الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقصد السُّلْطَان ملك الفرنج وَحمل عَلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى فتقاربا وتعاركا وتضاربا وهما على ظُهُور الْخَيل فسقطا مَعًا على الأَرْض فَانْقَلَبَ عَدو الله على السُّلْطَان وضربه بالخنجر صَادف مَقْتَله فأدركه عسكره وَاحْتَمَلُوهُ إِلَى خيمته وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فعهد بِالْملكِ إِلَى ابْنه يلدرم بايزيد فِي التَّارِيخ الْآتِي ذكره وَمَات بعد ذَلِك سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة رَحمَه الله تَعَالَى
(ثمَّ تولى السُّلْطَان يلدرم با يزِيد ابْن السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي)
وَلما سمع بوفاة أَبِيه خنق أَخَاهُ يَعْقُوب شلبي واشتغل بالفتوحات فَفتح الأفلاق وقونية وآق سراي ونيكده وقيصرية وسلانيك وَغَيرهَا من الْبِلَاد ثمَّ هرب بعض الْأُمَرَاء من خدمَة السُّلْطَان يلدرم ودخلوا عِنْد تيمورلنك فحركوه وَجَاءُوا بِهِ إِلَى بِلَاد الرّوم فَالتقى العسكران فِي مَوضِع يُقَال جبوق أواسي فانكسر السُّلْطَان يلدرم لِكَثْرَة من مَعَ تيمور من الْعَسْكَر كالجراد الْمُنْتَشِر فَأخذ السُّلْطَان يلدرم وَحبس ثمَّ توفّي بالحمى المحرقة سنة سبع وَثَمَانمِائَة وَكَانَ ابْنه الْأَمِير مُحَمَّد أَمِير أماسية فَلَمَّا سمع بِذكر ذَلِك خرج بعسكر أماسية خلف تيمور فَأخذ جثة وَالِده بعد حَرْب شَدِيدَة وَكَانَت مُدَّة سلطنته سِتّ عشرَة سنة وتيمور وَيُقَال تيمورلنك واللنك فِي اللُّغَة الفارسية الْأَعْرَج لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ عرج كَانَ ظُهُوره فِي عَام سَبْعمِائة وَثَلَاث وَسبعين وَكَانَ تَارِيخ ذَلِك لفظ عَذَاب قَالَه الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه وَكَانَ أول أمره رَاعيا للغنم ثمَّ صَار أَمِير آخور لبَعض سلاطين الْعَجم فِي سَمَرْقَنْد وبخارى فتغلب على مخدومه وَلم يزل حَتَّى تفرد بالسلطان وَملك الْبِلَاد طرفا بعد طرف فِي أسْرع زمن على أعجب أسلوب وَذَلِكَ أَنه إِذا قصد محلا ورَّى بِغَيْرِهِ فيهجم على ذَلِك الْمحل وَأَهله غافلون ثمَّ يبْدَأ بقتل جَمِيع من فِيهِ من كل ذِي روح ثمَّ يتَمَلَّك الْبِلَاد وَيَأْخُذ جَمِيع مَا فِيهَا من الْأَمْوَال وَالسِّلَاح وَالطَّعَام
بِحَيْثُ خربَتْ جَمِيع الممالك الَّتِي دَخلهَا مِمَّا وَرَاء النَّهر فَلَمَّا خرج إِلَى الْبِلَاد الإسلامية كبغداد وَالروم وَالشَّام وحلب كَانَ عَادَته يقتل أَعْيَان الْبِلَاد وأركان دولتها ثمَّ ينصب فِيهَا من يقوم بأمرها من جماعته فهابته أَكثر سلاطين الْإِسْلَام وملوكه وقصدوه بالهدايا والتحف اتقاء شَره ومولانا السُّلْطَان يلدرم صَاحب التَّرْجَمَة لم يلْتَفت إِلَيْهِ وَلم يكترث بِشَأْنِهِ لاشتغاله بالغزوات وَمَا فِيهِ سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فهجم على بِلَاد الرّوم على غرَّة وأسرع فِي السّير إِلَى الْمحل الَّذِي فِيهِ السُّلْطَان الْمشَار إِلَيْهِ قبل أَن يعلم أحد بوصوله فَمَا وسع السُّلْطَان إِلَّا مُقَابلَته لِأَن شهامته أَبَت أَن يعرض عَنهُ وَيتْرك قِتَاله فاتفق بِمُرَاد الله أَن كسر عَسْكَر السُّلْطَان الْمَذْكُور وحبسه إِلَى أَن كَانَت وَفَاته بالحمى كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَفِي عجائب الْمَقْدُور فِي أَخْبَار تيمور للْإِمَام الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي عرف بِابْن عرب شاه رَحمَه الله تَعَالَى وَمعنى يلدرم الْبَرْق فَوجه الْأَخْذ الْمَذْكُور من هَذَا اللقب سرعَة الْحَرَكَة وَقُوَّة الظُّهُور مَعَ النُّور واللمعان رَحمَه الله تَعَالَى قلت أَخْبرنِي بعض فضلاء أهل الْهِنْد أَن ملكهم الْآن وَهُوَ الْمُسَمّى أورنك زيب ابْن شاه جهان يتَّصل نسبه بتيمور هَذَا وَمِنْه إِلَى جنكزخان طاغية التتار وَيُنْكِرُونَ كَونه رَاعيا أَو خَادِمًا لبَعض مُلُوك الْعَجم فتغلب على مخدومه فِي السلطنة وَيدعونَ عراقته فِيهَا وَالله أعلم بالحقائق قلت وَذكر الإِمَام الْمَذْكُور فِي كِتَابه الْمَذْكُور وَاقعَة لتيمور مَعَ الْعَلامَة القَاضِي محب الدّين أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الْحلَبِي قاضيها الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الشّحْنَة أَحْبَبْت ذكر نَصهَا لما كَانَ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ربيع الأول من عَام ثَمَان وَثَمَانمِائَة أَخذ يَعْنِي تيمور قلعه حلب بالأمان والأيمان الَّتِي لَيْسَ مَعهَا ايمان فَاسْتَحْضر علماءها وقضاتها فَحَضَرُوا إِلَيْهِ وَطلب من مَعَه من أهل الْعلم فَقَالَ لكبيرهم عِنْده وَهُوَ الْمولى عبد الْجَبَّار ابْن الْعَلامَة نعْمَان الدّين الْحَنَفِيّ قل لَهُم إِنِّي سائلهم عَن مسَائِل سَأَلت
عَنْهَا عُلَمَاء سَمَرْقَنْد وبخارى وهراة وخراسان وَسَائِر الْبِلَاد الَّتِي افتتحتها فَلم يفصحوا الْجَواب فَلَا تَكُونُوا مثلهم وَلَا يجاوبني إِلَّا أعلمكُم وأفضلكم وليعرف مَا يتَكَلَّم بِهِ فَإِنِّي خالطت الْعلمَاء ولي بهم اخْتِصَاص وألفة ولي فِي الْعلم طلب قديم قَالَ صَاحب الْكتاب وَكَانَ يبلغنَا عَنهُ أَنه بتعنت الْعلمَاء فِي الأسئلة وَيجْعَل ذَلِك سَببا إِلَى قَتلهمْ أَو تعذيبهم قَالَ القَاضِي ابْن الشّحْنَة فَقَالَ القَاضِي شرف الدّين مُوسَى الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي هَذَا شَيخنَا ومدرس هَذِه الْبِلَاد ومفتيها مُشِيرا إِلَى سلوه وَالله الْمُسْتَعَان قَالَ فَقَالَ لي قاضيه عبد الْجَبَّار سلطاننا يَقُول إِنَّه بالْأَمْس قتل منا ومنكم فَمن الشَّهِيد قتيلنا أم قتيلكم فَوَجَمَ الْجَمِيع وَقُلْنَا فِي أَنْفُسنَا هَذَا الَّذِي كَانَ يبلغنَا عَنهُ من التعنت وَسكت الْقَوْم فَفتح الله عَليّ بِجَوَاب سريع بديع فَقلت هَذَا سُؤال سُئِلَ عَنهُ سيدنَا رَسُول الله
قَالَ لي صَاحِبي شرف الدّين الْمَذْكُور بعد أَن انْقَضتْ الْحَادِثَة وَالله الْعَظِيم لما قلت هَذَا السُّؤَال سُئِلَ عَنهُ رَسُول الله
وَأَنا مُحدث زماني قلت عالمنا قد اخْتَلَّ عقله فَإِن هَذَا سُؤال لَا يُمكن الْجَواب عَنهُ فِي هَذَا الْمقَام وَوَقع فِي نفس عبد الْجَبَّار قاضيه مثل ذَلِك وَألقى إليّ تيمور سَمعه وبصره وَقَالَ لعبد الْجَبَّار يسخر من كَلَامي كَيفَ سُئِلَ رَسُول الله
عَن هَذَا وَكَيف أجَاب فَقلت جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله
فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن الرجل يُقَاتل حمية وَيُقَاتل ليُري مَكَانَهُ من الشجَاعَة فأينا الشَّهِيد فِي سَبِيل الله فَقَالَ
مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمةُ اللهِ هِيَ العُلْياً فَهُوَ الشَهِيدُ فَقَالَ تيمور لنك خوب خوب فانفتح بَاب المؤانسة فَكثر مِنْهُ السُّؤَال وَكثر مني الْجَواب وَكَانَ آخر مَا سَأَلَ أَن قَالَ مَا تَقولُونَ فِي عَليّ وَمُعَاوِيَة وَيزِيد فَأسر إِلَى القَاضِي شرف الدّين أَن اعرف كَيفَ تجاوبه فَإِنَّهُ شيعي فَلم أفرغ من مساع كَلَامه إِلَّا وَقد قَالَ القَاضِي علم الدّين القفصي الْمَالِكِي كلَاما مَعْنَاهُ إِن الْكل مجتهدون فَغَضب لذَلِك غَضبا شَدِيدا وَقَالَ عَلِي عَلَى الْحق وَمُعَاوِيَة ظَالِم وَيزِيد فَاسق وَأَنْتُم حلبيون تبع لأهل دمشق وهم يزِيدُونَ قتلوا الْحُسَيْن قَالَ فَأخذت فِي ملاطفته والاعتذار عَن الْمَالِكِي بِأَنَّهُ أجَاب بِشَيْء وجده فِي