النَّفر ونزلوا الزَّاهِر وَلم يطوفوا خوفًا على أنفسهم وتعرف هَذِه السّنة عِنْد أهل مَكَّة بِسنة الظلمَة وَأُصِيب فى السّنة السَّيِّد مُحَمَّد بن عقبَة بن إِدْرِيس بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام ثمَّ فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَقع بَين أهل مَكَّة كَذَلِك وأمير الْحَاج حَرْب وَقتل جمَاعَة وَسلم الله الْأَشْرَاف وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَسلم الله الْحَج من النهب ببركة الشريف رميثة غير أَنه كَانَ غلاء عَظِيم بِيعَتْ الويبة الشّعير بدينارين والرطل البقسماط بِثَلَاثَة دَرَاهِم والويبة الدَّقِيق بِخَمْسِينَ درهما والإردب الْقَمْح بِمِائَتي دِرْهَم وَكَانَ الْحَاج الْمصْرِيّ والشامي كَبِيرا جدا وفيهَا أَعنِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة اشْترى الشريف عجلَان بن رميثة وَأَخُوهُ الشريف ثقبة بن رميثة اشتريا مَكَّة من أَبِيهِمَا رميثة بستين ألف دِرْهَم لِأَنَّهُ كبر سنا وَصَارَ أَوْلَاده كل مِنْهُم يحكم فِي الْبِلَاد بِمَا شَاءَ وَاخْتَارَ فَمَا رَضِي بذلك ملك مصر لما بلغه وَأرْسل إِلَى الشريف ثقبة وخدعه وَطَلَبه إِلَيْهِ فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ بِمصْر حَبسه فَعِنْدَ مَا بلغ الشريف عجلَان حبس أَخِيه ثقبة أَخذ جلاب الْيمن جَمِيعًا فَكَانَ ذَلِك بعض أَسبَاب الغلاء وَأعَاد رميثة إِلَى إمرة مَكَّة فَعَاد وَاسْتمرّ إِلَى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فعزل عَنْهَا بِابْنِهِ عجلَان وَكَانَ الْملك الْكَامِل ولاه ذَلِك فِي مصر فوصل مَكَّة مُتَوَلِّيًا ودخلها فِي حَيَاة أَبِيه وَتُوفِّي وَالِده رميثة فِي النّصْف من شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ الشريف رميثة سيداً جَلِيلًا فَاضلا نبيلاً شَاعِرًا كَرِيمًا حازماً حَلِيمًا وَلما تغلب ابْنه أَحْمد على الْحلَّة وأعمالها من الْعرَاق كتب إِلَيْهِ أَبوهُ رميثة قصيدة يذكر فِيهَا شرف مَكَّة وفضائلها ويذم الْعرَاق وَأَهله فَلَمَّا قتل أَحْمد وصل الْخَبَر إِلَى

ص: 250

أَبِيه فَقَالَ قد علمت مُنْذُ تعرض لبلاد المغول أَنه مقتول وَانْقطع الْحَاج عَن مَكَّة خوفًا من أَبِيه رميثة وَكَانَت وَفَاة رميثة يَوْم الْجُمُعَة الثَّامِن من ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة كَمَا تقدم وطيف بِهِ أسبوعاً كَمَا هِيَ عَادَة أسلافه وَذَلِكَ وَقت صَلَاة الْجُمُعَة والخطيب على الْمِنْبَر فَكف حَتَّى فرغوا من الطّواف بِهِ وَكَانَ ابْنه عجلَان يطوف مَعَ الجنارة ثمَّ جعله فِي مقَام الْخَلِيل على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم وَدفن بالمعلاة عِنْد قبر أم الْمُؤمنِينَ السيدة خَدِيجَة بنت خويلد زوج النبى

كَانَت ولَايَته على مَكَّة سبع مَرَّات ومجموعها ثَلَاثُونَ سنة أَو أَكثر مُسْتقِلّا أَربع عشرَة سنة وَنصف سنة أَو أَزِيد وشريكاً لِأَخِيهِ حميضة فِي مرَّتَيْنِ مجموعهما نَحْو عشر سِنِين وشريكاً لِأَخِيهِ عطيفة سِتّ سِنِين أَو أَزِيد وَكَانَ يكنى أَسد الدّين ويلقب أَبَا عَرَادَة وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد أَحْمد وَسَنَد وثقبة وعجلان ومغامس رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول موفق الدّين الحديدي من الْكَامِل

(باللهِ هاتِ عَنِ اللَّوَى وطُلُولِهِ

وعَنِ الغَضَا وجَلالِهِ وحُلُولِهِ)

(أَطِلِ الحَديثَ فَإِنَّ تَقْصِيرَ الذِي

يَلْقَى مِنَ التَّبْريحِ فى تَطْويلِهِ)

(عَلِّلْ بِذكْرِ العَامِرِيَّةِ قَلْبَهُ

فَشِفَاءُ عِلَّةِ ذَاكَ فِي تَعْلِيلِهِ)

(وإذَا عَليِلُ الرِّيحِ أَهْدَى نَحْوَهُ

نَشْرًا فَنَشْرُ عَلِيله بِعَليلِهِ)

(رَشَأٌ رَنَا فَرَمَى فُؤَادَ مُحبِّهِ

عَنْ قَوْسِ حَاجِبِه بِسَهْمِ كَحِيلِهِ)

(وحَوى القُلُوبَ بِأَسْرِهَا فِى أَسْرِهِ

وسَبَى البَهَا بِرَسيلِهِ وأسِيلِهِ)

(وَبَيَاضِهِ وسَوَادهِ وقَويهِ

وَضَعِيفِهِ وخَفِيفهِ وثَقِيلِهِ)

(وتَفَيَّأَ الظِّلَّ الذِى ضَمِنَتْ لَهُ اْلأيَّامُ

بَيْنَ مَبِيتِهِ ومَقِيلِهِ)

(حَطَّ الرِّحَالَ بِمَكَّةٍ وأَقَامَ فِي

حَرَمِ الخِلَافةِ يَعْدَ طُولِ رَحِيلِهِ)

(جَلَبَ المديحَ لمنجبِ بنِ مُحَمِّدِ إبْنِ

نَبِيِّهِ ابْنِ وَصيِّه ابنِ بَتُولِهِ)

وَمِنْهَا

(واقرأ تحيَّتهُ البطين ومجد إِبْراهيمِهِ

فِي صلْب إسماعيلِهِ)

ص: 251

(مَا بَيْنَ شبره وبَينَ شبيرِهِ

شرفٌ يَطُولُ لِهَاشِمٍ وعَقِيلِهِ)

(نَسَبٌ كَمُشْقِّ الشُّمُوسِ ومَفْخَر

باعُ الكَوَاكِبَ قَاصِرٌ عَنْ طُولِهِ)

(أَمَّا الفُرُوعُ فَلَيْس مِثْلَ فُرُوعِهِ

وكَذَا الأُصُولُ فَلَيْسَ مِثْلَ أُصُولِهِ)

(يَابْنَ المُظَلَّلِ بَالغَمَامَةِ والذِي

قَدْ أُنْزِلَ القُرآنُ فِى تَفْضِيلِهِ)

(مَاذا عَسَى مَدْحِى وَقَدْ نَزَلَ الثَّنَا

فِيكُمْ مِنَ الرَّحْمنِ فِي تَنْزِيلِهِ)

(فِى هَلْ أَتَاكَ وَهَلْ أَتَى وَحَدِيدِه

حَقَّا وغَافِرِهِ وفِى تَنْزِيله)

(قَالوا مَدَحْتَ رُمَيْثَةً فَأَجَبتُهُمْ

لَيْسَ المَديحُ يَنَالُ غَيْرَ مُنِيلِهِ)

ولكَيْفَ لَا أُثْنِى عَلَى مَنْ عَمَّنِي

دونَ الوَرَى مِنْ خَيْرِهِ بِجَزِيلِهِ)

(بِنُضَارِهِ وِلُجَيْنِهِ وثَوَابِهِ

وثيابِهِ ورِكَابه وخُيُولِهِ)

هَذَا مَا وجدت وَلَا أعلم هَذَا آخرهَا أم لَهَا آخر وَهِي عَظِيمَة الشَّأْن من الْحسن فِي المبنى وَالْمعْنَى بمَكَان وللأديب أبي عَامر مَنْصُور بن عِيسَى بن سحبان الزيدي فِيهِ قصيدة أَولهَا // (من الْكَامِل) //

(مَا أَومَضَتْ سَحَرًا بُرُوقُ الأَبرقِ

إِلَاّ شَرقْتُ بدَمْعِيَ المُتَرقْرقِ)

(صنَمٌ شُعِفْتُ بِهِ وغصْنُ شبابه

غضٌّ وَبَرْدُ شبيبتي لم يخلَقِ)

(شقَّتْ عرى كَبِدِى شقائقُ خدِّهِ

وبكأسِ فِتْنَتِهِ سُقِيتُ وَمَا سُقِي)

(مَا فاتَ من عُمْرٍ فِللْغِيدِ الدُّمى

لَا أَرْشَ فِيهِ وللصَّبَابَةِ مَا بَقِى)

وَمن مديحها قَوْله // (من الْكَامِل) //

(رَجُلٌ إِذا اشْتَبَهَ الرجالُ عرفْتهُ

بجلالِ صُورتِهِ وحسنِ المنطقِ)

(ومظفَّرُ الحملاتِ يرقصُ مِنْهُ قلبُ

المغربِ الأَقْصَى وقلبُ المشرقِ)

(عَلَمٌ يدلُّ على كَمَالِ صفاتِهِ

كَرَمُ الفُرُوعِ لَهُ وطيبُ المَعرقِ)

(يلقَى بوجهِ البِشْرِ طارقَ بابِهِ

لَيْلاً ويرزقُ مِنْهُ من لم يرزقِ)

(عَزَّتْ بَنو حَسَنٍ بدَوْلته الَّتِي

عزُّالذليلِ بهَا وأَمْنُ المفرقِ)

(هُوَ صُبْح لَيْلَتهَا وبدْرُ ظَلَامِهَا

ولسانُ حِكْمَتِها وصدْرُ الفيلقِ)

(لَا يتَّقَى مِنْ كُلِّ حَادِثَة بهَا

وَبِه بِمَكْرُوهِ الحوادثِ نتَّقِي)

وَله فِي أَيْضا // (من الْخَفِيف) //

ص: 252

(حَفِظَ العَهْدَ بَعدنَا أَمْ أضاعا

وعَصَى لائتمامه أمْ أطاعا)

(ورعَى حرمةَ الجوارِ وراعَى

أم وهَى بالفراق قلْبى وَرَاعَا)

(مَنْ يكُنْ يحمدُ الوَدَاعَ فإِنِّي

بعد يومِ النَّوَى أذمُّ الوداعا)

(جيرتي مَا لنا حَفِظْنَا هواكُمْ

وَغدا حبُّنا لديْكُمْ مُضَاعا)

(إنَّ مَنْ قَدَّر الفراقَ علينا

قادرٌ أَن يقدِّرَ الإجتماعا)

(قلْ لذاتِ القناعِ هَل جئْتُ ذَنبا

فيكِ حَتَّى أسبلْتِ دوني القناعا)

(إنَّ مَنْ أشبَعَ السوارَيْنِ يَدَّيْكِ

لَمَجْرى الوشاح مِنْكِ أجاعا)

وَمِنْهَا // (من الْخَفِيف) //

(قل لأَهْلِ الزَّمَانِ إنى وإنْ رِيعَ

سوَاىَ بكَيْدكُمْ مُرْتاعا)

(نحنُ فِي دولةٍ إِذا مّدَّتِ الناسُ

إلَيْنَا شبْرًا مدَدْنا ذِرَاعا)

(طلبتْ بِي أَبَا عَرَادَة عيسٌ

لَا تملُّ الإرقالَ والإيضاعا)

(عرستْ من رميثة بعراصٍ

لم يزلْ نبْتُ روضها ممْرَاعا)

(نزلَتْ سوحَهُ عطاشاً جياعاً

فَأَقَامَتْ بِهِ رواءً شِباعا)

(رَجُلٌ لَا ترَاهُ بالمالِ مفراحًا

وَلَا مِنْ مُلمَّة مِجْزَاعا)

(وَعَلِيهِ بِكْرُ الخلافةِ ألقَتْ

إِذْ رَأَتْهُ رداءها والقِنَاعا)

(لَيْسَ بالنَّازلِ الوِهَاد مِنَ الأرضِ

ولكنَّهُ يحلُّ اليفاعا)

(موقداً ناره على نَشَزِ الأرضِ

إِذا النَّاسُ لبسوها القفاعا)

(نَمْ هَنِيئًا يَا جَاره مِلْءَ عينْيكَ

وَلَا تخشَ نَائِبا أَن تراعا)

ثمَّ وَليهَا بعده ابْنة عجلَان بن رميثة بن أبي نمي بن مُحَمَّد بن أبي سعد الْحسن بن عَليّ بن أبي عَزِيز قَتَادَة يلقب عز الدّين ولي مَكَّة غير مرّة نَحْو ثَلَاثِينَ سنة مُنْفَردا إِلَى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين ثمَّ شَرِيكا لِأَخِيهِ ثقبة إِلَى سنة خمسين وَسَبْعمائة ولولده أَحْمد بن عجلَان وَوَقعت بَينه وَبَين أَبِيه وَإِخْوَته وَولده أَحْمد منازعات اقْتَضَت عزمه إِلَى مصر مرَارًا أَولهَا سنة موت وَالِده رميثة سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة فَوَافَقَ وُصُوله إِلَيها موت ملكهَا الْملك الصَّالح وتولية ابْنه الْكَامِل فولى الْكَامِل الشريف عجلَان مَكَّة مُنْفَردا فوصل إِلَيْهَا وقرىء مرسومه بالتولية ودعى لَهُ بعد الْمغرب بِأَعْلَى زَمْزَم على الْعَادة وَقطع

ص: 253

الدُّعَاء عَن وَالِده رميثة وَذهب أَخُوهُ ثقبة إِلَى وَادي نَخْلَة وَأعْطى عجلَان أَخَاهُ مغامس أَو مُبَارَكًا الْمَكَان الَّذِي عرف بالواديين وَأظْهر الشريف عجلَان الْعدْل فِي مَكَّة وأبطل المكوس والنهب وَالْقَتْل وَخرج ربع الجبايات فَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وصل ثقبة من مصر وَبِيَدِهِ مرسوم بِنصْف الْبِلَاد وَأَن الشريف عجلَان يكون لَهُ النّصْف الآخر وَفِي سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء وَأَرْبَعين وصل إِلَى مَكَّة إِلَيْهِ مبارك بن عطيفة من الْيمن وهم أَن يدْخل مَكَّة فَألْقى الله فِي قلبه الرعب فَرجع وَوصل إِلَى سواكن وَمَات بهَا ثمَّ وَقع بَين الشريف عجلَان وأخيه الشريف ثقبة سنة خمسين وَسَبْعمائة فتْنَة وَكَانَ ثقبة بالجديد وعجلان بِمَكَّة فَخرج إِلَيْهِ الشريف عجلَان فَلَمَّا هم بِالْقِتَالِ مَنعه الْأَشْرَاف والقواد وَأَصْلحُوا بَينهمَا وعزم الشريف عجلَان إِلَى خيف بني شَدِيد وَدخل ثقبة مَكَّة ثمَّ عزم عجلَان إِلَى مصر وَهَذِه هِيَ السفرة الثَّانِيَة فَقطع الشريف ثقبة الدُّعَاء لِأَخِيهِ عجلَان فَلَمَّا وصل الشريف عجلَان إِلَى مصر كتب لَهُ مرسوم بإمرة مَكَّة وَأرْسل مَعَه أَمِير وَاشْترى المماليك لنَفسِهِ واستخدم حَملَة عَسْكَر وتجهز وَصَحب مَعَه حمل نشاب وقسى وَوصل إِلَى مَكَّة بِهَذَا الْجمع فعزم الشريف ثقبة وأخواه سَنَد ومغامس إِلَى الْيمن وتلقوا الْجلاب ونجلوها بحلى وَاسْتمرّ الشريف عجلَان فِي ولَايَة مَكَّة فَلَمَّا كَانَ موسم إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة وَقع بمنى قتل وَنهب من أول النَّهَار إِلَى غرُوب الشَّمْس وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان الْملك الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن حج فِي عَسْكَر كَبِير ووصلوا مَعَ الْأَشْرَاف السَّيِّد ثقبة وأخويه سَنَد ومغامس فَأوحى الشريف عجلَان إِلَى أُمَرَاء الْحَاج الْمصْرِيّ والشامي أَن الْملك الْمُجَاهِد نِيَّته أَن يُولى ثقبة إِذا عزمتم ويخلع كسوتكم ويكسو الْبَيْت بالكسوة الَّتِي صحبها مَعَه فأرسلوا إِلَيْهِ وعرفوه بِمَا ذكر فَأنْكر ذَلِك فَقَالُوا أعطنا ثقبة يكون رهنا عندنَا حَتَّى نَدعك تدخل فَأرْسل إِلَيْهِم بالشريف ثقبة فأجلوه وعظموه فَلَمَّا وصل وَحج هجموا عَلَيْهِ بمنى وَهُوَ نَائِم وَقد تفرق عَنهُ جماعته فنهبوا محطته وَبَعض الْحَرِيم فنجا بِنَفسِهِ إِلَى أَعلَى الْجَبَل فَلَمَّا رأى

ص: 254

مَا وَقع صَاح عَلَيْهِم الْأمان إِن كَانَ لكم غَرَض بى أَنا آتيكم وَمَا فعل هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء فسكن الْحَرْب وَنزل إِلَيْهِم فترجلوا لَهُ عَن الْخَيل وأركبوه بغلاً وذهبوا بِهِ فَمَا صفت الْمَسْأَلَة حَتَّى قتل خلق ونهبت النَّاس وألزم الْأُمَرَاء الشريف عجلَان بِحِفْظ الْحَاج غير أَن الْعَرَب وَبَعض العبيد نهبوا النَّاس مَا بَين منى وَمَكَّة وَلما وصل الْحَاج والأمراء وَادي مر فِي موسم أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة واجههم الشريف عجلَان وشكا عَلَيْهِم مَا فعله أَخُوهُ الشريف ثقبة فِي السّنة الَّتِي قبل هَذِه سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَنه أَخذ أَمْوَاله وخيله وعبيده وَقَيده فخلصه الله تَعَالَى فوعدوه بِالْولَايَةِ وطمنوا خاطره فَلَمَّا وصلوا الزَّاهِر خرج إِلَيْهِم الشريف ثقبة على الْمُعْتَاد فتكلموا مَعَه فِي الصُّلْح مَعَ أَخِيه الشريف عجلَان فَامْتنعَ فَلم يزَالُوا يلاطفونه حَتَّى دخل إِلَيْهِم فَقَالَ لَهُم الشريف ثقبة إِن كَانَ هَذَا بِأَمْر السُّلْطَان فَنعم وَإِلَّا لَا أفعل فَقبض بعض الأتراك على سيف ثقبة وَالْبَاقُونَ احتاطوا بِمن مَعَه فأنزلوهم عَن خيولهم وكبلوهم فِي الْحَدِيد هُوَ وأخويه سَنَد ومغامس وَابْن عَمه مُحَمَّد بن عطيفة وفر القواد وَالْعَبِيد ثمَّ أحضروا عجلَان وألبسوه الخلعة ودخلوا بِهِ مَكَّة وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ اثْنَان فَلَمَّا أَتموا الْحَج ذَهَبُوا بالأشراف إِلَى مصر ووضعوهم فِي الْحَبْس ودام عجلَان على ولَايَة مَكَّة مُنْفَردا مُسْتقِلّا إِلَى أَن فك ثقبة والأشراف الَّذين مَعَه وشاركه فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة وَاسْتمرّ حَتَّى عزلا بأخيهما سَنَد بن رميثة وَابْن عَمهمَا مُحَمَّد بن عطيفة ثمَّ وَليهَا سَنَد وَمُحَمّد بن عطيفة فِي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة شَرِيكَيْنِ وَاسْتمرّ إِلَى أَوَائِل سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فَفِيهَا قدم الشريف عجلَان من مصر مُتَوَلِّيًا وأشرك أَخَاهُ ثقبة فَمَاتَ ثقبة واستقل عجلَان كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك آخر السوادة وَأخذ الشريف عجلَان وَولده أَحْمد وَذهب بهما إِلَى مصر فحبسا وجهز الْملك النَّاصِر حسن بن قلاوون عسكراً لتأييد سَنَد وَمُحَمّد بن عطيفة مقدمهم الْأَمِير بكتم المارديني وانصلح لذَلِك حَال مَكَّة حَتَّى انْقَضى الْحَج من سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ثمَّ قَامَت فتْنَة بَين بني حسن والعسكر الَّذِي وصل من مصر وَالشَّام للإقامة بهَا

ص: 255

0 -

عوض بكتم الْأَمِير وَمن مَعَه كَانَ الظفر فِيهَا للأشراف وَسبب ذَلِك أَنه أشيع بِمَكَّة أَن من نِيَّة الْعَسْكَر المقيمين بِمَكَّة الْقَبْض على شريفها الشريف سَنَد ففرت الْأَشْرَاف لما قاسوه من هَذَا الْأَمر فَإِن الشريف عجلَان وَولده أَحْمد إِلَى الْآن محبوسان بِمصْر فأشيع ذَلِك قبل قدومهم فَلَمَّا وصل الْعَسْكَر إِلَى مَكَّة أَرَادوا أَن ينزلُوا بَيْتا بالصفا للأشراف فطالبهم الشريف صاجب الْبَيْت بِالْأُجْرَةِ فضرت التركى الشريف فَقتله الرِّيف فتراكم الأتراك على الشريف فصاح لرباعته فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ جمَاعَة وَاشْتَدَّ الْأَمر فقصدت الْأَشْرَاف أجياداً فوجدوا خيلاً للترك على بَاب الصَّفَا كَانَ الْأُمَرَاء اعتمروا فهم فِي الطّواف فركبت الْأَشْرَاف تِلْكَ الْخَيل فَبلغ الْأُمَرَاء ذَلِك وهم يطوفون فَقطعُوا الطّواف وقصدوا الْمدرسَة ليحفظوها وقفلوا أَبْوَاب الْمَسْجِد الْحَرَام وتحصنوا بِهِ وَأمرُوا بهدم الظلة الَّتِي على رَأس زقاق أجياد الصَّغِير ليروا من يقدم عَلَيْهِم مِنْهُ وَكَانَ غالبهم بسطح الْمَسْجِد يَرْمِي بالنشاب وسدوا الطَّرِيق بالأخشاب لِئَلَّا يخرج عَلَيْهِم أَحْمد من أجياد الْكَبِير هَذَا خبر التّرْك وَأما بَنو حسن فَإِنَّهُم استدلوا أَيْضا على إصطبل لبَعض الْأُمَرَاء وقصدوا الْأَمِير قندس وَكَانَ نازلاً بأجياد بالزباهية فقاتلوه من خَارج ودخلوا عَلَيْهِ الدَّار فَقتلُوا جماعته وأسروه ونهبوا مَا كَانَ عِنْده جَمِيعه واستجار نساؤه بِبَيْت السَّيِّد مبارك بن رميثة وَجَاء السَّيِّد مغامس من أجياد لِيُقَاتل التّرْك الَّذين فِي الْمَسْجِد فجفلت بِهِ فرسه فَسقط فَقَتَلُوهُ وَبَقِي فِي مصرعه إِلَى الْمغرب وَأَرَادَ مُحَمَّد بن عطيفة أَن يتعصب للترك فتهدده بَنو حسن بِالْقَتْلِ وَكَانَ مُحَمَّد بن عطيفة تَأَخّر عَن نصْرَة الْعَسْكَر فَخرج خَائفًا يترقب فَدخل الشريف ثقبة مَكَّة سادس عشر ذِي الْحجَّة وشارك أَخَاهُ سنداً عوض مُحَمَّد بن عطيفة وَانْقطع عَن مُحَمَّد هَذَا فَأَرَادَ الِاجْتِمَاع بِالتّرْكِ فَلم يمكنوه لما حل بهم من خوف الْأَشْرَاف وَمَا فَعَلُوهُ بهم بِحَيْثُ إِنَّهُم باعوا بَعضهم فِي الحراج يُنَادي عَلَيْهِ الدلالون فِي الْأَسْوَاق ثمَّ ذَهَبُوا فَلم يبْق مِنْهُم أَلا أَمِير وَاحِد وَأَوْلَاده فاقترض مَا تزَود بِهِ وترحل عَن مَكَّة وفر غَالب أهل مَكَّة أَرْبَاب الْأَمْوَال خوفًا من الْأَشْرَاف أَلا أَن الله سلمهم من النهب اكتفوا بِمَا أَخَذُوهُ من أَمْوَال الأتراك

ص: 256

وَتوجه مُحَمَّد بن عطيفة إِلَى مصر فَلم ير بهَا وَجها وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَمِمَّا قيل فِيهِ من الْمَدْح قَول الشَّاعِر الْمَعْرُوف بالنشو قصيدة هِيَ // (من الطَّوِيل) //

(أترضَى بإِتلاْفِ المحبِّ ظلامةً

فتأخذه بالعُنْفِ والرفقُ أليقُ)

(أعندكَ علْمٌ أَنَّهُ بكَ هائمٌ

وأَكْبَادُهُ مِنْ لوعةِ الهجرِ تحرقُ)

(فأَحْوَالُه تُنْبِى بِمَا فِي ضميرِهِ

إِذا لم يكُنْ للقَوْلِ مِنْهُ مصدِّقُ)

(بلَوْتُ بني الدُّنيا جَمِيعًا بأسرِهِمْ

وَجَرَّبتُهُمْ إِن التجاربَ تصدقُ)

(فَلم أَرَ فِي ذَا العَصْرِ مثلَ محمدٍ

إِمَامًا بِهِ الدُّنْيَا تضىء وتشرقُ)

(جواداً إِذا جَار الزَّمانُ على الورى

يجودُ بِمَا تَحْوِى يداهُ وينفقُ)

(لقد جَلَّ عَن قدر الْمُلُوك الأُلى مَضَوا

إِلَى الغَايِةِ القصوَى مِنَ الفضلِ يسبقُ)

(يجودُ على العَافِى ويبدِى اعتذارَه

فَأوْرَاقُهُ بالجودِ والبذلِ تورقُ)

(لقد عَجَزَ المداحُ فِي بعضِ وصفِهِ

عَلَيْهِم بأنواعِ المكارمِ يغدقُ)

(على أَنه واللهِ واحدُ عصرِهِ

وَهل مثله من بعدِ ذَا العصرِ يخلقُ)

(وَمن لامني فِي مدحه فَهُوَ جاهلٌ

فَجِيدِىَ بالإحسانِ مِنْهُ مطوَّقُ)

(وَإِن كَانَ مدحُ الغَيْرِ عندىَ سُنَّةً

فمدحي لَهُ فرضٌ عليَّ مُحَقَّقُ)

فَلَمَّا بلغ صَاحب مصر فعل الْأَشْرَاف بِالتّرْكِ أرسل بالشريف عجلَان وَولده أَحْمد من سجن الْقَاهِرَة إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة بالبرج قلت ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض سُبْحَانَ الله هَكَذَا وَقع فِي سنة ثَمَان وَسبعين بعد الْألف لما أوقع مَوْلَانَا السَّيِّد حمود بن عبد الله بن حسن بِالتّرْكِ قَرِيبا من يَنْبع فكسرهم وبدد شملهم وقهرهم وَكَانَ قد أرسل وَلَده المرحوم السَّيِّد أَبَا الْقَاسِم بن حمود وَالسَّيِّد مُحَمَّد ابْن المرحوم السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث بن حسن إِلَى باشا مصر بهدية وقواد من الْخَيل فاحتفظ بهم أَولا فِي الْمحل الْمَعْرُوف بالسلطان قايتباي ثمَّ فِي بَيت أغاة الأنكشارية فَلَمَّا جَاءَهُم خبر جَمَاعَتهمْ وَما جَرَى عَلَيهِم من أبويهما تحركت حمية الْغَضَب على هذَيْن الشريفين فنقلا إِلَى السجْن الْكَبِير الْمُسَمّى عرق خانة سجن الدَّم فَقدر الله إطلاقهما بعد ذَلِك وَللَّه الْحَمد فَذكرت بِتِلْكَ الْوَاقِعَة هَذِه الْوَاقِعَة أَلا أَن الشريف عجلَان وَولده فكا وأعطيا إمرة مَكَّة وَهَذَانِ

ص: 257

لم يعطياها وَتلك قسْمَة إلهية انْتهى وَأمر السُّلْطَان بإرسال عَسْكَر إِلَى الْحجاز يتتبعون الْأَشْرَاف وجندهم وعزلهم عَن إمرة مَكَّة وَقَالَ لَا حَاجَة لنا بهم فَلم يسْتَمر بعد هَذِه النِّيَّة أَلا أَيَّامًا حَتَّى ركب عَلَيْهِ عَسْكَر مصر عزلوه وولوا الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن الْملك المظفر فَأطلق الشريف عجلَان وولاه مَكَّة وأشرك مَعَه أَخَاهُ ثقبة بن رميثة بسؤاله لذَلِك فَلَمَّا أقبل الشريف عجلَان وَوصل إِلَى وَادي مر اجْتمع فِيهِ بثقبة عليلاً مدنفَاً فَمَاتَ ثقبة بقر ذَلِك فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بالجديد وَحمل إِلَى مَكَّة فَدفن بالمعلاة وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْكَرمِ والشجاعة وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول ابْن غَنَائِم من قصيدة // (من المنسرح) //

(مَا خفقَتْ فَوْقَ منكِبٍ عذَبهْ

على فَتى كَابْن مُنْجِدٍ ثقبَهُ)

(وَلَا اعتزَى بالفَخَارِ منتسبٌ

إِلَّا وفَاقَتْ علاهُ منتسبَهْ)

(منتخبٌ من سليلِ منتخبٍ

مُنْتَخَبٌ من سَلِيلِ منتخبَهْ)

(كم جَبَرتْ راحتاه منكسراً

وفَكَّ مِنْ أسْرِ عُسْرَةٍ رَقَبَهْ)

فولى الشريف عجلَان وَلَده أَحْمد عوض ثقبة وَجعل لَهُ ربع الْحَاصِل ثمَّ جعل لَهُ ربعا آخر ثمَّ فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ورد الْأَمر من صَاحب مصر على يَد الْأَمِير بهادر والأمير سُفْيَان الطولوني إِلَى شرِيف مَكَّة بِإِسْقَاط المكوس والضرائب وَعوض أَمِير مَكَّة عَن ذَلِك فِي كل سنة مائَة وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم وَألف إِرْدَب قمحاً ونقر ذَلِك فِي دعائم بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام جِهَة بَاب الزِّيَادَة وَبَاب العجلة الْمُسَمّى بَاب الباسطية أَو بَاب الصَّفَا وَهِي مَوْجُودَة إِلَى الْآن مؤرخة بِالسنةِ الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلما عزل سَنَد وَمُحَمّد وَولي عجلَان من مصر فوصل إِلَى مَكَّة وأشرك أَخَاهُ ثقبة ثمَّ مَاتَ ثقبة فَأمر وَلَده أَحْمد بالاجتماع بالقواد ليسألهم أَن يسْأَلُوا لَهُ وَالِده أَن يشركهُ مَعَه فِي إمرة مَكَّة وَكَانُوا يخدمون سنداً فَاجْتمع بهم أَحْمد فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَعرف ذَلِك سَنَد فخاف على نَفسه فهرب إِلَى نَخْلَة وَقيل بل أَقَامَ بوادي مر بالجديد واستجار

ص: 258

بِابْن أَخِيه مُحَمَّد بن عجلَان ثمَّ وَقع بَين بعض غلْمَان سَنَد وَبَين بعض غلْمَان أَحْمد شَيْء أوجب تغير خاطر أَحْمد عَلَيْهِ فَأمره بالانتقال من الْجَدِيد فانتقل إِلَى وَادي نَخْلَة ثمَّ إِلَى الطَّائِف ثمَّ إِلَى الشرق ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ إِلَى يَنْبع فوصله وَهُوَ بهَا أوراق بني حسن يأمرونه بالقدوم إِلَيْهِم ليساعدوه على ولايتها فوصل وَقصد محاربته فَلم يتم لَهُ ذَلِك فَعرض لَهُ مرض مَاتَ بِهِ سنة 763 ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بالجديد وَاسْتولى ابْن أَخِيه عنان بن مغامس بن رميثة على خيله وسلاحه وَذهب بِهِ إِلَى الْيمن وَمِمَّا قيل فِي الشريف سَنَد بن رميثة قَول حَمْزَة بن أَبى بكر الشَّاعِر الْمَشْهُور قصيدة هِيَ // (من الطَّوِيل) //

(خَلِيليَّ إِمَّا جئتما رَبْعَ ثهمدِ

فَلَا تَسْأَلَاهُ غَيْرَ عَنْ أم معبدِ)

(وَإِن أَنْتُمَا أبصرتما بانة الحِمَى

ورَسْمَا لذاتِ المبسمِ المتبددِ)

(فَأَوَّلُ مَا تستنشدا عَن حلولِهِ

وتستفهما أَخْبَارَ رَسْمٍ ومعهدِ)

(عسَى تخبر الأطلالُ عَمَّن سأَلْتُما

بِمَا شِئْتُمَا للمستهامِ المسهَّدِ)

وَمِنْهَا // (من الطَّوِيل) //

(وَفِي سَنَدٍ أسندتُّ مدحاً منضداً

غَرِيبَ القوافِى كالجمانِ المنضَّدِ)

(هُوَ القَيْلُ وَابْن القَيْلِ سُلْطَان مكةٍ

وَحامِى حماها بالحسامِ المهنَّدِ)

(وصفوة آل الْمُصْطفَى طود فَخْرهم

وبَانِى علاهُمْ فوقَ نَسْرٍ وسرددِ)

(بَنَى مَا بنَى قِدمًا أَبوهُ رميثة

وشاد الَّذِي قَدْ شَادَ من كلِّ سؤددِ)

(وشنَّ عتاقَ الْخَيل شُعْثًا ضوامراً

وأفنَى عَلَيْهَا كلَّ طاغٍ ومعتدِى)

(فروَّى صفاحَ البِيضِ من مُهَجِ العدَى

وسُمْرَ القنا مهما اعتلَى ظهْرَ أجردِ)

(وأبيضَ طلق الوَجْهِ يهتزُّ للندَى

ويُجْدِى إِذا شَحَّ الحيا كل مجتدِى)

(كريمٌ حَلِيمٌ ماجدٌ وابنُ ماجدٍ

ظَرِيفٌ شريفٌ سيدٌ وابنُ سيدِ)

(إمامُ الهدَى بَحْرُ الندا مهلكُ العدَى

وَبَدْرٌ بدا من آلِ بيتِ محمدِ)

(أشمُّ طويلُ الباعِ ندبٌ مُهَذَّبٌ

أغرُّ رحيبُ الصَّدْرِ ضخْمُ المقلَّدِ)

(فدوحتُهُ بَين الوَرَى خير دوحةٍ

ومحتده بَين الوَرَى خيرُ مَحْتِدِ)

(إليكَ جَلَبتُ المَدحَ إِذْ أنتَ كفؤُهُ

وَإِن أَنا أجْلبْهُ لغيرِكَ يكسدِ)

ص: 259

(وَمَا مدحكم أَلا عَلَيْنَا فريضَةٌ

ومدحُ سِوَاكُم سنَّةٌ لم تؤكَّدِ)

(ثناؤُكُمُ أَثْنَى بِهِ اللهُ جهرةَ

وأنزله وَحياً على الطْهرِ أحمدِ)

فولى الشريف عجلَان وَلَده أَحْمد عوض ثقبة وَجعل لَهُ ربع الْحَاصِل ثمَّ جعل لَهُ ربعا آخر ثمَّ ترك لَهُ الإمرة على أَن لَا يسْقط اسْمه من الْخطْبَة وَغير ذَلِك فوفى لَهُ أَحْمد بذلك حَتَّى توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ عجلَان فِي سنهَ ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة حَارب أَحْمد بن عِيسَى الحرامي صَاحب حلى بمَكَان يُقَال لَهُ فجرة فَظهر عجلَان على أَحْمد بن عِيسَى الْمَذْكُور وَكَانَ عجلَان رَحمَه الله تَعَالَى شَيخا صَالحا سعيداً اتّفق لَهُ مَا لم يتَّفق لأسلافه من السعودات فَإِنَّهُ أول من ملك بِلَاد حلى من أَهله السَّابِقين وَبنى الْحُصُون بأجياد وَأَرْض حسان والمدارس بِمَكَّة وَملك العبيد والخيول والدروع الْكَثِيرَة وَأَنْشَأَ بِمَكَّة سَبِيلا للْمَاء بالمروة واستمرت خيراته وحسناته ومدحه جمَاعَة من الشُّعَرَاء مِنْهُم الشَّاعِر الْمَعْرُوف بالنشو وَغَيره وَكَانَ لَهُ جملَة من الْأَوْلَاد مِنْهُم أَحْمد وكبيش وَمُحَمّد وَعلي وَحسن وَتُوفِّي عجلَان لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادى عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة فِي جُمَادَى الأولى كَمَا تقدم آنِفا بِأَرْض الْجَدِيد وَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ قبَّة وَبلغ من الْعُمر نَحْو سبعين سنة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا مدح بِهِ الشريف عجلَان قَول الشَّاعِر الْمَعْرُوف بالنشو قصيدة هِيَ // (من الْكَامِل) //

(لَوْلا الغرامُ ووجدُهُ ونحولُهُ

مَا كُنْتَ ترحمُهُ وأنتَ عذولُهُ)

(إِن كنْتَ تنكرُهُ فَسَلْ عَن حالِهِ

فَالحُبُّ داءٌ لَا يفيقُ عليلُهُ)

(يَا مَنْ يَلُومُ على الهَوى أهْلَ الْهوى

دَعْ لومهُمْ فالصبْرُ ماتَ حميلُهُ)

(دعْ عَنْك من لَا خَيْرَ فِيهِ من الورى

لَا تَمْتَدحْهُ وَفِي الأنامِ بديلُهُ)

(وامدحْ مَلِيكَ العَصْرِ وابْنَ مليكِهِ

مَنْ شَاعَ مَا بَين الملا تفضيلُهُ)

(عجلانُ نَجْلُ رُمَيْثَة بنِ محمدٍ

أمِنَ الَحَوادِثَ والخطوبَ نزيلُهُ)

(وَرِثَ الَمَكارِمَ كَابِرًا عَن كابرٍ

فنوالُهُ للعالمينَ ينيلُهُ)

(مِنْ آلِ أَحْمَدَ واحدٌ فِي عصرِهِ

فَهُوَ الشَّريفُ ابْن الشريفِ سليلُهُ)

ص: 260

(مَاذَا يقولُ المدْحُ فِيهِ وَمَا عسَى

إِذْ كَانَ يَخْدمُ جدِّكُمْ جبريلُهُ)

(أما الملوكُ فَكُلُّهُمْ مِنْ دونه

كالبَدْرِ فِي أُفقِ السماءِ حلولُهُ)

(سلطانُ مكَّةَ والمشَاعرِ والصفا

مَنْ لَا يَخَافُ مِنَ الزمانِ نزيلُهُ)

(لَو حاوَلَ النجْمَ العَظِيمَ لنالَهُ

تنبيك عِنْهُ رِمَاحُهُ ونصولُهُ)

(سكنَتْ مَحَبَّبُةُ القلوبَ جميعَها

لما تَقَارنَ سَعْدُهُ وقبولُهُ)

ثمَّ وَليهَا أَحْمد بن عجلَان قبل وَفَاة أَبِيه وَذَلِكَ بِسَبَب أَنه لما جعل لَهُ ربع الْمَحْصُول عوض عَمه ثقبة طلب أَحْمد ربعا آخر فَأَجَازَهُ لَهُ وَالِده ثمَّ إِن وَالِده لما رأى إقبال النَّاس على أَحْمد ومحبتهم لَهُ أَرَادَ إغاظته بأَخيه مُحَمَّد بن عجلَان فَأعْطَاهُ خيلاً وَدِرْعًا فَلم ينْهض مُحَمَّد لما أُرِيد مِنْهُ فَبلغ ذَلِك أَحْمد فعاتب أَبَاهُ عجلَان فَاعْتَذر لَهُ وَقَالَ لَهُ أَنا أترك لَك الْبِلَاد كلهَا فَوَقع الِاتِّفَاق على أَن أَحْمد يُعْطي أَبَاهُ عجلَان النَّقْد الَّذِي شَرط لَهُ وَأَن يكون لَهُ أَيْضا فِي كل سنة الْجُزْء الَّذِي قرر لعجلان بديار مصر فِي مُقَابلَة إِسْقَاط المكس عَمَّا يصل إِلَى مَكَّة من المأكولات وَعَن مكس الْحجَّاج من الديار المصرية والشامية الواردين بحراً وَبرا وَهُوَ مائَة ألف دِرْهَم وَسِتُّونَ ألف أردب قَمح وَأَن لَا يقطع اسْم عجلَان من الدُّعَاء فِي الْخطْبَة مُدَّة حَيَاته فالتزم أَحْمد بِجَمِيعِ ذَلِك فألح عجلَان فِي تَحْصِيل النَّقْد الْمَشْرُوط على أَحْمد استعجازاً مِنْهُ لَهُ ليَكُون سَببا لرجوع الْأَمر إِلَيْهِ فيسر الله لِأَحْمَد من أَعَانَهُ على إِحْضَار المَال فَأحْضرهُ فَلم يجد بدا من قبُوله فوفاه بِجَمِيعِ مَا الْتَزمهُ من الوعود وَاسْتمرّ أَحْمد حَتَّى مَاتَ حادي عشر شعْبَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَكَانَت مدَّته سِتا وَعشْرين سنة قَالَ فِي الدُّرَر الكامنة فِي أَخْبَار الْمِائَة الثَّامِنَة كَانَ أَحْمد بن عجلَان عَظِيم الأبهة وَاسع الْحُرْمَة كثير الرِّئَاسَة ملك جملَة من الْعقار وَالْعَبِيد وَعدل وقمع المفسدين ثمَّ وَليهَا الشريف مُحَمَّد بن أَحْمد بن عجلَان ثَمَان سِنِين شَرِيكا لِأَبِيهِ وَمِائَة يَوْم مُسْتقِلّا بعده ثمَّ قتل فِي مستهل ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة لما حضر لخدمة الْمحمل الْمصْرِيّ بِظَاهِر مَكَّة سَبَب ذَلِك أَن أَبَاهُ الشريف أَحْمد بن عجلَان كَانَ قد وَقع بَينه وَبَين ابْن عَمه عنان

ص: 261

ابْن مغامس منافرة فسافر عنان وَمَعَهُ حسن بن ثقبة إِلَى مصر فبالغا فِي شكوى أَحْمد وسألا من السُّلْطَان برقوق أموراً أجابهم إِلَيْهَا لصدور رقة عنان فَأرْسل أَحْمد بن عجلَان بهدية سنبة صُحْبَة كبيش إِلَى السُّلْطَان فَلَمَّا رأى كبيش رواج عنان عِنْد السُّلْطَان مَا أمكنه أَلا أَن يلْتَزم على أَحْمد جَمِيع مَا أَرَادَهُ عنان وَمَا أَمر بِهِ السُّلْطَان خشيَة من حُصُول مكدر على أَحْمد وَعَلِيهِ فوصلوا جَمِيعًا إِلَى مَكَّة فَعرف كبيش أَحْمد بِالْأَمر وَقَالَ لَهُ لابد لَك من الْمُوَافقَة على مَا رسم بِهِ السُّلْطَان لَكمَا أَو لفتك بعنان فَاخْتَارَ الثَّانِي فَاجْتمع عنان وَحسن بِأَحْمَد بعد التوثيق مِنْهُ فَمَا أجَاب لمرادهما ثمَّ فطن عنان لقصد أَحْمد فِيهِ ففر إِلَى الينبع وتلاه حسن بن ثقبة ثمَّ حسن لَهما أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ أَبُو بكر بن سنقر الجمالي الرُّجُوع إِلَى مَكَّة وَحسن لمُحَمد بن عجلَان أَن يرجع مَعَهُمَا إِلَى مَكَّة وَكَانَ قد توجه إِلَى مَكَّة مغاضباً لِأَخِيهِ أَحْمد وَضمن لَهُم الْأَمر الْمَذْكُور أَن أَحْمد يقْضِي حوائجهم إِذا وصلوا إِلَيْهِ وَرَجَعُوا فَلَمَّا اجْتَمعُوا بِأَحْمَد قبض عَلَيْهِم وَضم إِلَيْهِم أَحْمد بن ثقبة وَابْنه عليا بن أَحْمد بن ثقبة وَقيد الْخَمْسَة وسجنهم بالعلقمية من أول سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة إِلَى موسمها ثمَّ نقلهم إِلَى أجياد ثمَّ أعادهم بعد الْمَوْسِم إِلَى العلقمية فدبروا حِيلَة لِلْخُرُوجِ مِنْهَا وربطوا سرراً كَانَت عِنْدهم بِثِيَاب مَعَهم وصعدوا غير مُحَمَّد بن عجلَان حَتَّى بلغُوا طَاقَة تشرف على منزل ملاصق لسجنهم فنزلوا مِنْهَا إِلَيْهِ فَفطن لَهُم بعض الساكنين فصاح عَلَيْهِم يظنهم لصوصاً فَسمع الصياح الموكلون بهم وَعرف الْأَشْرَاف تيقظ الموكلين بهم فأحجموا عَن الْخُرُوج أَلا عناناً فَإِنَّهُ أقدم وَلما بلغ إِلَى بَاب الدَّار وثب وثبة انْفَكَّ الْقَيْد بهَا عَن إِحْدَى رجلَيْهِ وَمَا شعر بِهِ أحد حِين خرج فَسَار إِلَى جِهَة سوق اللَّيْل وَمَا كَانَ غير قَلِيل حَتَّى رأى كبيشاً والعسكر يفتشون عَلَيْهِ بضوء مَعَهم فَدَنَا إِلَى مزبلة بسوق اللَّيْل وَأظْهر أَنه يَبُول فأخفاه الله عَن أَعينهم فَلَمَّا رجعُوا سَار إِلَى أَن لقِيه بعض معارفه فَعرفهُ خَبره وَسَأَلَهُ فِي تغيبه فغيبه فِي بَيت بشعب على فِي صهريج فِيهِ وَوضع على فمهم حشيشاً ودابة ليخفي مَوضِع الصهريج وَفِي الصَّباح أَتَى كبيش إِلَى ذَلِك الْبَيْت فَمَا وجده فِيهِ فَقيل لَهُ إِن فِي الْبَيْت صهريجاً فَأَعْرض عَن ذَلِك لما أَرَادَهُ الله من سَلامَة عنان ثمَّ بعث عنان إِلَى أَقَاربه من ذَوي رَاجِح وسألهم الْإِعَانَة بمركوب لَهُ وَلمن يُسَافر مَعَه فَأَجَابُوهُ وأخرجوا لَهُ

ص: 262

ركائب إِلَى المعابدة وحملوا عَلَيْهَا فخاراً ليخفوا أمرهَا على من رَآهَا فَخرج عنان إِلَى المعابدة وَنزل عِنْد امْرَأَة يعرفهَا فألبسته لباسها ونمى الْخَبَر لكبيش فَأتى منزلهَا وسألها فنالت من عنان كثيرا فصدقها كبيش فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل ركب مَعَ رجلَيْنِ أَو ثَلَاثَة الرَّوَاحِل الَّتِي أعدت لَهُم فوقفت بعض رِكَابهمْ قبل وَادي مر وَمَا وصل هُوَ إِلَى خليص أَلا وَقد كلت رَاحِلَته فَسَأَلَ بعض أهل خليص عَن رَاحِلَة لبَعض أَصْحَابه بلغه أَنَّهَا بخليص فَأخْبر بوجودها فَأَخذهَا وَيُقَال إِن صَاحبهَا كَانَ إِذا خلص من عَلفهَا يَقُول لَيْث عناناً يخلص فينجو عَلَيْك فَكَانَ مَا تمناه فوصل إِلَى يَنْبع ثمَّ مِنْهَا إِلَى مصر واستجار بملكها برقوق أول مُلُوك الشراكسة بِمصْر فَأرْسل الشريف أَحْمد بن عجلَان يَطْلُبهُ فَكتب إِلَيْهِ السُّلْطَان يَقُول وَأما مَا ذكرت من جِهَة عنان فَإِن الله سبحانه وتعالى يَقُول {وَإِن أَحَد مِنَ اَلمُشركِينَ اَستَجَارَكَ فَأجِره} التَّوْبَة 6 فَكيف إِذا استجار بِنَا ابْن رَسُول الله

وَأمره بِإِطْلَاق الْأَشْرَاف فَامْتنعَ من ذَلِك ثمَّ قدر الله أَن الشريف أَحْمد مَاتَ فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة كَمَا تقدم ذكره وأقيم عوضه فِي إِمَارَة مَكَّة وَلَده مُحَمَّد هَذَا ابْن أَحْمد بن عجلَان كَانَ الْمُدبر لأمر ملكه عَمه كبيش بن عجلَان فَبعد موت أَحْمد بن عجلَان عمد كبيش إِلَى الْأَشْرَاف الْمَذْكُورين وسمل أَعينهم جَمِيعًا فتألم النَّاس لذَلِك غَايَة التألم وَلم يحصل لَهُ بعد ذَلِك رَاحَة وتوهم كبيش أَن ذَلِك يكون حسماً لمادة الشَّرّ ونجاحاً فَكَانَ للشر مفتاحاً فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك تغير خاطره على مُحَمَّد بن أَحْمد وعَلى عَمه كبيش بن عجلَان وَولى إمرة مَكَّة للسَّيِّد عنان بن مغامس وكتم ذَلِك عَن النَّاس وخادع مُحَمَّد بن أَحْمد وَعَمه كبيش بن عجلَان بإرسال الْخلْع والمراسيم وزينت مَكَّة فَلَمَّا تجهز الْحَاج خَرجُوا مَعَهم بالسيد عنان بن مغامس كآحاد النَّاس لَا يلْتَفت إِلَيْهِ إِذا حضر كل ذَلِك لما أضمروه فَلَمَّا وصل الْحَاج إِلَى الزَّاهِر بعثت أم مُحَمَّد الشَّرِيفَة فَاطِمَة بنت ثقبة إِلَى أَمِير الْحَاج شركس الخليلي أَمِير آخور بعد أَن أَهْدَت إِلَيْهِ هَدَايَا تسأله عَن حَال ابْنهَا مُحَمَّد وعنان فَذكر لَهَا أَنه لَا يعلم على ابْنهَا سوءا وَرُبمَا حلف لَهَا على ذَلِك فانشرح لذَلِك خاطرها وَحسنت لابنها الْإِقْدَام عَلَى ملاقاةِ المحملِ الْمصْرِيّ وَما زَالَت بِهِ حَتى وافقها فَخرج فِي عَسكرِهِ إِلى لِقَائِهِ على العادةِ هُوَ وَعَمه

ص: 263

كبيش فَلَمَّا أَرَادَ أَن يقبل الْجمل على مَا كَانَ يَفْعَله الشراكسة مِنَ الجهلِ وثب إِلَيْهِ اثْنَان من الزعر من الْمحمل كل وَاحِد بِيَدِهِ خنجر طعناه فَمَاتَ من حِينه فعوجل بالعقوبة فِي هَذِه الْمدَّة الْيَسِيرَة إِذْ قد تقدم أَن مُدَّة ولَايَته مُسْتقِلّا مائَة يَوْم نسْأَل الله حسن الخاتمة ونعوذ بِهِ من سوء الْقَضَاء وفر عَمه كبيش إِلَى جده فتبعوه فَلم يحصلوه وألبسوا الشريف عنان بن مغامس الخلعة ودخلوا بِهِ مَكَّة فوليها عنان بن مغامس فَلَمَّا وصلوا إِلَى أجياد تلقاهم بعض أَصْحَاب الشريف مُحَمَّد من العبيد والقواد فتقاتلوا مَعَهم فَلم يَلْبَثُوا أَن ولوا هربَاً وَحَج بِالنَّاس الشرِيفُ عنان والناسُ فِي غايةِ الِاضْطِرَاب والخوفِ ثمَّ لما عزم الْحَاج أرسل عنان إِلَى كبيش عسكراً ليخرجَه من جدة ففر مِنْهَا وسامح الشريف عنان الشيبيين فَترك مَا كَانَ تَأْخُذهُ الْأَشْرَاف مِنْهُم بِالْقُوَّةِ وَهُوَ خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فِي كل عَام وجانب من الْكسْوَة مَعَ البرقع وثوب مقَام الْخَلِيل وَجرى بَينه وَبَين كبيش فتن وجموع وَلم تصف الْبِلَاد لَهُ بِحَيْثُ إِنَّه عجز عَن إِقَامَة الْجند والأشراف فَأخذ حَاصِل السُّلْطَان وَمَا فِيهِ وَنهب جدة وأموال التُّجَّار والمراكب غير مرّة ثمَّ إِن كبيش الْمَذْكُور عَاد إِلَى جدة وَحده فنهبها وعاث عبيده فِي الطرقات فخشي عنان من كثرتهم وأشرك مَعَه فِي الإمرة ابْني عَمه أَحْمد بن ثقبة وَعقيل بن مبارك ثمَّ أَخَاهُ عَليّ بن مبارك ثمَّ دَعَا لَهُم مَعَه على الْمِنْبَر وزمزم وَظن بذلك أَن يُقَوي أمره وَلم يساعده الْقدر فبلغت أَحْوَاله إِلَى السُّلْطَان برقوق بِمصْر فعزل عنان فِي رَجَب سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ ولى عوضه عَليّ بن عجلَان فوليها عَليّ بن عجلَان فِي السّنة الْمَذْكُورَة بعد عزل عنان حنقاً عَلَيْهِ لما اتّفق فِي ولَايَته من اسْتِيلَاء كبيش وَجَمَاعَة عجلَان وَابْنه أَحْمد وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِمَا وَعجز عنان عَن دفعهم عَن الِاسْتِيلَاء على جدة فوصل النجاب إِلَى عنان ليسلم مَكَّة لعَلي بن عجلَان وجماعته فِي النّصْف الثَّانِي من شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَأقبل عَليّ بن عجلَان فِي جموع مُتَقَدما فَمَنعهُمْ عنان وَأَصْحَابه من دُخُول مَكَّة وَامْتنع هُوَ وجماعته من آل أبي نمي من تَسْلِيم مَكَّة لآل عجلَان فتحارب الْفَرِيقَانِ بِالْقربِ من ثنية أذاخر فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فَقتل كبيش بن

ص: 264

عجلَان وَطَائِفَة من عَسْكَر عَليّ بن عجلَان فتم النصرُ لعنان وَرجع عَليّ وَمن مَعَهم إِلَى محلهم وَهُوَ الْقصر من وَادي مر وَذَلِكَ فِي سلخ شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي شهر رَمَضَان توجه عَليّ إِلَى مصر فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان وولاه إمرة مَكَّة فَأقبل صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ فِي ظلّ من ولاه وَاسْتمرّ عنان بعد خُرُوج عَليّ إِلَى الْقصر وَمن مَعَه مُقيما لم يبرح حَتَّى فَارقهَا هُوَ وَمن مَعَه عِنْد وُصُول الْحَاج الْمصْرِيّ إِلَيْهَا وصحبته عَليّ بن عجلَان الْمَذْكُور فَخرج عنان وَمن مَعَه وقصدوا الزيمة فَدَخلَهَا على وقرىء توقيعه على مقَام الْحَنَابِلَة وَحج بِالنَّاسِ وعنان مُقيم بالزيمة بوادي نَخْلَة اليمانية وَكَانَ أَصْحَابه سَبَقُوهُ إِلَيْهَا فقصدهم عَليّ بن عجلَان فِي طَائِفَة من التّرْك فوجدوهم محاربين لقافلة بجيلة فَلَمَّا أحسوا بهم هربوا وَقتل أَصْحَاب عَليّ بن عجلَان مِنْهُم مبارك بن عبد الْكَرِيم من الْأَشْرَاف وَابْن شكران من أتباعهم وعادوا إِلَى مَكَّة وَمَعَهُمْ من خيل الْأَشْرَاف خمس وَمن دروعهم ثَلَاثَة عشر درعاً ووصلت قافلة بجيلة إِلَى مَكَّة فَانْتَفع النَّاس بهَا وعادوا إِلَى مَكَّة عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام وَبعد رحيل الْحَاج نزل عنان وَأَصْحَابه الْوَادي وشاركوا عَليّ بن عجلَان فِي أَمر جدة ثمَّ سَافر عنان فِي أثْنَاء سنة تسعين وَسَبْعمائة واصطلح عَليّ بن عجلَان والأشراف وَاسْتمرّ مُتَوَلِّيًا مُنْفَردا بالإمرة إِلَى أَن شَاركهُ فِيهَا عنان فِي عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة فوصل إِلَى مَكَّة فِي شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة واصطلح مَعَ آل عجلَان وَكَانَ مَعَه القواد وَمَعَ عَليّ الْأَشْرَاف وَكَانَا غير متمكنين فِي الْقيام بمصالح الْبَلَد لمعارضة بني حسن لَهما فِي ذَلِك وَاسْتمرّ عنان شَرِيكا لعَلي بن عجلَان حَتَّى فَارق عنان مَكَّة متخوفاً من آل عجلَان حِين أَرَادوا الفتك بِهِ فِي الْمَسْعَى وَذَلِكَ فِي صفر سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَقطع ذكره من الْخطْبَة ثمَّ دخل مَكَّة ليتجهز مِنْهَا إِلَى مصر بعد أَن أخليت لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام من آل عجلَان وَلم يدْخل مَكَّة أَلا بعد أَن استدعي من السُّلْطَان إِلَى مصر هُوَ وَعلي فَتوجه إِلَى الديار المصرية وتلاه إِلَيْهَا الشريف عَليّ بن عجلَان بِطَلَب من الْملك الظَّاهِر برقوق كَمَا ذكر فَأَقَامَ عنان بِمصْر معزولاً مُطلقًا ثمَّ مسجوناً بقلعة الْجَبَل ثمَّ بالإسكندرية ثمَّ

ص: 265

بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى مَاتَ بهَا فِي ربيع الأول سنة خمس وَثَمَانمِائَة قَالَ صَاحب نشأة السلافة وَكَانَ فِي هَذَا التَّارِيخ صَاحب مَكَّة الشريف حسن ابْن عجلَان ثمَّ ذكر سَبَب موت عنان فَقَالَ حصل لعنان مرض خطر يَقْتَضِي إبِْطَال بعض جسده فعولج من ذَلِك بإضجاعه بِمحل فِيهِ آثَار النَّار حَتَّى يخلص ذَلِك إِلَى أَعْضَائِهِ فيقويها بهَا فَفعل بِهِ ذَلِك فَكَانَ أثر النَّار الَّذِي أضجعوه عَلَيْهِ شَدِيدا فأحرقه فَمَاتَ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور رَحمَه الله تَعَالَى وَرَأَيْت فِي تَارِيخ خلفاء الزَّمن وملوكه وَولَايَة السالكين أحسن سنَن للسَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْحُسَيْنِي السَّمرقَنْدِي فِي تَرْجَمَة الشريف عنان بن مغامس هَذَا مَا نَصه وبقيا يَعْنِي الشريف عنان بن مغامس والشريف عَليّ بن عجلَان على ذَلِك مُدَّة بعد أَن جعلت إمرة مَكَّة بَينهمَا نِصْفَيْنِ مَا بَين وفَاق وشقاق وَكَيف يَنْتَظِم أَمر الْأَمْلَاك مَعَ الِاشْتِرَاك إِلَى أَن مَاتَ عنان قَتِيلا فِي شَوَّال سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَسبب قَتله أَن أَعْيَان الْأَشْرَاف والقواد بعد أَن قبض على جمَاعَة مِنْهُم خودع فِي ذَلِك فَأَطْلَقَهُمْ فصاروا يكلفونه مَا لَا تصل إِلَيْهِ قدرته من أَخذ الْأَمْوَال من التُّجَّار والحبوب من أهل الْوَادي والزراع فَكثر بِسَبَب ذَلِك الْهَرج والمرج وَقل الْأمان وشق على أهل مَكَّة الشَّرِيفَة قلَّة الْوَاصِل وَكَثْرَة الْخَوْف وافترقت الْكَلِمَة بَين السَّادة الْأَشْرَاف والقواد وَالْعَبِيد فَاقْتَتلُوا بِسَبَب ذَلِك وَمَات عنان بِتِلْكَ المسالك هَذِه أَلْفَاظه فِي الْكتاب الْمَذْكُور وَالله أعلم بالحقائق وَلما وصل الشريف عَليّ بن عجلَان إِلَى الديار المصرية وَقَبله عنان بن مغامس أَقَامَ عنان معزولاً مطلوقاً ثمَّ مسجوناً إِلَى آخر مَا تقدم وَأما الشريف عَليّ فَأكْرمه السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر وفوض إِلَيْهِ أَمر مَكَّة المشرفة وَأحسن إِلَيْهِ هُوَ والأمراء ثمَّ سَار إِلَى مَكَّة المشرفة فَدَخلَهَا وَقت الْمَوْسِم من السّنة الَّتِي خرج مِنْهَا فِيهَا سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَفِي آخر يَوْم مِنْهَا قبض على سبعين نَفرا من الأِشراف والقواد فَلم يزل يُخَادع فيهم حَتَّى أطلقهُم فَكَتَمُوا لَهُ ذَلِك وشوشوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع شَوَّال سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة بوادي مر وَهُوَ ابْن ثلَاث وَعشْرين سنة وَحمل إِلَى مَكَّة المشرفة وَدفن بهَا لَيْلًا وَكَانَ أَخُوهُ الشريف حسن قد حاصره

ص: 266

بالزاهر مُدَّة أَيَّام من هَذِه السّنة ثمَّ توجه إِلَى الديار المصرية بهَا فاعتقل فِي السّنة الْمَذْكُورَة فَلَمَّا وصل الْخَبَر بوفاة أَخِيه عَليّ بن عجلَان أطلقهُ الْملك الظَّاهِر برقوق وفوض إِلَيْهِ أَمر مَكَّة وَجَمِيع الأقطار الحجازية لوفاة أَمِير مَكَّة عَليّ بن عجلَان قتلا وَجَاء الْخَبَر بولايته وَقت الْمَوْسِم وَكَانَ أَخُوهُ مُحَمَّد بن عجلَان وَعبيد أَبِيه وأخيه أَحْمد بن عجلَان قد استولوا على مَكَّة وحفظوها حَتَّى وصل إِلَيْهِم من مصر فِي رَابِع عشر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَمَعَهُ يلبغا الناصري وسنقر وعدة من المماليك الأتراك يزِيدُونَ على الْمِائَة أَو دونهَا وَمن الْخَيل دون الْمِائَة وَلم تتمّ السّنة حَتَّى وَقع بَين الشريف حسن وقتلة أَخِيه على وَاقعَة عَظِيمَة فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ الظفر فِيهَا لَهُ عَلَيْهِم بِحَيْثُ لم يقتل مِمَّن مَعَه سوى مَمْلُوك وَعبد وَقتل من الْأَشْرَاف نَحْو سَبْعَة وَمن أتباعهم نَحْو الثَّلَاثِينَ وَلم يقتل من أَصْحَاب الشريف حسن فِيمَا قيل غير مَمْلُوك وَعبد وَكَانَ مَعَه ألف رجل وَمِائَتَا رجل من التّرْك والمولدين وَالْعَبِيد وَأهل مَكَّة من الْأَعْرَاب وأجار على حلَّة الشريف مَنْصُور من النهب فَسلمت وَكَانَت الْوَقْعَة بمَكَان يُقَال لَهُ الزبارة بوادي مر قريب من أبوعروة فقصد الْأَشْرَاف جِهَة الهدة وَأقَام الشريف حسن بالجديد حَتَّى أَتَى الْمَوْسِم وَعظم بذلك أمره واستفحل بذلك قهره حَتَّى أذلّ كل من عانده وناوأه وساس الْأُمُور بجدة مَعَ التُّجَّار وراعاهم حَتَّى قدموها وَأَقَامُوا بهَا بعد أَن تركوها وَاسْتمرّ فِي زِيَادَة قدر وهيبة فِي الْقُلُوب قَالَ الْعَلامَة الفاسي فضبط الْبِلَاد وحسم مواد الْفساد وَأخذ بثأر أَخِيه يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر شَوَّال من سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَاسْتمرّ مُسْتقِلّا بِالْولَايَةِ إِلَى أَن أشرك مَعَه ابْنه السَّيِّد بَرَكَات فِي نصف الإمرة وَذَلِكَ سنة تسع وَثَمَانمِائَة وَوصل توقيعه بذلك فِي موسم هَذِه السّنة وَهُوَ مؤرخ بشعبان مِنْهَا ثمَّ سعى لِابْنِهِ السَّيِّد شهَاب الدّين أَحْمد فِي نصف الْإِمَارَة فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَولى نصف الإمرة شَرِيكا لِأَخِيهِ بَرَكَات وَولى أَبوهُمَا نِيَابَة السلطنة بِجَمِيعِ بِلَاد الْحجاز

ص: 267

وَذَلِكَ فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة وَثَمَانمِائَة وَقُرِئَ توقيعهم بذلك فِي أَوَائِل النّصْف الثَّانِي من شهر ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وَصَارَ يَدعِي لَهُ ولولديه بِمَكَّة وعَلى زَمْزَم وَيَدعِي للشريف حسن بمفرده فِي الْخطْبَة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ وَالِي الْمَدِينَة عجلَان بن نعير بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْنِي عوض أَخِيه نابت بن نعير فَإِنَّهُ كَانَ ولي أمرهَا فِي هَذِه السّنة ثمَّ مَاتَ نابت فِي صفر من هَذِه السّنة قبل وُصُول توقيعه واستمرت الْخطْبَة باسم الشريف حسن بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة إِلَى أَن عزل عَنْهَا عجلَان بِابْن عَمه سُلَيْمَان بن هبة بن جماز بن مَنْصُور فِي موسم اثْنَي عشر وَثَمَانمِائَة وَكَانَ يقدم فِي الدُّعَاء فِي الْخطْبَة على عجلَان وَاسْتمرّ الشريف حسن وولداه إِلَى أَن عزل هُوَ وولداه فِي هَذِه السنهَ وَهِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة عَن إمرة مَكَّة بسعي الحساد وَنقل أهل الْفساد وَلم يظْهر لذَلِك أثر بِمَكَّة فَإِن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج ابْن الْملك الظَّاهِر برقوق أسرَ أَمر عزلهم لقرب الْمَوْسِم خوفًا من الْهَرج والمرج وَولى ابْن عَمه عَليّ بن مبارك بن رميثة فَلَمَّا بلغ السَّادة الْأَشْرَاف عزلهم كتموا ذَلِك عَن الْخَاص وَالْعَام فوصل أَمِير الْحَج بيشو الْمَذْكُور فِي موكب عَظِيم ونظام تَامّ وعساكر عديدة وَهُوَ على غَايَة الوجل من عدم مُقَابلَة الْأَشْرَاف وَنقص حرمتة بذلك وَحفظ أَمْوَال الْحجَّاج وحقن دِمَائِهِمْ وَكَانَ من عناية الله أَن مَوْلَانَا الشريف حسن قَابل المحامل الْكَرِيمَة على الْعَادة الْقَدِيمَة وَلبس الْخلْع السُّلْطَانِيَّة على أكمل حَال وَأطيب بَال ثمَّ قَابل الْأَمِير الْمَذْكُور خَاصَّة وأكرمه إِكْرَاما جزيلاً فانقضى زمن الْحَج على أحسن الْأَحْوَال وسافرت المحامل وَتوجه كل غَرِيب إِلَى بَلَده وَلما لم يبْق أَلا تجهيز الْأَمِير وتوديعه جهز الشريف حسن هَدِيَّة عَظِيمَة إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة صُحْبَة الْأَمِير الْمَذْكُور بعد كَمَال رعايته وعظيم الْعِنَايَة بِهِ فَبعد الْوَدَاع قَالَ لَهُ يعلم الْأَمِير أَنا قد بلغنَا أَن السُّلْطَان عزم على عزلنا تَصْدِيقًا للإنهاء الْبَاطِل الصَّادِر عَن فَسَاد كل مُفسد وَقَول كل قَائِل فَلَمَّا بلغنَا ذَلِك لم نَفْعل فعل أهل الظُّلم والجهالة الَّذين إِذا وصل إِلَيْهِم علم الْعَزْل نهبوا الْبِلَاد وَأَكْثرُوا فِي الأَرْض الْفساد فَأَجَابَهُ الْأَمِير بِأَن هَذِه بِلَادكُمْ خلفا عَن سلف ومولانا السُّلْطَان نَصره الله محب

ص: 268

لكم وعلامة محبته لكم إخفاء ذَلِك وسوف تعلمُونَ صِحَة قولي بِمَا يأتيكم من جَوَاب مشرفاتكم فَلَمَّا وصل الْأَمِير إِلَى مصر المحروسة وَأخْبر السُّلْطَان بِمَا وَقع وَقدم الْهَدِيَّة والمكاتيب قَابل ذَلِك بِحسن الْقبُول ثمَّ أرسل إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن بِهَدَايَا مفخمة وتوقيعات شريفة مكرمَة فَشَكَرَه فِيهَا شكرا عَاما على مَا فعله ظَاهرا وَمَا صَبر عَلَيْهِ بَاطِنا ثمَّ صَرح باستِمرار ولديه على مَا كَانُوا عَلَيْهِ من ولَايَة مَكَّة والأقطار الحجازية جَمِيعهَا واستمروا كَذَلِك إِلَى سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة فعزلوا بالشريف رميثة بن مُحَمَّد ثمَّ أُعِيد فِي عَام تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة بعد محاربة شَدِيدَة بَينه وَبَين رميثة الْمَذْكُور من قبل الْملك الْمُؤَيد كَمَا يَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذَا كُله ببركة الصَّبْر والتحمل وَالنَّظَر إِلَى وَجه الله سبحانه وتعالى فِي حفظ دِمَاء الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ لَا سِيمَا الْحجَّاج وجيران بَيت الله الْحَرَام لَا بَرحت عناية الله شَامِلَة لحماة بَلَده الْأمين آمين وَسبَب العزلِ أَن رجلا يُسمى جَابِرا الجرشِي من أَرْبَاب الْأَمْوَال بجدة لما تَغَيرَ عَلَيْهِ الشريف حسن وصادره وَأخرجه من جدة لأَمرٍ اقْتضى ذَلِك عزم إِلَى مصر وكدر خاطر السُّلْطَان على مَوْلَانَا الشريف حسن ودبرهم فِي هَذَا الْأَمر وَأَن يولوا عَليّ بن مبارك هَذَا وَكَانَ مَحْبُوسًا عِنْدهم بالقلعة سِنِين فولوه وَأَرْسلُوا صحبته الْأَمِير بيسق أَمِيرا على الْحَاج الْمصْرِيّ واستعد لِحَرْب الشريف حسن فَلَمَّا تحقق مَوْلَانَا الشريف حسن هَذَا الْخَبَر استعد هُوَ أَيْضا للحرب وَجمع من الْخَيل وَالرجل مَا لم يجمعه غَيره قيل كَانَ عدَّة الْخَيل سِتّمائَة وَالرجل يزِيدُونَ على خَمْسَة آلَاف وتعب النَّاس لذَلِك وَضَاقَتْ بهم مَكَّة وتعبت الخواطر وكادت الْقُلُوب أَن تبلغ الْحَنَاجِر ثمَّ رَضِي السُّلْطَان الْملك النَّاصِر على الشريف حسن وَأَوْلَاده بعد توجه الْحَاج من الْقَاهِرَة فِي السّنة الْمَذْكُورَة فأعادهم إِلَى ولَايَة مَكَّة فَبعث الْأَمِير بتقليد وخلع صُحْبَة خادمه فَيْرُوز ساقي وَكتب إِلَى أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ بيسق يَأْمُرهُ بالكف عَن محاربتهم وَكَانَ تَارِيخ تَقْلِيد ولايتهم هَذِه فِي هَذِه السنهَ هِيَ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة فِي الثَّانِي عشر من ذِي الْقعدَة الْحَرَام ودامت ولايتهم على ذَلِك إِلَى أثْنَاء

ص: 269

صفر الْخَيْر سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة كَمَا سَنذكرُهُ وَقبل وُصُول الْحَج بأيام أخمد الله الْفِتْنَة بوصول الْأَمِير فَيْرُوز الطواشي الساقي الْمَذْكُور بِالْخلْعِ والمراسيم يَعْتَذِرُونَ إِلَى الشريف حسن ويطمئنونه أَن الْبِلَاد بِلَاده وسألوا فَضله أَن يَأْذَن للْحَاج فِي دُخُول مَكَّة ويعطيهم الْأمان فَإِنَّهُم لما بَلغهُمْ تهيؤه تَأَخَّرُوا وَلم يقدموا على الدُّخُول فَقَالَ الشريف حسن لَا يدخلُوا أَلا إِذا سلمُوا إِلَيْنَا جَمِيع مَا مَعَهم من السِّلَاح وآلات الْحَرْب وَإِلَّا مَا دخلوها فوافقوه على ذَلِك وَوَافَقَهُمْ على إِعَادَته إِلَيْهِم عِنْد السّفر فَدَخَلُوا مَكَّة رَابِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام وَجَاء الْأَمِير إِلَى بَيت الشريف حسن بأجياد وَسلم عَلَيْهِ وَاعْتذر قيل وَلم يحجّ الشريف حسن وَلَا أحد من أهل مَكَّة أَلا نَاس قَلِيل مخفون بِحَيْثُ أَن يَوْم النَّحْر صلوا الْعِيد بِمَكَّة وَلم يُشَاهد ذَلِك قطّ وَأصَاب الحجيج مشقة عِنْد المأزمين وَوَقع قتل وَنهب وَلَو لم يغث الحجيج أهل الْخَيل جمَاعَة الشريف حسن لذهب الْحَاج جَمِيعه وَكَذَلِكَ لَيْلَة النَّحْر بمنى وَكَانَ الْفَاعِل لذَلِك غوغاء الْأَعْرَاب وَفِي موسم خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة قتل من آل جميل جمَاعَة أهل شَرّ وَفَسَاد فَفَزعَ الْحَاج وَركب الشريف حسن بِنَفسِهِ حَتَّى أخمد الْفِتْنَة وَسلم الله الْمُسلمين وَفِي خَامِس ذِي الْحجَّة عَام سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة وَقع بَين القواد وأمير الْحَاج وَالنَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة أَن هجم القواد بخيولهم ملبسة إِلَى مقَام الْحَنَفِيّ يطْلبُونَ الْأَمِير وكَان قد أمسك شخصا مِنْهُم يُسمى جَرَادًا وحبسه فتشفعوا بالشريف حسن إِلَيْهِ فَامْتنعَ من إِطْلَاقه فَعظم الْأَمر وَجرى الْقِتَال وسال الدَّم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَخرج الأتراك فِي إثرهم إِلَى جِهَة سوق بَاب إِبْرَاهِيم فَانْهَزَمَ القواد وَرجع الْأَمِير وَدخل الْمَسْجِد وَأدْخل خيله وَسمر أَبْوَاب الْمَسْجِد جَمِيعهَا مَا عدا أَرْبَعَة أَبْوَاب وباتت خيولهم ملابس والمشاعل تقد فِي الْمَسْجِد وغالب الحجيج بِهِ وَاجْتمعَ القواد فِي أَسْفَل مَكَّة بِمحل يُسمى الطنبداوي وانتهبت الْبيُوت والأسواق وَسلم الله الْحَاج ببركة الشريف حسن وصادف ذَلِك أَن مَكَّة فِي ذَلِك الْعَام مغلية فَأَنْشد إِذْ ذَاك بعض الأدباء وَفِيه تورية حَسَنَة // (من مجزوء الْكَامِل) //

ص: 270

(وَقَعَ الغلاءُ بمكَّةٍ

والناسُ أمْسوا فِي جمادِ)

(والخبزُ قَلَّ فَهَاهُمُ

يتقاتَلُونَ عَلَى جَرَادِ)

وَالسَّبَب فِي إِمْسَاكه أَن أَمِير الْحَاج منع النَّاس من حمل السِّلَاح بِمَكَّة فَرَأى جَرَادًا هَذَا وَهُوَ حَامِل سلَاح فأمسكه فَوَقع مَا وَقع قلت عتو هَذَا الجيل قديم غير جَدِيد فَلَعَلَّ الشَّرّ إِن لم ينقص مِنْهُم لَا يزِيد ودامت ولَايَة الشريف حسن مَعَ ولديه بَرَكَات وَأحمد إِلَى شهر صفر من عَام ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة ثمَّ وَليهَا الشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان بن رميثة بن أبي نمي بن أبي سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة تولى عشْرين فِي صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وَمَا دخل مَكَّة وَلَا دَعَا لَهُ فِي الْخطْبَة وَلَا على زَمْزَم أَلا فِي الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَت قِرَاءَة توقيعه فِي يَوْم دُخُول مَكَّة وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة مستهل ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة فَدَعَا لَهُ الْخَطِيب ودعا لَهُ على قبَّة زَمْزَم حِين طَوَافه بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَذكر فِي توقيعه الشريف بعد التَّرْجَمَة أَنه تولى نِيَابَة السلطنة عَن عَمه حسن وإمرة مَكَّة عَن ولديه بَرَكَات بن حسن وَأحمد بن حسن وَذَلِكَ أَنه لما عزل الشريف حسن برميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان فَارقهَا الشريف حسن إِلَى الشقان فجبا الْجلاب هُنَاكَ وَأمر أَهلهَا بِالتَّدْبِيرِ أَو الْمُضِيّ إِلَى يَنْبع ثمَّ وصل إِلَى الْجَدِيد من وَادي مر وَاسْتولى على غلال أَصْحَاب رميثة وَاسْتمرّ بالجديد إِلَى جُمَادَى الْآخِرَة من سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة وَفِي رَجَب مِنْهَا بعث وَلَده الشريف بَرَكَات ومولاه الْقَائِد زين الدّين شكر لاستعطاف السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد فأنعم عَلَيْهِ بِولَايَة مَكَّة وَكتب لَة بذلك توقيعاً مؤرخاً من عشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وجهز لَهُ خلعة صُحْبَة بعض الخاصكية المؤيدية والنجابة السُّلْطَانِيَّة فَانْتَهوا إِلَيْهِ وَهُوَ فِي نَاحيَة جدة فِي أَوَائِل الْعشْر الْأَوْسَط من شَوَّال فقصدَ مَكةَ مُتَوَلِّيًا مُنْفَردا دون ولديه من قبل الْملك الْمُؤَيد ثمَّ شَاركهُ ابْنه السَّيِّد بَرَكَات بن حسن سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بِإِشَارَة من الْملك المظفر ابْن الْملك الْمُؤَيد صَاحب مصر كَمَا سَيَأْتِي فَدخل مَكَّة فِي بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر شَوَّال من سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة وبأثر طَوَافه

ص: 271

بِالْبَيْتِ قرئَ توقيعه وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الْمَذْكُور فَارق مَكَّة السَّيِّد رميثة بن مُحَمَّد وَمن مَعَه بعد حَرْب شَدِيد كَانَ بَينه وَبَين عَسْكَر عَمه الشريف حسن بالمعلاة يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور استظهر فِيهِ الشريف حسن على من عانده لأَنهم لما أَقبلُوا من الأبطح ودنوا من بَاب المعلاة أزالوا من كَانَ على الْبَاب وقربه من أَصْحَاب رميثة بِالرَّمْي بالنشاب والأحجار وَعمد بَعضهم إِلَى بَاب السُّور فدهنه وأوقد تَحْتَهُ النَّار فَاحْتَرَقَ الْبَاب حَتَّى سقط إِلَى الأَرْض وَقصد بَعضهم طرف السُّور الَّذِي يَلِي الْجَبَل الشَّامي مِمَّا يَلِي الْمقْبرَة فَدخل مِنْهُ جمَاعَة من التّرْك أَصْحَاب الشريف حسن ورقوا موضعا مرتفعاً من الْجَبَل ورموا مِنْهُ بالنشاب والأحجار من كَانَ دَاخل الدَّرْب من أَصْحَاب رميثة فتعبوا لذَلِك كثيرا ونقب بَعضهم فِي السُّور نقباً متسعاً حَتَّى اتَّصل بِالْأَرْضِ فَدخل مِنْهُ جمَاعَة من الفرسان من عَسْكَر الشريف حسن إِلَى مَكَّة ولقيهم جمَاعَة من أَصْحَاب رميثة فقاتلوهم حَتَّى أخرجوهم من السُّور وَقد حصل فِي الْفَرِيقَيْنِ جراحات وَهِي فِي أَصْحَاب رميثة أَكثر وَقصد بعض عَسْكَر الشريف حسن السُّور مِمَّا يَلِي بركَة الصارم فَنقبُوا فِيهِ نقباً متسعاً وَلم يتمكنوا من الدُّخُول مِنْهُ لأجل البرك فَإِنَّهَا مهواة فَنقبُوا موضعا آخر فَوْقه ثمَّ إِن بعض الْأَعْيَان من أَصْحَاب الشريف حسن أَجَارَ من الْقِتَال وَكَانَ الشريف حسن كَارِهًا لِلْقِتَالِ رَحْمَة مِنْهُ لمن مَعَ رميثة من القواد وَالْعمْرَة وَلَو أَرَادَ الدُّخُول إِلَى مَكَّة بِكُل عسكره من الْموضع الَّذِي دخل مِنْهُ بَعضهم لقدر على ذَلِك وَلكنه أمضى الجيرة بترك الْقِتَال وبأثر ذَلِك وصل إِلَيْهَا لما تَعب النَّاس من النهب وَالْقَتْل وَالْخَوْف جمَاعَة من الْعلمَاء والصلحاء من أهل مَكَّة والمجاورين وحملوا الْمَصَاحِف والربعات على رُءُوسهم وسألوا فضل الشريف حسن فِي كف عسكره فأجابهم إِلَى ذَلِك بِشَرْط أَن يخرج من عانده من مَكَّة المشرفة فَمضى الْفُقَهَاء إِلَيْهِم وأخبروهم بذلك فتأخروا عَنهُ إِلَى جَوف مَكَّة وَدخل الشريف حسن وَمن مَعَه السُّور وخيم حول بركتي المعلاة وَأقَام هُنَاكَ حَتَّى أصبح فَدخل مَكَّة بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر شَوَّال كَمَا تقدم ذكر ذَلِك آنِفا وَطلب الشريف رميثة وَأَصْحَابه

ص: 272

مهلة خَمْسَة أَيَّام فأعطوها ثمَّ خَرجُوا إِلَى نَاحيَة الْيمن ثمَّ فِي عَام أَرْبَعَة وَعشْرين وَثَمَانمِائَة تسلطن الْملك المظفر ابْن الْملك الْمُؤَيد فَأرْسل توقيعاً شريفاً للشريف حسن فقرئ بِظِل زَمْزَم مَوْضُوعه أَنه فوض أَمر مَكَّة إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن الْمَذْكُور وأشرك مَعَه وَلَده بَرَكَات وَأرْسل لَهما خلعة سلطانية من خزانته ثمَّ وصل مرسوم شرِيف قرئَ بِالْحَطِيمِ بِمحضر أَفَنْدِي مَكَّة وَشَيخ حرمهَا والأعيان والصدور مضمونه على لِسَان الْملك المظفر بِأَن وَالِده الْملك الْمُؤَيد انْتقل إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ وَأَنه بُويِعَ بِعَهْد من أَبِيه وموافقة من أهل الْحل وَالْعقد من الْعلمَاء والقضاة والأمراء وَأَنه جلس على سَرِير السلطنة فِي ثَانِي محرم من سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَأَن الْمَطْلُوب من مَوْلَانَا الشريف حسن وَذَوِيهِ السّمع وَالطَّاعَة وتأمين الأقطار الحجازية وَأَنه مبذول لَهُم من جَانب السلطنة الشَّرِيفَة كَمَال الرِّعَايَة وبذل الْجُود وَالعطَاء وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ثمَّ بعد مُدَّة استمال الشريف حسن ابْن أَخِيه رميثة الْمَذْكُور وأحضره وَصفا لَهُ فَتغير عَلَيْهِ القواد وَقَامُوا بناصر ذَوي ثقبة بن أبي نمي وهم أَوْلَاد أَحْمد بن ثقبة بن رميثة وَأَوْلَاد عَليّ بن مبارك وأعلنوا بالسلطنة لثقبة بن أَحْمد بن ثقبة بن أَحْمد بن ثقبة وميلب بن عَليّ بن مبارك وَجعلُوا لكل مِنْهُمَا نواباً بجدة فَجهز الشريف حسن عَلَيْهِم فَهَرَبُوا وقصدوا مَكَّة واحتربوا هم ونائبه فِيهَا مِفْتَاح الزفتاوي فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا جمَاعَة مَعَه ثمَّ رجعُوا إِلَى الْغَد وَلما كَانَ النّصْف الثَّانِي من شَوَّال سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة قدم من مصر وَلَده الشريف بَرَكَات بن حسن فسر بِهِ وَلما طَاف بِالْكَعْبَةِ دعى لَهُ على زَمْزَم وَصَارَ أَبوهُ الشريف حسن يتفوه لَهُ بِالْولَايَةِ وَيَقُول لبني حسن وَغَيرهم هُوَ سلطانكم وَفِي ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَعشْرين أظهر للنَّاس أَنه تخلى عَن أَمر مَكَّة لِابْنِهِ الشريف بَرَكَات بِحَيْثُ أجلسه على المفرشة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَجلسَ هُوَ على مفرشة عِنْده فَجمع ابْنه حسن عَن طَاعَة أَبِيه لكَونه قدم أَخَاهُ بَرَكَات عَلَيْهِ فَأرْسل لَهُ أَبوهُ الشريف حسن يستعطفه فَلم يمل أَحْمد لذَلِك وَحمله جمَاعَة من المفسدين على نهب جدة فَفعل وَلم يسهل ذَلِك بِأَبِيهِ ثمَّ دخل فِي الطَّاعَة ثمَّ نكث وَمضى

ص: 273

إِلَى يببع ثمَّ عَاد مَعَ الْحَاج ثمَّ رَجَعَ وَفِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة سَأَلَ من الْملك الْمُؤَيد تَفْوِيض مَكَّة لِوَلَدَيْهِ بَرَكَات وَإِبْرَاهِيم وتنصل من إمرتها لضعف بدنه وميله إِلَى التخلي لِلْعِبَادَةِ وَتوجه عقب الْكتاب إِلَى صوب حلى آخر صفر وَفِي ثَانِي عشر ربيع الأول من سنة أَربع وَعشْرين وصل تشريفان لَهُ ولابنه بَرَكَات وعهد يتَضَمَّن ولايتهما لمَكَّة من الْملك المظفر أَحْمد ابْن الْملك الْمُؤَيد كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَأَرَادَ الشريف حسن أَن يُشْرك وَلَده إِبْرَاهِيم مَعَ أَخِيه بَرَكَات فَحصل تنافر بَين الْأَخَوَيْنِ فوصل إِبْرَاهِيم من جَانب الْيمن وَمَعَهُ الْأَشْرَاف وألزموا الْمُؤَذّن بِالدُّعَاءِ لَهُ فَفعل وَلم يسهل ذَلِك بأَخيه بَرَكَات وَصَارَ يخْطب لإِبْرَاهِيم مَعَ أَبِيه حسن وأخيه بَرَكَات وَفِي سنة سِتّ وَعشْرين أَمر الشريف حسن بِقطع الدُّعَاء لوَلَده إِبْرَاهِيم من الْخطْبَة وَغَيرهَا لِأَنَّهُ أمره بمباينة ذَوي رَاجِح فَلم يفعل وَلم يزل الشريف حسن مستمراً فِي الْولَايَة إِلَى أَن صرف عَنْهَا هُوَ وَولده بَرَكَات سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بالشريف عَليّ بن عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمي وَكَانَ ذَلِك بتفويض السُّلْطَان برسباي ملك مصر المحروسة فوليها الشريف عَليّ بن عنان الْمَذْكُور وجهز مَعَه الْملك برسباي من مصر جَيْشًا كثيفاً وخيلاً وأميراً يكون عِنْده كَمَا هُوَ الْعَادة لِأَنَّهُ عزل حسنا الْمَذْكُور بِمَوْت سُلْطَانه الَّذِي ولاه وَهُوَ الْملك المظفر ابْن الْملك الْمُؤَيد فخشي السُّلْطَان برسباي من مُخَالفَة حسن الْمَذْكُور ومحاربته لعَلي وَكَانَت تَوليته فِي سنة سبع وَعشْرين الْمَذْكُورَة فَدخل مَكَّة بِمن انْضَمَّ إِلَيْهِ من الْأَشْرَاف والقواد المنسوبين لعجلان فَطَافَ والمؤذن يَدْعُو لَهُ على زَمْزَم وَقُرِئَ توقيعه بِالْحَطِيمِ على الْعَادة وَلبس الخلعة ثمَّ خرج رَاكِبًا من بَاب الصَّفَا مختلعاً فَطَافَ فِي شوارع مَكَّة المكرمة ثمَّ نزل إِلَى جدة المعمورة لأخذ مواجبه من الواصلين من الْهِنْد وترفق بهم غَايَة الترفق ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة ونادى بالأمان وَأَن كل من اخْتَار الْخدمَة من الْأَشْرَاف والقواد يَأْتِي إِلَيْنَا وَمن لَا فَلَا يُقيم عندنَا وَله منا شهر زمَان مهلة وَقيل إِنَّه استمال الشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان الَّذِي كَانَ مُتَوَلِّيًا قبل

ص: 274

للشريف حسن فوصل إِلَيْهِ فَلَزِمَهُ الْأَمِير قرقماس وَوَضعه فِي الْحَدِيد وَذهب بِهِ إِلَى مصر صُحْبَة الْحَاج فَأرْسل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة هُوَ والشريف مقبل صَاحب يَنْبع وَخَرجُوا رَابِع عشر ذِي الْحجَّة إِلَى الشريف حسن وَذَلِكَ أَن الشريف حسن لم يحدث مِنْهُ شَيْء لما عزل بالشريف عَليّ بن عنان بل لما سمع أَنه قرب من مَكَّة واصلاً إِلَيْهَا من مصر مُتَوَلِّيًا صُحْبَة الْحَاج خرج عَنْهَا هُوَ والأشراف الَّذين مَعَه والقواد وَتَنَحَّى بِنَاحِيَة قرب مَكَّة وراسل السُّلْطَان برسباي بالْكلَام اللين وعرفه أَن عَزله كَانَ بِغَيْر سَبَب فَخَرجُوا إِلَيْهِ وَأَرَادُوا أَن يهجموا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مكر بِهِ بعد التُّجَّار واستدناه فقصدوه ليظفروا بِهِ فَلم يروه بحماية الله تَعَالَى وَاسْتمرّ الشريف عَليّ بن عنان إِلَى أَن عزل عَنْهَا غرَّة ذِي الْحجَّة من عَام ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بالشريف حسن فوليها الشريف حسن بِعَهْد من ملك مصر برسباي لِأَنَّهُ راسله بالْكلَام اللين وعرفه عَزله بِغَيْر سَبَب كَمَا تقدم فَرضِي عَلَيْهِ وَأعَاد إِلَى إمرة مَكَّة وَلما بلغ الشريف حسن هَذَا الْخَبَر أرسل وَلَده السَّيِّد بَرَكَات لمواجهة أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ فواجهه وَدخل هُوَ وإياه إِلَى الْمَسْجِد وَحلف لَهُ بِاللَّه تَعَالَى أَن السُّلْطَان قد رَضِي على أَبِيك الشريف حسن وَأَنه لَا يَنَالهُ مني وَلَا من السُّلْطَان سوء وَكَانَ الْحلف على الْمُلْتَزم فَعِنْدَ ذَلِك دخل الشريف حسن وواجه الْأَمِير وَأهْدى إِلَيْهِ هَدَايَا وَأَعْطَاهُ مِحَفةً حَج فِيهَا ثمَّ إِنَّه حج بِالنَّاسِ وَأظْهر طَاعَة السُّلْطَان برسباي وأعلن بِالدُّعَاءِ لَهُ فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى السُّلْطَان برسباي طلب حُضُور مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَيْهِ فَتوجه فِي الْمَوْسِم من السّنة الْمَذْكُورَة فَلَمَّا وصل أَمر السُّلْطَان أَن يتلقاه الْأُمَرَاء والأكابر ويمشوا بَين يَدَيْهِ وَلما حضر بَين يَدَيْهِ أنعم عَلَيْهِ بِالْخلْعِ العديدة والإنعامات المزيدة وَالْتزم الشريف حسن أَن يخْدم السُّلْطَان بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَأرْسل عَبده شكر إِلَى بندر جدة ليَأْتِيه بهَا وَاسْتمرّ بِمصْر على كَمَال الحشمة ووفور النِّعْمَة فَكتب بعض أدباء مَكَّة إِلَى السُّلْطَان على لِسَان مَكَّة يذكر أَنَّهَا متشوقة إِلَى

ص: 275

الشريف حسن قَوْله // (من الوافر) //

(مِنَ البلدِ المُخصَّص بالأمان

وَكَعْبَتِهِ المشرَّفة المباني)

(تقبل كَفَّ سُلْطَانِ البرايا

أبي النصْرِ الموفَّقِ للمَعانِي)

(برسْبَاى الَّذِي ملكَتْ يَدَاهُ

جَمِيعَ الخَلْقِ مِنْ قاصٍ ودانِى)

(وتُنْهِى مَا بهَا من عُظْمِ شوقٍ

إِلَى سُلْطَانِها بَدْرِ الزمانِ)

إِلَى أَن قَالَ // (من الوافر) //

(فَرُدَّ إلىَّ سلطاني سَرِيعا

فإنِّى كَالجوادِ بِلَا عنانِ)

فَسَمعَهَا السُّلْطَان فرسم للشريف حسن بالتوجه إِلَى مَكَّة وجهزه وبرز ثقله خَارج الديار المصرية فَاعْترضَ لَهُ الضعْف فَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَمكث بهَا أَيَّامًا يسيرَة ثمَّ توفّي بهَا سادس عشر جُمَادَى الْأُخْرَى سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن فِي حوش الْملك الْأَشْرَف برسباي الْمَذْكُور بالصحراء وقبره هُنَاكَ مَشْهُور يزار وَله وقائع مَشْهُورَة فى التورايخ مسطورة مَعَ إخْوَته وَبنى عَمه وملوك مصر والقواد وَغَيرهم وَكَانَ ذَا ثروة عَظِيمَة وحشمة وافرة جسيمة وخيرات كَثِيرَة عميمة بنى بِمَكَّة رِبَاطًا للرِّجَال ورباطاً للنِّسَاء وَبنى المارستان وَعمر أوقافه وَزَاد فِيهَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وجدد رِبَاط رامشت عِنْد بَاب الْحَزْوَرَة وَلم يل مَكَّة قبله من يدانيه فى شئ من ذَلِك وَقد مدحه كثير من شعراء مَكَّة المعتبرين مِنْهُم الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الفاسى وَالِد تَقِيّ الدّين الفاسي مؤرخ مَكَّة وَمِنْهُم شيخ الْإِسْلَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر الْمقري وَكَانَ الْملك النَّاصِر أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الغساني صَاحب الْيمن تشفع إِلَى الشريف حسن بن عجلَان سنة سبع وَثَمَانمِائَة فِي ترك التشويش على مُوسَى صَاحب حلى وحثه على الْمُوَافقَة على ذَلِك القَاضِي شرف الدّين الْمَذْكُور بقصيدته النونية وَهِي قَوْله // (من الْكَامِل) //

(أحسنْتَ فِي تدبيرِ مُلْكِكَ يَا حَسَنْ

وأَجَدتَّ فِي تحليلِ أخلاطِ الفتَنْ)

(مَا كنتَ بالنزقِ العَجُولِ إِلَى الأذَى

عِنْد النِّزَاعِ وَلَا الضغيفِ أَخا الوَهَنْ)

ص: 276

(تمسِى ورأيُكَ عَن هواكَ معوَّقٌ

والغرُّ ملقٍ فِي يَد الأهوا الرَّسَنْ)

(داءُ الرياسةِ فِي متابَعَةِ الهوَى

ودواؤها فِي الدفْعِ بالوجْهِ الحَسَنْ)

(وَإِذا الفتَى استَقْصَى لنصرةِ نفسِهِ

قَلَبَ الصديقُ لحربه ظَهْرَ المجَنٌ)

(لَا تُصْغِ إِن شرٌّ دَعَا فالشرُّ إِن

تنهضْ لَهُ يَنْهَضْ وَإِن تسكُنْ سَكَنْ)

(وسديد رأْيٍ لَا يُحَرِّكُ فتْنَة

سَكَنَتْ وَإِن حَرَّكْنَهُ الفِتَنُ اطمأنّ)

(رَدَّ العدوَّ إِلَى الصداقةِ حكمةٌ

صَفَّتْ من الأكدارِ عيشَ ذَوي الفِطَنْ)

(بالسيفِ والإحسانِ تُقْتَنَصُ الْعلَا

وحصولُهَا بهما جَمِيعًا مرتهَنْ)

(لَا خيرَ فى منَنٍ وَلَا سيف بهَا

ماضٍ وَلَا فِي السيفِ لَيْسَ لَهُ منَنْ)

(أما حلى فإنَّ خوفَكَ لم يدَعْ

أَهلا بهَا للزائرينَ وَلَا وطَنْ)

(حلَّيْتهُم مِنْهَا وجسمُكَ وادعٌ

فِي مكةٍ لم يُحْوِجُوكَ إِلَى ظَعَنْ)

(تركُوا لَك الأوطانَ غَيْرَ مدافعٍ

وتعلَّقوا بذرى الشوامخِ والَقُنَنْ)

(حفظوا نفوساً بالفرارِ أطلَّها

سيفٌ على الأرواحِ ليْسَ بمؤتَمَنْ)

(ولحفظها بالفَرِّ أكْبرُ شاهدٍ

لَك بالعلا فِلمَ التأسُّفُ والحَزَنْ)

(فاغمدْ سيوفَكَ رَغْبَة لَا رهبةً

مَا فِي قتيلٍ فرَّ مَرْعُوبًا سمنْ)

(واكرمْ سيوفَكَ من دِمَا طرادتها

فالحُرُّ يكرمُ سيفَه أَن يمتَهَنْ)

(قد كَانَ لَا يرضَى يخطِّط سيفَهُ

فِي ظهر مَنْ ولَّى أَبوك أَبُو الحَسَنْ)

(وَقد اقتدرْتَ وباقتدارِ ذَوي النهَى

تنفلُّ أحقاد الضغائن والإحَنْ)

(موسَى هِزَبرٌ لَا يطاقُ نزالُهُ

فِي الْحَرْب لكنْ أَيْن موسَى من حَسَنْ)

(هذاكَ فِي يَمَنٍ وَمَا سلمَتْ لَهُ

يَمَنٌ وَذَا فِي الشامِ لم يَدَعِ اليمَنْ)

(فانظرْ إِلَى موسَى وَقد لعبَتْ بِهِ

لما سخطْتَ عَلَيْهِ أحداثُ الزمَنْ)

(ذاقَ المرارَ لفَوْتِهِ أوطانَهُ

فَقِهِ مرارةَ فُرْقة الرُّوحِ البَدَنْ)

(لَو شئتَ وَهُوَ عَلَيْك سَهْلٌ هينٌ

لجمعتَ بَين الجَفْنِ مِنْهُ والوسَنْ)

(بعْ مِنْهُ مهْجَتهُ وخُذْ مَا عندَهُ

ثمنا يكنْ مِنْك المثمِّنُ والثمَنْ)

(هذي مساوَمَةُ الفحولِ ومَنْ يبعْ

مَا بعْتَ لم يعلَقْ بصفقته الغَبَنْ)

(جِئْنَا بحُسْنِ الظَّنِّ نَسْأَلك الرضَا

والعَفْوَ عَنهُ فَلَا تخيِّبْ فِيك ظَنِّ)

(فالحرُّ يكرمُ سائليه يَرَى لَهُم

فضلا كَمَا ابتداءوه بالظنِّ الْحسن)

ص: 277

(ويهينُ سائله اللَّئِيم لظنِّهِ

فِي مثله خيرا وَذَلِكَ لَا يُظَنْ)

(لَا زِلْتَ للشرفِ المخلَّد بانياً

شرفاً ومجداً ثَابتا لِبَنى حَسَنْ)

وَلما وَقع بَين الشريف حسن بن عجلَان وَبَين الْأَمِير أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الغساني صَاحب جِهَات الْيمن الْحَرْب منع مسير الْجلاب بالحبوب إِلَى أهل الْحرم الشريف فَأَنْشَأَ السَّيِّد المرتضى قصيدة يستشفع عِنْد الْأَمِير أَحْمد فِي إِطْلَاق الْحُبُوب إِلَى أهل مَكَّة فَقبل شَفَاعَته وأطلقها وَهِي هَذِه // (من الْكَامِل) //

(عطفا على الحرمَيْن يَا ملكَ اليَمَنْ

وتجاوزٌ ايا خيرَ أملاكِ الزمَنْ)

(وارفُقْ بأهلِ اللهِ فِي أمِّ القُرَى

إِن لم تكُنْ أنْتَ الرفيقَ فمَنْ ومَنْ)

(إِنِّي أشيرُ عليكَ رأْىَ نصيحةٍ

والمستشارُ من الْبَريَّة مؤتمَنْ)

(لَا تسلكَنْ فيهم طريقَةَ قاطِع

للرحْمِ إنهُمُ هُنَاكَ كمَنْ ومَنْ)

(ألْمَنُّ منكَ وأنْتَ مَنٌّ سائلٌ

للمسلمينَ وأنْتَ فِي المَنَّيْن مَنْ)

(أَنْت الَّذِي ورثَ المكارمَ عَن يدٍ

وَلَك المعالمُ والعلومُ بكلِّ فَنّ)

(ولكَ السماحةُ والتقَى من أسعدٍ

وَلَك الوجاهَةُ والعلا من ذِي يَزَنْ)

(فانظُرْ بعينِ حقيقةٍ وسماحةٍ

تِلْكَ الأَمَاِكنَ والمساكنَ والسكَنْ)

(لَا تحملنَّكَ عزةٌ ملكيَّةٌ

فِي حربها بخلافِ مَنْ فِيهَا سكَنْ)

(إِن الَّذِي فَعَلَ الشريفُ وَإِن جنَى

مثلُ الحصاةِ وأنْتَ فِي عفْو حضنْ)

(من ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطُّ وَمن لَهُ الحسنَى

فقَطُّ وَمن لَهُ الْعقل الحَسَنْ)

(حسنٌ مليكٌ فِي الحجازِ معظمٌ

فِيهَا ولكنْ أَيْن أحمدُ من حَسَنْ)

(هَذَا لَهُ يَمَنٌ وَهَذَا مَا لَهُ

إِلَّا فضَاضَة مَا تفيضُ بِهِ عَدَنْ)

(وَلَك المدائنُ والسفائنُ كلُّها

وَله يلمْلَم والجنوبُ إِلَى قَرَنْ)

(أطلقْ لَهُ سُفُنَ البحارِ فَإِنَّهَا

تجرِى إِلَى البيتِ العتيقِ على سَنَنْ)

(بيتٌ لَهُ خَضَعَ الملوكُ جلالةً

وَبِه تفاضَلَتِ الفرائضُ والسنَنْ)

(وأبوكَ أولُ كَسَاه كَمَا أتَى

فِي مُحْكَمِ التاريخِ فِي مَلإِ اليمنِ)

(ولكمْ بِهِ آثارُ فضلٍ ظاهرٍ

فِيمَا تظاهر من بناه وَمَا بطَنْ)

(رسم المظفَّر فِيهِ مكتوبٌ بماءِ

الْعين أيده المؤيِّدُ بالمنَنْ)

(وعلَى منابرِهِ يشاعُ بذكْرِكُمْ

بِالصَّوْتِ فِي الحرمِ الشريفِ إِذا ازدجَنْ)

ص: 278

(أوَ لَيْسَ فِي هَذَا الدُّعَاء لأهلِهِ

وَلمن أقامَ بِهِ الأمانُ من الفتَنْ)

(صُنْ مَكَّة الغراءَ من فِتنٍ ومِنْ

محن فأنتَ أحقُّ من طفأ الفِتَنْ)

(وَمن المحاسِنِ فِي الكلامِ قصيدةُ الْمُقْرى

الَّتِي جمع البديعَ بهَا وَسَنّ)

(قد قَالَ فِي أبياتها وبديعهَا

لله ذَاك القَوْلُ من قولٍ حَسَنْ)

(داءُ الرياسةِ فِي مُتَابعَة الهَوى

ودواؤه فِي الدفعِ بالوجْهِ الحَسَنْ)

(وإذَا الْفَتى استقصَى لنصرةِ نفسِهِ

قَلَبَ الصديقُ لحربه ظَهْرَ المجِنْ)

(لَا تُضغ إِن شرِّ دَعَا فالشرُّ إِن

تنهضْ لَهُ ينهضْ وَإِن تسكُنْ سَكَنْ)

(وسديدُ رأىٍ لَا يحرِّكُ فتنةٌ

سكَنَتْ وَإِن حركْتَهُ الفتنُ اطمأنّ)

(رَدَّ العدوَّ إِلَى الصداقةِ حِكْمَة

صفَّتْ من الأكدار عَيْشَ ذَوي الفطَنْ)

(هذي نصائحُ أبرزتْها فكرةُ الْمقْرى

تفوقُ الدُّر لَيْسَ لَهَا ثمَنْ)

(فاقبل نصائح تتصلْ بل إِنَّهَا

حِكَمٌ تفوقُ الدرَّ يدْخلهُ الوَهَنْ)

(أنتَ المليكُ ابنُ المليكِ وليْسَ مِنْ

شأنِ الملوكِ الشمِّ إحمالُ الإحَنْ)

(وَترى الطبيبَ إِذا تقادم جُرْحُ من

يدويه لاطَفَهُ وغيَّرَ بالدهنْ)

(كلٌّ لَهُ شجنٌ وَمَا لَك فِي الْعلَا

شجَنٌ سوى الْإِصْلَاح يَالَكَ من شجنْ)

(ولأَنْتَ فِي الإسلامِ رأسٌ واحدٌ

والرأسُ مهما اعْتَلَّ يتبعُهُ البدَنْ)

(رفقا بأهْلِ المكَّتَينِ وَرَحْمَة

بهمُ وعطفاً شَامِلًا لبني حَسَنْ)

(وَإِذا أردتَّ لَهُ معاتبةٌ علَى

مَا فاتَ قَلْتَ الصيفَ ضيَّعْتِ اللبَنْ)

(لَا زلتَ فِي الشَّرَفِ المعظَّم خَالِدا

مَا غرَّدَ القُمْرِيْ الطروبُ على فَنَنْ)

وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد جملَة مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم وَعلي وَإِبْرَاهِيم وبركات ثمَّ وَليهَا الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وَذَلِكَ أَنه استدعاه السُّلْطَان برسباي سادس عشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي سِتَّة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فَلَمَّا قدم إِلَى مصر المحروسة أواسط ذِي الْقعدَة فوض إِلَيْهِ إمرة مَكَّة المشرفة عوضا عَن وَالِده وَقرر أَخَاهُ إِبْرَاهِيم بن حسن نَائِبا عَنهُ ثمَّ ألبسهما خلعتين عظيمتين فوصلا إِلَى مَكَّة المشرفة ودخلها بِالْخلْعِ السُّلْطَانِيَّة وَقُرِئَ توقيع مولأنا الشريف بَرَكَات بِالْحَطِيمِ على طَريقَة أسلافه الْكِرَام لَا زَالَ الْملك فيهم وَفِي عقبهم إِلَى يَوْم الْقيام

ص: 279

قَالَ المقريزي فِي كتاب السلوك فِي أَخْبَار الْمُلُوك لما كَانَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر شهر رَجَب من عَام تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بعث الشريف أَبُو زُهَيْر بَرَكَات ابْن حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة بعثاً فِيهِ يشكو عبيد أَبِيه الشريف حسن بن عجلَان من بطُون حَرْب إِحْدَى قبائل مذْحج ومنازلهم حول عسفان نزلُوا سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَقد أخرجهم بَنو لَام من أَعمال الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَكثر عبثهم وَأَخذهم السابلة من الْمَارَّة إِلَى مَكَّة بالميرة وَجعل على هَذَا الْبَعْث أَخَاهُ الشريف عَليّ بن حسن بن عجلَان وَمَعَهُ من بني حسن الشريف ميلب بن عَليّ بن مبارك بن رميثة وَغَيره فِي عدَّة من النَّاس وَسَار مَعَهم الْأَمِير أرنبغا أَمِير الْخمسين المركزين بِمَكَّة من أماكنه السُّلْطَانِيَّة وصحبته مِنْهُم عشرُون مَمْلُوكا فنزلوا عسفان يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَقَطعُوا الثَّنية الَّتِي تعرف الْيَوْم بمدرج عَليّ حَتَّى أَتَوا الْقَوْم وَقد أنذروا بهم فتنحوا عَن الأَرْض وَتركُوا بهَا إبِلا مَعَ خَمْسَة رجال فَأول مَا بدءوا أَن قتلوا الْخَمْسَة رجال وَامْرَأَة حَامِلا كَانَت مَعَهم وَمَا فِي بَطنهَا أَيْضا وَاسْتَاقُوا الْإِبِل حَتَّى إِذا كَانُوا نَحْو النّصْف من الثَّنية الْمَذْكُورَة ركب الْقَوْم عَلَيْهِم الجبلين يرمونهم بالحراب وَالْحِجَارَة فَانْهَزَمَ الْأَمِير أرنبغا فِي عدَّة من المماليك وَقد قتل مِنْهُم ثَمَانِيَة وَمن أهل مَكَّة وَغَيرهم نَحْو الْأَرْبَعين وَزِيَادَة وجرح كثير مِمَّن بَقِي وغنم الْقَوْم مِنْهُم اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فرسا وَعشْرين درعاً وَمن السيوف والرماح والأسلحة والأسلاب مَا قيل إِن مبلغه ثمنا خَمْسَة آلَاف دِينَار وَأكْثر فَلَمَّا طلعت شمس يَوْم الْجُمُعَة دخل أرنبغا بِمن بَقِي مَعَه من المماليك مَكَّة وهم يَقُولُونَ قتل جَمِيع من خرج من الْعَسْكَر فَقَامَتْ عِنْد ذَلِك بِمَكَّة صرخة من جَمِيع نَوَاحِيهَا لم نر مثلهَا شناعة وَأَقْبل المنهزمون نَاسا بعد نَاس فِي عدَّة أَيَّام وَحمل الشريف ميلب يَوْم السبت ميتَاً وَمَات بعده بأيام شرِيف آخر من جِرَاحَة شوهت وَجهه كُله من أَعلَى جَبهته إِلَى أَسْفَل ذقنه فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات على ولَايَة مَكَّة إِلَى سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَنزل فِيهَا بأَخيه عَليّ بن حسن كَمَا سَيَأْتِي وَقيل فِي الَّتِي بعْدهَا بِموضع يُقَال لَهُ الحشافة بِالْقربِ من جدة وَأَجَازَ لَهُ فِي سنة خمس جمَاعَة من الْعلمَاء الحافظان الْعِرَاقِيّ

ص: 280

والهيثمي والبرهان ابْن صديق والمراغي وَعَائِشَة بنت عبد الْهَادِي وَالشَّمْس الفرسيسي فِي آخَرين وَحدث عَنهُ البقاعي وَغَيره كَذَا فِي نظم العقيان فِي أَعْيَان الْأَعْيَان للسيوطي وَنَشَأ شرِيف الهمة حسن الْأَفْعَال جميل الْأَخْلَاق أشركه وَالِده كَمَا قُلْنَاهُ فِي إمرة مَكَّة مرَارًا وَكَانَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ فِي جَمِيع أحوالها وَلما توفّي وَالِده ارتحل إِلَى الْقَاهِرَة بِطَلَب من السُّلْطَان برسباي وَالْتزم بِمَا على وَالِده من المَال وَاسْتقر فِي إمرة مَكَّة بمفرده وَلما وصل إِلَى مَكَّة حسنت سيرته فِي النَّاس وَعم النَّاس خَيره وَلما مَاتَ السُّلْطَان برسباي واستقل الْملك الظَّاهِر جقمق فِي مملكة مصر طلبه إِلَى الْقَاهِرَة فَامْتنعَ من التَّوَجُّه إِلَيْهِ خوفًا مِنْهُ بِسَبَب وَاقعَة وَقعت لَهُ مَعَ الظَّاهِر الْمَذْكُور لما حج وَهُوَ أَمِير فِي عَام سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فَعِنْدَ ذَلِك رام السُّلْطَان أَن يولي أَخَاهُ عليا وَكَانَ عَليّ عِنْده بِالْقَاهِرَةِ لِأَنَّهُ وَقع بَينه وَبَين أَخِيه بَرَكَات منافرة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين فعزم إِلَى مصر فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن ولي سنة خمس وَأَرْبَعين كَمَا سَيذكرُ فَلم يُوَافق على ذَلِك من أَرْكَان الدولة من يعْتَمد عَلَيْهِ فتوقف ثمَّ فعله فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة فولى أَخَاهُ عَليّ بن حسن بن عجلَان إمرة مَكَّة المشرفة مُنْفَردا وجهز مَعَه عسكراً فوصل الْعلم إِلَى الشريف بَرَكَات وَهُوَ بوادي الْآبَار توجه من فوره إِلَى جدة وأخلى مَكَّة المشرفة من نوابه ثمَّ وصل وَزِير الشريف عَليّ بن حسن قبله إِلَى مَكَّة وَهُوَ الْقَائِد مزروع الْعجْلَاني ودعا لأمير مَكَّة من غير تعْيين على منبرها فِي رَجَب من الْعَام الْمَذْكُور ثمَّ وصل الشريف عَليّ فَدخل مَكَّة وَلما نزل الشريف بَرَكَات إِلَى جدة استولى عَلَيْهَا فراسله الشريف عَليّ وَأَخُوهُ الشريف إِبْرَاهِيم وَمن مَعَهُمَا من الْأُمَرَاء وسألوه أَن يخرج من الْبِلَاد فَامْتنعَ أَلا من الْمُحَاربَة فَوَقَعت بَينهمَا الْحَرْب بالجديد بِالْقربِ من جدة فَكَانَت الْغَلَبَة لعَلي وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء والأتراك واستولوا على جدة وَتوجه الشريف بَرَكَات إِلَى جِهَة الْيمن هُوَ وَمن مَعَه وَاسْتمرّ عَليّ فِي إمرة مَكَّة مُدَّة قَليلَة إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ مَعَ أَخِيه إِبْرَاهِيم يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع شَوَّال سنة سِتّ

ص: 281

وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وكبلا فِي الْحَدِيد وَظهر عَزله بأَخيه الشريف أبي الْقَاسِم فوليها الشريف أَبُو الْقَاسِم بن حسن بن عجلَان وَكَانَ بِالْقَاهِرَةِ فَطلب الْأُمَرَاء المقيمون بِمَكَّة وَلَده السَّيِّد زَاهِر بن أبي الْقَاسِم بن حسن بن عجلَان وألبسوه خلعة ليَكُون نَائِبا عَن أَبِيه فَقَامَ بِحِفْظ الْبِلَاد وَلَده السَّيِّد زَاهِر وَذهب بالأخوين عَليّ وَإِبْرَاهِيم إِلَى جدة وأركبا فِي جلبة إِلَى الْقَاهِرَة وتفصيل هَذِه الْوَاقِعَة هُوَ مَا ذكره الجزيري فِي تَارِيخه فَقَالَ لما كَانَت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وصل حكم من السُّلْطَان الظَّاهِر جقمق صَاحب مصر مَعَ الْأَمِير تمراز بِالْقَبْضِ على الشريفين عَليّ بن حسن بن عجلَان وأخيه إِبْرَاهِيم وتجهيزهما إِلَى مصر فَحَضَرَ الْأَمِير تمراز إِلَى مَكَّة فِي مستهل شَوَّال فَأرْسل الْأَمِير بيورلدي إِلَى الشريف عَليّ ابْن الشريف حسن أَن يحضر هُوَ وَأَخُوهُ السَّيِّد إِبْرَاهِيم للبس خلعتيهما فتخيلا من ذَلِك وَكَانَا بوادي الْآبَار ثمَّ اقْتضى رأيهما أَن يُقيم السَّيِّد إِبْرَاهِيم بوادى الْآبَار وَيتَوَجَّهُ إِلَيْهِم الشريف عَليّ فوصل إِلَى مَكَّة فِي عشَاء ثَالِث شَوَّال وأتاهم فِي صباحها فَسَأَلُوهُ عَن أَخِيه السَّيِّد إِبْرَاهِيم فَذكر لَهُم عَنهُ عذرا أَقَامَهُ فألبس الْأَمِير تمراز الشريف عَليّ خلعة حَمْرَاء وحياصة وَقُرِئَ مرسوم السُّلْطَان مضمونه إِنَّه بلغنَا أَن الشريف عَليّ متشوش الخاطر فليطب نفسا وليقر عينا فَإنَّا لَا نغير عَلَيْهِ شَيْئا أبدا مَا دَامَ على العهو والمواثيق وَقد بعثنَا لَهُ بخلعة ولأخيه إِبْرَاهِيم كاملية فَرو قاتم فقرت بذلك عين الشريف فلبسها وَطَاف بِالْبَيْتِ فَحسن الأتراك للشريف عَليّ أَن يُرْسل إِلَى أَخِيه إِبْرَاهِيم فيصل للبس خلعته السُّلْطَانِيَّة فاعتمد الشريف عَليّ قَوْلهم وَأرْسل إِلَى أَخِيه ثمَّ اجْتمعَا بهم فِي الْمَسْجِد فألبس الشريف إِبْرَاهِيم خلعته وَكَانَ بعض الْأُمَرَاء الأتراك اعتذر عَن حُضُوره ذَلِك الْيَوْم بِأَنَّهُ شرب مسهلاً فَحسن الْبَاقُونَ من الأتراك للشريفين أَن يعزما إِلَيْهِ من الْمَسْجِد لزيارته وَكَانَ نازلاً بمدرسة الباسطية ففعلا فَبعد أَن وصلا إِلَيْهِ مَعَ جمَاعَة الأتراك أخرج أحد الْأُمَرَاء مَكْتُوبًا من السُّلْطَان وَدفعه لذَلِك الْأَمِير الْمَزْبُور فَأعْطَاهُ لكَاتبه فعّربه ثمَّ قَرَأَهُ فَكَانَ مضمونه الْأَمر بِالْقَبْضِ على الشريف عَليّ وأخيه إِبْرَاهِيم فَقبض عَلَيْهِمَا وتفرق من كَانَ مَعَهُمَا وحصلت الغوغاء فى الْبَلَد ثمَّ استعادوا مِنْهَا مَا ألبسوهما من الْخلْع ثمَّ إِنَّهُم سفروهما إِلَى جدة وأركبوهما الْبَحْر إِلَى مصر

ص: 282

انْتهى مَا قَالَه الجزيري قَالَ السخاوي فِي الذيل كَانَ الشريف عَليّ بن حسن الْمَذْكُور حسن المحاضرة كريمَاً ذَا ذوق وَفهم ونظم حَتَّى قيل إِنَّه أحذق بني حسن وأذوقهم وأفضلهم وَمن نظمه // (من الوافر) //

(وَإِن نَالَ العُلَا قَوْمٌ بقومٍ

رَقِيتُ عُلوَّهَا فَردا وَحِيدًا)

أَقَامَ بِمصْر بعد أَن أَخذ هُوَ وَأَخُوهُ فاستمر إِلَى أَن مَاتَ بدمياط مطعوناً مسجوناً سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة عَن خمسٍ وَأَرْبَعين سنة ثمَّ وصل أَبُو الْقَاسِم إِلَى مَكَّة بوم السبت سَابِع عشر ذِي الْقعدَة من سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة لابساً خلعة الْولَايَة وَقُرِئَ توقيعه بِالْحَطِيمِ وَنُودِيَ لَهُ كَمَا تقدم وَاسْتمرّ الشريف أَبُو الْقَاسِم فِي ولَايَة مَكَّة إِلَى سنة ستع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة فهجم عَلَيْهِ الشريف بَرَكَات ففر الشريف أَبُو الْقَاسِم مِنْهَا وَأقَام الشريف بَرَكَات بهَا فأشيع بِمَكَّة أَوَاخِر السّنة الْمَذْكُورَة أَن السُّلْطَان أوصى أُمَرَاء الْحَاج بِالْقَبْضِ على الشريف بَرَكَات لاستيلائه على مَكَّة من أَخِيه أبي الْقَاسِم بعد النداء لَهُ وَقِرَاءَة توقيعه عِنْد الْحطيم وَكَانَ قد وصل مَعَ الْحَاج نَحْو عشْرين أَمِيرا لذَلِك فَجمع الشريف بَرَكَات الْخَيل وَالرجل وَأكْثر من الْجمع على الْعَادة وَتقدم وواجه أَمِير الْحَاج واختلع وَلَكِن لم يدْخل لأحد مِنْهُم بَيْتا كَمَا كَانَ يَقع فَلَمَّا كَانَ يَوْم عَرَفَة لما عزم الْأُمَرَاء إِلَى الصَّلَاة بِمَسْجِد نمرة وَقعت جفلة حَال بروزهم وثار غُبَار شَدِيد فَظن النَّاس أَنهم أَغَارُوا على جِهَة الشريف بَرَكَات فاختلط الْحَاج وألبست الْأَشْرَاف والقواد وَكَانَت سَاعَة مهيلة وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَسلم الله الْمُسلمين غير أَن الشريف بَرَكَات لم يقف فِي الْمحل الْمُعْتَاد فِيهِ الْوُقُوف لَهُ بل وقف وَحده وَمن مَعَه مُنْفَردا عَن الْحَاج نَاحيَة ثمَّ نزح بعد النُّزُول إِلَى منى عَن مَكَّة وَعَاد الشريف أَبُو الْقَاسِم إِلَى ولَايَته عَلَيْهَا وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات نازحاً عَن مَكَّة إِلَى سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة فَلَمَّا كَانَ سَابِع عشر ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَخمسين وصل قَاصد من مصر وَذكر أَن السُّلْطَان قد رَضِي على الشريف وَأعَاد إِلَيْهِ إمرة مَكَّة المشرفة وَسبب

ص: 283

ذَلِك أَن وَلَده الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات توجه إِلَى مصر بِسَبَب السَّعْي لوَلَده الشريف بَرَكَات فِي إمرة مَكَّة وَدخل الْقَاهِرَة وَحصل لَهُ من الْملك الظَّاهِر جقمق غَايَة الْإِكْرَام وأنعم على وَالِده الشريف بإمرة مَكَّة المكرمة فَهَذا هُوَ السَّبَب فِي رضَا السُّلْطَان عَن أَبِيه ووصول القاصد بِخَبَر تَوليته مَكَّة المشرفة فَلَمَّا وصل القاصد إِلَى مَكَّة بِهَذَا الْخَبَر أَمر الشريف أَبُو الْقَاسِم أَتْبَاعه بِالْخرُوجِ من مَكَّة إِلَى وَادي البيار وَخرج وأخلى مَكَّة وَذهب إِلَى مصر فَمَاتَ فِي السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَخُوهُ عَليّ وَفِي شهرها بالطاعون الْمَذْكُور أَيْضا وَكَانَ مَوته بِالْقَاهِرَةِ وَصلى عَلَيْهِ السُّلْطَان وَدفن على وَالِده الشريف حسن بن عجلَان بحوش الْأَشْرَف برسباي كَذَا فِي الذيل للسخاوي وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات فِي مَكَّة السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ استدعاه السُّلْطَان سنة إِحْدَى وَخمسين ليقدم عَلَيْهِ إِلَى الْقَاهِرَة فَمَا خَالف وَلم يمْتَنع كَمَا امْتنع أَولا وَقدم عَلَيْهِ إِلَى الْقَاهِرَة مستهل رَمَضَان فِي السّنة الْمَذْكُورَة فَنزل السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه إِلَى الرميلة وَبَالغ فِي إكرامه واحترامه وَخرج من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى مَكَّة عَاشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة مكرماً مرعياً معاملاً بِكُل جميل وَحصل لَهُ من الْإِكْرَام مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ مِمَّا لم يَقع لأحد من أَهله قبله وَأخذ الْعلمَاء عَنهُ بِالْقَاهِرَةِ وازدحموا للْقِرَاءَة عَلَيْهِ لعلو سَنَده وسمعوا من نظمه ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة المشرفة وَكَانَ يَوْم وُصُوله يَوْمًا مشهوداً عَظِيما وَذَلِكَ أَنه لما كَانَت لَيْلَة السبت أواسط شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة دخل الشريف بَرَكَات إِلَى مَكَّة محرما بِالْعُمْرَةِ فَطَافَ وسعى وَخرج إِلَى الزَّاهِر وَبَات بِهِ ثمَّ دخل مَكَّة فِي صبح الْيَوْم الْمَذْكُور لابساً التشريف وَقُرِئَ توقيعه بِالْحَطِيمِ وَطَاف وَنُودِيَ لَهُ بِالدُّعَاءِ على قبَّة زَمْزَم كعادة أسلافه الْكِرَام مُلُوك مَكَّة وَمِمَّا وَقع فِي زَمَانه أَن أَمِير الْيمن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الغساني الْمُتَقَدّم ذكره آنِفا كتب إِلَيْهِ أَن يفرغ لَهُ دور مَكَّة وَأَن يلقاه إِلَى حلى صُحْبَة قصيدة هِيَ قَوْله // (من الرمل) //

(مَنْ لصَبِّ هاجه نَشْرُ الصَّبَا

لم يزدْهُ البَين أَلا طَرَبَا)

(وأسيرٍ كلَّما لاحَ لَهُ

بارقُ الْقبْلَة مِنْ صَبيا صَبَا)

(ولِطَرْفٍ أرق إنسانُهُ

دون مَنْ يَشْتَاقُهُ قد حُجِبَا)

(لم يزلْ يشتَاقُ نحلان وَإِن

قَدُمَ العهدُ ويَهْوَى الطُّنبا)

ص: 284

(مَا جرَى ذكْرُ المغإني فِي رَبًّا

صبواتِ الشطِّ أَلا انْتَحَبَا)

(حَبَّذا صلْبُ القعيسا وطَنِي

ولويلاتٍ بهَا مَا أَعْذَبَا)

(وَربا البيرَيْنِ مِنْ قبليِّه

وشراب بهما مَا أعْذَبَا)

(يَا أخلَاّيَ بصبْيا واللِّوَى

وأحبَّائى بتَيَّاكَ الرُّبَا)

(هَل لنا نَحْوَكُمُ من عودةٍ

لِنَرَى سدْرَكُمُ والكثبا)

(فلَكَمْ خادَعْتُ قَلْبِى جاهداً

يتسلَّى عَن هَوَاكُمْ فأَبَى)

(فاذكروا صَبًّا بِكُمْ ذَا لوعةٍ

بَان عنْكُمْ كَارِهًا مغتصبا)

(وَإِذا عَنَّ لَهُ ذِكْرَاكمُ

صاحَ واغتصَّ الحسا وانتحبا)

(وَإِذا مَا سَجَعَتْ قمريَّةٌ

صَاح من فَرْطِ الأسى واحَرَبَا)

(هَائِم القَلْبِ كئيباً دنفاً

لم يَرَ السلوانَ عَنْكُمْ مَذْهَبَا)

(أَتَرَى الحيَّ الَّذِي كَنَّا وهُمْ

جيرة بالشَّامِ أيامَ الصِّبَا)

(ليتَ شعْرِى بَعدنَا هَل طَنَّبُوا

بِرُبا نَحْلان بَعْدى طنبا)

(أَو تناءَتْ بهمُ عِيسُهُمُ

أَو سَبتهمْ بَعدنَا أَيدي سَبَا)

(عجبا للدَّهْرِ مَاذَا سنَّهُ

ولأحداثِ اللَّياليِ عَجَبَا)

(مَا طلبتُ الدَّهْرَ أَلا صعباً

وطلبتُ السِّلْمَ إلَاّ حَرَبا)

(ولئنْ حلَّ بقلبي نُوَبٌ

مُصْمِيَاتٌ تستهلُّ النوبا)

(وبلانِى مِنْ زماني محنٌ

بَلَغَ الضدُّ بهَا مَا طلبا)

(فلعَمْرِى مَا بلت أَلا صفا

وانتضَتْ أَلا حساماً خَشَبَا)

(غير لَا أنكر مَعْرُوفًا وَلَا

عَابِس الْوَجْه إِذا الدَّهْرُ كَبَا)

(لَا وَلَا منكرث لَو أَنه

وَهَبَ الحوباءَ فِيمَا وَهَبَا)

(وَأجل الناسِ صبرا لَو على

غارب المكروهِ يَوْمًا ركبَا)

(إخوتِى بالشامِ بَلْ يَا سادتِي

وأعز النَّاس أمَّا وَأَبا)

(ومَسَاعِير الوغَى من حسنٍ

وَبَنُو الحربِ إِذا ضَاقَ القبا)

(ألشناخيبُ الذُّرَى من معشرٍ

ألصَّنَادِيدُ الكرامُ النجبا)

(إِن قضيتُمْ من هوانا أَرَيًا

مَا قضينَا من هواكُمْ أَرَبَا)

(أَو تناءَتْ دَارنَا عنْكُمْ وَلم

يأتنا منْكُمْ على البُعْدِ نبا)

ص: 285

(لَا تناسَوْنا وإنْ طَال المدى

كَمْ تناءٍ بعد بُعْدِ قربا)

(فإِذا ريحٌ جنوبٌ جَنَّبَتْ

فاسألوها كيْفَ حَال الغُرَبَا)

(فلديها من تَنَاهى لَوْعَتي

وغرامِى مَا يحطُّ الشُّهُبَا)

(حَبَّذا لَو أننِى مِنْ دونِكُمْ

خائضاً سُمْرَ العوالي والظُّبَا)

(وجياد الخيلِ ينثرْنَ على

مَتَنَاتِ الدَّارعِينَ العذبا)

(ألحق الأقران شُعْثًا شُزَّبًا

تتعاطَى بالعواليِ شزبا)

(أَيهَا الرَّائِحُ بالشَّامِ على

قلقِ السَّير كَهَبَّاتِ الصَّبَا)

(أَو كَسَهْمٍ طارَ عَن مَحنيهِ

ذَات زورَيْنِ إِذا مَا ركبا)

(قُلْ لمنْ كَانَ لمأذونِ القضا

ولأحداثِ اللَّيَالِي سَبَبَا)

(وَالَّذِي أوقد نيران الغَضَا

زِدْ على نارك يَاذَا حَطَبَا)

(واستلِبْ مَا شئْتَ عمدا فعسَى

عَن قريبٍ أَن تحطَّ السَّلبَا)

(إِن يكنْ سَرَّكَ مَا سا فعَسَى

كَيْ ترَى من بعدِ هَذَا عَجَبَا)

(إِن ظننْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا وَاحِدًا

فلقدْ حَاولْتَ أمرا كذبا)

(رُبَّ صدعٍ كَانَ أعيا شعبه

أدركَتْهُ رَحْمَةٌ فانشعبا)

(وسرورٍ بعد يأسٍ قد أتَى

وزمانٍ بعد بُؤْسٍ أعشَبَا)

(ولكَمْ فتح منَ اللهِ أتَى

حيثُ لَا يُدْرِكُ ساعٍ هربَا)

(فجلا همَّا وأطفا حرقاً

وشَفَى غِلاًّ وجَلَّى كربا)

(وأعادَتْ رَحْمَة البارِى على

مُؤْيسٍ من حالِهِ مَا ذهَبَا)

(إِن خبوني عَنْك فِي مُسْتَوْدَعٍ

فشهابُ العزْمِ منِّى مَا خَبَا)

(أَو سلا جَفْنك لذَّاتُ الكرَى

فَجُفُونِى والكَرَى مَا اصْطَحَبَا)

(رُبَّ ليلٍ بتُّهُ مرتقيًا

لطلابِ الثَّأْر أَرْعَى الشهبا)

(أرقبُ النَّصْرَ سَريعًا طالعاً

وأراعي الغَفْرَ مهما غربا)

(لنهارِ تنقطُ السُّمْر بِهِ

فِي الوغَى مَا شكلَتْ بيض الظبا)

(وجياد الخيلِ فى معركةٍ

مجلبات يرتكْيْنَ الغيهبا)

(فينالُ المُرتَجِى مِنْ ربِّهِ

فِي أَعَادِيه الَّذِي قد طَلَبَا)

(وصلاةُ الله تغشَى دَائِما

أحْمَدَ المُخْتَارَ مَا هَبَّ الصَّبَا)

ص: 286

فَلَمَّا وصل الْمَكْتُوب وَالْقَصِيدَة إِلَى الشريف بَرَكَات بن حسن الْمَذْكُور تصدى لجواب أَحْمد أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور السَّيِّد الأمجد فصيح الفصحاء غفيف الدّين السَّيِّد عبد الله بن قَاسم الذروي فَكتب إِلَيْهِ هَذِه القصيدة على لِسَان الشريف بَرَكَات ابْن حسن بن عجلَان رحم الله الْجَمِيع فَقَالَ // (من الرمل) //

(بالقَنَا الخطِّىِّ والبيضِ الظبَا

وبِخيلٍ تتبارَى سربا)

(سابحاتٍ مقرباتِ ضُمَّرٍ

أعوجيَّاتٍ عِتَاقٍ شُزَّبا)

(بُرِّيَتْ آذانُهَا من جودةٍ

مثلَ أقلامٍ بهَا كَمْ كُتِبَا)

(داحسياتٍ إِذا مَا طردَتْ

فائتا مَا بَان عَنْهَا هَرَبَا)

(وَإِذا مَا انحدَرَتْ عَن طاردٍ

سَبَقَتْ لم يَبْغِ مِنْهَا أربا)

(عُوِّدَتْ بِالْحَرْبِ حَتَّى إِنَّهَا

لم تَزَلْ تَهْوَى الثلاقِى طَرَبَا)

(بدروعٍ سابغاتِ زُعفٍ

شاهدَتْ أيامَ عادِ وسَبَا)

(صافيات ذَات نسجٍ محكمٍ

وقتيرِ مثل أعيانِ الدبا)

(وببيضِ روسةٍ لامعةٍ

نصَّهُ صانعه فانْتَصَبَا)

(وبأبطال إِذا مَا استَعَرَتْ

نارُ حربٍ ولظاها التهبا)

(وردوها برماحِ ذُبَّلِ

وبأسيافٍ تحزُّ العصبا)

(نحمى البَيْت وتَحمِى جدة

وَربا حلى وأكناف قبا)

(بسيوفٍ جردَتْ من غمدٍ

كبروقٍ يخترقْنَ الحُجُبَا)

(قُلْ لمن رامَ يناوينا ومَنْ

رام يأْتِى بيتنا مُغْتَصِبا)

(لَا تحجَّ البيْتَ أَلا خاضعاً

دافعاً عُشْرًا لنا ثُمَّ حُبَا)

(وَإِذا مَا حَجَّهُ ذُو عزةٍ

ترك الأمْرَ وجا مصطحبا)

(وَإِذا مَا كَانَ رَأْسا لم يعُدْ

عندنَا يَا صَاحِ أَلا ذَنَبَا)

(سورةُ الفيلِ لنا كافيةٌ

أُتركِ الجَهْلَ وخَلِّ الكذبا)

(لَيْسَ بيتُ اللهِ وادِى زمعٍ

لَا وَلَا دمت لمَنْ قد طلبا)

(إنَّ بيَتَ اللهِ بيْتٌ خصَّهُ

مِنْهُ بالنصْرِ فَلَنْ ينغلبا)

(دونه خَيْلٌ عتاقٌ شزَّبٌ

عسفَتْ بالدراعِينَ النجبا)

(ومليك من بني حيدرةٍ

طابَ أجداداً وأمَّا وَأَبا)

ص: 287

(بركاتُ المنتقَى من حَسَنٍ

فارسُ الهيجا إِذا مَا انتدبا)

(ألْمُكَنَّى بالنبيِّ الهاشمِي

جده الكاشفُ عَنَّا الكُرَبَا)

(أطولُ الناسِ فخاراً سامياً

وأجلُّ النَّاس طراً حسبا)

(كَمْ جَنَى من عربٍ ذِي عزةٍ

ولمالِ الضدِّ كم قد نَهَبَا)

(ولكَمْ مِنْ ملكٍ عاندَهُ

فغدا عَن مُلْكِهِ منقلبا)

(لَو رَآهُ الموتُ فِي يَوْمِ الوغَى

تَرَكَ الأمْرَ وحطَّ السَّلبَا)

(وَلَو أنَّ الليْثَ وافَى سطوَهُ

نكس الرأسَ وهَزَّ الذَّنبا)

(لَا وَلَا يقرى لَحوحاً ضَيفه

لَا وَلَا يقطَعُ حَقَّ الأدبا)

(وَإِذا مَا البَغْلُ مِنْ قُلِّ حَيًا

رامَ سَبْقَ الخيلِ جَهْلاً تَعِبَا)

فَلَمَّا بلغه هَذَا الْجَواب تخلف عَن الْحَج وَأمر من يترصد الذروى فِي بِلَاده صَبيا فترصدوا لَهُ حَتَّى إِذا نزل السَّاحِل جازان تحيلوا عَلَيْهِ حَتَّى ركب مَعَهم فَسَارُوا بِهِ إِلَى أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور فحسبه وضيق عَلَيْهِ فَأمر الشريف بَرَكَات بفدائه بِمِائَة ألف نَاقَة فَقَالَ أَحْمد الْمَذْكُور وَالله مَا أخرجه من الْحَبْس حَتَّى ينشعب هَذَا الصدع فَأَنْشَأَ قصيدة فِي الْحَبْس فَأرْسل الله تِلْكَ اللَّيْلَة مَطَرا فَأصْبح الْحجر قد انشعب بقدرة الله تَعَالَى فَأَطْلقهُ وَأحسن إِلَيْهِ وأوصله مأمنه انْتهى وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات إِلَى أَن توهن بالمرضِ سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة فَسَأَلَ مشدجدة خاني بك الظَّاهِرِيّ أَن يُرْسل إِلَى الْملك يلْتَمس مِنْهُ للشريف بَرَكَات أَن يولي إمرة مَكَّة لوَلَده السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن لِأَنَّهُ ضعيفُ الْجِسْم ضَعِيف الْحَرَكَة فَأرْسل خاني بك يسْأَل فِي ذَلِك إِلَى الْملك فقدرت وَفَاة الشريف بَرَكَات قبل وُرُود الْخَبَر وَجَاء الْجَواب بعد مَوته بِيَوْم بِولَايَة وَلَده مُحَمَّد بن بَرَكَات وَكَانَت وَفَاة الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان عصر يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر شعْبَان سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة بِأَرْض خَالِد من وَادي مر وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال وَدخل بِهِ مَكَّة أثْنَاء لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَغسل وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام بعد صَلَاة الصُّبْح وَدفن بالمعلاة وَبني عَلَيْهِ قبَّة مَوْجُودَة إِلَى الْآن ورثاه الشهَاب المنصوري بقوله // (من الْكَامِل) //

(قَالُوا قضَى بركاتُ قلْتُ يحقُّ لي

أَن أُتْبِع العبراتِ بالزفراتِ)

(يَا ترحَةَ الأحياءِ عِنْد فراقِهِ

وبقربِهِ يَا فرحَةَ الأمواتِ)

ص: 288

(والكعبةُ الغَرَّاءُ قالَتْ قد غَدا

لُبْسُ السوادِ عَلَيْهِ مِنْ عاداتي)

(فانظُرْ إِلَى آثارِهِ فِي مكَّةٍ

فَرِحَابُهَا لم تَخْلُ من بَرَكَاتِ)

وَكَانَ رحمه الله مهيباً وقوراً شجاعاً مقداماً غضنفراً كثير الْخيرَات جزيل المبرات مَيْمُون الحركات بنى بِمَكَّة رِبَاطًا للْفُقَرَاء وَهُوَ مَوْجُود وهم بِهِ قاطنون لَهُ النثر الْفَائِق وَالنّظم الرَّائِق فَمن شعره قَوْله // (من الْبَسِيط) //

(يَا من بذكرهِمُ قد زادَ وَسْواسى

وَقد شُغِلْتُ بهمْ عَنْ سائِرِ النَّاسِ)

(ومَن تقرَّرَ فِي قلبِي محبتُهُمْ

وجئتُهُمْ طَائِعا أسْعَى على راسِي)

(سألتكمْ شربةً مِنْ مَا مشارِبِكُمْ

تُغْنِى عَن الراحِ إِذْ مَا لاحَ فِي الكَاسِ)

وَاسْتمرّ فِي الْولَايَة إِلَى عَام 859 تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ ملكا شهماً عَارِفًا بالأمور فِيهِ خير كثير وحلم زَائِد مَعَ حسن السياسة والشجاعة المفرطة زَائِد السكينَة وَالْوَقار وَله بِمَكَّة مآثر كَثِيرَة وَقرب نافعة مِنْهَا بِمَكَّة رِبَاط للرِّجَال وَغير ذَلِك مَاتَ بِأَرْض خَالِد من وَادي مر وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال وَغسل فِي دَاره وطيف بِهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ وَلَده الشريف مُحَمَّد قبَّة وتأسف النَّاس لفقده تغمده الله برحمته وَكَانَت مُدَّة ولَايَته تسع سِنِين من سنة إِحْدَى وَخمسين إِلَى سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد جملَة مِنْهُم الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان ولي مَكَّة بعد وَفَاة أَبِيه وَقد تقدم ذكر التمَاس أَبِيه ذَلِك فِي مرض مَوته وَفِي عصر يَوْم الثُّلَاثَاء فِي يَوْم دفن وَالِده وصل المرسوم بالإجابة إِلَى مَا سَأَلَ فِيهِ وَالِده وصحبة المرسوم خلعة الْولَايَة عوضا عَن أَبِيه فَلَمَّا ورد المرسوم بذلك كَانَ مُحَمَّد غَائِبا بِبِلَاد الْيمن لحفظ بعض أَمْوَال وَالِده فدعي لَهُ على زَمْزَم بعد صَلَاة الْمغرب من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة قرئَ المرسوم مُخَاطبا فِيهِ السَّيِّد بَرَكَات ومضمونه إِنَّه ورد إِلَيْنَا كتاب الْأَمِير خاني بك مشدجدة بالثناء على المخدوم وَقد بلغنَا ضعفة وتوعك جسده وَقلة حركته فَأَقَمْنَا مقَامه فِي إمرة مَكَّة

ص: 289

وَلَده السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات والمرسوم مؤرخ بسادس عشر رَجَب سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة فَلَمَّا كَانَ رَابِع شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وصل كتاب من السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أَيْضا إِلَى السَّيِّد الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات بالعزاء فِي وَالِده الشريف بَرَكَات وتوقيع باستقراره واستمراره فِي إمرة مَكَّة عوضا عَن وَالِده مؤرخ فِي أَوَائِل شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة ودام إِلَى سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ استناب وَلَده الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات ثمَّ توفّي هُوَ عَام ثَلَاث وَتِسْعمِائَة كَمَا سيأتى ذكره وَمُدَّة ولَايَته خمس وَأَرْبَعُونَ سنة وَمن فتوحات الشريف مُحَمَّد عَام ثَلَاث وَسبعين أَنه غزا طَائِفَة زبيد ذَوي مَالك ابْن رومي بَين خليص ورابغ وَقتل مِنْهُم سبعين رجلا وَقتل شيخهم رومي وأخاه مَالِكًا وغنم مِنْهُم أَمْوَالًا عَظِيمَة من جُمْلَتهَا ثَلَاثُونَ ألف بعير وَفِي سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة من دولته اتّفق أَن أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ منع الْحَاج الْعِرَاقِيّ من دُخُول مَكَّة وَخرج الأتراك والشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن وغالب الْعَسْكَر مُلْبسُونَ فَلَمَّا احتاطوا بالحاج الْعِرَاقِيّ أمروهم بِالدُّخُولِ إِلَى مَكَّة فَلَمَّا دخلوها أَمْسكُوا الْأَمِير والدوادار وَأخذُوا الْمحمل العراقى وزنجروهما وأركبوهما جملين ودخلوا بهما مَكَّة ثمَّ بعد الْحَج عزموا بهما إِلَى مصر وَمن بعد تِلْكَ السّنة لم يدْخل محمل من الْعرَاق إِلَى مَكَّة إِلَى الْآن وَفِي عَام إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ورد مرسوم السُّلْطَان قايتباي طَابَ ثراه بِأَن عشر الْيَمَانِيّ بَينه وَبَين الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات مُنَاصَفَة وَبِأَن لمولانا الشريف مُحَمَّد كل مَال الْمَوْتَى الَّذين لَا وَارِث لَهُم إِلَى أَن يبلغ ألف دِينَار جَدِيد فَمَا زَاد على ذَلِك كَانَ للسُّلْطَان وَبِأَن أَمْوَال الْيَتَامَى فِي حفظ أَمِير السُّلْطَان بِمَكَّة بعد أَن كَانَت فِي حفظ قَاضِي الشَّرْع الشريف وَوصل محمل من الْعرَاق فَلم يدخلُوا بِهِ إِلَى مَكَّة المشرفة وبذلوا على دُخُوله مَكَّة وطلوعه عَرَفَة مَالا جزيلاً فَلم يوافقهم على ذَلِك مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد الْمَذْكُور وفى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ بنيت الْمدرسَة الأشرفية القايتبائية بِمَكَّة المشرفة

ص: 290

وفيهَا غزا الشريف مُحَمَّد على جازان ونهبها وأحرق حصنها وأخرب سورها وَقتل عدَّة مستكثرة من رجالها وغنم شَيْئا كثيرا من أموالها وأٍ سر طَائِفَة عَظِيمَة من نسائها وأطفالها وَكَانَ معظمهم من الْأَشْرَاف وتبلغت العساكر من أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ وَنِسَائِهِمْ بأموال كَثِيرَة وباعدهم فِي سَائِر الْأَطْرَاف قَالَ الْعَلامَة جَار الله بن فَهد الْقرشِي الْمَكِّيّ وَكَانَ ذَلِك فتحا عَظِيما أوجب جلالة مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد ورجحانه على من سلف من هَذَا الْبَيْت الْمُبَارك وخافته الْقَبَائِل وامتلأت من مهابته الصُّدُور وَفِي عَام أَربع وَثَمَانِينَ كَانَ حج مَوْلَانَا السُّلْطَان قايتباي رحمه الله وَصَحبه من الديار المصرية أعيانها المشهورون من الْعلمَاء والصلحاء وَأَوْلَاد الرؤساء أهل الْحل وَالْعقد وتجهز بالأوضاع السُّلْطَانِيَّة وَصَحب من الدَّوَابّ وَالْخلْع وَالْأَمْوَال مَا لَا يحصره عد وَلَا يحويه حد وَخرج لاستقباله الشريف مُحَمَّد وَولده الشريف هزاع وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم بن ظهيرة وَولده القَاضِي أَبُو السُّعُود وقابلوه فِي بدر فِي افْتِتَاح ذِي الْحجَّة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة على أجمل حَال من كَثْرَة العساكر وجمالتهم بِالسِّلَاحِ الْمَذْهَب وَالثيَاب الْحَرِير الفاخرة وَالْخَيْل المسومة والذخائر والركاب الملبسة بأنواع الذَّهَب والحلية النظيفة وَالسُّيُوف المسقطة وَقد تقدم شرح ذَلِك بأبسط من هَذَا عِنْد ذكر تَرْجَمَة السُّلْطَان قايتباي فِي الْبَاب السَّادِس الْمَخْصُوص بولاة الشراكسة فَلَا حَاجَة بِنَا الْآن إِلَى تكريره وَاسْتمرّ الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات على الْولَايَة وحمدت سيرته فِي الْبِلَاد وَاطْمَأَنَّ بِوُجُودِهِ الْعباد وَلم يزل فِي زِيَادَة علو وارتفاع وتوافر نعم وخيرات وساع كل ذَلِك مَعَ فعل الْخَيْر وَالْإِحْسَان والمبرات الَّتِى شَمل بهَا القاضى والدان وتكرار زِيَارَة جده الْمُصْطَفى

وَالْإِحْسَان إِلَى المجاورين بالحرمين الشريفين والمحلين المعظمين المنيفين خُصُوصا من يتوسم فِيهِ الْخَيْر وَالصَّلَاح وفَاق فِي ذَلِك من تقدمه من أسلافه الْكِرَام وَوَقع فِي أَيَّامه من الْعدْل والطمأنينة مَا لم يَقع فِيمَا تقدم من الْأَيَّام وفوض إِلَيْهِ نِيَابَة السلطنة بالأقطار الحجازية والاستنابة فِي الْمَدِينَة المنورة والينبع مِمَّن يختاره وَصرح باسمه الشريف على مِنْبَر الْمَدِينَة بعد السُّلْطَان وَقبل صَاحبهَا وَنفذ أمره فِي

ص: 291

جَمِيع الأقطار الحجازية من أَعمال الينبع كنبط والحورا وَمَا فَوق ذَلِك من الشَّام إِلَى أَعمال جازان وَمَا والاها من الْيمن والبلاد الشرقية على التَّمام وَمَا حول ذَلِك من بِلَاد الْحجاز وسراتها وبجيلة وأعمالها وَانْفَرَدَ فِي ذَلِك بعلو شَأْن وتحدث بهيبته وسطوته القاصي والداني ولطالما جهز جيوشه وسراياه إِلَى من خَالف عَلَيْهِ وناوأه وظفر بهم كل الظفر واستأصل أَمْوَالهم وملكهم وقهر كقتال أهل الينبع لما لم يوافقوا على الخضوع وَأجلى الْجَمِيع من بِلَادهمْ وكفهم عَن مقاصدهم ومفاسدهم وكأهل جازان لما وَقع مِنْهُم مَا وَقع من الْعِصْيَان فَقَتلهُمْ واستبى وَملك بِلَادهمْ واجتبى وكقتل أهل زبيد وإهانتهم ثمَّ إكرامهم لما دخلُوا فى الطَّاعَة وإعانتهم وكقتل أهل حلى وَالْعَبِيد وتشريدهم كل التشريد وإخراجهم من الْبِلَاد وَالْقَبْض على أَمِيرهمْ الحرامي وَجعله مَعَ أهل الجرائم والعناد إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصِيه قلم كَاتب وَلَا ديوَان حاسب وَلَقَد كَانَ وَالله حَسَنَة من حَسَنَات الزَّمَان ومنة من الله تَعَالَى على القاصي والدان تواضعاً وأدباً وفهماً وعقلاً ومداراة واغتفاراً مَعَ حسن الشكالة ووضاءة الصُّورَة والمواظبة على الطّواف وَالْجَمَاعَة عِنْد وُصُوله إِلَى الْمحل الشريف ومزيد الْوَقار والسكون وَالْعدْل وكف جماعته عَن أَذَى الرّعية ومسايسته للتجار وَعدم الطمع والتطلع لما فِي أَيْديهم ومجاملتهم والذب عَنْهُم وَفعل الْخَيْر الَّذِي يحصل بِهِ الثَّوَاب الْعَظِيم كرباط بِمَكَّة المشرفة مَعَ مَا وَفقه عَلَيْهِ والسبل العديدة بطرِيق الْوَادي وَجدّة وآبار كَثِيرَة يحصل بهَا النَّفْع للمسافرين كَالَّذي بطرِيق الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وبجهة الْيمن وَغير ذَلِك من الْحَسَنَات وَلم تزل دولته قَائِمَة قويمة وأموره منتظمة وأحواله مُسْتَقِيمَة وَهُوَ مبجل مُعظم عِنْد الْمُلُوك لَا يخالفونه فِيمَا يخْتَار فِي جَمِيع الأقطار الحجازية ويراعون خاطره فى جيمع الْأَحْوَال المنسوبة إِلَيْهِ إِلَى أَن اخْتَارَهُ الله تَعَالَى لدار الْبَقَاء وَنَقله إِلَى دَار كرامته فانتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى فِي شهر محرم الْحَرَام سنة ثَلَاث وَتِسْعمِائَة بوادي الْآبَار وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال إِلَى مَكَّة المشرفة وَغسل فِي بَيته وَدخل بِهِ الْمَسْجِد وطيف بِهِ أسبوعاً وَصلي عَلَيْهِ عِنْد بَاب

ص: 292

الكعبهّ بعد أَن نَادَى لَهُ الريس على زَمْزَم بِصِيغَة الصَّلَاة على الْملك الْعَادِل أبي الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين إِلَى غير ذَلِك من التراجم وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ وَلَده قبَّة عَظِيمَة مَوْجُودَة إِلَى الْآن وَمن جملَة خيراته سَبِيل بالنوارية وسبيل آخر أوقف على ذَلِك أوقافاً كَثِيرَة وَهِي بوادي مر شهيرة ضاعف الله ثَوَابه وَأحسن فِي العقبى مآبه وَخلف من الْأَوْلَاد سِتَّة عشر ذكرا غير الْإِنَاث مِنْهُم خميصة وجازان وهزاع وبركات وقايتباي وَعلي وراجح ثمَّ وَليهَا الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان كَانَت وِلَادَته سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة فِي ربيع الأول بِمَكَّة أمه عمْرَة بنت مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن ثقبة بن رميثة دخل الْقَاهِرَة سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَذَلِكَ بِسَبَب أَنه ورد إِلَى مَكَّة المشرفة فِي السّنة الْمَذْكُورَة مرسوم من سُلْطَان مصر بِطَلَب سُلْطَان مَكَّة المشرفة الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات عوضا عَنهُ فَأرْسل الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات وَلَده الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات عوضا عَنهُ وَمَعَهُ قَاضِي الْقُضَاة إِبْرَاهِيم بن ظهيرة وَولده القَاضِي أَبُو السُّعُود بن ظهيرة وَجَمَاعَة من أَقَاربه فَأكْرم السُّلْطَان وَمن دونه موردهما وأشركه مَعَ أَبِيه مُحَمَّد ابْن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وَرجع متزايد الْعِزّ وَوَقع فِي أَيَّام الثمان من سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بَين ترك أَمِير الْحَاج الأول وأمير الْمحمل قتال عِنْد بَاب بازان بالمسعى وشج فيهم جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ والتحم الْقِتَال بِضَرْب السَّيْف والدبوس وَرمي النشاب ثمَّ سكنه الله بمجئ أَمِير الأول ثمَّ أحضروا الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَكتب بذلك محْضر وَفِي سنة تِسْعمائَة اتّفق أَن الْحَاج الْمصْرِيّ خرج عَلَيْهِ الْعَرَب فَأخذُوا غالبه وَكَذَلِكَ الغزاوي خَرجُوا عَلَيْهِ وَلَكِن لم يظفرهم الله بِهِ وَكَذَلِكَ الْحَاج الشَّامي خَرجُوا عَلَيْهِ وأخذوه أجمع وأسروا بعض التُّجَّار وكل ذَلِك فعل بني لَام المفسدين وَلم يسمع بِمثل هَذَا الِاتِّفَاق فِي سنة وَاحِدَة وَلم يزل الشريف بَرَكَات

ص: 293

يتزايد حَتَّى اسْتَقل بِالْملكِ بعد وَفَاة وَالِده الشريف مُحَمَّد سنة 903 ثَلَاث وَتِسْعمِائَة وَكَانَ السُّلْطَان يَوْمئِذٍ مُحَمَّد بن قايتباي وتزايد فِي الترقي فِي الْعُلُوم والفضائل حَتَّى صَار مرجعاً فِي حل الْأُمُور المشكلات وَدفع الْعَدو كم سَافر للأعداء فَرجع مَسْرُورا وبالظفر محبوراً وَقد تَرْجمهُ الْعَلامَة الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن فَهد الْهَاشِمِي فِي مؤلف لَهُ سَمَّاهُ غَايَة المرام بأخبار سُلْطَان الْبَلَد الْحَرَام وسَاق نسبه فِي ديباجته وختمه بِاسْتِيفَاء أخباره وَمَا مدح بِهِ وَمُلَخَّصه أَنه سمع الحَدِيث بِالْقَاهِرَةِ فِي رحلته الأولى فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة على الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد الشناوي ثلاثيات البُخَارِيّ وَحضر مجْلِس بدئه وختمه وَأَجَازَهُ من عدَّة من الْبلدَانِ جملَة من الْمَشَايِخ مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن خَلِيل التابوتي وَأَسْمَاء بنت المهراني وَأم هَانِئ الهوريني ونشوان الحنبلية وَهَاجَر المقدسية وَالْعلم صَالح البُلْقِينِيّ والسعد بن الرزي والشهاب الْحِجَازِي والبرهان البقاعي وقاسم بن الكريك وَابْن قطلوبغا الْأَمِير الأقصرائي وَأَبُو بكر بن صَدَقَة الْمَنَاوِيّ والمعز الْكِنَانِي والتقى الشمني والجلال بن الملقن وَأُخْته صَالِحَة والبهاء الْمصْرِيّ والجلال القمصي والتقى ابْن فَهد ووالده أَبُو بكر وَعمر وَأَخُوهُ عَطِيَّة وَعبد الرَّحِيم الأسيوطي وَإِبْرَاهِيم الزمزمي وَأحمد السوايطي وَالْقَاضِي عبد الْقَادِر الْمَالِكِي وَأَبُو الْفضل الْمرْجَانِي وَأَبُو الْفرج المراغي وَزَيْنَب بنت الشويكي وآسية بنت جَار الله الشَّيْبَانِيّ وَإِبْرَاهِيم ابْن قَاضِي عجلون وَأَبُو ذَر الْحلَبِي وَأحمد بن الصلف وَأَبُو السُّعُود الْعِرَاقِيّ وَأَبُو نَافِع الْأَزْهَرِي والتقى القلقشندي والشموس الْخَمْسَة الأفقهسي والقلواني والزفتاوي والسخاوي وَالشَّيْخ الْفَخر السُّيُوطِيّ والكمال إِمَام الكاملية والمحب بن الشّحْنَة وَيحيى الْمَنَاوِيّ وَخلق كثير وَخرج لَهُ الشَّيْخ الرحلة جَار الله بن عبد الْعَزِيز بن فَهد عَن أَرْبَعِينَ شَيخا من مشايخه أَرْبَعِينَ حَدِيثا فِي فضل أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ سَمَّاهَا غَايَة الْأَمَانِي والمسرات بعلو سُلْطَان الْحجاز أبي زُهَيْر بَرَكَات وَذَلِكَ فِي سنة سِتّ عشرَة وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ على الشريف بَرَكَات بَعْضهَا بمنزله دَار السَّعَادَة من أول الْأَرْبَعين الَّتِي خرجها لَهُ إِلَى آخر الحَدِيث الثَّالِث مَعَ الْكَلَام على الحَدِيث الثَّالِث مَعَ الْكَلَام على الحَدِيث وَأَجَازَ لَهُ رِوَايَتهَا عَنهُ وَكتب لَهُ بِخَطِّهِ

ص: 294

تَحت طبقَة سماعهَا مَا صورته الْحَمد لله مَا ذكر من الْقِرَاءَة وَالْإِجَازَة صَحِيح فِي تَارِيخه وَكتبه الْفَقِير بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات عَفا الله عَنهُ وَعَن وَالِديهِ وَالْمُسْلِمين أَجْمَعِينَ وَكَانَت الْقِرَاءَة الْمَذْكُورَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة 917 سبع عشرَة وَتِسْعمِائَة وَحصل للشريف بَرَكَات غِبْطَة عَظِيمَة بتخريج تِلْكَ الْأَحَادِيث وَأكْرم بذلك الشَّيْخ جَار الله الْمَذْكُور إِكْرَاما عَظِيما كَمَا هُوَ شَأْنه من إكرام الْعلمَاء وَأَجَازَ الشريف بَرَكَات جَار الله الْمَذْكُور فِي استدعاء كتبه إِلَيْهِ الشَّيْخ جَار الله مؤرخ بِيَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر ربيع الثَّانِي عَام خمس عشرَة وَتِسْعمِائَة وَكتب لَهُ الشريف بَرَكَات بِالْإِجَازَةِ فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا وَصُورَة مَا كتبه الشريف بَرَكَات الْحَمد لله الَّذِي نظم جَوَاهِر السّنة فِي سلك السَّنَد وَوصل من إِلَى جنابه اسْتندَ وَقطع من أعرض واستبد وخذل من كفر وَجحد أما بعد فقد أجَاز كَاتبه الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى بَرَكَات بن مُحَمَّد صَاحب مَكَّة المشرفة عَفا الله عَنهُ لمن ذكر فِي هَذَا الاستدعاء الْمُبَارك مَا يجوز لي وعنى رِوَايَته بِشَرْطِهِ الْمُعْتَبر عِنْد أهل الْأَثر وأسأله أَلا ينساني من دعواته فِي خلواته وجلواته وَالْحَمْد لله وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى اله وَصَحبه وَسلم وَاسْتقر الشريف بَرَكَات فِي ولَايَة مَكَّة مُنْفَردا بعد وَفَاة أَبِيه وَكَانَت وَفَاة أَبِيه يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع ربيع الثَّانِي سنة ثَلَاث وَتِسْعمِائَة وَقُرِئَ مرسومه بِالْحَطِيمِ بِحَضْرَة كاتم السِّرّ البدري مُحَمَّد بن مزهر لوصوله بِقَصْدِهِ وَقصد أَخِيه هزاع وَأذن لَهُ فِي تَوْلِيَة الْمَدِينَة للسَّيِّد فَارس بن سامان الْحُسَيْنِي زوج أُخْته الشَّرِيفَة حزيمة وَاسْتمرّ على الْولَايَة الْمَذْكُورَة إِلَى أَن خالعه أَخُوهُ هزاع وَأحمد الْمَدْعُو جازان فِي سنة أَربع وَتِسْعمِائَة ثمَّ اصْطَلحُوا ثمَّ كَانَت الْحَرْب بَين هزاع وبركات سجالاً قَالَ الشَّيْخ الْفَاضِل أَبُو الضياء وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد الديبع الشَّيْبَانِيّ فِي كِتَابه بغية المستفيد لما كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخ ذِي الْقعدَة من سنة سِتّ وَتِسْعمِائَة بِتَقْدِيم التَّاء كَانَت وقْعَة السَّيِّد هزاع بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان مَعَ أَخِيه الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وَهِي

ص: 295

أول وقْعَة انْكَسَرَ فِيهَا صَاحب مَكَّة الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهزمَ فِيهَا هزيمَة عَظِيمَة وَاسْتولى الركب المصرى على خزانئه ونسائه وأمواله وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الْملك الْعَادِل طومان باى صَاحب مصر لما تولى بعد الْأَشْرَف جانبلاط طرد رجلا من أُمَرَاء جانبلاط يُقَال لَهُ قانصوه المحمدي فَخرج إِلَى مَكَّة فَلَمَّا دَخلهَا لم يلْتَفت إِلَيْهِ أحد من كبرائها لَا الشريف بَرَكَات وَلَا القَاضِي وَلَا غَيرهمَا خوفًا من السُّلْطَان طومان باي فَلَمَّا فقد طومان باي وَتَوَلَّى الْأَشْرَف قانصوه الغوري لَيْلَة عيد الْفطر من سنة سِتّ وَتِسْعمِائَة أرسل إِلَى قانصوه المحمدي إِلَى مَكَّة وَجعله نَائِب الشَّام فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ الْكتب بذلك وَهُوَ بِمَكَّة فِي أول ذِي الْقعدَة جَاءَهُ الشريف بَرَكَات وَالْقَاضِي أَبُو السُّعُود للسلام عَلَيْهِ فَلم يَأْذَن لَهما وَكَانَ فِي نَفسه عَلَيْهِمَا شَيْء لعدم التفاتهما إِلَيْهِ سَابِقًا وَكَانَ الشريف هزاع جينئذ بِمَكَّة فعامله قانصوه على أَن يَجْعَل إِلَيْهِ ولَايَة مَكَّة ويخلع أَخَاهُ بَرَكَات مِنْهَا ثمَّ أمره بِالْخرُوجِ إِلَى الينبع وَأرْسل إِلَى أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ أَن يواجه الشريف هزاع وَيُطلق المراسيم السُّلْطَانِيَّة عَلَيْهِ ويلبسه الْخلْع السُّلْطَانِيَّة فَفعل ذَلِك وَلبس الشريف هزاع خلعة أَخِيه بَرَكَات وألبس أَخَاهُ أَحْمد الملقب جازان خلعته الَّتِي كَانَ يلبسهَا مَعَ أَخِيه بَرَكَات وَأَقْبل مَعَ الركب الْمصْرِيّ إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ الْأَشْرَاف بَنو إِبْرَاهِيم فِي نَحْو مائَة فَارس مِنْهُم فَلَمَّا علم بذلك الشريف بَرَكَات خرج إِلَيْهِم من مَكَّة إِلَى وَادي مر والتقى الْجَمْعَانِ هُنَاكَ وتقاتلا فانكسر الشريف هزاع مَرَّات وَقتل من أَصْحَابه نَحْو الثَّلَاثِينَ وَمن الركب الْمصْرِيّ رجل وَمن الْحجَّاج نَحْو الْخَمْسَة وَنهب أَطْرَاف الْقَافِلَة فَلَمَّا رأى ذَلِك الركب الْمصْرِيّ حملُوا مَعَ الشريف هزاع على أَخِيه بَرَكَات حَملَة وَاحِدَة فانكسر جينئذ بَرَكَات وَقتل وَلَده الْمُسَمّى بِأبي الْقَاسِم فِي جمَاعَة من عسكره وَاسْتولى هزاع والركب الْمصْرِيّ على مِحَفَة الشريف بَرَكَات وَمَا فِيهَا من الْأَمْوَال وَالنِّسَاء والأطفال وهرب الشريف بَرَكَات إِلَى جدة فنهبها ثمَّ إِلَى حِدة فنهب أَكْثَرهَا وَدخل الشريف هزاع إِلَى مَكَّة صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ فاضطربت أَحْوَال النَّاس وَكثر النهب وَالْخَوْف فِي الطرقات وَرجع حجاج الْبَحْر من الطَّرِيق وَكَانُوا قَرِيبا من جدة وَكَانَ عذر الشريف بَرَكَات إِذا شكا النَّاس إِلَيْهِ مَا يلقون يَقُول اشكوا إِلَى سُلْطَان الْبَلَد واطلبوا مِنْهُ أمانها فقد أمنتها إِذْ كنت سُلْطَانا وَأما الْآن فَأَنا

ص: 296

وَاحِد مِنْكُم فَلَمَّا اسْتَقر هزاع جَاءَتْهُ النَّاس يصطرخون من كل جَانب التُّجَّار وَغَيرهم من النَّاس وَرُبمَا سبوه فَضَاقَ خاطره وَلم يَنْتَظِم أمره فَدخل على عَمه إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات فَشَكا إِلَيْهِ حَاله فَأمره بِالْخرُوجِ فِي صحبته فَخرج إِلَيْهَا والشريف بَرَكَات يَوْمئِذٍ مُقيم بِمَاء يُقَال لَهُ الْعد بَين جدة وحدة ثمَّ أمره بِالْوُقُوفِ بجدة وَتقدم إِلَى بَرَكَات فَقَالَ لَهُ إِن أَخَاك هزاع بجدة فِي ألفي فَارس من التّرْك وَلَا طَاقَة لنا بمقاومتهم فَإِن أَحْبَبْت تعرضت بَيْنكُمَا بهدنة يَأْمَن النَّاس فِيهَا ويحجون إِلَى عَاشر الْمحرم على أَن يعطيك أَخُوك هزاع ثَلَاثَة آلَاف أشرفي قبل يَوْم النَّحْر فَإِن فعل ذَلِك وَإِلَّا فَلَا ذمَّة لَهُ فَرضِي بذلك بَرَكَات ظنا أَن قَول عَمه إِن هزاعاً فِي ألفي فَارس حق فسكن بعض خوف النَّاس وَرجع هزاع إِلَى مَكَّة وَكَانَ الْحَج ضَعِيفا وَلم يحجّ الشريف بَرَكَات فِي هَذَا الْعَام وَسلم هزاع إِلَى أَخِيه بَرَكَات مَا الْتَزمهُ عَمه إِبْرَاهِيم من المَال وَلما عزم الركب الْمصْرِيّ علم هزاع أَنه لَا طَاقَة لَهُ بمقاومة أَخِيه بَرَكَات فَتوجه صُحْبَة الركب الشَّامي فَتَبِعَهُ الشريف بَرَكَات فحماه الركب الشَّامي مِنْهُ فَرجع بَرَكَات إِلَى مَكَّة وَأمنت النَّاس وَخرج هزاع إِلَى يَنْبع وَجمع جموعاً مِنْهَا وَعَاد لِحَرْب بَرَكَات مرّة ثَانِيَة وَذَلِكَ يَوْم الْأَحَد التَّاسِع من جُمَادَى الأولى عَام سبع وَتِسْعمِائَة فَالْتَقوا فِي طرف البرقاء فانكسر فِيهَا بَرَكَات أَيْضا وَهزمَ وَقتل أَخُوهُ أَبُو دعيج فِي سَبْعَة من الْأَشْرَاف من بني أبي نمي وَقتل من الأتراك الَّذين مَعَ بَرَكَات سَبْعَة وَقيل أَرْبَعَة عشر نَفرا وَكَانَ مَعَ هزاع من الْخَيل مِائَتَا فَارس وَمن الرجل ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَمَعَ بَرَكَات خَمْسمِائَة فَارس وَرجل كثير فَلَمَّا انهزم بَرَكَات توجه إِلَى الْيمن فَأَقَامَ بالليث وَوصل هزاع إِلَى ظَاهر جدة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن الشَّهْر الْمَذْكُور ونادى بالأمان وَقرر أحوالها وَجعل مُحَمَّد بن رَاجِح بن شميلة وزيره بهَا وعبداً من قواده حَاكما وَأرْسل أَخَاهُ جازان إِلَى مَكَّة ليقرر أحوالها ثمَّ لحقه إِلَيْهَا فِي عساكره ووصلت إِلَيْهِ المراسيم وَالْخلْع السُّلْطَانِيَّة من الْبَحْر من سُلْطَان مصر على يَد أَمِير يُقَال لَهُ إلْيَاس فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر الشَّهْر الْمَذْكُور فَأرْسل لَهُ الشريف هزاع بستين جملا وَثَلَاثِينَ رَاحِلَة وَأمره بالطلوع

ص: 297

إِلَى مَكَّة فوصل إِلَيْهَا فَلبس الخلعة وقرئت المراسيم وَاسْتمرّ سُلْطَانا إِلَى أَن توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر رَجَب الْفَرد من السّنة الْمَذْكُورَة بوادي الْآبَار فَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء صباحاً وَلما فرغ من دَفنه تولى إمرة مَكَّة أَخُوهُ الشريف جازان بعده بمساعدة القَاضِي أبي السُّعُود بن ظهيرة وإعانته لَهُ بِنَفَقَة وَسلَاح فَلَمَّا علم بذلك بَرَكَات سَار إِلَى مَكَّة فَدَخلَهَا منتصف شعْبَان وفر مِنْهُ جازان وَلما اسْتَقر بهَا بَرَكَات جَاءَتْهُ من مصر خلع ومراسيم بالاعتذار إِلَيْهِ من مباطنة أَمِير الْحَاج لأخويه هزاع وجازان فَلبس الخلعة وَطَاف بهَا وَكَانَ قَاضِي مَكَّة أَبُو السُّعُود بن ظهيرة مباطناً لجازان فَكتب إِلَيْهِ يستحثه ويعده بالإعانة ووعده أَن يقبض لَهُ على بَرَكَات إِذا وصل جازان قرب مَكَّة وَعين لذَلِك الْقَبْض لَيْلَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان فظفر الشريف بَرَكَات بِكِتَاب أَبى السُّعُود فاستدعاه فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ وَكَانَ قد أظهر السرُور والفرح بِولَايَة بَرَكَات أوقفهُ على الْكتاب فَأنْكر ذَلِك فَقبض عَلَيْهِ فِي سَابِع رَمَضَان وَأخذ أَمْوَاله وعقاره وعذبه ثمَّ بعث بِهِ وَأَهله إِلَى جَزِيرَة القنفذة وَأمر نَائِبه عَلَيْهَا أَن يركبه سنبوقاً ويغرقه فَفعل ذَلِك بِهِ وغرق يَوْم الْأَحَد الثَّانِي من ذِي الْحجَّة سنة سبع وَتِسْعمِائَة وَأَوْلَاده وَعِيَاله ينظرُونَ إِلَيْهِ ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات توجه مَعَ الْحَاج إِلَى يَنْبع لكَون أَخِيه جازان نهب الْحَاج الشَّامي عِنْد خليص حَال قدومه إِلَى مَكَّة فحاربه مَعَ أَهلهَا سادس عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة سبع وَتِسْعمِائَة فَكسر بَرَكَات كسرة ثَالِثَة ونهبوا نهباً فَاحِشا وَقتل وَلَده إِبْرَاهِيم مَعَ جمَاعَة من عسكره وَعَاد بَرَكَات إِلَى مَكَّة مَرِيضا ثمَّ مَاتَ بهَا وَلَده السَّيِّد عجلَان ثمَّ جَاءَهُ الْخَبَر أول صفر سنة ثَمَان وَتِسْعمِائَة بمجىء أَخِيه جازان بعسكر عَظِيم وبركات مَرِيض لَا يُمكنهُ الْمُحَاربَة فَتوجه إِلَى جِهَة الْيمن وَأقَام بهَا إِلَى شهر رَجَب حَتَّى شفى وَجمع جموعاً كَثِيرَة وَعَاد لمَكَّة فلقى بهَا أَخَاهُ جازان بالمنحني فقاتله بهَا فانكسر بَرَكَات كسرة رَابِعَة وفر جمَاعَة الْأَشْرَاف آل أبي نمي إِلَى جِهَة جبل حراء لمباطنتهم لجازان فَثَبت هُوَ وَبَعض خواصه للحرب سَاعَة ثمَّ

ص: 298

توجه إِلَى الْيمن أَيْضا فَتَبِعَهُ جازان بعسكره فخلفه الشريف بَرَكَات فِي خيل قَليلَة وَعَاد من غير طَرِيقه وَدخل مَكَّة فِي غيبَة جازان يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر شعْبَان ففرح بِهِ أَهلهَا لظلم أَخِيه جازان فِيهَا وبذلوا الهمة فِي مساعدته ونصرته وحفروا خنادق علو مَكَّة وأسفلها وحاربوا أعداءه من خلفهَا وَعَاد إِلَيْهِ جازان فِي صبح الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشري رَمَضَان من أَسْفَل مَكَّة من جِهَة المسفلة وحاربهم مَعَ سكانها مرّة خَامِسَة وَأظْهر لَهُ الأتراك همة عالية حَتَّى هزم جازان وتركهم وَلم يتبع مِنْهُم أحدا وَقتل جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ وجرح آخَرُونَ وَتوجه جازان مُنْهَزِمًا إِلَى جِهَة حِدة وَأقَام هُوَ وَجَمَاعَة ببئر شميس وهم خائفون وجلون والعسكر يتخطفهم كل سَاعَة لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى أرْسلُوا يطْلبُونَ النجدة من أهل يَنْبع فَجَاءَهُمْ عَسْكَر كَبِير ورحلوا مَعَهم لِحَرْب مَكَّة مرّة سادسة فِي صبح يَوْم السبت رَابِع شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَجَاءُوا من شعب أذاخر والخرمانية من أَعْلَاهَا وَكَانَ الشريف بَرَكَات وَاقِفًا مَعَ خواصه خلف الخَنْدَق من بَاب المعلاة فَانْهَزَمَ عسكره من غير قتال وَثَبت هُوَ والأتراك وأذاق عداهُ الْحَرْب والعراك لشجاعته وهمته وقوته ونجدته حَتَّى زحزحهم عَن مَصَافهمْ وَكَانَ تَحْتَهُ فرس يُقَال لَهَا الجرادة وَأَنه أقحمها الخَنْدَق وَهُوَ بمفرده ففر مِنْهُ الْجَيْش باْجمعه وَهُوَ يضْرب بِالسَّيْفِ قذالهم حَتَّى أبعدوا عَنهُ قَاصِدين الينبع فذرع بعد ذَلِك عرض الخَنْدَق فَكَانَ سَبْعَة أَذْرع ثمَّ إِنَّه توجه إِلَى الْيمن فَدخل الْأَعْدَاء مَكَّة وأهانوا أَهلهَا وآذوهم لمساعدتهم الشريف بَرَكَات وحبهم لَهُ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ وصلت تجريدة من مصر فَخرج الْأَعْدَاء هاربين فَعَاد الشريف بَرَكَات إِلَى مَكَّة ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة من عَام ثَمَان وَتِسْعمِائَة وَتوجه لملاقاة مقدم التجريدة الْمقر الْأَشْرَف قيت الرَّحبِي فواجهوه بِالطَّاعَةِ والكرامة وخلع عَلَيْهِ بالزاهر وَدخل مَعَه مَكَّة بإخوانه وَعَسْكَره وَابْن عَم أَبِيه عنقًا حَتَّى وصلوا إِلَى مدرسة الْأَشْرَف قايتباي بالمسعى فَقبض على الشريف بَرَكَات وَوضع فِي الْحَدِيد مَعَ بعض إخْوَته وَجَمَاعَة وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ وَحج بهم كَذَلِك ثمَّ ذهب بهم إِلَى مصر وَمر بهم على الينبع وَاتفقَ مَعَ أَهلهَا على تَوْلِيَة جازان على مَكَّة وَدخل قيت الرَّحبِي ببركات وَمن مَعَه مصر على هَذِه الصّفة فَأنْكر النَّاس عَلَيْهِم

ص: 299

ذَلِك وَمَا هان ذَلِك على السُّلْطَان الغوري وتعب من ترك مكهَ فِي أَيدي العصاة وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو الطّيب أَحْمد بن الْحُسَيْن العليف الْمَكِّيّ قصيدته الكافية يسلي بهَا الشريف بَرَكَات ويحثه على الصَّبْر وَهِي هَذِه // (من الطَّوِيل) //

(عزيزٌ على بيتِ النبوَّةِ والمُلْكِ

مقامٌ على ذُلِّ المهانةِ والفَتْكِ)

(وأعظَمُ مَا يلقَى الكريمُ من الأذَى

على النفْسِ مَا يلقى من الضيْمِ والضنْكِ)

(برَغْم الْعلَا والمجْدِ والسَّيفِ والندَى

حَصَلْتَ أَبَا عجلانَ فِي قبضةِ التُّركِ)

(وعزَّ على العلياءِ حجلكَ أدهم

وطوقك لَا مِنْ خَالص التبر فِي السبكِ)

(وتلكَ لعَمْرُ اللهِ أدهَى مصيبةٍ

أصمَّ بهَا الحاكي عَن الحادثِ المحْكِي)

(عدمتُ الليالى مَا أمَرَّ صورفَهَا

وأخلَقَهَا باللوْمِ فِي الفعلِ والتَّركِ)

(أذُلٌّ وغُلِّ بعد عِزِّ ومنعةٍ

وأَسْرُ النَّوَى بعد الأسرَّةِ والمُلْكِ)

(لحا الله دهراً لَا يدومُ سرورُهُ

على حَالَة إِلَّا استحالَتْ على وشْكِ)

(بنفسي أَبَا عجلانَ والفئةَ الألَى

بنوا مجدَهُمْ بالسمهريَّةِ والبركِ)

(ونالوا المعالِى بالعوالِى فأصبحَتْ

بهمْ بيضَةُ العلياءِ مرفوعَةَ السَّمْكِ)

(ملوكٌ رعينا الجُودَ حَولَ حماهُمُ

خصيباً وساهمناهُمُ المالَ الشرْكِ)

(رحَلْتُم فربعُ الأنسِ مَا زَالَ موحشاً

خلياً وستْرُ العِزِّ أصبَحَ فِي هتْكِ)

(وغادرتُم فِي الكَرْبِ جيرانَ طيبةٍ

كَذَا جيرةُ البَطْحَاءِ وَالْحرم المكِّي)

(وأسلمتُمُ كلَّ القلوبِ إِلَى الأسَى

فَهَذَا الورَى مَا بينَ باكٍ ومستَبْكِي)

(وَلما استقلَّتْ للمسيرِ جمالُكُمْ

وحادى النَّوى يَشْكى إِلَيْنَا بِمَا يشكِي)

(وسرتُمْ وَسَار الجُودُ يَمْشى أمامَكُمْ

وظلَّتْ بَنو الآمال مِنْ خلفِكُمْ تبكْي)

(وإنَّ الجبالَ الشُّمَّ والمجدَ والعُلَا

تَسيرُ بهَا بُزْلُ الجمالِ على وشْكِ)

(فَلَا اكتحلَتْ بالنومِ عَيْني بَعْدَكُمْ

وَلَا ابتسمَتْ غُرُّ الثغور عَن الضحْكِ)

(وَلَا باتَ ذُو ملكٍ قريراً بملْكِهِ

وَلَا مهجَة إِلَّا على لاعج مُنْكِي)

(فصبراً أَبَا عجلانَ للحادِثِ الَّذِي

يَثُولُ إِلَى عُقبى السلامَةِ والفَكِّ)

(حرامٌ على العلياء تنكحُ خاطباً

سواك وَإِن كانَتْ تَئُولُ إِلَى فركِ)

(أَرَادَ بك الحسادُ كيداً فصادفوا

جنابكَ لَا يحْكى لكَيْدٍ وَلَا يحكِي)

(فجاءُوكَ من أبنا أبيكَ لعَجزهم

فَلِلهِ أَرْحَام تقطعن عَن شَبكَ)

ص: 300

(فهانوا عَلَيْهِم بعد ذَاك فأصبَحُوا

يسومُونَهُم بالذلِّ والخسفِ والهَتْكِ)

(وأنتَ أَبَا عجلانَ ملْءُ عُيُونِهِمْ

كمالاً وأَهْدَاهم إِلَى الرُّشْدِ والنُّسْكِ)

(فليْسَ لَهَا إلاك كُفْءٌ وصاحبٌ

وَمَا زالَتِ العلياءُ مانعةَ الشركِ)

(وَلَا عَنْ رضَا مِنْهُم تركْتَ وَرُبمَا

يكونُ ظهورُ الفضْلِ للشَّيْء بالتَّرْكِ)

(لعَمْركَ مَا ساموك خطَّةَ عاجزٍ

توهَّمها الْجَانِي سَبِيلا إِلَى المسْكِ)

(سوَى أَن رأَوْا فيكَ الكمالَ لدِينهِمْ

فأدوا بك الطاعاتِ فِي الحَجِّ والنُّسْكِ)

(وَمَا استَصْحَبُوا علياكَ إِلَّا ليأمنوا

مِن الخَوْف فِى الأموالِ والخيلِ والبَرْكِ)

(وَلَو شئْتَ حكَّمْتَ المهنَّدَ والقنا

عليهِمْ ولكنْ سِرْتَ فِي طَاعَة الملْكِ)

(لَئِن بَلَغَتْ منكَ اللَّيَالِي جَهَالَة

فَمَا زالَتِ النكبا تهبُّ على الفُلْكِ)

(وإنْ نالتِ الأعداءُ منْكَ بزَعْمها

فيا طالما كانَتْ بِمَا نِلْتَهُ تَحْكِي)

(ورُبَّ ابتسامٍ جاءَ من جانبِ البكا

ورُبَّ بكاءٍ جَاءَ من جانِب الضحْكِ)

(أمَا فِي رَسُولِ اللهِ يُوسُف أسوةٌ

لمثلِكَ مَحْبُوسًا على الظُّلْمِ والإفكِ)

(أَقَامَ جميلَ الصَّبْر فِي السجْنِ بُرْهةً

فآلَ بِهِ الصَّبْرُ الجميلُ إِلَى المُلْكِ)

(فعما قريبٍ يورقُ العودُ بالمنى

وتعبقُ أرجاءُ الْعلَا منكَ بالمسْكِ)

(وَتَأْتِي علىٌ رغم العدوِّ مملَّكًا

وتظفرُ بالتقليدِ والتاجِ والزمْكِ)

(ويرجعُ بَاقِي الْعَيْش حلوٌ اكما مضَى

وتأوي إِلَى سامِى سَرِيرِكَ والمُلْكِ)

ثمَّ إِن الغوري أطلق الشريف بَرَكَات من الغل ورتب لَهُ مَعَ جماعته النَّفَقَات وَصَارَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ الشريف بَرَكَات وَإِلَى أمرائه ففر إِلَى مَكَّة وَذَلِكَ أَوَاخِر سنة تسع وَتِسْعمِائَة فظفر فِي طَرِيقه بقاصد أعدائه مُتَوَجها إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ السَّيِّد بطاح الْحُسَيْنِي فَقتله وفاز بِمَا مَعَه من المَال والهدية وَفِي مُدَّة غيِبته بِمصْر قتل الأتراك المقيمون بِمَكَّة أَخَاهُ جازان وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ صبح يَوْم الْجُمُعَة التَّاسِع من شهر رَجَب سنة تسع وَتِسْعمِائَة قتل الشريف جازان بن مُحَمَّد فِي المطاف عِنْد بَاب الْكَعْبَة فِي الشوط الثَّالِث من طَوَافه قَتله جمَاعَة من الأتراك بمواطأة من أَخِيه حميضة بن مُحَمَّد وولوا أَخَاهُ حميضة فحج بِالنَّاسِ ذَلِك الْعَام ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات واجه الْحَاج الْمصْرِيّ فِي طَرِيقه من مصر إِلَى مَكَّة هَارِبا من

ص: 301

مصر كَمَا تقدم ورحل وَذَلِكَ بمواطأة الدويدار وَوصل إِلَى مَكَّة سَابِع ذِي الْحجَّة مَعَه جَيش عَظِيم من بني لَام وَأهل الشرق وَسَائِر المفسدين فَمنع النَّاس من الْوُقُوف يَوْم الْخَمِيس حَتَّى صَالحه أُمَرَاء الْحَاج على أَرْبَعَة آلَاف أشرفي يسلمونها ويخلى بَينهم وَبَين الْوُقُوف يَوْم الْجُمُعَة فَفعل ووقف النَّاس بِعَرَفَات ومزدلفة وَمنى وهرب حميضة وَدخل بَرَكَات مَكَّة ثمَّ توجه إِلَى زِيَارَة جده الْمُصْطَفى ثمَّ قصد جِهَة الشرق فَتزَوج بالشريفة غبية بَيت حميدان بن شامان الْحُسَيْنِي فَحملت مِنْهُ بالسيد الْجَلِيل ذى الْمجد الأثيل ذِي الْعِزّ والسعد أبي نمي مُحَمَّد فِي أَوَائِل سنة إِحْدَى عشرَة وَتِسْعمِائَة وولدته لَيْلَة تَاسِع ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ طالعه سَعْدا أكبر ارْتَفع بولادته كل شَرّ مُنْذُ ظهر وتوالت على وَالِده البشائر وصفت مِنْهُ عَن الأكدار السرائر وَكَانَ وَالِده يمسح على ناصيته وَيَقُول كنت فِي أكدار وكروب مُتَوَالِيَة حَتَّى ظَهرت لي هَذِه الناصية وَلم يزل أَبُو نمي راقياً معارج الْمجد مستخدماً للإقبال والعز والسعد ثمَّ إِن السُّلْطَان الغوري أرسل بتفويض إمرة الْحجاز إِلَى الشريف بَرَكَات فَقدم أَخَاهُ السَّيِّد قايتباي فِي ولَايَة مَكَّة وأشرك مَعَه وَلَده عَليّ بن بَرَكَات وَكَانَ كل مِنْهُمَا يختلع وينفرد عَنْهُمَا الشريف بَرَكَات بِالدُّعَاءِ فِي خطْبَة الْجُمُعَة وَكَانَ بَينه وَبَين أَخِيه قايتباي صداقة عَظِيمَة ودامت إِلَى أَن مَاتَ السَّيِّد قايتباي يَوْم الْأَحَد حادي عشري صفر الْخَيْر عَام 918 ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة بِأَرْض حسان من وَادي مر وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال وَمَعَهُ أَخُوهُ الشريف بَرَكَات وَصلى عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ وطيف بِهِ أسبوعاً كعادة أسلافه وُلَاة مَكَّة وَدفن بالمعلاة ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات أرسل وَلَده الشريف أَبَا نمي إِلَى الْقَاهِرَة وصحبته السَّيِّد عرار بن عجل وَفِي خدمته القَاضِي صَلَاح الدّين بن ظهيرة الشَّافِعِي وَالْقَاضِي نجم الدّين بن يَعْقُوب الْمَالِكِي وَذَلِكَ فِي سنة 918 ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة وَسن السَّيِّد أبي نمي إِذْ ذَاك ثَمَان سِنِين فأكرمهم السُّلْطَان الغوري وقابلهم بِكُل جميل وَحكى عَن مزِيد حذق الشريف أبي نمي أَن السُّلْطَان الغوري وَضعه فِي حجره وَقَالَ مَا سورتك فَأَجَابَهُ إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا فأعجب الغوري ذَلِك وتفاءل بِهِ وأشركه مَعَ وَالِده الشريف بَرَكَات فِي نصف ولَايَة مَكَّة وَهُوَ بذلك السن فَصَارَ

ص: 302

يخْطب لَهُ مَعَ أَبِيه على مَنَابِر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ثمَّ حجت خوند أم السُّلْطَان الغوري وَولده النَّاصِر مُحَمَّد وصحبتهما كَاتب السِّرّ مَحْمُود بن إنجا فِي سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة فأكرمهم الشريف بَرَكَات وَقَامَ بهم أحسن قيام وطلبوا مِنْهُ السّفر مَعَهم لمجازاته وإكرامه فوافقهم على ذَلِك وَسَار مَعَهم إِلَى الْقَاهِرَة ودخلها مرّة ثَالِثَة فأنعم عَلَيْهِ الغوري بخلع سنية وإكرامات مرضية لم يسْبق إِلَى مثلهَا وَلم يُشَارِكهُ أحد فِي فَضلهَا وهنأه الشُّعَرَاء بذلك مِنْهُم العليف الْمَشْهُور بالقصيدة الْآتِي ذكرهَا بعد وبقصيدة أُخْرَى مِنْهَا قَوْله // (من الْخَفِيف) //

(أَنْتَ ربُّ القضيبِ والبُرْدِ والسيْفِ

ورَبُّ الكُمَيْتِ والمزراقِ)

(لَو رأى المصطفَى أناسٌ عيَانًا

حَلَفُوا أنكَ ابنُهُ بالطَّلاقِ)

(سِرْتَ نَحْو المليكِ مَعْ صاحِبِ السرْرِ

على مَتْنِ سابحٍ سبَّاقِ)

(فَذَكرنَا مَسْرَى النبيِّ وجِبْرِيلَ

إِلَى الحقِّ فَوق ظهرِ البُراقِ)

(فتلاقَى البحران جمعا على المَرْجِ

فطوبَى لبَحْرك الدفاقِ)

(وبلغْتَ الذى بلغْتَ بتدبيرٍ

من اللهِ فوقَ سبْعٍ طباقٍ)

(ثمَّ أَصبَحت فى حماك وَقد تَمْمَتْ

بِمَا كَانَ من رضَا واتفاقِ)

وَمِنْهُم الفاضلة الأديبة ستيتة بنت القَاضِي كَمَال الدّين مَحْمُود بن شيرين القاهرية وَذكرت الإنعامات الَّتِي انْفَرد بهَا الشريف بَرَكَات فِي قصيدة دالية هِيَ قَوْلهَا // (من الطَّوِيل) //

(قِفُوا واسمعوا قولا صَحِيحا لَهُ سَنَدْ

عَن الإشرفِ الغوريِّ مَا عَنهُ يعتمدْ)

(وَمَا نالَ مَوْلَانَا الشَّريف من العطا

ثَمَانِيَة مَا نالَهَا قبله أحَدْ)

(فأوَّلها يدعَى لَهُ بمقامِهِ

كَمَا يُدْعَ للسُّلْطَان هَذَا بِهِ انفردْ)

(وأسمعه القيناتِ فى وَسْطِ دارِهِ

وذلكَ ثانِى مَا ذكرْتُ من العدَدْ)

(وثالثُهَا يوضعْ لَهُ بإزائِهِ

لمرتبة علياءَ فى بِرِّهِ اجتهدْ)

(ورابعُها يطعمْهُ بِالْيَدِ مَا يشا

كوالِدِ مولودٍ إِذا يُعْنَ بالولَدْ)

(وخامسها سارا فَلم ير نَعله

تمهل حَتَّى حَامِل النَّعْل قد وَرَدْ)

(وسادسها جازَا جَمِيعًا بداره

فأنزله بَين العساكِرِ وانْفَرَدْ)

ص: 303

(وسابعُهَا فرشُ المصلَّى بيدِّه

وصلَّوْا جَمِيعًا هَكَذَا غَايَة المَدَدْ)

(وثامنها مَا كَانَ يَوْم وداعِهِ

وَأَكَبَّتْ أعده ووفَّاه مَا وَعَدْ)

(وَزَاد ثَلَاثًا رفْعَة لمقامِهِ

بسنجقه والطبل والجند للبودْ)

(وَقد نَالَ هَذَا مِنْهُ بالبرِّ والتُّقَى

وصِدْقِ مقالٍ وَالْوَفَاء لما وَعَدْ)

(وَذَلِكَ فضْلُ الله يؤتيه مَنْ يشا

ويخسأ عَوَّاء كَذَاك ومَنْ حَسَدْ)

وَهَذِه ستيتة بنت شيرين أديبة عَجِيبَة فاضلة كَامِلَة من جملَة تلامذتها الشَّيْخ الْعَلامَة جَار الله بن فَهد الْقرشِي الظهيري وَكَانَ الشريف بَرَكَات بليغاً مصقعاً لَهُ النّظم الرَّائِق والنثر الْفَائِق فَمن نظمه قَوْله فِي الغوري فِي سفرته الثَّانِيَة إِلَى الْقَاهِرَة عَام تسع وَتِسْعمِائَة وَهُوَ قَوْله // (من الطَّوِيل) //

(هَلُمُّوا معى نَحْو الصلاحِ وسارعُوا

إِلَى جامعِ للذكْرِ والحُسِن جامعُ)

(تأسَّسَ بنياه على الخَيْرِ والتقَى

ألسْتَ ترَاهُ بالمحاسِنِ ساطِعُ)

(أيا قانصوه اسمَعْ بحقِّكَ قصَّتي

فإنى لِشَرْحِ الحالِ نَحْوك رافِعُ)

(بليتُ بجور مِنْ زمانٍ أمضَّني

ومالى وَلَا فى الناسِ غَيْرَكَ نافعُ)

(وحقِّكَ مَا أفنيتُ مالى ومُهْجَتي

سوَى لرضا السلطانِ واللهُ سامعُ)

(فَإِن يكُ قد أرضاكَ مَا قَدْ لَقيته

فإنى بِهِ راضٍ بَلَى ثمَّ قانعُ)

(ولى أسوةٌ فِي النَّاسِ بالسَّادة الألَى

لَكَمْ بذلوا أرواحَهُمْ ثمَّ بَايَعُوا)

ونظم الغوري موشحاً وَسَأَلَ من الشريف بَرَكَات أَن يُعَارضهُ ومطلع موشح الغوري

(يَا غزالاً بلحظِهِ يُنْشِى

نشأَةَ الأكْوَسِ)

فَقَالَ الشريف بَرَكَات

(أكتم السِّرَّ وَيْكَ لَا تُفْشِى

بالرَّشَا الألعسِ)

(فَهُوَ يزرى الغصونَ إذْ يمشى

فِي الرداءِ السندسِي)

(مَا على الصبِّ فى الهوَى عَار

إنْ تمادَى الكَمَدْ)

(إِن لى فى الغرامِ أوطار

واصطبارى نَفَدْ)

(واللَّواحى فى لومهم جاروا

وَأَنا أُبدى الجَلَدْ)

(رَبِّ يَا ذَا الجلالِ وَالْعرش

كُنْ بِهِ مؤنسِي)

ص: 304

(وبوصل الحبيبِ فى الْفرش

جُدْ وَلَا تَحْبِسِ)

(يَا غزالاً بوصله تدْرك

كلَّ مَا يستطابْ)

(غايتى فِي الغرامِ مِنْ أَمرك

أننى مستَرَابْ)

(جُدْ لمن فى هَوَاك لَا يُشْرك

زينبًا والربابْ)

(لم أزلْ فِي وصاله أرشي

كى يجى مَجْلِسِي)

(هَل لهَذَا القتيلِ مِنْ أرش

يَا مُنَى الأنفسِ)

وَكَانَ رحمه الله شهماً عِنْد الْوَفَاء وَحفظ العهود وإكرام الشُّعَرَاء والوفود مَعَ الْعِفَّة والصيانة وملازمة الْخَيْر والديانة وَإِظْهَار الْخيرَات ومواصلة المبرات أوقف بعض الْجِهَات على أَنْوَاع الصلات وَبنى رِبَاطًا سفل مَكَّة وَأَسْكَنَهُ الْفُقَرَاء فى حَيَاته وَأقر الله عينه بمشاركة وَلَده أبي نمي لَهُ فِي الْولَايَة كَمَا شَارك هُوَ وَالِده ثمَّ لما قدر الله تَعَالَى زَوَال دولة الغوري وأفضى ملك مصر والحرمين إِلَى مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم خَان ملك الرّوم وَذَلِكَ فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَجهه أَبوهُ الشريف بَرَكَات مرّة ثَانِيَة إِلَى مُوَاجهَة السُّلْطَان الْأَعْظَم والخاقان الأكرم السُّلْطَان سليم خَان فوصل إِلَيْهِ إِلَى الْقَاهِرَة بعد حربه للغوري وَدخل مصر سنة ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة فقابله الخنكار بالعناية وَالرِّعَايَة وَأقر الشريف بَرَكَات على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْولَايَة وَأبقى أَبَا نمي على مُشَاركَة وَالِده فَعَاد أَبُو نمي قرير الْعين وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات مشاركاً لَهُ وَلَده أَبُو نمي حَتَّى قضى نحبه لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشري ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة بِمَكَّة الشَّرِيفَة على فرَاشه ثمَّ صلي عَلَيْهِ يَوْم الْأَرْبَعَاء بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وطيف بِهِ حول الْكَعْبَة أسبوعاً كعادة أسلافه وُلَاة مَكَّة الْكِرَام وَدفن بالمعلاة وبنيت عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة وَهِي مَوْجُودَة إِلَى الْآن وَكَانَ مُدَّة ولَايَته مشاركاً لِأَبِيهِ مُحَمَّد وَولده أبي نمي وَإِخْوَته نَحْو ثَلَاث وخسمين سنة وَعمر إِحْدَى وَسبعين سنة وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد ثقبة وَأَبُو الْقَاسِم وحازم وواصل وَسَنَد وَعلي وَأَبُو نمي مُحَمَّد هَذَا الْمَذْكُور بعده وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة وَالِده بَرَكَات أَنه ولد لَيْلَة تَاسِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة إِحْدَى

ص: 305

عشرَة وَتِسْعمِائَة وَأَن أمه عبِّيَّة بنت حميدان بن شامان الحسينى وَكَانَ يكنى نجم الدّين شَارك أَبَاهُ بَرَكَات فِي ولَايَة مَكَّة كَمَا تقدم وعمره ثَمَان سِنِين ولاه الغوري وَهِي آخر ولَايَة صدرت من الشراكسة سنة ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة ثمَّ أبقاه السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان على مُشَاركَة وَالِده سنة ثَلَاث وَعشْرين لما قدم عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ بعد حربه للغوري واستيلائه على مصر وَهِي أول ولَايَة صدرت من العثامنة ثمَّ اسْتَقل بأعباء السلطنة بعد موت أَبِيه وَكَانَ استقلاله بهَا فِي سنّ عشْرين سنة فوصلت إِلَيْهِ المراسيم السُّلْطَانِيَّة السليمانية فخمدت بولايته الْفِتَن وابتهج بِملكه وَجه الزَّمن وَلم يزل ممتعاً بمكارم الشيم متقلباً فِي صنوف النعم وَقد رزق الذُّرِّيَّة الصَّالِحَة ودانت لَهُ رِقَاب الْأُمَم وَلما كَانَ موسم خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وصل إِلَى مَكَّة الباشا سُلَيْمَان من جِهَاد الفرنج بالديار الْهِنْدِيَّة عَازِمًا إِلَى الديار الرومية فَأرْسل مَعَه الشريف أَبُو نمي وَلَده السَّيِّد أَحْمد بن أبي نمي لمواجهة السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان وَفِي خدمته السَّيِّد عرار بن عجل وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم بن ظهيرة وَالْقَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي فوصلوا الْقَاهِرَة ثمَّ توجهوا مِنْهَا إِلَى الديار الرومية فِي الْبر فوصلوا بالسلامة والعز والكرامة وَاجْتمعَ السَّيِّد أَحْمد بالسلطان سُلَيْمَان وَجلسَ على يسَاره فقابله بالإكرام وعامله بالاحترام وأشركه مَعَ وَالِده أبي نمي فِي ولَايَة مَكَّة وَذَلِكَ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَأقَام مُدَّة متوعكاً بالروم حَتَّى فَاتَهُ الْحَج فِي ذَلِك الْعَام وَمَات السَّيِّد عرار بالطاعون ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة عَام سبع وَأَرْبَعين قَالَ الشَّيْخ محيى الدّين عبد الْقَادِر مُحَمَّد الشهير بالجزيري فِي كِتَابه دُرَر الْفَوَائِد المنظمة فَعَاد الشريف أَحْمد إِلَى مَكَّة عَام سبع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَهُوَ فِي غَايَة الرّفْعَة وَالْجَلالَة مُتَوَلِّيًا مَا كَانَ وَالِده يَتَوَلَّاهُ وأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان سُلَيْمَان بِعلم مكمل بطبلخانة سلطانية رُومِية على أكمل هَيْئَة فاخرة فمبقتضى ذَلِك صَار الشريف فِي مَنْعَة وَحمى مِمَّن يرد إِلَى الأقطار الحجازية من أُمَرَاء الْحَاج وَغَيرهم من أكَابِر الأورام وَمن أَرَادَ الِاجْتِمَاع بِهِ من أكابرهم يَأْتِي إِلَيْهِ إِلَى بَيته وَمحل عزه مُنْفَردا وَفِي جمَاعَة قَليلَة فيقصده للسلام عَلَيْهِ وَلَا يذهب

ص: 306

الشريف لأحد مِنْهُم أصلا وَتوجه قَاصِدا مَكَّة فلاقاه وَالِده أَبُو نمي فِي وَادي مر وَجعل لَهُ سماطاً عَظِيما حَضَره الْأَعْيَان ثمَّ قُرِئت مراسيمه بِمَكَّة بالعشر الأول من ربيع الأول سنة سبع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وألبس الخلعة السلطانة وَطَاف بهَا وَصَارَ يَدعِي لَهُ على المنابر وسعت إِلَى أبوابه الشُّعَرَاء والأكابر وَمِمَّنْ مدحه مهنئاً للشريف أَحْمد بِالْولَايَةِ الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الله باكثير بقصيدة راتية هِيَ هَذِه // (من الطَّوِيل) //

(وفَتْ صبَّهَا بعد الجفا غادَةٌ عَذْرا

ومذ لامَهَا قالَتْ لعلَّ لَهَا عُذْرَا)

(وزارَتْ ولكنْ بعد طولِ تشوُّقٍ

إِلَيْهَا وَلَا لَوْمَ عَلَيْهَا وَلَا إزْرَا)

(وجاءته والأشواقُ جاذبةٌ لَهَا

وشاكَتْهُ مَا تَلقاهُ وهْوَ بِهِ أدرَى)

(وأطفَتْ ببردِ الوصلِ حرَّ بِعَادِهِ

فباتَ وَلَا يشكو بعاداً وَلَا حَرَّا)

(وأصبَحَ فى أهلِ الغرام منعمًا

بمَنْ لحظُهَا يبرى وَمِنْه الضنا يبرا)

(مهاةُ فلاةٍ غادةٌ عربيَّةٌ

عقيلةُ حَيِّ كالضَّراغِم بل أضْرَى)

(عزيزة قوم مُسْتَحِيل وصالها

وَلَو بذل العشاق أنفسهم مهْرا)

(محجَّبة مَا إنْ تُنَالُ لناظِرٍ

جعلْنَ لَهَا بيض الظبا والقَنَا خِدْرَا)

(ممنعة لَحْظ الحسام رقيبها

يكلّم من يحلو لَهُ لَفظهَا المُرَّا)

(رَدَاحٌ كساهَا الحُسْنُ حُلَّته كَمَا

بمقلتها هاروتُ قد أَودَعَ السِّحْرا)

(مهفهفةٌ كاللَّدنِ أمَّا سوارها

فمثرٍ وَأما بندُهَا يشتكي الفَقْرَا)

(لَهَا اللهُ خودٌ حِين تخطو تخالها

من التِّيهِ والإعجاب ثاملة سَكْرَى)

(إِذا ارتجَّ مِنْهَا الردفُ واهتزَّ قَدُّهَا

ولاح مُحياها وأسبَلَتِ الشَّعْرا)

(رأيتَ كثيباً فَوْقه غُصْن بانةٍ

عَلَيْهِ هلالٌ والظلامُ لَهُ سِتْرَا)

(رَنَتْ جوذرًا ماسَتْ قَضِيبًا تأرَّجَتْ

عبيراً سطَتْ ليثاً ولكنَّها أجرا)

(بَدَت قمرًا طرْقى وقلبي منازلٌ

لَهَا أغرقَتْ هَذَا وَذَا أجَّجَتْ جمرا)

(لَهَا كَفَلٌ كالحقْفِ يقْعد قدها

إِذا نهضَتْ قد أَتْعَبَ العِطْفَ والخَصْرا)

(طويلةُ مجْرى العقْدِ والجيد قد حلا

بعقْدٍ حكى فِي النّظم مبسمها الدرَّا)

(إِذا ابتسمَتْ خلْتَ الشَّتيتَ ووشمها

لآلٍ بهَا خَفَّتْ زُمُرّدَةً خضرًا)

ص: 307

(عَلَيْهَا جَرَى ظَلْمٌ يعز مذاقُهُ

فَلم ندر ظَلْمًا ذَلِك العذبُ أم خمرًا)

(أدارَتْ على العشَّاقِ خَمْرَ عيونها

فأضْحَوْا نشاوَى هائمين بهَا سَكْرَى)

(فَلَا تعجبوا مِنْ كَسْرِ أجفانها إذَنْ

فبالشرعِ كاسُ الخمرِ يَسْتَوْجبُ الكَسْرا)

(كتمْتُ هَواهَا غير أنَّ محاجري

بِمَا صنته خَطّ ابْن مقلتها سَطْرَا)

(تمنُّ على المضنَى بإرسال طيفها

إِلَيْهِ ومَنْ ذاق الصبابة لَا يكْرَى)

(رعا الله دهراً كنْتُ سلطانَ عشقِهِ

وكانتْ غصونُ العمْرِ يافعةً خضرًا)

(وَلما مضَى عصْرُ الشبيبة وانقضَى

ومَرَّ وَمَا أحلاه مِنْ زمَنٍ مَرَّا)

(ونَبَّهنى مِنْ نومِ جهلي وشيبتي

صَباحُ مشيبٍ لاحَ فِي مَفْرِقِى فَجْرَا)

(دَعَاني هَواهَا للتصَابِى فَلم أُجِبْ

وقُلْتُ لَهُ أرهقتني فِي الهوَى عُسْرا)

(أبعد مشيبي تبْتَغِى مني الصِّبَا

لقد جئْتَ يَا داعى الهوَى خُطَّةً نَكْرًا)

(فَمَالِي وللتَّشبيب بالغِيدِ والظِّبا

وبالوشمة الخَضْرا وبالوجنة الحَمْرَا)

(وقلبيَ قَدْ أطلقته من يَد الهوَى

وَكَانَ لسلطانِ الغرامِ من الأسْرَى)

(وفكْرِىَ عَن صوْغِ المديحِ فطمتُهُ

سَوى صَوْغِ مدحي فِي ابْن فَاطِمَة الزَّهرا)

(أَبى الظفر المنصورِ أحمَدَ مَنْ رَقَى

سماءَ المعالى وامتطى الأنجُمَ الزهْرا)

(وَمن قد علا هامَ الممالكِ مذ نشا

ودبَّرها مِنْ قبْلِ أَن يبلغ العَشْرَا)

(ومَنْ جَرَّ من فَوق النجومِ ذيولَهُ

فقنعتِ الجوزا وعممت النَّسْرَا)

(علا ذروةَ فِي المَجْدِ أكسَبَ فخرُهَا

بَنِى هاشمٍ عِزَّا كسا جدّهُمْ فخرا)

(ومِنْ دوحة السبطَيْنِ أنبع غُصْنه

وَمن نفْحة الريحانَتَيْنِ ملي عطرا)

(بِهِ افتخرَتٍْ آلُ النبيِّ وعظمَتْ

قريشٌ وسادَتْ قَومهَا مُضَرُ الحمرا)

(وَمن حَازَ فِي سنِّ الشبيبة رُتْبَة

مِنَ العقلِ والتدبيرِ فاقَ بهَا عُمْرَا)

(يدبِّرُ أمْرَ الملكِ مِنْهُ بهمَّةٍ

لَهُ علَتِ السُيُّوق واعتلَتِ الغفرا)

(ويعلو سريرَ الملكِ ليثاً موقراً

مهيباً كَمَا يَعْلُو المُطَهّمةَ الشَّقْرا)

(ويحميه رأْيٌ مِنْهُ ضاهى رماحه

إِذا مَا حَمَتْهُ أَو ضوازمه البَتْرَا)

(شهابٌ إِذا مَا رمْتَ رَأيا وإنْ تردْ

أَخا غارةٍ يروي القنا خلته ذمرا)

(شُجَاع ربى بَيْنَ الأسنةِ والظبا

ومنذُ نشا أرْضى الصَّوارم والسمرا)

(إِذا جال فِي الهيجَاءِ والخيلُ تدَّعي

فإنَّ كماةَ الحربِ تجعلهُ سِتْرا)

ص: 308

(هزبرٌ تخافُ الأسْدُ منْ سطواته

ألستَ ترَاهَا خيفة تسكُنُ القفرا)

(جوادٌ لقد أخطا الَّذِي قاسَ جودَهُ

بسحبٍ وَهَذَا كفُّهُ يمطرُ التبرا)

(عطاياه لَا تحصَى بعدِّ وَلَا فَمٍ

وَلَا قلمٍ بل بَعْضهَا جَلَّ أَن يُدْرَى)

(مجمعة فِيهِ مآثرُ مَنْ غَدا

معاصره والآتِيينَ ومَنْ مَرَّا)

(شريفُ السجايا من لؤَيِّ بن غالبٍ

محاسنه تُتْلَى وإحسانه تَتْرَى)

(وَلَا عيبَ فِيهِ غَيْر إفراطِ سؤددٍ

وبذل نوالٍ يسترقُّ بِهِ الحرا)

(أَبى الله إِلَّا أنْ تكونَ لَهُ الْعلَا

على كُلِّ مَنْ فِي الأرضِ مِنْ خلقه طرا)

(من المسجِدِ الميمونِ أحمدُ قد سَرَى

إِلَى المسجدِ الأقصَى فسبحانَ مَنْ أَسْرَى)

(ويمَّم ملكَ الرومِ ممتطياً على

نَجَائِب عز فِي الغُدُوِّ وَفِي المَسْرَى)

(وَسَار لسلطانِ البسيطةِ مَنْ لَهُ

جميعُ ملوكِ الأرضِ خاضعة قهرا)

(مليكٌ لَهُ ملكٌ كملكِ سَمِيِّهِ

وأكبره عَنْ أَن أفوه بِهِ ذِكْرَا)

(تكفَّل للدنيا بأرزاقِ أهْلِهَا

فكلُّ ابْن أثنى لَا يجوعُ وَلَا يَعْرَى)

(ومدَّ على أبنائها مِنْ أمانِهِ

رواقاً فَلَا يخشونَ بؤساً وَلَا ضُرَّا)

(وألبسهم جلبابَ عدلٍ طرازه

لكم ذمَّتى أنْ لَا مخاف وَلَا ذُعْرَا)

(ونوَّلَ كلاًّ مَا يريدُ فَمن يردْ

غِنًى أَو حَيَاة ذَاك رزقا وَذَا عُمرَا)

(خليفةُ عدلٍ بالإمامةِ قائمٌ

وَإِن جلَّ ذاتاً عَنْهُمَا وَعلا قَدْرًا)

(لَهُ البسطةُ العظمَى على الخلقِ كُلّ مَنْ

تحيطُ بِهِ الخضرا وتحملُهُ الغبرا)

(لَهُ الملكُ والكرسىُّ والتاجُ والعلا

لَهُ الوقْتُ والأملاكُ تعنو لَهُ قَسْرَا)

(تخرُّ إِلَى الأذقانِ فِي عَتَبَاتِهِ

سُجُودًا عَلَيْهَا لَا ثمينَ لَهُ صغرا)

(وتلثمُ حَصْبًا بابِهِ بمباسمٍ

لَهُم شَرُفَتْ عَن كَونهَا تلثم الدُّرَّا)

(وتعتدُّهُ فخراً ومقدمُ أحمدٍ

عَلَيْهِ مَعَ التَّعظيمِ تعتدُّهُ فخْرا)

(بِهِ هزَّتِ اسطنبولُ مِعْطَفَ تائِهِ

وأضحَى بِهِ إيوانها باسماً ثغرا)

(وشرّفَ مِنْهَا ملْكها ومليكها

ودَوْلتها هزَّتْ وشدَّتْ بِهِ أزرا)

(وجرَّ بِهِ إقليمها ذَيْلَ معجبٍ

وفَاق أقاليمَ البسيطةِ إذْ جَرَّا)

(ومَعْ عِظَمِ الخنكارِ لما بدا لَهُ

محيَّاه كادَتْ أَن تخفَّ بِهِ السِّرَّا)

(وَلما رأى نورَ النُّبُوةِ ساطعًا

يُضىءُ لَهُ من صبْحِ غرَّته الزهْرَا)

ص: 309

(وَشَاهد مِنْهُ صُورَة نَبَويَّةٌ

جمالُ سناها يَبْهَرُ العقلَ والفِكْرا)

(ملا عينه مِنْهُ وقاراً وَهيْبَةً

وحَمَّلها منِ نُورِ طلعته وِقْرا)

(وشرَّفها مِنْهُ بمرأَى جلالهِ

وهيبته مرأَى النبيِّ بالاستقرا)

(وَقرَّبَهُ مِنْهُ وأدنَى محلهُ

وأجلسَهُ من تَخْتِ سلطانِهِ الصَّدْرا)

(وبالَغَ فِي تَعْظِيمه خَافِضًا لَهُ

جناحَ اتضاعٍ مَا أشابَ بِهِ كِبْرا)

(وَأَدْنَاهُ مِنْهُ ثمَّ حَيَّاهُ مطرقًا

ووافاه بالبشرَى وأهْدَى لَهُ البشْرا)

(وَفيَّأَهُ مِنْ جودِهِ ظلَّ رَوْضَة

أمانيه مِنْ أكمامها أطلعتْ زهرا)

(وأثمَرَ فِيهَا غرس رجواه مُدْنِيًا

إِلَيْهِ قطوفاً لَا تُكَلِّفُهُ هَصْرا)

(وأينع فِيهَا غُصْن آماله كَمَا

مطامعه مِنْهَا مزاودها شكْرا)

(وأفق رجاه عَمه سُحْب فَضله

وأجرَى لَهُ مِنْهَا بجريته نَهْرَا)

(وَألبسهُ تشريفةً عاقداً لَهُ

ولايةَ مُلْك من زبيدَ إِلَى مِصْرا)

(وَأَعْطَاهُ مَا الآمالُ تنفدُ دونَهُ

وكُلُّ الأمانِى دون غَايَته حَسْرَى)

(وأكرَمَ مثواه وأحْسَنَ نزله

وأدْخَلَهُ من ملكِهِ جنَّة خضرًا)

(هُنَا طرفه فِيهَا وأَمْرَى جنانه

فَلِلهِ مَا أهنا وَللَّهِ مَا أمْرَى)

(بِهِ قد تسلَّى عَن حبيبٍ ومنزلٍ

فَأصْبح لم ينشدْ قِفَا نبك من ذِكْرى)

(ولكنهُ عَن ذكْرِ والدِهِ وعنْ

رعاياه لم يغفُلْ وَلم يستطعْ صَبْرَا)

(فحرك مِنْهُ ساكنَ الشَّوقِ باعثٌ

يحثُّ مطايا عزمه مِنْهُ بالإغْرَا)

(فَعَاد إِلَى أوطانِهِ عودَ مُرْهَفٍ

إِلَى غمدِهِ من بعد أَن جَاوَزَ النَّحْرا)

(وَجَاء كَمَا يرضى المَمَالِك والعلا

وبيض الظِّبا وَالْملك والنَّهْى والأَمْرَا)

(وأصبَحَ نجاب السُّرورِ مخلقاً

وَقد أرَّج الأرجاء مِنْ عِطْره نَشْرَا)

(وطَبَّقَتِ الأرضُ التَّهَانى لعودِهِ

إِلَى ملكٍ يشدو لَهَا هاتِف السرَّا)

(فقلَّصه مُذْ بلَّغته دياره

حرَام على الأكوار تعلو لَهَا الظّهْرَا)

(علينا لَهَا لَثْمُ النحورِ وفرشنا

خدوداً لممشاها لنوفي لَهَا النذرا)

(فيابا سُلَيْمَان النَّدَى وَالَّذِي اعْتَلَى

عَلَى صهوةِ العلياءِ مذ شَرِبَ الدرا)

(لِيَهْنِكَ مَا قُلِّدتَّ فاستَخْدِم الظبا

وسُمْرَ القنا والسعْدَ والعِزَّ والنصرا)

(فمثلكَ لم ننظرْ مليكاً مُعظَّمًا

تُظَلّلُهُ الخضراءُ فِي حلَّةٍ صفرا)

ص: 310

(فَلَا زلْتَ سلطانَ الحجازِ وفخرَهُ

وتاجَ بني الزهرا وغُرَّتها والغرَّا)

(فهمْ سبَبُ التقوَى وهم أنجُمُ الهدَى

وهُمْ شرَفُ الدُّنْيَا وهُمْ سادة الأُخْرَى)

(بهم تفرجُ الغما بهم يُكْشَفُ البلا

بهم تُرْفَعُ اللأوا بهم نَدْفَعُ الضرا)

(بهم يأمنُ الناسُ المخاوفَ فِي غدٍ

إِذا خيف أَن تُعْطى الصَّحائِفُ باليُسْرَى)

(وهم أهلُ بيتٍ أذهَبَ الله رجْسَهُمْ

وَطهَّرهُم من أنْ يُنِيطَ بهم وِزْررا)

(وهم نعمةُ البارى على الخَلْق إِذْ غَدَوْا

نجاةً لَهُم لكنَّ نعْمَته الكُبْرَى)

(على خلقه فِي الأرضِ نَجْمُ الْعلَا أَبُو

نميَّ الَّذِي قد فاق فِي عَدْلِهِ كِسْرَى)

(مليكٌ لَهُ نورُ النبوةِ هالةٌ

مُحَيَّاهُ مِنْهَا قد أضاءَ لنا بَدْرا)

(مليكٌ لَهُ نَهْرُ الرسالةِ موردٌ

فأكْرمْ بمورودٍ وأكْرمْ بِهِ نَهرا)

(بِهِ شرَّفَ الله الزَّمانَ وَأَهله

وحَلَّى بِهِ الدُّنْيَا وزانَ بِهِ الأخْرَى)

(وأنطَقَ أفْوَاهَ الثَّنَاءِ بحمدِهِ

وأجرَى لَهُ من كلِّ ناطقهِ شُكْرا)

(وتوج هاماتِ المنابرِ باسمه

وزان بِهِ الأقْلَامَ والطرْسَ والحِبْرَا)

(وأرسَلَ جبريلَ الأمينَ لجدِّهِ

خديماً وَفِي أوصافِهِ أنزلَ الذكْرَا)

(فَمَاذَا عسَى فِيهِ يقالُ ومدحُهُ

أَتَانَا بِهِ التَّنْزيلُ فى سُورة تُقْرَا)

(ومَنْ كَانَ جبرائيلُ حَامِلَ مَدْحِهِ

ومادحه الْقُرْآن لَا يرتَضِى الشِّعْرَا)

(وَلَو نُظِّمَتْ زهر النجومِ قلائداً

بجنْبِ علاهُ كانَ فِي حَقِّهِ هجْرَا)

(هُوَ ابنُ الألَى مدُّوا سرادقَ مَجْدِهِمْ

وفخرهم فَوق السِّمَاكَيْنِ والنّسْرَا)

(ملوكٌ غطاريفٌ جحاجحُ نُخبةٌ

ليوثٌ غيوثٌ سَادَةٌ قادةٌ غرَّا)

(صناديدُ صِيدٌ أوجبَ الله مدحَهُمْ

وحسبهم إلَاّ مَوَدَّتَهُم أجْرَا)

(وهم أهلُ بيتٍ لَا صلاةَ لكُلِّ مَنْ

يصلِّى وَلَا يجْرِي لَهُم ضمنهَا ذِكْرَا)

(وهم تَاج أَرْكَان الصَّلَاة وَذكرهمْ

طراز على عطفي تحياته الْأُخْرَى)

(غَدا حُبُّهُمْ فرضا وطاعَتُهُمْ هُدَى

وقُرْبهم مَنْجًى وبغضهم كُفْرَا)

(ومدحهم فخراً وَلَا سِيمَا أَبُو

رُمَيْثَةَ مِنْهُم حُبُّهُ زَادَنِى فخرَا)

(هُوَ الملكُ المنصورُ أندى الورَى يدا

وأغزرُهُمْ حظَّا وأوسعُهمْ صَدْرَا)

(وأرجحُهُمْ عقلا وأشرفهم أَبَا

وأصوبُهُمْ رَأيا وأكثرُهُمْ بِرَّا)

(يفوقُ ملوكَ الأرضِ عزَّا وهمَّةً

وبأسَا وجودا يفضحُ الليْثَ

ص: 311

(يصيِّرُ حد السَّيْف كلَاّ بحلمه

ويتركُ وردَ الماءِ مِنْ عزمِهِ جمرا)

(إِذا مَا دَهَى أمرٌ من الخَطْبِ فادحٌ

تبيتُ بردِّ الأمْرِ مقلته سَهْرَا)

(وَلم يستَتِرْ إِلَّا بضوءِ حسامِهِ

وَلم يستشِرْ إِلَّا الرُّدَينْيَّةَ السَّمْرَا)

(وَإِن رام أمرا فالقضاءُ مُسَاعِدٌ

لَهُ واللَّيالى لَيْسَ تَعْصِى لَهُ أمرا)

(هُوَ البَطل المقْدَامُ فِي يومِ غارةٍ

يقوم مقَاما يُرْعِدُ العسكَر المجرا)

(عواليه فِي نَظْمِ الكلى جَادَ صنعها

كَمَا فِي الطّلَا أسيافُهُ جادَتِ النثرا)

(إِذا اربدَّ تفترُّ الأَسِنَّةُ والظبا

وتَجْرِى بُكَا عينِ النضار إِذا افترَّا)

(يَدَاهُ لنفعِ الخلقِ مملوءةٌ ندًى

فيمناه واليسرَى بهَا اليُمْن واليسرا)

(ورُبَّ يراعٍ تشخصُ البيضُ هَيْبَة

لسطوتِهِ والسُّمْرُ تنظُرُه شَزْرَا)

(إِذا مَا جرَى فِي الطرْس قُلْ قَدَرٌ جَرَى

فَإِن شَاءَه خيرا وَإِن شاءه شَرَّا)

(مليكٌ إِذا حاولت ضبطَ صفاتِهِ

فلنْ تستطعْ ضَبطًا لذاك وَلَا حَصْرَا)

(فيا با نُمَىّ الْملك وَالْملك الَّذِي

يجلُّ عَن الألقابِ والمدحِ والإطرا)

(لقد صدَحَتْ فِي الكونِ صادحةُ الهنا

تُغَرِّدُ فِيهِ بالمسَرَّةِ والبشرَى)

(بمَقْدَمِ مَنْ أنتجته وادخَرْتَهُ

وليّاً لعهدِ الملكِ أَعْظِمْ بِهِ ذُخْرا)

(بمقدمه ورق البشائِر قد شَدَتْ

وكلُّ فؤادٍ من بشائرها استرا)

(وَقد عَمَّ أقطارَ الحجازِ قدومُهُ

سُرُورًا كَمَا عَمَّ العراقَيْنِ مَعْ بُصْرَى)

(ووافَى وكلُّ شيقٌ لِلقَائه

كَمَا اشتاقَ حيٌّ عامَ إجدابِهِ القطرا)

(وَقد آنسَ البيتَ الشريفَ وَأَهله

ومكَّة والركْنَ المكرمَ والحِجْرا)

(وأضحَى محيّا مكةٍ متهللاً

سُرُورًا بمرآه وناظرُهُ قَرَّا)

(وَكَانَ لَهُ عيداً وَلكنه غَدَا

لباغِضِهِ نحْرًا وحاسده فِطْرا)

(وخلعته الصَّفْرَاء مِنْهَا لَقَدْ رَمَوْا

سَوَادًا وذكْرَاها ملا سمعَهُمْ وقْرا)

(بِهِ قد تحلَّتْ والمراسيمُ شُرِّفَتْ

وَشرف مُهْديها لَهُ والذى يَقْرَا)

(فَدُمْ وليدُمْ والملكُ طوعُ يديكما

ومدحُكُمَا يستغرقُ الحمدَ والشُّكْرا)

(وهاكَ من الدُّرِّ النضيدِ قصيدةً

تَغَارُ قوافِى الشعْرِ مِنْ رَسْمهَا بالرَّا)

(منقَّحةَ المعنَى مُصَحَّحَة الْبَنَّا

مهذَّبة الأَلْفَاظِ طَيِّبَةَ المقرا)

(تضوَّعَ رَيَّاها عليكَ وَلم أكُنْ

على مِثْلِ كافورٍ أضِيعُ لَهَا نشرا)

ص: 313

(لعمرِيَ لَا أرضَى القريضَ بِضَاعةً

ويَبْخَسنِى لَو أنني قُلْتُهُ دُرَّا)

(وَمَا الشعْرُ إِلَّا دونَ قَدْرِى وَبَعض مَا

لذاتي مِنْ فضلٍ وَلم ينضبطْ حصرا)

(وُدونَكَهَا مِسْكُ الصَّلاةِ خِتَامُهَا

على أحمدَ المحمودِ فِي الفتْحِ والإِسْرَا)

هَذَا مَا ذكره الكثيري فِي الْوَسِيلَة وَغَيره وَقد ذكر السَّيِّد مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي ذَلِك مفصلا مَعَ زيادات وَبَعض مخالفات أَحْبَبْت ذكر جَمِيعه تتميماً للفائدة قَالَ تشرف مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن أبي نمي بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان بحماية الْحَرَمَيْنِ الشريفين بعد وَفَاة وَالِده الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات سنة ثَلَاث وَتِسْعمِائَة وَكَانَ سُلْطَان مصر يَوْمئِذٍ مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان قايتباي ثمَّ فِي جُمَادَى من الْعَام الْمَذْكُور تولى الشريف يحيى بن سبيع إمرة الينبع وَوَقعت بِمَكَّة فتْنَة عَظِيمَة بَين الشريف بَرَكَات وأخيه هزاع وارتحل هزاع مَعَ أَخِيه أَحْمد الجازاني فِي خَمْسمِائَة فَارس من ذويهما ونزلوا بالينبع وكاتبوا السُّلْطَان فِي إمرة مَكَّة بِمِائَة ألف دِينَار جَدِيد وافترقت الدولة مَعَ الْأَخَوَيْنِ فرْقَتَيْن لَكِن سعد بَرَكَات غَالب ثمَّ إِن السُّلْطَان برز أمره العالي بِتَعْيِين الْمقر الْكَرِيم البدري مُحَمَّد بن مزهر لإخماد الْفِتْنَة الْمَذْكُورَة وَفِي عَام سِتّ وَتِسْعمِائَة تسلطن الْملك قانصوه الغوري بتخت مصر فَجهز للشريف هزاع بن مُحَمَّد خلعة سنية بإمرة مَكَّة المشرفة صُحْبَة أَمِير الْحَاج فلاقاه من يَنْبع وَلبس التشاريف السُّلْطَانِيَّة وَسبق إِلَى مَكَّة لتمهيد الْبِلَاد وتطمين الْعباد فلاقاه الشريف بَرَكَات خَارج مَكَّة فاقتتلا قتالاً شَدِيدا فانكسر هزاع وَلحق بأمراء الْحَاج فأعانوه وَأَقْبلُوا بجموعهم من العساكر وَالْحجاج على الشريف بَرَكَات فولى عَن محاربتهم إِلَى جدة وَمَا يَليهَا وَنهب بعض عساكره كل مَا مروا بِهِ وَدخل الْحجَّاج مَكَّة وَمَعَهُمْ الشريف هزاع وهم على غَايَة الْخَوْف والوجل من الشريف بَرَكَات وَترك أَكثر النَّاس الْحَج خوفًا على أنفسهم وَأَوْلَادهمْ وأهاليهم ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات جمع عساكره وتوابعهم وَنزل ببدر راجياً من الله مَا حصل لجده عليه الصلاة والسلام من النَّصْر فَعَاد الْحَاج الْمصْرِيّ والشامي بعد قَضَاء الْمَنَاسِك والشريف هزاع مَعَهم حماية لَهُم فَلَمَّا قرب من بدر ولى هَارِبا إِلَى يحيى

ص: 313

ابْن سبيع بالينبع فَعَاد الشريف بَرَكَات إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا وَاسْتمرّ هزاع بالينبع وَالْحَرب بَينهمَا سِجَال وَفِي عَام سبع وَتِسْعمِائَة مَاتَ الشريف هزاع فَدفن بِمَكَّة وَبعد مَوته عقد مجْلِس فِي الْحطيم صَدره القَاضِي أَبُو السُّعُود بن إِبْرَاهِيم بن ظهيرة وَفِيه الْقُضَاة والحكام والأمراء من الْعَرَب والأورام وَفِيهِمْ الشريف جازان وَمَالك بن رومي شيخ طَائِفَة زبيد وأعيان الشرفاء الْكِرَام وتفاوضوا فِيمَن يَلِيق لإمرة مَكَّة المشرفة وَطَالَ بَينهم الْكَلَام فَقَالَ مَالك بن رومي مَا أَمِير مَكَّة وسلطانها إِلَّا جازان وَمَا كَانَ هزاع إِلَّا بِهِ وبركات مَا لَهُ إِلَّا السَّيْف فَسكت الْحَاضِرُونَ جَمِيعهم طَويلا فَقَالَ القَاضِي أَبُو السُّعُود فَمن يَليهَا الْآن وَتَكون فِي وَجهه فَقَالَ مَالك الشريف جازان وَبَنُو إِبْرَاهِيم مَعَه فِي ذَلِك فَنُوديَ لجازان فِي شوارع مَكَّة بالبلاد ثمَّ كَانَ بَين الشريف بَرَكَات والشريف جازان حروب مُتعَدِّدَة ومواقف متكررة لحق ضررها الْحَاج وَاخْتلفت كلمة العربان وَخَرجُوا على الْحجَّاج ونهبوا أَمْوَالهم وَقتلُوا رِجَالهمْ فِي جَمِيع الطرقات وَسَائِر الْمنَازل وَفِي هَذَا الْعَام وَهُوَ عَام سبع وَتِسْعمِائَة رفعت الشكوى إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة بِأَن جازان استولى على مَكَّة وَمَعَهُ الشريف يحيى بن سبيع وَجمع من بني إِبْرَاهِيم وَأَنَّهُمْ صادروا من كَانَ بهَا من التُّجَّار والرؤساء وَأخذُوا من الْمولى شمس الدّين الْعَيْنِيّ خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار وَأَن بني إِبْرَاهِيم تحكموا فِي أهل مَكَّة بالبلص وَالْفساد وَأَن يحيى ابْن سبيع هَذَا رَأس الْفِتْنَة وضجت المجاورون وعزم الْجَمِيع على الْهَرَب من مَكَّة فِي أَرْبَعِينَ مركبا أعدوها ببندر جدة فَمَنعهُمْ الشريف جازان وَوَعدهمْ بِرَفْع المكاره عَنْهُم وطمن خواطرهم وَالْتزم لَهُم أَن يُجهز مَعَ كل مُسَافر من الْحجَّاج من يوصله إِلَى مأمنه فَلم يقبلُوا مِنْهُ ذَلِك لِأَن ميلهم إِلَى الشريف بَرَكَات أَكثر وَقُلُوبهمْ محبَّة لَهُ وَذَلِكَ لعدم طمعه فِي أَمْوَالهم وكف الْأَذَى عَنْهُم بِكُل طَرِيق بِحَيْثُ يدْفع من مَاله لأهل الشَّوْكَة من العربان سكان الْبَوَادِي لأجل حماية الْحجَّاج وعطفوا على الشكوى عدَّة مكاتيب لمولانا الشريف بَرَكَات أَن يُقيم بِمَكَّة أَمِيرا لَهَا وَجَمِيع من بهَا من الْعَسْكَر والرعايا عون لَهُ على جازان عناية من الله تَعَالَى بِهِ فوصل إِلَيْهَا فَلَمَّا بلغ ذَلِك الشريف جازان أقبل مُحَاربًا للشريف بَرَكَات فاقتتلا قتالاً شَدِيدا فِي

ص: 314

مَوَاقِف عديدة وَصدق مَعَ الشريف بَرَكَات من ذكر فِيمَا وعدوه بِهِ من الْإِعَانَة فَكَانَت الكسرة على جازان فهرب إِلَى الْيمن ثمَّ وصلت الْحجَّاج وَلم يكن بِمَكَّة أحد من جمَاعَة جازان غير ولد يحيى بن سبيع فَلبس الخلعة نِيَابَة عَن جازان بولايته السَّابِقَة وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف بِمَكَّة على غَايَة من الْقُوَّة والشوكة فَلم يحدث بِمَكَّة حَادِثا إجلالاً لشعائر الدّين وحقناً لدماء الْمُسلمين فَلَمَّا شَاهد ذَلِك أُمَرَاء الْحَاج ورؤساء الوفاد ألزموا الشريف بَرَكَات بالتوجه إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة لتحصل لَهُ كرامات بالإمرة وَغَيرهَا من مراداته السّنيَّة مُكَافَأَة لصنيعه الْمَذْكُور وسعيه المشكور فتوجة وَتوجه مَعَه إخْوَته قايتباي وَأَبُو الْخَيْر وعنقا فقابلهم السُّلْطَان مُقَابلَة عَظِيمَة وألبسهم خلعاً تلِيق بأحسابهم النَّبَوِيَّة الْكَرِيمَة وَاسْتمرّ على غَايَة الاحترام والاحتشام مَعَ الْكِفَايَة التَّامَّة من اللبَاس وَالشرَاب وَالطَّعَام فوردت بمحضرهم إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة كتب من نائبهم بِمَكَّة المحمية بِأَن الشريف جازان لم تسكن مَعَ ولَايَته الْفِتَن وَحصل لأهل مَكَّة من جماعته أَنْوَاع الظُّلم والجور والمحن وَبِأَن الْأَمِير بكباش مَكَّة المشرفة صَار يُؤمن الشريف جازان وَيظْهر لَهُ الشَّفَقَة والمحبة فَصَارَ يتَرَدَّد بِالْحرم الشريف وَيكثر الطّواف فاتفق أَن هجم عَلَيْهِ طَائِفَة من الأتراك المماليك وقتلوه بالمطاف ضربا بالخناجر والسكاكين ثمَّ احتزوا رَأسه وَأَن الباش الْمَذْكُور ألبس أَخَاهُ الشريف حميضة خلعة بإمرة مَكَّة لغيبة الشريف بَرَكَات عَنْهَا وَأَن النَّاس يتمنون الشريف بَرَكَات راضين عَنهُ فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى مصر بذلك توجه الشريف بَرَكَات مَعَ أَخَوَيْهِ الْمَذْكُورين من مصر إِلَى الْحجاز من غير إِذن من السُّلْطَان ثمَّ أرسل مطالعة إِلَى السُّلْطَان يذكر فِيهَا أَنه عبد لمولانا السُّلْطَان وَإِنَّمَا توجه خوفًا من الطَّاعُون فَمنع السُّلْطَان جَمِيع من كَانَ مَعَ بَرَكَات من عِيَال وَأَتْبَاع من التَّوَجُّه إِلَيْهِ ورسم عَلَيْهِم بِمصْر المحروسة فَلَمَّا كَانَ موسم عَام تسع وَتِسْعمِائَة برز أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ فِي شَوْكَة عَظِيمَة وعساكر جرارة وَزِيَادَة فِي السِّلَاح والمدافع خوفًا من الشريف بَرَكَات فَلَمَّا بلغ

ص: 315

الشريف بَرَكَات الْخَبَر أرسل رَسُولا إِلَى أَمِير الْحَاج وصل إِلَيْهِ فِي عُيُون الْقصب مَعَه مكاتيب مضمونها أَن الْحَج يتَوَجَّه مَعَ سَلامَة الله تَعَالَى لَا خوف عَلَيْهِ وَأَنه فِي خدمَة السُّلْطَان بحراسة الْحَاج وتطمين سَائِر الْحجَّاج بِمَكَّة وعرفة حَتَّى يؤدوا الْمَنَاسِك جَمِيعهَا ويعلنوا بِالدُّعَاءِ لمولانا السُّلْطَان ثمَّ يعودون إِلَى أوطانهم وَأَنه باذل نَفسه وَأَوْلَاده وَإِخْوَته ورجالهم ومالهم فَلَمَّا بلغ الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان رَضِي عَن الشريف بَرَكَات رضَا تَاما وجهز إِلَيْهِ عِيَاله وَأَتْبَاعه وَبَلغت الْأَخْبَار أهل مَكَّة فتهيئوا لِلْحَجِّ بعد عزمهم على تَركه وَكَانَت سنة هنيَّة وَأهل مَكَّة فَرِحُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فضلَة بِوُجُود الشريف بَرَكَات بَين أظهرهم على عَادَته الجميلة ثمَّ إِن الشريف حميضة قَابل الْحَاج الْمصْرِيّ مَعَ يحيى بن سبيع بالينبع وَلبس الخلعة بتولية الباش الْمَذْكُور فَبلغ ذَلِك الشريف بَرَكَات فَمَنعه من دُخُول مَكَّة وَكَانَ مَعَه طَائِفَة من بني إِبْرَاهِيم وحلفائهم فأشاروا عَلَيْهِ بِالْخرُوجِ على الْحَاج وقتالهم وَقتل جمَاعَة الشريف بَرَكَات وَأخذ أَمْوَالهم فَفَعَلُوا ذَلِك وحصلت شدَّة عَظِيمَة من النهب وَالْقَتْل ثمَّ أجمع رَأْيهمْ على دُخُول مَكَّة ووقوفه مُنْفَردا بِعَرَفَة وَألا يَقع بَينهمَا حَرْب حَتَّى يَنْقَضِي زمن الْمَوْسِم وَيدْفَع حيمضة إِلَى الشريف بَرَكَات خَمْسَة آلَاف دِينَار ذَهَبا فَلَمَّا وصل بَنو إِبْرَاهِيم إِلَى مَكَّة تحركت نُفُوسهم الخبيثة وضغائنهم السَّابِقَة فنهبوا بعض دور مَكَّة وعاثوا حَتَّى فِي الْحرم الشريف فبادر الباش وَمن مَعَه لقتالهم وَقتل أَرْبَعَة من أعيانهم وَذهب الشريف حميضة مَعَ يحيى بن سبيع إِلَى الينبع وجمعوا جموعاً على نِيَّة أَخذ الْحَج وَقطع الطَّرِيق فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى السُّلْطَان رسم بِالْقَبْضِ على جَمِيع من بِمصْر من بني إِبْرَاهِيم والصيادلة المتسببين بالشوارع كالصيارف والعطارين وَنَحْوهم والإحاطة بِسَائِر أَمْوَالهم وَقَبضهَا وَأخذ مَا بِأَيْدِيهِم من السِّلَاح خُصُوصا من أَرَادَ اللحوق بِيَحْيَى بن سبيع وَمن مَعَه ثمَّ عين تجهيزة عَظِيمَة من الْأَبْطَال والشجعان وأعيان الفرسان ومقدمهم الْأَمِير خاير بك الأِشقر وَأمرهمْ بِالْقَبْضِ على جَمِيع من خرج من الطَّاعَة وَحمل من يَلِيق حمله وَقتل من يسْتَحق الْقَتْل

ص: 316

فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى يحيى بن سبيع جهز قَاصِدا مَعَه عشرُون ألف دِينَار بِشَرْط إبِْطَال التجهيزة الْمَذْكُورَة وَأَن كل من بالحجاز طائع فَلَمَّا وصلت زَادَت فِي غضب السُّلْطَان فَجهز زِيَادَة على الْأَوَّلين أُمَرَاء متعددين وَصرح لَهُم أَن يفتكوا بِيَحْيَى بن سبيع وبينى إِبْرَاهِيم وبجميع من يناصرهم وَيكثر سوادهم وَأَن يمهدوا جَمِيع الأقطار الحجازية فَالْتَقوا مَعَ يحيى بن سبيع وَمَالك بن رومي والشريف حميضة وَجَمِيع بني إِبْرَاهِيم وتوابعهم غرَّة شَوَّال بالدهناء بِالْقربِ من يَنْبع وَسبق الْخَبَر إِلَى مَكَّة إِلَى مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وَأَن جمَاعَة من بني إِبْرَاهِيم تواعدوا على تبييت العساكر السُّلْطَانِيَّة وَأَن يأتوهم لَيْلًا مُتَفَرّقين إيهاماً للكثرة وَلِأَنَّهُم لَا يعْرفُونَ الْبِلَاد والغريب أعمى فَركب الشريف بَرَكَات من فوره فَوَافَقَ وُصُوله نزُول الْعَسْكَر وَلَيْسَ عِنْد بني إِبْرَاهِيم من وُصُوله خبر فَاجْتمع من بني إِبْرَاهِيم سَبْعُونَ فَارِسًا وقصدوا مَا قصدُوا فَركب الشريف بَرَكَات سَرِيعا وفاجأهم بالدهناء وَقَاتلهمْ من الظّهْر إِلَى اللَّيْل ففر أهل الْخَيل وَوَقع الْقَتْل فِي الرجالة واقتلع مِنْهُم خيولاً وَظهر عَلَيْهِم ظهوراً هاشمياً والعساكر السُّلْطَانِيَّة ينظرُونَ إِلَى موقف مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وشجاعته وَقُوَّة بأسه حَتَّى تحيرت عُقُولهمْ ثمَّ عزموا لقَضَاء حجهم وَأَدَاء مناسكهم وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة وَتِسْعمِائَة كَانَ مولد مَوْلَانَا الشريف أبي نمي بن بَرَكَات كَمَا سَيَأْتِي ذكره وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة وَتِسْعمِائَة حج الشَّيْخ أَجود بن زايد فِي جمع عَظِيم يُقَال إِنَّهُم يزِيدُونَ على ثَلَاثِينَ ألفا وَفِي سنة ثَلَاث عشرَة وَتِسْعمِائَة وصل مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات إِلَى جبل الروحاء بِالْقربِ من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَقتل مَالك بن رومي الزبيدِيّ الَّذِي كَانَ سَببا فِي نهب مَكَّة المشرفة وَقتل أَوْلَاده الثَّلَاثَة معوض وقادم وداغر وأخاه مشهون بن رومي وَطَائِفَة كَثِيرَة مِنْهُم وَمن أتباعهم من ذَوي روايا وذوى جمَاعَة وَفَرح النَّاس بِقَتْلِهِم وطيف برءوسهم فِي الْبِلَاد وَأرْسل بهَا إِلَى مصر فَنصبت على أَبْوَاب سورها وَكَانَت حجَّة هنيئة وَطَابَتْ الخواطر واطمأنت الْقُلُوب وَفِي سنة خمس عشرَة وَتِسْعمِائَة توجه السَّيِّد عرار بن عجل بهدية من مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات تشْتَمل على أقمشة نفيسة ورقيق جميل وخدام حسان وَعشْرين ألف

ص: 317

دِينَار ذَهَبا وَعشْرين فرسا مسمية وَمَا يتبع ذَلِك ويناسبه وَثَلَاثَة آلَاف دِينَار للدوادار فقابله السُّلْطَان مُقَابلَة عَظِيمَة وَألبسهُ خلعة لقدومه وخلعة عِنْد تَقْدِيم الْهَدِيَّة وخلعة عِنْد الْوَدَاع وَأرْسل مَعَه هَدِيَّة عَظِيمَة للشريف وخلعاً سنية ثمَّ حلف لَهُ أيماناً مُؤَكدَة أَنِّي رَاض عَن الشريف بَرَكَات رضَا تَاما خُصُوصا لما وصلت إِلَيْنَا رُءُوس زبيد وَمن مَعَهم لِأَن فِي نَفسِي مِنْهُم حرا شَدِيدا بِمُوجب خُرُوجهمْ على الْحجَّاج وقتلهم ونهبهم الْمرة بعد الْمرة وقطعهم الطَّرِيق فِي أَيَّام سلطاني وَكسر ناموسي وَلَو لم يشف خاطري الشريف بَرَكَات من طَائِفَة زبيد بخصوصهم لَخَرَجت إِلَيْهِم بنفسي وَكتب لمولانا الشريف كتبا عَظِيمَة فِيهَا تَعْظِيم تَامّ وخاطبه بِلَفْظ مَوْلَانَا وشريفنا وفوض إِلَيْهِ أَمر الأقطار الحجازية حَتَّى يَنْبع فَلَمَّا وصل السَّيِّد عرار بِمَا مَعَه من الْهَدِيَّة وَالْخلْع وَالشُّكْر التَّام حصل لمولانا الشريف بَرَكَات السرُور التَّام ومدحته الشُّعَرَاء وَمن أعظمهم مَوْلَانَا شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحُسَيْن بن العليف الْمُسَمّى شَاعِر الْبَطْحَاء بقصيدة ذكر فِيهَا ظفره بزبيد وَقَتله شيخهم مَالك بن رومي وَقد أَجَاد فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //

(ذرى العزِّ مَا قامَتْ عَلَيْهِ الممالكُ

وَمَا شَيَّدتْهُ المرهفاتُ البَوَاتكُ)

(وَمَا أَعتقَتْ فِيهِ الفوارسُ فِي الوغَى

وَمَا صافَحَتْ فِيهِ الصِّفَاحُ النَّيازكُ)

(وقتلُ العدا صبرا كَمَا شاءتِ الظبا

ونيل المنَى والفائتُ المتداركُ)

(وَمَا المجدُ إِلَّا مَا وترت بِهِ العدَى

فدارَتْ بهم رِيح الْحمام الحَواشكُ)

(وعزم يبيد الخَيْلَ والعيس بالسّرَى

تكلُّ بِهِ أخفافها والسَّنابِكُ)

(لعمرُكَ مَا تغني الشَّجَاَعةُ فِي الفتَى

إِذا الرَّأْيُ فِي تَدْبِيرها لَا يُشَاركُ)

(وَلَا يرفعُ الجودُ الجوادَ لفعلِهِ

إِذا لم يكُنْ والطبعُ للنفسِ مالكُ)

(وَمَا لم يكنْ قطعُ الكريمِ كوصلِهِ

وَألا فَمَا تغنِى السيوفُ البواتكُ)

(فدى لأبي عجلانَ مَنْ رام سعيَهُ

ومِنْ دون مَا رام الحتوفُ النواهكُ)

(فتَى تردُ الآمالُ منهلَ جودِهِ

فتصدرُ عَنهُ وهْوَ جذلانُ ضاحكُ)

(إِذا سارَ سارَ الجودُ يحْدُو ركابَهُ

وَإِن بركَتْ عَنْ سَيرهَا فَهْوَ باركُ)

(يذودُ عَن المجدِ الأثيلِ بطاعنٍ

لَهُ عزماتٌ فِي القلوبِ سوالكُ)

(حَمَى حوزةَ العَلياءِ مِنْهُ مهندٌ

إِذا مَا انتضَى ماضي الغرارينِ باتكُ)

ص: 318

(وَفِي التاجِ غيثٌ بالحيا متهلِّلٌ

وَفِي الدرعِ ليثٌ والتريكة زامكُ)

(أباد العدَا فاستَدْرَكَ السَّيْف فَوته

وَمن قبلهَا فِي الغِمْدِ لَا يتماسكُ)

(وذاقَتْ بِهِ سوء النكالِ بِمَا جَنَتْ

فأضحَتْ ومثواها الكدَى والدكادكُ)

(شفا بالقنا حرَّ النفوسِ من العدا

وزالَتْ بِهِ تِلْكَ الهمومُ السوادكُ)

(عزيزٌ عَلَيْهِ أَن ينامَ وَلم تَقُمْ

بأرضِ العدا بالصافناتِ المعاركُ)

(فتَى الحربِ لَا تثنيه خودٌ عَن الوغَى

رَدَاحٌ وَلَا تصبيه دُعْجٌ ركاركُ)

(أبَى غيرَ ظلِّ الرمحِ أَن يدْرك المنَى

فَلَمَّا انقضَى حنَّتْ إِلَيْهِ الأرائكُ)

(وَأقسم لَا يثني عَن الحرْبِ عزمَهُ

إِلَى أَن ترى فِيهِ الدِّمَاء سوافكُ)

(أباحَ حمَى الأعداءِ مِنْهُ بغارةٍ

كأنَّ الضحَى فِيهَا من النقعِ حالكُ)

(يؤلّبُ مِنْ أبنا أَبِيه عِصَابَة

كِرَام سَرَاة كالجبالِ سوامكُ)

(أَقَامُوا صُدورَ الناعجاتِ وجَنْبها

إِلَيْهَا المَذاَكِى فِي السلاحِ شوائكُ)

(كأَنَّ مواطي الصافناتِ أهلَّةٌ

ووَطْءَ مطاياهم بُدُورٌ فوالكُ)

(نماهم إِلَى العلياءِ والمجدِ والندَى

أبوَّةُ صدقٍ أخلَصَتْها السبائكُ)

(مناعيرُ فِي الهيجا مساعيرُ فِي الوغَى

إِذا نكصَتْ عَنْهَا اللئامُ الضرائكُ)

(يذبُّونَ عَن أحسابِهِمْ بسيوفهم

إِذا ضربَتْ صفحاً لَدَيْهَا الوكاوكُ)

(ثَوَوْا فِي ظهورِ اليعملاتِ كَأَنَّمَا

مجالسُهُمْ كيرانها والمياركُ)

(سَرَوْا لاقتناصِ المكرماتِ يذودُهُمْ

عَن النومِ هَمٌّ بالجوانِحِ سادكُ)

(يهزونَ أشطانَ القنا فِي أكفِّهم

كأنَّ أعاليها بروقٌ نوابكُ)

(إِذا سَار فيهم خِلْتَ بَدْرًا وأنجماً

ثوابت فِي أفلاكها لَا دوالكُ)

(ويَقْدُمُهُمْ ماضِى العزيمةِ مقدمٌ

على الهولِ مَيْمُون اللثام مباركُ)

(يشيح بِهِ ظامِى الفصوصِ مطهَّمٌ

وأورق مَفْتُول الذراعَيْنِ تامكُ)

(أَبُو حَسَن السَّامِي بنَفْسٍ ووالدٍ

وَفِي منهجِ العلياءِ والعزِّ سالكُ)

(كريمُ المساعِى صادقُ الْوَعْد مَنْ غَدا

وليسَ لَهُ فِي المكرماتِ مشاركُ)

(وأنتَ أَبَا عجلانَ رائشُ نبلهم

إِذا دهمَتْ تِلْكَ الخطوبُ النواهكُ)

(وكَمْ لَك أعضادٌ شدادٌ على العدا

وأنْتَ لعلياهم سنامٌ وحاركُ)

(إِذا وعد اللهُ الفتَى مِنْهُ نصْرَة

وعزَّا وسعداً أيدته الملائكُ)

ص: 319

(أرادتْ زبيدٌ فِي جنابكَ دولة

فضلَّتْ بهَا أوهامها والشكائكُ)

(غَوَتْ عَن طَرِيق الرشد مِنْهَا سفاهةً

وجهلاً وغرتها ظنونٌ بواشكُ)

(مَتى كانتِ الأوغادُ ترقَى إِلَى الْعلَا

وتسمو إِلَى عالي الأمورِ الزكازكُ)

(وتخطبُ أوشاب الشوايا مراتباً

وتنهضٌ للحرْبِ الزبون الحواتكُ)

(طرقتهمُ وقْتَ الهجيرِ بصكَّةٍ

عمي لَدَيْهَا فاتك العزمِ فاركُ)

(وطفْتَ عَلَيْهِم يَا همامُ بنيَّةٍ

كَمَا طافَ بالبيتِ المعظَّم ناسكُ)

(فغادرتَهُمْ صرعَى بكلِّ تنوفةٍ

تناوحهم ريحُ الصَّبا والروائكُ)

(تَقَاعَسَ مِنْهَا مَالك ومشهون

وكُلّ لَدَى الهيجاء ألوى مماحكُ)

(وقامَ بهَا ميل المقرّضِ واستوَى

وَمن قبلهَا فِي مَشْيه يتباوكُ)

(وطار بهَا خوفًا أَخُوهُ وقلَصَتْ

خصاه وولَّى وَهُوَ حيرانُ عانكُ)

(وزين وبازان بروك وقادمٌ

وداغر فِي البوغاءِ بئْس المباركُ)

(لعمرُكَ لَو لم تطلُب القومَ غالهم

بسعدِكَ مِنْ دونِ الطلابِ المهالكُ)

(وأغناك عَنْ حَثِّ المطيةِ رائدٌ

من الذُّلِّ فيهم حابل النومِ حابكُ)

(لَئِن كنْتَ عَن عمدٍ هدمْتَ عروشَهُمْ

فَإنَّك بانيها قَدِيما وسامكُ)

(توهَّمها الروميُّ نهضةَ عاجزٍ

وَلم يَدْرِ أَن الليْثَ بالعيرِ فاتكُ)

(جرى طرفه ملْء العنانِ إِلَى المدى

وطرف الردى فِي جَفْنه عَنهُ ساهكُ)

(أخذْتَ علية كلَّ نَقب ثنية

فضاقَتْ عَلَيْهِ بالرحابِ المسالكُ)

(وَمَا زالَ يجْرِي فِي هواهُ وغيه

وأنْتَ لَهُ وسطَ العرينةِ باركُ)

(وَهَان على الأيامِ مَا هُوَ فاعلٌ

وَعز على العلياءِ مَا أنتَ تاركُ)

(إِلَى أَن نضَتْ عَنهُ الحياةُ قناعها

فعاجَلَهُ منْكَ الحمامُ المواشكُ)

(فجرعته كأساً أعلَّ بِمِثْلِهَا

أَبوك أَبَاهُ فارتدَى وَهُوَ هالكُ)

(وَلم ينجِهِ منْكِ الفرارُ لحينِهِ

فأصبَحَ مَمْلُوكا وَمن قيلُ مالكُ)

(وَكَيف وأنتَ المُعْلِمُ الفَرْدُ فِي الوغى

ورمحكَ طعانٌ وسيفكَ باتكُ)

(قضى فِيهِ حُكْم المشرفي بعدله

فبعداً لَهُ عَن منهجِ العدلِ نازكُ)

(كَذَا فليكُنْ عزمُ الْكَرِيم وَإِنَّمَا

على قدرٍ عزماتِ الكرامِ المداركُ)

(فِدَاكَ أَبَا عجلانَ كلُّ مملَّكٍ

فأنتَ سَمَاء والملوكُ حبائكُ)

ص: 320

(خذِ المدْحَ مني يَا همامُ فَإِنَّمَا

بقَدْرِ بِنَاء البيتِ تسمو المدامكُ)

(ودَعْ مَا سواى يَا كريمُ فإنني

أَنا الشاعرُ المحكيُّ والغَيرُ حائكُ)

(ودونَكَ يَابْنَ الأكرمَيْنَ تَحِيَّة

تفوحُ كمسكٍ أحكمته المداوكُ)

(وأخرَى حباها الله لطفاً وَرَحْمَة

تهنِّى عليا بالشفا وتباركُ)

(وتهنا بهَا العلياءُ والسيفُ والندَى

فكلٌّ لما قد كَانَ يشكوه ناهكُ)

(وَقد سرَّنى النصْرُ العزيزُ على العدا

وحُكْمُ القنا والمغنَمُ المتداركُ)

(سُرُورًا بِهِ عينُ الزمانِ قريرةٌ

وثغرُ اللَّيَالِي بالتبسُّم ضاحكُ)

(ودُمْ يَا أَبَا عجلانَ ملكا مؤيداً

تتيه بِهِ الْعليا وتَزْهُو الممالكُ)

(وَلَا زلْتَ تَحْيَا فِي سرورٍ وغبطةٍ

وشانِيكَ يَحْيَا فِي المذلةِ رامكُ)

وَفِي سنة سبع عشرَة عَاد الشريف رَاجِح من الْقَاهِرَة قَاصِدا أَخَاهُ الشريف بَرَكَات صُحْبَة السَّيِّد عرار بن عجل ليصالحه بشفاعة من السُّلْطَان وَمن أَخِيه السَّيِّد قايتباي فقابله مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بِالْقبُولِ واصطلحا صلحا شافياً وصارا كَنَفس وَاحِدَة إِلَى أَن مَاتَ كل مِنْهُمَا وَفِي سنة ثَمَان عشرَة توفّي السَّيِّد قايتباي وتعزى فِيهِ أَخُوهُ الشريف بَرَكَات وَتُوفِّي السُّلْطَان بايزيد ملك الرّوم وَتَوَلَّى وَلَده السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان فِي بِلَاده قبل فتح مصر وَفِي هَذَا الْعَام توجه الشريف أَبُو نمي بن بَرَكَات إِلَى مصر المحروسة صُحْبَة القَاضِي عَلَاء الدّين نَاظر الْخَواص السُّلْطَانِيَّة وَمَعَهُ من أَعْيَان مَكَّة شيخ الْإِسْلَام صَلَاح الدّين بن ظهيرة الشَّافِعِي وَشَيخ الْإِسْلَام القَاضِي نجم الدّين بن يَعْقُوب الْمَالِكِي وَولده القَاضِي مُحَمَّد وَالْقَاضِي تَاج الدّين وَجُمْلَة من أَعْيَان السَّادة وَطَائِفَة من أَعْيَان قوادهم بنظام عَظِيم وأبهة وافرة وخيول أصيلة وركائب مسمية مَعَ الملابس الفاخرة وَالسِّلَاح الْمَذْهَب والسروج والأكوار اللائقة بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان قَاصِدا منصب آبَائِهِ الْكِرَام من السُّلْطَان الغوري بتخت مصر فَلَمَّا وصلت أَخْبَار خُرُوجه من مَكَّة برزت الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة إِلَى رَئِيس الزَّمَان القاضى أَحْمد بن الجيعان أَن يخرج لملاقاتهم على أحسن أسلوب فَخرج إِلَيْهِ بفرس عَظِيم وسرج مغرق وكنبوش مَذْهَب وكاملية مخمل بسمور كل ذَلِك من خَاصَّة السُّلْطَان وخزائنه المحفوظة وَمَعَهُمْ مَا يَلِيق من

ص: 321

الطَّعَام ثمَّ بعد قَلِيل تلقاهم أَمِير كَبِير وباش العساكر المنصورة خير بك الدوادار وَجمع عَظِيم من الْقُضَاة والمباشرين من كَاتب السِّرّ إِلَى من دونه فَلَمَّا وصلوا الْمحل الْمَعْرُوف بِالْبركَةِ ضرب لَهُم مخيم عَظِيم سلطاني وَبسطت لَهُم فرش من الخزانة العامرة جَدِيدَة ومقاعد مشركسة بِالذَّهَب الصّرْف ونصبت لَهُ وسائد سلطانية ثمَّ نزل الشريف أَبُو نمي فِي أعظم خيمة من الخيم السُّلْطَانِيَّة ثمَّ نزل كل رَئِيس من الَّذين مَعَه فِي خيمة هيئت لَهُ ثمَّ مد لَهُم سماط عَظِيم سلطاني تضرب بِهِ الْأَمْثَال ثمَّ بعد فَرَاغه مِنْهُ مد سماط الطَّارِئ من الحلاوات والعسليات وَمَا يلائم ذَلِك ثمَّ بعد فَرَاغه مد سماط الشرابات والفواكه الْمَوْجُودَة ثمَّ ركب فِي موكب عَظِيم لَا يُحْصى كَثْرَة حَتَّى دخل الْبِلَاد فى أعظم منظر وأبهى أٍ سلوب والخاصة والعامة معلنون بِالدُّعَاءِ لَهُ مظهرون الْفَرح وَالسُّرُور بملاقاته ثمَّ سَار إِلَى الْمدرسَة الأشرفية الغورية فَنزل بهَا ثمَّ مد لَهُ سماط بعد سماط كَمَا شرح وَفِي جَمِيع هَذِه الْمدَّة يُخَاطب مَوْلَانَا أركانُ الدولة ورؤساؤها بالألفاظ الملوكية مَعَ ظُهُور غَايَة الْبشر وَكَمَال الْفَرح وَنِهَايَة السرُور وعظيم الهناء وناهيك بِمَجْلِس جمع أَشْرَاف الزَّمن ورؤساء الْوَقْت وعلماء الْعَصْر وفصحاء الدَّهْر ثمَّ ركب مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي من الْمدرسَة الْمَذْكُورَة فِي موكب عَظِيم إِلَى الدِّيوَان وَكَانَ السُّلْطَان حِين ذَاك جَالِسا بصدر الدِّيوَان فَلَمَّا دخل مَوْلَانَا الشريف من بَاب الحوش أشرف عَلَيْهِ السُّلْطَان وَهُوَ فِي الملابس الْحَسَنَة الحسنية بالدليقين والعمامة على القبع والأنوار النَّبَوِيَّة مشرقة عَلَيْهِ والعناية الصمدانية ناظرة إِلَيْهِ تعجب من هَيئته الباهرة وامتلأت عينه بمهابته وطلعته الطاهرة فَأمر أَن ينصب لَهُ كرْسِي بمفرده فَلَمَّا دخل الدِّيوَان قَامَ لَهُ ألفا وَقبل جَبينه الشريف وَقد زَاده الله شرفاً وَأَرَادَ مَوْلَانَا تَقْبِيل يَد السُّلْطَان فَامْتنعَ السُّلْطَان من ذَلِك أدباً مَعَ الْمقَام النَّبَوِيّ والجناب الْعلوِي فغلب على ذَلِك مَوْلَانَا الشريف فَاحْتَضَنَهُ وَسلم عَلَيْهِ وقربه لجانبه وَأَقْبل عَلَيْهِ

ص: 322

بالمحادثة والملايمة ثمَّ أَجْلِس من مَعَه من الْقُضَاة والأشراف وجابرهم بخطابه العذب وأنصفهم فِي الْجُلُوس غَايَة الْإِنْصَاف ثمَّ أقبل على الشريف أبي نمي وَوَضعه فِي حجره وَكَانَ سنه إِذا ذَاك ثَمَان سِنِين وَقَالَ لَهُ مَا اسْمك فَقَالَ مُحَمَّد أَبُو نمي الغوري فَحصل للغوري سرُور عَظِيم بذلك فَقَالَ لَهُ أَنْت أشطر من أَبِيك وَرَأَيْت فِي نشآت السلافة للْإِمَام عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ أَنه قَالَ لَهُ بعد وَضعه فِي حجره مَا سورتك فَقَالَ إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا وَلم تكن إِذْ ذَاك سورته هِيَ فأعجب السُّلْطَان ذَلِك وتفاءل بِهِ واستبشر قلت كِلَاهُمَا يدل على مزِيد الحذق والذكاء وَلَا عجب إِذا صدر من سلالة الْمُصْطَفى وعندى أَن الأولى وَهِي الَّتِي ذكرهَا السَّمرقَنْدِي أحذق وأذكى لعود الذكاء وأعبق ثمَّ ألبسهُ كاملية سلطانية ثَانِيَة بمسح ذهب بمقلب سمور من خَاص ذخيرته وَقَامَ السُّلْطَان ثَانِيًا لوداعه ثمَّ ركب من القلعة السُّلْطَانِيَّة إِلَى مَحل سكنه ثمَّ رتب لَهُ السماط السلطاني صباحاً وَمَسَاء مَعَ الطَّارِئ وتوابعه مَعَ الافتقادات لَهُ وَلِجَمِيعِ من مَعَه مِمَّا لم يسْبق نَظِيره فِي الدولة السُّلْطَانِيَّة الغورية ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف اسْتَأْذن فى التَّوَجُّه إِلَى الأقطار الحجازية فَكتب لَهُ توقيع شرِيف جليل خُوطِبَ فِيهِ بِأَلْفَاظ التكريم والتبجيل ثمَّ وَجه إِلَيْهِ من الذَّخَائِر السُّلْطَانِيَّة سنجقاً وَأَرْبَعين مَمْلُوكا وخلعاً سنية لوالده الشريف بَرَكَات ومبغا من النَّقْد لَهُ صُورَة برسم من صرف الطَّرِيق وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الدَّقِيق والأرز وَالسمن وَالْعَسَل وَالسكر وَسَائِر زَاد الطَّرِيق وَكَذَلِكَ جَمِيع من فِي صحبته من الْأَعْيَان أنعم عَلَيْهِم بالعامات مُعجلَة ومرتبات على عَادَة أمثالهم وبرز من مصر على صُورَة جميلَة مَعَ إِظْهَار الإنعامات السُّلْطَانِيَّة وَلما وصل الْخَبَر بقدومه زينت الْبِلَاد وانشرحت صُدُور الْعباد وَخرج لملاقاته الْأَعْيَان من مَكَّة فَدَخلَهَا رافلاً فِي نعم الله تَعَالَى الَّتِي تفضل بهَا عَلَيْهِ وعَلى آبَائِهِ وأجداده فَلَا زَالَت فِي أَوْلَاده ثمَّ فِي أحفاده فَطَافَ بِالْبَيْتِ الْحَرَام ودعي لَهُ على زَمْزَم أُسْوَة آبَائِهِ الْكِرَام ثمَّ قرئَ توقيعه الْكَرِيم بِمحضر جيران بَيت الله الْحَرَام ثمَّ

ص: 323

خرج إِلَى دَار السَّعَادَة فمدحته الشُّعَرَاء على عَادَة أسلافه بعدة قصائد من أعظمها قصيدة أَحْمد بن الْحُسَيْن العليف أَيْضا يهنئ أَبَاهُ بعوده إِلَى سَرِير ملكه ووصول وَلَده الشريف أبي نمي من الْقَاهِرَة سنة ثَمَان عشرَة الْمَذْكُورَة وَهِي هَذِه // (من الْخَفِيف) //

(خدَمَتْكَ الحظوظُ والأقسامُ

وجرَتْ باختيارِكَ الأحكامُ)

(وقضَتْ بِالَّذِي تريدُ الليالِي

واستقامَتْ لأمرِكَ الأيامُ)

(وأطاعَتْكَ المرهفاتُ المواضِي

والمذاكِى والسمْرُ والأقلامُ)

(وكفَاكَ الْمَحْذُور أَي شريفٍ

وحَماكَ التدبيرُ والإلهامُ)

(ووقاكَ الإلهُ مَا أضمَرَ الدَّهْرُ

وَمَا سوَّلَتْ لَهُ الأوهامُ)

(لَا تخفْ مِنْهُ نبوةَ واهتضاماً

عادةُ اللهِ لَا يضامُ الكرامُ)

(خصَّكَ اللهُ بالعنايةِ مِنْهُ

وكَلَاكَ الوقارُ والإعظامُ)

(حسبُكَ اللهُ أَن يطيشَ بك

الظنُّ وأنْ يستفزَّكَ الإيهامُ)

(لَيْسَ للملكِ غَيْر ذاتِكَ كُفْءٌ

أنتَ للملكِ يَا همامُ نظامُ)

(لكَ فِيهِ وَلَا عَلَيْك امتنانٌ

قدمٌ راسخٌ ومجدٌ قدامُ)

(وطدتْهُ سيوفُ آبائكَ الغُرّ

فدانتْ لَهَا الملوكُ العظامُ)

(دون مَا يضمرُ الغبيُّ من الغَدْرِ

جلادٌ وعْرٌ وموتٌ زؤامُ)

(يكبتُ الغيظُ حاسديك جَمِيعًا

وتزولُ الأحقادُ والأدغامُ)

(قد بلاكَ الزمانُ حلواً وَمَرا

فَإِذا الشّهْدُ فِيهِ داءٌ عقامُ)

(ورآاك العدوُّ هضبةَ عزِّ

دون مرآك شامةٌ وشمامُ)

(لَو على الأمْر عارضتْكَ اللَّيَالِي

قارعَتْهَا الأقدارُ والأحكامُ)

(لم يكنْ غَيْرُ مَا تريدُ وَلَو كَانَ

فإنَّ الْعَزِيز مَنْ لَا يضامُ)

(لَا يقيمُ الفتَى على الضَّيْمِ مَا دَامَ

لَهُ الرمْحُ خَادِمًا والحسامُ)

(وَإِذا أنْكَرَ الديارَ كريمٌ

فالمطايا دليلهُنَّ الخطامُ)

(ظِلُّهُ رمحُهُ وعصمتُهُ السَّيْفُ

ومثواهُ صهوةٌ أَو سنامُ)

(لَا يناجِى على العزيمةِ إِلَّا

نفسَهُ والكريمُ لَا يستضامُ)

(يقطع الأمرَ دونَ كلِّ مشيرٍ

ويناغي الردَى إِذا القومُ خامُوا)

(لَيْسَ عزًّا إلَاّ صُدُور العوالي

والظبا والإسراج والإلجامُ)

ص: 324

(هَكَذَا فلتكُنْ كرام المساعي

وعَلى مِثْلهَا يكونُ المقامُ)

(فهنيئا أَبَا زُهَيْر بعودٍ

لسريرِ بِهِ السرورُ دوامُ)

(مَهَّدَتْهُ لَك الخفافُ المواضِي

وجلاه بعزمِكَ الإقدامُ)

(لم تجدّدْ لَك الْولَايَة عهدا

أنتَ مِنْ قبلهَا مليكٌ همامُ)

(لَا أهنيكَ بل أهنِّى بك الملكَ

فقد حزتَهُ وأنتَ غلامُ)

(أنتَ يابا زُهَيْر أعلَى محلا

فعلام الهناءُ والإعلامُ)

(لم تَرثه كَلَالَة لَا وَلَا العهْدُ

حديثٌ بِهِ وَلَا الإلمامُ)

(هَدَأَ الملكُ بعد طويلِ جماحٍ

مذ تولَّيْتَ واستقامَ النظامُ)

(وكساه حلاكَ رونَقَ حسنٍ

لم تبده الشهورُ والأعوامُ)

(لكَ فِي الملكِ سالفٌ وقديمٌ

سادةٌ قادةٌ ملوكٌ كرامُ)

(جمعُوا البأْسَ والنَّدَا فِي أكفِّ

يُسْتَهَلُّ الردَى بهَا والركامُ)

(تستذمُّ الملوكُ مِنْهُم فينجونَ

وَإِن كَانَ المستذم رمامُ)

(دوَّخوا الدَّهْر والممالكَ حَتَّى

قَعَدُوا منهمُ الْمُلُوك وَقَامُوا)

(واستباحُوا حماهُمُ وَأَقَامُوا

ميلهم بَعْدَ عزِّهم فاستقاموا)

(كَسَبُوا العزَّ بالرقاقِ المواضِي

ورَعُوا الناسَ والملوكُ سوامُ)

(قلدتها الْولَايَة الْبيض والسُّمْرُ

وطَعْنٌ فذٌّ وضربٌ تُؤَامُ)

(وكماةٌ تسيرُ فِيهَا المنايا

طائعات كَأَنَّهَا خُدَّامُ)

(من لؤىِّ بن غالبٍ كلُّ فردٍ

منهمُ فِي اللقاءِ جيشٌ لُهَامُ)

(يُوسعُونَ الجموعَ ضربا وطعناً

وَلَو انَّ الجموعَ سامٌ وحامُ)

(يستظلُّونَ بالرماحِ وبالبيضِ

لَدَى الحربِ والطيورُ حيامُ)

(إِن أَصَابُوا فَمَا جَنَوْهُ جُبَارٌ

أَو أصِيبوا فثارُهُمْ لَا ينامُ)

(كُلٌّ الوى يختالُ للموتِ عجبا

حِين يُدعَى وثغره بَسَّامُ)

(برماحٍ تعوجُ فِي الهامِ طوراً

وعَلى الْفَوْز فِي الصُّدُور تقامُ)

(وارِدَات إِذا مرقْنَ لطعنٍ

قصُرَتْ دون وقعهنَّ السهامُ)

(وصفاح إِذا انتضَوْهَا لحربٍ

كَانَ من بعضِ تابعيها الحِمامُ)

(مخلصات إِذا برزْنَ من الغِمْدِ

كأنَّ الفرندَ فِيهَا ضرامُ)

ص: 325

(مرهفات كأنهنَّ لَدَى الضَّرْبِ

ركوعٌ وسُجَّد وقيامُ)

(وعتاق إِذا تداعوا لحَرْبٍ

عزمَتْ قبل أَن يناطَ اللجامُ)

(غاديات إِلَى الوغَى رائحات

يَسْتَوِي النُّورُ عِنْدهَا والظلامُ)

(قد تبرقَعْنَ بالحديدِ ولكنْ

عاريات لباسهنَّ القَتَامُ)

(علَّمتها التجاربُ الكرَّ والفرَّ

وكيْفَ الإقدامُ والإحجامُ)

(لم يزدْنَا البشيرُ عَمَّا علمناه

وَلَا خامَرَ العقولَ اتهامُ)

(عمركَ الله لَو تراخَى قَلِيلا

بشَّرتنا بسعدكَ الأحلامُ)

(أنتَ روحٌ للملكِ والغيرُ جسمٌ

لَا تقاسُ الأرواحُ والأجسامُ)

(ذاتُكَ القطبُ للسيادةِ والآلُ

نجومٌ وأنتَ بدرٌ تمامُ)

(وَإِذا كَانَ فِي المقاييس قربٌ

كنتَ نورا وَمن سواك كمامُ)

(كَيفَ يسمو إِلَى معاليكَ قَوْمٌ

سهرَتْ مقلتاك فِيهَا ونَامُوا)

(أَيْن كَانُوا أَبَا زُهَيْرَ وقَدْ ذُدتَ

عَن الملكِ والخطوبُ عظامُ)

(حِين أدجَى ضياؤها وتوارَى

صبحها فانجلَى بك الإظلامُ)

(كنتَ طَلَاّعَ نَقْبها والثنايا

يومَ أنْتَ المقدَّمُ المقدامُ)

(همةٌ دونهَا الثريا وحَزْمٌ

واعتزامٌ وسطوةٌ وانتقامُ)

(لم أقلْ مَا أقولُ جهلا ولكنْ

يظْهر الأمرُ إِذْ يزولُ اللثامُ)

(منصبٌ جلَّ وقعه منكَ لكنْ

أنتَ أعْلَى مكانةٌ إِذْ تسامُ)

(فاحفظِ الملكَ بالعشائِرِ وَالْمَال

فأنتَ المجرّبُ الصمصامُ)

(وابذلِ الجهدَ يَا أَخا الخزم فِيهِ

فالفتَى بعد بذلِهِ لَا يلامُ)

(لَيْسَ يخفَى عَلَيْك يابا زهيرٍ

سَبَب النَّقْض فِيهِ والإبرامُ)

(وَإِذا الداءُ فِي الخوافِى تعدَّى

لقدامَى الجناحِ مِنْهُ السقامُ)

(وَإِذا كَانَ فِي السيوفِ اضطرابٌ

قرعَتْ حَدهَا سيوفٌ كهامُ)

(أنتَ فِي الناسِ كاسمك الْبر فيهم

بركاتٌ على الأنامِ جسامُ)

(إِن دهراً أتيْتَ فِيهِ لدهْرٌ

سحرٌ كُله وليلٌ تمامُ)

(أنتَ عينُ الوجودِ فِيهِ ولولاك

تساوَى الإيجادُ والإعدامُ)

(قصرَتْ عَن مدى خطاكَ المساعِي

حيثُ كانَتْ لَك المساعي الكرامُ)

ص: 326

(وتباهَتْ بك الممالكُ فخراً

وتهادَتْ آثارَكَ الأيامُ)

(وَتسامَيْتَ فَوق فرعِ السماكَيْنِ

ومِنْ دون أخْمصَيْكَ النعامُ)

(جزْتَ حد الْكَمَال فِي كل وصفٍ

قصرَتْ عَنهُ فِي الصفاتِ الأنامُ)

(كرمٌ فِي شجاعةٍ ووفاء

وحياءٌ وحرمةٌ وذمامٌ)

(وارتفاعٌ إِلَى الْعلَا وسُمُوٌّ

وحنوٌّ ورحمةٌ وانهضامُ)

(وارتياحٌ إِلَى الثنا وسماحٌ

واحتفالٌ بِشَأْنِهِ واهتمامُ)

(وأيادٍ إِذا استهلَّ نداها

يستمدُّ الْحَيَاة مِنْهَا الغمامُ)

(لَا يزيدُ الثَّنَاء فيكَ ولكنْ

يتحلَّى إِذا ذكرت النظامُ)

(عظمَتْ ذاتك الشريفةُ عَنهُ

ونبَتْ دون وصفِكَ الأفهامُ)

(وتعالَيْتَ أَن يحيطَ بك المدحُ

وَفِيه براعةٌ وانسجامُ)

(لم أزلْ ظامئاً إِلَى مدْحِ علياك

وَبِي دَائِما إِلَيْهِ أُوَامُ)

(علَّمتنى هباتك النَّظْم والنَّثْر

وَكَيف الإنجادُ والإتهامُ)

(أتعَبَتْ فكرتى حسانُ سجاياك

وأعيا على البليغِ الكلامُ)

(والهنا فِي أبي نُمَيّ المفدى

والأمانِى والجمعُ والإلتئامُ)

(فرعُ غرسٍ ينمي إِلَى خير أصلٍ

جَاءَ تال وَفِي السباقِ إمامُ)

(وابنُ ملكٍ ومنبرٍ وسريرٍ

ومدى الغايةِ الَّتِي لَا ترامُ)

(سيدٌ أدركَ السيادَةَ طفْلا

وَبنى المكرماتِ وَهُوَ فطامُ)

(خفقَتْ رايةُ السعادةِ والمُلْك لَهُ والبنودُ والأعلامُ)

(وَله اهتزَّ منبرٌ وسريرٌ

وَبِه استبشَرَ الصَّفَا والمقامُ)

(لَا عجيبٌ إِنْ نَالَ وهْوَ صغيرٌ

مَا حواه الآباءُ والأعمامُ)

(مَا على الشبل أَن يجوزَ المعالِي

وأبوهُ الغضنفرُ الضرغامُ)

(فهنيئًا لَهُ السِّيَادَة والمجْدُ

جَمِيعًا والعزُّ والإحترامُ)

(بَلَغْتَكَ الآمالُ فِيهِ الَّذِي رُمْتَ

فَللَّه الحمدُ والإنعامُ)

(دمْتَ حَتَّى ترى السيادَةَ والملْكَ

لأولادِهِ وأنتَ الزمامُ)

(خُذ مديحاً أهداه عبدٌ محبٌّ

مَا لَهُ فِي فتَى سواكَ مرامُ)

(وَله بالثنا عليكَ وَبِالشُّكْرِ

وبالمدحِ والدعاءِ غرامُ)

ص: 327

(أَنا فى مدحِكُمْ جريرٌ وفى الحمْدِ

جميلٌ وَفِي الهنا هَمَّامُ)

(رشتُمُ بالنوال والجودِ والفضْلِ

جناحِى كَمَا تراشُ السهامُ)

(قِسْ ثنائي على ثناءِ سوَائِي

تَدْرِ أَن الكلامَ مِنْهُ كلامُ)

(واقسم اللحْظَ بَيْننَا يَا أَخا الجُودِ

فأنْتَ المهذَّبُ المقدامُ)

(لَوْ دُعِينَا إِلَى التناصُفِ فى الحُكْم

لبذَّ الضَّعِيف منا الملامُ)

(وبقَدْرِ البليغِ والبلغ فى القَوْل

يكُونُ الإعرابُ والإعجامُ)

(وَمن الشعرِ للعقولِ جلاءٌ

وَمن الشعرِ للنُّهَى بِرْسَامُ)

(يفعلُ المدحُ فِي الكرامِ كَمَا تفْعل

فِي عقلِ شاربيها المُدَامُ)

(ويفيدُ الكريمَ عزا ومجداً

ويحطُّ الجوادَ قولٌ سخامُ)

(وَخيَار الرجالِ فى الشعْرِ من كَانَ

لَهُ فِيهِ بسطةٌ واحتكامُ)

(فابْقَ للملكِ والممالكِ عزّاً

وَلَك المدحُ مبدأ وختامُ)

(مَا توالَتْ عَلَيْك غُرُّ القوافي

وتغنَّتْ على الغصونِ حمامُ)

(وعَلى المصطفَى وآلِ كرامٍ

وصحابٍ تحيةٌ وسَلَامُ)

وَفِي عَام عشْرين وَتِسْعمِائَة حج مُحَمَّد ولد السُّلْطَان الغوري مَعَ والدته فِي تجمل عَظِيم جدا وَخَرجُوا من مصر فِي الْجمال المزينة والأكوار المشركسة والمحاير المرصعة بِالذَّهَب ومحفة خوند فِي ثبتها ذهب مرصع بالجواهر فَخرجت لَهَا السَّادة الْأَعْيَان من أَعْيَان مَكَّة المشرفة وأركان الدولة من حِين قاربت الينبع وقابلها الشريف أَبُو نمي نِيَابَة عَن وَالِده من خليص وَمد لَهَا من الأسمطة والحلويات والفواكه أَصْنَاف مُتعَدِّدَة فِي عدَّة منَازِل وقابلها الشريف بَرَكَات من خَارج مَكَّة فَلَمَّا وصلت رَأس الرَّدْم ترجل كل من لقيها حَتَّى مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وَأخذ بلجام مركبها إِلَى بَاب السَّلَام ثمَّ حملت محفتها على الْأَعْنَاق إِلَى الْقصر بِبَاب إِبْرَاهِيم فَلَمَّا توسطت الْمَسْجِد وَوَلدهَا بَين يَديهَا قَالَ مقدمها يَا خوند اشكري نعْمَة الله تَعَالَى فَإِن مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات حامي حمى الْحَرَمَيْنِ حَامِل المحفة الشَّرِيفَة إجلالاً وتعظيماً وَقد فرش الديباج تَحت جمال المحفة ثمَّ فرش تَحت الْأَقْدَام بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَهِي تقسم على مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بِأَن يتْرك الْحمل الْمرة بعد الْمرة فَلَمَّا وصلت الْقصر علو بَاب إِبْرَاهِيم أشارت بِأَن يكون ولد

ص: 328

السُّلْطَان فِي مدرسة ملك التُّجَّار رامشت وأمير الْحَاج الْمصْرِيّ مَعَ أَرْكَان الدولة فِي خدمتها كأقل العبيد ثمَّ أَمر لَهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بسماط عَظِيم أبهر الْعُقُول ثمَّ حمل إِلَيْهَا من الأغنام والعسلان والسمون والفواكه مَا لَا يُحْصى وَلَا يحصر ثمَّ تردد عَلَيْهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي بِعَرَفَة وَمنى وَمَكَّة وضاعف إِلَيْهَا من فضل وَالِده الْهَدَايَا والافتقادات والأقمشة الْعَالِيَة والتحف النفيسة لِأَنَّهُ قريب الْعَهْد بموالاتها لَهُ ثمَّ سَافر مَعهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات إِلَى مصر المحروسة فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان إقبالاً عَظِيما جدا وشكرت للخوند جميل سَعْيه وجزيل مراعاته فَوَقع ذَلِك عِنْد السُّلْطَان موقعاً عَظِيما سِيمَا حمل المحفة وَمَا فِي مَعْنَاهُ وأنعم عَلَيْهِ بإنعامات جزيلة مِنْهَا خادمان وَعِشْرُونَ مَمْلُوكا وخيول أصيلة وجمال برسم الدّرّ والنسل مِمَّا تقتنيه الْمُلُوك من كبر الجثة وَحسن المنظر وَطيب الأَصْل وغزارة اللَّبن وحلاوته وَيُقَال إِن الْإِبِل الْمَعْرُوفَة بالمصرية من تِلْكَ وجمال للْحَمْل وَعشرَة آلَاف دِينَار حِوَالَة على بندر جدة المعمورة وخلعاً سلطانية نفيسة وَأذن لَهُ فِي الْمسير إِلَى وَطنه فوصل مَكَّة المشرفة فِي شهر رَجَب من الْعَام الْمَذْكُور وزينت الْبِلَاد وصنع الْأَمِير حُسَيْن الْكرْدِي وَهُوَ من أُمَرَاء الغوري بجدة صنع للشريف ضِيَافَة هائلة وقابله هُوَ وأعيان مَكَّة من خَارِجهَا وَكَانَ يَوْم وُصُوله عِنْدهم من أعظم الأعياد وَفِي عَام اثْنَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَقعت الْمُقَاتلَة بَين السُّلْطَان الغوري وَالسُّلْطَان سليم بن بايزيد ملك الرّوم بمرج دابق خَارج حلب المحروسة وَغلب السُّلْطَان سليم الغوري وفقد فِي المعركة ثمَّ إِن السُّلْطَان سليم خَان وصل المحروسة بعد قتلة عَظِيمَة بالريدانية بَين العساكر العثمانية ونائب سَيّده السُّلْطَان الغوري طومان باي وَذَلِكَ فِي شهر ذِي الْحجَّة من الْعَام الْمَذْكُور وَلم يحجّ من مصر ركب ووصلت الْكسْوَة للكعبة الشَّرِيفَة بحراً صُحْبَة مزهر الْخَادِم ثمَّ لما اسْتَقر مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم وتوطد ملكه لمصر وأعمالها وانتظم لَهُ الْملك من دَار الْخلَافَة الإسلامية قسطنطينية إِلَى غَايَة المملكة المصرية أنهى إِلَيْهِ بعض الحساد أَن جَمِيع الْملك وَالسُّلْطَان طرازه الْأَعْظَم ملك الْحَرَمَيْنِ الشريفين

ص: 329

وأعمالهما وَالدُّعَاء لمولانا على منابرهما فشرع فِي تجهيز جَيش كثيف للحرمين الشريفين وَكَانَ بِمصْر القَاضِي صَلَاح الدّين بن ظهيرة كَانَ السُّلْطَان الغوري صادره بِطَلَب عشرَة آلَاف دِينَار ذَهَبا فعجز عَنْهَا فَحَمله إِلَى مصر بالترسيم فَلَمَّا وَقع مَا شرح من تَبْدِيل الدولة وَبلغ القَاضِي الْمَذْكُور مَا عزم عَلَيْهِ مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم اجْتمع بمولانا بيري باشا الْوَزير الْأَعْظَم وعرفه عَظمَة مَوْلَانَا الشريف ومراعاته للسلطنة الشَّرِيفَة وَحسن سياسته وتدبيره وَأَن يُرسَلَ إِلَيْهِ مَكْتُوب سلطاني بِمَا يَقْتَضِيهِ الرَّأْي السلطاني فاستقر الْحَال على كِتَابَة توقيع سلطاني وَكِتَابَة مراسلات من مَوْلَانَا الْوَزير الْمَذْكُور وَمن مَوْلَانَا القَاضِي صَلَاح الدّين إِلَى مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بِأَن يُقَابل التوقيع السلطاني بِالْقبُولِ وَيُرْسل وَلَده إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة السليمية بتهنئتها وتعريفها بِكَمَال الطَّاعَة والانقياد وَنِهَايَة الِامْتِثَال والمحبة والاتحاد فَوَافَقَ الشريف بَرَكَات على جَمِيع مَا ذكر وَأرْسل وَلَده الشريف أَبَا نمي نَائِبا إِلَى مصر المحمية فقابل مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم خَان طَابَ ثراهما وعظمه تَعْظِيمًا مضاعفاً وخوله وحباه وَعَاد سالما غانماً فِي ظلّ وَالِده حامياً حَاكما ودام عزهما إِلَى أَن توفّي وَالِده مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات عَام إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة كَمَا شرح مفصلا وَدفن بِمَكَّة بعد طَوَافه والنداء على زَمْزَم وقبره مَعْلُوم يزار عيه قبَّة وَالدُّعَاء عِنْده مستجاب رحمه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَمِمَّا قَالَه الشهَاب أَحْمد بن الْحُسَيْن // (من الْبَسِيط) //

(ألعِزُّ تحتَ ظلالِ البيضِ والأٍ سلِ

يومَ الطعانِ وَسبق السَّيْف للعذلِ)

(والمجدُ مَا شاد ذكرا أَو بَنَى شرفاً

يبقَى وَمَا شدَّ ركنَ الملكِ والدولِ)

(والعزمُ مَا خَضَعَ الأعدا لهيبتِهِ

ذُلاًّ وَمَا صَيَّرَ الأفكارَ فِي شغلِ)

(لَا تحملُ الضيمَ نفَسُ الحُرِّ لَو بلغَتْ

مِنْهَا اللَّيَالِي بأمْرٍ غيرِ محتملِ)

(صمم إِذا سمت أمرا عزَّ مدركُهُ

فَمَا ينالُ العُلا من كَانَ ذَا كَسَلِ)

(وانهضْ سَرِيعا إِلَى الغاياتِ محتقبًا

فذو الغزيمةِ لَا يمشي على مَهَلِ)

(كمْ فرصةٍ عرضَتْ فِي طيها ظَفَرٌ

فاتَتْ بتدبيرِ رأىٍ غير معتدلِ)

(مَا لم تكُنْ برداءِ العزِّ مرتدياً

فدَعْ طِلَابَ المعالِى عنكَ واعتَزِلِ)

(واغض الجفونَ على ذُلِّ ومسكنةٍ

واصبرْ على الضيم صبْرَ العوْدِ واحتملِ)

ص: 330

(مَا عَزَّ مَنْ باتَ والآمالُ تخدعُهُ

على اكتسابِ العُلا والمجدِ بالحيلِ)

(وَلَا اجتنى العِزَّ إِلَّا فاتكٌ بَطَلٌ

يَرْوِى القنا مِنْ نجيعِ الْخَيل والقللِ)

(لَيْسَ المذلَّةُ من شأنِ الْكَرِيم فدَعْ

عَنْك الهُوَينَى وسِرْ للعزِّ فِي عَجَلِ)

(وارحَلْ عَن الدارِ لَا مستعظماً خطراً

وَلَا مرِيدا سوى العلياءِ من بدلِ)

(وعلِّلِ النفسَ عَن إلفٍ وعنْ سَكَنٍ

واجعلْ هَوَاك لغيرِ الأعينِ النُّجُلِ)

(إنَّ الكريمَ إِذا مَا جَدَّ فِي طلبٍ

حثَّ المطيَّة فِي وخدٍ وَفِي رَمَلِ)

(لَا يَسْأَلَنَّ سوى الهنديِّ عارفة

إنَّ العزيزَ لغَيْرِ السيفِ لم يَسَلِ)

(فالسيفُ أصدقُ مَا تشفى الغليل بِهِ

وهْوَ الدواءُ من الأدواءِ والعِلَلِ)

(فاجعلْ لَهُ الحُكْم فِي أمْر تحاولُهُ

واقطَعْ على حُكْم مَا يقْضى بِهِ وصِل)

(مرأى العُدوِّ على حالٍ يعزُّ بهَا

دَاء على الحُرِّ لم يبرحْ وَلم يزلِ)

(لَا يدركَ الثأرَ إِلَّا كل ذِي حسبٍ

بالسيفِ مشتملٍ بالرمحِ معتقلِ)

(مثلُ الشريفِ أبي عجلانَ مَنْ شرُفَتْ

قناته بنجيعِ الفارسِ البطلِ)

(ألفاطميِّ الَّذِي عزَّتْ مناقبُهُ

عَن النظائِر والأشباهِ والمثلِ)

(مَلْكٌ إِذا رايةٌ للمجْدِ قد رُفِعَتْ

ينالها وسوَى علياًه لم يَنَلِ)

(ذُو عزمةٍ كغرارِ السيفِ ماضيةٍ

وهمَّةٍ فِي الْعلَا تسمُو على زُحَلِ)

(يرى العواقبَ مِنْ مرآةِ فكرتِهِ

غيباً وَيَقْضِي بحُسْنِ الرَّأْي فِي العملِ)

(حامِى الحقيقةِ فِي ورْدٍ وَفِي صَدَرٍ

ماضِى الغريمةِ مقدامٌ على الجللِ)

(مولّى إِذا ثَوَّبَ الداعِى وَقد لقحَتْ

حَرْبٌ يلبيه لَا مستفهماً بِهَلِ)

(يقْضِي على مهج الأعداءِ عَامله

وسيفه فِي الطلا يرْوى من العَلَلِ)

(مِلْء المفاضة مِنْ بأسٍ وَمن كرمٍ

وَمن حياءِ وحلمٍ غير منتحلِ)

(أمضى من الصارمِ الهندىِّ همته

عزماً وأسْرَى إِلَى الأرواحِ من أجلِ)

(تفرَّعَتْ عَن صميمِ المجدِ دوحتُهُ

من معدنِ الوحْى مثوى خَاتم الرسلِ)

(مَوْصُولَة برسولِ اللهِ نبعتُهُ

أكرِمْ بفرعٍ بِذَاكَ الأَصْل متصلِ)

(مُقَابل بَين فرعَيْ دوحةٍ شرفَتْ

بَين البتولِ وَبَين الطالبيِّ عَليّ)

(مُغنِي الرسَالَة والتنزيل معهدُهُ

أعظمْ بذلكَ من بيتٍ وَمن نُزُلِ)

(أعز مَنْ سَبَحَتْ جردُ العتاقِ بِهِ

وأوجَفَتْ يعملاتُ الأينقِ الذللِ)

ص: 331

(فخراً وعزَّا بني الزهراءِ إِن لكُمْ

فضلا بِهِ مَا لَهُ فِي الناسِ من مثلِ)

(يَابْنَ الملوكِ الألَى شادوا ممالَكُهْم

بسلّةِ السَّيْف والعسالةِ الذبلِ)

(يزيدُ مَرُّ الليالى عزَّهم شرفاً

كالعضْبِ يزدادُ إرهافاً مَعَ الأزلِ)

(تسنَّموا غاربَ الأهوالِ وامتزجوا

مَعَ الخطوبِ امتزاجَ النومِ بالمقلِ)

(ألضاربينَ على أكنافِ مُلْكِهِمُ

سرادقَ العزِّ من بيضٍ وَمن أسلِ)

(والسالكينَ إِلَى العلياءِ فِي نَهَجٍ

أعيَتْ مساعيه أهلَ الأعصرِ الأوَلِ)

(سقَاهُمُ الوَحْىُ من صافي مواردِهِ

ماءَ النبوةِ عدا لَيْسَ بالوَشلِ)

(لولاك يَا بَرَكَات الجودِ مَا اعتدلتْ

للملكِ قائمةٌ آلَتْ إِلَى مَيَلِ)

(كم عزمةٍ لَك فِي الأعداءِ صادقةٍ

أمضَى من الهندوانيات فِي القللِ)

(تكفلت لَك أطرافُ الرماحِ بهم

والمرهفات وكُلٌّ بالوفاءِ مَلِى)

(فِي مأزقٍ ضيق صَوت الكماةِ بِهِ

قرع الصوارم بالخطية الذبلِ)

(طرقتَهُ ثابتَ الأركانِ مُبْتَسِمًا

كالليْثِ يفترُّ عَن أنيابِهِ العُصُلِ)

(هتكْتَ فِيهِ حجابَ الدارعين عَلَى

سُمْرِ القنا غَيْرَ رعْديدٍ وَلَا وَكِلِ)

(ورُبَّ ملحمةٍ ماجَتْ بكثرتها

صافَحتَهَا بِقِرَاعِ البيضِ والأسلِ)

(وفيلقٍ مظلمِ الأقتارِ مصطلم

برق الأسنة يهديه إِلَى السبلِ)

(وردتَّهُ وحياضُ الموتِ مُتْرعةٌ

طَلْقَ المحيَّا بِوَجْه مسفِرٍ جذلِ)

(ثمَّ اْنثَنَيْتَ وَقد غادرتَهُ أثرا

وجئْتَ بالسبْى والأسرَى مَعَ النفلِ)

(وحزْتَ بالنصْر مَا ترجوه من أملٍ

وفزْتَ مِنْهُ بسهمِ الناضلِ الخصلِ)

(عزمٌ وحزمٌ وإقدامٌ وعارضةٌ

فِي جحفلٍ لَجِبٍ أَو مجمعٍ حفلِ)

(أوصافُ مجدِكَ فِي بأسٍ وَفِي كرمٍ

تصرفَتْ بَين طعمِ الصابِ والعسلِ)

(كالغيثِ كالليثِ فِي حالَىْ نَدًى ورَدًى

ترجَى وتخشى لرزقٍ أَو على أجلِ)

(تُرْوِى السيوفَ دِمَاء النَّاكِثِينَ كَمَا

تَقْرِى الضيوفَ سديفَ الكُومِ والإبلِ)

(مثل الغضنفر فِي الهيجاءِ يَوْمَ وغًى

وَفِي السماحةِ مثْل العارضِ الهطلِ)

(أدركْتَ بِالصبرِ مَا تَعْيَا الْمُلُوك بِهِ

ونلْتَ بالحزم مَا يُرْبى على الأملِ)

(فِي معشرٍ مَرَقُوا فِي الدينِ وارتكَبُوا

محارمًا آذَنَتْ بالإثمِ والزللِ)

(لما تَوَوْكَ وعَيْن السعدِ كالئة

صَبرتَ صبرَ كريمٍ غيرِ محتفلِ)

ص: 332

(وكُنْتَ كالبدرِ وارَى ضوءَ غُرَّته

حينا وآبَ مآبَ الشمسِ فِي الحملِ)

(مَا زلْتَ تملي لَهُم والمَوْتُ ينظرهم

شَزْرًا بطرفٍ خفيِّ غير منتقلِ)

(ورُعْبُ ذكرك يجْرِي فِي خَوَاطِرِهِمْ

جَرْىَ السقامِ بجسْم الواهنِ الوَجِل)

(ينامُ طرفُكَ والأوهامُ تُسْهرهم

خوفًا وتهدأَ والأفكارُ فِي جَدَلِ)

(حَتَّى إِذا أينَعَتْ للقطفِ أرؤسهُمْ

وحانَ بالسيفِ مِنْهَا مُنْتَهى الأجلِ)

(صَدَمْتهم بخميسٍ لَو صَدَمْتَ بِهِ

هضابَ رضوَى لعادَتْ مِنْهُ فِي خَلَلِ)

(يكادُ يسمع وَقْعَ المرهفاتِ بِهِ

مَنْ بالخريبة ممتدُّاً إِلَى ثُؤَلِ)

(ويستنيرُ بروقاً مِنْ أسنته

بَنو حرامَ الغواةُ النازلون حلِى)

(كم فِي جوانبِهِ للوحشِ معتركٌ

وفوقَ حافاتِهِ للطيرِ من زجلِ)

(دَبَّتْ إِلَيْهِم مناياهم بصدمته

دبيبَ كاسِ الطلا فِي الشارِبِ الثملِ)

(نَامُوا وَمَا نمْتَ عَن وتْرٍ تحاوله

والقومُ فِي غفلةٍ يرعَوْنَ كالحملِ)

(مَا زلْتَ تركُضُ فِي مضمارِ غايتهم

دليلك النصْرُ فِي حِلِّ ومرتحلِ)

(فِي مقنبٍ من عتاق الخيلِ ذِي رهَجٍ

مدرَّعٍ برداءِ الروعِ مشتملِ)

(وفتيةٍ ألفوا حر المصاعِ بِهِ

كَأَنَّهُمْ تحْتَ ظلِّ السمرِ فِي ظللِ)

(مالوا عَلَيْهِم بأطرافِ القنا فكَأَنْ

وَقت الضحَى من مثار النقعِ كالطَّفَلِ)

(حَتَّى بَلَغْتَ الَّذِي حاولْتَ بُغْيَتَهُ

فيهِمْ وجاوَزْتَ حَدَّ القولِ فِي العملِ)

(شفيْتَ نفسا رعاها اللهُ مَا بَرِحَتْ

عزيزةَ الذاتِ مذ كانَتْ وَلم تَزَلِ)

(للهِ دَرُّكَ من طَلَاّبِ واترةٍ

غَادَرْتَ رَبْعَ العدَى رسماً على طَلَلِ)

(تَركتهم جزراً فِي كل موحشةٍ

للوحشِ وَالطير كالأنعامِ والثللِ)

(أذقْتَ آبَاءَهُم ثكْلَ الْبَنِينَ كَمَا

أَيَّمْتَ منهنَّ ذَات الدلِّ والكحلِ)

(ومُذْ سفكْتَ دِمَاء من نجومهمُ

كففْت بادا الحجا عَن بَيْضَة الكللِ)

(لما رأوك على آثَار جرَّتهم

طاروا مطار القطا الكدري والحَجَلِ)

(وَإِنَّمَا ينزعون الْكل من خَوَرٍ

قَوَائِم الخيلِ والأقدام من وحلِ)

(وصارَ كُلُّ زعيمٍ فِي عشيرتِهِ

يقولُ لَا نَاقَتي فِيهَا وَلَا جَمَلِي)

(أَيْن المفرُّ وخيلُ اللهِ طالبةٌ

والسعْدُ يغتالهم فِي السهْلِ والجبلِ)

(كفَى بسيفكَ وعظاً فِي مصارِعِهم

لكلِّ منهزمٍ مِنْهُم ومنخَزلِ)

ص: 333

(مذ عاينوا الذبْحَ فى أحلافِهِمْ نَزَعُوا

إليكَ مِنْ وهنٍ فيهم ومِنْ وهلِ)

(لَا تُعطِهم يَا أَبَا عجلَان عارفَةً

وَمَا يرومُونَ من وجْه وَمن قبلِ)

(وَلَا تُتَابع هجاراً فِي رعايتهم

لَيْسَ الشجيُّ رَعَاكَ اللهِ مِثلَ خَلِي)

(لَا تحرقُ النارُ إِلَّا كَفَّ لامسها

وَلَا أَخُو كَبِد حَرى كذى بَلَلِ)

(واذكُرْ على الْقرب مَا نالوا وَمَا فَعَلُوا

فِي أهُلِ دارِكَ من فتكٍ وَمن غيلِ)

(واعْلَمْ سلمْتَ بِأَن القوْمَ قد حشدوا

وليْسَ مطلبهم إلَاّكَ من رَجُلِ)

(ثَلُّوا عروشَكَ واجتاحوا حِمَاكَ بِهِ

وجاذَبُوكَ رداءَ العزِّ فِي النزلِ)

(فاغضَبْ لنفسِكَ أودَعْ كل مكرمةٍ

تبقَى وقوضْ خيامَ الْعِزّ وارتحلِ)

(واذُكْر أَبَا الْقَاسِم السَّامِي ومصرعَهُ

كَذَاك مصْرعَ إبراهيمَ حينَ ولِي)

(السادَةُ القادةُ الأملاكُ من حَسُنَتْ

بذاتهم بهْمَةُ الأيامِ والدولِ)

(لَا تجعلِ المالَ عَن أَرْوَاحهم بَدَلا

من اللئامِ فبئْسَ المالُ من بَدَلِ)

(لَا تتركِ الحزْمَ عينا ثُمَّ تطلبه

دينا فتقرعَ سنَّ النادمِ النكلِ)

(وَلَا تقيلنَّهُمْ باللهِ عثرتَهُمْ

واقطَعْ عرى كل ذِي غدرٍ وَذي نغلِ)

(وَلَا يَغُرَّنكَ مِنْهُم ودُّ مبتسم

فالخوفُ يظهرُ وُدَّ الخائنِ الدغلِ)

(يطوون أحشاءَهُمُ منكُمْ على ضمدٍ

ويضحكُونُ لديكُمْ ضحكةَ العَلِل)

(فاشدُدْ يديكَ وَلَا ترثي لحالتهِمْ

فطبعُهُمْ عَن خبيثِ اللؤمِ لم يحلِ)

(لَا تأمنَنْ غدرهُمْ فالذئُبُ عَادَته

إِن ينتهزْ فرصةَ فِي غفلةٍ يَصُلِ)

(إِن تبقِ مِنْهُم مَعَ الْإِمْكَان بَاقِيَة

نُسِبْتَ للوهنِ فِي الأمصارِ والحللِ)

(وجرِّد السيفَ لاستئصالِ شأْفَتهِمْ

فِي كُلِّ شيخٍ وَفِي طفلٍ ومكتهلِ)

(لَا تقطعِ الرجلَ من قوم وتتركهم

والرأْسُ مِنْهُم صحيحٌ غيرُ منجدلِ)

(فالحْلمُ زين ولكنْ يَابْنَ حيدرةٍ

فِي غير موضعِهِ ضرْبٌ من الخَبَلِ)

(والصفْحُ عَن مجرمٍ من بعدِ مقدرةٍ

عجزٌ ولسْتَ بِذِي عجز وَلَا مللِ)

(فِيمَ التقاضِى وَمَا بالعهْدِ من قِدَمٍ

والجرحُ مِنْهُم طريٌّ غيرُ مندمل)

(حاشا علاك أَبَا عجلانَ من ملكٍ

تُعْطِى الدنيةَ أَو تُؤْتى من الختلِ)

(يَأْبَى لَك العزُّ أَن تَلقاهُ معتذراً

أَو ناهجاً فِي طريقِ اللومِ والعذلِ)

(وأنتَ من سادةٍ شُمِّ لَهُم أنَفٌ

عَن أَن يقيموا على ضَيْمٍ وَلَا دخلِ)

ص: 334

(بيضُ الوجوهِ غطاريفٌ جحاجحةٌ

تنكَّبوا عَن طريقِ الجبنِ والبخلِ)

(أهْلُ الحمايا وأهْلُ الذبِّ مَا برحوا

عَن الحريمِ وعِرْض غير مبتذلِ)

(جمعْتَ مَا كَانَ فيهم فيكَ مفترقاً

من المحاسنِ بالتفصيلِ والجملِ)

(ودُونَكُمْ قولَ نصحٍ يَا بني حَسَنٍ

يفيدُ كلَّ ذكيِّ القَلْبِ مشتعلِ)

(أنْتُم بَنو الحربِ تدعوكُمْ وتنهضُكُمْ

أحسابُكُمْ لاقتحامِ الحادثِ الجللِ)

(شُدُّوا إِلَى حومةِ الهيجا مآزِركُمْ

وشَمِّرُوا لطلابِ الثارِ فِي عجلِ)

(مَا بالُكُمْ ورياحُ النصرِ مقبلةٌ

تثاقلونَ وذُلُّ الدهرِ فِي الثقلِ)

(إِن لم تديروا رحَى الهيجاء مسرعةً

فَمَا يفيدُ صهيلُ الخيلِ فِي الشكلِ)

(عيشُوا على العزِّ أَو موتُوا على ثقةٍ

موت الكرامِ وخَلُّوا الدَّار عَن حولِ)

(فَمَنْ يبلغُ عني غَيْرَ معتذرٍ

يحيى بن سبعٍ مقَالا غير ذِي خَطَلِ)

(ومالكاً وابْنَ قيمازٍ وشيعَتَهُم

وَالتَّابِعِينَ من الأوشابِ والسفلِ)

(لَا بدَّ أَن يبلغ الموتورُ غايتَهُ

وَيشْرب الكأْسَ سَاقيهَا على عللِ)

(فالصبْرُ يحمدُ والأيامُ كافلةٌ

عُقبى النجَاحِ ونيل السؤلِ والأملِ)

(إِن تجحدون أَبَا عجلانَ فرصَتَهُ

فيكُمْ وَمَا كَان فِي أيامِهِ الأولِ)

(سَلُوا مَوَاضِيهِ عَنْهَا فَهْىَ تخبركُمْ

فالسيفُ والرمُح أزكَى شاهدٍ وَولي)

(كَمْ ناشكم بالقنا فِي عُقْرِ دارِكُمُ

حَتَّى اعتَصَمتُمْ ببذلِ الخيلِ والخولِ)

(وكَمْ سقاكُمْ غداةَ الروعِ من يدِهِ

بالسيفِ كأْس الردَى عَلاًّ على نَهَلِ)

(وَكم أذاقكُمُ حرَّ الجلادِ بِهِ

فِي مأقطِ الحربِ والأقدامُ لم تزلِ)

(لَوْلَا العرانينُ مِنْ أبنا أبِيهِ لَمَا

جاوزتم الرمل من خوف وَمن فشل)

(وَلَا وطئتُمْ على ذُلِّ ومنقصةٍ

موطئًا مَا لكُمْ فيهنَّ من قِبَلِ)

(لَيْسَ القضا بكُمُ يشفي ضمائره

إنَّ القضاءَ مِنَ الأشباهِ والمثُلِ)

(وَإِنَّمَا طَهَّر اللهُ البلادَ بِهِ

من مِلَّةٍ خرجِتْ عَن أشرفِ المللِ)

(وعللتهم أمانيهمِ علَى غَرَرٍ

واللهُ فِي كُلِّ هَذَا عِلّة العللِ)

(سمتم مقَاما رفيعاً فَوْقَ رتبتكُمْ

وَلَا يقاسُ نهيقُ العيرِ بالصهلِ)

(فَلَو رجعتُمْ إِلَيْهِ باذلينَ لَهُ

طَوْعًا طوى كشحَهُ فِيكُم على مَلَلِ)

(وسُقْتُمُ المالَ فِي مرضاتِهِ فعسَى

يغضى قَلِيلا ومَنْ للعور بالحولِ)

ص: 335