المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ثم تولى السلطان سليمان بن سليم خان) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٤

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(الْبَاب الرَّابِع)

- ‌(فِي الدولة الأيوبية السُّنِّيّةِ السَّنيّة)

- ‌(السَّبَب فِي توردهم الديار المصرية)

- ‌(السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْعَزِيز عُثْمَان)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْعَادِل)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل مُحَمَّد)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه أَبُو بكر الْعَادِل)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل)

- ‌(ثمَّ تولى تورنشاه)

- ‌(ثمَّ تولت شَجَرَة الدّرّ)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك عز الدّين أيبك التركماني)

- ‌(فَتَوَلّى الْملك الْأَشْرَف مُوسَى مظفر الدّين)

- ‌(الْبَاب الْخَامِس)

- ‌(فِي ذكر الدولة التركمانية)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عَليّ)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك المظفر سيف الدّين قطز)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الظَّاهِر بيبرس)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك السعيد نَاصِر الدّين)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك سلامش بن بيبرس)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك المصنور قلاوون الألفي)

- ‌(ثمَّ تولى الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر مُحَمَّد)

- ‌ كتبغا

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين)

- ‌(ثمَّ عَاد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌ بيبرس الجاشنكير

- ‌(تمّ تولى الْأَشْرَف عَليّ كجك بن مُحَمَّد النَّاصِر بن قالوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَحْمد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور ابْن مُحَمَّد قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل شعْبَان بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى حاجي)

- ‌(تمّ تولى السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(من أَوْلَاد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح صَالح بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى مُحَمَّد ابْن الْملك المظفر حاجي)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك شعْبَان بن حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده عَليّ بن الْأَشْرَف شعْبَان)

- ‌(وتلقب بِالْملكِ الْمَنْصُور فِي عَام السَّبع وَالسبْعين والسبعمائة الْمَذْكُور)

- ‌(ثمَّ تولى أَخُوهُ حاجي بن شعْبَان الْأَشْرَف)

- ‌(الْبَاب السَّادِس)

- ‌(فِي ذكر الدولة الشركسية بِمصْر وَالشَّام وأعمالهما)

- ‌(السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر سيف الدّين)

- ‌(أَبُو سعيد برقوق بن آنص العثماني كَذَا ذكره المقريزي فِي خططه

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك النَّاصِر)

- ‌(ثمَّ ولي الْخَلِيفَة العباسي)

- ‌(ثمَّ تولى الْأَمِير شيخ المحمودي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده الْملك المظفر)

- ‌(ثمَّ تولى ططر)

- ‌(ثمَّ تولى بعده ابْنه الْملك مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده يَوْم مَوته)

- ‌(الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن برسباي وعمره أَرْبَعَة عشر عَاما)

- ‌(ثمَّ تولى بعده أَبُو السعادات فَخر الدّين عُثْمَان بن حقمق)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين أَبُو النَّصْر أينال العلائي)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه أَحْمد الْمَذْكُور ابْن أينال ولقب بِالْملكِ الْمُؤَيد)

- ‌(ثمَّ تولى أتابكه الْملك الْعَادِل سيف الدّين خشقدم الناصري)

- ‌(ثمَّ تولى بعده فِي ذَلِك الْيَوْم أتابكه بلباي الْمُؤَيد)

- ‌(ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد تمريغا الظَّاهِرِيّ)

- ‌(ثمَّ تولى السلطنة أتابك العساكر يَوْمئِذٍ السُّلْطَان الْأَشْرَف قايبتاي)

- ‌(المحمودي الظَّاهِرِيّ الشركسي)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَبُو السعادات مُحَمَّد بن السُّلْطَان قايتباي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده خَاله الْملك الظَّاهِر قانصوه)

- ‌(ثمَّ تولى بعده السلطنة أَمِير كَبِير جانبُلاط)

- ‌(ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الْعَادِل طومان باي)

- ‌(ثمَّ تولى قانصوه الغوري السلطنة)

- ‌(الْبَاب السَّابِع)

- ‌(فِي ذكر مُلُوك آل عُثْمَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان أورخان الْغَازِي ابْن السُّلْطَان عُثْمَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد خَان الْغَازِي خدا وندكار)

- ‌(ابْن السُّلْطَان أورخان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان يلدرم با يزِيد ابْن السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان يلدرم)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّانِي ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد بن يلدرم)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فاتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة ابْن مُرَاد)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان بايزيد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد)

- ‌(وَجلسَ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وافتتح الفتوحات)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم ابْن السُّلْطَان با يزِيد)

- ‌(كاسر الْعَجم وفاتح بِلَاد الْعَرَب)

- ‌ سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم الثَّانِي ابْن سُلَيْمَان خَان)

- ‌(وَجلسَ على سَرِير السلطنة فِي سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث ابْن السُّلْطَان سليم)

- ‌(ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد)

- ‌(ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان ابْن السُّلْطَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان أَحْمد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد)

- ‌(ابْن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد أَخُوهُ)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان عُثْمَان بن أَحْمد خَان بن مُحَمَّد خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد خَان)

- ‌(وَهَذِه هِيَ التَوْليَةُ الثَّانِيَة)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي ابْن أَحْمد)

- ‌(ابْن مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن السُّلْطَان أَحْمد)

- ‌(أَخُو السُّلْطَان مُرَاد الْمَذْكُور قبله)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان الْغَازِي الْمُجَاهِد)

- ‌(فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم)

- ‌(فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة وَذكر مَكَان دُعَائِهِ إِلَيْهَا وزمانه وَمَا جرى على كل قَائِم مِنْهُم من خَليفَة زَمَانه وتعدادهم من عَليّ بن أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا حَتَّى لَا تَخْلُو الأَرْض من قَائِم من آل مُحَمَّد يَدْعُو إِلَى الْحق وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم إِلَى أَن يظْهر مهديها المنتظر وَهَذَا على

- ‌(فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا فَنَقُول وَبِاللَّهِ العون)

- ‌(الْبَاب الأول)

- ‌(فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي)

- ‌(فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث)

- ‌(من خَاتِمَة الْخَيْر)

- ‌(فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْم تَارِيخه)

- ‌(ولمع من أخبارهم ونوادر حوادث أيامهم)

- ‌(ذكر دولة السليمانيين)

- ‌(وَمِنْهُم آل أبي الطّيب)

- ‌(ذكر دولة الهواشم)

- ‌(ذكر بني قَتَادَة أُمَرَاء مَكَّة بعد الهواشم إِلَى وقتنا هَذَا)

- ‌(ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي)

الفصل: ‌(ثم تولى السلطان سليمان بن سليم خان)

عَن تبريز إِلَى بِلَاد الرّوم وَتركهَا خاوية على عروشها ثمَّ تفحص عَن سَبَب انْقِطَاع القوافل وتأخرها عَنهُ وَقت الْحَاجة فَأخْبر أَن سَبَب ذَلِك أَن سطان مصر الغوري قانصوه كَانَ بَينه وَبَين إِسْمَاعِيل شاه محبَّة ومودة ومراسلات بِحَيْثُ كَانَ السُّلْطَان الغوري يتهم بالرفض وعقيدته سَبَب ذَلِك فَلَمَّا ظهر للسطان سليم أَن الغوري هُوَ الَّذِي أَمر بِقطع القوافل عَنْهُم صمم على قتال الغوري أَولا وَبعد استيلائه عَلَيْهِ وعَلى بِلَاده يتَوَجَّه على شاه إِسْمَاعِيل ثَانِيًا فَلَمَّا اسْتَقر ركابه فِي تخت ملكه تهَيَّأ لأخذ مصر وَإِزَالَة دولة الشراكسة عَنْهَا وَتوجه إِلَى ناحيته من جِهَة حلب فَالْتَقَيَا ب مرج دابق كَمَا تقدم ذكر ذَلِك مفصلا كَانَت مدَّته ثَمَان سِنِين وأياماً وَتُوفِّي‌

‌ سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة

رحمه الله برحمته وَأَسْكَنَهُ بحابيح جنته

(ثمَّ تولى السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان)

(سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة)

ولد سنة تِسْعمائَة تَقْرِيبًا فَتكون سنُّه حِين التَّوْلِيَة سِتا وَعشْرين سنة سلك طَرِيق المعدلة وجادة الْإِنْصَاف وتفقد أَحْوَال الرعايا والعساكر وَرفع الظُّلم والاعتساف وَأعْرض عَن المنهيات وَله خيرات لَا تحصى مَعْرُوفَة فِي الْآفَاق وفتوحات وغزوات رفعت أهل الْإِيمَان وخفضت أَرْبَاب الشقاق والنفاق مِنْهَا انكروس ورودس وبُدِن وبلغراديج وغزوة الْعَجم وألمان وأولونية وبغداد واسطنبول والستوراغون وسكتوار آخر غَزَوَاته وَتُوفِّي فِيهَا سنة 974 أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَمن مشاهير الْعلمَاء فِي أَيَّام دولته الْمُفْتِي على شلبي وَكَمَال باشا زَاده وسعدي شلبي وجوي زَاده ومفتي خواجه شلبي وَأَبُو السُّعُود أَفَنْدِي صَاحب التَّفْسِير وَغَيرهم ووزراؤه بيري باشا وَإِبْرَاهِيم باشا وَإيَاس باشا ولطفي باشا وَسليمَان باشا ورستم باشا وَعلي باشا وَمُحَمّد باشا كلهم كَانُوا أَرْبَاب خيرات ومبرات افْتتح الْبلدَانِ الواسعة بالقهر وَالْحَرب وَأخذ الْكفَّار والملاحدة بالطعن

ص: 85

وَالضَّرْب وأيد الدّين الحنيفي بمجده وسيفه الباتر وَأقَام الْملَّة الحنيفية وَأَحْيَا مَا لَهَا من مآثر وَنصر مَذْهَب السّنة السّنيَّة وَأظْهر شَعَائِر الْإِسْلَام البهية وردع أهل الْإِلْحَاد فَمَا لَهُم من قُوَّة وَلَا نَاصِر وَكَانَ مُجَدد دين هَذِه الْأمة المحمدية فِي هَذَا الْقرن الْعَاشِر كَمَا ورد لِكُل قَرنٍ مُجَددٌ ظَاهر وَبنى الْمدَارِس الْمَعْرُوفَة بالسليمانية للأربعة الْأَئِمَّة الْمَالِكِي ثمَّ الْحَنَفِيّ ثمَّ الشَّافِعِي ثمَّ الْحَنْبَلِيّ وَقد جعلت مدرسة دَار حَدِيث لعدم متأهل من الْحَنَابِلَة وَبسط بِسَاط الْعدْل فِي سَائِر الممالك وَفتح القلاع والحصون ومهد المسالك وَكَانَت أَيَّام سلطنته باسمة الثغور ودولته الشَّرِيفَة عرة فِي جباه الدهور وَله فتوحات عديدة مِنْهَا وَهُوَ أَولهَا رودس وَغَيرهَا مِمَّا تقدم ذكره وَمِنْهَا الأقطار اليمنية وثغورها الإسلامية وَكَانَت فِي الْقَدِيم لعدة سلاطين وملوك وَهَهُنَا أَحْبَبْت ذكر رسَالَته إِلَى الإِمَام المطهر بن شرف الدّين الحسني الدَّاعِي بقطر الْيمن لحسن تنميقها وَكَثْرَة تحقيقها ومتانة ألفاظها وإيراقها ورصانة إرعادها وإبراقها وَهِي بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مثالنا الشريف السلطاني وخطابنا المنيف العالي الخاقاني لَا زَالَ نَافِذا مُطَاعًا بالعون الرباني واليمن الصمداني أرسلناه إِلَى الأميري الكبيري العوني النصيري الهمامي المطهري الشريفي الحسيبي النسيبي فرع الشَّجَرَة الزكية طراز الْعِصَابَة النَّبَوِيَّة العلوية ونسل السلالة الهاشمية السّنيَّة المطهر بن شرف الدّين نخصه بِسَلام أتم وثناء أَعم ونبدي لعلمه الْكَرِيم أَنه لَا يزَال يتَّصل بمسامعنا الشَّرِيفَة إخلاصه لدينا وقيامه بِقَلْبِه وقالبه بمرضاة سلطاننا وانقياده إِلَى جانبنا وبمقتضى ذَلِك حصل شكرنا التَّام وَالثنَاء الْعَام على مناصحته ومكاتبته وَلما برز أمراؤنا الشَّرِيفَة مسابقين مُتَتَابعين مَعَ وزيرنا الْمُعظم سُلَيْمَان باشا إِلَى الْبِلَاد الْهِنْدِيَّة لفتح تِلْكَ الْجِهَات السّنيَّة إحْيَاء لسنة الْجِهَاد وَقطع دابر الْفساد وَأهل

ص: 86

العناد فَاسْتَبْشَرَ بذلك كل مُسلم وَصَارَ فَرحا مَسْرُورا فَوَقع قدر الله وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا فَرجع وزيرنا الْمشَار إِلَيْهِ فَوجدَ طَائِفَة من اللوند قد تملكوا زبيد من المملكة اليمنية وَحصل مِنْهُم غَايَة المشاق بأذى الرّعية وَزَاد ظلمهم على الْعباد والبلاد وَعم ضررهم كل حَاضر وباد فتتبع آثَارهم وَقطع دابرهم واستنقذ الرعايا من أَيْديهم وَصَارَت مملكة زبيد من ممالكنا الشَّرِيفَة وَعَاد إِلَى أعتابنا المنيفة وأبرز من يَدَيْهِ مكتوبكم ومكتوب والدكم يتَضَمَّن الْإِخْلَاص لطاعة سلطاننا وأنهما صَارا من أتباعنا اللائذين بأعتابنا وبموجب ذَلِك حصل عندنَا لكم زِيَادَة الْمحبَّة الصادقة وَحسن الْمَوَدَّة وتحققنا مَا كَانَ يبلغنَا عَنهُ على أَلْسِنَة النَّاس السفار المتمرددين على أعتابنا الشَّرِيفَة من تِلْكَ الديار وبلغنا الْآن عَنْهُمَا خلاف ذَلِك وَتغَير مَا كاتبنا بِهِ فِي السَّابِق مثل غير مُطَابق وَأَنه وَقع بَينهمَا وَبَين أمرائنا وعساكر دولتنا بِتِلْكَ الْبِلَاد خُلف كَبِير ووقائع عَم ضررها الْمَأْمُور والأمير وَهَذَا عين الْخَطَأ الْمَحْض الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ذهَاب الرّوح لمن عقل وَفهم {إِن الله لَا يُغَيّرُ مَا بِقَومٍ حَتَى يُغَيِروا مَا بِأَنفُسِهِم} الرَّعْد 11 فَالْآن ملكنا الشريف السَّامِي قد ملك بعون الله تَعَالَى بِسَاط الأَرْض شرقاً وغرباً وَصَارَت سلطنتنا الْقَاهِرَة كالإبريز الْمُصَفّى بعون النَّبِي الْمُصْطَفى ورقم سجل سعادتنا بآيَات النَّصْر على أهل الْعَصْر وعَلى سَائِر الْمُلُوك بإحياء سنة الْجِهَاد إِلَى يَوْم الْعرض {ذَلِكَ فَضلُ اَللهِ يُؤتيهِ مَن يَشَاء} الْجُمُعَة 4 {وَأَماً مَا ينفع النَّاس فيمكث فى الأَرْض} الرَّعْد 17 وعساكرنا المنصورة أَيْنَمَا انخرطت خرطت وأينما سَقَطت التقطت وحيثما سلكت ملكت وَأَيْنَ حلت فتكت لَا يعجزهم صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا جليل وَلَا حقير وَلَو شِئْنَا لعينا من عساكرنا المنصورة شرذمة قَلِيلُونَ نَحْو مائَة ألف أَو يزِيدُونَ مشَاة وركباناً من الْبر وَالْبَحْر لأمرائنا ولأمرنا ممتثلون ونقوي عَددهمْ بالاستعداد ونشدهم بِالْقُوَّةِ والآلة والزاد وَنَتبع الْعَسْكَر بالعسكر ونملأ الْبر وَالْبَحْر ونلحق الْجَيْش بالجيش من كل أسود وأحمر حَتَّى يتَّصل أول عساكرنا بآخرهم وواردهم بصادرهم وَيكون أَوَّلهمْ فِي الْبِلَاد اليمانية وَآخرهمْ فِي بِلَادنَا المحمية وَلَا نحتاج نعرفكم بقدرة سلطاننا وتشييد أَرْكَان دولتنا وَتَشْديد عزمتنا فَإِن

ص: 87

الْمُلُوك ذَوي التيجان وَأَصْحَاب الْقُوَّة والإمكان لَا يزالون خاضعين لهيبتنا الشَّرِيفَة قهرا عَلَيْهِم مطأطئين رُءُوسهم خشيَة مِمَّا يلْحق بهم عِنْد الْمُخَالفَة وَيصير إِلَيْهِم وَذَلِكَ مَشْهُور وَمَعْلُوم وَظَاهر لَيْسَ بمكتوم لَكِن غلب حلمنا عَلَيْهِ من تَعْجِيل النكاية إِلَيْهِ كَونه من سلالة سيد الْمُرْسلين وَمن أهل بَيت النُّبُوَّة الطاهرين ولازم على ناموس سلطنتنا الشَّرِيفَة أَن ننبه قبل اتساع الْخرق عيه ونعرفه بِمَا يحل بِهِ وَيصير إِلَيْهِ وَكَونه آوى إِلَى الْجبَال يتحصن بهَا عَن الزَّوَال وَيَزْعُم أَن ذَلِك بنجيه فَهَذَا عين الْمحَال وتدبيره تدميره على كل حَال جهل ذَلِك أم علم {لَا عَاصمَ اليوَمَ مِن أَمرِ اَللهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ} هود 43 {أَين اَلمفرُ كلا لَا وَزَرَ} الْقِيَامَة 10 11 وَلَا لهارب من سلطنتنا مفر وَقد اقْتَضَت أوامرنا الشَّرِيفَة تعْيين افتخار الْأُمَرَاء الْكِرَام صَاحب الْعِزّ والاحتشام الْمُخْتَص بعناية الْملك والعلام مصطفى باشا دَامَت معدلته ونفذت كَلمته باشا على العساكر المنصورة وصحبته ثَلَاثَة آلَاف من الْجند المؤيدة بِاللَّه مشَاة ورماة حماة إِعَانَة لأمير الْأُمَرَاء الْكِرَام ذَوي الْقدر والاحترام الْمَخْصُوص بمزيد عناية الْملك العلام ازدمر باشا دَامَت معدلته وحرست نعْمَته وعينا من الْبر ألفي فَارس وهيأنا مثلهَا بعددها وعليقتها من الْبَحْر فَعرض على مسامعنا الشريف مصطفى باشا أَن أَن يُؤَخر تجهيز الْجَيْش الْمَذْكُور من الْبَحْر إِلَى حِين يتَوَجَّه إِلَى تِلْكَ الْجِهَات وَينظر فِي الْأَحْوَال وَمَا عَلَيْهِ أهل تِلْكَ الأقطار من الْحَال وَإِذا وَقع من أحد خلاف وَاحْتَاجَ إِلَى الْخُيُول الْمَذْكُورَة فيجهز إِلَيْنَا لطلبهم فتصل إِلَيْهِ على مَا يحب فأخرنا ذَلِك إِلَى حِين يعود الْجَواب بتحقيق الْأَخْبَار عَن الإِمَام وَولده فحال وُصُول مصطفى باشا الْمشَار إِلَيْهِ إِلَى تِلْكَ الديار واستقراره بِتِلْكَ الأقطار وَلَا بُد أَن تحضر إِلَى خدمته ممتثلاً لكلمته وتقابله بقلب منشرح وَصدر منفسح وتمشي تَحت صناجقنا الشَّرِيفَة وَتدْخل تَحت طاعتنا المنيفة وَتَكون مَعَ عساكرنا مُنْضَمًّا لأوامرنا على قلب رجل وَاحِد غير متقاعس وَلَا متقاعد فَإِن مصطفى باشا الْمشَار إِلَيْهِ باشا عساكرنا وَخَلِيفَة أمرنَا وَكَلَامه من كلامنا وَأمره من أمرنَا وَنَهْيه من نهينَا وَمن أطاعه فقد أطاعنا وَمن خَالفه فقد خَالَفنَا ونعوذ بِاللَّه من الْمُخَالفَة وَعدم الانقياد والمؤالفة فليتفكر المطهر فِي

ص: 88

نَفسه قبل حُلُول رمسه وليتنبه من رقدته ويصحو من غفلته ويفيق من سكرته فَإِن فعل ذَلِك وانضم إِلَى سلطنتنا الشَّرِيفَة فقد رحم نَفسه وصان مهجته وَيرى من دولتنا العادلة غَايَة الرِّعَايَة وبلوغ الأمنية مَعَ الزِّيَادَة إِلَى حد النِّهَايَة وَأَنه إِذا دخل تَحت طاعتنا وَمَشى على الاسْتقَامَة لدينا وانضم إِلَى عساكرنا فننغم عَلَيْهِ بأمرنا الشريف بِمَا يسْتَحق بِهِ فِي مَمْلَكَته مُسْتقِلّا بِهِ من غير معَارض لَهُ فِي ذَلِك وَلَا مُنَازع لَهُ فِيمَا هُنَالك فَحَيْثُ فعلت فَأَنت من الفائزين لَا تخف وَلَا تحزن إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين وَإِن حصل وَالْعِيَاذ بِاللَّه مُخَالفَة وَاسْتمرّ على العناد والمجانفة وانهمك فِي الضلال والمكابرة والخيال فَيُصْبِح ذَنبه فِي رقبته وَيهْلك نَفسه بِيَدِهِ {وَمَا ظلمنهم وَلَكن كاَنوُا أَنفُسَهُم يَظْلِمُونَ} النَّحْل 118 وَيدخل فِي قَول أصدق الْقَائِلين {يُخرِبوُنَ بيوُتَهُم بِأَيدِيهِم وَأَيدي اَلمُؤمنينَ} الْحَشْر 2 وَيصير بعد الْوُجُود إِلَى الْعَدَم ويندم حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم وَقد حذرنا رأفة بِهِ وتحننا عَلَيْهِ بإصدار هَذَا الْكتاب إِلَيْهِ فَإِن خَالف أتيناه بِجُنُود لَا قبل لَهُ بهَا وأخرجناه مِنْهَا ذليلاً حَقِيرًا لَا ملْجأ لَهُ من سلطنتنا إِلَّا إِلَيْهَا الَّتِي هِيَ لِمن سَالَمَهَا ظلاً ظليلاً وعَلى من خالفها عذَابا وبيلاً وَمثله لَا يدل على الصَّوَاب فليعتمد على ذَلِك وعلامتنا الشَّرِيفَة حجَّة عَلَيْهِ وَالسَّلَام عَلَيْهِ فَكتب إِلَيْهِ الإِمَام المطهر الْجَواب وَهُوَ نور الله شمس الْإِسْلَام وأطلعها وفجر عُيُون الشَّرِيعَة وأنبعها ولألأ كواكب الدّين الحنيفي وأسطعها وَأَعْلَى منار الْملَّة الْبَيْضَاء ورفعها وزلزل جموع الظُّلم والعداوة وزعزعها وأرعد قُلُوب الْجَبَابِرَة المردة وأرعيها وَألف بَين قُلُوب الْمُسلمين وَجَمعهَا بدوام دولة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْمُعظم الْعَظِيم ذِي الْملك الباهر القاهر الْعَقِيم الْقَاطِع بسيوف عزمه عنق كل جَبَّار أثيم الَّذِي أُوتِيَ الْحِكْمَة والتحية وَالله يُؤْتِي من يَشَاء فَضله العميم شمس الْخلَافَة المضيئة فِي اللَّيْل البهيم ظلّ الله فِي أرضه الْقَائِم بسنته وفرضه القويم حجَّة الله الْوَاضِحَة للحق على التَّعْمِيم أَمِينه على خلقه وخليفته الْقَائِم بِحقِّهِ بِتَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم المتسم بحماية آل الرَّسُول وَأَبْنَاء فَاطِمَة البتول سلالة النَّبِي الْكَرِيم الباسط عَلَيْهِم ظلّ عدله فَلَا ينالهم حَر الْجَحِيم فهم راتعون فِي رياض إحسانه وَلها نبت وسيم وكارعون من حِيَاض امتنانه الَّتِي لَا يشوب صفوها الدَّهْر المليم سامي

ص: 89

الفخار زكي الأَصْل والنجار الفائز بحوز قصبات السَّبق فِي الْحسب الصميم الْكَاف لأكُف من تعاشى عَن الْهِدَايَة وسلك مسالك الغواية وَكَانَ لَهُ فِي العجرفة تصميم الَّذِي لَا تحصى صِفَاته بتعداد وَلَو أَن الشّجر أَقْلَام وَالْبَحْر مداد واسأل بذلك كل خَبِير عليم الخنكار الْكَبِير والخاقان الشهير سُلَيْمَان بن سليم أهدي إِلَى مقَامه نَجَائِب التَّحِيَّة وَالتَّسْلِيم وَرَحمته الطّيبَة وَبَرَكَاته الصيَّبة الموصولة بنعيم دَار النَّعيم وحرس جنابه العالي وَحرمه الْمُحْتَرَم من صروف اللَّيَالِي بِمَا حفظ بِهِ الْآيَات وَالذكر الْحَكِيم فَإِنَّهُ ورد من تلقائه أَطَالَ الله للْمُسلمين فِي بَقَائِهِ مرسوم سطعت أنواره وطلعت بالمسرة شموسه وأقماره وتضاحكت فِي عرصات الْمجد كمائمه وأزهاره وَجَرت فِي جداول الْحَمد أنهاره وتحاسد على مشرفه ليل الزَّمَان ونهاره مرسوم تقر بِهِ الْعُيُون وَتصْلح بِهِ الْأَحْوَال والشئون أنشئ لله نجاره فوجدناه أشفى من الترياق وأبهى من الإثمد فِي دعجٌ الأحداق يتبلج تبلج الْبَرْق ويحلب الْخيرَات تحلب الودق يفوق اللُّؤْلُؤ الثمين منشوراً ويفضح شقائق النُّعْمَان زهوراً وَيجْعَل مَمْدُود الثَّنَاء عَلَيْهِ مَقْصُورا فتعطرت الأندية بنشره وأعلنت الألسن بِحَمْدِهِ وشكره وهب فِي الْبَوَادِي والأمصار نسيم ذكره وَدخلت النَّاس أَفْوَاجًا تَحت نَهْيه وَأمره // (من الْخَفِيف) //

(حَبَّذا مُدْرَجًا كَرِيمًا جَليْلاً

زَانَهُ مُنْشِىءٌ كَرِيمٌ جَلِيلُ)

(لَفْظهُ الدُّرُّ فِي السُّمُوطِ وفَخْرًا

وبِمَعْنَاهُ سَلْسَلٌ سَلْسَبِيلُ)

(وإِذَا المُدْرَجَاتُ كَانَتْ مُلُوكًا

فَهْوَ فِيهَا وبَيْنَها إِكْلِيلُ)

(مُدْرَجٌ فِيهِ للبَهاءِ غُدو

ومَرَاحٌ ومَسْرحٌ ومَقِيلُ)

فَللَّه در أنامل صاغته بالبلاغة وضمنته مَا يعجز عَنهُ قدامَة وَابْن المراغة فَلَو رَآهُ الْملك الضليل لطأطأ رَأسه خاضعاً أَو لبيد خر سَاجِدا وراكعاً وعرفنا مَا ذكره سُلْطَان الْأُمَم وَملك رِقَاب الْعَرَب والعجم المتسم بحماية الْحرم من الْإِحَاطَة بطاعتنا ودخولنا تَحت لوائه وأقواله وأفعاله وَالْحَمْد لله الَّذِي وفقنا لطاعته وردنا عَن السلوك فِي مُخَالفَته فَإِن لنا بكم الْحَظ الأوفر مَعَ زِيَادَة الْحسنى والنصيب الأفخر الأهنى

ص: 90

وَنَرْجُو نيل الشّرف الْكَامِل الْأَكْمَل ونجح المُنَى والمطالب وبلوغ نِهَايَة الْأَمَانِي والمآرب فَمن اسستمسك بعروتكم الوثقى فَازَ بمطالبه ونال الْغَايَة القصوى من مآربه وَرفع لَهُ الدَّرَجَات السامية الْعلية وَتمّ لَهُ بذلك كل سُؤال وأمنية ويحظى بعيشة هنيَّة راضية مرضية وَهَذِه طَريقَة مَعْرُوفَة وَسنة قديمَة مألوفة لَا تميل عَن الوفا وَلَا تكدر من ذَلِك المشرب مَا صفا كَيفَ وطاعتكم من طَاعَة الْملك الْخَالِق ومعصيتكم تظلم مِنْهَا المغارب والمشارق وَنحن من مودتكم على يَقِين وَنَرْجُو أَن لَا تصفوا أذنا الْكَلَام الْفَاسِقين وَلَا تهملوا رِعَايَة الصَّالِحين الْمُتَّقِينَ وَلَا تقطعوا حق ذُرِّيَّة النَّبِي الْأمين وَأَبْنَاء عَليّ الأنزع البطين كرم الله وَجهه فِي عليين {قل لَا أسئلكم عليهِ أجرا إِلا المَوَدةَ فِي القُربى} الشورى 23 وَذَلِكَ نَص الْكتاب الْمُبين فَأنْتم أولى برعاية من أَمر الله أَن يرْعَى وَمن تقر بِهِ من عِترَةِ النَّبِي أذنا وسمعاً فكم لكم من محامد مشكورة ومفاخر مَشْهُورَة ومعاني جميلَة منثورة نؤمل أَن تشقوا بحسامها نوافج الوشاة وتردوا كيد كل كَذَّاب لَا يراقب الله وَلَا يخشاه وَالَّذِي يَنْقُلهُ إِلَيْكُم أَرْبَاب الزُّور والإفك والفجور من تَحَوَّلْنَا عَن طَاعَة السُّلْطَان الْأَعْظَم ومخالفتنا لما سبق من مودتنا وَتقدم كذب يُعلمهُ الداني والقاصي وَمن التمويه الَّذِي لناقله أَشد الاقتصاص حاشا وكلا أَن نرضى مُخَالفَة أَو نَمِيل عَن الْأَحْوَال السالفة أَو ننكر تِلْكَ المعارف العارفة نَعُوذ بِاللَّه من الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ أَو نَكُون مِمَّن تعدى الْحَد بعد الطّور وتقاعد عَن طاعتكم وَهِي مَحل السَّعْي إِلَيْهَا على الْفَوْر فنكون كمن اشْترى الضَّلَالَة بِالْهدى وتحول عَن السَّلامَة إِلَى مخاوف الردى وَآل الرَّسُول عليه الصلاة والسلام أعرف النَّاس بِالصَّوَابِ وأعلمهم بمعاني السّنة وَالْكتاب أطِيعُوا الحَدِيث وَمن نسب إِلَيْهِم خلاف ذَلِك فَهُوَ خَبِيث نبيث فثقوا منا بالمحبة الراسخة أطنابها والمودة الشامخة قبابها وَالرِّعَايَة المفتحة أَبْوَابهَا وَالَّذِي أشرتم إِلَيْهِ فِي سامي الْخطاب وبطاقة الْكتاب من بُلُوغ مخالفتنا لعساكركم المنصورة وكتائبكم الواسعة الموفورة لَيْسَ لَهُ صِحَة وَلَا ثبات وَلَا كَانَ لنا إِلَى حربهم تعد وَلَا الْتِفَات بل قصدونا إِلَى تِلْكَ الْجِهَات وجلبوا علينا

ص: 91

أتراكاً وأرواماً وهتكوا أستاراً كَانَت بَيْننَا وَبينهمْ وذماماً وَلَا راعوا لأوامركم الشَّرِيفَة فِينَا أحكاماً وضيقوا علينا مسالك الْمَعيشَة خلفا وأماماً ورمونا بمدافع لَا يرْمى بهَا إِلَّا الَّذين يعْبدُونَ أوثاناً وأصناماً وَنحن من الَّذين أوجب الله لَهُم احتراماً نُقِيم الشَّرَائِع ونميت الْبَدَائِع وَلم نلق أثاماً وَمن الَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً فدافعنا عَن أَنْفُسنَا وَأَوْلَادنَا بِمَا أمكن من الدفاع وَترك الزِّيَادَة عَنْهَا لَا يُسْتَطَاع وَنحن فِي مهَاجر يسير وَمَكَان يأوي إِلَيْهِ البائس الْفَقِير لَا ينافس من اعْتصمَ بِهِ وَاقْتصر على طَاعَة ربه وَلَو أَن عساكركم المنصورة الألوية الْمسلمَة من صروف الْأَقْضِيَة وجهوا هممهم الْعلية وعزائمهم الصلبة القوية إِلَى الْجِهَات العصية الكفرية إِذا لنالوا من الْخيرَات نيلاً عَظِيما ولسلكوا سَبِيل السَّعَادَة صراطاً مُسْتَقِيمًا وأدركوا من فضل الله سبحانه وتعالى خيرا ونعيماً بيد أَن تشاغلوا بحربنا عَن جَمِيع الحروب وفوتوا بذلك كل غَرَض لَهُم ومطلوب وأهملوا جِهَات الْكفَّار حَتَّى سقط الْجنُوب وهبت فِي دَار الْإِسْلَام للشرك جنوب وَحين وصل المرسوم المشرف والمثال الْكَرِيم الْمُعَرّف طبنا بِهِ نفوساً وسلكنا بِهِ محلا من الْأَمْن مأنوساً ودفعنا بِهِ عَن وُجُوه الْحق ظلاماً وعبوساً وضلالاً وبوساً وخمدت نيران الْحَرْب وغلت أَيدي الطعْن وَالضَّرْب فقررنا بِمَا قررتموه كل قلب فَإِن امتثل من حوالينا من الاْمراء الأكابر لما صدر عَنْكُم من الْمَوَارِد والمصادر فَتلك الْمنية الْمَقْصُودَة والضالة المفقودة والدرة الثمينة المنقودة وَالْغنيمَة الْعَظِيمَة الشاملة الممدودة وَإِن خالفوا أوامركم المطاعة وَقَابَلُوا نواهيكم بالإضاعة فحسبهم عذابكم الوبيل وَمَا تعدونه لمن خالفكم من التنكيل وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَكُنَّا نود أَن نرسل إِلَى الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة مَا تكن الْقُلُوب والصدور إِلَّا أَن هَؤُلَاءِ الَّذين يلوننا قطعُوا وسدوا من التواصل أوصالاً وقعدوا لرسلنا بكرا وآصالاً وصدوهم عَن الْوُصُول إِلَى أبوابكم الْعَالِيَة عَن جَمِيع الْأَبْوَاب ومنعوهم عَن مناهج الذّهاب والإياب

ص: 92

فولا مَا كَانَ مِنْهُم من الْمَنْع لما نُرِيد لَكَانَ يصدر إِلَى أبوابكم الْعَالِيَة فِي كل شهر بريد وَحين وصل وكيلكم الْمُعظم الباشا مصطفى إِلَى الْجِهَات اليمنية والديار الَّتِي هِيَ بِسيف قهركم محمية بسط عدله فِي أهل الْيمن وأخمد نيران الْفِتَن والمحن وَأصْلح من الْأُمُور مَا ظهر وَمَا بطن واطلع على الْحَقَائِق فِي الْمَاضِي واللاحق وَمَا نَحن عَلَيْهِ بِحَمْد الله من حسن المساعي والطرائق وكرم الْأُصُول الشَّرِيفَة والمعارق وَقد أرسل إِلَيْنَا قصاد أمجاد محبون أوداد عرفُوا جَمِيع الْأُمُور وَأَحَاطُوا بِالظَّاهِرِ مِنْهَا والمستور وَلَعَلَّ الله سبحانه وتعالى يُهَيِّئ قدومه إِلَى صنعا وَيحيى بِهِ اللإله دينا وَشرعا وَيقطع بِهِ دابر من خَالف أَمركُم قطعا ولعمري إِنَّه رجل عَظِيم وَذُو خطب جسيم بأرباب الدّين رءوف رَحِيم قد طابت شمائله وراقت أَوْصَافه ومخايله فَهُوَ بِكُل خير يجود وَيحمل من طاعتكم مَا يشق على غَيره ويئود فَالله يَجْعَل سَعْيه مشكوراً ويشرح بِأَعْمَالِهِ من الاسْتقَامَة قلوباً وصدورا وَيدْفَع بِعَين عنايته عَن الْأَنَام وَالْإِسْلَام شروراً ويملأ الْأَنْفس والأفئدة حبوراً إِن شَاءَ الله وسرورا وَبعد السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَمِنْهَا بَغْدَاد وأعمالها والمشاهد الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة العلوية الحسنية والموسوية الكاظمية والعلوية الرضوية وَمِنْهَا بِلَاد الْمغرب وَمَا فِيهِ من الجزائر وَكَانَت فِي الْقَدِيم جَامِعَة لعدة سلاطين بل كَانَت دَار الْخلَافَة الأموية ثمَّ العباسية ثمَّ العمرية الحفصية ثمَّ الشريفية الحسنية ثمَّ للخلافة العبيدية وَمِنْهَا الممالك الْمَعْرُوفَة بروملي وَمَا اتَّصل بهَا من بِلَاد الْكفَّار على اخْتِلَاف أنواعهم وأجناسهم مِمَّا لَا يُحْصى كَثْرَة وَمِنْهَا مَا فتح من الممالك الإسلامية بِنَاحِيَة الْعَجم لما خرج لمقابلة قزل باش طهماسب وَمِنْهَا السّفر الْأَخير وَهِي الْغُزَاة الْعُظْمَى الَّتِي شرفه الله تَعَالَى فِيهَا بِالشَّهَادَةِ فَهُوَ

ص: 93

الْملك الَّذِي عَاشَ سعيداً وَمَات شَهِيدا وَهَذِه الفتوحات بعض مَا اشْتهر وَأما مَا هُوَ حقير من جِهَة أَهله أَو من قلَّة محصوله أَو مِمَّا يكون تَابعا لغيره فَذَلِك لَا يُحْصى وَلَا يحصر وَأما الْخيرَات الَّتِي فعلهَا فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين والقدس وَغَيرهَا من الْبِلَاد فَلَا يُمكن حصرها يذكر شئ مِنْهَا على سَبِيل الِاخْتِصَار نتشرف بِذكرِهِ مِنْهَا الصرة الْعَظِيمَة الرومية الْوَاصِلَة كل عَام وقدرها أحد وَثَلَاثُونَ ألفا من الدَّنَانِير الذَّهَب فِي كل عَام على الدَّوَام وَمِنْهَا عمَارَة سور الْمَدِينَة المنورة وَقدر مساحته أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع وَعرض جِدَاره ثَلَاثَة أَذْرع وارتفاعه سَبْعَة عشر ذِرَاعا وجميعه بِالْحجرِ والنورة وأبوابه سِتَّة مصفحة جَمِيعهَا بالحديد قلت الْمَعْرُوف أَن أَبْوَاب سور الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أَرْبَعَة بَاب غربي وَبَاب قبلي وَبَاب شَامي وَبَاب شَرْقي يُسمى الأول فِي عرف النَّاس بَاب الْمصْرِيّ وَالثَّانِي الْبَاب الصَّغِير وَالثَّالِث بَاب الشَّامي لنزوله عِنْده ذَهَابًا وإياباً وَالرَّابِع بَاب الْجُمُعَة فَلَعَلَّ المؤرخ عد بَاب القلعة وباباً صَغِيرا فِي أَسْفَل أكبر البروج وأعلاها يُسمى عِنْد أهل الْمَدِينَة بَاب السِّرّ فهما الْخَامِس وَالسَّادِس فَيصح الْعدَد حِينَئِذٍ وَقدر النَّفَقَة عَلَيْهِ من الذَّهَب الْجَدِيد سَبْعُونَ ألف وَمن الْحُبُوب أَرْبَعَة عشر ألف إِرْدَب حِنْطَة وفولاً وَغير ذَلِك وَذَلِكَ غير الْوَاصِل من مصر المحروسة من الْحَدِيد والخشب والرصاص والنحاس وَالْجمال وَالْحمير وَمِنْهَا محراب السَّادة الْحَنَفِيَّة بِقرب الرَّوْضَة النَّبَوِيَّة قلت وَيعرف الْيَوْم بالمحراب السُّلَيْمَانِي منقوش بالرخام الملون وَمِنْهَا تَجْدِيد عدَّة من الْمَسَاجِد النَّبَوِيَّة وَأَنْشَأَ عدَّة من القباب على من عف قَبره من أَعْيَان السلالة المحمدية وَمِنْهَا ترصيص الْقبَّة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وهلال الْقبَّة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ ذهب خَالص صرف وَبَاقِيه مموه وأهلة المنابر ومنبر الْحرم النَّبَوِيّ وَمِنْهَا إنْشَاء الْجِدَار الغربي بِالْحرم النَّبَوِيّ وإنشاء مَنَارَة عَظِيمَة بِهِ

ص: 94

وَمِنْهَا عدَّة شماعدين من النّحاس المطلي بِالذَّهَب بالحجرة المطهرة وإنشاء عدَّة من الرَّبْط وترميم بَعْضهَا مِمَّا يقرب عددا إِلَى الْعشْرين وَمِنْهَا شِرَاؤُهُ ديار الْعشْرَة لاتصالها بقبلي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَالْغَرَض الْأَعْظَم من ذَلِك هدمها ليذْهب عين مَا فِيهَا من المراحيض والبلاليع وَمَا فِيهِ رَائِحَة كريهة فهدمت جَمِيعهَا وَبقيت بعد هدمها وتعميرهما نافعة لكل خير تجدّد بهَا قَابِلَة للإلحاق بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ وَمِنْهَا عمَارَة تكية باسم وَالِدَة السلاطين الْعِظَام يعْمل فِيهَا فِي كل يَوْم للْفُقَرَاء خبز وَطَعَام وَمِنْهَا أَنه لما بلغه احْتِيَاج المطاف الشريف إِلَى أساطين وعرضوا لَهُ أَن أساطين الْمَسْجِد الْحَرَام جَمِيعهَا بالرخام وعرضوا بتعظيم ذَلِك وَكَونهَا من حجر وَاحِد أَمر أَن تجْعَل أعمدة من النّحاس فَجعلت وَقيمتهَا تعدل وَزنهَا فضَّة فِي الْقيَاس وَمِنْهَا مِنْبَر عَظِيم للبيت الْعَتِيق الْكَرِيم كَانَت النَّفَقَة عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ ألف من الدَّنَانِير الذَّهَب الْجَدِيد خَارِجا عَمَّا حمل مَعَه من آلَات الْحَدِيد والفولاذ والرصاص والمؤن العديدة وَوصل إِلَى مَكَّة عَام سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فَقَالَ بعض عُلَمَاء مَكَّة فِيهِ تَارِيخا أبياتاً آخرهَا بَيت التَّارِيخ هُوَ // (من مجزوء الْخَفِيف) //

(لسُلَيْمَانَ مِنْبَرٌ

شَاهِدٌ بالدُّعَا لَهُ)

وَمِنْهَا تعمير الْمدَارِس الَّتِي هى من الْعَجَائِب برسم المدرسين من الْأَرْبَعَة الْمذَاهب كَمَا تقدم ذكره ومنارة عَظِيمَة من جنسهن جنب أولَاهُنَّ وَمِنْهَا عمَارَة مهبط الْوَحْي والأماكن الشَّرِيفَة وَمِنْهَا إِجْرَاء المَاء من الْفُرَات إِلَى مشْهد الإِمَام الْحُسَيْن بن عَليّ رضي الله عنهما وَمِنْهَا بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى خيرات لَا تحصى وَمِنْهَا عمَارَة قبَّة عَظِيمَة على الصَّخْرَة الرفيعة الدَّرَجَات وَجعل عوض التجصيص أَلْوَاح من فخار إزنيق بأنواع النقوش وَأجل الكتابات وَمِنْهَا للمساجد الثَّلَاثَة المشرفة الْمَذْكُورَة قدر الْكِفَايَة من الْحُبُوب والمرتبات وَالْخبْز وَالطَّعَام والصلة المبرورة وَمِنْهَا بدار الْخلَافَة الْعُظْمَى قسطنطينية الْكُبْرَى إِجْرَاء عين من مسيرَة سِتَّة أَيَّام أنْفق على ذَلِك من الْأَمْوَال مَا لَا يحصره كتب وَلَا ثرثرة أَقْلَام

ص: 95

وَمِنْهَا عمَارَة عَظِيمَة سلطانية جَامِعَة لِلْخَيْرَاتِ الدِّينِيَّة والدنيوية بِالشَّام بِالْمحل الْمَعْرُوف بالصالحية وَمَا ذكر هُوَ من بعض خيراته السّنيَّة وَمِنْهَا وَهُوَ أعظمها إِجْرَاء عين عَرَفَات إِلَى مَكَّة وَسبب ذَلِك أَن الْعين الَّتِي كَانَت بِمَكَّة هِيَ عين حنين الَّتِي أجرتهَا زبيدة بنت جَعْفَر بن الْمَنْصُور زَوْجَة الرشيد وَاسْمهَا أمة الْعَزِيز لِأَن جدها الْمَنْصُور كَانَ يرقصها وَهِي طفلة وَيَقُول أَنْت زبيدة فغلب على اسْمهَا وَكَانَت من أهل الْخيرَات فصرفت عَلَيْهَا خَزَائِن أَمْوَال إِلَى أَن جرت وَهِي فِي وَاد قَلِيل الأمطار بَين جبال شَوَاهِق عاليات خاليات من الْمِيَاه والنبات وَشقت لَهُ الْقَنَاة فِي الْجبَال إِلَى أَن سلك المَاء من أَرض الْحل إِلَى الْحرم وَجعلت لَهَا شحاحيذ من كل جبل يكون ذيله مَظَنَّة للْمَاء وَجعلت مِنْهُ قناة مُتَّصِلَة ومنبع هَذِه الْعين جبل شامخ من تِلْكَ الْجبَال يُقَال لَهُ طاد بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَالْألف بعْدهَا دَال مُهْملَة من جبال الثَّنية من طَرِيق الطَّائِف وَكَانَ المَاء يجْرِي إِلَى أَرض حنين تسقى بِهِ مزارع ونخل مَمْلُوكَة للنَّاس فاشترت زبيدة ذَلِك الْمحل وأبطلت تِلْكَ الْمزَارِع وَالنَّخْل فَصَارَت تِلْكَ الشحاحيذ يحصل مِنْهَا المدد لهَذِهِ الْعين وَصَارَ كل شحاذ عينا يساعد عين حنين مِنْهَا عين مشاش وَعين مَيْمُون وَعين الزَّعْفَرَان وَعين البارود وَعين الطان وَعين ثقبة كلهَا تنصب فِي ذيل عين وَيزِيد بَعْضهَا وَينْقص بِحَسب الأمطار إِلَى أَن وصلت عين حنين إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ إِنَّهَا أمرت بإجراء عين وَادي نعْمَان إِلَى عَرَفَة وَهِي عين منبعها ذيل جيل كرا وَهُوَ جبل مَعْرُوف فَيصب المَاء من ذيله فِي قناة إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ الأوجر من وَادي نعْمَان وَمِنْه إِلَى مَوضِع بَين جبلين شاهقين علو عَرَفَات ثمَّ مِنْهُ يجْرِي فِي الْقَنَاة إِلَى أَرض عَرَفَات ثمَّ أدارت الْقَنَاة إِلَى جبل الرَّحْمَة مَحل الْموقف الشريف وَجعلت المَاء ينصب إِلَى البرك الَّتِي فِي أَرض عَرَفَات فتملأ مَاء يشرب مِنْهُ الْحَاج يَوْم عَرَفَة ثمَّ استمرت فِي عمل الْقَنَاة إِلَى أَن خرجت من عَرَفَات إِلَى مُزْدَلِفَة ثمَّ إِلَى جبل خلف منى فِي قبلتها ثمَّ ينصب المَاء إِلَى بِئْر عَظِيمَة مطوية بالأحجار كَبِيرَة جدا تسمى بِئْر زبيدة إِلَيْهَا انْتهى عمل زبيدة فَوقف وَهِي من الْأَبْنِيَة المهولة رُبمَا يُوهم بناؤها أَنه من عمل الْجِنّ ثمَّ صَارَت عين حنين تَنْقَطِع عَن الْوُصُول إِلَى مَكَّة

ص: 96

وَكَذَلِكَ عين عَرَفَات تَنْقَطِع عَن وصولها إِلَى مُنْتَهَاهَا لتهدم قنواتهما وتخريبهما بالسيول وَكَانَت الْخُلَفَاء والسلاطين إِذا بَلغهُمْ ذَلِك أرْسلُوا وعمروها عِنْد انتظام سلطنتهم وَقُوَّة تمكنهم فتجري تَارَة وتنقطع أُخْرَى فعمرها مظفر الدّين صَاحب إربل سنة خمس وسِتمِائَة ثمَّ الْمُسْتَنْصر العباسي سنة سِتّمائَة وتسع وَعشْرين ثمَّ فِي سِتّمائَة وَثَلَاث وَثَلَاثِينَ ثمَّ فِي سنة سِتّمائَة وَأَرْبع وَثَلَاثِينَ وجد ذَلِك مَكْتُوبًا فِي حجر مَبْنِيّ فِي قرب الْموقف الشريف ثمَّ عمر عين حنين الْأَمِير جوبان نَائِب السلطنة بالعراقين سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة فأجراها إِلَى مَكَّة وَتمّ نَفعهَا فَإِنَّهُم كَانُوا فِي جهد عَظِيم لقلَّة المَاء ثمَّ عمرها شرِيف مَكَّة الشريف حسن بن عجلَان جد سَادَاتنَا الْأَشْرَاف أَشْرَاف مَكَّة وملوكها الْآن أدام الله سعادتهم مدى الزَّمَان فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة فجرت وانفجرت وَكثر الدُّعَاء لَهُ من أهل الْبِلَاد وَالْحجاج والعباد ثمَّ انْقَطَعت وَلَقي النَّاس لذَلِك شدَّة عَظِيمَة إِلَى أَن عمرها الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة ثمَّ عمرها وَعمر عين عَرَفَات السُّلْطَان قايتباي أجْرى الأولى إِلَى أَن دخلت مَكَّة وأجرى الثَّانِيَة إِلَى أَن وصلت إِلَى أَرض عَرَفَات وَذَلِكَ بمناشرة الْأَمِير يُوسُف الجمالي وأخيه سنقر الجمالي فِي سنة ثَمَانمِائَة وَسبعين ثمَّ عمر عين حنين آخر مُلُوك الشراكسة قانصوه الغوري إِلَى أَن جرت وملأت برك الْحجَّاج بالمعلاة ثمَّ جرت إِلَى بازان ثمَّ إِلَى بركَة الماجن بِأَسْفَل مَكَّة ثمَّ انْقَطَعت فِي أَوَائِل الدولة العثمانية وَصَارَ أهل مَكَّة يستقون من آبار حول مَكَّة يُقَال لَهَا العسيلات علو مَكَّة وَمن آبار بأسفلها بمَكَان يُقَال لَهُ الزَّاهِر وسُمي الْآن بالجوخي فِي طَرِيق التَّنْعِيم وَكَذَلِكَ انْقَطَعت عين عَرَفَات وتهدمت قنواتها وَكَانَ الْحجَّاج يحملون المَاء إِلَى عَرَفَات من الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة وَصَارَ الْفُقَرَاء من الْحجَّاج وَغَيرهم فِي يَوْم عَرَفَة لَا يطْلبُونَ إِلَّا المَاء لغلو المَاء وعزته جدا قَالَ الْعَلامَة القطب وَإِنِّي أذكر سنة تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ وَأَنا يَوْمئِذٍ مراهق فِي خدمَة وَالِدي أَنِّي اشْتريت قربَة صَغِيرَة جدا يحملهَا الْإِنْسَان بإصبعيه بِدِينَار ذهب والفقراء يصيحون من الْعَطش يطْلبُونَ مَا يبل حُلُوقهمْ فِي ذَلِك الْيَوْم الشَّديد فَلَمَّا كَانَ وَقت الْوُقُوف وَالنَّاس عطاش يلهثون أمْطرت السَّمَاء وسالت السُّيُول من فضل

ص: 97

الله وَالنَّاس واقفون فصاروا يشربون من السَّيْل من تَحت أَرجُلهم ويسقون دوابهم وَذَلِكَ من رَحْمَة الله ولطفه بعباده فبرزت الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة السليمانية بإصلاحهما وعُين لذَلِك نَاظر اسْمه مصلح الدّين مصطفى من المجاورين بِمَكَّة فبذل جهده فِي عمارتهما فجرت عين حنين إِلَى مَكَّة وَعين نعْمَان إِلَى عَرَفَات وَذَلِكَ سنة 931 إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ اشْترى النَّاظر الْمَذْكُور عبيدا سُودًا من مَال السلطنة وزوجهم بمثلهم وَجعل لَهُم جرايات وعلوفات برسم خدمَة الْعين وَإِصْلَاح قنواتها فَهِيَ خدمتهم دَائِما وهم باقون إِلَى الْآن طبقَة بعد طبقَة ثمَّ توجه النَّاظر إِلَى الْأَبْوَاب لعرض أُمُور فِي شَأْن الْعين فَأُجِيب إِلَى مَا أَرَادَ وَعَاد إِلَى مصر ثمَّ ركب من بندر السويس قَاصِدا مَكَّة فغرق فِي بَحر القلزم شَهِيدا وَمَا غرق إِلَّا فِي بَحر رَحْمَة الله تَعَالَى سنة 939 تسع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ انْقَطَعت سنة سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فعرضت أَحْوَال الْعُيُون لي الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة السليمانية فَالْتَفت الخاطر السلطاني وَتوجه الْعَطف العثماني إِلَى تدارك ذَلِك بِأَيّ وَجه يكون وَأمر بالفحص عَن أَحْوَال الْعُيُون فَاجْتمع قَاضِي مَكَّة يَوْمئِذٍ عبد الْبَاقِي بن عَليّ الْغَزِّي والأمير خير الدّين سنجق جدة يَوْمئِذٍ وَغَيرهمَا من الْأَعْيَان وتفحصوا وداروا وكشفوا فأجمع رَأْيهمْ أَن أقوى الْعُيُون عين عَرَفَات وطريقها ظَاهر ودبولها مَبْنِيَّة إِلَى بِئْر زبيدة وَأَن الَّذِي يغلب على الظَّن أَن دبولها من الْبِئْر إِلَى مَكَّة مَبْنِيَّة أَيْضا وَأَنَّهَا مخفية تَحت الأَرْض وَأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَنْهَا والحفر فَإِذا وجدوا من الدبل متهدماً بنوه وَإِذا وجدوا مختلاً أصلحوه فخمنوا أَنهم يَحْتَاجُونَ فِي ذَلِك إِلَى ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ذَهَبا وذرعوه وقاسوه فَكَانَ من الأوجر إِلَى بطن مَكَّة خَمْسَة وَأَرْبَعين ألف ذِرَاع بِذِرَاع الْعَمَل وَهُوَ أَزِيد من الذِّرَاع الشَّرْعِيّ بِنَحْوِ الرّبع وَهَذَا الَّذِي طنوه من وجود دبل تَحت الأَرْض من بِئْر زبيدة إِلَى مَكَّة لم يُوجد فِي كتب التَّارِيخ وَلم يذكرهُ أحد وَإِنَّمَا أداهم إِلَى ذَلِك مُجَرّد الظَّن بِحَسب القرا ئن وعرضوا على المسامع الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة فِي أَوَائِل سنة 960 سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فَلَمَّا وصل علم ذَلِك التمست جانم سُلْطَان كَرِيمَة السُّلْطَان سُلَيْمَان أَن يَأْذَن لَهَا فِي عمل هَذَا الْخَيْر حَيْثُ كَانَت صَاحِبَة الْخَيْر أَولا أم جَعْفَر زبيدة العباسية فَنَاسَبَ أَن تكون

ص: 98

هِيَ صَاحِبَة هَذَا الْخَيْر أخيراً فَاخْتَارَتْ بعد ان استطارت لهَذِهِ الْخدمَة إِبْرَاهِيم بن تعزي بردي الدفتردار وأعطته خمسين ألف دِينَار ذَهَبا زِيَادَة على مَا خمنوه فَسَار بحراً فوصل إِلَى جدة يَوْم الْجُمُعَة لثمان بَقينَ من ذِي الْقعدَة من سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَنزل بوطاقه خَارج جدة من الْجِهَة الشامية وَركب من جدة إِلَى سيدنَا ومولانا الشريف مُحَمَّد أبي نمي وَكَانَ نازلاً بوادي مر فقابله بالإجلال والتعظيم وَمد لَهُ سماطاً عَظِيما ولاطفه وواكله وباسطه وجابره فَعرض على حَضرته الشَّرِيفَة الْخط السلطاني وبذل الهمة وَالِاجْتِهَاد فِي إتْمَام هَذَا الْأَمر فَأجَاب الشريف أَبُو نمي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة ثمَّ ركب إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور من عِنْده مُتَوَجها إِلَى مَكَّة فلاقاه عِنْد دُخُوله مَوْلَانَا الشريف حسن بن أبي نمي وقابله بالترحيب وَالْإِكْرَام وَغَايَة الإجلال والاحترام وَاسْتمرّ مَعَه إِلَى أَن فَارقه من بَاب السَّلَام فَدخل فَطَافَ طواف الْقدوم وَكَانَ محرما بِالْحَجِّ وسعى وَعَاد إِلَى مجمع السُّلْطَان قايتباي وَهُوَ الْمحل الَّذِي عين لنزوله وَمد لَهُ من قبل الشريف حسن سماط عَظِيم ثمَّ جَاءَ إِلَيْهِ مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن الْمَالِكِي ثمَّ كَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ تنظيف الْآبَار الَّتِي يَسْتَسْقِي النَّاس مِنْهَا وَإِخْرَاج ترابها وَزِيَادَة حفرهَا ليكْثر مَاؤُهَا وَحصل للنَّاس بذلك رفق عَظِيم ثمَّ توجه للكشف إِلَى أَعلَى عَرَفَات وَكثر تردده إِلَيْهَا ثمَّ أسْرع فِي الْكَشْف عَن دبول عين عَرَفَة وَضرب أوطاقه فِي الأوجر من وَادي نعْمَان علو عَرَفَات وَشرع فِي حفر فقرها وتنظيف دبولها بهمة عالية جدا وَكَانَت مماليكه القائمون فِي خدمته نَحْو أَرْبَعمِائَة مَمْلُوك فِي غَايَة الْجمال والرشاقة والحذاقة واللباقة وَكتب نَحْو ألف نفس من الْعمَّال والمهندسين والحفارين وجلب من مصر وبلاد الصَّعِيد وَالشَّام وحلب واسطنبول طوائف بعد طوائف من خدام الْعُيُون والآبار والحدادين والحجارين والبنائين وأتى بآلات الْعِمَارَة من مكاتل ومساحي ومجاريف وحديد وبولاد ورصاص ونحاس وَعين لكل طَائِفَة قِطْعَة من الأَرْض تحفرها وتنظف مَا فِيهَا وَاسْتمرّ إِلَى أَن وصل عمله إِلَى بثر زبيدة الَّتِي انْتهى عَملهَا إِلَيْهَا وَلم يجد بعْدهَا دبلاً وَلَا أثر عمل وَلَا بقايا قناة فَضَاقَ ذرعه لذَلِك وَعلم أَن الْخطب كَبِير وَالْعَمَل كثير وَتحقّق أَن الْقدر

ص: 99

الْبَاقِي من هَذَا الْعَمَل إِنَّمَا تركته زبيدة اضطراراً لَا اختبارا وَعدلت إِلَى عمل حنين وَتركت الْعَمَل من بعد الْبِئْر لصلابة الْحجر وصعوبة إِمْكَان قطعه وَطول مَسَافَة مَا يجب قطعه وَأَنه يحْتَاج من بِئْر زبيدة إِلَى دبل منقور تَحت الأَرْض فِي الْحجر الصوان طوله ألفا ذِرَاع بِذِرَاع البنائين حَتَّى يتَّصل بدبل عين حنين وَينصب فِيهِ فيصِلَا إِلَى مَكَّة وَلَا يُمكن نقر ذَلِك الْحجر تَحت الأَرْض فَإِنَّهُ يحْتَاج فِي النُّزُول إِلَى خمسين ذِرَاع فِي العمق وَصَارَ لَا يُمكن ترك ذَلِك بعد الشُّرُوع فِيهِ حفظا لناموس السلطنة فأوجد الْأَمِير إِبْرَاهِيم حِيلَة هِيَ أَن يحْفر وَجه الأَرْض إِلَى أَن يصل إِلَى الْحجر الصوان ثمَّ يُوقد عَلَيْهِ بالنَّار مِقْدَار مائَة حِمل من الْحَطب الجزل لَيْلَة كَامِلَة فِي مِقْدَار سَبْعَة أَذْرع فِي عرض خَمْسَة أَذْرع من وَجه الأَرْض وَالنَّار لَا تعْمل إِلَّا فِي الْعُلُوّ وَأما السّفل فعملها فِيهِ مِقْدَار قيراطين من أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطاً من ذِرَاع فيكسر بالحديد إِلَى أَن يصل الْحجر الشَّديد فيوقد عَلَيْهِ الْحَطب الجزل لَيْلَة أُخْرَى إِلَى أَن ينزل فِي ذَلِك الْحجر مِقْدَار خمسين ذِرَاعا فِي العمق فِي عرض خَمْسَة أَذْرع إِلَى أَن يَسْتَوْفِي ألفي ذِرَاع تقطع على هَذَا الحكم وَذَلِكَ يحْتَاج إِلَى عمر نوح وَمَال قَارون وصبر أَيُّوب وَمَا رأى عَن ذَلِك محيصاً فأقدم عَلَيْهِ إِلَى أَن فرغ الْحَطب من جَمِيع جبال مَكَّة وَصَارَ يجلب من الْمسَافَة الْبَعِيدَة وغلا سعره وضاق النَّاس لذَلِك وتعب الْأَمِير وَذَهَبت أَمْوَاله وخدامه ومماليكه وَهُوَ يتجلد إِلَى أَن قطع من الْمسَافَة ألف ذِرَاع وَخَمْسمِائة ذِرَاع وَصَارَ كلما فرغ المصروف أرسل وَطلب فَجَاءَهُ ثمَّ مَاتَ لَهُ ولد طِفْل كَانَ خلَّفه بِمصْر احْتَرَقَ عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ مَاتَ لَهُ ولدان مراهقان ثمَّ مَاتَ أَكثر مماليكه ثمَّ مَاتَ هُوَ غَرِيبا شَهِيدا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَانِي رَجَب سنة 974 أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَت جنَازَته حافلة وأسف النَّاس على فَقده لِكَثْرَة إحسانه وَدفن فِيهَا ولديه قبله ثمَّ أقيم فِي هَذِه الْخدمَة سنجق جدة الْأَمِير قَاسم بك أَقَامَهُ سيدنَا شيخ الْإِسْلَام القَاضِي الْحُسَيْن إِلَى أَن يصل مَن تعينه السلطنة الْعلية وَفِي هَذَا الْعَام الْمَذْكُور انْتَقَلت السلطنة من السُّلْطَان سُلَيْمَان صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى وَلَده الْآتِي بعده مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان فعين لهَذِهِ الْخدمَة دفتردار مصر يَوْمئِذٍ مُحَمَّد بك يكمكجي زَاده وَكَانَ من أعبد السناجق فوصل إِلَى هَذِه الْخدمَة

ص: 100

وبذل فِيهَا نَفسه وَمَاله وَقطع مَسَافَة وَمَا بلغ التَّمام بل وافاه الحِمام لَيْلَة الثُّلَاثَاء لأَرْبَع لَيَال بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَدفن بالمعلاة قبالة تربة الْأَمِير إِبْرَاهِيم الدفتردار على يسَار الذَّاهِب إِلَى الأبطح ثمَّ رَجَعَ فِي خدمَة الْعين الْأَمِير قَاسم سنجق جدة الْمَذْكُور آنِفا أرجعه فِيهَا القَاضِي الْحُسَيْن وَعرض ذَلِك إِلَى الْأَبْوَاب فأنهى الْأَمر باستقرار قَاسم بك فِي الْخدمَة أَمينا على مصارفها وَأَن يكون مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن نَاظرا على مَا بَقِي من عمل هَذِه الْعين إِلَى أَن يصل إِلَى عَرَفَات فاستمر قَاسم بك مباشراً لهَذِهِ الْخدمَة إِلَى أَن طرقه الْحِين فَصَارَ ثَالِثا للأميرين السَّابِقين وَصَارَ من شُهَدَاء الْعين وَذَلِكَ لليلة خلت من رَجَب الْحَرَام سنة 979 تسع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَدفن بالمعلاة إِلَى جَانب الْأَمِير مُحَمَّد بك اليكمكجي المتوفي بِمَكَّة ثمَّ توجه مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن توجهاً تَاما إِلَى تَكْمِيل عمل مَا بَقِي من الْعين بِاعْتِبَار مَا بِيَدِهِ من النّظر وَعرض للسلطنة الشَّرِيفَة بوفاة قَاسم بك فبرزت الْأَوَامِر إِلَى حَضرته الشَّرِيفَة فأقدم بهمته الْعَالِيَة أتم إقدام فساعدته السَّعَادَة والإقبال على الْإِتْمَام فكمل عَملهَا فِيهَا دون خَمْسَة أشهر بعد أَن عجزوا عَنهُ فِي قريب من عشرَة أَعْوَام فجرت عين عَرَفَات وَوصل المَاء وَهُوَ يجْرِي فِي تِلْكَ الدبول والقنوات إِلَى أَن دخل مَكَّة لعشر بَقينَ من ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة 979 تسع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم يَوْم عيد أكبر عِنْد النَّاس وَعمل فِي ذَلِك الْيَوْم أسمطة بِالْأَبْطح ببستانه الْوَاسِع الأفيح جمع الأكابر والأعيان وَنصب لَهُم السرادقات والصوان وَذبح أَكثر من مائَة من الْغنم وَقدم للنَّاس على قدر طبقاتهم أَنْوَاع الموائد وَالنعَم وخلع على أَكثر من عشرَة أنفس من المعلمين والمهندسين خلعاً فاخرة وَأحسن إِلَى باقيهم بِالْحَسَنَاتِ الوافرة وَمِمَّا رَأَيْته بِخَط جدي الْعَلامَة جمال الدّين بن إِسْمَاعِيل العصامي مَا نصُّه لما أكمل مَوْلَانَا وعزيزنا شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين نَاظر النظار بِبَلَد الله الْأمين مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف القَاضِي الْحُسَيْن بن أَحْمد الْمَالِكِي عمَارَة عين عَرَفَات كتبت إِلَيْهِ قولى // (من مخلع الْبَسِيط) //

(أَقضَى القُضَاةِ الحسينُ أَعْنَى

مكانَ أُمِّ القُرَي بِعَيْنه)

ص: 101

(وجاءَ بالعَيْنِ بَعْدَ يَأْسٍ

فَشكْرُهُ وَاجِبٌ لِعَيْنِهُ)

فَفتح لقبولهما كل بَاب وأعجب بِهِ غَايَة الْإِعْجَاب قلت يُمكن أَن يقْصد فِيهِ التورية فيراد بقوله لعَينه الذَّهَب ويرشحه قَوْله أغْنى إِلَى آخِره وَأَن يُرَاد بهَا المَاء الْجَارِي ويرشحه جَاءَ بِالْعينِ بعد يأس وَعِنْدِي سلبهما من لِبَاس التورية أستر وأذكى لشذى الْمَدْح وأعطر بِأَن يكون المُرَاد بِالْعينِ ذَاته وشخصه ليَكُون وجوب الشُّكْر لذاته فِي كَمَاله لَا لعَارض يَزُول بزواله ثمَّ جهز أَخْبَار هَذِه البشائر إِلَى السُّلْطَان سليم ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان وَإِلَى سرادقات الْحجاب الرفيع مليكَة الملكات بلقيس الزَّمَان جانم السُّلْطَان أُخْت مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان فأنعمت بالإنعامات الجزيلة والترقيات الْكَثِيرَة الجميلة على سَائِر العمالين والمباشرين والمتعاطين لهَذِهِ الْخدمَة ورقت مدرسة مَوْلَانَا القَاضِي حُسَيْن وَهِي الأولى مِمَّا يَلِي بَاب الزبادة فَصَارَت بِمِائَة عثماني واستمرت هَذِه الْعين من جملَة الْآثَار الْبَاقِيَة على صفحات اللَّيَالِي وَالْأَيَّام والأعمال الصَّالِحَات الْبَاقِيَات على تكْرَار السنين والأعوام وَمَا عِنْده سُبْحَانَهُ من تَضْعِيف الْأجر وَالثَّوَاب خير وَأبقى عِنْد أولي الْأَلْبَاب وَكَانَ جملَة النَّفَقَة خَمْسَة لكوك وَسَبْعَة آلَاف دِينَار ذَهَبا أَحْمَر جَدِيدا وَذَلِكَ غير مَا صرف على إِحْضَار أَرْبَاب الصناعات من الحدادين والحجارين والقطاعين والنجارين وَأهل الصناعات الدقيقة من الْبِلَاد الْبَعِيدَة وَغير مَا صرف على خدامها وخدامهم وَقد كَانَت عمارتها فِي آخر الدولة السُّلْطَانِيَّة السليمانية وَفِي أول الدول السُّلْطَانِيَّة السليمية وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد مصطفى وَهُوَ أكبرهم توهم مِنْهُ وَالِده أمرا فَأمر بخنقه طَائِفَة من البكمان أَوَاخِر شَوَّال سنة سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة قَالَ فِي بغية الخاطر للعلامة الكاتي وَفِي سنة سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة أَمر السُّلْطَان سليم بقتل وَلَده مصطفى وَكَانَ ذَلِك من مكر رستم باشا الْوَزير فجَاء تَارِيخ وَفَاته مكر رستم وَقَالَ وَآخر باللغة الفارسية ظلم بِي حد در آخر شَوَّال ذكره الكاتي فِي تَارِيخه

ص: 102

قلت يُرِيد أَن لفظ لَا حد لَهُ أَي لَا نِهَايَة أَي لَا مِيم فَيبقى حرفان الظَّاء وَاللَّام وهما بتسعمائة وَثَلَاثِينَ وَآخر شَوَّال اللَّام وَهِي بِثَلَاثِينَ فَيتم الْعدَد تِسْعمائَة وَسِتِّينَ وَهِي سنة وَفَاته وَهُوَ آخر شَوَّال وَهَذَا اتِّفَاق عَجِيب يروق كل أديب وطفل اسْمه مُرَاد كَذَلِك خنقه فألحقه بولده مصطفى وَولده الثَّانِي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان مَاتَ على فرَاشه مولدَه سنة ثَمَان وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَولده الآخر با يزِيد بن سُلَيْمَان فَوَقَعت بَينه وَبَين أَخِيه السُّلْطَان سليم محاربات قتل فِيهَا نَحْو خمسين ألفا ثمَّ لما عجز عَن محاربة أَخِيه السُّلْطَان سليم هرب هُوَ وَأَوْلَاده الْأَرْبَعَة وهم أورخان ومحمود خَان وَعبد الله خَان وَعُثْمَان فظفر بهم السُّلْطَان سليم وَأخذ أنفاسهم بالأوتار وَمَا لَهُم من آثَار وَكَانَ لَهُ ان خَامِس طِفْل فِي بروسا فَأمر بخنقه أَيْضا فتبع وَالِده وَإِخْوَته وَمن أَوْلَاد سُلَيْمَان السُّلْطَان جهان كير كَانَ أحدب ظريفاً لطيف الرّوح خَفِيفا كَانَ يُحِبهُ وَالِده وَلم يُفَارِقهُ توفّي بأجله بِمَرَض الخناق سنة 965 خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَمِنْهُم السُّلْطَان شاه زَاده بن سُلَيْمَان توفّي بأجله سنة 967 سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وعدة غَزَوَاته الْكِبَار الْمَشْهُورَة ثَلَاث عشرَة غَزْوَة السَّادِسَة مِنْهَا غَزْوَة الْعرَاق كَانَت أَوَاخِر ذِي الْقعدَة سنة 941 إِحْدَى وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَأَنْشَأَ القَاضِي عبد اللَّطِيف بن عبد الله باكثير عِنْد وُرُود خير النُّصْرَة فِي تِلْكَ الْغَزْوَة تَارِيخا وضمه بَيْتَيْنِ هما من المتقارب

(ولَمَّا أَحَلَّتْ ظِبَانا لَنَا

دمَ الشَّاهِ واسْتَحْكَمَتْ سَلْخَهُ)

(فَتَحْنَا العِرَاقَ وذَا الَّفْظُ مِنْ

لَطَافَتِهِ جَاءَ تَاريْخَهُ)

وَكَانَ عبد اللَّطِيف الْمَذْكُور سَافر إِلَى الديار الرومية وَاجْتمعَ فِيهَا بالسلطان سُلَيْمَان خَان بِوَاسِطَة قَاضِي الْعَسْكَر قادري أَفَنْدِي فصادف قدومه إِلَى الرّوم توجه مَوْلَانَا السُّلْطَان إِلَى حَرْب الْعَجم ثمَّ ورد خبر النُّصْرَة كَمَا تقدم فَعمل ذَيْنك الْبَيْتَيْنِ وقدمهما إِلَى صَاحبه قَاضِي الْعَسْكَر قادري أَفَنْدِي فَبعد وُرُود السُّلْطَان من

ص: 103

السّفر أشرفه على التَّارِيخ وَجمعه بقائله عبد اللَّطِيف الْمَذْكُور فنال مِنْهُ مزِيد الْإِكْرَام وأنعم عَلَيْهِ بِقَضَاء مَكَّة المشرفة وَكَانَت سلاطين مصر وَغَيرهم يعقدون وُلَاة منفردين على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَكَانَ غَالِبا لَا يُقيم النواب إِلَّا قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَالْبَاقُونَ يتعاطون الْأَحْكَام وَلَا يُقِيمُونَ نواباً وَاسْتمرّ القَاضِي عبد اللَّطِيف مُتَوَلِّيًا إِلَى أَن عزل بِأول قُضَاة الأورام من الْحَنَفِيَّة وَهُوَ القَاضِي صدر الدّين فورد إِلَى مَكَّة عَام ثَلَاث وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَمن حِينَئِذٍ صَار الأفندي الْأَعْظَم يرد من الْجِهَات الرومية ويعقد لَهُ الْولَايَة من هُنَاكَ إِلَّا أَن الْقُضَاة كَانُوا يُقِيمُونَ القَاضِي الشَّافِعِي والمالكي والحنفي والحنبلي بطرِيق النِّيَابَة فَفِي زمن الأفندي ميرزا مخدوم أَقَامَ عَم جدي القَاضِي الْعَلامَة نور الدّين على زَاده ابْن مَوْلَانَا المرحوم إِسْمَاعِيل العصامي قَاضِيا شافعياً وَأقَام القَاضِي نجم الدّين الْمَالِكِي نَائِبا مالكياً وَأَرَادَ إِقَامَة حنبلي فَلم يَتَيَسَّر ذَلِك لعدم وجود حنبلي يقوم بِهَذَا الشَّأْن وَآخر من أَقَامَ ذَلِك بِمَكَّة الأفندي عبد الرَّحِيم الشعراوي عَام تَوليته لَهَا عَام خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَلما كَانَ الْيَوْم الثَّانِي من استقراره فِي الْملك جعل ديواناً وأنعم على الوزراء وَأمرهمْ بترك شعار الْحزن ورقى الْعَسْكَر فِي الجوامك على حسب مَرَاتِبهمْ وانتظم الْحَال وَكَانَ ملكا صَالحا يترجم بِالْولَايَةِ كثير الْخَيْر وَالْإِحْسَان للْقَاضِي والدان وَكَانَت مُدَّة سلطنته ثماناً وَأَرْبَعين سنة وَهِي عديمة النظير فِيمَن مضى من هَذَا الْبَيْت الْمُنِير وَاسْتقر بهَا إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَسبعين فِي سَابِع عشر صفر وَهُوَ فِي محاصرة الْعَدو فأخفى الْوَزير مَوته وأركان الدولة وَأَرْسلُوا أوراقاً إِلَى كوتاهية لمولانا السُّلْطَان سليم وَبَين المحلين نَحْو ثَلَاثَة أشهر بسير الأثقال فَركب مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم وجد فِي السّير إِلَى بِلَاد اسطنبول ودخلها فِي ثامن ربيع الأول سنة 974 أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَحمل السُّلْطَان سُلَيْمَان إِلَى دَار الْخلَافَة وَدفن فِي الْمحل الَّذِي عمره فِي عِمَارَته

ص: 104

الْمَذْكُور طَابَ ثراه ورثاه عَالم زَمَانه أَبُو المسعود أَفَنْدِي الْمُفْتِي بقصيدة بليغة وَهِي هَذِه // (من الْبَسِيط) //

(أَصَوْتُ صَاعِقَةٍ أَمْ نَفْخَةُ الصُّورِ

فالأَرضُ قَدْ قُلِبَتْ مِنْ نَقْرِ نَاقُورِ)

(أَصَابَ مِنْهَا الوَرَى دَهْيَاءُ دَاهِيَةٌ

وذَاقَ مِنْهَا البَرَايَا صَعْقَةَ الصُّورِ)

(فَهُدِّمتْ بَيْعَةُ الدُّنيا لوَقْعَتِهَا

وانْهَدَّ مَا كَانَ مِنْ دَورٍ ومِنْ سُورِ)

(أَمْسِتْ مَعَالمُهَا بَهْمَاءَ مُقْفِرَةً

مَا فِي المَنَازِلِ مِنْ دَوَّار دَيُّورِ)

(تَهَدَّمَتْ قُلَلُ الأَطْوَادِ وارْتَعَدَتْ

كَأَنَّهَا قَلْبُ مَرْعُوبٍ ومَذْعُورِ)

(واغْبَرَّ نَاصِيَةُ الخَضْرَاءِ وانْكَدَرَتْ

وَكَادَ تَمْتَلِئُ الغَبْراءُ بِالمُورِ)

(فَمِنْ كَئِيبٍ ومَلْهُوفٍ ومِنْ دَنِفٍ

عَانٍ بِسِلْسِلَةِ الأَحْزَانِ مَأْسُورِ)

(فَيَا لَهُ مِنْ حَدِيثٍ مُوْحِشٍ نكرٍ

يَعَافُهُ السَّمْعُ مَكرُوهٍ ومَنْفُورِ)

(تَاهَتْ عُقُولُ الورَى مِنْ هَوْلِ وَحْشَتِهِ

فَأَصْبَحُوا مِثْلَ مَخْمُورٍ ومَسْحُورِ)

(تَقَطَّعَتْ قِطَعًا مِنْه القُلُوبُ فَلَا

يَكَادُ يُوجَدُ قَلْبٌ غَيْرُ مَكسُورِ)

(أَجْفَانهُمْ سُفُنٌ مَشْحُونَةٌ بِدَمٍ

تَجْرِىِ بِبَحْرٍ مِنَ العَبراتِ مَسْجَورِ)

(أَتَى بِوَجْهِ نَهَارٍ لَا ضِيَاءَ لَهُ

كَأَنَّها غُرةٌ شيِبَتْ بدَيْجُورِ)

(أَمْ ذَاكَ نَعْىُ سُلَيْمَانَ الزَّمانِ ومَنْ

مَضَتْ أَوَامِرُهُ فِي كُلٌ مَأْمُورِ)

(حَقَّا وَمَنْ مَلأَ الدُنْيَا مَهَابَتُهُ

وسَخَّرَتْ كُلَّ جبارٍ وقيهورِ)

(مَدَارِ سَلْطَنَةِ الدُّنْياَ ومَرْكَزِهَا

خَلِيفَةِ اللهِ فِي الآفاقِ مَذْكورِ)

(مُعْلِي مَعَالِم دِيِنِ اللهِ مُظْهِرهَا

فِي العَالَمِينَ بِسَعْي مِنْه مَشْكورِ)

(وحُسْنِ رَأْىٍ إِلَى الخَيْرَاتِ مُنْصَرِفٍ

وصِدْقِ عَزْمٍ عَلَى الأَلْطَافِ مَقْصُورِ)

(لآيَةِ العَدْلِ والإِحْسَانِ مُمْتَثِلٌ

بِغَايَةِ القِسْطِ والإلطَافِ مَوْقُورِ)

(مُجَاهِدٍ فِي سَبيلِ اللهِ مُجْتَهدٍ

مُؤَيَّدٍ مِنْ جَنَابِ القُدْسِ مَنْصُورِ)

(بلهْذَمِيِّ إِلَى الأعْدَاءِ مُنْعَطِفٍ

ومشْرَفيِّ عَلَى الكُفَّارِ مَشْهُورِ)

(وَرايَةٍ رُفِعَتْ للمَجْدِ خَافِقَةٍ

تَلْوِي عَلَى عَلَم بالنَّصْرِ مَنشُورِ)

(وعَسْكَرٍ مَلأَ الآفَاقَ مُحْتَشِدٍ

مِنْ كُلِّ قُطْرٍ مِنَ الأَقْطَارِ مَحْشُورِ)

(لَهُ وَقَائعُ فِي الأَكْنَافِ شَائِعَةٌ

أَخْبَارُهَا زُبِرَتْ فِي كُلِّ طَامُورِ)

ص: 105

(يَا نَفْسُ مَا لَك فِي الدُّنْيَا مُخَلَّفَةً

مِنْ بَعْدِ رِحْلَتِهِ مِنْ هَذِهِ الدُّورِ)

(حقٌّ على كل نفسٍ أَن تموتَ أسى

لَكِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ غَيْرٌ مَقْدُورِ)

(فَلِلْمَنَايَا مَقَادِيرٌ مُعَدَّدَهٌ

تَأْتِي عَلى قَدَرٍ فِي اللَّوحِ مَسْطورِ)

(وَلَيْسَ فِي شَأْنِهَا للنَّاسِ مِنْ أَثَرٍ

ومَدْخَلٍ مَا بِتَقْدِيمٍ وتَأْخِيرِ)

(يَا نَفَسُ فاتَّئِدي لَا تَهْلِكِي أَسفًا

فَأَنْتِ مَنْظُومَةٌ فِى سِلَّكِ مَقْدورِ)

(إذْ لَسْتِ مَأْمُورةً بالمُسْتَحِيلِ وَلَا

بِمَا سِوَى بَذْلِ مَجْهُودٍ ومَيْسُورٍ)

(ولَا تَظُنِّيَهُ قَدْ مَاتَ بَلْ هُوَ ذَا

حَيٌّ بِنَصِّ مِنَ القُرْآنِ مَزْبُورِ)

(لَهُ نَعِيمٌ وَأَرْزَاقٌ مُقَدِّرَةٌ

تَجْرِي عَلَيْه بِوَجْهٍ غَيْرِ مَشْعُورِ)

(إنَّ المَنَايَا وإنْ عَمَّت مُحَرَّمَةٌ

عَلَى شَهِيدٍ جَمِيلِ الحَالِ مَبْرُورِ)

(مُرَابطٍ فِي سَبِيلِ اللهِ مُقْتَحِمٍ

مَعَارِكَ الحَتْفِ بِالرِّضْوَانِ مَأْجُورِ)

(مَا مَاتَ بَلْ نَالَ عَيْشًا بَاقِيًا أبدا

عَنْ عَيْشِ فَانٍ بِكُلِّ الشَّرِّ مَعْمُورِ)

(إبْتَاعَ سَلْطَنَةَ العُقْبَى بِسَلْطَنَةِ الدْ

دُنْيَا فَأَعْظِمْ بِرِبْحٍ غَيْرِ مَحْصُورِ)

(بَلْ حَازَ كِلتَيْهِمَا إذْ حَلَّ مَنْزِلةً

مَنْ لَمْ يُغَايرْهُ فِي أَمْرٍِ ومَأْمُور)

(أَمَا تَرَى مُلْكَهُ المَحْمِيَّ آلَ إِلَى

سِرٍّ سَرِىٍّ لَهُ فِي الدَّهْرِ مَشْهُورِ)

(وَلِيِّ سَلْطَنَةِ الآفَاقِ مَالِكِهَا

بَرًّا وبَحْرًا بعَيْنِ اللُّطْفِ مَنْظُورِ)

(ظِلِّ الإِلَهِ مَلَاذِ الخَلْقِ قَاطِبَةً

ومُلْتَجَا كُلِّ مَشْهُورٍ ومَذْكٌ ورِ)

(فَإِنَّهُ عَيْنُهُ فِي كُلِّ مَأْثَرَةٍ

وَكُلِّ أَمْرٍ عَظِيمِ الشَّأْنِ مَأْثُورِ)

(وَلَا امْتِيَازَ وَلَا فُرْقَانَ بَيْنَهُمَا

وَهَلْ يُمَيَّزُ بَيْن الشَّمْسِ والنُّورِ)

(سَمَيْدَع مَاجِد زَادَتْ مَهَابَتُهُ

تَخْتَ الخلافةِ فِي عزِّ وتَيْقُورِ)

(جَدَّ الجَدِيدانِ فِي أَيَّامِ دَوْلَتِهِ

صَارَا كَأَنَّهُمَا مِسْكٌ بِكَافُورِ)

(أَضْحَتْ بِقَبْضَتِهِ الدُّنْيَا برُمَّتِهَا

مَا كَانَ مِنْ مجهلٍ مِنْهَا ومَعْمُورِ)

(بَدَا بِطَلْعَتِهِ والنَّاسُ فِي كَربٍ

وسُوءِ حَالٍ مَنَ الأحْوالِ مَنْكُورِ)

(فأَصْبَحَتْ صَفَحَاتُ الأَرْضِ مُشْرِفَةً

وعَادَ أَكْنَافُهَا نُورًا عَلَى نُورِ)

(سُبْحَانَ مَنْ مَلِكٍ حلَّتْ مَفَاخِرُهُ

بَحْرَ البَيَانِ بِمنْظُومٍ ومَنْثُورِ)

(كأَنَّهَا ويَرَاعَ الوَاصِفِينَ لَهَا

بَحْرٌ خَمِيسٌ إِلَى مِنْقَارِ عُصْفُورِ)

(لَا زَالَ أَحْكَامُهُ بالعَدْلِ جَارِيةٌ

بَيْنَ البَرِيَّةِ حَتَّى نَفْخَةِ الصورِ)

ص: 106