الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(دُمْ ظافراً يَا أَبَا عجلانَ فِي دعةٍ
…
قريرَ عينٍ بِمَا أدركْتَ من أمَلِ)
(فقدْ أقمْتَ اعوجاجَ الملكِ من أَوَدٍ
…
وَصَارَ مُعْتَلًّا من كَانَ ذَا مَيَلِ)
(وخُذْ نسيجَ ثناءٍ صافياً حسنا
…
يكسوكَ من وَشْيه أبهى من الحللِ)
(عروس مَدْحٍ تَهَادى فِي منصَّتها
…
تجرُّ بالْحسنِ ذيلَ التيه والغزلِ)
(حلَّيتها من سجاياكَ الَّتِي شرُفَتْ
…
عقودَ دُرِّ بهَا زانَتْ من العطلِ)
(يفوحُ بَين قوافيها لمُنْشِدِهَا
…
من طيبِ ذكركَ عرف الْمسك فِي حللِ)
(جَلَّتْ صفاتك قدرا أَن يحيطَ بهَا
…
حُسنُ الروية أَو إحسانُ مرتجلِ)
(واسلَمْ فإنَّكَ زينُ الدينِ ناصرُهُ
…
وافخرْ فإنكَ تاجُ الملكِ والدولِ)
(ثمَّ الصلاةُ على المختارِ مِنْ مُضَرٍ
…
محمدِ المجتبَى من سائِرِ الرسلِ)
(ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي)
قد سبق ذكر مَوْلَانَا وَمُلَخَّص ذَلِك أَنه تشرف بحماية الْحَرَمَيْنِ الشريفين فِي ظلّ وَالِده فِي عَام ثَمَانِيَة عشر وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ وسعده فِي زِيَادَة إِلَى أَن مَاتَ وَالِده فِي عَام أحد وَثَلَاثِينَ فمدة اشتراكه مَعَ وَالِده أَرْبَعَة عشر عَاما ثمَّ تفرد بِهَذَا المنصب الْمُبَارك مَعَ زِيَادَة السُّعُود وَبسط الْعدْل والجود إِلَى أَن أنعم الله تَعَالَى عَلَيْهِ بولده مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف أَحْمد بن أبي نمى فتقلد هَذَا المنصب بالتماس وَالِده من مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان وَكَانَ ذَلِك سنة سبع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَمُلَخَّص ذَلِك أَنه أرْسلهُ إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة السُّلْطَانِيَّة العثمانية وَمن الِاتِّفَاق أَن مُعظم من كَانَ مَعَ وَالِده الشريف أبي نمي حَال عزمه إِلَى مصر كَانَ مَعَ وَلَده هَذَا أَحْمد إِلَى إِسْلَام بَوْل وصحبته من الْهَدَايَا الْعَظِيمَة اللائقة بالملوك والخيول الأصائل والصقور والشواهين والأقمشة والأطياب فَلَمَّا وصل خبر قدومه عين لَهُ السُّلْطَان سُلَيْمَان من قابله على أحسن أسلوب ثمَّ أنزل فِي بيُوت السلطنة وَأمره أَن يدْخل عَلَيْهِ بالملابس الحسنية وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد جميل الصُّورَة معتدل الْقَامَة حسن اللِّحْيَة والدليقين عَلَيْهِ ناموس الشّرف المحمدي وأبهة الْملك النَّبَوِيّ فَلَمَّا دخل على السُّلْطَان قَامَ لَهُ ألفا وَلم يَقع هَذَا لأحد سواهُ ثمَّ أقبل عَلَيْهِ بالبشر التَّام وخلع عَلَيْهِ خلعاً مُتعَدِّدَة تَعْظِيمًا لشأنه وإظهاراً لرفعته
وعناية بجنابه وَأظْهر أَن وُصُوله إِلَيْهِ من النعم المعدودة الَّتِي تفرد بهَا عَن غَيره وَكَذَلِكَ زَوْجَة مَوْلَانَا السُّلْطَان وَالِدَة السلاطين وواصلة الْمَسَاكِين قدمت لَهُ هَدَايَا عَظِيمَة وَعرفت أَرْكَان الدولة أَنه فِي مقَام أَوْلَادهَا محبَّة وحنواً ثمَّ برزت الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة لَهُ بِجَمِيعِ المرام وَوصل إِلَى مَكَّة المشرفة على ذَلِك النظام وامتدحه القَاضِي عبد الرَّحْمَن باكثير بالقصيدة الرائية // (من الطَّوِيل) //
(وفَتْ صبَّها بعد الجفا غادةٌ عَذْرَا
…
ومُذْ لامَها قالَتْ لعلَّ لَهَا عُذْراَ)
الْمُتَقَدّم ذكرهَا ودام سُلْطَانه إِلَى أَن مَاتَ فِي حَيَاة وَالِده الشريف أبي نمي فِي شهر رَجَب عَام سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَمِمَّا قيل فِيهِ مدحاً قَول الْوَجِيه عبد الرَّحْمَن الكثيرى الْمَذْكُور // (من الْكَامِل) //
(أَلْعِزُّ ثَاوٍ بَين مشتبِكِ القنا
…
مَنْ رامه قالَتْ لَهُ السمرُ القنا)
(والنصْرُ من مخضرِّ أوراق الظبا
…
غصناً بِهِ ثمرُ الوقائعِ يجتنى)
(والمجدُ فِي صهواتِ دهمٍ إِن عدَتْ
…
عقدَتْ سنابكُهُنَّ نقعاً أدكَنَا)
(والفَخْرُ أَن تغشى الكتيبةَ باسماً
…
ولَكَ الحمامُ من الأسنةِ قد رنا)
(والثابتُ الجأش الَّذِي يَرِدُ الوغَى
…
ويَدُ المنونِ تديرُ كاساتِ الفنا)
(والحزمُ فتكُكَ بالعداةِ مطاعناً
…
ومضارباً ومذففاً ومثخنَا)
(والعزمُ أَن تستسهلَ الصعْبَ الَّذِي
…
لَو كَانَ لم يمكنْ بعزمِكَ أمكَنَا)
(والمكرمَاتُ أجلُّها حُسْنُ الوفا
…
وأعزُّهَا الإغضاءُ عمَّنْ قد جَنَى)
(والسودَدُ المحضُ اكتسابُ مفاخرٍ
…
ترتادُهَا مِنْهَا المحامدُ تبتنَى)
(وأكابِرُ العلياءِ مَنْ يولي نَدَى
…
يُشْرَى بِهِ المجْدُ الأثيلُ ويقتنَى)
(والهمةُ العلياءُ تصييرُ الَّذِي
…
عِنْد الورَى جللاً حَقِيرًا هَيِّنا)
(والجدُّ أَن تردَ المهالكَ راقيا
…
صعْبَ المخاوفِ لن تؤمّلَ مأمنا)
(والجودُ هجرُكَ لَا فَلَيْسَ يخطُّها
…
مَلَكَاك إِذْ كنْتَ الْجواد المُحْسِنا)
(والحمدُ إسداءُ الجميلِ بِلَا أَذَى
…
من غير أَن تبغي الجزاءَ وتمننا)
(والفضلُ تقليدُ الرقابِ صنائعاً
…
لَو لم تَرِقَّ بهَا الورَى لن تُغْبَنَا)
(والملكُ لَا يَبْنِي دعائمَ مجدِهِ
…
إِلَّا السلاهبُ والقواضبُ والقنا)
(كبنا بني ملك المَلِيك الْمُنْتَقى
…
مِنْ معدنِ السبطَيْن شرف مَعْدنا)
(سلطانُ مكَّةَ أحمدُ الملكُ الَّذِي
…
طَوْعٌ لقدرتِهِ المنايا والمُنَى)
(مَلِكُ الحجازِ أَبُو سُلَيْمَان الَّذِي
…
فِي مفرق الْعليا تبوَّأ مسكنا)
(ملكٌ لَهُ ملكٌ ترَاهُ محوَّطًا
…
بالمرهفاتِ وبالرماحِ مُحَصَّنَا)
(ملكٌ لَهُ ملكٌ تشامخَ عزُّهُ
…
لَا ملكَ إِلَّا صارَ قهرا مذعنا)
(ملكٌ لَهُ ملكٌ ذراه على السها
…
وأساسُهُ تحْتَ التخومِ تمكّنَا)
(ملكٌ بِهِ أُفقُ المعالِى قد أضا
…
وانجابَ عَنهُ ظلامُ ظُلْمٍ أدكنا)
(ملكٌ تفرَّعَ غصنُهُ من دوحةٍ
…
بالمصطفَى شرفَتْ وطابَتْ أغْصُنا)
(ملكٌ غذى بلبا الرسَالَة واعتلَى
…
عَن كُلِّ مدحٍ بالصرائحِ والكنَى)
(ملكٌ لَهُ البيتُ الشريفُ ومكَّةٌ
…
وَله المواقفُ والمشاعِرُ من مِنَى)
(مَاذَا عسَى فِيهِ يقالُ ومدحُهُ
…
قد جَاءَ نَصًّا فِي الكتابِ مبينَا)
(ويدُ الرسالةِ أكسبَتْهُ شمائلاً
…
نبويَّةً مِنْهَا علاهُ تزيَّنَا)
(وعَلى مُحَيَّاهُ أدارَتْ هَالة
…
مِنْهَا سنا القمرَيْنِ يكتسبُ السنا)
(هُوَ مضغَةُ الطُّهْرِ البتولِ وأصلُهُ
…
مِنْ طِينَة مِنْهَا النبيُّ تكوَّنَا)
(وبجدِّه شمسُ الشريعةِ أشرقَتْ
…
ولسانها بالحَقِّ أصبَحَ مُعْلنا)
(هذي الصفاتُ الجاعلاتُ لربِّها
…
من فوقِ هاماتِ المعالِى مَوْطنا)
(لم تنتجِ الدُّنْيَا لَهُ مثلا وَقد
…
زانَ الممالكَ والعلا والأزمنَا)
(فاقَ الملوكَ فَمَا بَنو العباسِ أَو
…
مَا غيرُهُمْ مِمَّن نأَى أَو من دنا)
(لَا مَجْدَ كَانَ لَهُم فرادَى فِي الْعلَا
…
إِلَّا تملَّكَهُ وَكَانَ لَهُ قَنَا)
(ولئِنْ أَتَوْا فعلَ المكامِ مرَّة
…
فَلهُ غدَتْ طبعا وأمسَتْ دَيْدَنَا)
(ملأَ القلوبَ مهابةً وملا العيونَ
…
جلالة وملا المسامِعَ بالثَّنَا)
(وملت معاليه الزَّمَان وعَزَّ عَن
…
مدحٍ وحَصْرُ علاهُ أعيا الألسنا)
(ربُّ الندَى مردِى العدا مُرْوِى الصَّدَا
…
مُولِى الغنَى حُلْوُ الخبا رَحْبُ الفِنَا)
(أنشا بديعَ مكارمٍ ومآثرٍ
…
فِيهَا تنوَّعَ مجدُهُ وتفنَّنَا)
(ولكَمْ مدارسَ فِي الْعلَا درسَتْ وَقد
…
عَمَرَتْ بِهِ وَغدا حماها بَيِّنَا)
(وَلَقَد ذوى روض المواهِبِ فاغتدى
…
بنوالِهِ غَضَّ الثِّمَار لمن جَنَى)
(أغْنى الخلائِقَ مِنْ نداه فَلم تَجِدْ
…
فِي دهرِهِ ذَا حاجَةٍ متَمَسْكِنَا)
(وَبِه لقد عَمَّ الورَى فنوالُهُ
…
كَنْز الفقيرِ وطوقُ جيدِ من اغتنَى)
(والرزقُ والأجَلُ المقدَّرُ طوعُهُ
…
وبكفه مر المنا وحلَا الغِنَا)
(متكفِّلٌ بالأمْنِ فِي الدُّنْيَا فَمَا
…
أحدٌ بهَا أَلا وعاشَ مُؤَمَّنا)
(وبرزقِ مَنْ فوقَ البسيطةِ وَالَّذِي
…
تحْتَ المحيطةِ قد غَدا متضمِّنَا)
(ولَدَيْهِ لَا روضُ السماحِ تخاله
…
هشمًا وَلَا نَهْر الندا مُتأَسِّنَا)
(والسحْبُ مذ رامَتْ تجارِى كَفَّهُ
…
حُمَّتْ بِهِ حسداً وأسقَمَهَا الضَّنَى)
(فالغيثُ فِي جَبَهاتِها عَرَقٌ جَرَى
…
لما جرَتْ وكبَتْ وأدركَهَا العَنَا)
(يحبو النَّوَالَ ويحتبي فكأنَّهُ
…
بحرٌ وطودٌ قد أحلَّ وأردنا)
(فِي حلمه فاقَ ابْن قَيْسٍ بل لدَى
…
إحسانِهِ ذِكْرُ الندى لن يَحْسُنَا)
(ماضيه للأعداءِ مسنوناً يرى
…
وعطاؤُهُ فِي الْحَال فرضا عينا)
(يهبُ الألوفَ وَلم يَهَبهَا عنْدَما
…
يلقى عَلَيْهِ لأْمَهُ والجَوشَنا)
(ويردُّ جحفلَ مَنْ يحاربه وَلَو
…
ضاهَى الحَصَا عَن رَدِّهِ لَنْ يجبنا)
(بطلٌ ولكنْ لَا يطاقُ فَفِي الوغَى
…
بِشَبَا العزائمِ عَن ظباهُ لَهُ غنى)
(ومتَى يصلْ تلقى الكمىَّ مجندلاً
…
والذمْر خلقا بالدماءِ مكفَّنا)
(يروي الثرَى بدمٍ الفوارسِ فالقنا
…
تَجْرِى عَلَيْهِم من دماهُمْ أعينا)
(تقفو الجوارحُ جيشَهُ ثِقَة بِمَا
…
أَلِفُوهُ فِي نصْرٍ لَهُ متيقَّنَا)
(فَيروا بطاناً آيبين نواهلاً
…
بِدَمٍ يُطَلُّ فَمَا أذلَّ وأَهْوَنَا)
(لم يَدْعُ هَذَا الدهْرَ إِلَّا جاءَهُ
…
متعثراً مِنْ خَوفه لن يأمنا)
(يخشَى سطاه فَلم تحلَّ خطوبُهُ
…
ساحاتِهِ وبصَرْفِهِ لن يطعنا)
(لَو خَطَّ طِرْسًا نَحوه لولائِهِ
…
بالخادمِ المملوكِ كَانَ مُعَنْوَنا)
(فمتَى دعَتْكَ خطوبُهُ فالجأ لَهُ
…
وبأسْمِهِ فاعْل النداءَ وأعلِنَا)
(يَا أحمدَ بْنَ أبي نُمَىِّ وَالَّذِي
…
ألقَى لَهُ الدهْرُ القيادَ وأذعَنَا)
(لَو زَاد شىءٌ بعد غايتِهِ دَعَا
…
كُلٌّ لملكِك أَن يزيدَ تمكُّنا)
(من رام مِثْلَكَ فِي الملوكِ فَذَاك فِي
…
شَرْعِ الْمَعَالِي مُشْرِكٌ لن يؤمنا)
(فلأنَتْ ربُّ البسطةِ العظمَى على
…
كُلِّ الْمُلُوك من الرشيدِ إِلَى هُنَا)
(وأمامَ جيشِكَ رائدُ الظَّفرِ اغتدَى
…
بالنصْرِ والفتحِ المبينِ مؤذِّنا)
(وبشأنِهِ النصْرُ المتينُ قد احتفَى
…
بأمرِهِ الفتحُ المبينُ قد اعتنَى)
(والدهرُ ساعٍ فِي الَّذِي تهوَى فإنْ
…
تَدعُوهُ أَو تَدْعُو أجابَ وأَمَّنا)
(وافاكَ تشريفُ المليكِ فكلُّ مَا
…
تبغيه ثَمَّ وغيرُهُ لن يُمْكِنا)
(فليهنِكَ النصْرُ المفادُ ويهنِكُمْ
…
نيلُ المرادِ بِمَا أَقَرَّ الأعينا)
(فهواتِفُ السراءِ قد صَدَحَتْ بِهِ
…
وترنَّمَتْ وُرْقُ التهانِى بالهنا)
(وشدَتْ على أيكِ السرورِ حمائمٌ
…
ملأتْ بشائرُهَا النواحي بالغنا)
(فَارْقَ الْعلَا ملكا فملكُكَ غابة
…
بك يَا هِزَبْر الجحفَلْينِ مُحصنا)
(ورياضُهُ قد أصبَحَتْ مخضلةً
…
منكُمْ وزهْرُ ثمارها حُلْوُ الجَنَى)
(والماضيانِ تكفَّلا بخلودِهِ
…
وبحفظه سَعْدُ السُّعُود تضمَّنا)
(وإليكَ تبرَ مدائحٍ لَو صاغَهُ
…
نطقى لغَيْرِ علاكَ أَصْبَحَ ألْكَنَا)
(ولحسنها حَسَّانُ يَغْدُو خاضعاً
…
لَو رام نَظْمَ سلوكها لن يُحْسِنَا)
(طابَتْ شَذًا لما جعلْتُ ختامها
…
مِسْكَ الصلاةِ تبرُّكًا وتَيَمُّنَا)
ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف أَبَا نمي رَحمَه الله تَعَالَى التمس من مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان تَفْوِيض الْأَمر إِلَى وَلَده الثَّانِي صَاحب الْمقَام السَّامِي مَوْلَانَا الشريف حسن فتقلد بعد أَن أُجِيب إِلَى مُرَاده حماية الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَجدّة المعمورة وينبع وخيبر وحلى وَجَمِيع مَا شَمله اسْم الأقطار الحجازية وَذَلِكَ من خَيْبَر إِلَى أَطْرَاف حلى وأعمال جازان طولا وَمن أَعمال الينبع الْمُبَارك إِلَى حجاز ثَقِيف وَمَا اتَّصل بِهِ من أَرض نجد عرضا وَكَانَ ذَلِك سنة 961 إِحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فتفرد بذلك بِإِشَارَة وَالِده الشريف أبي نمي لما علم من كِفَايَته وكماله وخاطبته السلطنة الشَّرِيفَة بِالْأَلْقَابِ الهاشمية الملوكية وشاع وذاع مَا فِي مَحل ولَايَته من الْعدْل والإنصاف والأمن والطمأنينة فِي حاضرتها وباديتها وَمَا إِلَيْهَا ينْسب ويضاف وَقطع قَاطع الطَّرِيق وَأخذ حق الْمَظْلُوم من الظَّالِم وَإِن كَانَ أقرب حميم وأصدق صديق فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة فوضت إِلَيْهِ كل وَاصل إِلَى الأقطار الحجازية من أَعْيَان دولتهم وكبرائهم وأركان سلطنتهم وأمرائهم حَسْبَمَا يسطر ذَلِك
فِي المرسوم السلطاني الْوَاصِل باسم مَوْلَانَا المومأ إِلَيْهِ فِي كل عَام وَكلما طلب من جَانب السلطنة الْعليا مَطْلُوبا من معالي الْأُمُور أَو إحساناً لمن يلوذ بمقامه المبرور أُجِيب بِحُصُول المُرَاد خُصُوصا فِي سلطنة مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد وَفِي سنة أَربع وَخمسين وَتِسْعمِائَة اتّفق يَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة الْحَرَام بِمَكَّة المشرفة أَن النَّاس بَيْنَمَا هم بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فِي وَقت السحر إِذْ رَأَوْا دخاناً صاعداً من جَانب الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فبادرت الأكابر من الشريف أبي نمي وَولده ومصطفى باشا وأكابر الْحَاج يسعون إِلَى بَاب الْكَعْبَة ففتحوه بعد أَن حصل عِنْد عَامَّة النَّاس غَايَة الوجل فوجدوا نَارا فِي عقب الذرفة الْيُمْنَى ففكت الذرفة وأطفئت النَّار وأعيد الْبَاب على حَاله وَللَّه الْحَمد ذكر هَذَا الجزيري فِي تَارِيخه قلت الظَّاهِر أَن أصل تِلْكَ النَّار شرر طَائِر من مجامر البخور الَّتِي تُوضَع على عتبَة الْبَيْت الشريف وَفِي سنة خمس وَخمسين وَتِسْعمِائَة لما كَانَ عيد يَوْم النَّحْر مِنْهَا وَقعت فتْنَة بمنى وتعرف عِنْد أهل مَكَّة بِالْهبةِ بَين مَوْلَانَا الشريف أبي نمي وَبَين أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ الْمُسَمّى مَحْمُود وَكَانَ الشريف أَحْمد إِذْ ذَاك قَائِما بِأَمْر المملكة عَن وَالِده يتفويض من السُّلْطَان سُلَيْمَان كَمَا تقدم ذكر ذَلِك سَبَب هَذِه الْفِتْنَة أَن السَّيِّد قايتباي كَانَ بِمصْر فَأقبل إِلَى مَكَّة من طَرِيق الْبَحْر وَكَانَت بَينه وَبَين أَمِير الْحَاج الْمَذْكُور موطأة على أَن يوليه مَكَّة فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّحْر علم الْأَمِير أَن جمَاعَة الشريف أبي نمي تفَرقُوا عَنهُ بالنزول إِلَى مَكَّة للطَّواف وَالسَّعْي فاغتنم الفرصة وَكَانَ السَّيِّد قايتباي الْمَذْكُور أرسى بجدة وَلم ينزل إِلَيْهَا فَركب الْأَمِير ليقصد الشريف فِي دَاره فَعلم الشريف بذلك فَركب وَركبت الْأَشْرَاف والقواد والجند فثارت الْفِتْنَة وَنزل الشريف إِلَى مَكَّة ثمَّ أرسل إِلَى جدة تجريدة من الْخَيل لِحَرْب السَّيِّد قايتباي فَلم تصل إِلَى جدة إِلَّا وَقد توجه مِنْهَا بحراً عَائِدًا إِلَى مصر وبموجب هَذِه الْفِتْنَة نفر الْأَمِير وَجَمِيع الْحَاج من منى يَوْم النَّفر الأول قبل الزَّوَال فَأَرَادَ بعض الْحجَّاج الْعود إِلَى منى للرمي قبل فَوَاته وَالْمَبِيت مَعَ جند صَاحب مَكَّة فَتعذر عَلَيْهِ ذَلِك لانتشار الْأَعْرَاب فِي الطّرق ورءوس الْجبَال
ويحكى عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ أَنه كَانَ بِمَكَّة حِين الْفِتْنَة بمنى قد نزل بِقصد الطّواف وَالسَّعْي وَكَانَ فِي منزله وَعِنْده شخص يُسمى الشَّيْخ الحرفوش فحصلت للشَّيْخ مُحَمَّد الْبكْرِيّ حَالَة جلال وَاسْتمرّ دائراً فِي الْمحل الَّذِي هُوَ فِيهِ كالأسد وَهُوَ يَقُول حوش حوش يَا حرفوش كَالَّذي ينظر شَيْئا فيأمر بإمساكه ثمَّ سكت حَاله فَقَالَ الْآن وَقعت بمنى فتْنَة عَظِيمَة حشناها بِإِذن الله تَعَالَى فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك فَقَالَ الْعَلامَة الْخَطِيب عبد الباسط بن أَيُّوب يذكر الْوَاقِعَة وَيرْفَع فِيهَا الشكوى من مَحْمُود الْأَمِير إِلَى الخنكار الْأَعْظَم مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان فِي قصيدة هِيَ // (من الْخَفِيف) //
(يَا إِمَامًا بالعدلِ فِي الناسِ سارا
…
وهماماً قد دَمَّرَ الكُفَّارا)
(ومليكاً إحسانُهُ مَلأ الأرْضَ
…
وأضحَى لَهُ الصلاحُ شِعَارا)
(هَذِه قِصَّةٌ لبابكَ جاءَتْ
…
من أناسٍ مِمَّا دهاهُمْ حيارى)
(فَاتْلُهَا يَا خليفةَ اللهِ فى الأَرْض
…
جَمِيعًا عساكَ تأخذُ ثارا)
(نظمتْهَا قريحةٌ شاهدَتْ فِي
…
عترةِ المصطفَى أموراً كِبَارا)
(هجمَتْ دُورهمْ بخيلٍ ورجلٍ
…
واستباحوا عرضا ومالاً ودارا)
(ورُمُوا بالنبالِ فى حرم اللَّه
…
فضَحُّوا ضغارَهُمْ والكِبَارا)
(أذكَرَتْنَا أحوالُهُمْ بحسينٍ
…
ويزيدٍ وأورثَتْنَا اعْتِبَارا)
(آلُ بيتِ الرسولِ حُلَّ حماهم
…
واستبيحَتْ لَهُم دماءٌ جِهارا)
(مَا استمعنا وَلَا رَأينَا كَهَذَا
…
لَا رَعَى اللهُ مَنْ بِهَذَا أشارا)
(قد أَتَانَا محمودُ فى إمرةِ الحَجْجِ
…
وَقد صَارَ بالأذَى أَمَّارا)
(فَرَأَيْنَا شخصا يحاكِى يزيداً
…
فِي سجاياهُ فَاجِرًا جَبَّارا)
(أذَهَبَ الشرْعَ مذ أَتَانَا وَأَحْيَا
…
ليزيدٍ بَينَ الورَى آثارا)
(حَكَّمَ الشيْفَ فِي أعزِّ نفوسٍ
…
وسقاها كاسَ الرَّدى وأدارا)
(قَتَلَ الناسَ أظهَرَ السفْكَ ظلما
…
جالَ بالسيفِ يمنةٌ ويَسَارا)
(تركَ الهدْىَ والضحايا وضحَّى
…
بدماءِ الأشرافِ فِيهَا وسَارَا)
(حَرَمٌ آمِنٌ ويقتلُ فِيهِ
…
عترة المصطفَى جهاراً نَهَارا)
(إِن هَذَا أمْرٌ فظيعٌ شنيعٌ
…
منكَرُ الشانِ يدهشُ الأبصارا)
(قد تركْنَا لأجلِهِ واجباتٍ
…
ورفضْنَا المبيتَ والإعتمارا)
(وخشينا من اليزيديِّ قتلا
…
فركبْنَا من خوفِهِ الأخطارا)
(تَرَكَ الناسُ فى منى نُسُكَ الحَجْجِ
…
وخلَّوْا مبيتَهَا والجِمَارا)
(واعتراهُمْ من اليزيديِّ مَا لم
…
يألفُوهُ وأُحْصِروا إحصارا)
(وَغدا الناسُ بَين قتلٍ ونهبٍ
…
وَأُمُور تحيِّرُ الأفكارا)
(صَار فِيهَا العزيزُ عبدا ذليلاً
…
والأرقَّاءُ أصبَحَتْ أحرارا)
(صَرَفَتْ نحوهم صروفُ الليالِي
…
وجهَهَا بعد كَانَ فِيهِ استتارا)
(ورمتهم عَن قوسها بسهامٍ
…
أثَّرتْ فِي القلوبِ منا انكْسارا)
(فتنةٌ أُحْدِثَتْ بأشرفِ أرضِ الله
…
لَا ترتضَى بأرضِ النَّصَارَى)
(كَبَّرَ الناسُ عِنْدَمَا عاينوها
…
وبحارُ الدِّما غدَتْ تَيَّارا)
(أظلم الكونُ والكواكبُ غارَتْ
…
واقشعرَّتْ جلودنا اقشعرارا)
(إِن هَذَا ظلمٌ وجَوْرٌ عظيمٌ
…
قاتلَ الله مَنْ عَنِ الحقِّ جارا)
(ورماه بأَسْهُمٍ صائباتٍ
…
مِنْ يَد المصطفَى تريه الصَّغَارَا)
(وذُهِلْنَا من المصيبةِ حتَّى
…
أذْهَب الخوفُ عقلنا والوَقَارَا)
(فتراهم بعد الأمانِ مِنَ الخَوْفِ
…
سكارَى وَمَا هُمُ بسُكَارى)
(يَابْنَ عثمانَ أنْتَ عمرْتَ بالعدلِ
…
الأقاليمَ بَرَّها والبِحَارا)
(أنتَ طهَّرْتَ سَائِر الأرضِ ممَّنْ
…
قد تعدَّوْا واستكبروا استكْبَارا)
(أنتَ كهْفٌ للمسلمينَ حريزٌ
…
وملاذٌ لمنْ يخافُ ضِرَارا)
(أنْتَ للحقِّ ناصرٌ ومعينٌ
…
لكَ سيفٌ قد دمرَّ الأغيارا)
(أنتَ مَنْ أمَّ بابَ عدلك يحظَى
…
بمناه ويبلُغُ الأوطارا)
(كيفَ ترضَى أَن اليزيديَّ يَأْتِي
…
حَرَمَ اللهِ مُفْسِدا كَفَّارا)
(سوفَ تَأتيه غيرةٌ منكَ حَتَّى
…
يتمنَّى أَن لم يُثِرْ مَا أثارا)
(فأغِثْ عِتْرةَ النبيِّ وبادرْ
…
وزدِ الظالمينَ مِنْك خَسَارا)
(وأرِحْهُمْ من اليزيديِّ واجعلْ
…
دَاره بالخرابِ أَرْضًا دمَارا)
(وارحمِ الناسَ إِنَّهُم قد أذيقوا
…
مِنْ أَذَاهُ مَا لم تذقه الأسارَى)
(ولكَ الأمْرُ فاقضِ مَا أنتَ قاضٍ
…
فَهُوَ واللهِ يستحقُّ النارا)
(قَسَمًا بالحطيمِ والركنِ والبيتِ
…
الَّذِي رَبُّهُ يقيلُ العِثَارا)
(وبِآلِ النبيِّ والصحبِ والأحزابِ
…
طُرًّا والسادةِ الأخيارا)
(قد خبأنا لَهُ سهامَ اللياليِ
…
وشدَدْنَا القِسيَّ والأوتارا)
(واستعنا بأعظَمِ الناسِ جاهاً
…
واتخذْنَا ضريحَهُ مستجارا)
(يَا نبيَّ الهدَى أغثنا سَرِيعا
…
قد أَضَرَّ العدا بِنَا إضْرَارا)
(نحنُ قومٌ بك استَجْرَنا فنِلْنَا
…
بمعاليكَ رَحْمَة وجِوَارا)
(شاعَ فِي سائِرِ الجهاتِ الَّذِي قَدْ
…
كَانَ فِينَا وطَبَّقَ الأقطارا)
وَكَانَ الشريف أَبُو نمى جم الْفَضَائِل حسن المشائل مَحْمُود السِّيرَة طَاهِر السريرة قطب زَمَانه بِلَا خلاف عَادل وقته فَلَا سَبِيل فِي زَمَنه إِلَى الاعتساف لَهُ النثر الرفيع الْفَائِق وَالنّظم البديع الرَّائِق وَصِفَاته حامعة شتات كل فَضِيلَة وخصاله محمودة جميلَة وَمن صِفَاته الحميدة المتوارثة لَهُ عَن آبَائِهِ الْكِرَام رِعَايَة ذَوي الْبيُوت الْقَدِيمَة وإعراضه عَن الأفاقين فَإِن ذَوي الْبيُوت كَانُوا عِنْده فِي أوج الإعزاز وَالْإِكْرَام يظْهر مناقبهم وَيسْتر مثالبهم وَكَانَ يخصهم من بَين الْأَنَام بالتحية وَالْقِيَام وَلَا يفرح غَيرهم بقيامه لَو أَنه شيخ الْإِسْلَام فَلهَذَا كَانَت الْأُمُور مضبوطة وَالْأَحْوَال بِوُجُوه الصَّوَاب منوطة فطالما التمس مِنْهُ أَعْيَان دولته الْقيام لجَماعَة لَا يكونُونَ من ذَوي الْبيُوت بعد أَن صَارُوا من أهل الْإِفْتَاء فَلم يجب التماسهم وَلم يضْبط عَلَيْهِ ذَلِك لِئَلَّا يكون النَّاس على حد سَوَاء فَمَا أجدره بقول الْقَائِل // (من الْبَسِيط) //
(للهِ درُّ أنو شروانَ مِنْ ملكٍ
…
مَا كَانَ أعرفَهُ بالعَالِ والسَّفلِ)
وَلم يفته أَن جبر الخواطر مَطْلُوب بل هُوَ عَارِف بِمَا هُوَ أدق من ذَلِك مِمَّا تكنه الْقُلُوب غير أَنه علم مَا يَئُول إِلَيْهِ ذَلِك من الْفساد وتجرؤ الأنذال بمساواتهم لأكابر الْبِلَاد وترتب حُصُول الْجور فِي الْعباد فقد قيل // (من الوافر) //
(وتجتنبُ الأسودُ ورودَ ماءٍ
…
إِذا كَانَ الكلابُ يَلغْنَ فِيهِ)
فَهَذَا من سياسته الَّتِي يحفظ بهَا الْملك ويدوم فقد قَالَ تَعَالَى تِلْكَ الرُّسُل {فَضلنا بَعضهم على بعض} الْبَقَرَة 253 الْآيَة وَقَالَ عليه الصلاة والسلام أمرت أَن أنزل النَّاس مَنَازِلهمْ وَالْحكمَة فِيمَا كَانَ يصنعه الشريف تبعا لأسلافه أَن ذَوي الْبيُوت قد عرفت مَوَدَّتهمْ وإخلاصهم من عروق أسلافهم الأقدمين الثابتي الأساس وانطباعهم على صدق الْمحبَّة والوداد فَإِن الْعرق دساس فَكَانُوا جديرين بِهَذِهِ المزية وَلَو لم يكن فيهم شَيْء من الْفَضَائِل إِلَّا مَا ألف مِنْهُم وَعرف عَنْهُم من الشَّمَائِل وَأما غَيرهم لَو أَنه أعلم أهل زَمَانه فَلم تُوجد فِيهِ هَذِه المزية وَرُبمَا يكون إكرامهم سَببا لحُصُول الأذية قلت هَذَا قَول أَحْمد الْفضل نَاقِلا لَهُ عَن الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَهُوَ كَمَا ترى قَول جَائِر فى الْقَضِيَّة صارد عَن روية بزلال الْحق غير روية وطوية على الحقد والحسد مطوية وحاش لله أَن تكون صفة مَوْلَانَا الشريف ذَلِك وعادته تِلْكَ مَعَ أُولَئِكَ إِذْ كَيفَ يسوغ لمولانا إِلْغَاء صفة الْعلم مِمَّن اتّصف بهَا من الأفاضل الْأَعْلَام فَلَا يعظمه بِسَبَبِهَا كَمَا قَالَ هَذَا الشَّخْص وَلَو أَنه شيخ الإٍ سَلام وَلَا يعْتَبر إِلَّا ذَلِك الود بِفَرْض وجود المستور فِي حبات الْقُلُوب وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك علام الغيوب حماه الله من ذَلِك مَعَ علمه رحمه الله بِأَن الْمَرْء بأصغريه قلبه وَلسَانه فَهُوَ تَحت طي لِسَانه لَا تَحت طيلسانه وَأغْرب من هَذَا كُله قَوْله وَلَو لم يكن فيهم شَيْء من الْفَضَائِل فَمَا أحقه بقول الْقَائِل // (من الطَّوِيل) //
(إِذا كَانَ لَا عِلْمٌ لديْكَ تفيدُنَا
…
وَلَا أنْتَ ذَا دِينٍ فنرجُوكَ للدِّينِ)
(وَلَا أنْتَ ممنْ يُرْتَجَى لكريهةٍ
…
جعلنَا مِثَالا مثلَ شخصِكَ مِنْ طِينِ)
فَإِذا لم يكن الشَّخْص فِيهِ فَضِيلَة ذاتية والود لَا يُعلمهُ إِلَّا عَالم الْخفية لم يبْق سَبَب للإجلال وَالْإِكْرَام والتحية وَالْقِيَام إِلَّا كبر العمائم وَطول الأكمام والاعتماد على رفات الْعِظَام من الْآبَاء والأعمام وَلَا ينْهض ذَلِك عِنْد رعاع
الْعَوام فضلا عَمَّن هُوَ لسادات الْأَنَام إِمَام أبي نمي الْهمام فَالْحق إِعْطَاء الْعلم واجبه لكل إِنْسَان كَائِنا من كَانَ ثمَّ إِن كَانَ مَعَ فَضِيلَة ذَاته لَهُ فَضِيلَة سلسلة علم وبيتوتة تكلل تَاج مجده دُرَر الْفَخر وياقوته ثمَّ أَنْت ترى قبح مَا أوردهُ وتمثل بِهِ فِي مُرَاده ووخامة شَاهده فِي استشهاده وتشبيهه نَفسه وَأَمْثَاله بالأسود وَغَيره بالكلاب وَسيد الْجَمِيع بِالْمَاءِ المورود فَأَيْنَ الذكاء والفهم لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ كَانَ ابْتِدَاء حَادث الْمحمل الْيَمَانِيّ والمحدث لَهُ الْوَزير مصطفى باشا النشار المستولى على الْيمن من جِهَة السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان وَكَانَت ولَايَته لَهُ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فوصل إِلَى مَكَّة أَمِيرا على الْمحمل الْمصْرِيّ فحج ثمَّ رَجَعَ بالمحمل وَالْحجاج الْأَمِير مُرَاد بك ثمَّ توجه مصطفى إِلَى الديار اليمنية فأحدث الْيَمَانِيّ وَجعله كالمحملين وَمَعَهُ خلعة من جَانب السلطنة الشَّرِيفَة فبرز مَوْلَانَا الشريف لملاقاة الخلعة إِلَى بركَة الماجن ثمَّ وصل هُوَ والأمير والمحمل إِلَى أَن حَاذَى الشريف دَاره فَدَخلَهَا وَتوجه الْأَمِير وَنزل عِنْد سفح الْجَبَل الَّذِي على يَمِين الدَّاخِل إِلَى مَكَّة من ثنية الْحجُون وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن بطلت الخلعة والمحمل من سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَذَلِكَ مسبب عَن وُقُوع الْفِتَن القوية واشتغال الدولة العثمانية بِقِتَال أَعدَاء الله وإعلاء كَلمته الْعلية وَلَا بُد لليمن من عطفة لَيْسَ فِيهَا تؤدة وَلَا رأفة وَفِي سنة 985 خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة كَانَت وَفَاة السَّيِّد الأكرم السَّيِّد بَرَكَات بن أبي نمي جد ذَوي بَرَكَات الْأَقْرَب قَالَ الْعَلامَة الفهامة الشَّيْخ عَليّ الشهير بالجم دخلت على وَالِده مَوْلَانَا الشريف أبي نمي معزيا لَهُ فِيهِ فانهلت عبرته فَأَخذهَا بمنديل كَانَ فِي يَده فَأَنْشَدته ارتجالاً بَيْتَيْنِ يتضمنان تَارِيخ وَفَاته فَقلت // (من الْكَامِل) //
(يأيها الملكُ العزيزُ ومَنْ رَقَى
…
هَامَ الْعلَا رَفَعَ المهيمنُ شانَهُ)
(لَا تَبْكِ مرحوماً أتَى تاريخُهُ
…
بركاتُ أنزلهُ اللطيفُ جنانَهُ)
فسر بذلك وسُرًى عَنهُ بعض مَا كَانَ
وَفِي سنة 990 تسعين وَتِسْعمِائَة ضحوة يَوْم الْأَحَد تَاسِع صفر مِنْهَا كَانَت وَفَاة مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف قَاضِي قُضَاة الْإِسْلَام وناظر النظار بِبَلَد الله الْحَرَام مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن بن أَحْمد الْمَالِكِي بِالطَّائِف فِي الْقرْيَة الْمُسَمَّاة بالسلامة وَوصف بالشهيد لذَلِك وعد من ألقابه الَّتِي وصف بهَا على زَمْزَم وَلما بلغ مَوته ضِدّه مرزا شلبي قَالَ سُبْحَانَ الله عَاشَ هَذِه الْمدَّة فِي مَكَّة ثمَّ لم يمت إِلَّا خَارِجهَا وأرخ ذَلِك بقوله حل عَام الْخَيْر نعود بِاللَّه من الْحَسَد وَأَهله وَوَافَقَ تَارِيخ وَفَاته فِي تَاسِع صفر من السّنة الْمَذْكُورَة لفظ تسع فِي صفر وفيهَا أَيْضا كَانَت وَفَاة الْعَلامَة الشَّيْخ قطب الدّين النَّهر والى مفتي السَّادة الْحَنَفِيَّة يَوْم السبت السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الثَّانِي مِنْهَا وَقت أَذَان حزورة عِنْد الْفجْر الثَّانِي فأرخ بعض الْفُضَلَاء ذَلِك بقوله قد مَاتَ قطب الدّين أجل عُلَمَاء مَكَّة قلت قد حسبته فَوَجَدته يزِيد على سنة الْوَفَاة وَاحِدًا وَمثل ذَا يغْتَفر عِنْد المؤرخين على خلاف الرَّاجِح مِنْهُ عدم الاغتفار مُطلقًا فَيصير التَّارِيخ هَكَذَا قد مَاتَ قطب الدّين جلّ عُلَمَاء مَكَّة وَلَا شكّ أَن الْمَعْنى الأول يَزُول حِينَئِذٍ ويتحول وَمَا زَالَ مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي منعم البال ممتعاً بالأولاد والآل مُجْتَمع الشمل فِي سَائِر الْأَحْوَال مكفي الْأُمُور دَائِم السرُور بِقِيَام وَلَده الشريف حسن بأعباء الْملك والخلافة مظْهرا فِي الرعايا عدله وإنصافه سَالِمَة ممالكه من المخافة إِلَى أَن دَعَاهُ دَاعِي الْحق فلباه وانتقل من هَذِه الدَّار إِلَى دَار كَرَامَة مَوْلَاهُ لَيْلَة تاسوعا افْتِتَاح سنة 992 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة بِالْقربِ من وَادي البيار من جِهَة الْيمن فَحمل إِلَى مَكَّة وجهز وَصلى عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر فِي الْمَسْجِد الْحَرَام عِنْد بَاب الْكَعْبَة الأفندي مرزا مخدوم وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ قبَّة مَوْجُودَة عَلَيْهَا أوقاف محدودة وتخلف وَلَده الشريف حسن لحفظ الْبِلَاد وقطعاً لدواعي الْفساد وَجعلت لَهُ ربعَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وبالتربة حضرها الشريف حسن وَإِخْوَته وَجَمِيع الْأَشْرَاف والأعيان من أهل مَكَّة والعربان قدس الله روحه وَنور ضريحه وَعمر الشريف أبي نمي ثَمَانُون سنة وَشهر وَاحِد وَيَوْم وَاحِد وَمُدَّة ولَايَته مشاركاً لِأَبِيهِ ولولديه الشريف أَحْمد والشريف حسن ومستقلاً نَحْو ثَلَاث وَسبعين سنة
وَكَانَ رحمه الله صَاحب خيرات متواترة ومبرات كَثِيرَة متكاثرة أسس لأبنائه معالم الْكَرم وحثهم على شرِيف المناقب والشيم نسج بَينهم الْمَوَدَّة على منوال الصَّفَا وَحَملهمْ على الصدْق فِيمَا بيهم والوفا وَبنى بِمَكَّة رِبَاطًا للْفُقَرَاء الذُّكُور ورباطاً للنِّسَاء الشرائف وأوقف عَلَيْهِم أوقافاً إِلَى الْآن جَارِيَة فِي صحائفه وَكَانَ لَهُ جملَة من الْأَوْلَاد مِنْهُم أَحْمد وَالْحسن وثقبة وبركات وَبشير وراجح وَمَنْصُور وسرور وناصر وصالحة وشمسية وغبية وصليبة وموزة وَرَايَة وَغَيرهم قلت وَرَأَيْت نتفة لبَعض شعراء ذَلِك الزَّمَان وَلم ينسبها الْكَاتِب إِلَى شخص بِعَيْنِه وَهِي فِي الشريف أبي نمي أَحْبَبْت ذكرهَا هِيَ // (من السَّرِيع) //
(يَا فارسَ الخيلِ فهرْتَ العدا
…
ألتُّرْكُ والعُرْبَانُ والتُّرْكَمَانْ)
(مَوْلَاك أعطاكَ خِصالاً بهَا
…
أصبحتَ فى الناسِ فريدَ الزمانْ)
(قأنتَ فِي حلْمٍ بعيد المدى
…
قَرِيب إحسانٍ وحُلْو اللسانْ)
(فَلَا تَخَفْ مِنْ بعد ذَا كربةًِ
…
فَمَا قَضَاهُ اللهُ بالأمْرِ كانْ)
(فاللهُ يبقيكَ لنا آمنا
…
كَمَا أذقْتَ الناسَ طَعْمَ الأمانْ)
قلت قد أبان هَذَا الشَّاعِر عَن فضاخة اللِّسَان لَا فَصَاحَته وضيق الْبَيَان لَا فساحته إِلَّا أَنه يدْخل عَن الِاعْتِرَاض فِي أَمَان بَيت الْأمان فَلَعَلَّ أَن يمحو الْإِسَاءَة الْإِحْسَان فسبحان خَالق الْإِنْسَان وَقَالَ الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الزمزمي مُعَارضا قصيدة ابْن خطيب داريا الَّتِي مطْلعهَا // (من السَّرِيع) //
(قُمْ عاطِنى الصهباءَ يَا مُؤْنِسِي
…
)
وَكَانَ هَذَا الْإِعْرَاض بإلزام لَهُ من مَوْلَانَا الشريف أبي نمي فَقَالَ يمدحه ويهنيه بعرس ابْنه الشريف أَحْمد بن أبي نمي // (من السَّرِيع) //
(لِيَحْتَسِ الصَّهْبَاءَ من يحتَسِي
…
حَسْبى لمَى مرشفِكَ الألعْسِ)
(حل فأطلقْ مِنْهُ كأْسِى وَلَا
…
توحشْ بِحَبْس الكأس يَا مُؤْنِسِي)
(مِنْ طرفِكَ الوسنانِ والخَدِّ مَا
…
يهزأُ بالوردِ وبالنرجسِ)
(وجهُكَ لي روضٌ جديدٌ إِذا
…
أخلقَتِ الأرْضُ القبا السندسِي)
(رنحت قَدَّا قَالَ للغصْنِ مِنْ
…
عِطْفى استعِرْ لينًا ومثلي مِسِ)
(غَرِّدْ لنا واشْدُ فها أنْتَ مِنْ
…
شعركَ كالشُّحْرُورِ فِي بُرْنُسِ)
(أنتَ سميري ونديمي فلِي
…
فاكهةٌ من لفظِكَ الاكْيَسِ)
(ضوءُكَ فِي جنحِ الدجَى ساطعٌ
…
فذكْرُ ضوء الشمْعِ مَعَه نُسِي)
(فيكَ جميعُ البسطِ يَا فَاتَنِي
…
بسط إِذا خلتك فِي المجلِسِ)
(لقد صفا العَيْشُ بسفْحِ الصَّفَا
…
وأحْسَنَ الصنعَ الزمانُ المُسِي)
(فعاطِنِى من فيكَ مسكية
…
ينفحُ مِنْهَا الطيبُ فِي المعطسِ)
(وَاجْلُ صدا نَفسِي بأنفاسِهَا
…
فَإِنَّهَا تجلُو صدا الأنفُسِ)
(لَهَا حبابٌ من ثناياك قَدْ
…
حكتهُ شهبُ الفُلُكِ الأطْلَسِ)
(طَاهِرَة طِبْت وطابَتْ فَلم
…
يحرمْ تعاطيها وَلم تنجسِ)
(تِلْكَ سُلافى لَسْتُ مِنْ غَيرهَا
…
أرتشفُ الراحَ وَلَا أحتَسِي)
(مَا لي وللخمْرِ وشرَّابِهَا
…
إياكِ يَا نفْس بهم تَأْتَسِي)
(منْ كلِّ سفسافٍ إِذا سَفَّها
…
يبذي ويَهْذِى ثمَّ لَا يَنْبِسِ)
(قد نجسوا مِنْهَا فَلم يفكروا
…
فى نَجِسِ الماءِ وَلم ينجسِ)
(أخبارُهَا قد دُرسَتْ بَينهم
…
فِي كتُبٍ يَا ليتَ لم تُدْرَسِ)
(حديثهُمْ فُحْشٌ وجهلٌ فَلَا
…
تسمعُ لَا أُفْتِ وَلَا أدرسِ)
(للهِ أوقاتٌ تقضَّتْ لنا
…
معْ كلِّ شهمٍ فكِه كيسِ)
(ونحنُ فِي مجلسِ أنسٍ بِهِ
…
أَبُو نميِّ صَاحب المجلسِ)
(سلطانُ أقطارِ الحجازِ الَّذِي
…
بِغَيْرِهِ الأقطارُ لم تحرسِ)
(مولى لَهُ ذوقٌ وفهمٌ فَفِي
…
مجلسِهِ الآدابُ لم تبخسِ)
(للفضلِ سوقٌ عِنْده نافقٌ
…
لكلِّ مثرٍ مِنْهُ لم يفلسِ)
(للهِ أخلاقٌ لَهُ سمحةٌ
…
تقولُ للضيفِ إدْنُ واستَأْنِسِ)
(أَيْأَسَنِى دَهْرِى فلمَّا رنا
…
إِلَيْهِ قَالَ ارْجُ وَلَا تَيْأَسِ)
(ينسى الَّذِي يوليكَ مِنْ فَضله
…
لكنْ ثناه شائعٌ مَا نُسِي)
(أعداؤُهُ دنسهم لؤمهُمْ
…
وعرضُهُ الأبيضُ لم يدنسِ)
(إِن عدَّتِ الفرسانُ فَهْوَ الَّذِي
…
يدعَى غداةَ الروع بالأفرسِ)
(هُوَ المليكُ الممتطِى صهوةً
…
من المعالِى قَطُّ لم تمسسِ)
(تدبيرُهُ الملكَ لَهُ ديْدَنٌ
…
فَلم يَنَمْ عَنهُ وَلم ينعسِ)
(كُلُّ عزيزٍ ذلَّ من بأسِهِ
…
وهابه الروميُّ والشركسِي)
(سلِ النصارَى عِنْد مَا قارَبُوا
…
جدة عَن جدهم الأتعسِ)
(مَاذَا الَّذِي نَكَّسَ أعلامهم
…
عَنْهَا نَعَمْ لولاه لم تنكسِ)
(ثمَّ انثنَوْا للهندِ والرعْبُ فِي
…
قلوبهمِ سَارَ إِلَى قبرسِ)
(نُصِرْتَ بالرعبِ عَلَيْهِم وَلم
…
لَا بأبيكَ المصطفَى تأتسي)
(فاستبعَدُوا الأقرَبَ واستَقْرَبُوا الأبعَدَ
…
من طورهمُ الأقدسِ)
(أتَوْكَ كالبَحْرِ فصاروا لدَى
…
بحركَ كالحسوةِ للمحتسِي)
(أتاهُمُ أنكَ فِي قوةٍ
…
من العوالي والظبا والقِسِي)
(أعددتَّ جَيْشًا لَو بهم بحره
…
أحاطَ لم يَنْجُوا من المغطسِ)
(وكلُّ طرفٍ سَابق سابح
…
فِي لج بحرٍ النَّقْع لم يغطسِ)
(يفترسُ الْأسد على ظهرِهِ
…
من الأعادِى كلٌ مستفرسِ)
(هُمْ كأسودِ الغابِ لكنَّها
…
دونهُمُ فِي شرسِ الأنفسِ)
(من حسنٍ يَنْمُو إِلَى سَيِّدٍ
…
لَهُم هِزَبْر فِي الوغَى أحمسِي)
(نجومُهُمْ دارتْ على أبلجٍ
…
كبدرِ تمِّ بالسنا مكتسي)
(مِنْ دوحةٍ ثابتةٍ غضةٍ
…
والأصلُ مِنْهَا طيبُ المغرسِ)
(تنمى إِلَى السبطَيْنِ مِنْ فاطمٍ
…
أكرِمْ بِهِ من نسبٍ أقعسِ)
(يَا ملكا لَو قابَلَ السَّعْد من
…
غرته كيوان لم ينحسِ)
(إنْ يبسَ الدهْر عَلَى أهلِهِ
…
أمّوا فِناءً مِنْك لم ييبسِ)
(محسنُهُمْ تحسن فِي حقِّه
…
وَإِن أساءوا لسْتَ ممنْ يُسِي)
(كنتَ لنا نجم حمى أفْقنا
…
شهابُهُ من ماردٍ أشرسِ)
(يَا لَكُمَا مِنْ ملكَيْ كورةٍ
…
قد كسياها أَفْخَرَ الملبسِ)
(يَا لَكمَا من فارسَيْ غارةٍ
…
من خسياه فِي مغارٍ خُسِي)
(يَا لَكمَا من قائدَيْ عسكرٍ
…
حديدُهُ منْ نقعه مكتسِي)
(شمساً وبدراً ينفعان الورَى
…
نورهما يجلو دُجَى الحندسِ)
(أَبُو نميِّ وابنُهُ أحمدٌ
…
ألقسوريُّ الخشنُ الملمسِ)
(زُفَّتْ لَهُ غيداءُ خرعوبةٌ
…
عذراءُ لم تطمثْ وَلم تمسسِ)
(ليهنِهِ هَذَا الزواجُ الَّذِي
…
أبهَجَهُ بالرشأ الألعسِ)
(لَا زَالَ فِي عيشٍ لذيذٍ بهَا
…
ودامَ من قَهْوتها محتسِي)
(فاحفظْ علينا الأصْلَ والفرْعَ يَا
…
رب وحُطْ ملكهمَا واحرسِ)
(يَا مَنْ بِهِ الشعْرُ سما ذرْوَة
…
على دراري الفلكِ الأطلسِ)
(هاكَ قريضاً أنتَ أدرَى بِمَا
…
فِي سلكِهِ من جوهرٍ أنفسِ)
(أمرتَنِى أنظمُ شعرًا على
…
قُمْ عاطِنى الصهباءَ يَا مُؤْنِسِي)
(فقمْتُ مرتاحاً إِلَى نظمِهِ
…
وَلم أحلْ عَنهُ وَلم أخنسِ)
(فَحَبَّ هَذَا الْأَحْسَن الوَقْع من
…
شِعْرِى لَدَى إصغائِكَ الأكيسِ)
(أَو لَا فعُذرى أنني عاجرٌ
…
وفيكَ يُوفي خبْرَة الكيسِ)
(أنمر مِنْ مدحِكَ حَتَّى غَدا
…
طَلْقُ لساني فِيهِ كالأخرسِ)
(أيُّ فصيح فِيك يَرْجُو القَضَا
…
وَلم يَعُدْ كالألكَنِ المبلسِ)
(فعشْ لنا دهراً ودُمْ للعلا
…
والمدْح للراح وللأكؤسِ)
(مَا دُمْت للإقبال رَأْسا وَمَا
…
دامَتْ مواطيك على الأرؤُسِ)
وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن باكثير وَقد اقترح عَلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي مُعَارضَة قصيدة الطَّيِّبِيّ الخمرية الَّتِي مطْلعهَا // (من الْخَفِيف) //
(بَرَزَتْ فِي الكئوسِ كالإبريز
…
)
فعارضها على الْبَحْر والقافية وَالْمعْنَى واستخلص فِي مدحه فَقَالَ وَذَلِكَ سنة 949 تسع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة // (من الْخَفِيف) //
(خَطَرَتْ فِي مثَقفٍ مهزوزِ
…
كَمْ بِهِ من متيَّمٍ موكوزِ)
(ورنَتْ فانتضَتْ حساماً تحلَّى
…
جفْنه من حلاوةِ التلويزِ)
(سِحْرُ هاروتِهِ يخيلُ مَاء
…
ولهيباً فِي خَدّها الإبريزِي)
(وبتخييله تَبَلَّه قلبِي
…
فِي هَوَاهُ وجُنَّ عَقْلِي الغريزي)
(ودموعي تَسَلْسَلَتْ فشفائي
…
باللقا لَا بطلسمٍ وحروزِ)
(أَو بصهباء رِيقهَا حينَ تجلى
…
للندامَى بثغرها لَا بكوزِ)
(أَو بظلمٍ يسقى زهور أقاحٍ
…
نابتٍ فِي وِشَاحها الفيروزي)
(أَو بشهدٍ من الشفاه حلاه
…
لم تَشُبْهُ مرارةُ التمزيزِ)
(أَو بريقٍ من الثَّنية يُطْفِي
…
من حَشا مهجتي لَظَى تمّوزِ)
(أَو بإحداقها إِذا مَا أدارَتْ
…
كاسَ غنجٍ من خمرةِ التغميزِ)
(أَو بساجي لحاظها حِين تُومِي
…
لوصالي بخافياتِ الرموزِ)
(أَو براح فِيهَا ارتياحٌ لروحي
…
وشفاءٌ لقلبي الموخوزِ)
(آهِ لَو ساعَدَ الشبابُ عَلَيْهَا
…
والليالي وَمُوجب التجويزِ)
(كُنْتُ دهقانَهَا الخبيرَ وكانَتْ
…
فِئَة البسطِ فِي يديَّ وحوزِي)
(غير أنَّ الْجَوَاز عزّ ورأسى
…
سابَ والدهْرُ مر قيزاً بقيزِ)
(فتحامَيْتُهَا وَإِن كَانَ أَمْرِي
…
باحتساها أَمْر المبيحِ المجيزِ)
(خمرةٌ مدت الْحباب شباكاً
…
لاقتناصِ اللذاتِ وقتَ النهوزِ)
(هَاتِهَا لي تَنْفِي الهمومَ وتُوفِى
…
لِىَ وعدَ السرورِ بالتنجيزِ)
(هاتِها لي شَمْسًا مغيب سناها
…
فِي فؤادى وبرجها قطر ميزي)
(هَاتِهَا لي روحاً من النارِ حَلَّتْ
…
جِسْمَ نورٍ لظاه طب أزيزي)
(هَاتِهَا تعبدُ المجوسُ لظاها
…
ليلةَ المهرجانِ والنيروزِ)
(هَاتِهَا ذَوْب عسجدٍ فِي لُجَيْنٍ
…
ظفرَتْ مِنْهُ راحتي بالكنوزِ)
(هَاتِهَا قد غَنِيتُ مذ صَار خمري
…
مِنْ نضارٍ أكتاله بالقفيزِ)
(هَاتِهَا لي قد ضاعَ تمييزُ عَقْلِي
…
مُنْذُ هَمَّتْ من كاسها بالبروزِ)
(هَاتِهَا لي أدورُ فِي لَيْلِ سُكري
…
بسراجٍ مِنْهَا على تمييزِي)
(هَاتِهَا فالتهابُهَا بند جيشٍ
…
مِنْ صدا القلبِ هَمَّ بالتبريزِ)
(هَاتِهَا لي فَلَو بَدَتْ جنحَ ليلٍ
…
خرقَتْ أفقَ أدمِهِ المخروزِ)
(هَاتِهَا لي صفراءَ فِي جامِ تبرٍ
…
تتهادَى فِي حُلَّةِ هرموزِ)
(هَاتِهَا لي عروسَ دَنِّ تجلَّتْ
…
من لآلي حبابِهَا فِي حروزِ)
(هَاتِهَا لي كالشمْسِ تجلى بكاسِ
…
كضياءِ النهارِ من غيرِ ميزِ)
(هَاتِهَا لي تروي عظامِى وتسقِي
…
من حشاىَ نَبَات أرضٍ جروزِ)
(هَاتِهَا لي من لَام فِيهَا إِذا مَا
…
صَدَحَ الديكُ فَهُوَ فى توزيرِ)
(هَاتِهَا لي فالعيشُ عصرُ شرابٍ
…
أَو شباب يفنى بشمطا عجوزِ)
(هَاتِهَا لي فالعمر من غيرِ راحٍ
…
أَو رداح يمرُّ بالتجليزِ)
(هَاتِهَا لى فلَثْمُ درّ جباب
…
أَو حبيب يُغني عَن التعويزِ)
(هَاتِهَا لي صرفا ومزجاً بظلْمٍ
…
بَين دُرِّ وسط اللمى مغروزِ)
(هَاتِهَا لي فليسَ بَين نداما
…
ى وحُورِ الجنانِ من تمييزِ)
(هَاتِهَا لي فإنني بَين بدرٍ
…
وكثيبٍ وأسْمَرٍ مهزوزِ)
(هَاتِهَا لي فإنَّ عِنْدِي هلالاً
…
فَوق غصْنٍ على نقا مغروزِ)
(هَاتِهَا لى فمجلسى فِيهِ رُمَّانُ
…
نهودٍ حَلَوْنَ من تمزيزِ)
(هَاتِهَا كم لَدَيَّ من حُقِّ نهدٍ
…
تحتَ مسمارِ عنبرٍ ملزوزِ)
(هَاتِهَا لي وَلَو كبرتُ وأحنَتْ
…
قوسَ ظَهْري سيخوخةُ التعكيزِ)
(هَاتِهَا لي وَلَو هرمْتُ وأوهَى
…
حمل كاسى يديَّ من تعجيزِ)
(هَاتِهَا لي وَلَو وهَتْ قُوَّة الشّرْبِ
…
فحسبي مِنْ كاسها تمزيزِي)
(هَاتِهَا لي وَلَو تدانَى حِمَامي
…
وتداعَى صحبى إِلَى تجهيزِي)
(هَاتِهَا لي فمخلصي مِنْ خطاها
…
فِي معادي مدح المليكِ العزيزِ)
(ذِي الْمَعَالِي أَبى نُمَيِّ تعالَى
…
عَن بسيطٍ من الثنا ووجيزِ)
(ملكٌ فاق ملكُهُ ملكَ سابورَ
…
وكِسْرَى وقيصرٍ وابرويزِ)
(ملكٌ لَا يزالُ كفُّ الثريا
…
من معاليه آخِذا بالغروزِ)
(ملكٌ قد أبانَ للمجْدِ معنى
…
كَانَ لَوْلَا علاهُ كالملغوزِ)
(ملكٌ قالتِ السما لعُلَاه
…
قد خفضتي فَبِي قفي أَو فجوزِي)
(ملكٌ قَالَ دهره لليالي
…
ذَا مليكٌ بمثلِهِ لَنْ تفوزِي)
(هُوَ تاجٌ لمفرقِى وطرازٌ
…
مِنْهُ عِطْفى قد زينَ بالتطريزِ)
(نبويُّ الأنوارِ نورُ مُحَيَّاهُ
…
يزيحُ الظلامَ من تبريزِ)
(نشرَتْ فَوْقه النبوةُ بنداً
…
خافقاً بالتكريمِ والتعزيزِ)
(لَا يسامي وَلَا يُطَاولْ عُلَاهُ
…
غَيْرُ فدمٍ بغيِّه منبوزِ)
(هُوَ يَبْدُو فِي خلعةِ الملكِ سَام
…
والمسامي فِي بِذْلَةِ الملموزِ)
(فخرُ كلِّ الملوكِ مِنْهُ وكل
…
خصَّ مِنْهُ بمفخرٍ مفروزِ)
(يبهر العقلَ فَهُوَ فِي التخْتِ بدرٌ
…
وَهُوَ ليْتٌ فِي لاذِهِ المدروزِ)
(صَار فولاذُهُ أخفَّ وأحلَى
…
فَوْقه مِنْ موشياتِ الخزوزِ)
(ترجفُ البيضُ مِنْهُ والدهْرُ يُمْسِي
…
فرْعًا من سطاهُ فِي تفزيزِ)
(مستجيراً بِهِ وإنْ رام فعلا
…
فِي البرايا فمنْهُ كالمستجيزِ)
(بالتجاريبِ والظبا والعطايا
…
منفدُ الدهرِ والعدا والركيزِ)
(تضحكُ البيضُ حِين تنظر قوسي
…
جاجبَيْهِ بالغيظِ فِي تكييزِ)
(وَإِذا مَا استهلَّ تبْكي من المالِ
…
عيونٌ من عسجدٍ مكنوزِ)
(فِي العطا والسطا وفى العَدْلِ والفضلِ
…
وعَمْرو وَمَا ابْن عبد العزيزِ)
(ولدَى حلمه وآرا نُهَاه
…
مَا ابنُ قيسٍ وَمَا نُهَى فَيْروزِ)
(ملأَ الأرضَ عدلُهُ فالرعايا
…
لَو تديمُ السرى إِلَى شهروزِ)
(هم مِنَ العدلِ فِي محلِّ حصينٍ
…
وَمن الأمنِ فِي مكانٍ حريزِ)
(أمنُوا فِي زمانِهِ الظلْمَ حَتَّى
…
أصبَحَ الذيبُ رَاعيا للمعيزِ)
(فاطميٌّ يرد صَرْفَ اللَّيَالِي
…
عزمُهُ لَو بفيلقٍ مِنْهُ غوزي)
(ويفلُّ الْخَمِيس والأُسْد فِيهِ
…
كنجوم السماءِ أَو رمل قوزِ)
(أرعف السمر بالدما فَلهَذَا
…
نحلَتْ من نزيفها بالنزيز)
(للطلا والكلا انتْشَار ونظْمٌ
…
بظباه ولَدْنِهِ المهزوزِ)
(مِنْ سَطَا الدهرِ فَهُوَ أوفَى مجيرٍ
…
ولوفْدِ الثناءِ أوفَى مجيزِ)
(من يقسه بالسحبِ يخطي وَيَغْدُو
…
ساخراً بالسحابِ فِي تطنيزِ)
(هِيَ تُعْطِي مَاء وتبكِى وَهَذَا
…
فِي ابتسامٍ يجودُ بالإبريزِ)
(خدمَتْهُ العلياءُ طَوْعًا وظلَّتْ
…
فِي إباءٍ لغيرِهِ ونشوزِ)
(كيفَ يُوفي الثناءَ فِيهِ قريضٌ
…
بعَروضٍ مقطعٍ محزوزِ)
(والكتابُ العزيزُ أثنَى عَلَيْهِ
…
بثناءٍ يَعْلُو عَن الأرجوزِ)
(وَله المصطفَى دَعَا بدعاءٍ
…
أمنتْهُ أُسْكُفَّةُ الإفريزِ)
(فعلى الخَلْقِ سعده لَو تجزا
…
لم تجدْ غير مسعد معزوزِ)
(يَا مليكاً قد جلَّ ذاتاً وَقدرا
…
عَن صريحِ الثناءِ والمرموزِ)
(فِي مراضيكَ قد سعى الدهْرُ طَوْعًا
…
لَك مِنْهُ من غَيْرِ مَا تكزيزِ)
(والتشاريفُ وُرْقُهَا بالتهاني
…
لَك تَشْدُو فِي نغمةِ النيروزِ)
(وبتخليدِ ملكِكَ الفلكُ الدائر
…
يَجْرِى فِي قُطْبِهِ المركوزِ)
(فَارْقَ فَرْقَ الْعليا وهاك قريضاً
…
ألبَسَ الغيرَ حُلَّةَ التعجيزِ)
(واستحقَّ التصدير فِي الْمجد فاعجبْ
…
لاجتماعِ التصديرِ والتعجيزِ)
(فعله فِي العقولِ فعلُ الحميَّا
…
وَتَعَالَى عَن حرمةِ التحجيزِ)
(من يفته سُكْرُ الطلا يلقَ فِيهِ
…
سُكْرَ من لَا بإهنة الحَدِّ جوزي)
(خَتمه الْمسك بِالصَّلَاةِ على مَنْ
…
خصَّ فى فتحِهِ بنصرٍ عزيزِ)
ولمولانا الشريف أبي نمي نَفسه مُعَارضا قصيدة التلعفري الَّتِي مطْلعهَا // (من الْكَامِل) //
(سَمَحَتْ بإرسالِ الدموعِ محاجري
…
)
فَقَالَ طَابَ ثراه // (من الْكَامِل) //
(نَامَ الخلىُّ فَمَنْ لجفني الساهرِ
…
إذْ باتَ سلطانُ الغرامِ مُسَامِرِي)
(جَفَتِ المضاجعُ جانبيَّ كَأَنَّمَا
…
شوكُ القتادِ على الفراشِ مباشِرِي)
(وتأجَّجَتْ نارُ الغرامِ وأضرمَتْ
…
بَين الجوانحِ فِي مكنِّ سرائرِي)
(وشجيتُ من ألم الفراقِ وخانني
…
صَبْرِى الوقىُّ على الخطوبِ وناصِرِي)
(أُفِّ على الدُّنْيَا فَمَا مِنْ معشرٍ
…
إِلَّا وأودَتْهُمْ بخطبٍ قاهرِ)
(فى كلِّ يومٍ للنوائبِ غارةٌ
…
أَيدي النوائبِ هنَّ أغدرُ غادرِ)
(خلَتِ المنازلُ من أُهَيْلِ مودتي
…
وهُمُ هُمُ فِي الحيِّ قُرَّة ناظرِي)
(أهلُ الصَّفَا بَين الصَّفَا وطويلعٍ
…
ملقى جِيَاد وفيض أشعب عامرِ)
(يَا أهل ودِّى لَو تروني بعدكُمْ
…
كغريبِ قومٍ بَين أَهلِي حائرِ)
(كَانُوا فبانوا ثُمَّ بَان تجلُّدي
…
ومصيرهم لَا بُدَّ مِنْهُ لصائِرِ)
(من بَعْد جيرانِ الصَّفَا أهلِ الوفا
…
سمحَتْ بإرسالِ الدموعِ محاجري)
وَقَالَ الْعَلامَة باكثير أَيْضا يمدحه ويمدح أَوْلَاده الشريف حسن وَالسَّيِّد ثقبة وَالسَّيِّد بَرَكَات وَالسَّيِّد رَاجِح وَالسَّيِّد بشير رحمهم الله أَجْمَعِينَ // (من الْخَفِيف) //
(أعيونٌ رَنَوْا بهَا أم صفاحُ
…
وقدودٌ ماسُوا بهَا أم رماحُ)
(وثغورٌ تلألأتْ أم بروقٌ
…
وثنايا تبسَّمَتْ أم أقاحُ)
(وبدورٌ تضئ فِي جنْحِ ليلٍ
…
أم شعورٌ فِيهَا وجوهٌ صباحُ)
(وعيونٌ جفونهن سيوفٌ
…
أم لحاظٌ أحداقها أقداحُ)
(وظباءٌ حلُّوا الغضا وأشبوا
…
نارَهُ فِي جوانحي أم ملاحُ)
(ومهاةٌ منهنَّ قد فوقَتْ لي
…
سهم قَوْسٍ من حاجبٍ أم رداحُ)
(غادةٌ عذبةُ المراشفِ لميا
…
فِي لماها شهْدٌ مذابٌ وراحُ)
(لي ببردِ الرضابِ مِنْهَا اغتباقٌ
…
وبظلمِ الشنيب مِنْهَا اصطباحُ)
(صاحِ مَالِي إِلَّا أبل أجاجاً
…
مِنْ دموعي والثغْرُ عذبٌ قراحُ)
(طفلةٌ لحظها يتيحُ المنايا
…
حينَ ترنو بِهِ عيونٌ وقاحُ)
(مدنفات تكسو المحبَّ سقاماً
…
فاتكات فهنَّ كسْرَى صحاحُ)
(فِي رديني قدها ولحاظَىْ
…
مقلتَيْهَا السيوفُ والأرماحُ)
(حكَتِ الغصنَ والمتيَّمُ مِنْهَا
…
شابه الورْق شجوه والنواحُ)
(وَهُوَ فِي حبها الأمينُ ولكنْ
…
خانه فِيهِ طرفُهَا السفاحُ)
(وَأَبُو طالبِ الْوِصَال فُؤَادِي
…
قد كواه مِنْ هجرها الضَّحْضَاحُ)
(إِن تفضْ مقلتي دَمًا لَا عجيبٌ
…
فحشايَ لقَدْ ملاه الجراحُ)
(عاذلى اقْصِرْ فلنْ يضرَّكَ غيٌّ
…
كَانَ منِّى وَلم يفدْكَ صلاحُ)
(لذَّ فِيهَا ذًُلِّى فعندي سواءُ
…
فِي هَواهَا الإفسادُ والإصلاحُ)
(إِن تثنَّتْ تريكَ غصناً وحقفاً
…
وَمَسَاء من تَحْتَهُ الإصباحُ)
(ردفُهَا قَالَ للكثيبِ تأخَّرْ
…
لستَ وَزْنى فلي عليكَ الرجاحُ)
(مسندات لنا اعتدالاً وجوراً
…
عَن قِنَا قَدِّها العوالي الصحاحُ)
(قد قَسَتْ مهجةٌ ورقَّتْ خدوداً
…
كَاد من لحظنا عَلَيْهَا انجراحُ)
(يعتريها الحيا فتخجَلُ لكنْ
…
جَفْنها يَعْتَرِيه مِنْهُ انفتاحُ)
(يَا لَهَا مِنْ عقليةٍ دون مرمَى
…
خدرِهَا كم غدَتْ وَمَا تستباحُ)
(طلبَتْ زورتي اختفاءً لئلَاّ
…
يعتريها من الوشاةِ افتضاحُ)
(كيفَ تُخْفى زيارتِى وَهِي شمْسٌ
…
والليالي ضياؤُهَا فضاحُ)
(من محيَّا أبي نميِّ أضاءَتْ
…
فَهُوَ بدْرٌ وكوكبٌ وصباحُ)
(ملكٌ جوهرُ الرسالةِ تاجٌ
…
لعلاه وللفخارِ وِشاحُ)
(قد تحلَّى بِهِ وَزَانَ حُلَاهُ
…
إتزارٌ بفخره واتشاحُ)
(وَبَنى فِي مفارقِ الملكِ دَارا
…
طابَ فِيهَا غدوةُ والرواحُ)
(حلَّ فِيهَا مراتباً مَا لفكْرٍ
…
لتمني إدراكهنَّ طماحُ)
(خدمته العلياءُ طَوْعًا وأمسَتْ
…
وَلها عَن سوى علاهُ جماحُ)
(وَله همةٌ يضيقُ بهَا الدَّهْرُ
…
وَفِي صَدْرِهِ لَدَيْهَا انفساحُ)
(لعلاها تعنو الدراريْ ولكنْ
…
حاسداها العوَّاءُ والنّطَّاحُ)
(راحتاه للصّيدِ مِنْهَا ارتياعٌ
…
مثل مَا للعفاةِ مِنْهَا امتياحُ)
(إِن يجد فالمَهَامِهُ الفيحُ بحرٌ
…
أَو يجلْ فالشمامُ بيدٌ فِسَاحُ)
(حِين يحمى الْوَطِيس والبيضُ تهمي
…
بالمنايا وتسلبُ الأرواحُ)
(وسعيرُ الوغَى يشبُّ جلاداً
…
لزنادِ المنونِ مِنْهُ اقتداحُ)
(وأسودُ الشرا يطافُ عليهمْ
…
كاس حَينٍ مزاجُهَا الأتراحُ)
(ووجوه الكماةِ والشوس فِيهِ
…
قد عراها مِنَ النزالِ كلاحُ)
(يرد الْحَرْب وَهُوَ طَلْقُ الْمحيا
…
ثابتُ الجأشِ بَاسِمٌ مِفْراحُ)
(ويبيدُ الجيوش والأسد فِيهِ
…
زمرٌ دون عدهنَّ البطاحُ)
(وَإِذا مَا وهَى من الدهرِ خطبٌ
…
أَو مُلِمٌّ من صَرْفِهِ فَدَّاحُ)
(لم يزلْ دجْنه ويجلوه إِلَّا
…
رَأْيه فَهُوَ ثاقبٌ قداحُ)
(مَا ذَوُو الشور فِيهِ إِلَّا ظباه
…
وقناه فَهُمْ لَهُ نصاحُ)
(ألمعيٌّ يكادُ بالحدسِ يدْرِي
…
مَا بِهِ قد جَرَى القضاءُ المتاحُ)
(طوَّقَ الخَلْقَ بالعطا فثناه
…
لَا لسانٌ إِلَّا بِهِ صدَّاحُ)
(ونداه فِي الخافِقَيْنِ يُلَبِّي
…
صَوت منْ شفَّه عَنا واجتياحُ)
(آيةٌ موسويَّةٌ فِي يدَيْهِ
…
للمعالي فِيهَا هُدًى واتضاحُ)
(فَهِيَ طوراً فِيهَا زلالٌ هني
…
وَهْىَ طوراً فِيهَا سِمَامٌ صُراحُ)
(ذاتُ ظهرٍ للاستلامِ وبطنٍ
…
فِيهِ للرزق والغنَى مفتاحُ)
(وسجاياه للزمانِ طرازٌ
…
نَضَّدَتْهُ بدرِّهَا المداحُ)
(عَلَّمْتهمْ مديحه حينَ ضَلَّتْ
…
فِي علاهُ الأفكارُ والأمداحُ)
(يَا مليكاً علَتْ حلاه فجلَّتْ
…
عَن قريضٍ فِيهِ ثَنَا وامتداحُ)
(أظهر الْملك من بنيك ملوكٌ
…
هم مصابيحُ أُفقِهِ حيثُ لاحوا)
(بل تراهم ضراغماً أبرزتْهُمْ
…
غابة المُلْكِ إذْ ألمَّ الكفاحُ)
(فَإِذا مَا انتضيتُمُ لضرابٍ
…
أثخنوه فَهُمْ لديك صفاحُ)
(وَإِذا مَا فوَّقْتَهُمْ فسهامٌ
…
صائباتٌ لمَّا تطيشُ القداحُ)
(وَإِذا مَا هززتَهُمْ لطعانٍ
…
جوَّدوه فهم يَقِينا رماحُ)
(سِيمَا مَنْ غزا وجاءَ بنصْرٍ
…
بالهنا فِيهِ عمَّتِ الأفراحُ)
(حسنٌ من بِهِ الممالك تزهو
…
ولكلِّ مِنْهَا إِلَيْهِ ارتياحُ)
(فبه روضُهُنَّ يثمرُ عدلا
…
ودُجَى الظلمِ مِنْ سَمَّاهَا يزاحُ)
(ملكٌ إِن غزا ملا الأرضَ جَيْشًا
…
وَإِذا مَا سخا ملاها السماحُ)
(زَاد تشريف مَكَّةٍ حِين أمسَى
…
وَهْوَ فِيهَا مليكُهَا الجحجاحُ)
(وَكَذَا طيبةُ الشريفةُ زادَتْ
…
مِنْهُ طيبا فعرفها فَيَّاحُ)
(رُبَّ عزمٍ يصيرُ المَاء جمراً
…
يستعيرُ المضاءَ مِنْهُ السلاحُ)
(فالقلاعُ المحصناتُ الرواسِي
…
مَا لَهَا غَيْرَ عزمه فتاحُ)
(بالخميس الَّذِي تميدُ الْأَرَاضِي
…
مِنْهُ يفنيه عضبُهُ البضاحُ)
(فَإِذا العادياتُ هيَّجْنَ نقعاً
…
وملا الجحفَلْينِ مِنْهُ الصياحُ)
(وأدارَتْ يَد الهياجِ كئوساً
…
لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْمنية راحُ)
(فتراه ثَبْتَ الجنانِ قَوِيا
…
جأشه معلما عراه انشراحُ)
(وَترى القَوْمَ مِنْهُ إِمَّا قتيلٌ
…
أَو صريعٌ قد أثخنته الجراحُ)
(مذ أحسَّتْ بغزوه القومُ آبوا
…
ولكلِّ مِنْ رعبه ذبَّاحُ)
(واستذلُّوا وأذعنوا وأطاعوا
…
ورأَوْا أَن قَتلهمْ يستباحُ)
(وأَتَوْا خِيفةً وإلَاّ لكانوا
…
جيفةً مَا ترَى لَهُم أشباحُ)
(ولأمسَتْ حصونُهُمْ دارساتٍ
…
دِمَنًا قد سَفَتْ عَلَيْهَا الرياحُ)
(ولأضْحَوْا قوتاً لكلِّ الضواري
…
للَّذي منسر لَهُ أَو جناحُ)
(ولسالَتْ مِنْهَا الدماءُ بحوراً
…
لمذاكيه كَانَ فِيهَا سباحُ)
(لكنِ العفْوُ مِنْهُ مذ كَانَ طَبْعٌ
…
وَله الصفْحُ شرعةٌ وصلاحُ)
(فَعَفَا رَافعا يَد القتْلِ عنهُمْ
…
وَله الخيلُ والظبا واللقاحُ)
(فهنيئاً لَهُ بنصْرٍ وفتحٍ
…
مَا لَهُ فِي الحروبِ عَنهُ براحُ)
(لم يزلْ مَالِكًا لَهُ أنتَ ظهرٌ
…
وَله صنوه الكريمُ جناحُ)
(ذُو الْمَعَالِي أَبُو شهَاب المرجَّى
…
مَنْ لَدَى جودهِ الغيوثُ شحاحُ)
(ثقبةُ الْملك والندا مِنْ علاهُ
…
لَا يدانَى وَمَاله مستباحُ)
(لم يزلْ فِي معارجِ المَجْدِ يرقَى
…
مَا لمجدٍ عَن راحَتْيهِ براحُ)
(روضةُ المكرماتِ مِنْهُ رباها
…
مزهر وَهْوَ قبله صَوَّاحُ)
(رَأسُ أهلِ العطا فكعبُ الأيادي
…
دونه مَا عَلَىَّ فِي ذَا جناحُ)
(أقْسَمَ الجودُ أَن تبرَّ نداه
…
لم يزلْ وَهُوَ هاطلٌ سحاحُ)
(قد روى عَنهُ نافعٌ ويسارٌ
…
وعطاءٌ وواصلٌ ورباحُ)
(ثَبْتَهُمْ عِنْد مَا تُثِيرُ المذاكي
…
عثيراً مُمكنا عَلَيْهِ المراحُ)
(والمنايا مِنَ الأسنةِ ترنو
…
وَلها ضيغَمُ الوغَى لمَّاحُ)
(يلجُ المعركَ المؤجَّج طَعنا
…
من لظى الموتِ جمره لفاحُ)
(ويبيدُ الجيوشَ مِنْهُ بعضْبٍ
…
فَوق غربيه للنفوسِ انسياحُ)
(لم يضارعْهُ فِي معالِيهِ إِلَّا
…
غرةُ العترةِ الصميمُ الصراحُ)
(بركاتٌ إنسانُ عَيْنِ الْمَعَالِي
…
منْ لقاه للآملين نجاحُ)
(قد تفَيَّا روضَىْ معالٍ ومجدٍ
…
وأظلَّتْهُ مِنْهُمَا أدواحُ)
(كَفه للعفاةِ بحرٌ خضمٌّ
…
لَيْسَ فِيهِ وليْسَ مِنْهُ انتزاحُ)
(ضيغَمٌ عِنْدَمَا المهنَّدُ يَغْدُو
…
وَهُوَ للسفْكِ سائلٌ ملحاحُ)
(وصليلُ السيوفِ والسمْرِ تشدو
…
فِي مغارٍ قد طَال مِنْهُ الصياحُ)
(يتلقَّى الهيجا بغرَّةِ وجهٍ
…
زَاد مِنْهَا وقْتَ الهياجِ اتضاحُ)
(ويخوضُ الوغَى فترضى المذاكي
…
عَنهُ والمرهفاتُ والأرماحُ)
(والهزبرانِ راجحٌ وبشيرٌ
…
فِي محيَّاهما الهدَى والفلاحُ)
(فهما ضيغما نزالٍ وبَحْرَا
…
كرمٍ فيهمَا السطا والسماحُ)
(من شذا المصطفَى وريحانَتَيْهِ
…
طِيبُ ريا ثناهما النفاحُ)
(فابْقَ وَالْملك بدره فِي علاكُمْ
…
كَامِل النُّور مَا أَضَاء الصباحُ)
(وهناء ثانٍ بصومِكَ مَعْ مَا
…
كَانَ فِيهِ فَهْوَ الحلالُ المباحُ)
(فعلى أجزَلِ الأجورِ صيامٌ
…
وعَلى أجملِ السرورِ نكاحُ)
(ولعلياكَ عَبْدُ بابك يُنْهِي
…
خَبرا ذكره لديكُمْ يُبَاح)
(لرجائي على معاليكَ وعدٌ
…
عِنْد ذكرَاهُ مطمعي يرتاحُ)
(لَك فَهْمٌ وَلَيْسَ يطلبُ مني
…
يَا إياسَ الذكا لَهُ إيضاحُ)
(فارْقَ فَرْقَ الْعلَا وهاكَ قريضاً
…
سبكَتْ تبره القوافي الفصاحُ)
(فأعرْهُ طرفا ليشرفَ مِنْهُ
…
لفظُ مبناه والمعانِى الصحاحُ)
(بشذا المسكِ من ذكِيِّ صَلَاتي
…
طابَ مِنْهُ خَتْمٌ وطابَ افتتاحُ)
فَأَما الْحسن بن أبي نمي بن بَرَكَات فَكَانَ خَليفَة الْحَرَمَيْنِ شرِيف الطَّرفَيْنِ أمه الشَّرِيفَة الحسيبة السيدة النسيبة فَاطِمَة بنت بِسَاط حملت بِهِ أمه عَام وَفَاة جده بَرَكَات بن مُحَمَّد فِي عَام أحد وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة قَالَ الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ فِي نشآت السلافة وَلَقَد أَخْبرنِي الشريف حسن رَحمَه الله تَعَالَى شفاهاً أَن والدته حضرت حنوط جده الشريف بَرَكَات وَهِي حَامِل بِهِ فأثر فِيهَا عرف الكافور وَمَا زَالَت تلقى الدَّم حَتَّى خشِي على مَا فِي جوفها من الْحمل إِلَى أَن كَانَ شهر ربيع من عَام اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة أَخذهَا مَا يَأْخُذ النِّسَاء من الطلق فولدته بعد الْيَأْس وَذهب بظهوره عَن النَّاس كل بَأْس فَلَا شكّ أَنه كَانَ مَحْفُوظًا بالعناية الصمدانية حَيْثُ سبق فِي علم الله تَعَالَى جعله خَليفَة فِي الأَرْض مَالك الطول مِنْهَا وَالْعرض مصلحَة مِنْهُ للعباد عَامَّة ونعمة عَظِيمَة تَامَّة ينشر على الْعَالم لِوَاء عدله ويسبغ عَلَيْهِم جِلْبَاب كرمه وفضله وَيحيى مآثر جده الْمُصْطَفى وَيذكر بأقضيته مَا اندرس من أَخْبَار عدُول الخلفا وَيظْهر سر حكمته وخفي قدرته فى افْتِتَاح هَذَا الدّين الأقوم بِمُحَمد
وختمه بِأَهْل بَيته المخصوصين من بَين النَّاس بتولي الله تَعَالَى تطهيرهم من الأرجاس وَمَا زَالَ رَحمَه الله تَعَالَى صاعداً فِي نيرى الْمَعَالِي صادعاً قُلُوب أعدائه بالصعدات العوالي لائحة عَلَيْهِ مخايل السَّعَادَة وَهُوَ فِي مهوده طالعة من أفق السِّيَادَة كواكب مجده وسعوده متلمحاً فِيهِ خِصَال الغر الصَّيْد مترقباً مِنْهُ أَن يكون فِي البسالة صَاد الصناديد
فَمَا برح وَهُوَ فِي حجر وَالِده مُؤديا لَهُ الْحُقُوق رَافعا أحمضه الشَّرِيفَة على هام العيوق باذلاً لَهُ الطَّاعَة ساعياً فِي مرضاته بِحَسب الِاسْتِطَاعَة ممتثلاً مَا يصدر من الْأَوَامِر المطاعة إِلَى أَن لبس أَخُوهُ أَحْمد خلعة الإيالة والإمارة فَلبس سيدنَا الخلعة الثَّانِيَة لتَكون على ولَايَة الْعَهْد بعد أَخِيه أَمارَة فاستمر كَذَلِك حَتَّى توفّي أَخُوهُ الشريف أَحْمد فرفلت إِلَيْهِ الْخلَافَة فِي جلبابها الضافي وَأوردهُ الْملك الباذخ موارد منهلها الصافي بسعي أَبِيه المرحوم الشريف أبي نمي فِي عَام 961 إِحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فَلبس الخلعة الأولى فَكَانَ بهَا أولى فَلم يزل مشاركاً لوالده أبي نمي فِي الْأَمر يدعى لَهُ مَعَه على رُءُوس المنابر والتوقيعات السُّلْطَانِيَّة الثعمانية إِنَّمَا ترد باسمه والتشاريف الخنكارية إِنَّمَا تصل برسمه وَلما كَانَ يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن من جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة ورد الْخَبَر إِلَى مَكَّة المشرفة بوفاة مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان وَكَانَ الْوَاصِل بِهِ سمندر جاشنكير السُّلْطَان سليم وَالِده أرسل إِلَى بِلَاد الْيمن لإعلام مُرَاد باشا صَاحب تعز والتهائم وَإِلَى رضوَان باشا صَاحب صنعا وَالْجِبَال وَكَانَ لليمن إِذْ ذَاك باشتان وَهَذَا الانشقاق هُوَ سَبَب الْعِصْيَان والشقاق بِأَرْض الْيمن بعد أَن كَانَ لَا يحكمها إِلَّا باشا وَاحِد من حِين فتحهَا وَلَكِن كَذَا قدر فوصل سمندر الْمَذْكُور وَاجْتمعَ بالأمير الدفتردار إِبْرَاهِيم الْمَأْمُور بعمارة عين عَرَفَة فَأخْبر بِمَوْت مَوْلَانَا السُّلْطَان فَطلب إِبْرَاهِيم الْأَمِير قَاسم بك نَائِب جدة وَأمين عمَارَة الْمدَارِس السُّلْطَانِيَّة السليمانية واتفقا على الْإِرْسَال للقائد مُحَمَّد بن عقبَة حَاكم مَوْلَانَا الشريف حسن بِمَكَّة ليخبروه بذلك فأرسلا إِلَيْهِ فوصل فَأَخْبَرَاهُ فَأرْسل الْقَائِد من وقته مورقاً إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن وَكَانَ بالخلصية وَأرْسل الآغا مُحَمَّد بن يُونُس باش التّرْك عَسْكَر مَوْلَانَا الشريف حسن مورقاً آخر فوصل المورقان إِلَى الخلصية يَوْم الْجُمُعَة فَركب مَوْلَانَا الشريف حسن وَتوجه إِلَى مَكَّة وَكَانَ الْأَمِير إِبْرَاهِيم والأمير قَاسم أرسلا مورقاً إِلَى القَاضِي الْحُسَيْن الْمَالِكِي وَكَانَ بجدة فَركب وَوصل إِلَى مَكَّة يَوْم الْجُمُعَة واتفقت الآراء أَن يخْطب
الْخَطِيب باسم السُّلْطَان سليم ابْن المرحوم السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان وَكَانَت نوبَة السَّيِّد أبي حَامِد النجاري فأمروه أَن يذكر فِي الْخطْبَة هَذِه الألقاب اللَّهُمَّ وجدد نصْرَة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وشيد قَوَائِم أَرْكَان الدّين المتين بِبَقَاء من جددت بِهِ أَمر الْخلَافَة الْعُظْمَى وشرفت بمقدمه تخت السلطنة وَالْملك الأسمى واخترته خير خلف عَن خير سلف وعوضت بِهِ خير عوض عَمَّن درج إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَسلف وآتيته مَا لم تؤت كثيرا من الْعَالمين ومكنته من سَرِير السلطنة والخلافة أعظم تَمْكِين وأورثته الْخلَافَة الْكُبْرَى كَابِرًا عَن كَابر وملكته الْإِمَامَة الْعُظْمَى وَالسُّلْطَان الباهر وأنرت ببراهينه من مشكاة السَّعَادَة سِرَاجًا وهاجاً وَفتحت بِهِ للرعية أَبْوَاب الْأَمْن وَالْإِيمَان فَطَفِقَ النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا السُّلْطَان الْأَعْظَم والخاقان الْأَكْبَر الأفخم مولى مُلُوك الْعَرَب والعجم مستخدم أَرْبَاب السَّيْف والقلم ملك البرين والبحرين سُلْطَان المشرقين والمغربين خاقَان الْخَافِقين والجديدين خَادِم الْحَرَمَيْنِ الشريفين السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان السُّلْطَان سليم خَان ابْن عَبدك وفقيرك المندرج إِلَى رحمتك بِقَضَائِك وتقديرك سُلْطَان سلاطين الزَّمَان خاقَان خواقين الدوران الْفَائِق بعدله عدل كسْرَى أنوشروان المنقاد إِلَى شرعك الشريف الممتثل لأوامرك النافذة وَدينك الْحق المنيف الْوَاقِف عِنْد مُرَاد الله فَلَا يتعداه الْعَامِل فى جَمِيع أُمُوره بتقوى الله المراعى الْعدْل وَالْإِحْسَان فِيمَن استرعاه الْمُجَاهِد المرابط فِي سَبِيل الله الْغَازِي الَّذِي استوعب عمره فِي الْجِهَاد كآبائه الغر الْغُزَاة الَّذِي خرج من بَيته مُهَاجرا فأدركه الْأَجَل المحتوم واصطفاه الله إِلَيْهِ وتوفاه الدَّاخِل فِي زمرة من أنزل الله فِي شَأْنهمْ بثوابه لَهُم وَرضَاهُ {وَمَن يخرُج مِن بيتِه مهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسوله ثمَ يدٌركهُ اَلموتُ فَقَد وَقع أجره على الله} النِّسَاء 100 المرحوم برحمة الله الْملك الرَّحْمَن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان أنزل الله عَلَيْهِ شآبيب الرَّحْمَة والغفران وَقدس روحه الشَّرِيفَة وحفه بِالروحِ وَالريحَان وَجعل الْملك كلمة بَاقِيَة فِي نجله السعيد وعقبه المديد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأعد لَهُ ولآبائه الْكِرَام مَا يَلِيق بكرمه من أَنْوَاع الْعِزّ والكرامة يَا رب الْعَالمين ثمَّ وصل مَوْلَانَا الشريف حسن فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ هُوَ وَأَوْلَاده وَبَعض إخْوَته
والأشراف ذَوي مُحَمَّد وَسلم النَّاس عَلَيْهِ ثمَّ أَمر بالنداء على المآذن بِالصَّلَاةِ جَامِعَة فِي غَد على السُّلْطَان سُلَيْمَان فَلَمَّا كَانَ صبح يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى حضر مَوْلَانَا الشريف حسن وَمَعَهُ السَّادة الْأَشْرَاف وَجَمِيع الْفُقَهَاء الْأَعْيَان وامتلأ الْمَسْجِد بِالنَّاسِ وَجلسَ الشريف حسن بمصلاه إِلَى أَن طلعت الشَّمْس فوصل إِلَيْهِ الْأَمِير إِبْرَاهِيم الدفتردار والأمير قَاسم نَائِب جدة وسمندر جاشنكير فَقَامَ لَهُم وجلسوا كلهم عَن يَمِينه ثمَّ حضر الأفندى وَجلسَ عَن يَمِين الشريف فَوق الأميرين والجاشنكير وَكَانَ على يسَار الشريف أَخُوهُ مَوْلَانَا السَّيِّد بشير وَتَحْته القَاضِي الْحُسَيْن الْمَالِكِي فَبعد ارْتِفَاع الشَّمْس قدر رمح قَامُوا وتوجهوا إِلَى الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ووقفوا عِنْد الْبَاب الشريف فَأَشَارَ مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَى مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن أَن يتَقَدَّم لصَلَاة الْغَائِب ونادى الريس من أَعلَى زَمْزَم بِهَذِهِ الْخطْبَة وَهِي الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب العَبْد الْفَقِير إِلَى الله الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله المرابط لإعلاء كلمة الله الَّذِي خرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله الْمُسْتَوْعب جَمِيع عمره فِي قتال أَعدَاء الله الْقَائِم بِنَفسِهِ وَمَاله وَجُنُوده لنصرة دين الله الْوَاقِف عِنْد مُرَاد ربه فَلَا يتعداه المراعي للعدل وَالْإِحْسَان فِيمَن ولي عَلَيْهِ واسترعاه الْمُعظم لشعائر بلد الله الْحَرَام الْمُؤَيد لآل النَّبِي عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمُتَّخذ ودهم ذخيرة عِنْد الله تَعَالَى فِي العقبى عملأ بقوله تَعَالَى {قل لَا أسئلكم عليهِ أجرا إِلا المَوَدةَ فِي القُربى} الشورى 23 القامع لأعداء بَيت النُّبُوَّة والرسالة والمفيض على الْحَرَمَيْنِ الشريفين مكارمه وأفضاله السُّلْطَان الْأَعْظَم سُلَيْمَان خَان أنزل الله على شآبيب الرَّحْمَة والغفران وَجعل قَبره الشريف رَوْضَة من رياض الْجنان وحف تربته الشَّرِيفَة بِالروحِ وَالريحَان ثمَّ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة توجهوا أَجْمَعِينَ إِلَى مصلى الشريف عِنْد بَاب الْحَزْوَرَة فقسمت الربعات ثمَّ دَعَا لمولانا السُّلْطَان سُلَيْمَان وَأهْدى ثَوَاب ذَلِك إِلَيْهِ ثمَّ دَعَا لمولانا السُّلْطَان سليم فعلوا ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ختموا يَوْم الْخَمِيس منتصف الشَّهْر الْمَذْكُور وَكَانَ خُرُوج مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان لهَذِهِ الْغَزْوَة الَّتِي توفّي فِيهَا حادي عشري ذِي الْقعدَة الْحَرَام من سنة ثَلَاث وَسبعين وَتِسْعمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى
وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَى أَن انْتقل وَالِده الشريف أَبُو نمي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى فِي أول عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فاستقل بِالْملكِ وأعبائه وَشد أزره بِالتَّدْبِيرِ من سَائِر جهاته وأنحائه واستخدم الحزم فِي شَدَائِد الْأُمُور الشاسعة وسلك فِي محجته الطَّرِيق الْوَاضِحَة الواسعة فصير ولَايَة الْحَرَمَيْنِ خلَافَة ومهد الْقَوَاعِد السُّلْطَانِيَّة والقوانين الحسنية بِدُونِ مَخَافَة وَجلسَ على سَرِير الْملك جُلُوس مُتَمَكن وبذل الهمة فِي إصْلَاح الرعايا بِكُل وَجه مُمكن واستصحب الْإِقْدَام فِي صعائب الْأُمُور وَثَبت الْأَقْدَام فِي المواقف الَّتِي تهب لَهُ بِالْقبُولِ ولأعدائه بالدبور وَظهر بِهِ شَأْن أهل بَيت النُّبُوَّة من الشجَاعَة وَالْقُوَّة وأذكر بِمَا أبداه من شرِيف المناقب أَحْوَال جده أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب وَله الاراء السديدة والغزوات العديدة فِي المواطن الْقَرِيبَة والبعيدة يساعده فِيهَا السَّيْف وَالْقدر ويخدمه الْفَتْح وَالظفر طالما كشف بغزواته كل غمَّة وأوضح من الْخطب كل وَاقعَة مدلهمة ووطئ بحوافر خيله سباسب تضل فِيهَا الخطا وأودية لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا القطا كم فتح بعزمه حصناً صَعب المرقى واقتحم بخيله ذرْوَة لَا يصل إِلَيْهَا نظر الزرقا يتَصَرَّف فِي السعد كَأَنَّهُ عبد بَابه ويتأمر فِي الظفر كَأَنَّهُ لَازم ركابه وَله السَّرَايَا الْكَثِيرَة وَهِي عَن التَّفْصِيل غنية شهيرة لم يُؤمر فِيهَا إِلَّا أَوْلَاده النجباء وَقل مَا أَمر غَيرهم من الأقرباء وكل سراياه لَا تعود إِلَّا بالنصرة التَّامَّة وتنبئ فِي سَائِر الْآفَاق عَن البشائر الْعَامَّة وَقد بعث جمَاعَة من أَوْلَاده الْكِرَام وَمِمَّنْ بَعثه مِنْهُم فأبان عَن الْفِعْل الْحسن السَّيِّد الْحُسَيْن بن الْحسن وَمِنْهُم الشريف أَبُو طَالب المصاحب للنصرة فقد أرْسلهُ وَعَاد بالظفر غير مَا مرّة وَمِنْهُم السَّيِّد مَسْعُود فَحصل بإرساله السُّعُود وَمِنْهُم السَّيِّد عقيل فنال فِي مبعثه غَايَة التأميل وَمِنْهُم السَّيِّد عبد الْمطلب فَأصْبح بتجهيزه للسؤدد مجتلب
وَمِنْهُم الشريف عبد الله بن الْحسن فَكَانَ بعزمه إصْلَاح جِهَات الْيمن وَجَمِيع غَزَوَاته وسراياه بالنصر مقرونة وطوالع طلائعه بالحروب مَيْمُونَة مَا اتّفق لَهُ فِي شَيْء مِنْهَا انكسار وَلَا ذمت لَهُ فِي عجاج معاركها إِذا ثار آثَار فَأَما الْعلمَاء فنشروا على رُءُوسهم علم المفاخر وترجوا لَدَيْهِ بالوقار وَلحق أَوَّلهمْ الآخر فخدموا خزائنه المعمورة بالتآليف الْحَسَنَة وَأتوا جنابه بالتصانيف اللطيفة فِي كل سنة وَأما الشُّعَرَاء فانتظموا فِي زَمَانه انتظام دراري الإكليل ولبسوا فِي أَيَّامه ثوب كل فَخر جميل وقصدوا جوده العميم من سَائِر الأقطار وَلَو جمع جَمِيع مدائحه لكَانَتْ أسفاراً كبارًا وَلَو قَالَ قَائِل إِنَّه يمدح فِي كل عَام بِنَحْوِ الْألف لأنصف فِي قَوْله وَمَا جازف وَلم يزل يتوالى عَلَيْهِم بره وَمَا انْفَكَّ متواترا عَلَيْهِم لطفه وعظفه وبشره يُجِيز على التَّأْلِيف بِالْألف الدِّينَار وَالْأَكْثَر وينصف الشَّخْص على التصنيف بالمبالغة فِي الثَّنَاء الأعطر وَمَا برح يترقى فِي مصاعد السعد ويتخطى بأخمصه هَامة الْمجد ناشراً راية عدله على مفرق اللَّيَالِي وَالْأَيَّام مُقَلدًا جَوَاهِر فَضله جيد الْأَنَام وَلما كَانَ سَابِع عشر محرم سنة وَاحِدَة بعد الْألف حضر مَوْلَانَا السَّيِّد مَسْعُود ابْن الشريف حسن وَهُوَ أكبر أَوْلَاده بعد السَّيِّد حُسَيْن بن الْحسن نِيَابَة عَن أَبِيه الشريف حسن بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَحضر أكَابِر الْعلمَاء والأعيان لقياس طول الْكَعْبَة من داخلها لوُرُود أَمر مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُرَاد بذلك ليعْمَل لَهَا كسْوَة فذرعت بالذراع الْحَدِيد الْمصْرِيّ فَعمِلت وَأرْسلت وَورد أَمر شرِيف مِنْهُ أَيْضا أَن يخمن مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي ترخيم المطاف الشريف فذرع المطاف الأسطى سفر المعمار والمعلم مُحَمَّد الْبُحَيْرِي المهندس فَكَانَ ذرعه مكسراً بِحِسَاب الطرح ذِرَاعا فِي ذِرَاع أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة ذِرَاع وَقَالُوا كل ذِرَاع يحْتَاج
إِلَى أَرْبَعَة دَنَانِير يكون جملَة ذَلِك عشرَة آلَاف دِينَار وَكَانَ ذَلِك التخمين فِي تَاسِع عشري جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف ثمَّ الَّذِي تحرر عَلَيْهِ القَوْل أَن المطاف أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع صرف عَلَيْهِ عشرَة آلَاف دِينَار وَفِي هَذِه السّنة توفّي الشَّيْخ ربيع بن السنباطى السالك على الطَّرِيقَة الجميلة والممالك لأزمة كل فَضِيلَة مدحه جمَاعَة من الْفُضَلَاء ورثاه غير وَاحِد من الأدباء مِنْهُم صَاحب الريحانة بِأَبْيَات خَمْسَة آخرهَا بَيت التَّارِيخ وَهُوَ // (من الْخَفِيف) //
(قد فَقدنَا فِيهِ اصطباراً فأرِّخْ
…
كلُّ صبرٍ محرم فِي ربيعِ)
ورثاه مؤرخاً الشَّيْخ حسن الشَّامي بأَرْبعَة أَبْيَات آخرهَا التَّارِيخ وَهُوَ // (من الْكَامِل) //
(وَإِذا ذكَرْتَ ربيعَ أيامٍ مضَتْ
…
أرِّخْ بشوالٍ فراقَ ربيعِ)
وَفِي سنة ثَلَاث بعد الْألف لست عشرَة مَضَت من جُمَادَى الأولى توفّي مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد بن سليم ورثاه جمَاعَة من الْفُضَلَاء مِنْهُم الشهَاب أَحْمد المرحومي المغربي فَقَالَ من الطَّوِيل
(تهايل مِنْ رُكْنِ الصلاحِ مشيد
…
بموتِ شهنشاه الْمُلُوك مرادِ)
(فَلم يُرَ فِي تِلْكَ الممالكِ مالكٌ
…
مُرَادُ الورَى من بعد فَقْدِ مُرَادِى)
وَفِي سنة أَربع توفّي إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَشَيخ المصرين من كَانَت الْعلمَاء تكْتب عَنهُ مَا يملي مَوْلَانَا شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة الرَّمْلِيّ فاتح أقفال مشكلات الْعُلُوم ومحيى مَا اندرس مِنْهَا من الْآثَار والرسوم أستاذ الأستاذين وَوَاحِد عُلَمَاء الدّين عَلامَة الْمُحَقِّقين على الْإِطْلَاق وفهامة المدققين بالِاتِّفَاقِ ولد سنة تسع عشرَة وَتِسْعمِائَة بِمصْر المحروسة وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة جميلَة وفيهَا توفّي الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الشهير بِابْن غَانِم الْمَقْدِسِي الخزرجي شمس الْعُلُوم والمعارف بدر الفهوم واللطائف قُرَّة عين أَصْحَاب أَبى حنيفَة الراقي من معارج التَّحْقِيق أعالي الرتب المنيفة تَرْجمهُ الشَّيْخ عبد الرءوف الْمَنَاوِيّ فَقَالَ شيخ الْوَقْت حَالا وعلماً وتحقيقاً وفهماً وَإِمَام الْمُحَقِّقين حَقِيقَة ورسماً وَفِي سنة سِتّ بعد الْألف تخلف مَوْلَانَا الشريف حسن بِجِهَة ركبة وَأرْسل
أَوَاخِر ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة إِلَى أَخِيه السَّيِّد ثقبة بن أبي نمي يلْتَمس مِنْهُ أَن يلبس خلعته أكبر أَوْلَاده السَّيِّد مَسْعُود بن حسن فَلَمَّا كَانَ يَوْم العرضة خرجا إِلَى المختلع لبس السَّيِّد ثقبة خلعته وَهِي الثَّانِيَة رُتْبَة همز الْفرس وَتقدم إِلَيْهَا فلبسها متقدمه ثمَّ قَالَ للداودار احفظ خلعة سيدك فَلم يلبث السَّيِّد مَسْعُود أَن توفّي غيظاً للنَّفس الأبية والشيم الهاشمية رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وبنيت على قَبره قبَّة عَظِيمَة بَاقِيَة إِلَى الْآن وَفِي سنة سبع بعد الْألف توفّي الْعَلامَة خضر بن عَطاء الله الموصلى قَالَ فِيهِ فِي الريحانة كعبة فضل مُرْتَفعَة الْمقَام تَضَمَّنت ألسن الروَاة الْتِزَامه فَللَّه ذَلِك المتضمن والالتزام أَقَامَ بِمَكَّة مَعَ بني حسن مخضر الأكناف وصنف باسم الشريف حسن كِتَابه شرح شَوَاهِد الْكَشَّاف قلت رَأَيْت بِخَط جدي الْعَلامَة جمال الدّين العصامي مَا نَصه أشرفني الْمولى خضر بن عَطاء الله على وصلٍ كتب لَهُ بِأَمْر مَوْلَانَا الشريف الْحسن بن أبي نمي صورته الْحَمد لله حسن بن أبي نمي يَا أَبَا مُحَمَّد ريحَان بن عقبَة الدويدار سلمك الله اعط الْعَلامَة الْمُفِيد الفهامة خضر أَفَنْدِي ألف ذهب جَدِيد نصف ذَلِك حفظا لأصله خَمْسمِائَة ذهب وَهِي جَائِزَة كتابي الَّذِي صنفه باسمي الله الله كتبه صبيح بن مَقْبُول بِأَمْر سيدنَا ومولانا الشريف أيده الله بتاريخ عشر جماد أول سنة 1003 وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وبخط مَوْلَانَا الشريف بِيَدِهِ الله الله يَا ريحَان فِي نجاز ذَلِك بِسُرْعَة انْتهى رحم الله الْجَمِيع وَمن شعر خضر الْمَذْكُور قَوْله // (من الطَّوِيل) //
(تبدَّلْ عنِ البرشِ المبلّدِ بالطّلَا
…
فعالمُ أَهْلِ البرشِ غمْرٌ وجَاهِلُ)
(فَمَا البرشُ إنْ فتشْتَ عَن كنهِهِ سوَى
…
دويهيةٌ تصفَرُّ مِنْهَا الأناملُ)
وَفِي سنة سبع بعد الْألف طلب الشريف أَبُو طَالب من أَبِيه الشريف حسن أَن
يتَخَلَّف بالمبعوث ليلبس هُوَ الخلعة فَخرج مَعَ عَمه السَّيِّد ثقبة إِلَى المختلغ فَتقدم الشريف أَبُو طَالب وَلبس الخلعة الأولى خلعة وَالِده مُتَقَدما على عَمه ثمَّ لبس السَّيِّد ثقبة الخلعة الثَّانِيَة فَوَقع لَهُ مَا وَقع بِسَبَبِهِ لِابْنِ أَخِيه وَأورد مورده الَّذِي كرع فِيهِ فَتوفي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى حادي عشر صفر من السّنة الَّتِي بعْدهَا أَعنِي سنة ثَمَان بعد الْألف ومولانا السَّيِّد ثقبة أكبر إخْوَان الشريف حسن كَانَ مولده سنة خمس وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ رجلا عَاقِلا صبوراً متحملاً كثير الملايمة والتودد إِلَى النَّاس وَله فَضِيلَة وَشعر حسن ومفاكهة لَطِيفَة وَله من الْأَوْلَاد سِتَّة ذُكُور وَابْنَة وَاحِدَة وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف حسن يراعيه الرِّعَايَة التَّامَّة وَكَانَ لَهُ محصول كَبِير جدا من جِهَات عديدة فَلَمَّا مَاتَ قرر لكل وَاحِد من أَوْلَاده فِي كل شهر ألف أشرفي فضَّة غير المقررات السَّابِقَة وللبنت خَمْسمِائَة أشرفي وَقَالَ لَهُم إِن وَالِدي الشريف أَبَا نمي رَحمَه الله تَعَالَى لما فرغ بالسلطنة اخْتَار أَن يكون مقرره فِي كل شهر ألف أشرفي وَأَنا أَقمت لكل وَاحِد مِنْكُم ألف أشرفي عوض الْجِهَات الَّتِي كَانَت لوالدكم أَعنِي من المعشرات وخراج الْأَرَاضِي فَإِن تِلْكَ لائقة بِصَاحِب الْأَمر وَالله يلهمكم الصَّبْر ويعظم لكم الْأجر وفيهَا توفّي رَئِيس الْأَطِبَّاء دَاوُد بن عمر الْأَنْطَاكِي المتوحد بأنواع الْفَضَائِل وَالْمُنْفَرد بِمَعْرِِفَة عُلُوم الْأَوَائِل شيخ الْعُلُوم الرياضية سِيمَا الفلسفية وَعلم الْأَبدَان القسيم لعلم الْأَدْيَان فَإِنَّهُ بلغ فِيهِ الْغَايَة الَّتِي لَا تدْرك وانْتهى إِلَى الْغَايَة الَّتِي لَا تكَاد تملك لَهُ فضل لَيْسَ لأحد وَرَاءه فَضلَة وَعلم لم يحز أحد فِي عصره مثله يكَاد لقُوَّة حدسه يسْتَشف الدَّاء من وَرَاء حجابه ويناجيه بِظَاهِر علاماته وأسبابه حكى أَن الشريف حسن لما اجْتمع بِهِ أَمر بعض إخْوَته أَن يُعْطِيهِ يَده ليجس نبضه وَقَالَ لَهُ الشريف حسن جس نبضي فَأخذ يَده فَقَالَ هَذِه الْيَد لَيست يَد الْملك فَأعْطَاهُ الْأَخ الثانى يَده فَقَالَ كَذَلِك فَأعْطَاهُ الْأَخ الثَّانِي يَده فَقَالَ كَذَلِك فَأعْطَاهُ الشريف حسن يَده فحين
جسها قبلهَا وَأخْبر كلا بِمَا هُوَ متلبس بِهِ وَحكى أَنه استدعاه لبَعض نِسَائِهِ فَلَمَّا دخل قادته جَارِيَة وَلما خرجت بِهِ قَالَ للشريف حسن إِن الْجَارِيَة لما دخلت بِي كَانَت بكرا وَلما خرجت بِي صَارَت ثَيِّبًا فَسَأَلَهُمَا الشريف وأمنها فَأَخْبَرته أَن فلَانا استفضها قهرا فَسَأَلَهُ فاعترف بذلك وَحكى الْعَلامَة شَيخنَا الشَّيْخ مُحَمَّد البابلي أَن دَاوُد الْحَكِيم الْمَذْكُور مر بِبَعْض الحارات الَّتِي يسكنهَا الضُّعَفَاء والفقراء بِمصْر فَسمع صَوت مَوْلُود حَال وِلَادَته فَقَالَ هَذَا صَوت بكري فتفحصوا عَن ذَلِك فوجدوه كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَن بعض البكريين تزوج ببنت فَقير خُفْيَة وَوَافَقَ حَال وِلَادَتهَا مُرُور الْمَذْكُور وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة فِي الريحانة وَغَيرهَا وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة من سنة ثَمَان بعد الْألف قبيل الْمغرب بِقَلِيل أَمر مَوْلَانَا الشريف حسن الشَّيْخ عبد الْكَرِيم بن محب الدّين القطبي أَن يكْتب إِلَى الْبَاب العالي بتوجيه الْأَمر إِلَى أكبر أَوْلَاده مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب فَبعد أَن كتب الْعرض أَشَارَ مَوْلَانَا بِتَأْخِيرِهِ إِلَى مَا بعد الْمَوْسِم ثمَّ أرسل أَوَائِل سنة تسع فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَوصل الْأَمر الشريف السلطاني أَوَاخِر السّنة الْمَذْكُورَة بِأَن يكون مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب مشاركاً لَهُ ودُعِيَ لَهما على المنابر وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام مِنْهَا أَعنِي سنة ثَمَان كَانَت عرضة الْمصْرِيّ وأمير حاجه بيري بك فَتوجه مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَى العرضة هُوَ وَأَوْلَاده فَلَمَّا وصل المختلع أَشَارَ أَن يلبس خلعة الْمصْرِيّ مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب فلبسها وَقبل يَد وَالِده وَأَن الخلعة الثَّانِيَة الَّتِي كَانَ يلبسهَا أَخُوهُ السَّيِّد ثقبة بن أبي نمي تلبس لثاني أَوْلَاده السَّيِّد عبد الْمطلب بن حسن فلبسها ثمَّ جَاءَ الْأَمِير الْمَذْكُور إِلَيْهِمَا فتحايوا تَحِيَّة الْإِسْلَام ثمَّ توجه الْأَمِير واستمروا موالينا واقفين إِلَى أَن وصل الْأَمِير طماس أَمِير الْحَاج الشَّامي فَلبس مَوْلَانَا الشريف حسن الخلعة الَّتِي مَعَه ودخلوا ثَلَاثَتهمْ لابسين الْخلْع وَلم يعْهَد قبل مثل ذَلِك وَسبب ذَلِك توَافق أَمِير الْمصْرِيّ والشامي فِي الْمنزل بالمختلع فِي ذَلِك الْيَوْم فألبس الشريف حسن ولديه خلعة الْمصْرِيّ وثانيتها وَأَشَارَ إِلَى أَمِير الشامى بِأَن
يتهيأ ليعرض لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت لضيق الزَّمَان والاحتياج إِلَى العرضة لأمير الْيَمَانِيّ فِي الْيَوْم الثانى وَهَذَا تَدْبِير حَسَنٌ لِأَنَّهُ تَدْبِيرُ حَسَنٍ ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّانِي وَهُوَ الثَّامِن من ذِي الْحجَّة توجه موالينا الْأَشْرَاف لاستقبال الْمحمل الْيَمَانِيّ فَلبس الشريف أَبُو طَالب القفطان الأول وَالسَّيِّد عبد الْمطلب القفطان الثَّانِي وأمير الْحَاج الْيَمَانِيّ الْأَمِير فرحات الشهير باليازجي وَهُوَ من أقَارِب الْوَزير حسن باشا صَاحب الْيمن فاستمر الشريف أَبُو طَالب على ذَلِك إِلَى أَن توجه وَالِده الشريف حسن وَكَانَ مُقيما بِالْمحل الْمَعْرُوف بالبردان فتوجة مِنْهُ غازياً إِلَى جِهَة نجد فِي ثامن ربيع الآخر سنة عشرَة وَألف والفريق مُقيم بالمبعوث مشمولاً بِنَظَر الشريف أبي طَالب تَحت نَهْيه وَأمره وَأمر بِضَرْب النّوبَة على بَابه السعيد وَاسْتمرّ الشريف حسن ذَاهِبًا إِلَى أَن وصل إِلَى مَحل يُسمى فاعية فَأَقَامَ بِهِ مُدَّة من الزَّمَان وَلما كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء غرَّة جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة أصبح متوعكاً إِلَى أَن كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث الشَّهْر الْمَذْكُور انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى أثْنَاء اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة فأخفى مَوته عَن الْحَرِيم والخدم وَالصغَار والحشم إِلَى أَن طلع الْفجْر فأظهر ذَلِك وَحمل فِي تختروانه الَّذِي كَانَ يركبه فِي حَيَاته على البغال وَقد حصلت عَلَامَات ذَلِك من عصر يَوْم الْأَرْبَعَاء حَتَّى إِن أبناءه الَّذين كَانُوا مَعَه بذلك الْمحل أعدُّوا البغال والبراذين فِي الْمنَازل صوب مَكَّة لغَلَبَة ظنهم بِوُقُوع الْوَفَاة وَبعد الْمسَافَة عَن مَكَّة لتَكون كخيل الْبَرِيد الْمُسَمَّاة فِي عرف الأروام ولاقاً وَكَانَ ذَلِك رَأيا حسنا فَلَمَّا توفّي جدوا بِهِ فِي الْمسير فَسَارُوا يَوْم الْخَمِيس وَلَيْلَة الْجُمُعَة ويومها ووصلوا بِهِ إِلَى مَكَّة فِي أَوَائِل النّصْف الثَّانِي من لَيْلَة السبت وَلَوْلَا مفارقتهم الطَّرِيق بِمُوجب الظلام والمطر والغيم وتعويق السَّيْل لَهُم فى بعض الْأَمَاكِن لأمكنهم دُخُول يَوْم الْجُمُعَة مَعَ أَن الْمسَافَة تزيد على عشرَة أَيَّام وَمَا كَانَ هَذَا التَّيْسِير إِلَّا كَرَامَة للمرحوم لسرعة وُصُوله إِلَى الْبَلَد الْحَرَام وَذهب الْخَبَر بوفاته من حينها إِلَى الشريف أَبى طَالب بِجِهَة الْمَبْعُوث فبمجرد وصل الْخَبَر إِلَيْهِ قصد مَكَّة وَخلف السَّيِّد عبد الْمطلب لحفظ المراح وَمن فِيهِ فَدَخلَهَا لَيْلَة السبت فِي أول الثُّلُث الثَّانِي
قبل دُخُول جَنَازَة وَالِده وبمجرد وُصُول الْجِنَازَة شرع فِي التغسيل والتكفين وَصلى عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام قبل الْفجْر وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة بَاقِيَة إِلَى الْآن رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة جمة ووالى عَلَيْهِ صيب الرضْوَان وَالرَّحْمَة مَاتَ وَله من الْعُمر تسع وَسَبْعُونَ سنة وَمُدَّة ولَايَته مشاركاً لِأَبِيهِ أبي نمي وَولده أبي طَالب ومستقلاً نَحْو خمسين سنة وفيهَا توفّي السَّيِّد عبد الْمطلب بن حسن كَانَ على غَايَة من الْكَمَال وَمن مشاهير الْأَبْطَال وَكَانَ يلبس الخلعة الثَّانِيَة فِي حَيَاة أَبِيه وَكَانَ وَالِده يعْتَمد عَلَيْهِ فِي الْأُمُور الْعِظَام ويفتخر بِهِ فِي كل محفل ومقام رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا توفّي القَاضِي عَليّ بن جَار الله الْحَنَفِيّ الْمَكِّيّ الْقرشِي انْتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام عبد الرَّحْمَن وَأَخُوهُ القَاضِي أَحْمد ابْنا عِيسَى المرشدي وَالْإِمَام عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ وَغَيرهم لَهُ تصانيف عديدة مفيدة مِنْهَا حَاشِيَة على التَّوْضِيح وحاشية على شرح إيساغوجي لشيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا وَتَذْكِرَة مفيدة وفتاوي لَكِنَّهَا غير مَجْمُوعَة وديوان شعر مِنْهُ قَوْله // (من السَّرِيع) //
(قُلْتُ لشهْرِ الصومِ لما دنا
…
مودِّعًا منِّى وداعَ الصديقْ)
(سَلِّمْ على الموسمِ باللهِ لي
…
وقُلْ لَهُ أقبِلْ فَهَذَا الطريقْ)
قلت مَا ألطف قَوْله أَقبل
…
إِلَخ كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَنه كعقبة فِي الطَّرِيق كَانَت فَزَالَتْ وفيهَا توفّي الملا صفي الدّين بن مُحَمَّد الكيلاني الْمَكِّيّ الشَّافِعِي الطَّبِيب الألمعي الأريب اللوذعي أفلاطون زَمَانه شرح خمرية سَيِّدي عمر بن الفارض شرحاً مُفِيدا جعله باسم مَوْلَانَا الشريف حسن وَأَجَازَهُ عَلَيْهِ إجازات عَظِيمَة يحْكى عَنهُ غرائب مِنْهَا أَنه مر عَلَيْهِ بِجنَازَة بعض الطرحاء فَدَعَا بِهِ وَأخذ من دكان بعض العطارين شَيْئا نفخه فِي أنف الطريح فَجَلَسَ من حِينه وعاش مُدَّة بعد ذَلِك فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت أقدامه واقفة فَعلمت أَنه حَيّ وَمِنْهَا أَن بعض التُّجَّار كَانَ يطعن فِي مَعْرفَته فَأرْسل إِلَيْهِ بعض الْفُقَرَاء بِغُصْن
من نَبَات لَهُ رَائِحَة طيبَة فَلَمَّا شمه التَّاجِر انتفخ بَطْنه وَعجز الْأَطِبَّاء الموجودون عَن علاجه فاضطر إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة واستعطفه فَأعْطَاهُ سفوفاً من ذَلِك النَّبَات بِعَيْنِه فَعُوفِيَ مِمَّا بِهِ وَمِنْهَا أَن بعض أَوْلَاد الشريف حسن أَصَابَته عِلّة فَأمر صفي الدّين الْمَذْكُور أَن تجْعَل لَهُ كوفية من عنبر فَفعلت فَزَالَتْ الْعلَّة ثمَّ أَصَابَت تِلْكَ الْعلَّة بِعَينهَا بعض الرّعية فَعمل لَهُ كوفية من ضفع الْبَقر فَعُوفِيَ فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ نعم الْعلَّة وَاحِدَة لَكِن ولد الشريف نَشأ فِي الرَّائِحَة الطّيبَة فَلَو عملت لَهُ من الضفع لزادت عَلَيْهِ وَالْآخر بعكسه فداوينا كلا بِمَا يُنَاسِبه وَكَانَ يَأْمر من أَصَابَهُ مرض بِالْخرُوجِ من مَكَّة وَلَو إِلَى المنحني لِأَن هَوَاء مَكَّة فِي غَايَة الِاعْتِدَال لَكِن رَائِحَة البالوعات تفسده وَلِهَذَا بنى لَهُ هُنَاكَ بَيْتا يسكنهُ من بِهِ مرض رَحمَه الله تَعَالَى وَقد رزق مَوْلَانَا الشريف حسن من الْأَوْلَاد نَحْو خَمْسَة وَعشْرين ذكرا مِنْهُم سَالم وَعلي وَأَبُو الْقَاسِم وحسين ومسعود وباز وَأَبُو طَالب وَعقيل وَعبد الْمطلب وَعبد الله وَعبد الْكَرِيم وَعبد المحسن وعدنان وَإِدْرِيس وفهد وشنبر وَعبد الْمُنعم والمرتضى وهزاع وَعبد الْعَزِيز وَعبيد الله وجود الله وبركات وقايتباى وَمُحَمّد الْحَارِث وآدَم وَمن الْإِنَاث نَحْو اثْنَتَيْنِ وَعشْرين شمسية وروضة وأرينب وصمدة وبلخشة وياقوتة وَفَاطِمَة وعزيزية وزين الحبوش وريمة وجربوعة وزين الشّرف وسلامة وكثيرة وَفَاطِمَة أَيْضا وعزيزية أَيْضا وَمنى ومزنة وحريملة وهيفاء وَرَايَة وَعزا وغيرهن آخِرهنَّ موتا ياقوتة وَمَات مِنْهُم جملَة من الذُّكُور وَالْإِنَاث فِي حَيَاته وَورثه سَبْعَة عشر ذكرا وَأَرْبع عشرَة أُنْثَى ووزع مخلفه بَين أَوْلَاده مَا عدا السِّلَاح وَالْخَيْل وَالْعَبِيد فعادتهم أَنَّهَا لصَاحب الْأَمر بعده ذكر مَا منحه الله من الفراسة المقتبسة من الحضرة النَّبَوِيَّة والخلافة العلوية فَمن ذَلِك أَنه سرقت الفرضة السُّلْطَانِيَّة بجدة المحمية وَضاع مِنْهَا قماش لَهُ صُورَة وأموال كَثِيرَة وَلم يكسر بَابهَا وَلَا نقب جدارها وَلَا أثر يُحَال عَلَيْهِ فِي معرفَة
الْمَطْلُوب والطالب بل حَبل مسدول من بعض الجوانب فَلَمَّا عرض على حَضرته الشَّرِيفَة الْكَرِيمَة هَذِه الْقِصَّة الْعَظِيمَة طلب الْحَبل الْمَذْكُور ثمَّ شمه ثمَّ قَالَ هَذَا حَبل عطار ثمَّ دَفعه إِلَى ثِقَة من خُدَّامه وَأمره أَن يَدُور بِهِ على العطارين فَعرفهُ بَعضهم وَقَالَ هَذَا حَبل كَانَ عندى اشْتَرَاهُ مني فلَان ثمَّ نَقله من رجل إِلَى رجل إِلَى أَن وصل بشخص من جمَاعَة أَمِين جدة المعمورة ثمَّ وجدت السّرقَة بِعَينهَا فِي الْمحل الَّذِي ظَنّهَا فِيهِ وَمِنْهَا أَن رجلا من التُّجَّار سرق لَهُ مَال عَظِيم بِمحل معِين فَلَمَّا رفع قصَّته إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن قَالَ لَهُ هَل وجدت فِي مَحل السّرقَة شَيْئا من آثَار الْعَرَب فَقَالَ وجدت هَذِه الْعَصَا فَنظر إِلَيْهَا الشريف فَوجدَ بهَا عَلامَة فَقَالَ هَذِه الْعَصَا عَلَيْهَا عَلامَة الطَّائِفَة الْفُلَانِيَّة فاتفق بسعده وبركة جده حُضُور رجل من أَعْيَان هَذِه الطَّائِفَة وَبِيَدِهِ عَصا عَلَيْهَا نَظِير الْعَلامَة الْمَذْكُورَة فَعرفهُ مَوْلَانَا الشريف حسن بِالْحَال وألزمه بتحصيل المرام فَصدق الله فراسة مَوْلَانَا الْمشَار إِلَيْهِ وَرجع المَال لصَاحبه وَمِنْهَا أَن رجلا تَاجِرًا عطاراً مغربيُّاً بِمَكَّة المشرفة هرب لَهُ عبد ثمَّ وجده فَطلب العَبْد البيع فَأَجَابَهُ لذَلِك سَيّده فَاشْتَرَاهُ رجل بِمَال عَظِيم ثمَّ أعْتقهُ فَبعد مُدَّة فقد التَّاجِر مَالا كثيرا من دكانه وَحَاصِله فَرفع قصَّته إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن فَأمره أَن يخفي أمره وَيتْرك ذكره ثمَّ سَأَلَ عَن مُشْتَرِي العَبْد الْمَذْكُور هَل هُوَ من أهل المَال الْكثير حَتَّى يَشْتَرِي مثل هَذَا العَبْد بِمَالِه ويعتقه وَهل سبق لَهُ عتق قبل ذَلِك فَأُجِيب بِأَنَّهُ لم يَقع مِنْهُ عتق وَلَيْسَ لَهُ مَال بل هُوَ فَقير يصرف الْفُلُوس وَظهر الْآن لَهُ نوع يسَار فَطلب الشريف العَبْد على غَفلَة ثمَّ خاطبه بِغَيْر وَاسِطَة وَعرض لَهُ بِأَنَّهُ بَلغنِي أمانتك وَأَنَّك نصحت فِي خدمَة مَوْلَاك وَأَنه قصر فِي رعايتك فطلبت البيع وَقد أصبت فِيمَا فعلته وَعرض عَلَيْهِ أَن يَجعله مقدما عِنْده ففرح العَبْد لذَلِك ثمَّ تغافل عَنهُ مُدَّة وَطَلَبه ثَانِيًا وَعرض لَهُ ببخل سَيّده وَأَنه يسْتَحق كل مَا تفعل فِيهِ ثمَّ قَالَ لَهُ بَلغنِي أَنَّك جمعت من مراجلك ثمنك وأعطيته لفُلَان يَعْنِي الْمُشْتَرى فاشتراك بِهِ وَنعم مَا فعلت فَصدق العَبْد جَمِيع مَا قَالَ لَهُ مَوْلَانَا فَأمر بحبسه بلطف وَطلب المُشْتَرِي ثمَّ قَالَ لَهُ مرادي أستخدم عبد التَّاجِر المغربي الَّذِي أَعتَقته
فَأجَاب بشكر العَبْد وَالثنَاء عَلَيْهِ وَأَنه يَلِيق بذلك وَلم يزل يتلطف بِهِ حَتَّى أقرّ بِمَا أقرّ بِهِ العَبْد فَأمر بحبسهما مَعًا ثمَّ ضربهما ضربا شَدِيدا حَتَّى أحضر جَمِيع مَا فَقده التَّاجِر إِلَّا قَلِيلا ثمَّ أَمر بصلب العَبْد وَالْمُشْتَرِي بعد التَّعْزِير والنكال الشَّديد فصلبا فتعجب الْخَاص وَالْعَام من هَذِه الفراسة المسطورة وَمِنْهَا أَن رجلَيْنِ مصري ويمني تنَازعا فِي جَارِيَة ادّعى كل مِنْهُمَا ملكهَا من غير إِقَامَة حجَّة شَرْعِيَّة وتحير فِي أَمرهمَا سَائِر الْحُكَّام من أهل الشَّرْع وَالْعرْف فَرفعت الْقِصَّة إِلَيْهِ فَلَمَّا سمع دَعْوَى كل مِنْهُمَا وعدهما بِالنّظرِ فِي أَمرهمَا فى مجْلِس ثَان ثمَّ اختلى باليمني وَسَأَلَهُ عَن اسْم الْحبّ الْحِنْطَة فَقَالَ هُوَ الْبر ثمَّ اختلى بالمصرى وَسَأَلَهُ عَمَّا ذكر فَقَالَ هُوَ الْقَمْح ثمَّ سَأَلَ الْجَارِيَة عَن اسْم الْحبّ الْمرة بعد الْمرة فَقَالَ أم بر فَلَمَّا نطقت باللغة اليمنية قَالَ لَهَا والقمح مَا هُوَ قَالَت لَا أعرفهُ فَلَمَّا تمّ ذَلِك عنَّ لَهُ اختبار مَا منحه الله من الفراسة فأحضر الْمصْرِيّ وتلطف بِهِ ووعده بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَة فاعترف بِأَنَّهَا ملك اليمني وزالت الشُّبْهَة ببركته وَوصل الْحق إِلَى مُسْتَحقّه ذكر بعض فتوحاته بِذَاتِهِ وَأَوْلَاده الْكِرَام فِي حَيَاته أَولهَا قصَّة شمر وسببها يَوْم الفريش لَا يخفى أَن فتوحات الْمُلُوك والغزوات وَمَا لَهُم من السّير والسريات لَا يُمكن ضبط الْخَاص مِنْهَا وَالْعَام سِيمَا بساداتنا حماة الْبَيْت الْحَرَام وخصوصاً مَوْلَانَا الشريف حسن جد صَاحب هَذَا الْكتاب فَمن ذَلِك قصَّة الفريش وَهِي أَنه فِي عَام ثَلَاث وَسِتِّينَ من الْقرن الْعَاشِر كَانَ أَمِير الْمَدِينَة المنورة السَّيِّد مَانع الْحُسَيْنِي وَكَانَ من أجل الْأُمَرَاء قدرا وأرفعهم ذكرا بلغ بمصاهرة موالينا وساداتنا حماة الْحَرَمَيْنِ محلا منيفاً رفيعاً وَعزا منيعاً وشوكة قاهرة وَحُرْمَة وافرة وَكَانَت عَادَة أُمَرَاء الْمَدِينَة السَّابِقين يسلمُونَ لبني عمهم من السادات بني الْحُسَيْن ولعربان عَنَزَة وضفير وَنَحْوهم مواجب ومرتبات من الْأَمْوَال الجزيلة والحبوب والأقمشة الجليلة فَمَنعهُمْ من ذَلِك الْأَمِير مَانع اسْتِخْفَافًا بهم وَعدم مبالاة فَجمع كل من الطوائف الْمَذْكُورَة جماعته وَحضر مَعَهم فَأَما السَّادة الْأَشْرَاف آل نعير فمقدمهم الْأَمِير مَنْصُور بن مُحَمَّد أَمِير الْمَدِينَة المنورة وَابْن أميرها سَابِقًا
وَأما السَّادة الْأَشْرَاف من آل جماز فمقدمهم أَوْلَاد مَوْلَانَا الْأَمِير جماز وَأما طَائِفَة العربان فمقدمهم الشَّيْخ الْمَعْرُوف بِأبي ذِرَاع وَغَيره من أكابرهم فَلَمَّا خرج ركب الْحَاج الْمدنِي على عَادَتهم أَوَاخِر ذِي الْقعدَة وَأَصْبحُوا بوادي الفريش صحبتهم الطوائف المذكورون فِي جمع من الْأَشْرَاف عَظِيم وَمن العربان بخيل وركاب مَعَ اللبوس والزانات وَأَحَاطُوا بالركب جَمِيعه وَكَانَ فِي الركب الأفندي الْأَعْظَم عبد الرَّحْمَن قَاضِي الْمَدِينَة المنورة والجناب العالي الْأَمِير مُحَمَّد ابْن حسن وَشَيخ الْحرم الْمدنِي وأعيان الْمَدِينَة من وُجُوه الْعَرَب وسادات بني الْحُسَيْن فَكَانَ موقفا شنيعاً ومنظراً قبيحاً وَقع فِيهِ قتل وسلب وَطعن وَضرب وَأهل الركب محرمون والطوائف الْمَذْكُورَة مجرمون وَسلم أعاظم الركب وأعيانه ثمَّ انفصلوا بعد أَن الْتزم لَهُم القَاضِي وَشَيخ الْحرم الْمَذْكُورَان بِحُصُول مواجبهم وعادتهم فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى الشريف حسن سكت على ذَلِك مطمناً خواطر الْحجَّاج حَتَّى انْقَضتْ أَيَّام الْمَنَاسِك ثمَّ أرسل سَرِيَّة من شجعان الفرسان وَأمر عَلَيْهِم السَّيِّد عجل بن عرار برسم حماية الركب الْمدنِي إِلَى وُصُوله الْمَدِينَة ثمَّ يستمرون بهَا حفظا لَهَا ولأهلها بَاطِنا وظاهراً ثمَّ بعد ذهَاب الحجيج من مَكَّة نَادَى بِالْمَسِيرِ إِلَى غَزْو الطوائف الْمَذْكُورَة فَخرج بِذَاتِهِ العزيزة فِي عَسْكَر جرار وجيش كالبحر الزخار مَا بَين سادة كرام وأعراب وأروام بالخيول الملبسة والدروع والبنادق والمدافع والشجعان الْمَشْهُورين فِي الوقائع والمجامع فَلَمَّا بَلغهُمْ أَن الْملك الْمَنْصُور الهزبر الْمَعْرُوف الْمَشْهُور قصد اللحوق بهم على كل حَال شمروا نَحْو شمر وهربوا إِلَى رُءُوس الْجبَال فقصدهم إِلَى مَنَازِلهمْ ومساكنهم وَخرب شمر الْمَذْكُور لِأَنَّهُ من أمنع مواطنهم ثمَّ قبض على أَعْيَان الطوائف الْمَذْكُورَة الَّذين شنوا الْغَارة وكبل أَشْرَافهم بالجنازير الْحَدِيد وَدخل بهم وهم أسرى بَين يَدَيْهِ مَدِينَة جده السعيد صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يَوْم دُخُوله موكب عَظِيم حَضَره مَوْلَانَا الأفندي وَشَيخ الْحرم الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ وَأظْهر كل مِنْهُمَا حُصُول مُرَاده وبلوغ مناه وتعجبوا من دُخُول الْأَشْرَاف بالزناجير وهم من أَوْلَاد الْأُمَرَاء وتحققوا بذلك عظم مَوْلَانَا الشريف وَقُوَّة
سُلْطَانه بمدد جده خير الورى وَكَانَ هَذَا الْغَزْو أول ظُهُور مَوْلَانَا الشريف حسن وَقُوَّة شَأْنه فِي ظلّ وَالِده الشريف أبي نمي وَأَيَّام زَمَانه وَمن ذَلِك قصَّة مضبع سَار إِلَيْهِ بِنَفسِهِ المطمئنة وَذَلِكَ فِي حُدُود عَام اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَسَببه أنة ظهر من أهل مضبع نقض للعهود وَمُخَالفَة لشرع الْملك المعبود لِأَن مضبع الْمَذْكُور حصن منيع بِأَعْلَى وَاد وسيع وَأَهله فى نعم الله رافلون وللمنعم بهَا كافرون يمْنَعُونَ كل من وصل إِلَيْهِم وَلَو علم عصيانه لديهم وَكلما حذرهم مَوْلَانَا الشريف المخالفات تخذيرا مَا يزيدهم إِلَّا طغياناً كَبِيرا فَسَار إِلَيْهِم فِي جم غفير من السادات وأتباعهم من أَعْيَان دولته الشَّرِيفَة وأمراء مَمْلَكَته المنيفة أخبر السَّيِّد نَافِع مِنْهُم أَن العساكر الَّتِي سَار بهم يزِيدُونَ على خمسين ألفا مَا بَين رَاكب وراجل ولاحق وواصل يَمرونَ على الْجبَال فيدكونها دكاً وينزلون بالرمال فيبكونها بكاً فَلَمَّا وصلوا مضبع وجدوه جيلا رفيعاً وحصناً منيعاً لَيْسَ فِي أَخذه مطمع فأحاطوا بجهاته الْأَرْبَع ثمَّ صعدوا على اسْم الله تَعَالَى تالين {إِلَّا تنصرُوُه فَقَدْ نَصره الله} التَّوْبَة 40 فَقَاتلهُمْ قتالاً شَدِيدا أفنى فِيهِ شبَابًا وأشاب مِنْهُ وليداً حَتَّى انتصر عَلَيْهِم نصرا عَزِيزًا وَفتح الله لَهُ من حصونهم فتحا مُبينًا فَضرب الرّقاب وَأخذ الْأَمْوَال ورتب فِيهِ من يحفظه من شجعان الرِّجَال وَيُقِيم بِهِ الشَّرِيعَة المحمدية على أحسن منوال ثمَّ قصد إِلَى تخت عزه مَكَّة الغراء شرفها الله تَعَالَى بِالْكَعْبَةِ الجليلة فَمر على بجيلة وَأمرهمْ بِالْتِزَام الشَّرِيعَة المحمدية فخالفوا أوَامِر الله وأوامره الْعلية فَقَاتلهُمْ إِلَى أَن طلبُوا الْعَفو وبذلوا الْأَمْوَال فأجابهم إِلَى ذَلِك وَأخذ مِنْهُم عدَّة من دروع الْحَدِيد العراض الطوَال يُقَال إِنَّهَا قريب من خَمْسَة آلَاف نَالَ مِنْهَا السَّادة الْأَشْرَاف وَجَمِيع من حضر من سَائِر الْأَطْرَاف وَصَارَ خراجها يحمل إِلَى حَضرته الشَّرِيفَة كل عَام على مر الدَّوَام وَهَذِه السّريَّة فى حكم السَّرَايَا الهاشمية إِلَى الْكفَّار من سَار فِيهَا فَلهُ أجر الْمُجَاهِد بِلَا إِنْكَار قلت ذكر الْعَلامَة الْجد جمال الدّين العصامي أَن هَذِه الْغُزَاة كَانَت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَذكر أَنه أرخها بِبَيْت كَامِل بديع هُوَ قَوْله
(صادَ الصناديدَ أعطَى المُلْكَ واجبَهُ
…
حامي حِمَى بَلَدِ اللهِ الأمينُ حَسَنْ)
هَكَذَا ذكره بَيْتا مُفردا فَلم أدر أهوَ من قصيدة لَهُ أم من قِطْعَة وَهُوَ بَيت بطين الْمَعْنى رصين المبنى وَمن ذَلِك عزوة سوق الْخَمِيس وَيُسمى زهران يتَّصل بِهِ قرن ظَبْي والصفا والمخواة وجبل عَظِيم يُسمى مَلَس كَانَ من شَأْن هَذِه الْمَوَاضِع أَن سكانها لَا يورثون النِّسَاء جملَة كَافَّة خُصُوصا الْبِنْت الَّتِي منعهَا من أعظم سنَن الْجَاهِلِيَّة ومانعوها هم الْكفَّار شرعا وَمن عَادَتهم أَن يمنعوا كل من وصل إِلَيْهِم خُصُوصا العصاة لولاة الْأُمُور وَالَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ والفجور ثمَّ تكَرر مِنْهُم مَا ذكر من القبائح ونتصحهم مَوْلَانَا الشريف الْمشَار إِلَيْهِ وهددهم فَلم ينقادوا للناصح والنصائح فبرز أمره المطاع إِلَى أكبر أَوْلَاده الْكِرَام السَّيِّد الْحُسَيْن الْأسد الضرغام بدر التَّمام أَن يقصدهم فِي محالهم فَقَاتلهُمْ وَقتل أعظم رِجَالهمْ وَحَازَ نفائس أَمْوَالهم وفاز بأسر نِسَائِهِم وأطفالهم فَلَمَّا ملك الْبِلَاد والعباد وَوصل البشير بنصرته إِلَى وَالِده وجده خير وَالِد من خير أجداد برزت أوامره المطاعة أَن ينصب حَاكما شَرْعِيًّا وأميراً ليقيم نظام السّنة وَالْجَمَاعَة فتم ذَلِك على الأوضاع الشَّرْعِيَّة وَنقل خراجها إِلَى الخزائن الشَّرِيفَة الْعلية ثمَّ غزا معكال وَذَلِكَ أَنه بعد مُدَّة قريبَة برز مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَى غَزْو معكال بأقصى الْبِلَاد الشرقية لأمور فَعَلُوهَا فِيهَا طعن على الدولة الإسلامية وحسبك السّنة النَّبَوِيَّة المبرورة الْفِتْنَة من هَهُنَا وَأَشَارَ إِلَى الْجِهَة الْمَذْكُورَة فَقَامَ مَوْلَانَا الْمشَار إِلَيْهِ فِي ذَلِك حماية لبيضة الْإِسْلَام خُصُوصا حجاج بَيت الله الْحَرَام وزوار جده مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام فوصل دَارهم وَقَاتلهمْ فِيهَا احتقاراً بهم
وعساكر الْإِسْلَام الله تَعَالَى يحميها ويبلغها بسعده أقْصَى أمانيها فى جمع كَذَلِك يزِيدُونَ على خمسين ألفا وَطَالَ مقَامه فيهم حَتَّى استأصل أهل الدَّار رجَالًا وأمولا وكل من كَانَ إِلَيْهِم إلفاً فَتحدث أعداؤه المخذولون أَنه مَاتَ وَعَسْكَره انْكَسَرَ نَظِير مَا وَقع لجده
بِخَيْبَر فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك لأهل سوق الْخَمِيس سَوَّلَ لَهُم عَدو الله أخوهم إِبْلِيس فَقتلُوا الْحَاكِم الشَّرْعِيّ والأمير الْمَذْكُورين شقاقاً مِنْهُم فِي الدَّاريْنِ فَلَمَّا عَاد مَوْلَانَا الشريف من الشرق سالما فِي النَّفس والأهل وَالْمَال غانماً ملك معكال وَمَا قرب مِنْهُ من سَائِر الْمحَال وَدخل مَكَّة على أجمل الْأَحْوَال ومشايخهم بَين يَدَيْهِ فِي الْحَدِيد والأغلال ثمَّ أَقَامُوا فِي ظلّ نعمه مُدَّة عَام كَامِل فطلبوا من فَضله وإحسانه الشَّامِل أَن يَكُونُوا خُدَّامه فِي مَحل سلطانهم وَأَن يحملوا إِلَيْهِ مَا يرضيه كل عَام من محصول أوطانهم فأجابهم إِلَى مطلوبهم وَأمر عَلَيْهِم مُحَمَّد بن عُثْمَان بن فضل حَيْثُ لم يبْق من بَيت سلطنتهم إِلَّا هَذَا النَّسْل ثمَّ عزم على غَزْو سوق الْخَمِيس لفعلهم الْمَذْكُور الخسيس فقصدهم بِنَفسِهِ الزكية افْتِتَاح سنة سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فَاجْتمع بسوحه من بادية مَكَّة المشرفة طوائف هُذَيْل وغَطَفَان وعدوان وَبني سعد وَمَا اتَّصل بهم من الْمُؤَلّفَة فَاجْتمعُوا بناديه الفسيح رحابه المنيع جَاره وأحزابه فَنظر إِلَيْهِم أَمِير دَار المضيف فَاسْتَكْثر مَا يجب لَهُم من المصاريف فَقَالَ على لسانهم لمولانا الشريف لَعَلَّ سَيِّدي يعجل بِالْمَسِيرِ فَإِن الْجَيْش كَبِير فَقَالَ لَهُ الشريف أجبهم عني بِأَنِّي أطْعم صَغِيرهمْ حَتَّى يشب وشابهم حَتَّى يشيب ثمَّ سَار بهم بعد مُدَّة فَلَمَّا وصل وَادِيهمْ وَنزل مخيمه الْمُعظم فِي ناديهم قَالَ لَهُم بعض عقلاء الرِّجَال اطْلُبُوا من مَوْلَانَا الصُّلْح فَأَجَابُوا جَوَاب أهل الْغرُور والهوس على سَبِيل التهكم اسألوا عَن الصُّلْح جبل ملس فَقبل تَمام القال صعدت الرِّجَال على الْجبَال وَعم الْقَتْل مُعظم الرِّجَال وَأسر
النِّسَاء والأطفال ثمَّ قبض على مائَة وَسبعين من أَشْرَافهم وكبلهم فِي الْحَدِيد فِي أَعْنَاقهم وأطرافهم فأحضروا لَهُ من الدروع وَالْأَمْوَال جملا كَثِيرَة لَا يحويها الْمقَام فَأخذ ذَلِك من جملَة الْغَنَائِم وَأقَام شَرِيعَة جده سيد العوالم ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة المشرفة فَدَخلَهَا فِي شهر رَمَضَان فِي موكب عَظِيم قد أَضَاء لم يسمع بِمثلِهِ فِيمَا مضى وَبَين يَدَيْهِ الْجَمَاعَات المقبوضون كل عشرَة فِي كبل حَدِيد وشيخهم مَعَ ولديه فِي الْحَدِيد رَاكب فِي حَال غير جميل ثمَّ أَمر بِذبح أَرْبَعَة عَن الْحَاكِم كَمَا ذبحوه وَذَلِكَ بِسوء مَا فَعَلُوهُ وَمن ذَلِك فِي عَام تسع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة سَار إِلَى نَاحيَة الشرق مرّة ثَانِيَة لمُخَالفَة وَقعت بَينهم متناهية فِي جَيش كثيف جرار ومدافع كبار تنسف الْجبَال وتفتح الْأَمْصَار فَفتح مدناً وحصوناً تعرف بالبديع والخرج والسلمية والإمامية ومواضع فِي شوامخ الْجبَال تزيد على مَا سبق بأمثال أَمْثَال فَقَوِيت شوكته وَعز سُلْطَانه وَتحقّق عِنْد ذَوي البصائر أَنه بعناية الله تَعَالَى كل حِين يَعْلُو شَأْنه ثمَّ عين من رؤسائه من ضَبطهَا على أُمُور التزمها وَشَرطهَا فَعَاد مؤيداً منصوراً وَعلم سعده منشوراً فَأخْبرهُ بعض عيونه الَّتِي يبثها فِي الْبِلَاد لتأتيه بأخبار الْعباد أَن جمَاعَة من شَوْكَة بني خَالِد تجمعُوا وتحزبوا وَمن طريقك ترصدوا وتقربوا فِي جمع من الشجعان والأبطال حَتَّى جرائد الْخَيل وكرائم الْجمال فتدارك مَوْلَانَا الْمشَار إِلَيْهِ من الحزم والعزم مَا أمكن وَقدم من قدم وَأخر من أخر وأكمن من أكمن فوافاه الْجَيْش الخالدي فَوجدَ مَوْلَانَا على غَايَة الحذر فتقابلا وتقاتلا فهرب الخالدي وانكسر فَقتل مَوْلَانَا أَكْثَرهم عددا وغنم خيلا وإبلا وعددا وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الهارب وَمن خيلهم ورجلهم وإبلهم إِلَّا الذَّاهِب وَهَذِه النُّصْرَة أعظم فِي صُدُور الْأَعْدَاء شَوْكَة ونكاية وَأَعْلَى منصباً وَأجل ولَايَة وَهَذِه الْمَذْكُورَات عُيُون غَزَوَاته الشهيرة وسواها كَثِيرَة كَبِيرَة ذكرما خوله الله من فصاحة اللِّسَان وبديع الْبَيَان فِي توقيعه بالبنان وَالْحكم
بِفضل الْخطاب والتوفيق للصَّوَاب فَمِنْهَا لفظ الْعِزَّة لله سبحانه وتعالى فمولانا الْمشَار إِلَيْهِ وَجَمِيع سلفه الْكِرَام يتوجون بِهِ فِي توقيعاتهم الفخام وَلَا يخفى مَا فِي هَذِه اللَّفْظَة من جَوَامِع الْكَلم وَحسن الْأَدَب مَعَ ذى الْجلَال وَالْإِكْرَام وَالْعَظَمَة والإنعام وَالْإِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَإن العِزَّةَ للهِ جمَيعاً} النِّسَاء 139 المستوجبة لعزة كاتبها وقائلها وتواضعه مَعَ كَمَال شرفه فِي الذَّات وَالصِّفَات وَمن ذَلِك أَن جَمِيع توقيعاته يرقم فِيهَا بعد الْجَواب لفظ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ والقانون الْمُحَرر المرعي وَهَذَا من خصوصيات مَوْلَانَا الشريف حسن الْمشَار إِلَيْهِ دَامَت رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَمن ذَلِك أَن جَمِيع مَا يرقمه من الْكَلِمَات وَلَو كثرت خَال من النقط بِحَيْثُ تتبع أهل الْخط أَكثر تحريرات مَوْلَانَا فَلم يَجدوا فِيهَا نقطة وَلَعَلَّ مُرَاده بذلك دفع الْمُمَاثلَة لخطه وَرفع المشاكلة حَتَّى يبعد عَن التزوير وَمن ذَلِك سَلَامَته من الحشو المخل والتطويل الممل وَمن ذَلِك أَن قَاضِيا من قُضَاة الْمَدِينَة الشَّرِيفَة عرض عَلَيْهِ مَكْتُوب وقف صَحِيح الْعبارَة بمحكمة الشَّرْع مضمونه أَن الْأَوْقَاف المشروحة بِهِ لَا تُؤخر إِلَّا بِشُرُوط مرعية ذكرت فِيهِ وَعين فِيهِ أموراً لَا تمكن الْإِحَاطَة بهَا إِلَّا بعد قِرَاءَة الْمَكْتُوب جَمِيعه وقراءته تحْتَاج إِلَى زمن طَوِيل فَلَمَّا وقف مَوْلَانَا الشريف حسن عَلَيْهِ قَالَ من أول نظرة هَذَا فرع من أصل يحْتَاج إِلَى اتِّصَال وَثُبُوت بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ فَعرض لَهُ القَاضِي الْمشَار إِلَيْهِ بِأَن مثل هَذَا يبعد تزويره وَأَن الْخصم فِي ذَلِك السَّيِّد مَانع أَمِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَهُوَ أميركم وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف حسن مُتكئا فَاسْتَوَى جَالِسا ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة وَقَالَ للْقَاضِي يَا مَوْلَانَا سَيِّدي ووالدي الشريف الْكَبِير أَبُو نمي لَيْسَ عِنْدِي على وَجه الأَرْض أحب مِنْهُ وَأكْرم وَمَعَ ذَلِك وَالله الْعَظِيم وَحقّ هَذِه الْكَعْبَة المدبجة لَو ارْتكب بَاطِلا مَا وافقته عَلَيْهِ فَإِن قُلْتُمْ ثَبت عِنْدِي هَذَا الْمَكْتُوب حكمت بِمُوجبِه على الْفَوْر فَعجب القَاضِي الْمَذْكُور من فرط ذكاء مَوْلَانَا وَسُرْعَة فهمه ومتانة ديانته وتحير مِنْهُ
واستحيا من قُوَّة مَعْرفَته بِالْمَقْصُودِ واستوائه جَالِسا ثمَّ ذكر وَالِده الْكَرِيم وَتَقْرِير محبته وطاعته لَهُ ثمَّ فسر بِعَدَمِ مُوَافَقَته على الْبَاطِل وَهَذَا من نور النُّبُوَّة بِلَا شكّ وَلَا ريب وَمن ذَلِك أَن جَمِيع مَا يرقمه للخاص وَالْعَام يبدؤه بِذكر الله تَعَالَى ويختمه بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَام على جده مُحَمَّد خير الْأَنَام ثمَّ يتبع ذَلِك بقوله حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل وَفِي ذَلِك مَا لَا يحد من الْخَيْر وَلَا يُحْصى وَلَا يحصر وَلَا يستقصى وَيَكْفِيك أَنه من أَفعَال الْعلمَاء العاملين والصلحاء الكاملين وَمن ذَلِك مَعْرفَته للعبارة التركية وَأكْثر اللُّغَة الفارسية وَغَيرهمَا من ألسن الْبَريَّة وَلكنه لَا يكْتب بذلك وَلَا يتَكَلَّم حذرا من غلطة لِسَان أَو سبق قلم فيستعمل الترجمان فِي الْكَلَام وَكَذَلِكَ فِي المكاتيب على الدَّوَام وَمن ذَلِك أَنه إِذا اشْتَكَى عَلَيْهِ صَاحب ظلامة أَو دَعْوَى يسمع شكواه جيمعا ثمَّ يتشاغل عَنهُ ثمَّ يستعيده مَا قَالَ فَإِن اخْتَلَّ كَلَامه اختلالاً فَاحِشا اسْتدلَّ على عدم صدقه وَأَقْبل عَلَيْهِ بِوَجْه يَلِيق بِهِ وَفِي هَذَا من الْكَمَال مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ كَونه يحفظ الْقِصَّة مَعَ طولهَا من أول سَماع ثمَّ يستنبط من مُخَالفَة ألفاظها حكما بَالِغَة يقف بِسَبَبِهَا على حَقِيقَة أَمر صَاحبهَا وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا من إلهامات إلهية مستفاده من قَوْله
الْحَاكِم ينظر بِنور الله تَعَالَى ذكر كرمه وجوده وإنعامه على وفوده خُصُوصا الْعلمَاء والصلحاء والفقراء وَالشعرَاء فَمِنْهُ عِنْد زِيَارَة جده
وَذَلِكَ أَنه فِي أول عَام ولَايَته للأقطار الحجازية أخبر من يعْتَمد على نَقله أَن عطاياه للْعُلَمَاء وَالشعرَاء فَقَط كَانَت مَا يزِيد على ألفي دِينَار ذَهَبا جَدِيدا وَمِنْه وَهِي من عطاياه الشَّرِيفَة وتفرداته وأولياته المنيفة أَنه إِذا عقد نِكَاحا لنَفسِهِ أَو أَوْلَاده يطْلب أَعْلَام الْعلمَاء وأعيان الصلحاء تبركاً بحضرتهم واغتناماً لدعوتهم فَإِذا تمّ ذَلِك العقد أَمر بِكِتَابَة أَسمَاء الْحَاضِرين ثمَّ يعين لكل مِنْهُم شَيْئا
نَافِعًا من المَال مصلحاً للبال مَعَ تَمْيِيز أهل الْعلم وَالصَّلَاح والشرف وَالدّين والفلاح وَمن ذَلِك مَا أخبر بِهِ مَوْلَانَا الْعَالم الْعَامِل الْفَقِيه حَاتِم القَاضِي الشَّافِعِي بِنَاحِيَة صَبيا أَن فِي صحبته وصحبة غَيره عدَّة قصائد جَاءَ بهَا من الْيمن فِي مدح الشريف حسن وَأَنه أجَاز شعراء الْيمن مَعَ عدم حضورهم مَا يُجَاوز أَلفَيْنِ من الدَّنَانِير الذَّهَب الْجَدِيد وَأَن جَائِزَة كل شَاعِر يرسلها إِلَيْهِ مَعَ حَامِل قصيدته وَقَالَ هَذِه كَانَت عَادَته دَامَت سعادته وَذَلِكَ على الِاسْتِمْرَار مَعَ جَمِيع الشُّعَرَاء من سَائِر الأقطار وَمن ذَلِك مَا أخبر بِهِ بعض حَملَة الْقُرْآن الْعَظِيم المتشرفين بمدح جده الرَّسُول الْكَرِيم قَالَ حَضَرنَا بَين يَدي مَوْلَانَا الشريف حسن فِي صَبِيحَة لَيْلَة عرسه على بعض الشريفات المخدرات فِي جمع عَظِيم بِمَكَّة فقرأنا مَا تيَسّر من الْقُرْآن الْعَظِيم ثمَّ أنشدنا مَا يسره الله من المدائح الشَّرِيفَة فوصلت إِلَى مَوْلَانَا الشريف معشرة متوسطة مَمْلُوءَة من الذَّهَب الجلالي وَاحِد بِعشْرَة من قبل عمَّة السُّلْطَان جلال الدّين أكبر فَأمر بجميعها لأهل المديح الْمَذْكُورين مَعَ كَثْرَة مَا فِيهَا وَلم ينظر إِلَيْهَا إِلَّا نظر إحاطة لأجل الْمُكَافَأَة وَقَالَ هَذَا نصيب الْجَمَاعَة رفع الله ذَاته الشَّرِيفَة الفاخرة وَجمع لَهُ بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن ذَلِك أَنه زار فِي بعض الأعوام قبر جده عليه الصلاة والسلام وَكَانَ عَادَة سَادَاتنَا حماة الْحَرَمَيْنِ الشريفين لما وصلوا إِلَى الزِّيَارَة يتصدقون على جيران الحضرة النَّبَوِيَّة صَدَقَة خَاصَّة تشْتَمل على أَسمَاء الْعلمَاء والحكام والصلحاء والخدام وسكان الرَّبْط والأرامل والأيتام والعساكر السُّلْطَانِيَّة الخيالة والحصارية وخدام العمائر الخاقانية وخدام الْعين الزَّرْقَاء الروية وَلكُل اسْم قدر معِين من الأشرفية الْفضة كل أشرفي عشرَة محلقة فَأمر مَوْلَانَا الشريف حسن أَن يَجْعَل مَكَان كل أشرفي فضَّة دِينَار جَدِيد ذهب ثمَّ اتّفق لمولانا زِيَارَة ثَالِثَة صرف فِيهَا أَمْوَالًا جزيلة فِي وُجُوه مُتعَدِّدَة مِنْهَا أَنه أَمر بِالصَّدَقَةِ أَن توزع على عَادَتهَا الْقَدِيمَة فَلَمَّا صرف معظمها قَالَ لَهُ
السَّيِّد مُحَمَّد بن سعد نقيب الْأَشْرَاف بِالْمَدِينَةِ المنورة إِن فِي هَذَا الدفتر الْمُبَارك جمَاعَة كَانُوا صغَارًا فكبروا وبالعلم تقدمُوا وتصدروا فاستوجبوا من مَوْلَانَا كَمَال الْعِنَايَة ووافر الرِّعَايَة فَأجَاب جَوَابا شَامِلًا لأعلى مَرَاتِب الْفضل وَالْأَدب وَأجل مناصب السؤدد والحسب وَقَالَ إِن هَذَا الدفتر أمره لمولانا الْوَالِد الشريف أبي نمي فَيصْرف على حكمه من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان ثمَّ جدد دفتراً برسم زِيَادَة الْإِحْسَان لمن ذكرنَا عاليه من عُظَمَاء السَّادة ثمَّ أنعم على أهل الدفتر الْجَدِيد بأضعاف مَا هُوَ مُقَرر فِي الدفتر السَّابِق ثمَّ برز أمره الشريف بِأَن يعْطى لكل من وصل مَعَهم من الأتباع وَأَتْبَاع الأتباع عَطاء لائقاً بمقامه الخطير عَم الْقَرِيب والبعيد والأحرار وَالْعَبِيد وَالصَّغِير وَالْكَبِير ثمَّ تصدق صَدَقَة مخفية بعد أَن مضى ثلث اللَّيْل على العميان والمرضى وَالنِّسَاء والعاجزين من الزمنى والمقعدين قصدهم بذلك إِلَى أماكنهم قيل بِنَفسِهِ الشَّرِيفَة وَقيل مَعَ من يعْتَمد عَلَيْهِ وَمن حَسَنَاته الَّتِي تفرد بهَا أَنه كَانَ فِي كل زِيَارَة عِنْد مُنْصَرفه من بَاب الْحرم النَّبَوِيّ يَأْخُذ فِي يَده الشَّرِيفَة كيساً مملوءاً من الذَّهَب وَالْفِضَّة ثمَّ يجْتَمع عَلَيْهِ فُقَرَاء الحضرة النَّبَوِيَّة وأطفالهم لما هُوَ مُقَرر مَعْلُوم عِنْدهم من إحسانه فيلاطفهم عِنْد كل مَحل فسيح ثمَّ يَقُول أنثر عَلَيْكُم من هَذَا المَال فَإِذا قَالُوا نعم نثر عَلَيْهِم من ذَلِك جملَة فيزدحمون على أَخذ ذَلِك وَهُوَ ينظر إِلَيْهِم مَعَ كَمَال السرُور والفرح وَيسْتَمر على ذَلِك مرّة بعد أُخْرَى حَتَّى ينفذ جَمِيع مَا عِنْده وَاتفقَ لَهُ رحمه الله رَحْمَة وَاسِعَة فِي بعض زياراته المقبولة وَكَانَ يفعل مَا ذكر من نثر الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فاستوقفته امْرَأَة تَشْكُو عَلَيْهِ حَالهَا فَوقف لَهَا والمطر نَازل عَلَيْهِ من غير حَائِل وَهِي آخذة بلجام فرسه مَعَ غَايَة الازدحام يَمِينا وَشمَالًا وخلفاً وأماماً فَلم يبرح حَتَّى انْتَهَت شكواها وَتركت لجام الْفرس باختيارها وهواها فَانْظُر إِلَى هَذَا الْمقَام أَيهَا النَّاظر بِعَين الْإِنْصَاف فَمَا أَجله من مقَام وَلَا غرو فَذَلِك نفح طيب سيد الْأَنَام عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَمِمَّا مدح بِهِ مَوْلَانَا الشريف حسن مَا قَالَه الْعَلامَة الْفَاضِل الشَّيْخ نور الدّين عَليّ الشهير بالجم مُعَارضا لزائية الطَّيِّبِيّ وَعبد الرَّحْمَن الكثيري فَقَالَ // (من الْخَفِيف) //
(خطرَتْ فِي موشياتِ الخزوز
…
وتثنَّتْ بأسمرٍ مهزوزِ)
(ونضَتْ من جفونها النعْسِ سَيْفا
…
فأراقَتْ دمَ الفتَى المحروزِ)
(وأماطَتْ عَن العقيقِ فأبدَتْ
…
بارقاً من وشاحِهَا الفيروزي)
(وتثنَّتْ فللحلي تناغٍ
…
فِي قضيبٍ من خالصِ الإبريزِ)
(غادةٌ فِي وشاحها حينَ تبدو
…
مِنْ لآلىً حُليها فِي جروزِ)
(غادةٌ تسلبُ البدورَ إِذا مَا
…
سَفَرتْ عَن موشمٍ مغروزِ)
(غادةٌ قد سعَتْ بكاسِ مدامٍ
…
مزجَتْه بالغنجِ والتغميزِ)
(خندريساً دفعْتُ عقلى فِيهَا
…
حينَ همَّتْ من دونهَا بالبروزِ)
(لبسَتْ من حبابها تَاج دُرِّ
…
فجلاها مديرها فِي خزوزِ)
(هِيَ شمسٌ يديرها بَدْرُ أفقٍ
…
فوقَ لدنٍ مثقفٍ مهزوزِ)
(إِسْقِنِيهَا مزجا بظلْم لماها
…
كي أداوي بهَا لظَى تمُّوزِ)
(إسقنيها ودَعْ مقالَ سفيهٍ
…
قد أَطَالَ الجدالَ فِي التجويزِ)
(إسقنيها على الشروطِ فَإِنِّي
…
أمرؤ لَا أقولُ بالتجليزِ)
(إسقنيها فِي روضةٍ من شقيقٍ
…
طرزَتَها يدُ الحيا تطريزي)
(إسقنيها وهادلُ الورقِ يشدو
…
فوقَ شاطى النهورِ بالملغوزِ)
(إسقنيها مَعْ كلِّ أحورَ أحوَى
…
كاملِ الحسنِ كالقنا المركوزِ)
(إسقنيها وعنفوانُ شَبَابِي
…
يافعٌ والسرورُ حَال النهوزِ)
(إسقنيها فزوج الكهل ظلما
…
بعجوزٍ تمشي على عكوزِ)
(إسقنيها قديمةَ العهدِ بِكْرًا
…
تَوَّجَتْهَا الملوكُ حَال البروزِ)
(إسقنيها فَمَا خلاصِىَ مِنْهَا
…
غَيْر مدحِى لنجلِ طه العزيزِ)
(حسنٌ مَنْ رقَى سمو الْمَعَالِي
…
فَهُوَ للفضْلِ والثنا كالمجيزِ)
(ملكٌ لَو توعَّدَ الدهْرَ يَوْمًا
…
أصبحَ الدهْرُ مِنْهُ فِي تفزيزِ)
(كَفه إِن تجافتِ السحبُ غيثٌ
…
وَدْقه باللجينِ والإبريزِ)
(زَاده اللهُ فِي البسيطةِ بسطاً
…
وحماهُ بحفظِهِ المحروزِ)
(ووقاه من حادثِ الدهرِ طُرًّا
…
مَا تلى الذّكْر فِي الكتابِ العزيزِ)
وَقَالَ الشَّيْخ على الْمَذْكُور أَيْضا يهنيه بالظفر فِي غَزوه جبل شمر وإيقَاعه ببني لَام وَذَلِكَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة // (من الْخَفِيف) //
(كَيفَ يكفيكَ من دمِ الأبطالِ
…
مَا أسالَتْ لكَ الظبا والعواليِ)
(قد بكَتْ رَحْمَة عَلَيْهِم مواضيك
…
نجيعاً جرى بميم ودالِ)
(وانثنَتْ عنهمُ الرماحُ امتنانا
…
بعد جازَتْ مَرَاتِب الإِعتدالِ)
(لم تزلْ ممتط لَهُم كلَّ غادٍ
…
سَابق فِي النفوسِ والأموالِ)
(ذى جبينٍ مغررٍ بِالثُّرَيَّا
…
وأيادٍ منعولةٍ بالهلالِ)
(وأديمٍ قد شقَّ من شقفِ الأفْق
…
وعَدْوٍ كالريحِ فِي الإرسالِ)
(وحساماً يرْوى عَنِ الْمجد قولا
…
أعرَبَتْهُ الرماحُ بالأفعالِ)
(أعجمي لكنْ لَهُ ترجمانٌ
…
بلسانِ الطلا فصيحُ المقالِ)
(كلَّما كلّم الرُّءُوس بلفْظٍ
…
صَدَقتْهُ الأعناقُ بالإنفصالِ)
(وجيادٍ جُرْدٍ تخوضُ المنايا
…
لبلوغِ المنَى وحُسْنِ المآلِ)
(وليوثٍ تلقى الحتوفَ اشتياقاً
…
كلقىِّ الحبيبِ حينَ الوصالِ)
(يَا مليكاً رمى الزمانَ بسهمٍ
…
لم يكنْ للزمانِ مِنْهُ ببالِ)
(زعم الدهْرُ أَن يصيبَ رعاياك
…
بضيمٍ حاشاك مِنْ ذَا المحالِ)
(مَا درى الدَّهْرُ أيّ قرمٍ نزال
…
إِعتراه وأَىّ خصمِ جدالِ)
(مَا درى أنكَ المليكُ الذى سُدتَ
…
جميعَ الْمُلُوك بالإجمالِ)
(مَا درى أنكَ الكريمُ الَّذِي قد
…
خُصَّ بالمكرماتِ من ذِي الجلالِ)
(مَا دَرَى يابنَ فاطمٍ وعليِّ
…
وابْنَ خَيرِ النسا وخيرِ الرجالِ)
(أنكَ الماجدُ الَّذِي عَمَّ أهلَ اْلأَرضِ
…
شرقاً ومغرباً بالنوالِ)
(مَا درَى أنكَ الَّذِي لَا تلاقَى
…
فِي نزالٍ وَلَا بِشُمِّ الجبالِ)
(يَسْأَمُ الْمجد والدواوين والأَقْلام
…
والفَضْل والحجى والمعَالِي)
(والعوالى والمشرفيَّة والغارَات
…
والخَيْل واللِّقَا والنزالِ)
(كم تخطَّتْ صَدرا وشكَّتْ فؤاداً
…
وتمطَّتْ بمفرقٍ وسبالِ)
(وأسالَتْ فِي الشرق سيل نجيعٍ
…
سارَ فِي الغربِ بالرواسي الثقالِ)
(وسبَتْ حلَّة وحلَّتْ محلَاّ
…
قصر البَدْر عَنهُ فِي الإتصالِ)
(مَا بَنو لَام مَا قبائلُ نجدٍ
…
مَا لقاءُ الفرسانِ والأبطالِ)
(إِن هُمُ فِي لقاكَ إِلَّا شياهٌ
…
بمخاليبِ الأسدِ والأشبالِ)
(جعلتهم بزاتك الشهُّب طُعْمًا
…
حينَ مزَّقتهم برشقِ النبالِ)
(حِين امطرتَهُمْ سحابَ المنايا
…
وبروقُ الظبا عَلَيْهِم تلالِي)
(والرزايا لخَيْلها واثبات
…
فيهمُ مرعدات بالتصهالِ)
(أَيْن منهُمْ حلمٌ وصفحٌ جميلٌ
…
مِنْك حاطَ الورَى بأيدي الكمالِ)
(لَو أَتَوا حَاقِنِى دماهُمْ لفازوا
…
مِنْكَ بالمكرماتِ والأفضالِ)
(وغدوا فِي مسرَّةٍ وهناءٍ
…
وأمانٍ من الوبا والوبالِ)
(غَيْرَ أَن الْإِلَه جَرَّدَ فيهمْ
…
سيفَ قَهْرٍ ماضي المضاربِ صاليِ)
(ورماهُمْ بقهرمانِ ملوكِ اْلأرضِ
…
ماضي القضا شَدِيد المحالِ)
(حسن الذَّات وَالصِّفَات عَظِيم الْمَجْدِ سامي الْعلَا شَرِيف الخصالِ)
(مخجل الْبَدْر قاهر الدَّهْر مزْرِى البحْرِ
…
بالجود والنهَى والجمالِ)
(خَفَقَتْ بالسعودِ راياتُهُ البِيضُ
…
فراحَتْ كالزهْرِ جنح اللَّيَالِي)
(دَامَ للدينِ ناصراً فِي نعيمٍ
…
أبَدًا سرمداً بغَيْرِ زوالِ)
(مَا هَمَتْ فى العدا بروقُ مواضِيهِ
…
بنصْرٍ مسترسلٍ هَطَّالِ)
(وشدَتْ مادحي عُلَاهُ وقالَتْ
…
كف يَكْفِيك من دمِ الأبطالِ)
وَقَالَ أَيْضا يمدحه ويهنيه بِالْفَتْح ويعزيه بِعَمِّهِ السَّيِّد حَازِم رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْخَفِيف) //
(آهِ مابي من جلنارِ الخدودِ
…
وعذابِى مِنْهَا بذاتِ الوقودِ)
(ومصابِى مِنْ مائساتِ قدودِ
…
أطلعَتْ بالبها ثمارَ النهودِ)
(كُلّ هَيْفَاءَ تَنْثَنِى بِقوامٍ
…
غُصْن بَانٍ على كَثِيبِ زَرُودِ)
(ذَات ثَغْرِ كالدرِّ فِي لازوردٍ
…
برضابٍ يَحْكِي ابْنة العنقودِ)
(نافح عَن مسك ذكيِّ وعطرٍ
…
عنبريِّ وفاتقٍ عَن ورودِ)
(يلمعُ الْبَرْق والدراري توارى
…
حينَ تفترُّ عَن شتيتِ برودِ)
(كم حلا لي فِيهِ التغزُّل مَعْ كُلْلِ
…
غزالٍ وغادةٍ أملودِ)
(حبذا دولَةُ الشبابِ وعصْرٌ
…
بالتصابِى قد مَرَّ كالمطرودِ)
(زرتُهُمْ والشبابُ يشفعُ لى والعَيْشُ
…
يخضرُّ مِنْهُ يانعُ عودي)
(فِي ليالٍ بسامر فِي رياضٍ
…
مشرقاتٍ فِي ظلها فِي عقودِ)
(بَين آسٍ ونرجسٍ وورودٍ
…
كعذارٍ وناظرٍ وخُدُودِ)
(وحمامُ الآراكِ تشدو بمَدْحِ
…
الملكِ الأمجدِ الكريمِ الجدودِ)
(حَسَنُ الذاتِ والصفاتِ بدا فِي
…
أفق الْمجد بَدْر هَذَا الوجودِ)
(قمرٌ أشرَقَ الْحجاز ووَجْهُ الْكونِ
…
من نوره وَهُوَ فِي المهودِ)
(فظننا عِيسَى بن مَرْيَمَ قد جَاءَ
…
لإصلاحِ دَهْرنا المفسودِ)
(فَهْو إِن لم يكنْ نبيًّا فإبْنُ الأنبياءِ
…
الكرامِ سامي المجودِ)
(وابنُ مَنْ جَاءَ بالهدايةِ والرشْدِ
…
وسَنَّ الحدودَ فِي المحدودِ)
(وابنُ مَنْ قد شَقَّ السمواتِ عزماً
…
ودنا من إلهِهِ المعبودِ)
(زُرْهُ إِن شئتَ أَن تزور سُلَيْمَانَ
…
جلالاً وصالحاً فِي ثمودِ)
(شَيَّدَ الدينَ بالعوالى وأضحَى
…
بالمعالي كالوالِهِ المعمودِ)
(وحَمَى البيتَ والحطيمَ بيضٍ
…
مسرفاتٍ تجاوزَتْ فِي الحدودِ)
(وبِخَيْلٍ سوابقٍ وجيادٍ
…
سابحاتٍ تدوسُ قلْبَ الحسودِ)
(لابساتٍ من الدماءِ جلابيبَ
…
تهادَى مخضباتِ الزنودِ)
(ترتمِى فِي سحابةٍ من نسورٍ
…
وأُسُودٍ من جيشِهِ والجنودِ)
(وبغابٍ من القنا والعوالِى
…
مرسلاتٍ لغلِّ قلبِ الحقودِ)
(قاذفاتٍ بكلِّ ظبْىٍ غرير اللَحْظِ
…
لكنَّ القَلْبَ من جلمودِ)
(وبهمْ أَبيض الْمحيا مُغِير الْبَدْر
…
بالتّمِّ والبها والسعودِ)
(واهبُ الخيلِ والمماليكِ والأعمارِ
…
والرزْقِ للعبادِ الوفودِ)
(يختشي الدهْرُ من سطاه وَتَخْشَاهُ
…
المنايا بالحادثاتِ السودِ)
(ناشراً من لوائِهِ كلَّ عدلٍ
…
باسطاً فِي بساطِهِ كُلَّ جودِ)
(كتب النَّصْر فى حَوَاشِيه إِنى
…
عَبْدُ رِقِّ لذَلِك المعقودِ)
(دامَ فِي رفعةٍ ونَشْرٍ وطَىِّ
…
للمعالي وخافقاتِ البنودِ)
(مَا همي الغيثُ بالربا وأضا البَدْرُ
…
فحاكَى لبشرِهِ المعهودِ)
(واستهلَّتْ بالشرقِ سحْبٌ غزارٌ
…
تَغْشَ شمساً ثوَتْ ببرجِ اللحودِ)
(حَازِم الملكِ سيد الشهدا مَنْ
…
بلقاهُ قد زَانَ دارَ الخلودِ)
(غسلته حور الجنانِ مَعَ الوِلْدَانِ
…
فِي حوضِ الكوثرِ المورودِ)
(وادرجته الاملاكُ فِي سندسىِّ
…
بحنوطٍ من رحمةٍ معدودِ)
(فعزاء آل النبيِّ بحقِّ
…
وهناء بالنصْرِ والتأييدِ)
(وهناء بالصومِ فِي رمضانٍ
…
وهناء بالفطْرِ والتعييدِ)
(دُمْتَ للملكِ والممالكِ والخَلْقِِ
…
مَدَى الدَّهْر دَائِما فِي سعودِ)
(مَا هَمَى الغيثُ حاكيًا جودَ كَفَّيْكَ
…
فأبكَيْتَهُ بجودِ الجودِ)
(وَغدا طائرُ الجوانحِ مِنِّى
…
بمديحِ المليكِ فى تغريدِ)
وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن أبي كثير يمدحه // (من الْخَفِيف) //
(أَسْعِفِى الصَّبَّ باللقا والتلاقِى
…
وانقذِيِهِ من القِلَى والتلافِى)
(وارحَمِى من يَد الهوَى أسلَمَتْهُ
…
للتباريحِ مِنْ جوى وتجافِي)
(مستهاماً لَهُ التصبُّرُ أضحى
…
خائناً فِي الغرامِ والدمع وافِي)
(هام فِي حُبِّ غادة لَو أعارَتْ
…
نورها الشَّمْس لم تُرَعْ بانكسافِ)
(ظَلْمُهَا القرقفي يسْقِي أَقَاحًا
…
أَو لآلٍ من الثنايا الرهافِ)
(حف دُرَّا بهَا زُمرُّدُ وشْم
…
فتحلَّى مِنْهُ بحسنِ اكتنافِ)
(حرسَتْهُ مِنْهَا بعثال قَد
…
حيثُ أمستْ معسولةَ الترشافِ)
(وَبِه قد حمَتْ دروراً لذيذاً
…
ووروداً من أنملِ القطافِ)
(لَو أرتْكَ الأثيثَ فَوق المحيَّا
…
وتثنِّى القوامِ فِي الأردافِ)
(شِمْتَ بَدْرًا يضئ فِي جنْحِ ليلٍ
…
وقضيباً يميسُ فِي الأحقافِ)
(أيأستْنِى بقسوةِ القلْبِ لكنْ
…
أطمعتني الأعطاف بالإنعطافِ)
(فَكَأَنِّي فِي الحُبِّ مَا بَين يأسٍ
…
ورجاءٍ فِي موقفِ الأعرافِ)
(لم تفوقْ سَهْما من الحسنِ إِلَّا
…
وحشا العاشقينَ كالأهدافِ)
(أسقمتني مِنْهَا جفونٌ ضعافٌ
…
وعجيبٌ يَأْتِي الضنا مِنْ ضعافِ)
(هِيَ دائِى وأطلبُ الْبُرْء مِنْهَا
…
كيْفَ داءٌ يكونُ للسقمِ شافي)
(فاتكٌ لَحْظُهَا وَلم نَرَ عضبا
…
قاتلَا وَهُوَ مغمدٌ فى غِلافِ)
(وَبِه قد غَرَتْ فكلُّ فؤادٍ
…
متلفٌ بالجراح الإذفافِ)
(كمواضي سلطانِ مكَّة لما
…
ينتضيها للفتكِ والإتلافِ)
(حَسَن مَنْ لَهُ الملوكُ عبيدٌ
…
كالرعايا مهشومة الآنافِ)
(ملكٌ مَا لَهُ من الخلقِ مثلٌ
…
فِي الْمَعَالِي وَمَا لَهُ مِنْ مُكافي)
(ملكٌ مَنْ رَآهُ يسجدُ ذُلاًّ
…
لَو رَآهُ سابُورُ ذُو الإكتافِ)
(ملكٌ لَو بِهِ البريةُ لاذوا
…
لغَدَوْا مِنْهُ فِي غِنّى وكنافِ)
(ملكٌ ملكُهُ رياضُ أمانٍ
…
مثمرات بالعدلِ والإنصافِ)
(ملكٌ ملكه سماءُ معالٍ
…
آمنٌ بَدْرُهَا من الإنخسافِ)
(ملكٌ قد تَلا الْكتاب علينا
…
فِيهِ وَصفا مِنْ أعظمِ الأوصافِ)
(فَهْوَ إبْنُ الضحَى وطه وَيَاسِين
…
وطاسين وابنُ نونٍ وقافِ)
(كُلُّ ملكٍ فعينه لمعالي
…
ذَاته لَا تزالُ فِي استشرافِ)
(بدرُ كلِّ الملوكِ فى أُفُقِ الملكِ
…
وتاجٌ لهامة الأشرافِ)
(بحلاه بَنو الرسولِ تحلَّتْ
…
وذووه وآلُ عبد منافِ)
(كلُّ مجد فَمَا لَهُ عَنْ مداه
…
مانعٌ من تقاصرٍ وانكفافِ)
(فالدرارِىْ فِي الأفقِ قد فاقَهَا فِي
…
شرفٍ باذحٍ وَفِي إشرافِ)
(باتفاقٍ فاق الملوكَ علوا
…
وعُلا الكُلِّ مَا خلا من خلافِ)
(فسجاياه فِي الْعلَا كسجايا
…
حيدرٍ جدِّهِ بغيرِ تنافِى)
(فاعلاتٌ لَهُ بيوتَ ثناءٍ
…
سالماتٌ بسعده من زحافِ)
(ألمعىٌّ يدْرِي الَّذِي غَابَ عَنهُ
…
بذكاءٍ يجلو لَهُ كُلَّ خافي)
(وَمَتى أسقَمَ النُّهَى كَشفُ صَعْبٍ
…
فتجدْهُ يزيلُهُ كالشافي)
(كعبةٌ تقصدُ الْوُفُود حماها
…
جاعلي بَابه لَهُم كالمطافِ)
(قد غَدا للحُفَاةِ فِيهِ معاذٌ
…
وملاذٌ ومأمنٌ من مخافِ)
(وأنامَ الأنامَ فِي ظلِّ عدلٍ
…
وارفٍ لم يزل على الخلقِ ضافي)
(وجرَى رزقُهُمْ على راحتيه
…
فَهْىَ ترْضى كُلاًّ برزقٍ وافِ)
(منهلُ المكرماتِ كَانَ أجاجا
…
وَبِه صارَ حالىَ الوردِ صافي)
(ورباه الذاوِى غَدا مِنْهُ روضاً
…
ذَا زهورٍ أنوارُهُ فى اختلافِ)
(فنداه قوادمُ الريحِ تَعْيَا
…
عَن مجاراتِهِ وَتبقى خوافِي)
(من يقسه بالسحْبِ يخطِى فهذي
…
تعطِ مَاء ودمعُهَا فِي انذرافِ)
(وَهُوَ يعطيكَ باسِمَ الثغرِ طلقاً
…
وعطاياه عَسْجَدٌ بالجزافِ)
(كاتباه لم يكتُبَا لفْظَ منْع
…
مُنْذُ منشاه لَا عَلَيْهِ وَلَا فِي)
(يهبُ الألْفَ ثمَّ لم يَهَبِ الألًفَ
…
فكلٌّ لَدَيْهِ بالآلافِ)
(إِن يَجُدْ فالنوالُ يملا الْأَرَاضِي
…
أَو يَجُلْ فالنقيعُ يملا الفيافي)
(ضيغَمٌ إِن حمي الوطيسَ فأذكَى
…
جمْرَ طعنٍ مَا إِن لَهُ مِنْ طافي)
(وَرَأَيْت الكماة تسقى مداماً
…
من منونٍ بأكؤسِ الأسيافِ)
(وحياضَ المنونِ تلجئ كُلاّ
…
لورودٍ من صابها واغترافِ)
(خاضه جاعلُ الفؤادِ دلاصاً
…
والظبا عَزمَة كحدِّ الرهافِ)
(وَبِه اختالَ لابساً بردَ بأسٍ
…
خاطراً فِيهِ مُعْلِمَ الأطرافَ)
(وأباد الجيوشَ بالقتْلِ حَتَّى
…
صيَّرَ السيفَ والقنا فِي رعافِ)
(ولكَمْ من جحافلٍ صرْنَ مِنْهُ
…
رمماً مَا اهتَدينَ للإنصرافِ)
(وَلكم من كتائبٍ من سطاهُ
…
قد تفانوْا بالخوفِ والإرجافِ)
(فَهُوَ يخشَى ويرتجي يَوْم بطشٍ
…
ونوال للمعتدِى والمضافِ)
(يَا مليكاً قد جلَّ عَن كل وصفٍ
…
حيثُ فِيهِ مدحٌ من الله كَافِي)
(لَو نظمنا فيكَ الدراري مديحاً
…
لَا يوازِى مقدارَكُمْ ويكافي)
(دُمْ لَك الملكُ خَالِدا والعوالِى
…
والمواضِى فِي عزَّةٍ وعوافي)
(والجديدانِ يخدمانِكَ طَوْعًا
…
بِالَّذِي شِئْتَهُ بغيرِ خلافِ)
(والمقاديرُ فِي مراضيكَ تسعَى
…
أبدا بالإسعادِ والإسعافِ)
(وصلاةٌ ختامها المسكُ تغشَى
…
جَدَّكَ الظُّهْرَ سيدَ الأشرافِ)
وَكَانَ الشريف حسن رحمه الله استخدم فِي آخر عمره سنة ثَلَاث بعد الْألف بشخص من أَبنَاء الحضارم يُسمى عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عَتيق كَانَ عبد الله بن عَتيق تزوج بِنْتا من بَنَات الشَّيْخ مُحَمَّد جَار الله بن أَمِين الظهيري فَجَاءَت مِنْهُ بِعَبْد الرَّحْمَن هَذَا وأخيه أبي بكر فتحشر عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي
الشريف حسن وَبَقِي يفهمهُ النصح فِي الْخدمَة وسحر الشريف حسن إِلَى أَن تمكن مِنْهُ غَايَة التَّمَكُّن وَبَقِي حَاله كَمَا قَالَ الشَّاعِر // (من السَّرِيع) //
(أمرُكَ مردودٌ إِلَى أمرِهِ
…
وأمرُهُ ليسَ لَهُ رَدُّ)
فتسلط عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور على جَمِيع المملكة وَتصرف فِيهَا كَيفَ شَاءَ وَبَقِي كل من يَمُوت سَوَاء كَانَ من أهل الْبَلَد أَو من التُّجَّار أَو من الْحجَّاج يستأصل مَاله بِحَيْثُ لَا يتْرك لوَارِثه شَيْئا وَلَا المحلق الْفَرد فَإِذا تكلم الْوَارِث أظهر لَهُ حجَّة أَن مُوَرِثه كَانَ قد اقْترض مِنْهُ فِي الزَّمن الْفُلَانِيّ كَذَا وَكَذَا ألف دِينَار وَيَقُول هَذَا الَّذِي أَخَذته دون حَقي وَبَقِي لي كَذَا وَكَذَا وَطَرِيق كِتَابَته لهَذِهِ الْحجَّة وأمثالها على مَا بَلغنِي مِمَّن أَثِق بِهِ أَن كتبة المحكمة تَحت أمره وقهره فيأمرهم بِكِتَابَة الْحجَّة فيكتبونها وَعِنْده أَكثر من مائَة مهر للقضاة والنواب السَّابِقين فيمهرها وَيَأْمُر عبد الرَّحْمَن المحالبي أَن يكْتب إِمْضَاء القَاضِي الَّذِي قد مهر الْحجَّة بمهره وَيكْتب خَاله الشَّيْخ عَليّ بن جَار الله وَأَخُوهُ الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن جَار الله شَهَادَتهمَا وَيكْتب الشَّيْخ عَليّ أَيْضا عَلَيْهَا مَا نَصه تَأَمَّلت هَذِه الْحجَّة فَوَجَدتهَا مسددة وَيشْهد بذلك مُحَمَّد بن عبد الْمُعْطِي الظهيري وَابْن عَمه صَلَاح الدّين بن أبي السعادات الظهيري وَأحمد بن عبد الله الْحَنْبَلِيّ الظهيري وَغَيرهم ثمَّ إِنَّه يظْهر الْحجَّة ويقرأها بَين النَّاس وجميعهم يعرف أَنَّهَا زور لَا أصل لَهَا وَلَا يقدرُونَ أَن يتكلموا بِكَلِمَة وَاحِدَة خوفًا من شَره وَقُوَّة قهره وَاسْتولى بِهَذَا الأسلوب على مَا أَرَادَ كَمَا أَرَادَ وَإِذا شُكِيَ عَليّ الشريف حسن رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول هَذِه حجَّة شَرْعِيَّة وشهودها مثل هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة الأجلاء كَيفَ أردهَا فنفرت قُلُوب النَّاس من ابْن عَتيق وضجوا وضجروا وكل من أمكنه السّفر سَافر وَمَا تَأَخّر إِلَّا الْعَاجِز وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب كلما سمع شَيْئا من هَذِه الْأُمُور تألم غَايَة التألم فَأول مَا اسْتَقل بالسلطنة أرسل من الْمَبْعُوث قبل وُصُوله إِلَى مَكَّة رسله بمسك ابْن عَتيق فمسك يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر فِي سَاعَة نحوسية وَاسْتمرّ فِي الْحَبْس يَوْم السبت والأحد فَلَمَّا وصل الشريف أَبُو طَالب وَتَوَلَّى أَمر وَالِده الشريف حسن وَدَفنه
استدعي ابْن عَتيق وَسَأَلَهُ عَن أَفعاله فَقَالَ قد فعلت جَمِيع ذَلِك ثمَّ رده إِلَى الْحَبْس فَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ أَخذ ابْن عَتيق جنبية العَبْد الوصيف المرسم عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فَاسْتَيْقَظَ العَبْد وخلصها مِنْهُ فَلَمَّا أصبح الوصيف أخبر سَيّده الشريف أَبَا طَالب بذلك فجبذ جنبيته وَقَالَ لَهُ خُذ هَذِه وَقل لِابْنِ عَتيق لَا تسرق الجنبية فِي اللَّيْل هَذِه جنبيتي إِن كنت تُرِيدُ أَن تقتل نَفسك فَاقْتُلْهَا وأسرع بإرسالها إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير فَلَمَّا جَاءَ الوصيف وَقَالَ لَهُ مَا قَالَه الشريف أَبُو طَالب أَخذهَا مِنْهُ وَأدْخل مِنْهَا فِي بَطْنه نَحْو إِصْبَع ثمَّ أخرجهَا ثمَّ أَعَادَهَا وَأدْخل مِنْهَا ضعف الأول ثمَّ أخرجهَا ثمَّ أدخلها جَمِيعًا ثمَّ أخرجهَا وَقَالَ وامالى وَاسْتمرّ ذَلِك الْيَوْم إِلَى ظهر الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء من جُمَادَى الْآخِرَة من سنة 1010 عشر وَألف فَخرجت روحه إِلَى غير رَحْمَة فقد كَانَ مرتكباً جَمِيع أَنْوَاع الْمعاصِي حَتَّى لقد بَلغنِي من جمَاعَة بِكَثْرَة أَنه كَانَ يسْجد للشمس وَأما انتهاكه للشَّرْع الشريف فشئ لَا يُوصف وَكَانَ يتبجح وَيَقُول الشَّرْع مَا نريده وَلَقَد أبطل فِي أَيَّامه عدَّة من الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة كالوصايا وَالْعِتْق وَالتَّدْبِير وَبَاعَ أُمَّهَات الْأَوْلَاد بأولادهن قَائِلا هَذِه حجَّة شَرْعِيَّة أَن فلَانا سَيِّدهَا اعْترف أَن مَاله جَمِيعه لفُلَان فوطؤها حرَام عَلَيْهِ وَالْولد ولد زنا وَكَثِيرًا مَا يَأْخُذ حجَّة الْعتْق ويمزقها ويتملك الْمَكْتُوب لَهُ الْعتْق فِيهَا حَتَّى أَنه بَقِي إِذا مَاتَ شخص من أَرْبَاب الصرور والحبوب والجهات أظهر على المتوفي فراغاً من هَذَا الأسلوب ويتناول المحلول جَمِيعه ثمَّ هُوَ يَبِيعهُ على شخص آخر فسبحان الْحَلِيم الَّذِي لَا يعجل يُمْهل وَلَا يهمل وَقد قَالَ
إِن رَبك ليملي للظالم حَتَّى إِذا أَخذه لم يكن ليفلته فقد أَخذ ابْن عَتيق على غرَّة وَقتل نَفسه وَرمى بِهِ فِي درب جدة فِي حُفْرَة صَغِيرَة بِلَا غسل وَلَا صَلَاة وَلَا كفن ورمت عَلَيْهِ الْعَامَّة الْأَحْجَار وعملت الْفُضَلَاء فِيهِ تواريخ مِنْهَا قَول بَعضهم // (من الرجز) //
(أَشْقَى النفوسِ الباغيَهْ
…
إِبْنُ عَتِيق الطاغيَهْ)
(نَارُ الجحيمِ استعْوَذَتْ
…
مِنْهُ وقالَتْ ماليَهْ)
(لمَّا أتَى تاريخُهُ
…
أَجِبْ لظى والهاويَهْ)
ذكر هَذَا الْعَلامَة الْخَطِيب الْمُفْتِي عبد الْكَرِيم بن محب الدّين القطبي وَمن خطه نقلت وَهَذَا الشَّيْخ عبد الْكَرِيم هُوَ ابْن محب الدّين أخي الشَّيْخ قطب الدّين المؤرخ النَّهر والى فَيكون ابْن أَخِيه وقطب الدّين عَمه وَأما قطب الدّين نَفسه فَلم يعقب سوى أَربع بَنَات لَا غير انْتهى وأرخت أَيْضا وقاته بِمَا لَفظه يَأْتِي من ألطاف الله مَا لَا يكون فِي البال وَلِهَذَا وَاقعَة هِيَ مَا أَخْبرنِي بِهِ بعض آل الخواجا الشهير بالكركية وَذَلِكَ أَن ابْن عَتيق كَانَ قد قصد جدة بأذية من قسم أذاياه الَّتِي كَانَ يُؤْذِي الْمُسلمين بهَا مِمَّا ذَكرْنَاهُ وأمهله فِي طلب المَال ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا خرج الخواجا من عِنْده أَتَى بَيته وَهُوَ فِي غَايَة التَّعَب والقلق فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث كَانَ الْقَبْض عَلَيْهِ من خدام الشريف أبي طَالب وَنفذ الله سُبْحَانَهُ فِيهِ حكمه وَقد ألهم الخواجا الْمَذْكُور تكْرَار قَوْله يَأْتِي من ألطاف الله مَا لَا يكون فِي البال وألزم جَمِيع أَهله بتكرارها فَفرج الله عَنهُ سُبْحَانَهُ وَكَانَت تَارِيخ وَفَاته كَمَا تقدم ذكرهَا ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب بعد وَفَاة وَالِده الشريف حسن إِذْ هُوَ ولى عَهده بعده وَظهر بالمظاهر الجميلة ووطئ بأخمصه تَاج الْمجد وأكليله واشتهر بِالْولَايَةِ الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة والمكاشفات الْوَاضِحَة الباهرة وانتشرت فِي الْآفَاق والأقطار لَهُ الكرامات الخارقة وَكَفاهُ سر الْأَسْرَار الغامضة الَّتِي دونهَا السيوف البارقة وَاسْتولى على الصَّيَاصِي المتينة الرفيعة والحصون المنيعة الصنيعة وهرعت إِلَى سيول نداه الوراد وسقيت بِسَبَب جدواه الأكباد الصواد لم تزل دولته مَحْفُوظَة وأحواله بِعَين الْعِنَايَة ملحوظة مولده رَحمَه الله تَعَالَى فِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فاستمر فِي الْملك إِلَى أَن كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف وصل مَعَ أَذَان الْعَصْر خبر وَفَاته وَكَانَت بِمحل قرب بيشة فَحمل
فِي التخت على البغال إِلَى أَن تقطعت وعجزت عَن السّير فَحمل فِي شبرية على بعير ووصلوا بِهِ إِلَى مَكَّة ضحوة يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وَصلي عَلَيْهِ عِنْد بَاب الْكَعْبَة الشَّرِيفَة بعد أَن فتحت ونادى عَلَيْهِ الريس من أَعلَى زَمْزَم وَحمل إِلَى المعلاة وَدفن بهَا وَجعل على قَبره قبَّة وَكَانَت وَفَاته آخر لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وتأسف النَّاس على فَقده إِلَى الْغَايَة فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى كَانَ كَرِيمًا لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي أهل بَيته إِلَّا مَا يحْكى عَن أَخِيه السَّيِّد حُسَيْن بن حسن وَكَانَ مهيباً جدا يكسر من إِحْدَى عَيْنَيْهِ لَا لعِلَّة بهَا ذكر عَن جَارِيَة تصب القهوة بَين يَدَيْهِ فِي الدِّيوَان أَنَّهَا أهوت لتأْخذ الفنجان من أَمَام بعض الْحَاضِرين فحبقت فَنظر إِلَيْهَا الشريف أَبُو طَالب نظرة غضب فلاذت نَاحيَة عَن الدِّيوَان وتحاملت على غلصمتها بِيَدِهَا فكسرتها وَسَقَطت ميتَة فَللَّه مِنْهَا شهامة حركتها هَيْبَة وَمِمَّا سمع من كرمه أَنه قبل وَفَاته بأيام كَانَ وَقع من شيخ زعب جِنَايَة فحسبه فِيهَا ثمَّ أَن جمَاعَة الشَّيْخ الزعبي طلبُوا من الشريف أبي طَالب أَن يرضى عَلَيْهِ ويعطوه مَا يطيب خاطره وَاتَّفَقُوا بَينهم على مائَة فرس وَألف بعير وَكَذَا وَكَذَا من الدَّرَاهِم ثمَّ أحضروا جَمِيع ذَلِك ووصلوا بِهِ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُم أَنا مَا كَانَ مرادي إِلَّا تَأْدِيب الشَّيْخ الزعبي وَلَيْسَ غرضي فى طمع مِنْهُ والذى وصلتم بِهِ من الْخَيل وَالْإِبِل هُوَ معاد لكم وَلم يقبل من ذَلِك شَيْئا وكسا الشَّيْخ الزعبي وجماعته الَّذين كَانُوا مَعَه فِي الْحَبْس بعد أَن أطلقهُم وَأمر لَهُم بنفايع جسيمة فَانْظُر إِلَى ملك كريم عَظِيم الشَّأْن وَأما إِعْطَاؤُهُ الْألف الذَّهَب وأمثالها فكثير وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَيْضا وَذَلِكَ قبل أَن يَلِي مَكَّة أَنه زار قبر جده مُحَمَّد
فَلَمَّا أَمْسَى بوادي مر هُوَ وَمن مَعَه أَضَافَهُ رجل من أهل الْوَادي يُقَال لَهُ السودانى فذبح الذَّبَائِح وَمد الموائد وقدمها ثمَّ بلغه أَن الشريف أَبَا طَالب لم يتعش من ذَلِك الطَّعَام وَلم يحضرهُ لبَعض أشغاله فَعمد السوداني الْمَذْكُور إِلَى أَربع أَو خمس من الدَّجَاج فذبحهن وطبخهن
وقدمهن على كيلتين من الْعَيْش فِي زبدية كَبِيرَة صيني وَجَاء يحملهَا إِلَى الشريف أبي طَالب وَقَالَ يَا سَيِّدي هَذَا عشَاء عَبدك اجبر خاطره جبر الله خاطرك فَغسل الشريف يَده وَأكل من تِلْكَ الزبدية لقيمات ودعا لَهُ ثمَّ دخل مَكَّة فَلَمَّا اسْتَقل بِالْولَايَةِ على مَكَّة وَفد عَلَيْهِ السوداني بعد سنة وَقبل يَده فَقَالَ لَهُ الشريف أَبُو طَالب الزبدية الَّتِي تعشينا فِيهَا عنْدك تعيش فَقَالَ لَهُ نعم يَا سَيِّدي مَوْجُودَة فَقَالَ اذْهَبْ فائتني بهَا فَذهب إِلَى وَادي مر وأتى بهَا فَأمر لَهُ فملئت لَهُ ذَهَبا أَحْمَر كيل الزَّبِيب رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وَقد أَخْبرنِي الثِّقَة أَنه حَدثهُ من شَاهد مجامر العنبر موقدة تسير مَعَ نعشه من الْبَيْت إِلَى فرَاغ الدّفن نَحْو ثَلَاثَة عشر مجمرا تعج فى الطَّرِيق والأسواق عجيج اللبان وَمِمَّا قيل فِي مدحه قَول الْعَلامَة الْمُفِيد البارع الْمجِيد مَوْلَانَا وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن عِيسَى بن مرشد الْحَنَفِيّ مادحه وشارحاً غَزَوَاته المقرونة بالنصر وَالظفر ومتخلصاً إِلَى مدح وَالِده الشريف الْحسن بن أبي نمي فَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(نَقْعُ العجاجِ لَدَى هياجِ العثْيرِ
…
أَذْكَى لدينا من دُخَانِ العنبرِ)
(وصليلُ تجريدِ الحسامِ ووقعُهُ
…
فِي الهامِ أشدَى نَغمَة من جؤذرِ)
(وسنا الأسنة لامعاً فِي قسطلٍ
…
أسنَى وأسمى من محياً مسفرِ)
(وتسربل فِي سابغاتِ مسردٍ
…
أزهَى علينا من سدوسٍ أخضرِ)
(وكذاكَ صهوةُ سَابِحٍ ومطهّمٍ
…
أشهَى إِلَيْنَا مِنْ أريكةِ أحوَرِ)
(ولقا الكميِّ مدرعاً فِي مغفرٍ
…
كلقا الغريرِ بمقْنعٍ وبمخمرِ)
(ألفَتْ أسنتنا الْوُرُود بمنهلٍ
…
علقَتْ بِهِ علقَ النجيعِ الأحمرِ)
(وسيوفنا هجرَتْ جوَار غُمُودها
…
شوقاً لهامة كُلِّ أصيَدَ أصعَرِ)
(فتخالُهَا لمَّا تجرَّد عِنْد مَا
…
هاجَ القتامُ بوارقاً بكنهورِ)
(وصَهِيل جُرْد الخيلِ خيل كَأَنَّهُ
…
رَعْدٌ يزمجرُ فِي الجدا المثعنجرِ)
(ودَمُ العدى متقاطرًا متدفقًا
…
كالويلِ كالسيلِ الجرافِ الحورِ)
(ورءوسُهُمْ تجْرِي بِهِ كجنادِلٍ
…
قذفَتْ بهَا موج السيولِ المقمرِ)
(غشيَتْهُمُ فِي العامِ منا فرقَةٌ
…
تركَتْ فريقهم كسَبْسب أقفرِ)
(أودَتْهُمُ قتلا وأطبقَهُمْ إِلَى
…
أَن حطَّمَ الخطىُّ ظهرَ المدبرِ)
(تركَتْ صحاريهم مَوَائِد ضمنَتْ
…
أشلاء كُلّ مسود وغضنفرٍ)
(ودعَتْ ضيوف الوَحْش تقريها بِمَا
…
أقرى المهنَّد والوشيج السمهرِى)
(فأجابَهُ مِنْ كُلِّ غيل زمرةٌ
…
تحدو منارَ عملَّسٍ أَو قسورِ)
(وأظلها ظلل نشاط سحابه المركُوم
…
أَجْنِحَة البزاةِ الأنسرِ)
(فبراثنُ الآسادِ تضبثُ فِي الكلا
…
ومخالبُ العقبانِ تنشبُ فِي المَرِى)
(شكَرَتْ صنيعَ المشرفيةِ والقنا
…
إذْ لم تضفها الهبرُ غير مهبّرِ)
(فغدَتْ قُبُورهم بطونَ الوحشِ مِنْهَا
…
يبعثُونَ إِذا دعوا للمحشَرِ)
(وخلَتْ دِيَارهمْ وأقوَى ربعُهُمْ
…
وسرى السرىُّ مشمرا عَن شمرِ)
(أنفَتْ من استقصاءِ قتلِ شريدِهِمُ
…
كَيْمَا يخبر قَائِلا عَن مخبرِ)
(فثنَتْ أَعِنَّة خَيْلنَا أجيادنا
…
عَنْ قتلِ كُلِّ مزند وحَزَوَّرِ)
(حَتَّى إِذا حَان القطافُ ليانعٍ
…
من أرؤسٍ تركَتْ ولمَّا تؤترِ)
(عصفَتْ بهم ريحُ المنونِ فألقحَتْ
…
وتحركَتْ بزعازعٍ من صرصرِ)
(فدعَتْ سراة كماتنا لقطافها
…
بأناملِ القصْبِ الأصمِّ الأسمرِ)
(فتجهزَتْ لحصادها فِي فيلقٍ
…
لَو يسبحُونَ بزاخرٍ لم يزخرِ)
(مَلأ تتوقُ إِلَى الكفاحِ نفوسُهُمْ
…
توقانها للقا الرداحِ المعصرِ)
(يغشون أبطال الوطيسِ بواسماً
…
كالليْثِ أنْ يلق الفريسة يكشرِ)
(وتخالهم فَوْقَ الجيادِ لوابساً
…
سدا تموجُ بالحديدِ الأخضرِ)
(فَإِذا هُمُ ازدحموا بجزعٍ وانثنوا
…
أورَى زنادُ دروعهم نَارا ترِى)
(جيشٌ طلائعه الأوابدُ إِن تصخْ
…
لوجيبِهِ من قيدِ شهرِ تنفرِ)
(بقتادة الملكِ المشيحِ كَأَنَّهُ
…
بينَ العوالِى ضيغَمٌ فِي مزأرِ)
(ملكٌ تدرَّعَ بالبسالةِ فاغتنَى
…
يَوْم الوغَى عَنْ سابغٍ وَسَنوَّرِ)
(ملكٌ تتوَّجَ بالمهابةِ فاكتفي
…
عِنْد الطعانِ لفرقه عَن مغفرِ)
(ملكٌ إِذا مَا جالَ يَوْمَ كريهةٍ
…
لم تلق غَيْرَ مجدَّلٍ ومغفَّرِ)
(ملكٌ يجهّزُ من جحافلِ رأيِهِ
…
قبل الوقيعةِ جحفلاً لم ينظرِ)
(ملكٌ تُسنم ذروةَ المجدِ الَّتِي
…
مِنْ دونهَا المريخُ بل والمشترِى)
(ملكٌ تذكرنا مواقعُ عضبِهِ
…
فِي الهامِ وقعةَ جدِّهِ فِي خيبرِ)
(ملكٌ إِذا مَا جادَ حدث مُسْندًا
…
عَن جودِهِ جودُ الغمامِ الممطرِ)
(ملكٌ سما عَن أَن أُصَرِّحَ باسمه
…
لسموِّهِ عَن كُلِّ وصفٍ مشعرِ)
(ملكٌ قفا سنَنًا سنياً سنه
…
للمجْدِ وَالِده الزكي العنصرِ)
(ألأَشرفُ الشهْمُ الَّذِي خضَعَتْ لَهُ
…
شُمُّ الأنوفِ وكلُّ جحجاحٍ سَرِى)
(ألأَفضلُ السنَدُ الَّذِي بجنابه
…
لاذَ الغطارفَة الألَى من حميرِ)
(ألأكملُ الندْبُ الَّذِي أوصافُهُ
…
أنسَتْ سما الوضاحِ وابْن المنذرِ)
(ألأكرمُ المفضالُ مِنْ إحسانه
…
أربَى على كسْرَى الملوكِ وقيصرِ)
(ذُو الهمَّةِ الْعليا الَّذِي قد نَالَ مَا
…
عَنهُ تقصِّرُ همةُ الإسكندرِ)
(شرفاً تقاعَسَتِ الثوابتُ دونه
…
لَو لم تُمدَّ بنوره لم تُزهرِ)
(هَبْهَا بمنطقةِ البروجِ مقرُّها
…
أمناهِز هَذَا بُنُوَّةَ حيدرِ)
(كلا فكيْفَ بِمن حواها جَامعا
…
نسبا سما بأبوَّةِ المدثرِ)
(أعظِمْ بهَا من نسبةٍ نبويةٍ
…
علويَّةٍ تنمى لأصلٍ أطهرِ)
(قد شرفَتْ بدءاً بأشرفِ مرسلٍ
…
وَنِهَايَة بالسيِّدِ الحسنِ السَّرِى)
(فَخر الخلائفِ دُرَّة التاجِ الَّذِي
…
بسواه هَامُ ذَوِى العُلَا لم يفخرِ)
(بَشَرٌ ولكنْ فِي صفاتِ ملائكٍ
…
جُليَتْ لنا أخلاقُهُ فاستَبْصِرِ)
(لم تلقه يومَىْ عطا ووغىً سَوى
…
طَلْق المحيَّا فِي حلا المتبشرِ)
(يلقى العفاةَ وقَدْ تلألأ وجهُهُ
…
بسنا السرورِ وذاكَ أنضَرُ منظرِ)
(يعفُو عَن الذنبِ العظيمٍ مجازياً
…
جانيه بالحسنَى كأنْ لم يوزرِ)
(يَا سيِّدَ الساداتِ دونَكً مِدْحَةً
…
نفحَتْ بعرفٍ مِنْ نداكَ معطَّرِ)
(قد فصِّلَتْ بلآلىء المدحِ الَّتِي
…
وقَفَ ابنُ أوسٍ دونهَا والبحتُرِى)
(وَافَتْكَ ترفُلُ فِي برودِ بلاغةٍ
…
وبراعةٍ لبرودِ صَنْعَا تزدرِي)
(صاغَتْ حلاها فكرةٌ قد زانها
…
شَمَمُ الإباءِ من امتداحِ مقصِّرِ)
(مَا شانها نَطْمُ القريض تكسُّبًا
…
لَوْلَا مقامُكَ ذُو الْعلَا لم تشعرِ)
(مَا شانها إِلَّا اكتسابُ فضائلٍ
…
تغنيه عَن شَرَفِ العظامِ النُّخَّرِ)
(فوردتُ منهَلَها الروىَّ فَلم أجدْ
…
أحدا فنلْتُ صفاه غَيْرَ مكدرِ)
(فَنَهَلْتُ مِنْهُ وعلَّنى بنميرِهِ
…
ولبثْتُ وارده ولمَّا أَصْدُرِ)
(وطَفِقْتُ فِيهِ غائصًا للآلىء
…
فِي غَيْرِ نظمِ مديحِكُمْ لم تنثرِ)
(لَا تدعُنِى الْعليا رضيعَ لبانِهَا
…
إِن كنْتُ فِي تِلْكَ المقالَةِ مفترِي)
(خُذْهَا عقيلَةَ كسْرِ خدرِ فصاحةٍ
…
سفرتْ نقاباً عَن محيا مسفرِ)
(جمعت فصاحةَ منطقِ الاعرابِ مَعْ
…
حْسْنِ البيانِ ورقَّة المستحضرِ)
(لَو شامَهَا قُسٌّ لما سُمِعَتْ لَهُ
…
بعكاظَ يَوْمًا خطبةٌ فِي منبرِ)
(شرفَتْ على مَا عارضَتْهُ بمدْحِ مَنْ
…
أضحى القريضُ بِهِ كعقْدٍ جوهرِى)
(فاستَجْلِهَا وافَتْ تهنِّى بِالَّذِي
…
نفحَتْ بشائره بمسْكٍ أذفرِ)
(نصرٌ تهزُّ بنوده ريحَ الصِّبَا
…
خفقَتْ على هامِ الأشمِّ الحزمري)
(هُوَ نجلُكَ المنصورُ دامَ مؤيداً
…
بك أَيْنَمَا يَلْقَ العزيمةَ بظفرِ)
(لازلْتُما فى ظِلِّ مجدٍ باذجٍ
…
وجنودِ مُلْكِكُمُ ملوكُ الأعصرِ)
(مستمسكينَ بِهَدْىِ جدِّكم الَّذِي
…
بالرعْبِ ينصرُ مِنْ مَسَافَة أشهرِ)
(أهْدى الإلهُ صلاتَهُ وسلامَهُ
…
لجنابِهِ فِي طَىِّ نشرِ العبهرِ)
(ولآلِهِ وصحابِهِ والتابعِينَ
…
لَهُم بإحسانٍ ليومِ المحشرِ)
(مَا استنشَقَ الأبطالُ فِي يوْمِ الوغى
…
نَقْعَ العجاجِ لَدَى هياجِ العِثْيَرِ)
وَقَالَ الإِمَام عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ مادحاً أَبَاهُ ومتخلصاً إِلَى مدحه // (من الْكَامِل) //
(قد أقبلتْ ريحُ الْقبُول بعثيرِ
…
نفح الْقَبَائِل نفحة مِنْ عنبرِ)
(فتأرجَتْ أرجاءُ مكَّةَ إِذْ رُوِي
…
خَبَر الوقائعِ فِي المجامع عَنْ بَرِي)
(إِذْ ضمخَتْ أَيدي الكماةِ بنَقْعِهِ
…
وبمسها الْعود الرطيب السَّمْهرى)
(فتمايَلَتْ عذباتُهُمْ بِشمَالِهِ
…
لَا بالشمولِ وَلَا العبيرِ الأذفرِ)
(هزَّتهم نَحْو الصِّبَا ريحُ الصّبَا
…
والغَيْر هز بكلِّ نكبا صرصرِ)
(هم فتيةٌ لَا يطربُونَ حياتَهُمْ
…
إِلَّا بحربٍ أَو برحبٍ مقفرِ)
(جوبُ المهامِهِ صَارَ منقبةً لَهُم
…
أبدا وَهَذَا شانُ كلِّ غضنفرِ)
(مِنْ كُلِّ أصيدَ لَا يرى متلفتاً
…
لثباته بَين العديدِ الاكثرِ)
(شهم عَلَنْدَى بالوشيجِ موشح
…
لَا بالوثيجِ إِذا دعى فِي المحضرِ)
(هُوَ فى المفرِّ كَمُشْمَخِرِّ راسخٍ
…
ولدى المكرِّ ترَاهُ كالمُسْحَنْفِرِ)
(لله قومٌ مَا جَنَوْا برماحهم
…
إِلَّا رُءُوسًا أينعَتْ من مثمرِ)
(كلا وَلَا نهلَتْ عطاشُ سيوفهم
…
إِلَّا مِنَ العَلَقِ النجيع الأحمرِ)
(قومٌ سواهُم بالسريرِ مجرَّدٌ
…
وهُمُ سراةٌ فَوق جردٍ ضُمَّرِ)
(ألفوا الدروعَ مدى الزمانِ غلائلاً
…
أغنتْهُمُ عَن لبسِ كلِّ معصفرِ)
(لَا يهتدونَ بجحفَلٍ من قسطلٍ
…
إِلَّا بقدْحِ جيادِهِمْ فِي المحجرِ)
(فهمُ كبَحْرٍ من حديدٍ مائرٍ
…
عِنْد المسيرِ وتحتَهُمْ نارٌ ترِى)
(حتَّى إِذا دخلَ النزالُ وهاجتِ الأبطالُ
…
فِي الهيجا هياجَ مزمجرِ)
(وبدَتْ زماخرُ كلِّ صنديدٍ إِذا
…
مدَّ السواعد كَانَ قدماً زمخري)
(يَدْعُو النزالَ إِلَى نزالِ مسعرٍ
…
لَهب الوغَى مِنْهُ بأعسَر مسعرِ)
(لاقاه غطريفٌ عَلَيْهِ سيطرٌ
…
لَا يرتجي إِلَّا لقَاءَ عَشَنْزَرِى)
(يلقى الكريهةَ فاغراً مُتَبَسِّمًا
…
يخطو بمشيَةِ أرعَنٍ متبخترِ)
(ويجرُّ عُجْبًا ذيلَ فاضتِهِ الَّتِي
…
شملَتْهُ بَين مزرّدٍ ومزرّرِ)
(يلقى المنونَ لِقا المُنَى بمهنَّدٍ
…
لَا ينتضي إِلَّا بكَفِّ مقذحرِ)
(دبَّتْ على متنيْهِ فِي حالِ المضا
…
نملُ المنايا دبهَا فِي المحشرِ)
(عافَ الجفير فَلَا مقرَّ لَهُ سوَى
…
هامِ الشجاعِ الْمُقدم المتهورِ)
(ظلم النفوسِ لظلمها ممزوجة
…
بدَمِ النياطِ بغربِ ذَا الغضْبِ الفرِي)
(ففرندُهُ مَا زَالَ وهْوَ مدبجٌ
…
من أبيضٍ فِي أسودٍ فِي أحمرِ)
(لصليلهِ فِي الهامِ فعلُ الصلِّ فى الملسوبِ
…
مسلوب الفؤادِ المسهرِ)
(قسما بِهِ إِن السيوفَ حديدَةٌ
…
لَوْلَا يدُ الحسنِ المليكِ القسورِي)
(ألسيدُ الجَحْجَاحُ أَفْضَلُ مَنْ بِهِ
…
وبرأيه ظهَرَتْ نجابةُ حيْدَرِ)
(ألباسلُ الصنديدُ من فرجَتْ لَهُ
…
فِي مأزقٍ خطيَّة لم تقصرِ)
(قد أنهلتهَا كفُّه نَحْر العِدَا
…
فانْهَلَّ غَيث نجيعه المثْعَنْجِرِ)
(سُمْرٌ عَوَالٍ للرُّدَيْنِ نماؤها
…
تروى بِهِ علل الورُود المصدرِ)
(قسما بهَا إِن العواليَ خوطَةٌ
…
لَوْلَا يمينُ ابْن النبىِّ الأفخرِ)
(ألباسلُ الشهْمُ الأشمُّ المرتقِي
…
مَا قصَّرَتْ عَنهُ عزائمُ قيصرِ)
(وتكسَّرَتْ آراءُ كِسرَى دونه
…
فِي وتْرِ سيفٍ إِذْ حماه بعسكَرِ)
(فَعُلَا ابْن طه ليْسَ يبرحُ وَاضحا
…
وَبِه يُرَى الوضاح شِبْهَ مقصِّرِ)
(جَلَّ الأشمُّ ابنُ العرانينِ الألَى
…
عَنْ أَن يقاسَ بِمثلِهِ ابنُ المنذرِ)
(ثَبْتٌ إِذا نُوَبُ الزَّمَان تقاذفَتْ
…
لَا بالغبىِّ بهَا وَلَا المستَنْكرِ)
(مَا ظَنَّ أمرا سَابِقًا أَو لاحقاً
…
إِلَّا رمَى عَن قوسِ غَيْبٍ موترِ)
(أَو لَو يعادى الصَّخْر لانفلق الصَّفَا
…
خَوْفًا فمنْ ذَا بَعْدَ هَذَا يجتري)
(صُغرَى عزائمِهِ إِذا جابَ الفَلَا
…
تنحطُّ عَنْهَا همةُ الإسكندرِ)
(لم يُلْفِ فِي حالَيْ رضاهُ وبطشِهِ
…
أبدا سوَى متبسِّمٍ ومكشِّر)
(كملَتْ بسالتُهُ فأنجَبَ سيداً
…
قرَّتْ بِهِ عينُ الشريفِ حَزَوَّرِ)
(ليثٌ مخالبُهُ الأسنةُ والظبا
…
يغتالُ قلبَ الفارسِ المثعنجرِ)
(ليثٌ صهيلُ الخيلِ أشهَى عِنْده
…
من صوتِ مزمارٍ ورنَّةِ مِزْهَرِ)
(ليثٌ يرى الصهواتِ أنعَمَ من علا
…
ظَهْر الأريكةِ أَو تُسنم منبرِ)
(ليثٌ أَشَارَ عَلَيْهِ والدُهُ ضحى
…
لغزاةِ قومٍ شَمَّروا من شمّرِ)
(فاقتادَ ظُهرًا جيشَهُ متوجِّهًا
…
لَا بالونىِّ المبطىِء المستَخْبِرِ)
(وَأَبُو علىِّ بينهمم متأوداً
…
عِنْد الكفاحِ تأوُّد المستبشرِ)
(أَلنصْرُ فِي أعلامِهِ والسعْدُ فِي
…
إقدامِهِ والرعبُ مدَّة أشهرِ)
(وبوجهِهِ نورُ النبوةِ ساطعٌ
…
يُغْنِيه عَن ظَهْرِ الطرازِ الأخضرِ)
(يلقى العدُوَّ مشهراً بعلامةٍ
…
والغيرُ إنْ لاقَى فَغير مشهّرِ)
(يأيها المولَى الإمامُ المرتضَى
…
أنتَ الخليفةُ وارثُ المدَّثِّرِ)
(قد قمتَ فِينَا منذرًا ولربِّكَ الأعْلَى
…
نراكَ سموتَ كلَّ مكبرِ)
(وثيابٌ كَ الْحسنى غدوْتَ مطهراً
…
وهجرْتَ رُجْزًا لَا أقولُ لَك اهْجُرِ)
(ومنحتَنَا منناً تطوِّقُ جيدنَا
…
عقيانُهَا لَا منَّة المستكثرِ)
(يَا بن الخلائفِ من قريشٍ هَذِه
…
عُرَرُ الخلائقِ من أبيكَ الأطهرِ)
(أوتيتَهَا قبذلْتَ واجبَ حقِّها
…
وحميتَها من أصعَرٍ أَو أصغرِ)
(وَالله قد أعطَاكَ مَا لَمْ يعطِهِ
…
مَنْ قد مضَى فاحمَدْ إلهَكَ واشكُرِ)
ثمَّ وَليهَا الشريف إِدْرِيس بن الْحسن وَذَلِكَ أَنه كَانَ الْمُعْتَاد فِي قَوَاعِد بني حسن
أَن يكون من يتفقون عَلَيْهِ ويختارونه هُوَ صَاحب الْأَمر فَاجْتمع حِينَئِذٍ الْأَشْرَاف جَمِيعهم وأعملوا رَأْيهمْ السديد وَحمد غب ذَلِك صينعهم فَاخْتَارُوا مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس بن الْحسن فولوه وأكبروه ورتبوه فِي الْولَايَة وصدروه وأشركوا مَعَه فِي الدُّعَاء على المنابر ابْن أَخِيه مَوْلَانَا الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن وأشركوا مَعَه أَخَاهُ السَّيِّد فهيد بن الْحسن فِي ربع مَا يتَحَصَّل من الأقطار الحجازية وَكَتَبُوا بذلك محضراً إِلَى الرّوم ثمَّ وصل الْجَواب كَذَلِك فاستمروا فَلَمَّا كَانَ يَوْم سَابِع ذى الْحجَّة الْحَرَام من سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف كَانَت عرضة المصرى وأميره الْأَمِير حُسَيْن الشهير بدَلِي حُسَيْن وَوصل مَعَه بِثَلَاث خلع لبس مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس الخلعة الأولى الْكُبْرَى وَهِي بِفَرْوٍ سمور تحتهَا خلعة مُنْفَصِلَة كالبطانة وَهَاتَانِ الخلعتان عَن خلعة وَاحِدَة وَلبس الشريف محسن خلعة بِلَا فرو وَلبس السَّيِّد فهيد خلعة كَذَلِك بِغَيْر فرو ووقف الشريف إِدْرِيس فِي المختلع إِلَى أَن توجه الْأَمِير حُسَيْن ثمَّ جَاءَ أَمِير الشَّامي وَهُوَ الْأَمِير طهماس فَنزع الشريف إِدْرِيس خلعة الفرو وَلبس خلعة الشَّامي وَهِي بِفَرْوٍ أَيْضا وَلبس الشريف محسن وَلبس السَّيِّد فهيد خلعتيهما وَكِلَاهُمَا بِغَيْر فرو وَكَانَت عرضة رائقة لم يحصل فِيهَا مُخَالفَة وأخلف الله الظنون الْمُخَالفَة وَفِي سلخ جُمَادَى الأولى من سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وصل من مصر هجان وَمُلَخَّص أوراقه أَن الشَّيْخ مُحَمَّد زين العابدين بن مُحَمَّد الْبكْرِيّ مَاتَ فَجْأَة فِي القلعة فِي مجْلِس صَاحب مصر الْوَزير إِبْرَاهِيم باشا وَذَلِكَ بعد أَن تعشى عِنْده وَدخل مَعَه إِلَى الْخلْوَة وَشرع فِي قِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب فَسقط على وَجهه فحركوه فوجدوه مَيتا رضى الله عَنهُ وَكَانَت وَفَاته فى ثامن عشر ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي آخر ربيع الثَّانِي مِنْهَا اجْتمعت عَسَاكِر مصر وَقتلت صَاحب مصر إِبْرَاهِيم باشا وَقتلت مَعَه مُحَمَّد بن خسرو وَلم تقتل سواهُمَا مَعَ أَنه كَانَ حَاضرا عِنْده جملَة من الْأُمَرَاء وقاضي مصر وَغَيره من الأكابر وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة أَيْضا دخل مصر باشا جَدِيد لَهَا اسْمه مُحَمَّد باشا وَهُوَ خَادِم قرجي الْجِنْس وَاسْتمرّ إِلَى ثَانِي ربيع الأول من سنة أَربع عشرَة بعد الْألف فعزل بالوزير حسن باشا الْوَاصِل من الْيمن
وَفِي شهر الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَقعت فتْنَة بِمَكَّة بَين الأتراك النازلين بالمعلاة وَبَين عبيد الشريف فَركب حَاكم مَكَّة يَوْمئِذٍ الْقَائِد رَاشد بن فايز فَلَمَّا أَن كَانَ بِرَأْس الْمُدَّعِي أَصَابَهُ سهم لَا يعلم من أَيْن جَاءَ فَوَقع فِي نَحره فَكَانَ فِيهِ نَحره وَكَانَ من بعض الدّور النَّازِل بهَا بعض التّرْك فَحمل قَتِيلا وفيهَا توفّي الشَّيْخ الملا عَليّ الْقَارِي بن سُلْطَان بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ الْحَنَفِيّ الْجَامِع للعلوم الْعَقْلِيَّة والنقلية والمتضلع من السّنة النَّبَوِيَّة أحد جَمَاهِير الْأَعْلَام ومشاهير أولي الْحِفْظ والأفهام ولد بهراة ورحل إِلَى مَكَّة وتديرها أَخذ عَن خَاتِمَة الْمُحَقِّقين الْعَلامَة ابْن حجر الهيثمى وَشرح الْمشكاة والمشائل والوترية والجزرية وَله شرح على نخبة الْفِكر وَشرح على الشفا وَشرح على الشاطبية ولخص الْقَامُوس وَسَماهُ الناموس وَله الأثمار الجنية فِي أَسمَاء الْحَنَفِيَّة وَله غير ذَلِك لكنه امتحن بالاعتراض على الْأَئِمَّة لاسيما الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وَاعْترض على الإِمَام مَالك فِي إرْسَال يَدَيْهِ وَلِهَذَا تَجِد مؤلفاته لَيْسَ عَلَيْهَا نور الْعلم وَمن ثمَّ نهى عَن مطالعتها كثير من الْعلمَاء والأولياء وَفِي سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف توفّي السَّيِّد صبغة الله بن روح الله الْحُسَيْنِي قطب مدَار الراسخين فِي الْعلم وَالْعَمَل الفحول وقلب أهل الإشارات والإلهام والوصول جبل عَرَفَات الْعرْفَان وحبل مستعصم رجال الْعَطف والحنان صَحبه الجم الْغَفِير وانتفع بِهِ الْجمع الْكثير أوفرهم حظاً مَوْلَانَا السَّيِّد مرزا كَمَا أَشَارَ هُوَ إِلَى ذَلِك فِي بعض مصنفاته بَيَانا ورمزاً وَكَذَلِكَ مَوْلَانَا السَّيِّد أسعد الْبَلْخِي وَالشَّيْخ أَحْمد الشناوي توفّي بِطيبَة المنورة وَدفن بِالبَقِيعِ وقبره ظَاهر يزار رحمه الله رَحْمَة الْأَبْرَار وفيهَا ورد الْأَمر من مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَعْظَم أَحْمد خَان بترميم المقامات الْأَرْبَعَة بِالْحرم الشريف على يَد شيخ الْحرم حسن بن مُرَاد الرُّومِي فرممت على أحسن وَجه وأتقنه وَفِي سنة إِحْدَى وَعشْرين بعد الْألف توفّي السَّيِّد فهيد بن الْحسن بعد أَن شَارك أَخَاهُ الشريف إِدْرِيس وَابْن أَخِيه الشريف محسن بِالربعِ فِي جَمِيع الأقطار الحجازية الدَّاخِلَة تَحت حكم صَاحب مَكَّة المشرفة البهية فكثرت أَتْبَاعه من السَّادة الْأَشْرَاف
والحسنان والعسكر بِحَيْثُ صَار موكبه يضاهي موكب الْملك وَإِذا جلس وقفت التّرْك يَمِينا وَشمَالًا وَاتخذ جبالية للبندق نَحْو مِائَتَيْنِ أَو أَكثر وَلم يحفظ أَتْبَاعه وعبيده عَن النهب وَالسَّرِقَة فَكثر ضررهم على النَّاس وَشد قوسه على مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس وإخائه واستل صارم الصرامة عَلَيْهِ فِي شدته ورخائه والشريف متورع عَن فتح بَاب المصارمة وصدع مَا لَا يلتئم بالجبر والملايمة فَلَمَّا زَاد كَمَا تَقوله الْعَامَّة المَاء على الدَّقِيق وَلَو حَظّ مَا حَقه التفخيم بالترقيق وَأخذ فهيد بِجَانِب أكمل الدّين القطبي وَأَرَادَ أَن يلْبسهُ قفطان لإفتاء قبل أَن يحرم ويلبي ووقف الشريف إِدْرِيس ذَلِك الْموقف واعتنق السمهري تعانقاً يثنى ولواء الْخَمِيس العرمرم يرعب ويرجف وَأقسم لَا يلبس القفطان إِلَّا وَقد ورد السنان نَحره فَقَالَ فهيد وَلَو خربَتْ الْبِلَاد فَقَالَ إِدْرِيس وَلَو خربَتْ قبل سجره فَعِنْدَ ذَلِك تراجعا إِلَى النَّهْي وفكرا فِي المبدا والمنتهى وعادا وَفِي قلب كل مِنْهُمَا وَقد وَأخذ مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس من ذَلِك فِي حل مَا مضى مَعَ فهيد من الْعَهْد خُصُوصا لما صمم القطبي وَرجع الْأَمِير وَلم يَجْعَل التفكر فِي عواقب الْأُمُور أصدق سمير وَدخل مَعَه إِلَى الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة وَلبس الخلعة الموصوفة وتجاهه من جمَاعَة الْأَمِير اثْنَان من الأساكفة أَرْبَاب التشهير وشق الشَّارِع الْأَعْظَم حَتَّى انْتهى إِلَى سويقة وصهيل خيله يسمع من كل شباك وطويقة كل ذَلِك عناد لسَيِّده ومولاه وكفران لمن خوله هَذِه النِّعْمَة وَأَوْلَاده فأضمر حِينَئِذٍ الشريف إِدْرِيس الحقد على أكمل الدّين كَذَا فِي سلافة الْعَصْر والأرج المسكي وَلما أَرَادَ الله انْقِضَاء مُدَّة فهيد وفراغ دولته تغير عَلَيْهِ فِي الْبَاطِن أَخُوهُ الشريف إِدْرِيس وَأرْسل لِابْنِ أَخِيه الشريف محسن بن حُسَيْن وَكَانَ إِذْ ذَاك بِالْيمن بِأَن يَأْتِي بِجَمِيعِ من مَعَه من الْأَشْرَاف والقواد وَالْعرب فَحَضَرَ وَمَعَهُ أَمِير حلى مُحَمَّد بن بَرَكَات الحرامى ونودى بِمَكَّة بِأَن الْبِلَاد لله وللسطان وللشريف إِدْرِيس والشريف محسن وخلع السَّيِّد فهيد من الذّكر وَمنع من الرّبع وَجعل مَا كَانَ لفهيد من ربع
مغل الأقطار الحجازية لِابْنِ أَخِيه الشريف محسن وَلم يخْطب للسَّيِّد فهيد وخطب لمولانا الشريف إِدْرِيس أَولا ولمولانا الشريف محسن بعده ثَانِيًا كل هَذَا وفهيد فِي مَكَّة فِي بَيته وجموعه وافرة وعدته وعدده المتكاثرة فاستعد أَصْحَابه لِلْقِتَالِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ أعيانهم بِالْحَرْبِ فَامْتنعَ من ذَلِك وَطلب من الشريف إِدْرِيس شهر زمَان ليتأهب لِلْخُرُوجِ من مَكَّة بعد أَن طلب أَن يُمكن من سُكْنى مَكَّة بِغَيْر ربع فَامْتنعَ الشريف إِدْرِيس إِلَّا أَن يتَوَجَّه إِلَى حَيْثُ أَرَادَ من الْأَمَاكِن والبلاد فَخرج من مَكَّة سنة تسع عشرَة وَألف فانضم إِلَى بعض أكَابِر الْحَاج الْمصْرِيّ وَسَار إِلَى مصر وتاريخ قدومه فِي شهر صفر قدومكم خير سنة عشْرين وَألف ثمَّ مِنْهَا إِلَى الديار الرومية وَاجْتمعَ بسُلْطَان الرّوم فَيُقَال إِنَّه أنعم عَلَيْهِ بإمرة مَكَّة فعاجلته الْمنية قبل الأمنية كَذَا فِي تَارِيخ ابْن جَار الله وأرخ وَفَاته الأديب إِبْرَاهِيم بن يُوسُف المهتار بِأَبْيَات فَقَالَ // (من الرمل) //
(مَا وُقُوفِي بطلولٍ ودِمَنْ
…
غيَّرَتْ سُكَّانها أَيدي الزمَنْ)
(لىَ شُغْلٌ عَنْ بُكَائِي رسْمَهَا
…
وسؤالي قَفْرَهَا بعد السكَنْ)
(بِالَّذِي أُسْمِعْتُهُ مِن خبرٍ
…
حَرَمَ العينَ لَذَاذَاتِ الوَسَنْ)
(نَعْيَ ذِي المجدِ الكريمِ المرتجَى
…
حاوي الْعليا فهيد ذُو المِنَنْ)
(فارج الكربِ وماضِى الغربِ فى الحَرْبِ
…
غيثُ الجدبِ ذُو الفعلِ الحَسَنْ)
(مَنْ أبَتْ همتُه إِلَّا الْعلَا
…
ومراقِى عزِّها خَيْر ظعنْ)
(وَاصل الرّوم فوافاه الردَى
…
فِي بلادٍ باعدَتْ عَنهُ الوطَنْ)
(ليتَ شعْرى أيُّ أيدٍ غيبَتْ
…
فِي الثرى شخصَكَ مِن بَعدِ الكفَنْ)
(هَل درَتْ مَا غَيَّبته من حِجًى
…
ومعالٍ ونوالٍ فِي قَرَنْ)
(إِن تحجبْتَ بأطباقِ الثرَى
…
فأياديكَ بشامٍ ويَمَنْ)
(لكَ ذكْرٌ بالثنا لَا ينقضِي
…
صَار كالفَرْضِ على أهل السنَنْ)
(رَحِمَ الرحمنُ مثوَى جدثٍ
…
هُوَ فِي كلِّ فؤادٍ كالشجَنْ)
(وَسَقَى الله تُرَابا ضمَّهُ
…
صيِّبُ الرضوانِ مَا غيثٌ هَتَنْ)
(قيلَ لي هلْ قلْتَ تَارِيخا لَهُ
…
بارعاً تُمليه أربابُ الفِطَنْ)
(قلتُ والخدُّ روٍ مِن أدمعِي
…
والحشا بالكَرْبِ صَاد فِي حَزَنْ)
(نصْف بيتٍ قد أَتَى تَارِيخه
…
ماتَ بالروُّمِ فهيدُ بْنُ الحَسَنْ)
وَفِي هَذِه السّنة كَانَت وَفَاة أكمل الدّين القطبي شَهِيدا بالأعاضيد اسْم مَحل بِهِ نخل ومزارع بَين الطَّائِف والمبعوث والمبعوث إِلَيْهِ أقرب والشريف إِدْرِيس إِذا ذَاك بالمبعوث وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا وَقعت قتلة بَين الجبالية وَبَين الحسنان والقائد جَوْهَر قباني حَاكم مَكَّة تعصبت الحسنان والقواد للقائد جَوْهَر فتحاربوا أَجْمَعِينَ على أَقْدَامهم بِخَط القشاشيين إِلَى الصَّفَا وَكَانَ الظفر للحسنان والقواد وَقتل بعض الجبالية وَفِي أَوَائِل الْعشْرين من ذِي الْحجَّة الْحَرَام من سنة عشْرين بعد الْألف وصل من الديار الرومية الباشا حسن المعمار بميزاب الْكَعْبَة المشرفة أرسل بِهِ السُّلْطَان أَحْمد ابْن مُحَمَّد خَان وَأمره أَن يَجْعَل لَهَا إزاراً من حَدِيد فَوْقه مثله من الْفضة المطلية بِالذَّهَب فبرز أَمر صَاحب مَكَّة مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس بن الْحسن إِلَى أكَابِر مَكَّة وعلمائها بِأَن يلْقوا الباشا حسن من الْحجُون ويمشوا أَمَام الْمِيزَاب فامتثلوا الْأَمر وبرزوا وَكَانَ ذَلِك فِي آخر النَّهَار فَدخل الْمِيزَاب إِلَى مَكَّة من الْحجُون وأمامه بعض طوائف الْأَذْكَار وهم يذكرُونَ الله تَعَالَى فَبعد إتْمَام مَنَاسِك ذَلِك الْعَام وقفول الْحجَّاج إِلَى بِلَادهمْ توجه إِلَى عمَارَة الْعين وَكَانَ مَأْمُورا بذلك وصحبته أَمْوَال من جَانب السلطنة فاتفق عمل ذَلِك وأتمه ثمَّ إِنَّه ركب ميزاب الْكَعْبَة بعد قلع ميزابها وَأرْسل إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة وَجعل الْإِزَار الْمَأْمُور بِهِ على الْكَعْبَة وَاسْتمرّ الْإِزَار عَلَيْهَا إِلَى أَن اتّفق سُقُوط بعض الجدران فِي دولة الشريف مَسْعُود ابْن إِدْرِيس عَام تسع وَثَلَاثِينَ بعد الْألف كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله وَقد تقدم ذكر بعض ذَلِك فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان أَحْمد بن مُحَمَّد خَان فِي الْبَاب الْمَعْقُود لدولة العثامنة أدامهم الله وأدام بهم الدُّنْيَا آمِنَة وَفِي سنة إِحْدَى وَعشْرين بعد الْألف وصل الْوَزير حاجي مُحَمَّد باشا مُنْفَصِلا عَن وزارة الْيمن وَكَانَ دُخُوله إِلَى مَكَّة غرَّة شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَصَامَ رَمَضَان وَتصدق وَفعل أفعالاً عديدة من الْخيرَات وَكَانَ وصل مَعَه فِي مركبه الْوَاصِل بحراً فيل صَغِير أَرَادَ أَن يهديه إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة العثمانية ثمَّ إِن هَذَا
الْفِيل اسْتمرّ بجدة أَياماً فجَاء الْخَبَر بِمَوْت السُّلْطَان عُثْمَان بن أَحْمد خَان ثمَّ انتقَل حاجي مُحَمَّد الْمَذْكُور لَيْلَة سَابِع عشري شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَدفن ضحى صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة بالمعلاة وبنيت عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة بَاقِيَة إِلَى الْيَوْم وَوَقع سنة وُصُول الْفِيل غلاء شَدِيد بِمَكَّة قَالَ فِيهَا الْعَلامَة مَوْلَانَا عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ تَارِيخا وَهُوَ على غير الأبحر المتداولة وَنَصه
(حَرَّمَ الله حِلَّ ساحتِهِ
…
قَدم الْفِيل ضَلَّ عَن رُشْدِهْ)
(كثر الهَمّ يَا فَتَى أَرِّخْ
…
سَنَةُ الفيلِ همها يشدهْ)
وَفِي عَام ثَلَاث وَعشْرين بعد الْألف فِي شهر محرم الْحَرَام مِنْهَا وَقع مطر عَظِيم وَفِيه برد كبار كل بردة مِنْهُ قدر شربة المَاء بل أكبر وَفِي سنة أَربع وَعشْرين توفّي الأديب برهَان الدّين بن مُحَمَّد بن مشعل العبدلي السالمي الْمَكِّيّ كَانَ شَاعِرًا ماهراً لَهُ قصائد طَوِيلَة يمتدح بهَا الشريف الْحسن بن أبي نمي وَغَيره فَمن شعره فِي مليح يهواه وَهُوَ يهوى الراح قَوْله // (من مجزوء الْكَامِل) //
(شَمْس الطلا بَدْرِى غَدا
…
لم يَصْحُ مِنْ تعليلها)
(فالراحُ قتلةُ قاتلىِ
…
وَأَنا قتيلُ قِتيلِهَا)
توفّي بِالطَّائِف مجاوزاً السّبْعين وفيهَا توفّي الشَّيْخ نور الدّين الزيَادي شَافِعِيّ زَمَانه القطب الْعَارِف بِاللَّه فِي أَوَانه قَالَ فِي الريحانة حضرت دروسه زَمَانا طَويلا وَهُوَ كَمَا قلت فِيهِ // (من الوافر) //
(لنورِ الدّين فضْلٌ لَيْسَ يَخْفَى
…
تضىءُ بِهِ الليالِى المدلهمَّهُ)
(يريدُ الحاسدونَ ليطفئُوهُ
…
ويأبى الله إِلَّا أَن يُتِمَّهْ)
وَله حاشيه على شرح الْمنْهَج وَأخذ عَنهُ كَثِيرُونَ وَفِي سنة خمس وَعشْرين وَألف لليلتين بَقِيَتَا من شعْبَان مِنْهَا ورد الْأَمر السلطاني من حَضْرَة السُّلْطَان أَحْمد على يَد الباشا حسن أَفَنْدِي بِعَمَل شباك نُحَاس فِي بِئْر زَمْزَم ليمنع كل مَا يسْقط فِيهَا من آدَمِيّ وَغَيره فَجعل على قدر تدوير فَم الْبِئْر وَجعل لَهُ سِتّ سلاسل وربطتَ بالحديد الدائر على فمها وَصَارَ المَاء فَوق الشباك نَحْو ثُلثي قامة
وفيهَا توفّي الشريف حَازِم بن رَاجِح بن أبي نمي الحسني كَانَ من أكَابِر السَّادة وأعيانهم يرجعُونَ فِي الْمُهِمَّات إِلَى رَأْيه السعيد وتدبيره الحميد بلغ من الحزم منتهاه وطابق اسْمه مُسَمَّاهُ وَقد كَانَ رَحل مَعَ وَالِده رَاجِح بن أبي نمي إِلَى مصر حِين عزم إِلَيْهَا منافراً لِأَخِيهِ الشريف ثمَّ بعد انْتِقَال وَالِده رَاجِح الْمَذْكُور بِمصْر رَجَعَ إِلَى مَكَّة فَأكْرمه عَمه الشريف حسن وَاعْتذر حَازِم عَن عزمه مَعَ وَالِده بِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ خلاف وَالِده فَقبل عَمه الشريف حسن عذره قَالَه فِي الْجَوَاهِر والدرر وفيهَا توفّي السَّيِّد سَالم بن مُحَمَّد السنهوري الْمَالِكِي الْمصْرِيّ أدْرك ناصراً اللَّقَّانِيّ وَأخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الغيطي وَغَيره وتفنن فِي الْعُلُوم وَمهر فِي الْفِقْه حتىّ صَار مُعْتَمد الْمَالِكِيَّة فِي عصره لَهُ تَعْلِيق على مُخْتَصر خَلِيل وَقد كَانَ للشريف إِدْرِيس من العبيد المولدين وَمن الرَّقِيق الجلب مَا يزِيد على الأربعمائة وَمن المقاديم من الْعَرَب جمَاعَة وَكَانُوا فِي أَشَر وبَطَر وتِيهٍ وعَسَر وتجمل ظَاهر يتخيل الْوَاحِد مِنْهُم نَفسه الْملك القاهر وَكَانَ من خُدَّامه وَزِير مَكَّة الْقَائِد أَحْمد بن يُونُس وَإِن كَانَ وَلَاؤُه لِذَوي بَرَكَات فَلَمَّا كَانَ النّصْف الْأَخير من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَعشْرين وَقعت فتْنَة سَببهَا أَن الْقَائِد أَحْمد بن يُونُس وَهُوَ الْوَزير على مَكَّة من قبل مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس وَكَانَ وَزِير مَوْلَانَا الشريف محسن الْقَائِد ياقوت بن سُلَيْمَان وَكَانَ مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب نَائِبا فِي مَكَّة عَن عَمه الشريف إِدْرِيس لغيبته فى الشرق كَانَ قد استفحل أمره وَعظم حَتَّى صَارَت الْأُمُور كلهَا منوطة بِرَأْيهِ وتدبيره موكولة إِلَى تَقْدِيمه وتأخيره فتوافق مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس ومولانا الشريف محسن فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس إِلَى السَّيِّد مُحَمَّد يَأْمُرهُ بِأخذ الْمهْر وَهُوَ مهر الْعرُوض من الْقَائِد أَحْمد وَكَذَلِكَ أرسل مَوْلَانَا الشريف محسن إِلَى الْقَائِد ياقوت بن سُلَيْمَان بِأخذ مهره مِنْهُ فَفعل كل مَا أَمر بِهِ وَكَانَ الْأَخْذ الْمَذْكُور فِي صَبِيحَة عَاشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَحِينَئِذٍ شاع فِي الْبَلَد عزل أَحْمد بن يُونُس وَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس إِلَى الْقَائِد ريحَان بن
سَالم حَاكم مَكَّة يَأْمُرهُ بالوصول إِلَيْهِ إِلَى الشرق فَقدم إِلَيْهِ فقلده منصب الوزارة فوصل إِلَى مَكَّة فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وَوصل الْخَبَر إِلَى السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب بِأَن الْقَائِد أَحْمد بن يُونُس يُرِيد الرّكُوب عَلَيْك وَقد اجْتمع عِنْده الْعدَد وَالْعدَد وَوصل الْخَبَر إِلَى الْقَائِد أَحْمد بذلك أَيْضا فَركب كل مِنْهُمَا بعد أَن ألبس ووقف عِنْد بَاب دَاره ثمَّ انجلى الْأَمر وَظهر أَن مَا أخبر بِهِ كل مِنْهُمَا لَيْسَ لَهُ أصل فَأرْسل مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب إِلَى مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس ومولانا الشريف محسن بذلك فَلَمَّا كَانَ الْعشْر الْأَخير عزم الْقَائِد أَحْمد إِلَى مَوْلَانَا الشريف بالمبعوث وَكَانَ قد وصل إِلَيْهِ الشريف من مَحَله الأول فَأَقَامَ الْقَائِد أَحْمد هُنَاكَ فجَاء الْأَمر إِلَى مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بِأخذ أَمْوَال الْقَائِد من دَاره وكل مَا حوله وَأَن يحفظ على ذَلِك فَلَمَّا أَن كَانَت لَيْلَة الْعِيد حصلت حَرَكَة من آخر اللَّيْل عِنْد بَيت السَّيِّد مُحَمَّد وتفريق سلَاح وأدراع فَنزل إِلَى الْمَسْجِد وَصلى صَلَاة الْعِيد فَقَط وبرز من الْمَسْجِد قبل الْخطْبَة وعزم بالجيش إِلَى الْبُسْتَان بُسْتَان ابْن يُونُس فختم على أَمْوَاله كلهَا وَأمر أَن ينزل الْبَعْض مِنْهَا إِلَى الْبَلَد وَاسْتمرّ هُوَ إِلَى بعد صَلَاة الظّهْر وَنزل والجيش مَعَه بعد أَن ختم على بَقِيَّة الْأَمْوَال وَقبض على جمَاعَة من المنسوبين إِلَى أَحْمد وحبسهم بعد أَن ختم على بُيُوتهم ثمَّ فكوا بعد وُصُول مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس إِلَّا إِبْرَاهِيم بن أَمِين كَاتب أَحْمد وَأعظم المقربين إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يزل مسجوناً إِلَى أَن قضى الله عَلَيْهِ فِي السجْن وَأما أَحْمد فَإِنَّهُ اسْتمرّ بالمبعوث فثارت بِسَبَبِهِ فِي ثَانِي شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة بَين ذَوي حسن وَذَوي بَرَكَات فتْنَة أدَّت إِلَى الإدراع والإلباس ثمَّ رَحل إِلَى كلاخ فَأَقَامَ بهَا ثمَّ رَحل مِنْهَا إِلَى جِهَة الشَّام فَلَمَّا أَن كَانَ فِي أثْنَاء الطَّرِيق رَجَعَ فوصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس وَهُوَ بالشرق فِي السّنة الْمَذْكُورَة فسجنه وكبله بالحديد ثمَّ قَتله فِي السّنة الْمَذْكُورَة أَيْضا فِي مَحل يُقَال لَهُ وَادي النَّار وَدفن هُنَاكَ فسبحان الفعال لما يَشَاء وَقد كَانَ هَذَا الْوَزير فِي قُوَّة من المَال وَالرِّجَال قد اشْتغل بِالْحَال وَلم يفكر فِي الْمَآل وَسَار صيته فِي الْآفَاق وَأكْثر الدخل وَأَقل الْإِنْفَاق وَكَانَ ذَا تَدْبِير لأحواله حَتَّى جَاوز الْحُدُود فَوَقع بِهِ مَا قَضَاهُ الْملك المعبود اللَّهُمَّ عَافِيَة غير عَافِيَة ورأفة مِنْك
وافية كَافِيَة كَذَا فِي الأرج المسكي وَفِي سنة سبع وَعشْرين فِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا قلع الشباك النّحاس الَّذِي عمل لبئر زَمْزَم الأفندي السَّيِّد مُحَمَّد بن مصطفى الفناري لما قيل لَهُ إِن مَاء زَمْزَم تغير طعمه بِسَبَب ذَلِك الشباك وَأَن الدَّلْو إِذا وَقع رُبمَا أمْسكهُ أَن يصعد وَفِي سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء وَعشْرين وَألف فِي سادس عشر جُمَادَى الأولى مِنْهَا توفّي السَّيِّد مَنْصُور بن أبي نمي بِمَكَّة وخطب لَهُ على زَمْزَم بعد مَوته وَهُوَ آخر أَوْلَاد الشريف أبي نمي موتا وسنه نَحْو سبعين سنة وَرَأى أَوْلَاد أَوْلَاد أَوْلَاد أَوْلَاد أبي نمي وَدفن بالمعلاة وَكَانَت جنَازَته حافلة وفيهَا غزا الشريف محسن بن الْحُسَيْن بجيلة ونواحيها وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشري الشَّهْر الْمَذْكُور من السّنة الْمَذْكُورَة وَقع فِي الْمَسْجِد الْحَرَام طراد عَجِيب بِسَبَب أَن جبلياً أَرَادَ الطّواف فأودع سَيْفه عِنْد رجل هندي فَمر بِهِ رجل تركي فابتدر الْهِنْدِيّ السَّيْف وَقتل التركي فثار النَّاس على الْهِنْدِيّ فطردهم إِلَى بَاب الصَّفَا فتكاثر النَّاس على الْهِنْدِيّ ورموه بِالْحِجَارَةِ فطردهم ثمَّ أحاطوا بِهِ وضربه رجل عِنْد زَمْزَم بإبريق فزلق بالبلاط وطاح فَضرب بجنبية وَمَات التركي والهندي وَفِي لَيْلَة الْأَحَد الرَّابِعَة وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا توفّي السَّيِّد منجد بن رَاجِح ابْن أبي نمي بالمبعوث وَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة وَكَانَ من أَعْيَان أَشْرَاف مَكَّة يُوصف بِالْكَرمِ وَفِي رَجَب مِنْهَا توفّي السَّيِّد قَتَادَة بن ثقبة بن أبي نمي وَدفن بالمعلاة وفيهَا أَو الَّتِي بعْدهَا توفّي الْعَلامَة عبد الرءوف الْمَنَاوِيّ شَارِح الْجَامِع الصَّغِير شرحين وَله تَرْتِيب الشهَاب وَشَرحه وَشرح أدب الْقَضَاء وطبقات الصُّوفِيَّة والأرغام وَغير ذَلِك رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف توغل مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس وَابْن أَخِيه مَوْلَانَا الشريف محسن فِي الشرق ووصلا بالفريق إِلَى قرب الأحساء واجتمعا بذوي عبد الْمطلب وَكَانُوا فِي الْعَام الْمَاضِي نافروا عمهم الشريف إِدْرِيس فَقَامَ الشريف محسن فِي موافقتهم لعمهم فتم ذَلِك وَطَابَتْ نُفُوسهم وَوصل الشريفان بفريقهما
إِلَى الأحساء وَضربت خيامهم قبالة الْبَاب القبلي من سور الأحساء وَأكْرمهمْ صَاحبهَا عَليّ باشا الْكَرَامَة التَّامَّة وَأَقَامُوا نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام وَلم يتَّفق لأحد من أَشْرَاف مَكَّة المتولين من القتاديين وُصُول الأحساء كَمَا اتّفق لهذين الشريفين وفيهَا فِي ثَالِث ربيع الثَّانِي دخل الشاه بَغْدَاد وَأَخذهَا من يَد المتغلب عَلَيْهَا من باشوات السلاطين بني عُثْمَان وَسبب ذَلِك أَن رجلا من عسكرها يُسمى بكر تغلب عَلَيْهَا وانبسطت يَده على مملكتها حَتَّى صَار إِذا جَاءَ الباشا السلطاني العثماني مُتَوَلِّيًا عَلَيْهَا لَا ينفذ من حكمه إِلَّا مَا نفذه بكر الْمَذْكُور وَغلب على بكر أَيْضا وَلَده مُحَمَّد وَلكُل فِرْعَوْن مُوسَى فوصل إِلَيْهَا وَزِير اسْمه أَحْمد حَافظ بِجَيْش كَبِير فَلَمَّا رأى بكر ذَلِك أغلق أَبْوَاب بَغْدَاد وَأرْسل إِلَى الشاه ليمكنه من الْبِلَاد وَتبقى لَهُ رقبته وَمَاله فَأتى الشاه بعسكره فَلَمَّا رأى أَحْمد حَافظ قُوَّة الشاه أرسل الخلعة والتأمين لبكر ثمَّ انْصَرف رَاجعا وَلم يزل الشاه فِي ذَلِك الْمَكَان وَأعْطى مُحَمَّد بن بكر العهود بِأَن يَجعله نَائِب الْبِلَاد ويؤمنه كَمَا طلب على رقبته وَمَاله فَفتح الْبَاب بَاب السِّرّ فَدخل عَسْكَر الشاه وأظهروا أَنْوَاع الطغيان وَقتلُوا بكرا وَجَمِيع أَهله شَرّ قتلة وَقتلُوا أهل السّنة جَمِيعهم ثمَّ خرج الشاه مِنْهَا وَأقَام فِيهَا خَانا من خاناته فَأرْسل سُلْطَان الرّوم العثماني وزراء مَعَهم الجيوش الجرارة لأخذها فَلم يحصل من أحد فتحُها حَتَّى قدر الله تَعَالَى فتحهَا على يَد السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان كَمَا سَيَأْتِي ذكره فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وفيهَا توفّي السَّيِّد دخيل الله بن ثقبة بن أبي نمي فِي بيشة وَدفن بهَا وَكَانَ من أجلاء الْأَشْرَاف ورءوسهم وَذَوي الرَّأْي مِنْهُم وفيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع رَمَضَان مِنْهَا مَاتَ السَّيِّد أَبُو نمي بن عبد الْكَرِيم بن حسن ابْن أبي نمي بالمبعوث وَحمل إِلَى مَكَّة وفيهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن رَمَضَان الْمَذْكُور دخل حيدر باشا مُتَوَلِّيًا الْيمن فنصب دكة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فصلى عَلَيْهَا فَأنْكر عَلَيْهِ الملا مُحَمَّد مكي فروخ ورماه بِالْحِجَارَةِ فَتَبِعَهُ الْعَامَّة فَأمر بلزمه فَلَزِمَ وَقَالَ لَا بُد من ضربه خَمْسمِائَة ثمَّ طلبه وَلم يضْربهُ وَجمع فِيهَا الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة ونائب المحكمة وَأثبت أَنه مَا فعل ذَلِك إِلَّا لعذر وَكتب ذَلِك فِي السّجل
وفيهَا يَوْم عيد الْفطر كَانَت وَفَاة الإِمَام عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ وَهُوَ الإِمَام الَّذِي تصدر فِي محراب الْعلم والإمامة وتسنم صهوة جموح الْفضل وَملك زمامه من رفع للعلوم أرفع رايه وَجمع بَين الرِّوَايَة والدراية فَأصْبح وَهُوَ كاسر الوساده بَين الْأَئِمَّة والساده يشنف المسامع بفرائد كَلَامه ويبهج النواظر بِمَا تدبجه أنامل أقلامه إِذا انفهقت بشقاشق قالِهِ لَهاتُهُ ثَبت حق إفصاح الْكَلَام وَبَطلَت ترهاته إِلَى نسب فِي صميم الشّرف عريق وَحسب غُصْن مجده بالمعالي وريق وَبَيت لم لَيْسَ فِيهِ إِلَّا إِمَام وخطيب وأديب فَنَنُ فضلِهِ فِي رياض الْأَدَب رطْب والطبريون سادة من غير الْفضل بريئون وَهَذَا الإِمَام وَاسِطَة عِقدهم ورابطة عقدهم ومحيي آثَارهم والآخذ من الدَّهْر بثأرهم صنَّف وَألف وَسبق وَمَا تخلف أما الْأَدَب فرَوضه الممطور وحَوضه الراوية مِنْهُ السطور كَانَت لَهُ عدَّة من المصنفات مِنْهَا شرح الدريدية الْمُسَمّى بِالْآيَاتِ الْمَقْصُورَة على الأبيات الْمَقْصُورَة وَحسن السريرة فِي حسن السِّيرَة وَشرح بديعيته الَّتِي على منوال بديعية ابْن حجَّة الْمُسَمّى على الْحجَّة بِتَأْخِير أبي بكر بن حجَّة ونشآت السلافة بمنشآت الْخلَافَة وَشرح قِطْعَة من ديوَان المتنبي سَمَّاهُ الْكَلم الطّيب على كَلَام أبي الطّيب وَله عدَّة رسائل وَغير ذَلِك من حواش وتعليقات وإنشاء ومكاتبات تهيج البلابل وَتحقّق لَوْلَا أَنَّهَا حَلَال سحر بابل أم بالمسليمن فِي الْمقَام بِبَلَد الله الْأمين واتصل بِقرب سُلْطَان مَكَّة ونواحيها وحامي جهاتها وضواحيها مَوْلَانَا الشريف حسن بن أبي نمي فحصلت لَهُ من جنابه الْعَظِيم مكانة أَي مكانة وزادت علوه رفْعَة وأعلت مَكَانَهُ بِحَيْثُ حَملته على تأليف غَالب مؤلفاته الْمَذْكُورَة برسمه وَجعلهَا خدمَة لخزانته المعمورة متوجة بلقبه واسْمه أثمرت عزا فِيهِ يتنافس الْمُتَنَافسُونَ وأينعت مجداً يُقَال فِيهِ لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ هطلت على غرائسها سحائب الإنعامات الحسنية ونشرت على
دوحاتها خلع الإجلال السّنيَّة وَلما وصل إِلَيْهِ بشرح الدريدية وَقَرَأَ ديباجته لَدَى حَضرته الْعلية وَذكر لَهُ أَنه أنشأ بَيْتَيْنِ هما تَارِيخ تَمام تأليفه وجعلهما على لِسَان الْكتاب وَأرَاهُ إيَّاهُمَا تنَاول الشريف حسن الْكتاب بِيَدِهِ الشَّرِيفَة وَقَرَأَ الْبَيْتَيْنِ وهما // (من مجزوء) // الرجز
(أرَّخَنِى مؤلّفي
…
ببيتِ شعْرٍ مَا ذهَبْ)
(أحمدُ جود مَاجِد
…
أجازني أَلْف ذَهَبْ)
فَتَبَسَّمَ مَوْلَانَا الشريف وَوضع الْكتاب فِي حجره وَوضع يَده الشَّرِيفَة على رَأسه وَقَالَ على الرَّأْس وَالْعين وَالله إِن ذَلِك نزر يسير فِي مُقَابلَته وَإِنِّي أَحْمد الله تَعَالَى الَّذِي أوجد مثلك فِي زمني ثمَّ لما كَانَت أَيَّام وَفَاته ووصلت مطايا عمره إِلَى غَايَة مَحَله وميقاته وَذَلِكَ فِي زمن مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس بن حسن كَانَ سَببه الْمُقدر فِي كِتَابه المسطر أَنه انتابت خطْبَة الْعِيد أحد ولديه وَكَانَت أول خطْبَة حصلت لَدَيْهِ فتهيأ للْقِيَام بأدائها وأرهف عضب لِسَانه لإبدائها فَمَنعه بعض أُمَرَاء الأروام الواردين إِلَى مَكَّة تِلْكَ الأعوام يُسمى حيدر باشا وَرغب فِي أَن يكون حَنَفِيّ الْمَذْهَب وأخاف من تعرض لَهُ وَأمره وأرهب فَضَاقَ بِالْإِمَامِ نجده ووهده وَجهد فِي إِزَالَة الْمَانِع فَلم يجد جهده لِأَن مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس لم يكن فِي ذَلِك الْوَقْت بِالْبَلَدِ فَلَمَّا لم يحصل إِلَّا على الْيَأْس وَلم يلق لضنا دائه من آس صعد كرسيه وتنفس الصعدا فَفَاضَتْ نَفسه لوقته كمدا وَألقى على كرسيه جسداً وقدمت جنَازَته ذَلِك الْيَوْم للصَّلَاة عَلَيْهِ والخطيب على الْمِنْبَر نَاظر إِلَيْهِ وَقيل إِنَّه مَاتَ مسموماً وَكَانَت وِلَادَته سنة سِتّ وَسبعين وستعمائة وأرخت بِمَا نَصه أشرف المدرسين رَحمَه الله تَعَالَى وَلما بلغ الشريف إِدْرِيس وَفَاته بذلك تَعب تعباً شَدِيدا لما كَانَ للْإِمَام عبد الْقَادِر عِنْده من الْمحبَّة فَدخل مَكَّة رَابِع شَوَّال وَمَعَهُ الشريف محسن وَجمع الْأَشْرَاف والقواد فِي موكب عَظِيم وأكرمهما حيدر باشا غَايَة الْإِكْرَام قطلبا مِنْهُ التَّوَجُّه إِلَى الْيمن وأحضر لَهُ مَا يَحْتَاجهُ من إبل وَغَيرهَا
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف قبيل الظّهْر من يَوْم الْأَحَد سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة وَقع مطر عَظِيم سَالَتْ مِنْهُ أَوديَة مَكَّة وامتلأ مِنْهُ الْمَسْجِد الْحَرَام وَعلا المَاء حَتَّى حَاذَى الْحجر الْأسود فَقَالَ الشَّيْخ مَحْمُود الحناوي تَارِيخا فِي ذَلِك وَهُوَ من الْحسن بمَكَان // (من السَّرِيع) //
(قد جَاءَنَا سَيْلٌ مِنَ الله فِي
…
جُمَادىَ الآخر يَا ذَا النَّظَرْ)
(فى مسجدِ الله الحرامِ الَّذِي
…
سعَتْ إِلَى علياًه كُلُّ البَشَرْ)
(سيلٌ عظيمٌ مَا رُئِى مثلُهُ
…
تَارِيخه ألماءُ حَاذَى الحَجَرْ)
وفيهَا توفّي الشَّيْخ الأمجد شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عَلان فِي الْيَوْم السَّادِس عشر من شعْبَان مِنْهَا الصديقي الشَّافِعِي وَدفن بالمعلاة بِالْقربِ من قبر السيدة خَدِيجَة أم الْمُؤمنِينَ كَانَ إِمَام التصوف فِي زَمَانه وأوحد علومه وعرفانه وفيهَا فِي شعْبَان توفّي السَّيِّد الْجَلِيل الرئيس النَّبِيل أَبُو الْقَاسِم بن بشير بن أبي نمي فِي الشرق وَحمل إِلَى مَكَّة وخطب لَهُ على زَمْزَم كعادة أسلافه ثمَّ توفّي فِيهِ أَيْضا أَخُوهُ السَّيِّد بَرَكَات بن بشير بِمَكَّة فَجْأَة بعد موت أَبى الْقَاسِم بأَرْبعَة أَيَّام ثمَّ توفّي فِيهِ أَيْضا السَّيِّد عَليّ بن أبي طَالب بن حسن بِمَكَّة وخطب لَهُ على زَمْزَم وَاسْتمرّ الشريف شَرِيكا لِعَمِّهِ الشريف إِدْرِيس على صدق الْكَلِمَة والنصح فِي الألفة بِالْخدمَةِ والمساعدة فِي الْأَحْوَال والمعاضدة لَهُ فِي المؤيدات الثقال إِلَى أَن اجْتمع أهل الْحل وَالْعقد وَمن إِلَيْهِم الْمرجع من قبل وَمن بعد من بني عَمه السَّادة الْأَشْرَاف الذابين عَن حمى هَذِه الأكناف وَالْعُلَمَاء والصلحاء وأعيان سكان الْبَطْحَاء فَرفعُوا الشريف إِدْرِيس عَن ولَايَة الْحجاز ومنعوه من أَن تكون لَهُ علاقَة فِي ذَلِك الْمجَاز ووسدوا الْأَمر إِلَى السَّيِّد الشريف المحسن ووكلوا الْحَال إِلَيْهِ فِي حفظ هَذَا الموطن فأشيع فِي الْبَلَد يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث محرم الْحَرَام من سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف أَن السَّادة الْأَشْرَاف قد أَقَامُوا الشريف محسن مُسْتقِلّا بِالْأَمر فَحصل بَين الشريف إِدْرِيس وَبَينه بِسَبَب ذَلِك مَا يُوجب المنافرة وَحصل اضْطِرَاب عَظِيم فِي الْبَلَد وحركة كَبِيرَة وَقسمت آلَات الْحَرْب من الْجَانِبَيْنِ
فَلَمَّا كَانَت صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس رَابِع محرم الْحَرَام من السّنة المذكورهَ ألبس كل من الشريفين بِمن مَعَهُمَا من العساكر والجنود ووقف على بَاب دَاره فبرز من جمَاعَة مَوْلَانَا الشريف محسن شرذمة من جَانب عقد مَوْلَانَا السَّيِّد بشير وبنية النداء بِالْبَلَدِ لمولانا الشريف محسن اسْتِقْلَالا بمفرده فَقبل وصولهم العقد رَمَتْهُمْ الجبالية المرصدون فِي مدرسة السَّيِّد العيدروس بالبندق وَقتل من الْجَمَاعَة الْمَذْكُورين بالبندق مَوْلَانَا السَّيِّد سُلَيْمَان بن عجلَان بن ثقبة والقائد مرجان بن زين العابدين وَزِير مَوْلَانَا الشريف محسن فَرجع الْبَاقُونَ وَفِي ضحى هَذَا الْيَوْم ركب مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن عبد الْمطلب وَمَعَهُ رَحل والمنادي بَين يَدَيْهِ يُنَادي بالبلاد للشريف محسن وَلم يزل هَذَا الِاضْطِرَاب بِالْبَلَدِ ذَلِك الْيَوْم جَمِيعه وَمن ألطاف الله تَعَالَى أَن الْجَمَاعَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام قَائِمَة ذَلِك الْيَوْم والأسواق مَوْجُودَة فِيهَا الأقوات لم يحصل تغير أصلا فِي ذَلِك الْيَوْم فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس محرم الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة وَقع الصُّلْح بَين الشريفين على أَن يسْتَقلّ مَوْلَانَا الشريف محسن بِالْبَلَدِ وَيكون الْكَفّ عَن الْمُحَاربَة سِتَّة أشهر مِنْهَا ثَلَاثَة يكون مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس فِيهَا بِالْبَلَدِ وَثَلَاثَة بِالْبرِّ فاتفق الْحَال على ذَلِك ودعا الْخَطِيب لمولانا الشريف محسن بمفرده يَوْم الْجُمُعَة كَذَا نَقله المرحوم الإِمَام على ابْن المرحوم الْعَلامَة الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه وَالَّذِي نَقله غَيره من الثِّقَات أَن مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس لما ضويق وأجلبت عَلَيْهِ السَّادة الْأَشْرَاف وَمن مَعَهم أرسل الشريف إِدْرِيس إِلَى الشريف محسن والسادة الَّذين مَعَه فَطلب مهلة شَهْرَيْن فِي الْبَلَد وَأَرْبَعَة أشهر خَارِجهَا ليتأهب للسَّفر إِلَى حَيْثُ شَاءَ فَأعْطَاهُ الشريف محسن ذَلِك وَشرط عَلَيْهِ أَن لَا يحدث شَيْئا من المخالفات فاستمر عَلَيْهِ شهر محرم وصفر فَمَرض فِيهِ حَتَّى خيف عَلَيْهِ وَفِي لَيْلَة المولد الشريف خرج من مَكَّة وَكَانَ قد أضعفه الْمَرَض فَمَا طَاف للوداع إِلَّا فِي محفة وَخرج من مَكَّة كَذَلِك كَذَا فِي كتاب عُقُود الْجَوَاهِر والدرر فِي أهل الْقرن الْحَادِي عشر للسَّيِّد مُحَمَّد الشلى وَلما خرج الشريف إِدْرِيس توجه إِلَى جِهَة الشرق
وَلما كَانَ غرَّة رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة ورد خبر وَفَاة إِدْرِيس إِلَى مَكَّة فِي نواحى جبل شمر وَدفن بِمحل يُسمى ياطب مِنْهَا وَمن الِاتِّفَاق أَن حِسَاب ياطب بالجمل اثْنَان وَعِشْرُونَ سنة عدد مُدَّة ولَايَته مجبورة وَكَانَ يكنى أَبَا عون وَولد فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَأمه هيا بنت أَحْمد بن حميضة ابْن مُحَمَّد بن بَرَكَات وَكَانَت وَفَاته رَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته إِحْدَى وَعشْرين سنة وَنصفا رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي وَهُوَ // (من الطَّوِيل) //
(زها بكَ دستُ الملكِ والتاج والعقْدُ
…
غداةَ إِلَيْك الحلُّ أصبَحَ والعَقْدُ)
(مُطاعًا بعطفِ الله بعد رسولِهِ
…
أولى الأمرِ فالعاصِى لأمرِكَ مزتدُّ)
(أَبَا شرفٍ إِدْرِيس منتخبَ الْعلَا
…
أَبى الشرَفُ الوضاحُ غيرَكَ والمجْدُ)
(لقد طلبَتْ شمْسُ الْخلَافَة بدرَهَا
…
فقارَنها فِي الأوْجِ والطالعُ السعدُ)
(قنصْتَ العلَا بالزاعبيةِ والنهَى
…
هما شركاها لَا الأمانِيُّ والوعْدُ)
(وقمتَ بعبءٍ آدَ غيرَكَ حملُهُ
…
منال المهاري ليْسَ تُدْرِكهُ الربْدُ)
(وشرفْتَ دسْتَ الملكِ حِين حللته
…
ومرقاتُكَ المرقالُ والفَرَسُ النهدُ)
(فكنْتَ بِهِ إدريسَ إدريسَ إِذْ رَقَى
…
مَكَانا عليا خصّه الصمَدُ الفرْدُ)
(وكنْتَ وَلم تُفْتَنْ سليمانَ إِذْ دَعَا
…
فأوتيتَ مَا لَا يَنْبَغِي لفتى بَعْدُ)
(وَمَا لم ينله غيرُ آبائكَ الأُلَى
…
ربوعُ الندا شادُوا وزَنْدَ الْعلَا شَدُّوا)
(ملوكٌ هم الأنيابُ للملكِ والسِّوَى
…
اذا نُسبوا كَانُوا الزوائدَ إِذْ عُدُّوا)
(تولَّوْا وأفضَى ملكهُمْ لمحجَّبٍ
…
تصادم تِيجَان الْمُلُوك إِذا يَبْدُو)
(تأخَّر عصراً فاستزادَكَ فِي الْعلَا
…
كَمَا ازدادَ بالتأخيرِ مَا ترقُمُ الهنْدُ)
(وأصَبَحَ عطلاً جِيدُ مَنْ رام عقدهَا
…
سواهُ وأضحَى يستضىءُ بِهِ العقْدُ)
(تفردَ طود الْملك بالمجدِ جَامعا
…
مزاياه فَهْوَ الجامعُ العلَمُ الفردُ)
(رأى إِن عدته خلَّة مِنْهُ خلَّة
…
فصيره قصراً عَلَيْهِ فَلَا يَعْدُو)
(فيا ملكا بالفضْلِ أذعَنَ ضِدُّهُ
…
وَمَا الفضْلُ إِلَّا مَا أقرَّ بِهِ الضِّدُّ)
(بكَ الدسْتُ يزهو يَوْم سِلْمِكَ والندَى
…
يومَ الوغَى يزهو بك السرْجُ والسرْدُ)
(وَمَا زلْتَ فِي حالَيْكَ سلْمٍ وضدِّهِ
…
عليكَ رِوَاقُ المجدِ يرفعُ وَالبَنْدُ)
(فيشقى بكَ الجإني ويسعدُ مخفقٌ
…
ويأمنُ مطرودٌ وترهبُكَ الأُسْدُ)
(إِذا بيَّتَ الأعداءُ أمرا تضاءلَتْ
…
لَدَى خطبِهِ الآراءُ واسْتَتَرَ الرشْدُ)
(وترتَ قويمَ الفكْرِ قوساً لوترهم
…
وأنفذْتَ سهْمَ الرأْى لَيْسَ لَهُ رَدُّ)
(وحكَّمْتَ فيهم قَاضِيا غيْرَ مغمدٍ
…
هُوَ العزْمُ لم يكهم لَهُ أبدا حَدُّ)
(وقدتَّ من القودِ الجيادِ مقانبًا
…
إِذْ طلبَتْ يدنو بتقريبها البُعْدُ)
(وغَلَّ إِلَى الأعناقِ أَيْدِىَ بطشهم
…
مِن الرعْبِ جيشٌ لَيْسَ تكبو لَهُ جردُ)
(فأحياهُمُ فى الأرضِ موتَى كَأَنَّهَا
…
عليهِمْ وَقد ضاقَتْ بِمَا رَحُبَتْ لَحْدُ)
(سجايا أبي لَا يجارُ طريدُهُ
…
وَلَا رَاع يَوْمًا جَار غفوته طرْدُ)
(مليكٌ هُوَ الطودُ الأشَمُّ للائذٍ
…
هُوَ البطَلُ المطعانُ والأسد الوردُ)
(جوادٌ لَهُ فِي المالِ صولةُ ثائرٍ
…
تحكم فِي الْجَانِي وأحفَظَهُ الحقْدُ)
(طوَتْ نَحوه بالوفْدِ كل تنوفةٍ
…
بخات بخد الأرْضِ من وخدها خَدُّ)
(وجاد فَلم يفقدْ مراماً بجودِهِ
…
فقلْ عوضا عَن جاد قد فقد العقْدُ)
(هُوَ البحْرُ عذبٌ للموالي وللعدَى
…
عذابٌ لَهُم مِنْ لجه الجزرُ والمَدُّ)
(هُوَ الغيثُ يهْمِى للْوَلِيّ وليه
…
فينبتُ إِلَّا أنَّ منبته الحمْدُ)
(ويعدو العدَى وسمى هامى ربابه
…
وتبلغهم مِنْهُ الصواعقُ والرعْدُ)
(أَخا الجودِ قد قلدتَّ جِيدى ودُونَ مَا
…
تقلدتُّ أعناقُ المطامعِ تنقَدُّ)
(وأمطيتَنِى مِنْ كاهلِ العزِّ مركبا
…
تريني ذكاً كالغورِ صهوتُهُ النجْدُ)
(فقمْتُ خَطِيبًا فِي المحافلِ بالثنا
…
وبالشكْرِ أتلو ذَا وذاكَ بِهِ أشدُو)
(ينافسنِى قوْمٌ شأوْتُ وقَصَّروا
…
وَمَا كضليع ضالع خَلفه يعْدُو)
(ويبخسُ مِنْهُم دُرَّ نظمِى زعانفٌ
…
فواعجباً مِنْ أينَ للنقَدِ النَّقْدُ)
(سماءُ سِماتِ الفضلِ لَفْظِي نجمها
…
وَلم يُخْفِهِ ألَاّ تَرَى ضوءَهُ الرُّمْدُ)
(وَإِنِّي لما خولْت أهلٌ وَلم أكُنْ
…
كقولِ حسودٍ إِنَّمَا أسعَدَ الجدُّ)
(ولستُ مُدلاًّ حِين أسمو وإِن يكُنْ
…
هُوَ الفخْرُ يَوْم الفخْرِ والشرف العِدُّ)
(وَلَكِن بنفسي والعبودية الَّتِي
…
بهَا شَرَفُ الْآبَاء من قبلُ والجدُّ)
(وإنِّى لأرجُو منْكَ مَا نَالَ مَنْ مَضَى
…
وَلَا عجَبٌ إنْ عَزَّ بالسيدِ العَبْدُ)
(بقيتَ بقاءَ الدهْرِ فِينَا مؤملاً
…
بك التاجُ يزهو والغلائلُ والبُرْدُ)
وَقَول الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْكَامِل) //
(مالِى وللغيدِ الغوانِى النُّعَّسِ
…
ولريمِ رامةَ والغزالِ الألعسِ)
(ولبانةِ الجرعاءِ فِي شَرْقي الغضا
…
ولسَجْعِ ورقِ الأيْكِ عِنْد تأَنُّسِ)
(ولنظْم عقيانِ القريضِ ونثْرِهِ
…
مِنْ كُلِّ أَنْفَسِ جَوْهَرٍ فِي أَنْفسِ)
(وأَنَا اَّلذِى قَذَفَ الزَّمَان بِجَاحِظٍ
…
مِنْ عَيْنِهِ بِي مغضباً وَهْوَ المُسِي)
(ورمَى بأسهمه مقاتِليَ الَّتِي
…
بَعُدَتْ عَلَيْهِ فحطَّ عالي مجلسِي)
(وَإِذا قنى مِنْ صَبْرِ مُرِّ قضائِهِ
…
كأساً برغْمى أَن أكونَ المحتَسِي)
(هُوَ دُمَّلُ الليلِ الَّذِي لم يندملْ
…
إِلَّا بصَبْرِ مؤمِّلٍ لم ييأَسِ)
(صابرتُهُ حَتَّى ظفرتُ بفجْرِهِ
…
وحصلْتُ مِنْهُ على شفاءِ الأنفسِ)
(بضياءِ صبْحِ العدلِ من إدريسَ مَنْ
…
أهْدى الضيا فمحا ظلامَ مغلِّسِ)
(ألسيد الحامي الذمارَ بهمةٍ
…
تسمو على الفلكِ الأثيرِ الأطلسِ)
(أولى وأوَّل باسلٍ تَخِذَ العجاجَةَ
…
درعهُ يَوْمَ الوغَى كالبرنسِ)
(لم يكترثْ بمهمةٍ وبكفِّه
…
عِنْد اللقا صُمُّ الردَينى الأخرسِ)
(والنُّطْقُ مِنْهُ الطعنَةُ النْجلاءُ فِي النْجلاء
…
من عينِ العَدُوِّ الأشوسِ)
(وَإِذا انتضى الهندىَّ خرَّتْ أرؤسٌ
…
ودَّتْ بقطْعٍ أَنَّهَا لم ترؤسِ)
(دَلَّ المنيةَ حِين ضَلَّتْ سبلها
…
فبه اهتدَتْ لفؤادِ كلِّ مترسِ)
(بِيَمِين أروَعَ يضربُ البطَلَ المُدَرْرَعَ
…
نَافِذا مِنْهُ لقطْع العضرسِ)
(كالبَرْقِ فِي الظلماءِ من نقعِ الوغَى
…
يروي سنا لكنْ بخَطْفِ الأرؤسِ)
(فرذاذُهُ العلَقُ النجيعُ وسَحُّهُ الززلق
…
الفجيعُ من الطلا المتبجسِ)
(لله مَا أمضاهُ عنْدَ توحُّشٍ
…
وأمضَّهُ فى الوهْمِ عندَ تأنُّسِ)
(والسيفُ بالكَفِّ الَّتِي كفَّتْ أَذَى
…
لَا بالحديدِ وطبعه المتيبسِ)
(لَوْلَا يدا إدريسَ مَا خطَّتْ بهَا
…
فِي الهامِ شَكْل مخمس ومسدّسِ)
(هَذَا المليكُ ابنُ المليكِ ابْنِ المليكِ
…
ابْنِ المليكِ ابنِ المليكِ الأرأسِ)
(زاكي الأرومةِ مِنْ هيولي هاشمٍ
…
عالي النجارِ من النبيِّ الأقدسِ)
(ذُو الهمة الْعليا الَّتِي مِنْ دونهَا
…
زُحَلٌ فَمَا بَاقِي الجوارِى الكُنَّسِ)
(هُوَ فى النُّهَى سَحْبَانُ وائلَ والذكاءِ
…
إياسُ والجَدْوَى ابنُ مامَةَ واحْبِسِ)
(كملَتْ فضائله فَلَو مسَّ الورى
…
أذيالُهُ لرأيْتَ كُلاًّ مكتسي)
(يأيها الملكُ الرفيعُ مقامُهُ
…
فوقَ الثوابتِ فِي الرفيعِ الأقعسِ)
(لكَ عِلْمُ إدريسٍ ودينُ محمدٍ
…
وَعلا سليمانٍ وحكمةُ هرمسِ)
(فافخَر على الأملاكِ مِنْ صنعا إِلَى
…
صِينٍ ومِنْ شرقٍ لمغربِ تونسِ)
(بِالله أنْتَ فثقْ بِهِ لَا بالورَى
…
مِنْ آدميِّ فِي الوجودِ وَلَو نسِى)
(وإليكَهَا عذراءَ فِكْرٍ عانس
…
من بعدِ عهدكَ فهْىَ بكْرُ العُنَّسِ)
(عَرَبِيَّة غنيتْ بوصفِكَ واقتنَتْ
…
حُرَّ البديعِ فَمَا أتَتْ بمجنّسِ)
(ذكرتْ عهوداً بالحمى فتلفعَتْ
…
خجلاً ووافَتْ فِي رداءٍ سندسي)
(تختالُ فِيهِ إِلَى المليكِ وتنتضِي
…
بيضَ المدائحِ من قرابِ الحندسِ)
(فاقبلْ وقابلها بطَلْقِ جبينك الْمأنوسِ
…
لَا لاقاهُ قطْب تعبُّسِ)
(وانظرْ إِلَى حالِى فأنْتَ خبيرها
…
قدماً وقدِّرْ بالوفاءِ وهندسِ)
(واسلم على طولِ الزمانِ ممتعاً
…
بثناءِ كُلِّ مفوهٍ ومدرسِ)
ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف محسن فَقَامَ بِالْأَمر أحسن قيام وَضبط الْبِلَاد والعباد بالضبط التَّام وآمن السبل والطرق وانتظم فِي سلك طَاعَته سَائِر الْفرق العاصية فِي الْفرق ثمَّ إِنَّهُم فِي الْعشْر الأول من محرم الْحَرَام عرضوا إِلَى الْبَاب العالي وأنهوا إِلَى الجناب الغالي حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان تغمده الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان طَالِبين إجابتهم إِلَى هَذَا المُرَاد وتقليد الْمشَار إِلَيْهِ إيالة هَذِه الْبِلَاد فَإِن بذلك تنتظم الْأُمُور وَيتم أَمر الْآمِر والمأمور وتنصلح الْأَحْوَال وتتضح طرق الْحق على أوضح منوال وَكَانَ الذَّاهِب بِالْعرضِ الأغا مُحَمَّد بن بهْرَام وطلع مَوْلَانَا الشريف إِلَى الْمَبْعُوث فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وصل الأغا
مُحَمَّد بن بهرامَ إِلَى بلد الله الْحَرَام فَتلقى مَا جَاءَ بِهِ الْأَعْيَان واستقبلوه إِلَى الزَّاهِر إجلالاً لما صَحبه من الْبَرَاءَة السُّلْطَانِيَّة ثمَّ دخل من ثنية كدا الْمَشْهُورَة بالحجون دُخُول أُمَرَاء الْحَاج عِنْد وصولهم إِذْ يحجون وَقد امْتَلَأت بالخلائق الشوارع وَصَارَ كل أحد إِلَى استقباله يُسَارع فَدخل والتشاريف مَحْمُولَة على أَيدي حامليها فوصل إِلَى دَار السَّعَادَة وَدخل فِيهَا فأفيضت عَلَيْهِ وعَلى الأغا مصطفى بن حيدر الترجمان مضلعتان تمييزاً لَهما على سَائِر من كَانَ مَعَهُمَا من جمَاعَة الترجمان ثمَّ عَاد إِلَى منزلهما مختلعين وَطَابَتْ مِنْهُمَا النَّفس وقرت بهما الْعين هَذَا ومولانا الشريف مُقيم بالمبعوث السعيد لِاسْتِيفَاء الصّيام بِهِ وَإِقَامَة شعار الْعِيد فَبعد أَن مَضَت أَيَّام الصّيام وطلع هِلَال الْعِيد من الْخيام تهَيَّأ مَوْلَانَا الشريف للوصول إِلَى الْبَلَد الْحَرَام لتلقى الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة وَالْخلْع السّنيَّة بالإجلال والاحترام فوصل بِجَمِيعِ من مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف مَا عدا من خَلفهم مِنْهُم بالفريق لحفظ تِلْكَ الْأَطْرَاف فَدخل فِي موكب عَظِيم ومهيع كريم وَدخل من بَاب السَّلَام إِلَى الْبَيْت الْحَرَام فَقبل يَمِين الله فِي أرضه وَأدّى بذلك وَاجِب فَرْضه ثمَّ عَاد فَجَلَسَ فِي فنَاء جِدَار زَمْزَم مُقَابل الْبَيْت الشريف وأحدق بِهِ السَّادة الْأَشْرَاف والأعيان ثمَّ قدمت لَهُ الْبَرَاءَة والنامة الْعَظِيمَة الشَّأْن فَقَامَ على قَدَمَيْهِ إجلالاً ووضعها على رَأسه الشريف اعتناءً بشأنها واحتفالاً فقرئت فِي ذَلِك الْمحْضر وَالْجمع الْأَكْبَر وَكَانَ الْقَارئ لَهَا الْعَلامَة الْمُفْتِي عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي وَبعد أَن تمت الْقِرَاءَة تقلد مَوْلَانَا الشريف بِالسَّيْفِ المجوهر وَلبس التشريف الْأَزْهَر وأفاض فِي ذَلِك الْمَكَان جملا من القفطان على كل من لَهُ علاقَة فِي هَذَا الشان
ثمَّ دخل الْبَيْت الشريف بغالب من مَعَه من الْأَشْرَاف ثمَّ بعد بروزه اسْتَلم الْحجر وَطَاف والريس يَدْعُو لَهُ من أَعلَى قبَّة زَمْزَم كَمَا هُوَ عَادَة الأسلاف ثمَّ ذهب إِلَى منزله السعيد وَجَاء للتهنئة كل ذِي شَأْن مجيد ثمَّ أفيضت عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْمَكَان الخلعة الثَّانِيَة الْوَاصِلَة من وَزِير مصر ذِي الشان فَكَانَ ذَلِك الْيَوْم يَوْمًا مشهوداً وَمن أَيَّام الأعياد معدوداً وَفِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا توفّي السَّيِّد إِبْرَاهِيم ابْن بَرَكَات ابْن أبي نمي كَانَ من أجلاء أَشْرَاف مَكَّة وَرُؤَسَائِهِمْ وأغنيائهم جمع من الضّيَاع وَالْعَقار وَالْإِبِل والخميل وَالنعَم شَيْئا كثيرا جدا تغمده الله برحمته آمين وَلما كَانَ آخر صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وصل إِلَى جدة الْوَزير أَحْمد باشا مُتَوَلِّيًا الْجِهَات اليمنية فَلَمَّا وصل إِلَى محاذاة جدة بِحَيْثُ يَرَاهَا انْكَسَرَ مركبه وغرقت جَمِيع أَمْوَاله فتعب لذَلِك وَنزل إِلَى جدة وَأرْسل إِلَى مَوْلَانَا الشريف محسن بهدية ثمَّ نزل إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي الْمُفْتِي الْحَنَفِيّ بمكاتيب من مَوْلَانَا الشريف محسن فَأَقَامَ عِنْده أَيَّامًا ثمَّ إِن الباشا أَحْمد طلب من مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا الشريف محسن الْإِعَانَة فشرعوا فِي تَدْبِير مَا يرسلون بِهِ إِلَيْهِ وَطلب غواصين لإِخْرَاج مَاله وأثاثه فغاصوا وَلم يخرجُوا شَيْئا فتخيل الباشا أَنهم مأمورون بذلك ثمَّ تنكر وَتغَير وسجن الْقَائِد راجحا بن ملحم الدويدار حَاكم جدة والأغا مُحَمَّد ابْن بهْرَام الشريفي أحد خدام مَوْلَانَا الشريف وَكَانَ أرْسلهُ مَوْلَانَا الشريف إِلَى جدة بمكاتيب إِلَى الباشا فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن قره باش الْوَاعِظ الرُّومِي إِلَى جدة لينْظر فِي هَذَا الْأَمر فَلم ينْتج شَيْئا فَلَمَّا أَن كَانَت غرَّة شهر ربيع الأول من السنه الْمَذْكُورَة وصل الْخَبَر بِأَن الباشا صلب راجحاً الدويدار وَكَانَ السَّيِّد أَحْمد بن عبد الْمطلب نزل إِلَى جدة إِلَيْهِ لما سمع بِهِ فَنزل على حمَار فَقَالَت لَهُ الأقدار وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار وَكَانَ
فِي هَذِه الْمدَّة يتَرَدَّد إِلَيْهِ فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى مَكَّة بذلك حصل اضْطِرَاب وَقيل وَقَالَ فَبعد مُدَّة يسيرَة وصل خبر وَفَاة الباشا أَحْمد وَأَن السَّيِّد أَحْمد استمال عسكره وَاسْتولى على جدة وأموالها وَأَن جدة نُودي فِيهَا لمولانا الشريف محسن ففرح النَّاس بذلك كثيرا فَفِي ثَانِي يَوْم الْخَبَر ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمر عَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَأَن السَّيِّد أَحْمد نُودي لَهُ فِي جدهَ وَمنع النَّاس من الدُّخُول وَالْخُرُوج فبرز مَوْلَانَا الشريف محسن بعساكره وَجُنُوده وَنزل ب ومخ اسْم مَاء أَو جبل بِقرب جدة من جِهَة الشَّام وَوَقعت هُنَاكَ فتْنَة أَن الأتراك خَرجُوا من جدة لأخذ إبل ترعى فِي تِلْكَ الْجِهَات فوصل الْخَبَر إِلَى مَوْلَانَا الشريف محسن فَركب وَركب مَعَه السَّادة الْأَشْرَاف والأجناد فَوَقَعت ملحمة عَظِيمَة قتل فِيهَا من الأتراك فَوق الْخمسين وَقتل فِيهَا من الْأَشْرَاف مَوْلَانَا السَّيِّد ظفر بن سرُور بن أبي نمي ومولانا السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم بن جازان وَغَيرهمَا ثمَّ بعد مُدَّة وصل مَوْلَانَا الشريف محسن إِلَى الْبَلَد وَأقَام بهَا وَجعل هُنَاكَ رُتْبَة وَأقَام على الرُّتْبَة مَوْلَانَا السَّيِّد قايتباي بن سعيد بن بَرَكَات فَلَمَّا أَن كَانَ آخر شعْبَان وصل الْخَبَر بِأَن السَّيِّد أَحْمد بن عبد الْمطلب خرج هُوَ والعساكر مَعَه إِلَى جِهَة مَكَّة وَلم يزل يسير أَيَّامًا عديدة وَكَانَ وُصُوله على جِهَة وَادي مر فَلَمَّا كَانَ يَوْم سادس عشر رَمَضَان وصل الْخَبَر أَنهم قاربوا مَكَّة فبرز مَوْلَانَا الشريف محسن هُوَ والسادة الْأَشْرَاف والأجناد وَالْعَبِيد والصروخ فِي جمع لَا يُحْصِيه إِلَّا خالقه وَكَانَ خُرُوجه لذَلِك بعد صَلَاة عشَاء لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَالْتَقوا بِالْقربِ من التَّنْعِيم فَوَقَعت معركة فتوحدت تِلْكَ الجموع وَلم يبْق لَهُم همة إقدام إِلَّا على الرُّجُوع فأطلقت المدافع وَضربت البنادق ووضح الناصح والمماذق فَتوجه مَوْلَانَا الشريف محسن وَمَعَهُ ابْنه الشريف زيد وَبَعض السَّادة الْأَشْرَاف إِلَى الحسينية ثمَّ إِلَى جِهَة الشرق نَحْو بيشة فَجمع جَيْشًا كَبِيرا من العربان وَقصد الإغارة على التّرْك المقيمين بِالطَّائِف فَلم يتَّفق لَهُ ذَلِك ثمَّ سَافر إِلَى مَدِينَة صنعاء الْيمن فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن توفّي عَام ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف سادس
رَمَضَان بهَا بظاهرها وَحمل إِلَيْهَا وَدفن بهَا فِي قبَّة عالية عَلَيْهَا قوام وخدام بِمَعْلُوم يصل إِلَيْهِم من مَوْلَانَا المورحوم زيد ثمَّ من بعده من بنيه الْأَمْلَاك بدور الأفلاك كَانَت وِلَادَته فِي جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة بِمَكَّة المشرفة نَشأ فى كَفَالَة أَبِيه وجده وَكَانَ جده الشريف حسن يُنَوّه بِقَدرِهِ ويقدمه لنباهته ونجابته وَظُهُور آثَار الرِّئَاسَة عَلَيْهِ فِي صغره وَكَانَ يقدمهُ فِي الحروب فَيرجع مظفراً منصوراً وعدوه مخذولاً مقهوراً جبل على مَكَارِم الْأَخْلَاق وطار صيته فِي الْآفَاق وَلما تولى عَمه أَبُو طَالب إِمَارَة مَكَّة أحله مَحل وَلَده وَنزل منزلَة أفلاذ كبده إِلَى أَن مَاتَ أَبُو طَالب فشارك عَمه إِدْرِيس فِي إمرة مَكَّة وَلبس الخلعة الثَّانِيَة ودعى لَهُ فِي الْخطْبَة وَعقد لَهُ لِوَاء الْإِمَارَة وَضربت النّوبَة الرومية فِي بَيته لمشاركته فِي الإمرة ووردت التشاريف السُّلْطَانِيَّة برسمه وَأَتَتْ المراسيم الخاقانية إِلَيْهِ مَعَ عَمه وَاسْتمرّ شَرِيكا فِي الرّبع إِلَى أَن أذن لَهُ بالاستقلال بِولَايَة الْحجاز فَجرى بَينه وَبَين عَمه حَال أدّى إِلَى قِيَامه عَلَيْهِ وَتَابعه جَمِيع الْأَشْرَاف على ذَلِك فَخلع عَمه إِدْرِيس عَن ولايهّ مَكَّة وَاسْتقر فِي الْأَمر يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس من شهر الْمحرم الْحَرَام افْتِتَاح سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف كَمَا تقدم ذكر ذَلِك آنِفا وَكَانَ رحمه الله من النباهة والسؤدد والرئاسة وَالْكَرم والبأس والسياسة بِالْمحل الأرفع إِلَّا أَن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ أمرا هيأ أَسبَابه فَمَا تَنْفَع ذوى الْعُقُول عُقُولهمْ وَلَيْسَ لَهَا مَعَ إِرَادَته سُبْحَانَهُ إِصَابَة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَنصف رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وَغفر لَهُ ولأسلافه الأكرمين مغْفرَة جَامِعَة وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين بن أَحْمد الْمَالِكِي رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْبَسِيط) //
(لقدْ جرى بالذِى تختارُهُ القدَرُ
…
فمُرْ بَما شئْتَ إِن الدهْرَ مؤتمرُ)
(وضرَّ من شئتَ وانفَعْ من تشاءُ فَفِي
…
أكفِّكَ الواكفاتِ النفْعُ والضرَرُ)
(والدهْرُ مِنْ جيشكَ المنصورِ قائدُهُ
…
ألْقى يَدَ السلْمِ خَوْفًا وَهُوَ يعتذرُ)
(فاغفِرْ جنيَّتَهُ العظمَى لتوبَتِهِ
…
إنَّ العظيمَ عَظِيم الذنْبِ يغتفرُ)
(وَقد أتَى مقلعاً عَن جرمِهِ ملكا
…
يَسْطُو انتقاماً ويعفُو وهوَ معتذرُ)
(ذَا هيبةٍ رابَ ريب الدَّهْر فانقلَبَتْ
…
تغزو عداهُ صُرُوفُ الدهرِ والغِيَرُ)
(وسطوة تتركُ الآسادَ واجمةً
…
لم ينجُ مِنْ رُعْبها نابٌ وَلَا ظُفُرُ)
(بِهِ تبلَّجَ صبْحُ الملكِ وابتسمَتْ
…
ثغورُهُ ودياجي الخطْب تعتكِرُ)
(وأصبحَ الدسْتُ معموراً وكافلُهُ
…
ملك بِهِ أضحَتِ الأملاكُ تفتخرُ)
(أخبارُهُ صغرتْ أخبارهم عظما
…
كَمَا برؤيتِهِ يستصغرُ الخبرُ)
(ليثٌ إِذا خطَّ سطراً نصل قاضبه
…
مالَتْ لتعجمه الخطِّيةُ السمُرُ)
(كَأَنَّهُ لاعبٌ يَرْمِي الرءوسَ بِهِ
…
بالصولجانِ فتلْكَ الأرؤسُ الأكرُ)
(مَا كَرَّ بعد ورودِ الحربِ قطُّ وهَلْ
…
يكرُّ من لَيْسَ عَن وِرْدٍ لَهُ صَدَرُ)
(وَلم يفرَّ وهَلْ يدنو الْفِرَار فَتى
…
بالعزْمِ مُدَّرعٌ بالنصْرِ معتجرُ)
(فَتى لَهُ جيشُ عزمٍ قد أحاطَ مِنَ السْسِتِّ
…
الجهاتِ بِهِ التأييدُ والظفَرُ)
(ينمى إِلَى دوحةٍ للملْكِ زاكيةٍ
…
قد طابَ عُنْصُرُهَا والفرْعُ والثمرُ)
(أَغَرُّ ثَبْتُ الجنانِ الفارسُ البطلُ الليْثُ
…
الهمامُ الشجَاعُ الصارمُ الذَّكَرُ)
(ألقائدُ الخيلَ إنْ رامَتْ مدى وضعتْ
…
فِي خَطْوها يَدهَا حيْثُ انْتهى البَصَرُ)
(مِنْ كُلِّ أدهَمَ يكسى مِنْ دَمٍ حُلَلاً
…
كَأَنَّهُ بلظَى الهيجَاءِ يستعرُ)
(وكل أشهَبَ محجولٍ قوائمُهُ
…
أغر أَبْلجَ مَا فِي بَاعه قِصَرُ)
(وكل طرفٍ يدكُّ الصخْرَ حافرُهُ
…
وطئا تطاير من صدماته الشرَرُ)
(كَأَنَّمَا تطلبُ الأقدامُ أيديها
…
فَلَا تقرُّ وَلم يلحقْ لَهَا أَثَرُ)
(تخالُ تصهالَهَا رعدًا يزمجرُ فِي
…
سحابِ نقعٍ مُثَار برقُهُ البترُ)
(مهذبات إِذا نَار الوغَى استعرَتْ
…
لَا بالعنانِ وَلَا بالشكْلِ تنحجرُ)
(عليهمُ الأسْدُ فُرْسَانًا مصورةً
…
تطيعُهُمْ كيفَ مَا شَاءُوا وتنزجرُ)
(وكل أصْيَدَ مرِّ الْحَد ذِي جَلَدٍ
…
مَا مسَّهُ سأمٌ فِيهَا وَلَا ضَجَرُ)
(مِنْ كُلِّ شهمٍ شديدِ البطشِ منصلِتٍ
…
كالسهْمِ إِذْ ثارَتِ الهيجاءُ يبتدرُ)
(وكُلِّ ذِي لمةٍ سوداءَ حالكةٍ
…
كالليلِ فِي جنحِهِ قد أشرَقَ القمَرُ)
(قوم إِذا الْتَأَمُوا كانُوا الأهلَّةَ والأقمار
…
إِن سفروا والأسْدَ إِن زأروا)
(كَأَنَّهُمْ والصَّبَا تسرِى بنَشْرِهِمُ
…
فِي محكَمِ الزردِ الأكمامُ والزهرُ)
(بهم حوى الفَخْرَ أبناءُ الرسولِ كَمَا
…
بِهِ على العُرْبِ فخراً قد حوتْ مُضَرُ)
(يسوسُهُمُ صادقُ الآراءِ فطنتُهُ
…
تقضي بِمَا هُوَ آتٍ قبلُ والْفِكَرُ)
(متوجٌ هُوَ فيهم مثلهم شرفاً
…
فِي قومِهِمْ وهُمُ فِي قَومهمْ غُرَرُ)
(إِذا بدا بَينهم فِي موكبٍ تره
…
كَأَنَّهُ البدْرُ دارَتْ حوله الزهرُ)
(لَو أَن مِنْ بعد طه مُرْسلا نزلَتْ
…
عَلَيْهِ فِي وصفِهِ الآياتُ والسوَرُ)
(صِفَات أروَعَ لَا تحصَى محامدُهُ
…
وَلَيْسَ يحصُرُهَا قولٌ فتنحصرُ)
(وَكَيف يحصرُ بالألفاظِ قولُ فتَىً
…
مطولُ القولِ فِي مَعْنَاهُ مختصرُ)
(سمحُ الأكفِّ كريمٌ عَمَّ نائله
…
معطي الجزيلِ ابْتِدَاء وَهُوَ يعتذرُ)
(كَأَنَّمَا كَفُّهُ تهمى بنائلِهِ
…
غمائمٌ بولِي الجودِ تنهمرُ)
(أَو دوحة غَضَّة الأغصانِ دانية
…
قطوفُهَا بنسيمِ العرفِ تنهصرُ)
(يَلْقَى النضارَ لَدَيْهِ المعتفون قِرًى
…
كَأَنَّمَا لقِرَاهُمْ تنحرُ البدرُ)
(دَعَاهُ يَا محسناً لما تفرسَ مِنْ
…
مرآهُ والدُهُ الْإِحْسَان ينتشرُ)
(فجَاء مصداقُ كُلِّ اسمٍ لصاحبِهِ
…
مِنْهُ نصيبٌ بِمَا يَأْتِي وَمَا يَذَرُ)
(فيا أَبَا الجودِ يَا جَمَّ المواهبِ يَا
…
أَخا الندَى مفخَرَ الأقوامِ إِن فَخَروا)
(يابَنْ الحسينِ لقد وافَتْكَ واصلةٌ
…
عذراءُ قد فاتَ مِنْهَا غيرَكَ النَّظَرُ)
(لم ترضَ غَيْرك كفوا والصداقُ لَهَا
…
صدقُ القبولِ فَمَا لي غيرَهُ وَطَرُ)
(فلستُ مِمَّن يقولُ الشعْرَ مبتغياً
…
بِهِ افتخاراً وَمَا بالشعْرِ يفتخرُ)
(سَلْنِى وسَلْ عنىَ الأقوامَ مختبراً
…
لَا يعرفُ المرءُ إِلَّا حِين يختبرُ)
(عمري ولولاكَ يَا حامي الذمارِ لما
…
صُغْتُ المدائحَ أبديها وأبتكرُ)
(فسرِّحِ الطرفَ فِيهَا رَوْضَة أنفًا
…
غَنَّاءَ يقصرُ يحْكى نظمها الدُّرَرُ)
وَمِمَّا قيل فِيهِ أَيْضا قَول الْعَلامَة الْقدْوَة الْمُفِيد الفهامة مَوْلَانَا الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ الْحُسَيْنِي رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْكَامِل) //
(لَا والنواعمِ مِنْ جواري العينِ
…
مَا احتجْتُ فِي حملِ الهوَى لمعينِ)
(وَبِمَا لَهُنَّ علىَّ مِنْ خّلْعِ العذارِ
…
إِذا سفرْنَ بطرةٍ وجبينِ)
(ولعبْنَ بالألباب عِنْد تمايسٍ
…
بمعاطفٍ تزرى الغصُونَ بلينِ)
(أَنا ذَلِك الصبُّ الَّذِي قِدْمًا صبا
…
بصبا الصِّبَا وَإِلَى الغرامِ حَنِينِى)
(غيثُ السحائبِ مدمعى وهَوَى لظَى
…
نفسى ورعْدُ الصاعقاتِ أنيني)
(يبرينىَ النجديُّ من ألم النَّوَى
…
ويذيلني بردا ظبا يبرينِ)
(ويعلُّنى الوجدان أعذَبَ موردٍ
…
ويعلُّنى السلوانُ عَنهُ سلوني)
(لَا يعذلُ المشتاقَ إِلَّا مثلُهُ
…
هيهاتَ ذَلِك فَهُوَ بئْس قرينِى)
(مَا مرَّ بِي فِي العشقِ إِلَّا مَا حلا
…
لفؤادِ كلِّ مولَّه وحزينِ)
(شرْعُ الهوَى فرضِى وحُسْنُ تهتُّكى
…
نَفْلِى ومدْحِى محسناً مِنْ ديني)
(إبنُ الحسينِ أَبُو الحُسَيْنِ أَخُو التقَى
…
من لَيْسَ يرضى فِي الْعلَا بالدونِ)
(عالي الجنابِ إِذا انتحَى وَإِذا انتخَى
…
سهْل الحجابِ بغاب لَيْث عرينِ)
(ذُو هيبةٍ حلَّتْ قلوبَ عداته
…
لَو أَنهم حَلُّوا أقاصي الصينِ)
(من عزمِهِ ساحَ الحديدُ وسالَ إِذْ
…
سلَّتْ فحاكى السيح من سيحونِ)
(يروي الأسنةَ والشوازبَ من دَمِ الأعداءِ
…
لَا يَرْضَى لَهَا بمعينِ)
(وَيرى المُنَى نزعَ النُّفُوس بِمَا بهَا
…
مِنْ كُلِّ غلِّ فِي الصدورِ كمينِ)
(ألله مَا أعلَى مرامي ظنِّهِ
…
طبق القضا فِي شأنِ كل ظنينِ)
(وأحسَّهُ بالأمْرِ قبل وقوعِهِ
…
وخطورِهِ فِي عَالم التكوينِ)
(يرضيكَ إنْ هزَّ القنا بِشمَالِهِ
…
وَإِذا انتضَى سيف القنا بيمينِ)
(فيريكَ لمْعَ البرقِ فِي ظُلَمِ الحشا
…
سيل العقيقِ ومدهق الزرجونِ)
(ثملَتْ بِهِ عللاً رءوسُ رماحِهِ
…
فبدَتْ معربدةَ بقطْعِ وتينِ)
(وصحَتْ فأنهلَهَا الظهورَ فحطَّمَتْ
…
أضلاعَ كلِّ مجدلٍ وطعينِ)
(وَبهَا حمى أُمَّ القرَى فدعِ الْقرى
…
متسفلاً فِي الإرتقا بمئينِ)
(مَنْ ذَا يقاومه إِذا اشْتَدَّ الوغَى
…
إِلَّا فتَىً يَرْجُو لقاءَ منونِ)
(هَذَا التقىُّ الطاهرُ الذيل الَّذِي
…
يسمو بعرضٍ فِي الأنامِ مصونِ)
(مولى الجميلِ وباذلُ الفضلِ الجزيلِ
…
وكاشفُ الخطبِ الجليلِ لحينِ)
(حكتِ السحائبُ كفَّهُ فبكَتْ على
…
مَا فاتَهُ من سَحِّهِ بهتونِ)
(قسما بِهِ لم يحكِهِ فِي جودِهِ
…
إِلَّا الذى أضمرْتُ طَىَّ يمينى)
(فهُمُ هُمُ بيتُ النبوةِ والحجا
…
وَالْبر أربابُ التقى والدينَ)
(إنْ تلقه لم تلْقَ إِلَّا محسناً
…
من محسنٍ من محسنٍ بضمينِ)
(واعقدْ يَمِينك إِنَّه مِنْ عقدهم
…
عين القلادةِ فصلَتْ بثمينِ)
(من رام عزَّا فلينخْ برحابه
…
أملاً فيذهبَ عَنهُ ذُلُّ الهونِ)
(مَا سامَ مرعَى خصبِهِ متضائلٌ
…
إِلَّا تبدَّلَ غثُّهُ بسمينِ)
(يابنَ النبىِّ إليكَهَا نونيةً
…
بالكافِ قدَّرَهَا القضا والنونِ)
(وَافَتْكَ كالطاووس تزهو عزة
…
مذْ ذُبِّجَتْ بغلائلِ التلوينِ)
(خُذ فألها الحسَنَ الجميلَ وقولَهَا
…
كُنْ كيفَ شئْتَ بغايةِ التمكينِ)
(فالطرْسُ مِنْهَا أخضَرٌ والسطْرُ فِيهِ
…
أسودٌ يستلُّ بيضَ جفونِى)
(أثنَتْ عَلَيْك ببعضِ حقكَ فاغتفرْ
…
تَقْصِيرهَا فِي المدْحِ لَا التحسينِ)
(لَا زلْتَ فِي أوجِ السعادةِ راقياً
…
بدوامِ عِزِّ فِي الفخارِ مكينِ)
وَدخل الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب مَكَّة ضحَى الْيَوْم السَّابِع عشر من رَمَضَان والمنادي بَين يَدَيْهِ وَكَانَ دُخُوله من الْحجُون فاضطربت الأفكار وتعبت النَّاس وَأول مَا بَدَأَ بِهِ دُخُول الْمَسْجِد من بَاب السَّلَام وَفتحت لَهُ الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فَدَخلَهَا ثمَّ عزم إِلَى الْمحل الَّذِي أَرَادَ السُّكْنَى بِهِ فَنَقُول ثمَّ وَليهَا الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب بن حسن بن أبي نمي بتولية الْوَزير أَحْمد باشا إِيَّاه كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فَوَقع من الْعَسْكَر الَّذين كَانُوا متوجهين مَعَ الباشا الْمَذْكُور إِلَى جِهَة الْيمن تسلط على بيُوت النَّاس لما فِي نُفُوسهم على أهل مَكَّة فَأدى ذَلِك إِلَى القيل والقال وَحصل لَهُم مِنْهُم الْخَوْف الْعَظِيم فَكَانَ ذَلِك لما أَرَادَ الله سَببا لمُخَالفَة الْقَبَائِل وتخطفهم فِي الطّرق لمن مر بهم من الْأَعْرَاب وَغَيرهم وَقبض على المرحوم مفتى الخنفية الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي وحبسه مضيقاً عَلَيْهِ لأمر نقمه مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ موسم السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف قدم الْحَاج الْمصْرِيّ وأميره قانصوه باشا وَكَانَ بَين قانصوه هَذَا وَبَين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن مَوَدَّة أكيدة ومكاتبات سَابِقَة
فَلَمَّا صعد الحجيج عَرَفَة أَتَى حَرِيم الشَّيْخ إِلَى مخيم قانصوه متشفعات بِهِ إِلَى الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب فِي إِطْلَاق الشَّيْخ فرق لَهُنَّ رقة عَظِيمَة وَتوجه مُتَوَجها إِلَى الشريف أَحْمد يَوْم عَرَفَة فَلم يوجهه وَلم يؤيسه فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة النَّحْر توفّي الشَّيْخ رحمه الله شَهِيدا فَكَانَ ذَلِك مَعَ قَضَاء الله تَعَالَى سَببا لوُقُوع مَا وَقع مِنْهُ فِي الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وفيهَا ظهر يَوْم الْخَمِيس ثامن عشري ربيع الثَّانِي توفّي مَوْلَانَا السَّيِّد الْجَلِيل ذُو الْمجد الأثيل خَاتِمَة الْمُحَقِّقين شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين شمس المعارف والعلوم ترجمان الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم الْمُتَّفق على إِمَامَته وَالْمجْمَع على ورعه وجلالته إِنْسَان عين الْعلمَاء العاملين أستاذ الْأَئِمَّة المدققين صدر المدرسين الْعِظَام مفتي بلد الله الْحَرَام مَوْلَانَا الْوَلِيّ القطب الْعَارِف بربه الفائض عَلَيْهِ مدرار الْفَيْض الإلهي مَعَ كَسبه مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف حاوى مرتبتى الْعلم وَالْعَمَل والبالغ فيهمَا أوج غَايَة الأمل الْجَامِع إِلَى شرف النّسَب الْعلي شرف الْعلم الْجَلِيّ مَوْلَانَا السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ الْحُسَيْنِي الشَّافِعِي بِمَكَّة المشرفة أَخذ عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ والعلامة ابْن قَاسم والملا عبد الله السندي والملا عَليّ بن إِسْمَاعِيل العصامي وَالْقَاضِي عَليّ بن جَار الله وَالشَّيْخ عبد الرَّحِيم الأحسائي وَالسَّيِّد مير بادشاه والملا نصر الله وَغَيرهم وَأخذ عَنهُ شَيخنَا الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر بن الْجمال وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الله باقشير وَشَيخنَا الإِمَام زين العابدين بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد النعم الطَّائِفِي وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن كريشة السقاف وَالسَّيِّد صَادِق باد شاه مفتي الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم رحمه الله وَأعَاد علينا وعَلى المسليمن من بركاته وَقد اخْتلفت الْأَقْوَال فِي سَبَب قَتله الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي فَقيل تَعْرِيض الشَّيْخ الْمَذْكُور بالشريف حِين خطْبَة عقده الَّتِي خطب بهَا فِي زواج سلطانة ابْنة عَليّ شهَاب وَكَانَ الشريف أَحْمد طلب التَّزَوُّج بهَا فَلم يُزَوجهُ فَعرض الشَّيْخ بذلك حَيْثُ قَالَ فِي مُبْتَدأ الْخطْبَة الْمَذْكُورَة الْحَمد لله الَّذِي أعز سُلْطَانه ودحض شَيْطَانه وَقيل إِنَّه جَاءَ إِلَى الشريف الْمَذْكُور عِنْد موت أَخِيه السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب معزيا لابساً صُوفًا أَبيض
وَقيل إِن الشريف أَحْمد حِين استولى على مَكَّة وطلع إِلَى دَار السَّعَادَة على فرش الشريف محسن وجد تَحت طرف الْمرتبَة فتياً من الشَّيْخ الْمَذْكُور بتسميتهم بغاة جائرين ظالمين وبوجوب قِتَالهمْ بِخَطِّهِ الْمَعْرُوف واسْمه الْمَوْصُوف وَالله تَعَالَى أعلم أياً كَانَ ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة وأرخت بِمَا نَصه شرف المدرسين وفيهَا أَيْضا كَانَت وَفَاة جدي الْعَلامَة الشَّيْخ عبد الْملك بن جمال الدّين بن إِسْمَاعِيل صدر الدّين ابْن الْعَلامَة الْمُحَقق إِبْرَاهِيم عِصَام الدّين الشَّافِعِي الْمَكِّيّ الشهير بالعصامي المقلب بخاتمة الْمُحَقِّقين وَإِمَام الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وخاتمة عُلَمَاء الْعُلُوم الأدبية وَعلم الْأَئِمَّة الْأَعْلَام بَحر الْعُلُوم المتلاطمة بِالْفَضْلِ أمواجه وطود المعارف الراسخ الناتجة لَدَيْهِ أَفْرَاده وأزواجه عَلامَة الْبشر فِي الْقرن الْحَادِي عشر والرحلة الَّتِي ضربت إِلَيْهِ أكباد الْإِبِل والقبلة الَّتِي فطر كل قلب على حبها وجُبل جمع فنون الْعلم فانعقد عَلَيْهِ الْإِجْمَاع وَتفرد بصنوف الْفضل فبهر النواظر والأسماع فَمَا من فن إِلَّا وَله فِيهِ الْقدح المعلّى والمورد العذب الْمحلى إِن قَالَ لم يدع مقَالا لقَائِل أَو طَال لم يَأْتِ غَيره بطائل مولده كَانَ بِمَكَّة سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة كَانَ تَارِيخه نعم الْمَوْلُود ذَا وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن وَالِده وَعَن الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الرءوف الْمَكِّيّ وَعَن خَاتِمَة الْمُحَقِّقين الشهَاب أَحْمد بن قَاسم الْعَبَّادِيّ والعلامة أَحْمد بن عواد الْمصْرِيّ والخطيب عبد الرَّحْمَن ابْن الْخَطِيب الشربينى وَأَجَازَهُ بمروياته بِإِجَازَة بِخَطِّهِ سنة تسع بعد الْألف وَعَن غَيرهم وَعنهُ مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد عَليّ بن عَلان الصديقي وَالسَّيِّد صَادِق بادشاه ومولانا الشَّيْخ عبد الله باقشير الْحَضْرَمِيّ ومولانا الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر بن الْجمال الْأنْصَارِيّ ومولانا القَاضِي تَاج الدّين بن أَحْمد الْمَالِكِي ومولانا الْخَطِيب أَحْمد ابْن عبد الله الْبري الْمدنِي وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطَّائِفِي وَخلق ولازم الْأُمَرَاء والتدريس فِي كل علم نَفِيس وجدد مغنى الْعلم الدريس واشتغل
بالتصنيف والتأليف وتخلى عَن كل أنيس وأليف حَتَّى بلغت مؤلفاته السِّتين بَين شرح مُفِيد وَمتْن متين مِنْهَا شرح الشذور سَمَّاهُ شِفَاء الصُّدُور وَشرح على الْقطر وَشرح على الشَّمَائِل وحاشية على شرح التَّحْرِير وَشرح على الألفية النحوية لم يتمه وَشرح على الزنجاني وحاشية على شرح لقطر لمصنفه وَشرح على إيساغوجي وَشرح الخزرجية وَشرح على استعارات السَّمرقَنْدِي وَغير ذَلِك من المصنفات الْمَشْهُورَة تبلغ الْعدة الْمَذْكُورَة إِلَى زهد وورع وَصَلَاح أشرق نورها فِي أسرة وَجهه ولاح وبيته وَبَين عُلَمَاء عصره مكاتبات كَثِيرَة وأسئلات سطر عَلَيْهَا أجوباته المنيرة وَكَانَت وَفَاته بِطيبَة وَدفن ببقيع الْغَرْقَد رحمه الله وَأعَاد علينا من بركاته آمين وَفِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ فِي صفر مِنْهَا وَقع فِي أَعمال مصوع زَلْزَلَة شَدِيدَة ثمَّ تصاعدت إِلَى بر العبيد وَمَا زَالَت تعْمل إِلَى الأجمدة وفقدت بلد بِمن فِيهَا فَلَا يعلم أخسف بهَا أم رفعت إِلَى السَّمَاء وَلم تزل الزلازل تعْمل فيهم حَتَّى انسد بِالْحِجَارَةِ النَّازِلَة عَنْهَا مَا بَين جبلين ويرون لَهب النَّار وجرَى الدَّم على وَجه الأَرْض بعد نبعه مِنْهَا كجري المَاء وَاسْتمرّ بهم هَذَا الْأَمر إِلَى بعد ذِي الْحجَّة ثمَّ ارْتَفَعت عَنْهُم الزلزلة وَجرى الدَّم وَذهب أَثَره عَن الأَرْض غير أَنه بَقِي فِيهِ أثر النَّار نَهَارا ولهبها لَيْلًا فسبحان الفعال لما يُرِيد وفيهَا فِي رَمَضَان مِنْهَا كَانَت وَفَاة الشريف محسن بن حُسَيْن وَقد ذَكرنَاهَا مَعَ مَا يتبعهَا آنِفا ثمَّ اسْتمرّ الشريف أَحْمد فِي الْولَايَة إِلَى أَن حج بِالنَّاسِ حجَّة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف فجَاء للحجاج أَمِير مُنْفَرد وَجَاء قانصوه باشا مُتَوَجها لفتح الْيمن صحبته العساكر وعدتها ثَلَاثُونَ ألفا وَضرب وطاقه فِي أَسْفَل مَكَّة وَكَانَت بَين الشريف مَسْعُود ابْن الشريف إِدْرِيس وَبَين الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب ممالأة ومواطأة قبل نُزُوله إِلَى جدة مضمونها إِنِّي لَا أُرِيد الْملك لنَفْسي إِنَّمَا أريده لَك أَو هُوَ بَيْننَا فخذل عني مَا اسْتَطَعْت من آل أبي نمي وثبطهم وَحل عزائمهم ووعده بذلك فَفعل مَا فعل وَحصل بِهِ على الشريف محسن مَا حصل وَللَّه الْأَمر
فَلَمَّا نزل إِلَى جدة تقمصها لنَفسِهِ وَلم يَفِ لمسعود بِبَعْض مَا بَينهمَا بل أَرَادَ قَتله ففر إِلَى قانصوه والتجأ وَصدر قانصوه على الشريف أَحْمد مَمْلُوء بالوجاء فَلَمَّا أقبل قانصوه قَاصِدا لليمن لاقاه الشريف مَسْعُود من يَنْبع أَو الخور وَجَاء مَعَه مختفياً وَلم يزل بِهِ مختفيا وواجه فِي الْمَجِيء الأول الشريف أَحْمد قانصوه ورد عَلَيْهِ تَحِيَّة الْقدوم ثمَّ عزم على محاربة قانصوه فازداد قانصوه عَلَيْهِ حنقاً على حنق وَشرع يستميل عَسْكَر الشريف أَحْمد فأطاعوه فَخَرجُوا من مَكَّة ثمَّ خيم قانصوه بالزاهر وَلما أَن قَضَت الْحجَّاج مناسكهم وذهبوا إِلَى أوطانهم تخلف قانصوه بوطاقه أَسْفَل مَكَّة فَلَمَّا تحرّك للسَّفر قدم ثقله وَلم يبْق إِلَّا وطاقه وخيام العساكر فَأَشَارَ قانصوه إِلَى شخص يتعاطى خدمته من أَبنَاء الطّواف يُسمى مُحَمَّد المياس أَن يحسن للشريف أَحْمد الْوُصُول إِلَى قانصوه للوداع فَفعل وَذهب إِلَى الشريف وَحسن لَهُ ذَلِك يَوْم السبت رَابِع شهر صفر فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْأَحَد خَامِس الشَّهْر الْمَذْكُور من سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف ركب الشريف أَحْمد إِلَيْهِ وصحبته من الْأَشْرَاف شبير بن بشير بن أبي نمي وَمُحَمّد بن حسن بن ضبعان وراجح بن أبي سعد وَمن أعوانه وزيره مقبل الهجالي وَأحمد البشوتي مُتَوَلِّي بَيت المَال وفليقل فَلم يزَالُوا يدْخلُونَ فِي الصيوان من بَاب إِلَى بَاب يمْنَع عِنْد كل بَاب طَائِفَة من أَتْبَاعه حَتَّى دخلُوا فتحادثا مَلِيًّا ثمَّ نصبا رقْعَة الشطرنج فَلَمَّا كَانَت السَّاعَة الْخَامِسَة من اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة قبض على الْجَمِيع فَتوفي الشريف أَحْمد شَهِيدا إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ وَقتل الهجالي وفليقل وصلب البشوتي وَأطلق الْأَشْرَاف فتحركت عساكره فأظهره لَهُم وَنشر البيرق ونودى الْمُطِيع للسطان يقف تَحِيَّة فوقفت العساكر تَحِيَّة وخلع على الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس فسبحان من لَا يَزُول ملكه وَلَا يتَغَيَّر سُبْحَانَهُ ثمَّ حمل الشريف أَحْمد وأتى بِهِ من طَرِيق الْحجُون فَدفن بالمعلاة رحمه الله من شَهِيد كَذَا ذكره فِي الْجَوَاهِر والدرر فِي أهل الْقرن الْحَادِي عشر وَقد كَانَ الشريف أَحْمد لَيْث آل أبي نمي أديباً فَاضلا نبيها مهيباً // (من المنسرح) //
(تَعْرِفُ مِنْ عينه تجابَتَهُ
…
كَأَنَّهُ بالذكَاءِ مكتَحِلُ)
أَخذ الْعَهْد وَالطَّرِيق على عدَّة مَشَايِخ من أَجلهم الشَّيْخ أَحْمد الشناوي وَهُوَ الْمُبَاشر لَهُ بِولَايَة مَكَّة لكنه قَالَ على الشَّهَادَة يَا أَحْمد قَالَ على الشَّهَادَة فَكَانَ كثيرا مَا يكنى عَنْهَا بِطُلُوع الشَّمْس وعاقب بعد الْولَايَة كثيرا مِمَّن كَانَ قبلُ استبعدها عَنهُ وسخر مِنْهُ وَكَانَ لَهُ أخدان وجلساء قبل الْولَايَة وَبعدهَا فَحصل لَهُم الأذية بعد قَتله من قانصوه بوشاية هَذَا الشَّخْص الْمُسَمّى بالمياس مِنْهُم السَّيِّد الأكرم مَوْلَانَا السَّيِّد سَالم ابْن السَّيِّد أَحْمد شيحان ومولانا الشَّيْخ أَحْمد الفشاشى ومولانا الشَّيْخ مُحَمَّد الْقُدسِي خَليفَة سَيِّدي أَحْمد البدوي فحبس الْجَمِيع وَثقل عَلَيْهِم حَتَّى افْتَدَوْا أنفسهم بِمَال جزيل كَانَ ذَلِك بوشاية المياس أذاقه الله كل باس يَوْم يَقُول النَّاس وَكَانَ للشريف أَحْمد زوجان من القنا الطَّوِيل جدا بسنان مَذْهَب تَحْتَهُ أُكرة من الْفضة المطلية يحمل كل وَاحِد رجل يمشي على قَدَمَيْهِ إِذا سَار فِي موكبه يسيران أَمَامه قَرِيبا مِنْهُ يصوبانهما ويصعدانهما بحركة لَطِيفَة التصعيد والتصويب على سَوَاء وَرُبمَا كَانَ فيمها جلاجل وَهَذَا يفعل إِلَى الْآن أَمَام إِمَام الْيمن إِذا سَار فِي الموكب انْتهى قلت وَهَذَا كَانَ لَهُ وجود فِي زمَان الْخُلَفَاء العباسيين فَلَيْسَ أهل الْيمن أول مبتدعيه وَقد ذكره شعراء الدولة العباسية فِي قصائدهم فِي الْخُلَفَاء قَالَ القَاضِي نَاصح الدّين أَبُو بكر أَحْمد الأرجانى من قصيدة يمدح بهَا الْوَزير أنو شرْوَان وَزِير الْخَلِيفَة المسترشد بن المستظهر بِاللَّه العباسي قَوْله // (من الطَّوِيل) //
(وألوية منهنَّ صقران أوفيا
…
عَلَى علمي رمحيْنِ فارتَبَآكا)
(ولَيْسَ سوى النسرين مِنْ أفقيهما
…
لحبهما نَيْل الْعلَا تَبِعاكَا)
وَكَانَ إِذا سَار بِاللَّيْلِ لَا يُوقد بَين يَدَيْهِ إِلَّا الشمع الموكبي بَدَلا عَن المشاعل وَكَانَ دُخُوله مَكَّة متملكاً لَهَا وإجفال الشريف محسن صَاحب مَكَّة وَبنى عَمه عَنْهَا ضحى يَوْم الْأَحَد السَّابِع عشر من شهر رَمَضَان من سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف فَكَانَ رحمه الله يتبجح وَيَقُول فتحت مَكَّة بِالسَّيْفِ كَمَا فتحهَا رَسُول الله
ودخلتها فِي مثل الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ
قلت أما قَوْله فتحتها فَالْمَشْهُور الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّهَا لم تفتح عَنوة وَإِنَّمَا
فتحت صلحا وَمَا وَقع من خَالِد بن الْوَلِيد رضى الله عَنهُ فَإِنَّهُ نووش بعض قتال مَعَ الْأَحَابِيش وعبدان أهل مَكَّة فِي أَسْفَلهَا وَقد نَهَاهُ
عَن الْقِتَال وَلكنه لما قوتل قَاتل وَهَذِه هِيَ شُبْهَة الْقَائِل بِأَنَّهَا فتحت عنْوَة وَقد علمت بَيَانهَا وَكَذَلِكَ قَوْله ودخلتها إِلَخ فَإِنَّهُ لم يدخلهَا عليه الصلاة والسلام فِي سَابِع عشر رَمَضَان وَإِنَّمَا دَخلهَا يَوْم ثامن عشرَة بِغَيْر خلاف تغمده الله برحمته آمين وَمِمَّا رَأَيْته لصَاحبه إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الشهير بالمهتار قَوْله // (من الْخَفِيف) //
(سنة السبعِ والثلاثينَ بعد الألْفِ
…
جاءَتْ بِمَا بِهِ ينفر الطَّبْعْ)
(دخَلَ السبْعُ مكةَ الله بالجنْدِ
…
وَلَا شَكَّ أَنَّهَا سنة السَّبْعْ)
وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول الأديب الأريب إِبْرَاهِيم بن يُوسُف المهتار سامحه الله تَعَالَى // (من الرجز) //
(قَضَّى وَلم يقضِ الَّذِي مِنْهُ يجبْ
…
صَبٌّ إِذا مَا يَدعه الشوقُ يُجبْ)
(أشجاه تغريدُ حماماتِ اللوَى
…
وهْنًا على البانِ فغنَّى فطَرِبْ)
(ذكَّرتُهُ ليالياً مواضياً
…
بالشِّعْبِ مِنْ قبلِ الخليطِ ينشعبْ)
(إذْ عامرٌ بساكنِيهِ عامرٌ
…
ظباؤُهُ ترعَى بمرعاه الخَصِبْ)
(وَإِذ بِهِ الغيدُ بدَتْ سوانحاً
…
تجرُّ من ذيل الصِّبَا بُردًا قشبْ)
(مِنْ كُلِّ هيفاءِ القوامِ اذا انشنَتْ
…
تكادُ مِنْ لينٍ بِهِ أَن تنقضبْ)
(تبدو بوجْهٍ مسفرٍ من غيهبٍ
…
مِنْ شعْرها إِلَى بنى بدَرْ انتسبْ)
(مَنْ الرعابيبِ اللواتى خَلَّفَتْ
…
ربْعَ اصطبارِى مثل مغناه الخَرِبْ)
(فَمَا وُقُوفِي بالطلولِ بعدهمْ
…
أبكى بهَا والحىُّ عَنْهَا مغتربْ)
(سقيا سقى الله الْعباد معهداً
…
بعامر إنْ ضنَّ دمعي المنسكبْ)
(ذَاك الَّذِي بِهِ الظُّبَا تحمِى الظبا
…
فكَمْ بِهِ مثلي أسيرٌ مكتئبْ)
(لله أيامٌ بِهِ تصرمَتْ
…
وكأسُ صفوٍ فِي لياليها شُرِبْ)
(بفتية تراضعوا ثديًا من اْلآدابِ
…
كُلٌّ للغرامِ منجذبْ)
(يوشون شعرًا كالرياضِ بَينهم
…
طويلُهُ يمد لفظ المقتضبْ)
(لم ينشدوا إِلَّا شجانِى لفظهُمْ
…
مَا الشعْرُ إِلَّا مَا شجا قلْبَ الْمُحب)
(كلُّ أخي صبابةٍ وعارفٍ
…
يوجدُ فَردا قبل ألَاّ يصطحبْ)
(بتْنَا بهَا كلٌّ شكا غرامَهُ
…
من الَّذِي يهوَى بقلْبٍ ملتهبْ)
(والليلُ قد تستَّرَتْ نحومه
…
بسحبها والبدْرُ فِيهَا محتجبْ)
(والمزنُ تبْكي لابتسامِ البرْقِ أَو
…
من غضبٍ لأحمدَ بْنِ المطلبْ)
(ألأرْوَعُ الشَّهْمُ الكَرِيمُ الجدُّ رَبْ
…
بُ الْجدِّ حاوي المَجْد عَنْ أهل اللعبْ)
(ألفارسُ الْخَيل إِذا الشرُّ بدا
…
مَعْ عمرٍ والكرارِ أَو معدى كربْ)
(مملي العيونِ هَيْبَة إِذا مشَى
…
مجلي القلوبِ رهبةً إِذا ركبْ)
(هُوَ الكريمُ ابنُ الكريمِ مَنْ لَهُ
…
ذيلٌ على هامِ السماكِ منسحبْ)
(مِنْ معشرٍ هُمُ السراةُ فِي الورَى
…
كُلٌّ إِلَى آلِ النبيِّ منتسبْ)
(مُرْوِى الظبا من الصّدَا إِذا سَطَا
…
مُزْرِى الحيا يَوْم الندَى إِذا يهبْ)
وَلم يُوجد من هَذِه القصيدة إِلَّا مَا رَأَيْته ثمَّ إِنَّه مدحه أَيْضا وأشرك مَعَه أَخَاهُ مُحَمَّدًا بِإِشَارَة بعد وقْعَة الْبَقَرَة وَقد ظَهرت شجاعتهما فَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(إِن كَانَ تسآلُ الديارِ كَمَا يجبْ
…
يُجدِى فَلِمْ بسؤالها قلبِي يجبْ)
(مَا نافعي إنْ أشكُ بَثَّ صبابتي
…
لرسومها والحيُّ مِنْهَا مغتربْ)
(يَا أَحْمَدٌ ومحمدٌ وثقَتْ يَدي
…
نِعْمَ الرجا أبناءُ عبد المطلبْ)
(ألسابقين إِلَى الوغَى بعزائمٍ
…
تذكى شواظاً كالصوارمِ ملتهبْ)
(سل عَنْهُمَا بيضَ الصفاحِ ولهذم السسُمْرِ
…
الرماحِ وجحفَل الجيشِ اللجبْ)
(هلْ شاهدوا إِلَّا هما وهما هما
…
دَعْ عنتَرَ الكرارَ أَو معدى كربْ)
(سدتمْ ملوكَ الخافقَيْنِ أما ترَى
…
من كَانَ يَبْغِي شأوَ غايتِكُمْ غُلِبْ)
(إِن كَانَ من يَرْجُو الشفا بدمائِهِمْ
…
فدماءُ أعبدكُمْ شفاءٌ للكَلِبْ)
ثمَّ وَليهَا الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس وَاسْتمرّ فِي ولايتها وَكَانَت مَكَّة فِي زَمَنه ربيعاً مريعاً سخاء ورخاء تهب بهَا ريَاح الْأَمْن وَالْعدْل صبا ورخاء لم يَقع فى الْوُجُود شئ فِي زَمَنه من الأكدار وَلَا يُؤثر من الْأَخْبَار إِلَّا كل خبر سَار مَا عدا مَا قدره الله تَعَالَى من سُقُوط الْبَيْت الشريف فى زَمَانه فجدده سُلْطَان الْعَالم الْقَائِم بِحِفْظ الدّين وتشييد أَرْكَانه
وَسبب ذَلِك أَنه يَوْم كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر رَمَضَان من سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف نشأت على مَكَّة وأقطارها سَحَابَة غربية مدلهمة الإهاب حالكة الجلباب فَلم تزل تَجْتَمِع إِلَى وَقت الزَّوَال فأبرقت وأرعدت وأرخت عزاليها وأغدقت واستمرت تهطل ساعتين ودرجتين فَأقبل السَّيْل من سَائِر النواحي وثلم السد الَّذِي يَلِي جبل حراء الْمُسَمّى جبل النُّور ثلمة كَبِيرَة وَعلا عَلَيْهِ فَدخل الْمَسْجِد وسَاق مَا وجد على طَرِيقه من جمال وَرِجَال وَمَال وأحمال وَغير ذَلِك وأخرب الدّور واستخرج مَا فِيهَا من الأثاث وَغَيره وأهدم عَلَيْهَا فَامْتَلَأَ الْمَسْجِد الْحَرَام مَاء حَتَّى أَنه دخل المَاء إِلَيْهِ من جِهَة بَاب الزِّيَادَة وَزَاد حَتَّى اعتلى على بَاب الْكَعْبَة ذراعين عمل وَأهْلك الرِّجَال والأطفال وكل من وجد فِي الْمَسْجِد وَكَانَ أَكثر الهالكين الْأَطْفَال الَّذين يقرءُون الْقُرْآن مَعَ فقهائهم فَتعلق بَعضهم بالأماكن المرتفعة وارتفع على بعض السلَاسِل الحرمية فوصل المَاء إِلَيْهِم وَأهْلك الْجَمِيع وَكَانَ من هلك بِهِ من بني آدم خَمْسمِائَة وَمن الْحَيَوَان كثير فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَحمل جَمِيع مَا فِي الْمَسْجِد من خَزَائِن ومصاحف وقناديل وَبسط وَغير ذَلِك ثمَّ بَات الْمَطَر يهطل إِلَى نصف اللَّيْل فَلَمَّا كَانَ آخر سَاعَة قبيل الْغُرُوب من يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور سقط جَانب الْحجر بِكَسْر بِكَسْر الْحَاء من الْبَيْت الشريف فَسقط جَمِيع مَا يناه الْحجَّاج مِنْهَا فَكَانَ بَقَاء الْبَيْت نَحْو ألف سنة من الْآيَات الجلية فَإِن الْبناء المربع الَّذِي تمر بِهِ الرِّيَاح لَا يبْقى عَادَة نَحْو ثَمَانِينَ سنة وَمن الْجَانِب الشَّرْقِي إِلَى حد الْبَاب وَمن الْجِدَار الغربي نَحْو النّصْف أَيْضا وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد فَقَالَ فِي ذَلِك المهتار هَذِه القصيدة // (من الْبَسِيط) //
(ماجتْ قواعدُ بيتِ الله واضطربَتْ
…
واهتزَّتِ الأرضُ من أقطارها وربتْ)
(وأمسَتِ الكعبةُ الغراءُ ساقطةَ
…
فَمَا أشكُّ بأنَّ الساعةَ اقتربَتْ)
(فأىُّ خطْبٍ بِهِ أحشاؤنا انصدَعَتْ
…
وأيُّ هولٍ بِهِ ألبابُنَا انسلَبَتْ)
وجميعها على هَذِه الركة تركتهَا اسْتِحْسَانًا وأنفت من ذكرهَا استهجاناً قَالَ المرحوم الْعَلامَة الإِمَام عَليّ بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ يعنيه وَقد نظم بعض المتطفلين على الْأَدَب قصَّة السَّيْل الْمَذْكُور مَعَ قصَّة مَا وَقع بعده فِي أَبْيَات تنفر عَنْهَا المسامع لركاكتها وقبحها واستهجان الطباع السليمة لَهَا يُشِير بذلك إِلَى هَذِه
القصيدة الَّتِي مطْلعهَا ماجت وَلَقَد صدق فِيمَا قَالَ رحمه الله نعم قَوْله فِي تَارِيخ هدم الْبَيْت بالسيل الْمَذْكُور // (من الْخَفِيف) //
(هدّمَ الْبَيْت أَمر رَبِّ تغشَّاهُ
…
بسيلٍ لم يحوِ غرقاه ضبط)
(فِي نهارِ الخميسِ عشرينَ شعبانَ
…
قبيلَ الغروبِ مِنْ عَام لغط)
لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ الإِمَام فضل بن عبد الله الطَّبَرِيّ مؤرخاً لذَلِك // (من مجزوء الرجز) //
(سُئلْتُ عَنْ سيلٍ أتَى
…
والبيتُ عَنهُ قد سقَطْ)
(متَى أَتَى قلتُ لهُمْ
…
مَجِيئُهُ كَانَ غَلَطْ)
وَله تَارِيخ آخر من أَبْيَات رقي إِلَى قفل بيتَ الله وتتمة المصراع حِين هجم وَقَالَ القاضى الأحسائى من المجتث
(منْ بعْد إخراجِ ترك
…
وقَتْلِ مَنْ ملّكَتْهُ)
(للبيت هدَّتْ سيولٌ
…
تاريخُهَا دَخَلَتْهُ)
فَوَقع الضجيج الْعَام والانزعاج التَّام فِي قُلُوب الْأَنَام فبرز مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود من دَاره إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَحضر مَعَه السَّادة الْأَشْرَاف وفاتح الْبَيْت الشريف وَهُوَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم الشيبي وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء والصلحاء وَكَانَ جلوسهم بمقام الْحَنَفِيّ وجلوس الشريف على نفس الْمِحْرَاب كَمَا أَخْبرنِي من رَآهُ كَذَلِك فبرز أَمر الشريف مَسْعُود بإيقاد الشموع الكائنة فِي حَاصِل الْمَسْجِد الْحَرَام فأوقدت وَأمر فاتح الْبَيْت أَن يدْخل الْكَعْبَة وَيخرج الْقَنَادِيل الَّتِي بهَا خشيَة عَلَيْهَا من الضّيَاع وَأَن يرفع الْمِيزَاب الشريف أَيْضا فعين الشَّيْخ شخصا من خدام الْكَعْبَة لذَلِك لكَونه فِي أثر مرض يمنعهُ من الْحَرَكَة التَّامَّة فَدخل ذَلِك الْخَادِم وَمَعَهُ جمَاعَة وأتى شيخ الوقادين بالمحط وأخرجوا الْقَنَادِيل ووضعوها فِي مخزن فاتح الْبَيْت وَختم على المخزن الْمَذْكُور مَوْلَانَا الشريف وقاضي الشَّرْع ونائب الْحرم الشريف ثمَّ انْصَرف النَّاس إِلَى دُورهمْ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة حادى عشرى الْمَذْكُور وصل الشريف مَسْعُود وَمَعَهُ السَّادة والأعيان بعد النداء الْعَام بتعاطي هَذِه الْخدمَة وشرعوا فِي إِزَالَة الطين الْكَائِن بالمطاف فشمر الشريف مَسْعُود عَن أكمامه وَأخذ مكتلاً وَحمل فِيهِ من الطين
وَفعل النَّاس كَذَلِك فجزى الله الْجَمِيع خيرا وأثابهم على فعلهم فَمَا كَانَ بأسرع من تنظيف المطاف وَمَا حوله فباشر الخطيِب الْجُمُعَة وَأقَام شعارها ثمَّ شرعوا فِي رفع الْأَحْجَار فَمِنْهَا مَا جَعَلُوهُ خلف مقَام الْحَنَفِيّ وَمِنْهَا عِنْد ممشى بَاب السَّلَام بِالْقربِ من الْمِنْبَر ثمَّ إِن الشريف جهز قَاصِدا من مَكَّة وَمَعَهُ السَّيِّد عَليّ بن هيزع لتعريف باشا مصر المحروسة ووزير جهاتها المأنوسة بِهَذَا الْخَبَر ليعرضه على الحضرة الخنكارية وصحبتهم مكاتيب مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود ومحاضر من الْأَعْيَان وفتاوي الْعلمَاء فعزم القاصد الْمَذْكُور من مَكَّة أَوَاخِر شعْبَان ثمَّ إِن الشريف برز أمره العالي إِلَى المهندسين والفعلة بتنظيف بَاطِن الْكَعْبَة مِمَّا وَقع فِيهَا من الْأَحْجَار وَالتُّرَاب فنظفت ثمَّ إِن الشريف أرسل إِلَى جدة لتَحْصِيل خشب يَجْعَل على الْكَعْبَة لسترها إِلَى أَن يشرعوا فِي الْعِمَارَة فوصل الْخشب آخر رَمَضَان فستروا جَمِيع مَا سقط مِنْهَا وَجعلُوا بَابا لطيفاً من خشب فِي الْجِهَة الشرقية فَلَمَّا كَانَ شهر شَوَّال جعل الشريف ثوبا أَخْضَر وَألبسهُ الْكَعْبَة الشَّرِيفَة بعد أَن حضر بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام ثمَّ بعد إلباسه دخل الْكَعْبَة وَصلى بهَا ثمَّ برز فَطَافَ والريس يَدْعُو لَهُ على قبَّة زَمْزَم كعادة أسلافه وَكَانَ الإلباس الْمَذْكُور سَابِع شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَلما أَن كَانَ خَامِس عشر شَوَّال وصل القاصد من مصر المحروسة وَأخْبر بوصول الأغا رضوَان المعمار معينا للعمارة وَكَانَ وُصُوله مَعَه إِلَّا أَنه تَأَخّر عَن ذَلِك الْيَوْم فَدخل فِي الْيَوْم الثَّانِي يَوْم سادس عشر شَوَّال وَنزل بالجوخي ثمَّ دخل مَكَّة يَوْم سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وصحبته نامة سلطانية وخلعة للشريف مَسْعُود فألبسه إِيَّاهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام يَوْم السبت سَابِع عشر شَوَّال بعد اجْتِمَاع السَّادة وَالْفُقَهَاء والأعيان وقرئت النامة وَالْأَحْكَام الباشوية ثمَّ شرع الْأَمِير رضوَان فِي تنظيف الْمَسْجِد الْحَرَام فأكمل ذَلِك وفرشه بالحصى وَلم يرد الْحجَّاج إِلَّا وَقد تمّ جَمِيع ذَلِك ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْأَحَد سادس عشري شهر ربيع الثَّانِي من عَام أَرْبَعِينَ وَألف وصل إِلَى مَكَّة السَّيِّد مُحَمَّد أَفَنْدِي مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ومعيناً لعمارة الْكَعْبَة
المشرفة وَكَانَ وُصُوله إِلَى بندر جدة بحراً وصحبته نامة سلطانية وخلعة عثمانية من الحضرة الشَّرِيفَة المرادية باسم مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود فقرئت النامة بِالْحَطِيمِ بعد حُضُور قَاضِي مَكَّة وَشَيخ حرمهَا ومولانا السَّيِّد عبد الْكَرِيم ابْن السَّيِّد الشريف إِدْرِيس نِيَابَة عَن أَخِيه مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود وحملت الخلعة صُحْبَة السَّيِّد عبد الْكَرِيم وَالسَّيِّد مُحَمَّد أَفَنْدِي والأمير رضوَان والأجناد إِلَى مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود فلبسها ببستانه بالمعابدة لكَونه مُقيما فِيهِ لتوعك مزاجه الْكَرِيم فاستمر مَرِيضا بِمَرَض الدق إِلَى أَن انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء عشري ربيع الثَّانِي سنة أَرْبَعِينَ وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سنة وَثَلَاثَة أشهر إِلَّا أَرْبَعَة أَيَّام رحمه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَضبط الْأَمِير رضوَان الْبَلَد ضبطاً حسنا وَأمر الْمُنَادِي بالنداء أَن الْبَلَد بلد السُّلْطَان وَمَا زَاد على ذَلِك دفعا للفتنة فَجَاءَت الْأَشْرَاف وسألوه عَن المعيَّن لِلْأَمْرِ فَأبى أَن يُعينهُ وَأمرهمْ بتجهيز الشريف مَسْعُود فَنزل بِهِ الْأَشْرَاف وَقت الضحوة إِلَى مَكَّة على محفة البغال وَغسل وَصلى عَلَيْهِ عِنْد الْكَعْبَة قَاضِي الشَّرْع مَوْلَانَا الْعَلامَة حُسَيْن أَفَنْدِي وخطب عَلَيْهِ خطْبَة أبكت الْعُيُون وأنكت الْقُلُوب وَدفن عِنْد أم الْمُؤمنِينَ السيدة خَدِيجَة بَيت خويلد وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قَول العلامهَ القَاضِي أَحْمد بن عِيسَى المرشدي // (من الْبَسِيط) //
(عوجا قَلِيلا كَذَا عَن أيمنِ الواديِ
…
واستوقفا العيسَ لَا يحدُو بهَا الحادِى)
(وعرِّجَا بى علَى ربعٍ صحبْتُ بِهِ
…
شرخَ الشبيبةِ فِي أكنافِ أجيادِ)
(واستعطفا جيرةً بالشعْبِ قد نزلُوا
…
أَعلَى الكثيبِ فَهُمْ غيي وإرشادِى)
(وسائلاً عَنْ فؤادِى تبلُغَا أملي
…
إِنَّ التعلل يشفي غُلَّةَ الصادي)
(واستشفعا تشفَعَا نسألْكُمُ فعسَى
…
يقدِّرِ الله إسعافي وإسْعَادى)
(وأجملا بى وحُطَّا عَنْ قلوصكما
…
فِي سوحِ مُرْدِى الأعادي الضيغمِ العادِى)
(مسعودُ عَيْن الْعلَا المسعودُ طالعُهُ
…
قَلْبُ الكتيبةِ صَدْرُ الحَفْل والنادي)
(رأسُ الملوكِ وعينُ الملكِ ساعده
…
زَنْدُ الْمَعَالِي جَبِينُ الجَحْفَلِ البَادى)
(شهمُ السراةِ الألى سارَتْ عوارفُهُمْ
…
شرفًا وغرباً بأغوارٍ وأنجادِ)
(نرد غمار العُلَا فِي سوحِهِ ونرحْ
…
أَيدي الركائبِ من وخدٍ وإسآدِ)
(فَلَا مناخ لنا فِي غير ساحتِهِ
…
وَجُود كفيه فِيهَا رائحٌ غادي)
(يعشوشبُ العشْبُ فِي أكناف عقوتِهِ
…
يَا حبذا العشْبُ فِي الدُّنْيَا لمرتادِ)
(ونجتني ثمرَ الآمالِ يانعةً
…
من روضِ معروفِهِ من قبلِ ميعادِ)
(فأىُّ سوحٍ يرجَّى بعد ساحته
…
وأىُّ قصْدٍ لمقصودٍ وقصادِ)
(ليهنِ ذَا الْملك أَن ألبسْت حلته
…
تُحْيى مآثرَ آباءٍ وأجدادِ)
(لبستها فكسَوْتَ الفخرَ ملبسها
…
مشَهَّرا يبهرُ المصبوغَ بالجادِ)
(علوتَ بَيْتا ففاخرْتَ النجومَ عُلاً
…
والشهبَ فخراً بأسبابٍ وأوتادِ)
(ولحت بَدْرًا بأفقِ الملكِ تحسدُهُ
…
شمسُ النهارِ وَهَذَا حَرُّها بَادِي)
(وصنْتَ مكةَ إِذْ طهَّرْتَ حوزتها
…
مِنْ ثلةٍ أهلِ تثليث وإلحادِ)
(قد غرَّ بَعْضهُمُ الإمهالُ يحسبه
…
عفوا فعادوا لإتلافٍ وإفسادِ)
(فذدتهُمْ عَن حمى البيتِ الحرامِ وهُمْ
…
من السلاسلِ فِي أطواقِ أجياد)
(كأنهمْ عِنْد رفعِ الزندِ أيديهمْ
…
يدعونَ حُبًّا لمولانا بإمدادِ)
(وَمَا ارعوَوْا فشهرْتَ السَّيف محتسباً
…
يَا بردَ حَرِّهم فِي حَرِّ أكبادِ)
(غادرتهُمْ جزراً من كلِّ منجدلٍ
…
كأنَّ أثوابه مُجَّتْ بفرصادِ)
(وأثمَرَ السدْرُ من أَجْسَادهم ثمراً
…
حلواً بأفواهِ أجداثٍ وأنجادِ)
(سعيْتَ سعياً جنياً مِنْ خمائله
…
نورُ الأمانِ لأرواحٍ بأجسادِ)
(فكَمْ بمكَّةَ من داعٍ ومبتهلٍ
…
وَمن محبِّ وَمن مثنٍ ومِنْ فادي)
(وعادَ كل قصيِّ مصلحاً وغدَتْ
…
أيامُنَا بالهنا أيامَ أعيادِ)
(نَفى لذيذَ الكرَى عَنْهُم تذكُّرُهُمْ
…
وَكَانَ مِنْ قبل صعبًا غير منقادِ)
(من كل أبيضَ قد صَلَّتْ مضاربه
…
لما ترقَّى خَطِيبًا منبرَ الهادِى)
(وقادَ كلَّ قصىِّ ذله مهلا
…
مهملاً كل معوج ومنآدِ)
(وكل أسمر نظام الكُلَى وَله
…
إِلَى العدَى طفرة النَّظَّام ميادِ)
(وصانَ وسمك فِي جأشٍ يخالطُهُ
…
عنْ رَبِّ عزِّ تنضَّاهُ بأَحشادِ)
(أسكنْتَ قلبهمُ رعْبًا تذكُّرُهُ
…
ينسى الشفوق الموَالِي ذِكْر أولادِ)
(أقبلتهم كُلّ مرقالٍ وسابحةٍ
…
يسرعْنَ عدوا إِلَى الأعدا بأطوادِ)
(مِنْ كُلِّ شهمٍ إِلَى العلياءِ منتسبٍ
…
بسادةٍ قادةٍ للخيلِ أجوادِ)
(فهاكَ يابْنَ رسولِ الله مِدْحَةَ مَنْ
…
أورَتْ قريحته من بعدِ إخمادِ)
(فأحكَمَتْ فيكَ نظماً كُله غُرَرٌ
…
مَا أحرزَتْ مثله أقيالُ بغدادِ)
(أضحَتْ قوافيه والإحسانُ يشرَحُهَا
…
روضَ بديعٍ لإرصادٍ بمرصادِ)
(ترويه عنِّى الثريا وَهْىَ هازئةٌ
…
بالأصمعىِّ وَمَا يروي وحمادِ)
(وتستحثُّ مطايا الزُّهْر إِن ركدَتْ
…
كَأَنَّهَا إبلٌ يَحْدُو بهَا الحادِى)
(وتوقظ الركبَ ميلًا من خمارِ كرىً
…
وَاللَّيْل مِنْ طولِ تدآبِ السرَى هادِى)
(أتتْكَ تشفَعُ إذلالاً لمنشئِهَا
…
فاقبَلْ تذللَهَا يَا نَسْلَ أمجادِ)
(وأسْبِل الصفْحَ سترا إِن بدا خَللٌ
…
تهتك بِهِ سِتْرَ أعدائي وحُسَّادى)
(وقلْ تقرَّبْ إِلَيْنَا تستعزَّ بِنَا
…
مَا حقُّ مثلكَ أَن يقصى بإبعادِ)
(لازلْتَ يَا عزَّ أهلِ البيتِ فِي دَعَةٍ
…
تحفُّ مِنْهُم بأنصارٍ وأنجادِ)
(مسعودُ جَدُّ سعيد الفأل طالعه
…
سعدُ السعودِ وملقى كلِّ إسعادِ)
(بحقِّ طه وسبطَيهِ وأُمِّهما
…
والمرتضَى والمثنَّى الطهْر والهادِى)
(صلَّى عَلَيْهِم إلهُ العرْشِ مَا سجَعَتْ
…
قمْريةٌ أَو شدا فِي مكَّةٍ شادي)
وَقَالَ مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي فِيهِ أَيْضا وقدمت هِيَ والتى قبلهَا فِي يَوْم وَاحِد يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف // (من الْبَسِيط) //
(غُذِيتُ دَرَّ التصابِى قبلَ ميلادي
…
فَلَا تَرُمْ يَا عذولي فِيهِ إرشادِى)
(غَىُّ التصابي رشادي والعذابُ بِهِ
…
عَذْبٌ لدىَّ كبردِ الماءِ للصادِى)
(وعاذلُ الصبِّ فِي شرعِ الهوَى حرجٌ
…
يرومُ تبديلَ إصلاحٍ بإفسادِ)
(ليتَ العذولَ حوَى قلبِي فيعذرَنِى
…
أولَيْتَ قلْبَ عذولي بَين أكبادِى)
(لَو شامَ بَرْقَ الثنايا والتَّثَنِّى من
…
تلْكَ القدودِ انثنَى عطفٌ الإسعادِ)
(وَلَو رأَى هادياً للجيدِ كَانَ درَى
…
أَن اشتقاقَ الهدَى من ذَلِك الْهَادِي)
(كم باتَ عقدا عَلَيْهِ ساعدي ويَدِي
…
نطاق مجتمعي المخفي والبادي)
(إِذْ أعيُنُ العِينِ لَا تنفكُّ ظامئةً
…
لِوِرْدِ ماءِ شَبَابِي دُونَ أندادي)
(فيا زمَانَ الصِّبَا حُيِّيتَ من زمنٍ
…
أوقاتُهُ لم نُرع فِيهَا بأنكادِ)
(وَيَا أحبتَنَا روَّى معاهِدَكُمْ
…
من العهادِ هتونٌ رائحٌ غادِى)
(معاهداً كُنَّ مصطافى ومرتَبَعِى
…
فكَمْ بهَا طَال بل كَمْ طابَ تردادي)
(يَا رائحينَ وقلْبى إِثْر ظعنِهِمُ
…
ونازحينَ وهُمْ ذكرِى وأورادِى)
(إِن تَطْلُبُوا شرْحَ مَا أَيدي النَّوَى صَنَعَتْ
…
بمغرمٍ حِلْفِ إيحاشٍ وإيحادِ)
(فقابلوا الريحَ إِذْ هبَّتْ شآميةً
…
تروي حَدِيثي لكُمْ موصولَ إسنادِ)
(وَالَهْفَ نَفسِي على مغنًى بِهِ سلفَتْ
…
ساعاتُ أنسٍ لنا كانتْ كأعيادِ)
(كَأَنَّهَا وأدامَ الله مشبِهَهَا
…
أيامُ دولةِ صدْرِ الدستِ والنادِى)
(ذُو الجودِ مسعودٌ المسعودُ طالعُهُ
…
لَا زالَ فِي برْجِ إقبالٍ وإسعادِ)
(عادَتْ بدولتِهِ الأيامُ مشرقةً
…
تهزُّ مختالةَ أعطافَ مَيَّادِ)
(وقلدَ الملكَ لما أَن تقلده
…
فخراً على مَرِّ أزمانٍ وآبادِ)
(وقامَ بِاللَّه فِي تدبيرِهِ فغدا
…
موفقاً حالَ إصدارٍ وإيرادِ)
(حق لَك الحمدُ بعد الله مفترضٌ
…
فِي كُلِّ آونةٍ من كلِّ حَمَّادِ)
(أنقذتهم مِنْ يدِ الأعداءِ متخذاً
…
عِنْد الإلهِ يدا فيهمْ بأنجادِ)
(داركْتهُمْ سُهَّدًا رمقي فعادَ لَهُمْ
…
غمضٌ لجفنٍ وأرواحٌ لأجسادِ)
(بُشْرَاكَ يَا دهْرُ حَاز الملكَ كافلُهُ
…
بشراكَ يَا دهْرُ أُخْرَى بِشْرُهَا بادِى)
(عادَتْ نجومُ بني الزهراءِ لَا أفلَتْ
…
بعودةِ الدولةِ الزهْرَا لمعتادِ)
(واخضَلَّ روضُ الأمانِى حينَ أصبحَتِ الأجوادُ
…
عقدا على جَيَّاد جَيَّادِ)
(وأصبَحَ الدينُ وَالدُّنْيَا وأهلُهُمَا
…
فِي حفْظِ ملكٍ لظلِّ العدلِ مدادِ)
(يبيحُ هامَ الأعادي مِنْ صوارمه
…
مَا استحصدَتْ بالتقاضي كل حَصَّادِ)
(شَهْمٌ أيادي أياديه ونائله
…
على الورَى أصبحَتْ أطواقَ أجيادِ)
(يَمْضِى مؤمِّلُ جدوى راحَتيهِ إِلَى
…
طَلْقِ الْمحيا كريمِ الكَفِّ جوادِ)
(بذل الرغائب لَا يعتدُّهُ كرماً
…
مَا لم يكُنْ غير مسبوقٍ بميعادِ)
(والعَفْوُ عَن قدرةٍ أشهَى لمهجتِهِ
…
صينَتْ وأشفى من استيفاءِ إيعادِ)
(مآثِرٌ كالدرارِى رفْعَة وسنىً
…
وَكَثْرَة فهْىَ لَا تحصَى بتعدادِ)
(تسمو مناقبَ مَنْ كُلَّ الكمالِ حوَى
…
وأنْتَ ذَلِك عَن حَصْرٍ بأعدادِ)
(فأنْتَ من معشرٍ إِن غارةٌ عرضَتْ
…
خفوا إِلَيْهَا وَفِي النادِى كأطوادِ)
(كم هجمةٍ لكَ والأبطالُ محجمةٌ
…
ووقفةٍ أوقفَتْ ليثَ الشرَى العادِى)
(بكلِّ أبيضَ مقصودٍ لمضطهدٍ
…
وللمرائرِ والمرانِ قصَّادِ)
(فَخْرَ الملوكِ الألى فَخْرُ الزَّمَان بهمْ
…
دُمْ حائزًا مُلْكَ آباءٍ وأجدادِ)
(وليهنِ خلته أَن رحْتَ لَابسهَا
…
إذْ أصبَحَتْ خير أثوابٍ وأبرادِ)
(واسْتَجل أبكارَ أفكارٍ مخدرة
…
قد طالَ تَعْنِيسها من فَقْدِ أندادِ)
(كَمْ رُدَّ خُطَّابها حَتَّى رأتْكَ وقَدْ
…
أمَّتْكَ خاطبةٌ يَا نسْلَ أمجادِ)
(أفرغت فِي قالبِ الألفاظِ جوهَرَهَا
…
سبكاً بذهْنِ وَرِيِّ الزندِ وقادِ)
(وصاغَهَا فِي معاليكُمْ وأخلَصَهَا
…
وُدّ ضميرىَ فِيهِ عَدْلُ إشهادِ)
(يَحْدُو بهَا العِيسَ حاديها إِذا زَحَرَتْ
…
من طولِ وخْدٍ وإرقالٍ وإِرشادِ)
(كَأَنَّمَا الراحُ بالألبابِ لاعبةٌ
…
إِذا شدا بَيْنَ سُمَّارٍ بهَا شادِي)
(بفضلها فضلاءُ العصْرِ شاهدة
…
والفضْلُ مَا كَانَ عَن تسليمِ أضدادِ)
(فَلَو غَدَتْ من حبيبٍ فِي مسامعِهِ
…
أَو الصفى استحالا بَعْضَ حسادي)
(واستنزلا عَن مطايا القَوْلِ رحْلهُمَا
…
واستوقَفَا العيسَ لَا يحدُو بهَا الحادِى)
(وحَسْبُهَا فِي التسامِى والتقدُّمِ فِي
…
عَدِّ المفاخرِ إِذْ تَغْدُو لتعدادِ)
(تقريظُهَا عِنْد مَا جاءَتْ معاَرضةً
…
عُوجَا قَلِيلا كَذَا عَن أَيْمَنِ الْوَادي)
نَشأ الشريف مَسْعُود فِي كَفَالَة وَالِده الشريف إِدْرِيس صَاحب مَكَّة وَوَقعت لَهُ حروب مَعَ ابْن عَمه الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن كَانَ الظفر فِيهَا لمحسن أَولهَا سنة سبع وَثَلَاثِينَ فِي ربيع الأول مِنْهَا وَفِي بَعْضهَا أرسل الشريف محسن وَلَده مُحَمَّد فظفر وَاسْتولى على مَسْعُود وَأَخذه أخذا شَدِيدا وَقتل فِي المعركة السَّيِّد حميضة بن عبد الْكَرِيم بن حسن وهَاشِم بن شنبر بن حسن ثمَّ دخل الشريف مَسْعُود مَكَّة بِرِضا من الشريف محسن بكفالة الْأَشْرَاف أَنه لَا يسْعَى فِي خلاف لَا بقول وَلَا بِفعل رحم الله الْجَمِيع رَحْمَة وَاسِعَة ثمَّ وَليهَا الشريف عبد الله بن حسن أكبر آل أبي نمي إِذْ ذَاك مُلُوك الْبَلَد الْحَرَام ومدينة جدهم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام دَعَاهُ رضوَان وَالسَّيِّد مُحَمَّد الْمعِين للعمارة وقاضي مَكَّة وَشَيخ حرمهَا فَحَضَرَ وَمَعَهُ من أَوْلَاده السَّيِّد مُحَمَّد وَالسَّيِّد حُسَيْن وَكَانَ قد تخلف عَن الْجِنَازَة لذَلِك فَلَمَّا حضر مَوْلَانَا الشريف عبد الله سَأَلَ
مِنْهُ الْأَمِير رضوَان لبس خلعة شرافة الْبَلَد الْحَرَام فَامْتنعَ من قبُول ذَلِك فألزموه بذلك حَقنا لدماء الْعَالم وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى رَضِي فألبسه الْأَمِير القفطان وَحصل بولايته الْأَمْن والأمان وَكَانَ الِاجْتِمَاع لذَلِك فى السَّبِيل المسنوب لمُحَمد بن مزهر كَاتب السِّرّ الْكَائِن فِي جِهَة الصَّفَا الْمَعْرُوف علوه فِي زَمَاننَا بسكن الشَّيْخ عَليّ الأيوبي رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة حضر بِالْحَطِيمِ مَوْلَانَا الشريف عبد الله بن حسن والساده الْأَشْرَاف وَالْعُلَمَاء فدار بَينهم الْكَلَام فِي بَقِيَّة الجدران والجدار الْيَمَانِيّ فاتفقوا على الإشراف عَلَيْهِ أَولا فَدخل الشريف عبد الله وَالْجَمَاعَة إِلَى الْكَعْبَة وأشرفوا على بَقِيَّة الجدران وَنصب المهندسون الْمِيزَان فِي الْجِدَار الْيَمَانِيّ فوجدوه خَارِجا عَن الْمِيزَان نَحوا من ربع ذِرَاع ثمَّ برزوا من الْكَعْبَة وجلسوا فِي الْحطيم فَاقْتضى رَأْيهمْ أَن يهدم بَقِيَّة الجدارين الشَّرْقِي والغربي ثمَّ ينظر فِي الْجِدَار الْيَمَانِيّ فَإِن زَاد فِي الْميل هدم وَإِلَّا فَلَا وانفض الْجَمِيع على ذَلِك ثمَّ بعد يَوْمَيْنِ رفع سُؤال إِلَى عُلَمَاء مَكَّة هَل بجوز هدم الْجِدَار الْيَمَانِيّ إِذا شهد المهندسون بوهنه وسقوطه إِن لم يهدم فَأَجَابُوا بِالْجَوَازِ فاعتمد الْوُلَاة على ذَلِك فتعاطوا الْعِمَارَة وَشرع المهندسون فِي هدم بَقِيَّة الجدران وَكَانَ ابْتِدَاء الْهدم فِي يَوْم الْعشْرين من جُمَادَى الأولى سنة أَرْبَعِينَ وَألف ثمَّ لم يزَالُوا كَذَلِك إِلَى أَن أَتموا الْهدم وشرعوا فِي الْبناء وَحضر فِي أثْنَاء الْعِمَارَة مَوْلَانَا الشريف عبد الله وَحمل مكتلاً فِيهِ نورة وَفعل فعله جمَاعَة من الْحَاضِرين فَلَمَّا أَن كَانَ غرَّة شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة سنة أَرْبَعِينَ وَألف رفعت الأستار الَّتِي حول الْبَيْت الشريف وتكامل بِنَاء الجدران كلهَا وَفِي ثَالِث شعْبَان يَوْم الْخَمِيس ركب الْمِيزَاب وَبعد النّصْف من شعْبَان شرعوا فِي تنظيف الْكَعْبَة المشرفة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة غرَّة شهر رَمَضَان ألبست الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ثوبها وَللَّه الْحَمد وَالشُّكْر وَفِي ذَلِك يَقُول القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي مؤرخاً لعمارتها وممتدحاً لمعمرها مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد خَان بن أَحْمد خَان // (من الطَّوِيل) //
(هَنِيئًا لملكٍ خصَّهُ الله واجتَبَى
…
وصدَّاهُ للبيتِ العتيقِ بجدِّهِ)
(بَنَى البيتَ بعد ابنِ الزبيرِ وَلم يَفُرْ
…
سواهُ بِهَذَا الفَخْرِ لَا زالَ سعدُهُ)
(مليكٌ أقامَ الله أيامَ ملكِهِ
…
وَلَا زالَ خفاقاً مدى الدهْرِ يندُهُ)
(مليكٌ ملوكُ الأرضِ طرَّا عبيدُهُ
…
تدينُ لَهُ شرقاً وغرباً وجندُهُ)
(مليكٌ حباه الله فخراً وسؤدداً
…
وصيتاً مداه لَا ينالُ وحدُّهُ)
(بتعميرِهِ بيتَ الْإِلَه على يَدَي
…
مَنِ اختارَهُ ربُّ الورى دَامَ رشدُهُ)
(قَدُونَكَ تَارِيِخًا لِعَامِ بِنَائِهِ
…
وَفيًّا بِضَبْطِ الْعَامِ حِينَ تَعُدُّهُ)
(مرادٌ بني بيتَ الإلهِ وزادَهُ
…
سناءً بهَا يَزْهَى بِهِ زِيد مجْدُهُ)
وَله تَارِيخ نثر هُوَ قَوْله أسس بُنْيَانه على تقوى من الله وَهدى ولإبراهيم المهتار قَوْله // (من المتدارك) //
(قَدْ قيلَ تُرَى مَن يعمرُ بيتَ
…
الله ومَنْ يَهْدى لِرَشادْ)
(فأجبتُ بتاريخٍ نَظْمًا
…
هَا أَعْمَرَ بيتَ اللهِ مُرَادْ)
قلت يحسن أَن يُقَابل هَذَا الشّعْر بقول الْقَائِل // (من المتدارك) //
(شعر عظم ماثل لكم
…
حجر ضخم ترب ورمادْ)
وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف عبد الله بن حسن مُتَوَلِّيًا إِلَى أَن حج بِالنَّاسِ موسم سنة أَرْبَعِينَ بعد الْألف ثمَّ اسْتهلّ هِلَال محرم افْتِتَاح سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف فَأخذ مِنْهَا شهر محرم ثمَّ بدا لَهُ خلع نَفسه من ولَايَة مَكَّة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة غرَّة صفر من السّنة الْمَذْكُورَة قلد إمرة مَكَّة لوَلَده الشريف مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن ولمولانا الشريف زيد بن محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن وَكَانَ قد استدعاه قبل ذَلِك من نواحي الْيمن لأنهُ فر إِلَى تِلْكَ الْجِهَة زمن ولَايَة مَسْعُود مَكَّة لما كَانَ من مَوْلَانَا الشريف محسن إِلَى أَبِيه إِدْرِيس أَولا ثمَّ إِلَيْهِ نَفسه مِنْهُ ثَانِيًا فَنُوديَ بالبلاد لَهما وتخلى الشريف عبد الله بن حسن للتوجه إِلَى عبَادَة ربه إِلَى أَن أَتَاهُ الْأَمر المحتوم بِأَمْر الْحَيّ القيوم لَيْلَة الْجُمُعَة عَاشر جُمَادَى الْأُخْرَى من النسة الْمَذْكُورَة فَكَانَت مُدَّة ولَايَته تِسْعَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام فاستمر الشريفان مُحَمَّد بن عبد الله وَزيد بن محسن يدعى لَهما على المنابر والبلاد بهما قارَّة وَالْأَحْوَال طيبَة سارة إِلَى أَن كَانَ الْعشْر الأول من شعْبَان الْمُعظم
من السّنة الْمَذْكُورَة وصلت أَخْبَار من جِهَة الْيمن بِأَن عسكراً خَرجُوا على الْوَزير قانصوه وَأَن نيتهم الْوُصُول إِلَى مَكَّة المشرفة وَكَانَ ذَلِك شَائِعا على الْأَلْسِنَة ثمَّ ورد مُورق من القنفدة بِخَبَر وصولهم إِلَيْهَا وَمَعَهُ مكاتيب إِلَى مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد ومولانا الشريف زيد ومصطفى بك الصنجق الْمُقِيم بِمَكَّة أَو طراقاً من أغاني الْعَسْكَر الْمَذْكُور مَحْمُود وَعلي بك ومضمون مكاتيبهم أننا نُرِيد مصر ونريد الْإِقَامَة بِمَكَّة أَيَّامًا لنتهيأ للسَّفر فَأبى عَلَيْهِم صَاحب مَكَّة خوفًا من الْفِتْنَة وَالْفساد وَدفن بعض آبار كَانَت فِي طريقهم فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَيْهِم أجمع رآيهم على دُخُول مَكَّة قهرا واستعدوا لذَلِك بعد أَن كتبت الْأَجْوِبَة بِالْمَنْعِ فَحصل فِي الْبَلَد قيل وَقَالَ واضطراب شَدِيد فَلَمَّا أَن كَانَ يَوْم الْجُمُعَة عشري شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة بعد الْعَصْر وَهِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف توجه مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد والشريف زيد والسادة الْأَشْرَاف والأعراب إِلَى جِهَة بركَة الماجن وقوز المكاسة لِأَنَّهُ بَلغهُمْ أَن الأتراك قاربوا السعدية وبرز مَعَهم الصنجق مصطفى بك بعد أَن طلب من الشريف مُحَمَّد خيلاً لمن مَعَه فَتوهم من ذَلِك وَمنعه من الْخَيل فبرز مَعَه بعسكره وَجُنُوده فَلَمَّا أَن كَانَ ضحى يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشري شعْبَان الْمَذْكُور وَقع اللِّقَاء بِالْقربِ من وَادي البيار بَين السَّادة الْأَشْرَاف وَبَين الأتراك فحصلت ملحمة عَظِيمَة وقتال شَدِيد وَقتل مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن صَاحب مَكَّة وَقتل مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف جمَاعَة مِنْهُم مَوْلَانَا السَّيِّد الْجَلِيل أَحْمد بن حراز ومولانا السَّيِّد حُسَيْن ابْن مغامس ومولانا السَّيِّد سعيد بن رَاشد وَخلق آخَرُونَ وَأُصِيبَتْ يَد مَوْلَانَا السَّيِّد هزاع بن مُحَمَّد الْحَارِث فَقطعت وَلم تنفصل فَدخل بهَا كَذَلِك إِلَى مَكَّة وَمر على جِهَة سوق اللَّيْل قَائِلا عُذْري إِلَيْكُم يَا أهل مَكَّة مَا تَرَوْنَهُ وَتوجه بَقِيَّة الْأَشْرَاف إِلَى وَادي مر فَبعد تَمام الْوَقْعَة دخل الأتراك وَنُودِيَ بِالْبَلَدِ للشريف نامي بن عبد الْمطلب بن حسن وَكَانَ دُخُولهمْ من جِهَة بركَة الماجن فتعب النَّاس أَشد التَّعَب وَحصل الْخَوْف الشَّديد وتسلطت هَذِه العساكر على النَّاس وأتعبوهم وأهلكوهم فسقاً ونهباً وظلماً وشرباً وتقطعت الطّرق وعصت الْأَعْرَاب وَحمل الشريف مُحَمَّد بن
عبد الله فِي عصر ذَلِك الْيَوْم وَدفن بالمعلاة فِي مَقَابِر آبَائِهِ وأجداده بعد أَن قَاتل قتال من لَا يخَاف الْمَوْت وَكَانَت مُدَّة ولايتهما سَبْعَة أشهر إِلَّا سِتَّة أَيَّام وَكَانَ خُرُوج الشريف مُحَمَّد بن عبد الله رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى لِقَاء هَؤُلَاءِ الأتراك فِي مثل سُقُوط الْبَيْت الشريف فِي الْيَوْم والساعة فَإِنَّهُ كَانَ يَوْم عشْرين من شعْبَان بعد الْعَصْر من سنة تسع وَثَلَاثِينَ بعد الْألف وَخُرُوج الشريف الْمَذْكُور لذَلِك فِي يَوْم عشْرين من شعْبَان بعد الْعَصْر سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف فَبين سُقُوط الْبَيْت الشريف وَخُرُوج السَّيِّد الشريف سنتَانِ بِغَيْر زِيَادَة فَللَّه هَذَا الِاتِّفَاق ثمَّ وَليهَا الشريف نامي بن عبد الْمطلب وَتوجه مَوْلَانَا الشريف زيد إِلَى وَادي مر بعد أَن دخل مَكَّة وَمَعَهُ السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث وَمَرا على بَيت الشريف نامي بن عبد الْمطلب فَدَعَاهُ مَوْلَانَا الشريف زيد فَخرج إِلَيْهِ فناوشه بعض كَلَام فَقَالَ السَّيِّد أَحْمد لَيْسَ الْوَقْت وَقت كَلَام وَكَانَ من جملَة مَا قَالَه لَهُ مَوْلَانَا الشريف زيد // (من المتقارب //)
(تُجَازَى الرجالُ بأفعالِهَا
…
خيرا بخَيْرٍ وشراً بشَرّ)
فَالله الله بِالْحَرِيمِ أَو مَا يقرب من هَذَا الْكَلَام ثمَّ سَار إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَكتب عرُوضا بالتعريف بالواقع وأرسلها إِلَى باشا مصر صُحْبَة السَّيِّد عَليّ بن هيزع حِوَالَة مَكَّة بِمصْر وَلما وصل الْخَبَر لصَاحب مصر أرسل إِلَيْهِم سَبْعَة صناجق وَأرْسل بخلعة سلطانية لمولانا المرحوم الشريف زيد بن محسن مَعَ الأغا مُحَمَّد أَرض رومي وَجَمَاعَة من خواصه وبلغهم أَن الشريف زيد بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلُوا إِلَيْهَا وخلعوا عَلَيْهِ بِملك الْحجاز فِي الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة وَتوجه إِلَى الْعَسْكَر وَأتوا جَمِيعًا إِلَى مَكَّة وَوصل خبر ذَلِك إِلَى مَكَّة وَتحقّق فاضطربت حِينَئِذٍ آراء العساكر الجلالية اليمنية فَمن قَائِل نخرج وَمن قَائِل نُقَاتِل ثمَّ وصل الْخَبَر بِأَن العساكر المصرية وصلت عسفان فَاقْتضى رَأْي عَسْكَر الْيمن أَن يرسلوا من يكْشف لَهُم الْخَبَر فأرسلوا جمَاعَة فوصلوا إِلَى وَادي مر والعساكر المصرية قد أَقبلت فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة وأخبروا من بهَا بذلك فأظهروا حَرَكَة الرحيل عَنْهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس ذِي الْحجَّة خَرجُوا كلهم وَمَعَهُمْ مَوْلَانَا الشريف نامي وَأَخُوهُ السَّيِّد السَّيِّد وَالسَّيِّد عبد الْعَزِيز إِدْرِيس وَلم يبْق مِنْهُم أحد وَكَانَ
بروزهم وَقت أَذَان الْعَصْر فَلَمَّا أَن حاذوا بَاب النبى
الْمُسَمّى الْآن بَاب الحريريين قَالَ الْمُؤَذّن الله أكبر فَسقط بيرق مَحْمُود مِنْهُم فَكَانَ سُقُوطه فألاً عَلَيْهِم ثمَّ سَارُوا فنزلوا عِنْد جبل حراء وَبَاتُوا فَلَمَّا كَانَ أثْنَاء اللَّيْل سرى السَّيِّد عبد الْعَزِيز بن إِدْرِيس على نجيبة لَهُ أعدت خلف الْجَبَل فَقعدَ عَلَيْهَا وَتوجه إِلَى يَنْبع فنجا فَلَمَّا أَسْفر الصُّبْح وَلم يجدوه فَعَلمُوا أَنه اختلس نَفسه فَزَاد احتفاظهم على الشريف نامي وأخيه السَّيِّد وأمست مَكَّة بعد خُرُوجهمْ خَالِيَة وَكَانَ بهَا مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف أَحْمد بن قَتَادَة بن ثقبة فَنَادَى فِي الْبَلَد إِن الْبِلَاد بِلَاد الله وَالسُّلْطَان مُرَاد وعس الْبَلَد تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ لما كَانَ شروق يَوْم الْخَمِيس سادس ذِي الْحجَّة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة دخل مَوْلَانَا الشريف زيد بن محسن بِمن مَعَه من الصناجق وَكَانَ نُزُوله بدار السَّعَادَة ثمَّ نزل وَقت الضُّحَى من ذَلِك الْيَوْم إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام فَجَلَسَ فِي السَّبِيل الَّذِي بِجَانِب زَمْزَم وَمَعَهُ الْأَمِير عَليّ الفقاري أحد الصناجق الواصلين ثمَّ خرج مَوْلَانَا الشريف من السَّبِيل الْمَذْكُور وَطَاف بِالْبَيْتِ أسبوعاً والريس يَدْعُو لَهُ على قبَّة زَمْزَم ثمَّ خرج الْمُنَادِي يُنَادي بِأَن الْبِلَاد بِلَاد الله وبلاد مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد ومولانا الشريف زيد بن محسن ثمَّ طلب بعض الصناجق الْخُرُوج إِلَى الجلالية لقرب إدراكهم فَقَالَ لَهُ مَوْلَانَا الشريف زيد الرَّأْي أَن نحج وتحج الْأمة وتفلح ثمَّ نلحقهم فَيقرب الله بعيدهم وَلَا يفوتون فحج مَوْلَانَا الشريف تِلْكَ السّنة بِالنَّاسِ وأزال الله بِهِ عَن أهل مَكَّة بل عَن قطر الْحجاز كل باس وَبعد أَن أتم مَوْلَانَا الشريف الْمَنَاسِك وصل إِلَى مَكَّة بعض العساكر اليمنية بشفاعة إِبْرَاهِيم باشا أَمِير الْحَاج الشَّامي فِي تِلْكَ السّنة وَلما كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي محرم الْحَرَام افْتِتَاح سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف عقد مجْلِس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام عِنْد مقَام الْمَالِكِي حضر فِيهِ مَوْلَانَا الشريف زيد وغالب الصناجق وغالب السَّادة الْأَشْرَاف والسادة الْفُقَهَاء وتفاوضوا فِي أَمر الْعَسْكَر الْيَمَانِيّ فاتفق الْحَال على أَنهم يعزمون إِلَيْهِم فبرزوا ذَلِك الْيَوْم وَمَعَهُمْ مَوْلَانَا الشريف زيد وجماعته فأدركوهم فِي مَحل يُقَال لَهُ تربة فحاصروهم ثمَّ وَقع
الْقِتَال بَينهم بالبندق فَاسْتَمْسك عَليّ بك لنَفسِهِ من الصناجق على أَن يسلم من الْقَتْل وَالْتزم لَهُم بمحمود بك فقبلوا ذَلِك وأمسكوا مَحْمُود بحيلة دبروها ثمَّ رجعُوا فَدَخَلُوا مَكَّة المشرفة فِي أول يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر محرم الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة وَمَعَهُمْ مَحْمُود بك أحد أغاتي الْعَسْكَر اليمني فعذب بأنواع الْعَذَاب وطيف بِهِ على جمل فِي شوارع مَكَّة عاري الْجَسَد إِلَّا سَاتِر عَوْرَته وَمد بَاعه بعصا وربطت يَدَاهُ عَلَيْهَا عورضت من خَلفه وَشقت عضداه وذراعاه وغرز فِيهَا مصطفة خرق الزَّيْت الموقدة ووكل بِتِلْكَ الْعَصَا من يضْربهَا من خلف حينا بعد حِين فيتناثر سقطها على جسده وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى ثمَّ علق بكلاب أَدخل فِي رَأس ذِرَاع يَده الْيُمْنَى ثمَّ أَدخل تَحت عصب عقب رجله الْيُسْرَى وَدفع إِلَى شَجَرَة جميز عِنْد بَاب المعلاة فَمَكثَ كَذَلِك نَحْو ثَلَاثَة أَيَّام حيُّا يسب ويفحش وَيفجر إِلَى أَن مَاتَ فَأنْزل وَأخذ إِلَى شُعْبَة العفاريت فَأحرق ثَمَّ وَأما الأغا الآخر عَليّ بك فَلم يحصل عَلَيْهِ سوء أصلا وَذَلِكَ لتدبيره تِلْكَ الْحِيلَة على مَحْمُود ولحسن سلوكه حَال دُخُوله مَكَّة مَعَ بعض حَرِيم لمولانا الشريف زيد فَإِنَّهُ آمنهم ووصلهم بِخَير وَكَانَ يتَرَدَّد إلَيْهِنَّ ويتفقد أحوالهن ويبشرهن فَكَانَ ذَلِك سَببا لسلامته وخلوصه مِمَّا وَقع لرفيقه ثمَّ لما كَانَ أَوَاخِر شهر محرم افْتِتَاح السّنة الْمَذْكُورَة كَانَ مجمع كَبِير أَمَام بَاب مدرسة السُّلْطَان قايتباي حضر فِيهِ الصناجق والأمراء والقضاة ثمَّ جئ بالمرحوم مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف نامي بن عبد الْمطلب وأخيه مَوْلَانَا السَّيِّد السَّيِّد بن عبد الْمطلب فاستفتيت الْعلمَاء فيهمَا فَأَجَابُوا بِحكم الله تَعَالَى فَذهب بهما فِي شرذمة من الْعَسْكَر إِلَى أَعلَى الرَّدْم فتوفيا شهيدين رحمهمَا الله رَحْمَة وَاسِعَة وَغفر لَهما مغْفرَة جَامِعَة آمين وَكَانَت مُدَّة ولَايَته على مَكَّة مائَة يَوْم وَيَوْم وَهِي عدد حُرُوف اسْمه نامي لِأَنَّهُ دَخلهَا يَوْم خمس وَعشْرين من شعْبَان من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين بعد الْألف وَخرج مِنْهَا عصر الْيَوْم الْخَامِس من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة كَمَا تقدم وَتلك الْمدَّة مائَة يَوْم وَيَوْم وَفِي ذَلِك يقْول المهتار // (من الطَّوِيل) //
(تأمَّلْ لدنياكَ الَّتِي بصُرُوفها
…
أبادَتْ عُلَا ملْكٍ تأطد سامِى)
(بدا فأضا ثُمَّ اغتدَى الحَقُّ فانقضَى
…
فمدَّةُ نامي عدَّة احْرُف نامِى)
كَذَا ذكره الطبرى فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بالأرج المسكى فِي التَّارِيخ الْمَكِّيّ فَليُرَاجع قلت وَقد حكى المقريزي نَظِير ذَلِك فِي السَّابِق وَهُوَ أَن الْعَزِيز بن برسباي أحد مُلُوك الشراكسة بِمصْر خلع يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَت ولَايَته فى ذى الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة فَكَانَت مدَّته أَرْبَعَة وَتِسْعين يَوْمًا بعدة حُرُوف عَزِيز أَرْبَعَة وَتِسْعين وَقد تقدم ذَلِك فِي تَرْجَمته إِلَّا إِنِّي عبرت عَن الْأَرْبَعَة وَالتسْعين بِقَوْلِي ثَلَاثَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام الْمَعْنى وَاحِد وَفِي هَذِه السّنة لم يذهب الْمحمل من مَكَّة إِلَّا فِي الْعشْر الأول من شهر صفر واستقل مَوْلَانَا الشريف زيد بِالْملكِ مُنْفَردا فِي الأقطار الحجازية كَافَّة وسعودات الأقدار بِهِ حافة واستنزل أَرْبَاب الْحُصُون الشامخة وَاسْتولى على القلاع الراسخة وَملك الْبِلَاد الْبَعِيدَة الْمنَازل واستخدم الْعِزّ وَالظفر والإقبال وتوالت عَلَيْهِ الْخلْع والتشاريف السُّلْطَانِيَّة وقرت بِمَا يهواه المناشير العثمانية وملأ قُلُوب أعدائه خوفًا ورعباً ورقى فِي معارج الْمعز مرتقى صعباً وعطر بثنائه شرقاً وغرباً وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف أَو الَّتِي قبلهَا توفّي الْعَلامَة الشَّيْخ أَحْمد الْمقري الْمَالِكِي التلمساني الأَصْل والمولد والفارسي الدَّار والمنشأ نزيل الْقَاهِرَة الْعَلامَة الْحَافِظ الْمسند رحْلَة الدُّنْيَا شهَاب علم روض فَضله نضير مَا لَهُ فِي سَعَة الْحِفْظ شَبيه وَلَا نَظِير وفيهَا أَو فِي الَّتِي بعْدهَا توفّي السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود ابْن سُلْطَان مَكَّة الشريف حسن بن أبي نمي كَانَ أديباً فَاضلا من أَبنَاء الْمُلُوك النجباء يحب الْعلمَاء وَأهل الْخَيْر ويجالسهم كَرِيمًا وشعره فِي غَايَة الْحسن والرقة وَله فطنة تدْرك رقة الرقة وَلما وَقعت بَين القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي وَبَين غرس الدّين الْمدنِي المنافرة الشَّدِيدَة جمع بَينهمَا وَأصْلح مَا كَانَ مِنْهُمَا
وَله ديوَان كُله غرر كل سلك مِنْهُ لَا تذكر مَعَه الدُّرَر فَهُوَ نَابِغَة بني حسن وباقعة الفصاحة واللسن الساحب ذيل البلاغة على سحبان والسائر بأقواله الركْبَان أحد السَّادة الَّذين رووا حَدِيث السِّيَادَة برا عَن بر والساسة الَّذين تفتقت لَهُم ريح الجلاد بعنبر فاقتطفوا نوار الشّرف من روض الْحسب الأنضر وجنوا ثَمَر الوقائع يانعاً بالنصر من ورق الْحَدِيد الْأَخْضَر لم يزل يقدر من نيل الْملك مَا لم يَفِ بِهِ عَدده وعُدده وَلم يمده من الْقَضَاء وَالزَّمَان مَدده ومُدده فاقتحم لطلبه بحراً وَبرا وقلد للملوك جِيداً ونحراً فَلم يسعفه أحد وَلم يساعد وَإِذا عظم الْمَطْلُوب قل المساعد دخل إِلَى شهارة من بِلَاد الْيمن فِي أحد الجمادين فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وامتدح بهَا إمامها مُحَمَّد بن الْقَاسِم بقصيدة رَاح بهَا ثغر مديحه ضَاحِكا باسم وَطلب مِنْهُ فِيهَا مساعدته على تَخْلِيص مَكَّة المشرفة لَهُ وإبلاغه من تحليه بولايتها أمله وَكَانَ ملكهَا إِذْ ذَاك الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وَأَشَارَ فِي بعض أبياته إِلَيْهِ وَطعن فِيهَا بسنان بَيَانه عَلَيْهِ وَهِي // (من الطَّوِيل) //
(سلُوا عَن دمى ذاتَ الخلاخلِ والعقدِ
…
بِمَاذَا استحلَّتْ أخْذَ روحي على عَمْدِ)
(فإنْ أمنَتْ ألَاّ تقادَ بِمَا جنَتْ
…
فقد قيلَ إِن الحرَّ يقتل بالعبْدِ)
(وَإِن أخَذتها دونَ كلي فإنني
…
جليدٌ ومضعوفُ العزائمِ بالصَّدِّ)
(خذا قبْلَة مِنْهَا تديه فَإِنَّهُ
…
قتيلٌ ولكنْ لَيْسَ يلحدُ فِي لحدِ)
(صريعٌ بسهمِ اللحظِ والبينِ لم تزلْ
…
مقسمةَ أجزاه فِي القرْبِ والبعدِ)
(أَخُو لوعةٍ لَو أَن أيْسَرَ بَعْضهَا
…
بصَلْدٍ لَكَانَ العِهْنُ أقوَى من الصلْدِ)
(ومُرَّا على الوادِى الَّذِي قد تفاوَحَتْ
…
جوانبه عرفا بِمَا ضاعَ عَنْ هنْدِ)
(وعوجا رقابَ العيسِ فِيهَا عَشِيَّة
…
لنبكي بهَا عصراً تولى على نَجْدِ)
(ونقضِى لباناتِ الصبَا بمحلَّةٍ
…
بوجنةِ وَجْهِ الدهرِ كالخالِ فِي الخَدِّ)
(زمَان وَوجه الدهْرِ طلقٌ وقدُّهُ
…
نضيرٌ وثغْرُ الوصلِ يفترُّ عَن عقدِ)
(أجرُّ بِهِ ذيل الخلاعةِ رافلاً
…
وأركض خيلَ الغىِّ فِي حلبةِ الرشدِ)
(وأمرحُ فِي شرخ الشبابِ وحاسِدِي
…
يدعدعُ لي أَن أكبُ يَوْمًا على وعدِ)
(فللهِ أيامٌ وربعٌ تصرمَتْ
…
لياليهما عنِّى وعوضَنِى وخدِى)
(فأصبحْتُ فِي جيشٍ من الحبِّ أرعن
…
على أنني فِي نهجِهِ مفردٌ وحدِى)
(أعضُّ بِهِ كفي وأقرعُ بالحيا
…
لسانِى وَمَا يُغني فتيلاً وَلَا يجدِى)
(وَأَنْدُبُ أَيَّامًا عَلَى غيضةِ الغَضَا
…
وَغَيْظِى بِهَا غَيْظ اْلأَسِيرِ عَلَى الْقَدِّ)
(فحيَّا الحَيَا دَارا بنجدٍ وَأُخْتهَا
…
معطَّلة بالغورِ والعَلَم الفردِ)
(ومنعرج بالجزْعِ هَل ماتَ رسمُهُ
…
فأحييهِ بالتأبينِ أمْ هُوْ عَلَى عَهْدى)
(فثمَّ بِهِ قلبٌ فَقِيدٌ حبسنَهُ
…
عيونُ المها بَين الأجارعِ والرندِ)
(ولكنَّها لم تَدْرِ أنَّ مُحَمَّدًا
…
طلوبٌ لنا لَو كانَ فِي مربضِ الأسدِ)
(إمامٌ شأَى فِي الفخرِ أهلَ زمانِهِ
…
فأنْسَى وأعْيَا فِيهِ للقَبْلِ والبَعْدِ)
(يُنَادى أَمِير الؤمنينَ لِأَنَّهُ
…
تقمَّصَهَا إِرْثا عَن الأبِ والجَدِّ)
(وغيثٌ إِذا مَا النوءُ خوَّتْ رعودُهُ
…
فراحاتُهُ فِي المحْلِ تغني عَن الرعْدِ)
(وضرغامُ حرْبٍ حِين تَنْصَلِتُ الظبا
…
وينقصمُ المران فِي السرْدِ والسردِ)
(إِذا انكسَرَ الهنديُّ فِي رأسِ قرنِهِ
…
فَمن عرضِهِ عضبٌ أَحَدُّ من الهندِي)
(أَخُو صبوةٍ بالمكرُماتِ فَلم تَزَلْ
…
بمنظره فِي أشرَفِ الزمَنِ الرغْدِ)
(فبدْرٌ لمستجْلٍ ووَرْدٌ لمجتَنٍ
…
وغيثٌ لمستجدٍ وليثٌ لمستَعْدِى)
(وأيامُهُ بيضٌ وخضْرٌ بجودِهِ
…
ألَا إنَّهَا مِنْ عدله زَمَنْ الوردِ)
(فَإِن يكُ بالإفضالِ والبأسِ والتقَى
…
وربٌ الثنا والحِلْم والعِلْم والزهدِ)
(دَعِى بأميرِ المؤمنينَ محمدٍ
…
خليفتنا الْمهْدي هَذَا هُوَ المَهْدِى)
(محكِّمُ سيفِ الحقِّ فِي كلِّ ملحدٍ
…
ومَرجعُ أهلِ العقلِ فِي الحلِّ والعقدِ)
(وطَلَاّبُ وِتْرِ الدِّينِ فِي كلِّ مأزقٍ
…
وَلم ينتصف فِي المالِ والنفسِ والولدِ)
(شكَتْهُ المطايا والفيافي لكثْر مَا
…
يطأهَا ويمطاها إِلَيْهِ مِنَ الوفدِ)
(وَلَو أَنه خَلَّى شهارة سائراً
…
لسارَ إِلَيْهِ القاصدُونَ إِلَى السَّدِّ)
(ولولاهُ لم يُشْهَرْ حسامٌ وَلم يثرْ
…
قتامٌ وَلم يُسْفرْ ظلامٌ لمستهدى)
(وَلم يقصدِ الوفَّادُ عَنهُ لسيِّد
…
فطعْنَ بهم هيماءَ للعينِ والصفدِ)
(وَلم تفتخر إِلَّا بِمَا عافَ سادةٌ
…
غداةَ افتخارٍ فِي ندىِّ منَ المجْدِ)
(فَفِي الذهْنِ والآراءِ قيسٌ وعتبةٌ
…
وفى الجودِ والهيجاءِ جودٌ وَذُو لبْدِ)
(فَلَو لامَسَتْ يومَ الرغائبِ كفَّهُ
…
يدا مادرٍ كانتْ لَهَا بالندَى تُعْدِى)
(فيا ليتَ شعْرِى مَنْ كليبٌ وحِاتمٌ
…
على أَنهم مَا إنْ لَهُم فِيهِ من نِدِّ)
(فيابنَ رسولِ الله جئتُكَ شاكياً
…
لأعداءِ دينِ الله فِي الهزْلِ والجِدِّ)
(زعانفةٌ لَا ينكرُونَ قبيحةً
…
وَلم يختشوا فِي الفسْقِ من قَاهِرٍ فردِ)
(وَلَا مِنْ أميرِ المؤمنينَ محمَّدٍ
…
حَلِيف الوغَى فِي الله والسيفِ والحمدِ)
(وحامِى ذمارِ المجدِ إنْ ضاعَ سوحُهُ
…
وَلَو أَنه بَيْنَ الأساودِ والأسدِ)
(خطيبٌ إِذا مَا قامَ فِي رأسِ منبرٍ
…
وخَطْبٌ عَلَى ظهْرِ المطهَّمةِ الجرْدِ)
(فيا لَكَ من حبرٍ ليَوْم مجَادِلٍ
…
وذمر يُسَمَّى فِي المجالد بالجلْدِ)
(فليثٌ وغيثٌ فِي قراعٍ وَفِي ندَى
…
وسعدٌ ونحسٌ للْوَلِيّ وللضِّدِّ)
(وخذْهَا عروساً ذاتَ دلِّ تزفُّها
…
من الشكْرِ أجنادٌ فَللَّه من جُنْدِ)
(مفوفةً دبجْتُهَا بمديحِ مَنْ
…
تضوعُ بذكراه على المسْكِ والنَّدِّ)
(لدينٍ وجاهٍ ذَا ارتفاعٍ ونجدةٍ
…
أعيشُ بهَا لَا للمعايشِِ والنقدِ)
(وَإِنِّي من القومِ الَّذين وليدُهُمْ
…
ترجِّيهِ إنهاءُ المطالبِ فِي المهدِ)
(أَعَزُّ ملوكِ الأرضِ فرعا ومحتداً
…
وأوفى الكرامِ الغُرِّ فِي العقدِ والوعدِ)
(إِذا عُدِّدَتْ للصِّيدِ بعضُ محاسنٍ
…
فأحسابُهُمْ فِي المجدِ تربو على العَدِّ)
(بأفنيةٍ خضرٍ وسودٍ مراجلٍ
…
وألويةٍ حمرٍ وألسنةٍ لُدِّ)
(وأوجهُهُمْ للبيضِ والسمْرِ فِي الورى
…
وأيديهمُ فِي الحرْبِ للضربِ والشكْدِ)
(وَلم يُخلقوا إِلَّا لكشْفِ مُلِمَّةٍ
…
غشا خطبُهَا أهلَ البسيطةِ بالربدِ)
(فقمْ يابنَ عِزِّ الدينِ لَو كنْتَ وَاحِدًا
…
فأنْتَ بحمدِ الله غَانٍ عَن الحشْدِ)
(وأنَّى وأنتَ الليثُ واللدنُ غابه
…
وأِشبالُكَ الفرسانُ تعدو على الجردِ)
(وحولَكَ صِيدٌ من علىِّ غطارفٌ
…
هم الناسُ فِي الهيجاءِ والحَسَب العدِّ)
(وخيلٌ إِذا صاحَ الصريخُ توردَتْ
…
وُرُود القطا نَحْو الصياحِ إِلَى الورْدِ)
(وحظُّكَ يُبْدِي كلَّ يَوْم عجائباً
…
بهَا يقهَرُ الأيامَ فِي الجزر والمدِّ)
(فَلَو شئتَ أَن تصطاد ليثاً بأرنَبٍ
…
لجد لَهُ إِذْ زاحم الجدّ للجدِّ)
(فَمَا العذْرُ فِي التأخيرِ والسُّمْر والظبا
…
تقاضاه يَوْمًا فِي التهائِمِ والنجْدِ)
(أغثْ مكَّةً وانهَض فأنْتَ مؤيَّدٌ
…
مِنَ الله بالفتحِ المعوّضِ والجدِّ)
(وقدِّمْ أَخا وُدِّ وأخِّرْ مبغضاً
…
يساورُ طَعنا فِي المؤيَّدِ وَالْمهْدِي)
(ويطعنُ فِي كُلِّ الأئمَّةِ مُعْلنا
…
ويرضى عَنِ ابنِ العاصِ والنجْلِ من هِنْدِ)
(وكانَ لَهُم يومَ القيامةِ ثَالِثا
…
وَفِي هذِهِ ثانٍ لأوَّلِ مَنْ يُردى)
(ودمْتَ مدى الأيامِ للدِّينِ والعلا
…
وبذْلِ اللها والأخْذِ فِي الله والرَّدِّ)
وَلم يحصل مِنْهُ على نائل إِلَّا مَا أجَازه بِهِ من فواضل فَعَاد إِلَى مَكَّة المشرفة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَأقَام بهَا سنتَيْن ثمَّ توجه أَوسط شهر ربيع الثَّانِي من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف إِلَى الديار الرومية قَاصِدا ملكهَا السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان فورد عَلَيْهِ الْقُسْطَنْطِينِيَّة الْعُظْمَى وَاجْتمعَ بِهِ وامتدحه بقصيدة فريدة سَأَلَهُ فِيهَا تَوْلِيَة مَكَّة المشرفة وأنشده إِيَّاهَا فِي أَوَاخِر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي // (من الوافر) //
(أَلا هُبِّى فقَدْ بكَرَ النداما
…
وَمَج المزج من ظلمِ النداما)
(وهينمت الْقبُول فضَاعَ نَشْرٌ
…
روى عَن شيخِ نَجْدٍ والخزاما)
(وَقد وضَعَتْ عذارى المزن طفْلا
…
بمَهْدِ الروضِ تغذوهُ النعاما)
(فَهُبِّى وامزُجى خمرًا بظلْمٍ
…
لتُحْيى مَا أمَتى يَا أُمَامَا)
(ومُنِّى بالحياةِ على أناسٍ
…
بشربِ الراحِ صرْعَى والطّلَاما)
(فكَمْ خفر الفوارسُ من وطيسٍ
…
فَتى منا وَمَا خَفَرَ الذماما)
(وكَمْ جدنا على قُلِّ بوفرٍ
…
وأعطينا عَلَى جَدْبٍ هجاما)
(وكَم يومٍ ضربنا الخيلَ فِيهِ
…
على أَعْقَابها خَلْفًا أماما)
(فنحنُ بَنو الفواطِمِ من قريشٍ
…
وقادات الهواشمِ لَا هِشَاما)
(نردُّ الوافدين بكلِّ خيرٍ
…
ونثني البيضَ حمراً والعلامَا)
(برانا الله للدنيا سنَاءً
…
وللأخرَى إِذا قامَتْ سَنَاما)
(وخصَّ بفضله من أَمَّ مِنَّا
…
مليكاً كَانَ سابُورَ الهماما)
(فَتَى الهيجا مُرَاد الحقِّ مَنْ لم
…
يخَفْ فِيهِ للائمةٍ مَلَاما)
(محش الحرْبِ إنْ طارَتْ شَعاعًا
…
نفوسٌ عِنْدهَا قَلَّ المحاما)
(وغيْثٌ قَطْرُهُ وَرِقٌ وتبرٌ
…
إِذا طارَتْ بِهِ المحْل الركاما)
(فيُفنى سيفهُ حرْب وشيكاً
…
ويثني سبيه موتا زُؤَاما)
(وفِى شفَتيهِ آجالٌ ورزقٌ
…
بهَا أَمن الصَّواعِق والسّمَاما)
(يقودُهُ الْمُلُوك الصِّيد مجراً
…
فيمنحُهُ الخوامِعَ والرّخَاما)
(وَإِن وفدوه أغنَاهُمْ وأقنَى
…
وأجلَسَهُمْ على العَلْيَا قِياما)
(مليكُ الأرضِ والأملاكِ طُرًّا
…
وابْنُ مليكِهَا يَمَنًا وشَاما)
(ويجْرى من دَمِ الأعداءِ بحراً
…
وَلَا قَوَدٌ عَلَيْهِ وَلَا أَثَاما)
(ومسقي الجنِّ والأملاكِ غيظاً
…
ومُرْدِى القومِ إذْ يروي الحساما)
(تسنَّمَ غاربَ الدُّنْيَا فريداً
…
وجَدَّ السيرَ إذْ بَاتُوا نياما)
(إِذا شملَتْ عنايته لئيماً
…
شأَى بفخارِهِ القَوْمَ الكراما)
(تعاظَمَ وصفُهُ عَن وصفِ شِعْرى
…
كَذَا مرماه يسمُو أَن يُرَامَى)
(وَيكبر أنْ يعانِدَهُ عنيدٌ
…
فيرميه ويعظمُ أنْ يُرَامَا)
(ترفَّعَ كمه عَنْ لثمِ ملكٍ
…
وتلثمه الضعائفُ واليَتَامَى)
(وينطقُ عِنْده لَسِنٌ ضعيفٌ
…
وَلَا يسطيعُ جبارٌ سَلاما)
(أَخُو هِممٍ وَلم تعلقْ يَدَاهُ
…
بغانيةٍ وَلَا ضَمَّتْ مداما)
(أغرُّ سميدعٌ ضخْمُ المساعِى
…
يُسَكِّنُ فِي مغارمِهِ السهاما)
(وخادمُ قَبْرِ طه بالمواضي
…
ودِين الله والبَيْت الحراما)
(فيا مَلِكَ الملوكِ وَلَا أُبَالِي
…
وَلَا عذرا أسوقُ وَلَا احتشاما)
(أنفتُ بأنني أُنْزِلْكَ فيهم
…
بمنزلةِ الرجالِ مِنَ الأيامَى)
(إِلَى جدْوَاكَ كلفنا المطايا
…
دَوْمًا لَا نفارقُهَا دَوَاما)
(وَجُبْنَا يابْنَ عثمانَ الموامي
…
إِلَى أَن صِرْنَ من هزلٍ هياما)
(وذُقْنَا الشهْدَ فِي مغنى الترجِّى
…
وذُقُنَا الصبْرَ من جوعٍ طَعَاما)
(صلِينَا من سمومِ القيظِ نَارا
…
يكونُ بنورِكَ العالِى سَلاما)
(وخُضْنَا البحْرَ من يلْجٍ إِلَى أَن
…
حَسِبْنَاهُ على البيدا ركاما)
(نؤمُّ رحابَكَ الفيحَ اشتياقاً
…
ونأمُلُ فِيك آمالاً جِسَاما)
(ومَنْ قَصَدَ الكريمَ غَدا أَمِيرا
…
على مَا فِي يَديه وَلنْ يُضاما)
(وحاشا بَحْركَ الْفَيَّاض إِنَّا
…
نردُّ بغُلَّةٍ عنْهُ حياما)
(وَقد وافاك عبدٌ مستميحٌ
…
ندا كفَّيْكَ والشِّيَمَ الكراما)
(فقد نَزَلَ ابنُ ذِي يزن طريداً
…
على كِسْرَى فأنزله شمَاما)
(أتَى فَردا فَعَاد يَجُرُّ جَيْشًا
…
كسا الآكامَ خيلاً والرغاما)
(بِهِ استبقَى جميلَ الذكْر دهراً
…
وأنْتَ أجلُّ من كسرَى مقَاما)
(وسيفٌ لَو سما دُونِى لأنِّى
…
عِصَامِىٌّ وأسموه عِصَاما)
(بفاطمةٍ وإبنَيْهَا وطه
…
وحيدَرَةَ الَّذِي أشْفَى العقاما)
(عليهمْ رحمةٌ تهدِى سَلاما
…
تكونُ لنَشْرها مسكاً ختاما)
(وَلَا عَجَبٌ إِذا مَا جاك عافٍ
…
فعادَ يقودُ ذُو الجبِّ لهاما)
(فخذْ بيَدي وسَمِّينى محلا
…
يقربُ مِنْك فِيهِ لَنْ يُسَاما)
(وهبْ لي مَنْصبِى لتنالَ أجْرِى
…
وشُكْرى مَا حييتُ لَهُ دواما)
(فقد لَعِبَتْ ببيتِ الله حَقًا
…
زعانفُ يستحلُّونَ الحراما)
(فعَنْ ذَا ليسَ مَسْئولاً غَدَاة
…
سِوَاكَ إِذا الورَى بقيَتْ قيَاما)
(وَفِي أملِى بِأَن يجزيكَ عَنِّى
…
شفيعٌ عَفوه يُطْفى الأُوَامَا)
(وفكَّ أَسيرَ أسْر لَيْسَ يرضى
…
بِأَن يوطا وإنْ حفي الملاما)
(رحِيما لينًا فَظًّا غليظاً
…
على الأعداءِ لنْ يرضى اهتضاما)
(عريقٌ فِي مودَّتِكُمْ نصوحٌ
…
وَقُوعٌ إِن غشا خطبٌ وقاما)
(فَقل سَلْ تعطَ أعطاكَ الَّذِي لم
…
يَخَفْ نقصا وَلم يخْشَ انتقاما)
(مدى الأيامِ تخفضُ ذَا اعوجاجٍ
…
وترفَعُ من أطاعَكَ واستقاما)
(ودُمْ فِي راد عمرِكَ والأعادِى
…
تمنى فِي مضاجِعِهَا الحمامَا)
فَأَجَابَهُ إِلَى ملتمسه وَمرَاده وأرعاه من مقْصده أخصب مُرَاده وَلَكِن مُدت إِلَيْهِ يَد الهلك قبل نيل الْملك قيل إِنَّه سُم فِي ختمة قُرْآن أَتَى إِلَيْهِ بهَا بعض الْأَشْخَاص فِي هَيْئَة درويش مهديها إِلَيْهِ فَلَمَّا قبلهَا اختلس الدرويش نَفسه فَلَمَّا قبلهَا السَّيِّد أَحْمد سقط فوه فَكَانَ ذَلِك سَبَب مَوته رَحمَه الله تَعَالَى وَمن أحاسن شعره قصيدة سينية تشوق كل إِنْسَان وَتدْخل على الْقُلُوب من الآذان بِغَيْر اسْتِئْذَان مطْلعهَا // (من الْخَفِيف) //
(حثَّ قبلَ الصباحِ تجْب كُئُوسى
…
)
وَسَتَأْتِي وَكَذَلِكَ قصيدة يمدح بهَا بني عَمه مُلُوك الْحجاز آل قَتَادَة وَهِي نبذة من أخباره وشجونه تدل على فَضله ولآلىء مكنونه وَهِي // (من السَّرِيع)
(حنَّتْ فأبكَتْ ذَا شجونٍ حنونْ
…
وغنَّتِ الورقا بِأَعْلَى الغُصُونْ)
(وشَقَّ بُرْدَ الليلِ برقٌ فَمَا
…
ظننته إِلَّا حسامَ الجفونْ)
(كَأَنَّهُ مذ شَقَّ قلْبَ الدجَى
…
جبينُ ليلَى فِي دياجِى الْقُرُون)
(فقمْتُ كالهادِلِ فِي سجوِهِ
…
لم أدْرِ مَا بِي فَرَحٌ أم جنونْ)
(وأرسَلَ الدَّمْعُ تجيعًا على
…
خَدِّى فَيجْرِي أعيناً من عيونْ)
(لم أرَ نؤياً لَا وَلَا مجثماً
…
وموقداً اْو عَلَمًا فِي دمونْ)
(إِلَّا وباتَ الناعمُ الفرشِ لي
…
شوكاً وميعاسُ الروابي حُزُونْ)
(فالبرْقُ يُوحى فِي الدجَى رعدةً
…
والوُرْقُ من شعْرى تجيدُ اللحونْ)
(عهدي بهَا كانَتْ كناسَ الظبا
…
ومرتَعَ الأسدِ حماةِ الظعونْ)
(كلُّ طويلِ الباعِ رجَبْ الفِنَا
…
تصدُقُ للوُفَّادِ فِيهِ الظنونْ)
(ليوثُ برقٍ خيسُهَا مأزقٌ
…
أنيابُهَا فوقَ المذاكِى قرونْ)
(حتَّى غَدا مِنْ بعدهمْ ربْعُهَا
…
مفتأداً جارتْ عَلَيْهِ السنونْ)
(كَأَنَّهُ جسمِى وإنْ لم يكنْ
…
جسمي فوهماً أَو خيالاً يكونْ)
(وقفتُ فِيهِ والأسَى والنوَى
…
يستلبانِ الصبْرِ سلْبَ المنونْ)
(ألله لي من مهجةٍ مزقَتْ
…
ومقلةٍ عبرَى ونَفْسٍ ونونْ)
(تحنُّ للشِّعْبِ وأوطانِهِ
…
مهما سرَى برقٌ بليلٍ دجونْ)
(وفتيةٍ منْ آلِ طه لَهْمْ
…
فِي الحربِ أبكارٌ مزايا وعونْ)
(مبتذلُ الساحاتِ فِي قُطْرهم
…
للخائِفِ الْجَانِي أعز الحصونْ)
(وكلُّهم يومَ الوغَى سيِّدٌ
…
للضدِّ خباطٌ بلبد ظنونْ)
(يحمدُهُ السارونَ إنْ أدلجوا
…
وَيَقْتَضِي النادِى بِهِ السامِرُونْ)
(لَا يَنْتَهِي الجارُونَ مِنْهُ إِلَى
…
شَاْوٍ وَلَا يعسفُهُ الجائرونْ)
(فيانسيماتِ الصِّبَا عَرِّجى
…
بهمْ وبثِّى غامضاتِ الشجونْ)
(وحاذِرِى أَن تصحبي لوعَتِى
…
واستَصْحِبِى بَثِّى لكَىْ يفهمونْ)
(وبلِّغيهم حالَ من لم يزلْ
…
حليفَ أشجانٍ كثيرَ الشئونْ)
(يستخبر الريحَ بأنفاسِهِ
…
ويسألُ البرقَ بدمعٍ هتونْ)
(فَشَأْنه يخبرُ عَن شأنِهِ
…
بِدمْعِهِ إِن يسْأَل السائلونْ)
(ناءٍ عَن الأهلِ ضَعِيف الأسَى
…
أَبعد مَا فَارق قَلْب شطونْ)
(يحفظُ للزملِ عهودَ الوفا
…
وَإِن طَلَبْتَ الخونَ مِنْهُ يخونْ)
(وأنْتَ يَا سارى بشام النقا
…
وحَادِىَ الظعْنِ بذاتِ الرعونْ)
(عَرِّضْ بذكَرى لَا شَجَاكَ النوَى
…
لعلَّهم بِي بعد ذَا يذكرونْ)
(وقُلْ لَهُم وَالله لَو أبعدَتْ
…
أخبارُكُمْ إِنِّي كَمَا تعهدونْ)
(نسيتُمُ صَبًّا غَدا دمعُهُ
…
مِنْ بعدكُمْ صبَّاً قريحَ الجفونْ)
(وَهْوَ وماضِى العيشِ مَا ساعَةٌ
…
فِيهَا تناسى جدكم والمجونْ)
وَهَذِه السينية الْمُتَقَدّم ذكرهَا الفائح عطرها لمولانا السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود بن حسن بن أبي نمي تغمده الله برحمته // (من الْخَفِيف) //
(حُثَّ قبل الصَّبَاحِ نجب كُئْوسى
…
فَهْىَ تجْرِي مجْرَى الغِذَا فى النفوسِ)
(وانتخِبْهَا بكرا فقدْ ثَوَّبَ الداعِى
…
إِلَيْهَا مِنْ حانة القِسِّيسِ)
(بنتُ كَرْمٍ إِن تَرْقِ ملسوعَ راحٍ
…
وَهُوَ جلس لم يَرْتَضِى بالجلوسِ)
(كشفَتْ غيهَبَ الخمارِ وَلَو ترشَحُ
…
رمساً ردَّتْ بقا المرموسِ)
(غرسَتْهَا بينَ الحدائقِ والنوروز
…
والشَّطِّ كفُّ بطلبموسِ)
(فَتَلقَّى أم المسرإت طلقاً
…
والندامَى بِمهْر كيسٍ وكيسِ)
(أطلق النَّدَّ والكبا الرطْبَ واستجْلِ
…
عروساً لَا عِطْرَ بعد عروسِ)
(عانساً فِي الدنانِ عذراءَ لم تطمت
…
من عهد جرهم وجديسِ)
(نارُ أنسٍ يعشو الكليمُ ويصبو
…
لِفِناهَا بالذُّلِّ والتقديسِ)
(خرقَتْ حلَّة الجمانِ وأبدَتْ
…
مستطير الصباحِ فِي الحنديسِ)
(زعَمَ الجاهلونَ فِيهَا بأنْ قَدْ
…
عَصَرَتْها قِدمًا يدا عبدوسِ)
(وهْىَ من لُطْفها كشَكٍّ نَفَاهُ
…
صادقُ القولِ عِنْد ذِي تسويسِ)
(فأدرْهَا فِي كاسها دونَ خَدَّيْكَ
…
وفوقَ الشقيقِ من خندريسِ)
(واسْقِ بالخيرِ لي الندامَى لتبدو
…
قدرةُ الله فِي المقامِ النفيسِ)
(لتَرَى أنجماً بفلْكٍ وبدراً
…
فوقَ غصنٍ يختالُ بَين شموسِ)
(ولكلٍّ إربٌ وَمَا أَنا بالرائى
…
شريفًا فى جَنْبِ وَجه خسيسِ)
(وخرود بجامِهَا وطلَاها
…
وَلماهَا والخد ينجاب بُوسِى)
(إِن حكينا بالثغْرِ والخدِّ مَا فى الجِيدِ
…
قُلْنَا ظُلمًا وَمَا فِي الكُئُوسِ)
(تتلظَّى غيظاً وتَبْسِمُ توبيخًا
…
لنا فِي القياسِ بعد المقيسِ)
(لم أكنْ قبلهَا أصدِّقُ أَن الرْرَاحَ
…
ظَلْمٌ فِي لؤلؤٍ مغروسِ)
(ظبيةٌ رخوةُ العريكةِ تغتالُ
…
أسُودَ الشرَى بِدَهْىٍ شَموسِ)
(لبسَتْ من غلائلِ الحسْنِ بُرْدًا
…
مِنْهُ كلُّ الْعُقُول فِي تلبيسِ)
(تتهادَى عجبا فتستقبحُ الروضَ
…
أنيقاً لجودَةِ التجنيسِ)
(لَو رَآهَا تختالُ تيهاً أبُوهَا
…
لخشينا عَلَيْهِ دِين المجُوسِ)
(كُلُّ حلْوٍ مِنْهَا استجَدَّ رسيساً
…
وقديمي فِيهَا استَمَرَّ نسيسِى)
(تركَتْنِى نِضْوًا على نضوِ رسمٍ
…
فِيهِ دمعي خلي وسُهْدِى جليسي)
(موحشاً مِنْ هنيدةٍ بعد أَن كانَ
…
حَقِيقا بالمربَعِ المأنوسِ)
(طالَ مَا قْلتُ للغدافِرِ واللَّيْثُ
…
بِهِ قد ألقَى عَصا السيرِ هيسِى)
(لنقضِّى فِيهِ حقوقاً وتبكِى
…
فِيهِ وُرْقُ الحمَى وثُكْل العيسِ)
(ونرجِّى الآمالَ تبْعَث الِّريحَ
…
أريجاً من معهدٍ مطلوسِ)
(فرعَى الله بالأجارعِ عصراً
…
وبدوراً غصونُهَا فِي طموسِ)
(حيثُ جو الشبابِ سَحْوٌ وبحْرُ اللهوِ
…
رَهْوٌ لم ألْقَ فِيهِ بروسِى)
(ومحلاً بَين الأباطحِ والقبْبة
…
مِنْ طيبَةٍ بِسُوحِ الرَّئِيسِ)
(أَحْمَدُ الخُلْقِ أحمدُ الخَلْقِ فى اللهْ
…
غِيَاثُ المَنْجُودِ والمَبْلُوسِ)
(شافعُ الأمةِ الَّتِي جاءَ فِيهَا
…
كنتُمُ من مهيمنٍ قدوسِ)
(أولُ الأنبياءِ والخاتمُ العاصِمُ
…
من هولِ صليمٍ دربيسِ)
(يتقى حيدَرٌ وحمزةُ والفاروقُ
…
فِيهِ إِذْ جاشَ قِدْرُ الوطيسِ)
(وَكَذَا فِي المعادِ عيسَى وإسحاقُ
…
وموسَى الكليمُ معْ إدريسِ)
(وَبِه يسألونَ إِذْ صدم الهول
…
تجليه فِي الزمانِ العبوسِ)
(وهُمُ الفائزونَ لكنْ لما طَمْمَ
…
عَلَى الخلقِ من عذابٍ بئيسِ)
(مهطعينَ الْأَعْنَاق فى مَوْقِفِ الرهبة
…
لم يستمعْ لَهُم من نبيسِ)
(فينادى سَلْ تُعْطَ واشفَعْ أيا خيْرَ
…
شفيعٍِ فِي مسمهرِّ ضَبيسِ)
(أريحىٌّ بِقَصْدِهِ تأنفُ الأخمَصُ
…
مص أَن تحتذى شَوَاة الرءوسِ)
(نَقَلَ الذِّكْرَ للجوامعِ وَالْأَحْكَام
…
بعد الأزلامِ والناقوسِ)
(تَرَكَ الذئْبَ والغضنْفَرَ والشَّاة
…
جَمِيعًا من خوفِ غبِّ الفريسِ)
(أَيَّدَ الدينَ بالذوابلِ والشُّوسِ
…
المذاكِى تعدُو وبيض شوسِ)
(كل ذمر فِي السلْمِ هَين وفى الحربِ
…
أبي يشقُّ أنفَ الخميسَ)
(كعلىٍّ وحمزةَ البِشْرِ إِن بَدَّلَ
…
بِشْر الوجوهِ بالتعبيسِ)
(بيهسىْ غابةِ الوشيجِ وطودَىْ
…
مفخرٍ فِي مؤثلٍ قُدْمُوسِ)
(بهما والبَتُولِ والآلِ والبطَيْنِ
…
والمخبتين بالتغليسِ)
(ألإمامين بالنصوصِ الشهيدَيْنِ
…
البريئيْنِ من صدَى التدنيسِ)
(فرقدَىْ هالةِ الرياسةٍ وابنَىْ
…
مدحضي بالقواضب التبخيسِ)
(مَا رعَى فيهمَا رَئِيس ربى الفِدْيةِ
…
إِلَّا فضْلاً عَن المرءوسِ)
(وبمَنْ قامَ فى مقامِكَ يستسقَى
…
بِهِ والمحلَّقِ الدعيسِ)
(وبخِلَّيْكَ صاحبيْكَ ضجيعَيْكَ
…
ظهيَرْيكَ فِي الرخا والبوسِ)
(ذَا رفيقٌ فِي الغارِ ردْفٌ وَذَا تنرفرُ
…
من حِسِّهِ رقى إبليسِ)
(وبتلو الإثْنيْنِ جَامع أشتاتِ
…
المثانِى بالرسْمِ والتدريسِ)
(لم يُراقَبْ للهدْى والجيشِ من غيْرِ
…
فسوقٍ أتَى وَلَا تدليسِ)
(أدركَ ادْرِكْ ذَا غربةٍ وانفرادٍ
…
وسهادٍ ومدمعٍ مبجوسِ)
(قد لقى من حصائِدِ النفْسِ مَا لاقَى
…
كليبٌ فِيهَا غداةَ البَسُوسِ)
(ألوحَا ألوحَا فِدّى لكَ ملهوفٌ
…
يناديكَ من ورا طرطوسِ)
(يَا نَبِيَّاهُ يَا وليَّاهُ يَا جَدَّاهُ
…
يَا غَوْثَ ضارعٍ موطوسِ)
(أنتَ إنْ أعضَلَ العضالُ وأعيا
…
كُلّ آسٍ دواه جالينوسِى)
(وَإِذا مَا الخنَاقُ ضاقَ فَلم أرجُ
…
لكربي إلَاّك للتنفيسِ)
(ولقدْ جرد الْعُقُول إلَى أنْ
…
لبسْت منْهُ بزَّة المخموسِ)
(وبجدواكَ يقلبُ السعد فى الأزمةِ
…
سَعْدا تحديق عَيْن النحوسِ)
(يَا خفيري إِذا ارتهنْتُ وَمَا لي
…
غَيْرُ كسبِى فِي مضجَعِى من أنيسِ)
(أبظُلْمِ الحوبا أقصِّرُ عَن شأوِ
…
جُدُودى وأنْتَ أصْلُ غروسي)
(حاشَ لله أَن يقصِّرَ مَنْ أَفْعَمَ
…
فيكُمْ مدحاً بطونَ الطروسِ)
(فارتبطْهَا من الجيادِ الَّتِى تَسْبقُ
…
خَيْلَ الوليدِ وابْنِ سديسِ)
(وأجزْنِى بردا من الأمنِ مَا حيك
…
بصنعا حسنا وَلَا تِنِّيسِ)
(وأغثني دنيا وأخرَى بمرآكَ
…
ليهدا رَوْعِى ويقوَى رسيسِى)
(واجلُ طرفِي بنظرةٍ تذهبُ اللىّ
…
وتُسْدِى فِي الحىِّ نِيرَ مروسي)
(إِن أرحْ مُطلقًا من الذنْبِ فالتقريضُ
…
وقفٌ مسلسلُ التجنيسِ)
(أَو تناسى بِهِ فناي وحقِّى
…
فعلَى الْحَظ دَعْوَة المبخوسِ)
(إِنَّمَا أنْتَ آصفٌ ونجاتي
…
منكَ أدنى إِلَيْهِ من بلقيسِ)
(لَو تشفعْتَ فِي سَبًا لَعَلِمْنَا
…
أنَّهمْ فائزونَ بالمحسوسِ)
(فعليكَ الصلاةُ مَا هَجَّرَ الركْبُ
…
وحثَّ القِلَاص للتعريسِ)
(وعَلى آلِكَ الكرامِ وأصحا
…
بِكَ مَا روضَةٌ زهَتْ بالغروسِ)
(وأضاءَ الصبَاحُ من بعد ليلٍ
…
واستسرَّتْ عروسُهُ بعروسِ)
وفيهَا أَعنِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف توفّي شيخ مَشَايِخنَا الشَّيْخ الْعَلامَة برهَان الدّين أَبُو الأمداد إِبْرَاهِيم بن حسن بن عَليّ اللَّقَّانِيّ خَاتِمَة الْمُحَقِّقين وَسيد الْفُقَهَاء والمتكلمين إِمَام الْأَئِمَّة وموضح المشكلات المدلهمة أَخذ عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ والعلامة ابْن قَاسم العبادى وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم العلقمي أخي الشَّيْخ شمس الدّين شَارِح الْجَامِع الصَّغِير الشَّرْح الْمُسَمّى بالكوكب الْمُنِير وَالشَّيْخ نور الدّين الزيادى وَالشَّيْخ أَبى بكر الشنواني وَغَيرهم وَله كرامات خارقة ومكاشفات صَادِقَة أَخذ عَنهُ طَرِيق الْقَوْم خلق كثير وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية والفنون الأدبية شَيخنَا الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلي وَالشَّيْخ عَليّ بن عَليّ الشبراملسي وَولده إِبْرَاهِيم وَغَيرهم رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف يَوْم الْجُمُعَة ثامن رَجَب مِنْهَا توفّي الشريف عَظِيم الشَّأْن مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد شَيْخَانِ باعبود الْعلوِي ولد بالمخا كَانَ رحمه الله من أكَابِر الْمَشَايِخ الصَّالِحين والأولياء الكاملين وَاسْتمرّ على الْحَالة المرضية إِلَى أَن وافته
الْمنية وَقدم على رب الْبَريَّة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور ببندر جدة وَحمله وَلَده السَّيِّد سَالم من جدة إِلَى مَكَّة وَوصل بِهِ لَيْلَة السبت وَدفن صبح الْيَوْم الْمَذْكُور على أَبِيه وأخيه فِي حوطة آل با علوي ولولده مَوْلَانَا السَّيِّد سَالم بن أَحْمد شيحان مؤرخاً وَفَاة أَبِيه الْمَذْكُور بعد أَن رَآهُ فِي مَنَامه قَوْله // (من الْكَامِل) //
(شاهدتُّ فِي عامِ الوفاةِ بليلةٍ
…
غَرَّاءَ أَحْمد قَائِلا نَفسِي أحمدي)
(أُسْكِنْتَ جناتِ النعيمِ ونِعْمَ هِيَ
…
نُزُلاً فتاريخُ الوفاةِ تخلَّدِى)
وفيهَا توفّي بَين العصرين سَابِع عشري رَجَب الشَّيْخ الأمجد الأوحد شهَاب الدّين أَحْمد ابْن أبي الْفَتْح الْحكمِي أَخذ عَنهُ شَيخنَا الْعَلامَة الشَّيْخ عَليّ بن الْجمال الْأنْصَارِيّ الْمَكِّيّ وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الله ابْن الشَّيْخ سعيد باقشير وَغَيرهمَا وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة كَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ وَدفن بِالبَقِيعِ وَهُوَ فِي عشر الْخمسين نفعنا الله بِهِ آمين وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعين فجر الثُّلَاثَاء ثامن ذِي الْعقْدَة مِنْهَا توفّي السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْهَادِي بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين محتد الْجَلالَة والفخامة مُفْرد الْمقَالة والشهامة الْعَالم الْعَامِل بِلَا زعامة الحاتم على ناظره الْقطع لَهُ بِالْفَضْلِ السّني والكرامة الْوَلِيّ لله بِلَا ريب وَلَا نزاع الملزم نَفسه النفيسة الطَّاعَة لَهُ عز وجل والحضور لَدَيْهِ والانقطاع ولد ب تريم واستوطن مَكَّة ولازم السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان وَغَيرهمَا وَاسْتمرّ بِمَكَّة إِلَى أَن انْتقل بهَا فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدفن بحوطة السَّادة بني علوي وفيهَا توفّي الشَّيْخ يُوسُف بن مُحَمَّد البُلْقِينِيّ بَقِيَّة الجيل الْجَلِيل الَّذِي سلف ونخبة الحائزين بِالْعلمِ السِّيَادَة والشرف رَئِيس الْقُرَّاء المجيدين جليس الْفُقَرَاء إِلَى الله المنقطعين إِذا قَرَأَ الْقُرْآن الْمجِيد رتله ترتيلاً وحبره تحبيرا وَإِذا حَار بالنعمان اللبيب فِي مُشكل متشابهه قيل لَهُ اسْأَل بِهِ خَبِيرا رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف ضحوة يَوْم الْأَحَد تَاسِع ذِي الْقعدَة الْحَرَام توفّي مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا إِمَام أهل الْعرْفَان ذُو السِّرّ الباهر والبرهان من مزايا مفاخرة فقد الْحصْر وبذكر مناقبه يتجمل الزَّمَان والدهر أوحد الْأَئِمَّة المعتبرين أولي التَّمْكِين مرشد الطالبين ومربي السالكين الْعَالم الْعَامِل والأستاذ الْكَامِل طَاهِر الْجنان وَاللِّسَان والأركان مَوْلَانَا السَّيِّد سَالم مَوْلَانَا السَّيِّد سَالم بن أَحْمد شيحان وفن فِي عصر ذَلِك الْيَوْم على وَالِده وجده بالمعالاة وتاريخ وَفَاته صَار إِلَى رَحْمَة الله وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة عَظِيمَة جليلة - رَحمَه الله تَعَالَى - وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة توفّي السَّيِّد نعْمَة الله بن عبد الله بن محيي الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بن يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْقَادِر الجيلاني أحد أكَابِر الْأَوْلِيَاء الَّذين نالوا الوفا والكرامة الْغَنِيّ بِكَمَال فَضله عَن إِشَارَة أَو عَلامَة سَطَعَ نور كمالاته فأخجل النيرين وأشرقت صِفَاته المضيئة فِي الْخَافِقين وتواترت كراماته فِي سَائِر الْآفَاق وَوَقع على ولَايَته الِاتِّفَاق اشْتهر فَلَا يحْتَاج إِلَى إطناب فِي الصِّفَات بِمَا خصّه مَوْلَاهُ من أَنْوَاع الكمالات ولد بِالْهِنْدِ وَوصل إِلَى مَكَّة سنة أَرْبَعَة عشر وَألف وجاور بهَا ولازم الصمت وَالْمَسْجِد سِنِين ثمَّ سكن شعب عَامر وَتزَوج وأولد أَوْلَادًا نجباء أجلاء ثمَّ مرض وَأوصى أَن يدْفن بمحله بشعب عَامر الْمَذْكُور فَدفن بِهِ وَكَانَت الحُمى من أقل خُدَّامه يرسلها إِلَى من شَاءَ أَي مُدَّة شَاءَ ويرفعها مَتى شَاءَ بِإِذن الله تَعَالَى مدحه الأجلاء ورثوه بعدة قصائد مِنْهُم مَوْلَانَا وَشَيخنَا الشَّيْخ عَليّ بن الْجمال والأديب البارع أَحْمد الْفضل الكثيري وَغَيرهمَا وفيهَا فِي موسمها يَوْم الْجُمُعَة عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام وَقعت فتْنَة كَانَ ابْتِدَاؤُهَا قبل صَلَاة الْجُمُعَة سَببهَا أَن عبدا لبَعض السَّادة الْأَشْرَاف ورد بفرس سَيّده الششمة الْمَعْرُوفَة بالبزابيز فَوَقع هُنَاكَ بَين العَبْد الْمَذْكُور وَبَين شخص من عَسْكَر مصر تزاحم وتدافع فَضرب الجندي العَبْد فَضَربهُ العَبْد وجرحه فَلَزِمَهُ الجندي مَعَ جماعته فَانْتدبَ جمَاعَة العبيد ففكوا العَبْد فثارت الْفِتْنَة وَلم يكن لصَاحب مَكَّة وَلَا للأمير علم بذلك فَاجْتمع الجندي مَعَ جماعته بمدرسة السُّلْطَان قايتباي واحتمع عَسْكَر صَاحب مَكَّة مَعَ العبيد عِنْد منزله فَأقبل كل من الْفَرِيقَيْنِ على الآخر فَأرْسل الشريف جمَاعَة لرد عسكره ونهيهم تسكيناً للفتنة وبرز أَمِير الْحَاج من الْمدرسَة وَبِيَدِهِ عَصا لرد عسكره كَذَلِك وَسَار على قَدَمَيْهِ فَلَمَّا وصل إِلَى قريب من بَاب على أَبْوَاب الْمَسْجِد الْحَرَام سمع صَوت البندق فَرجع وَدخل من بَاب الحريريين وَدخل الْمدرسَة من بَابهَا الْكَائِن فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ نزل من جِهَة المعلاة نم كَانَ بهَا من الْعَسْكَر الْمصْرِيّ وَمَعَهُمْ المدافع فَجعلُوا وَاحِدًا مِنْهَا عِنْد الششمة الْمَذْكُورَة وواحداً عِنْد بَاب الْمدرسَة القايتبائية فَاشْتَدَّ الكرب على أهل مَكَّة وَأرْسل فِي أثْنَاء ذَلِك مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ رضوَان بك مُشِيرا عَلَيْهِ بِمَنْع الْعَسْكَر الْمصْرِيّ جماعته وَكَذَا أرسل إِلَى أَمِير الْحَاج الشَّامي الْأَمِير مُحَمَّد بك بن فروخ وَقتل من الْعَسْكَر الْمصْرِيّ والعسكر الشريفي أشخاص بالبنادق وَلم يزل الْأَمر كَذَلِك حَتَّى أجنَّهم اللَّيْل فانكف الْفَرِيقَانِ وَركب بعض خدام الشريف رَحمَه الله تَعَالَى بِأَمْر مِنْهُ وَمَعَهُ المناداى بالأمان وَأمسى النَّاس فِي أَمر مريج فَلَمَّا كَانَت صَبِيحَة يَوْم السبت سعى أَمِير الْحَاج الشَّامي الْأَمِير مُحَمَّد بك الْمَذْكُور بَين الشريف وَبَين أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ بِالصُّلْحِ فتعافيا فَنَادَى قبل صَلَاة الظّهْر من ذَلِك الْيَوْم مناديان أَحدهمَا من أَمِير الْمصْرِيّ وَالثَّانِي من الشَّامي بالأمان للحجاج وَأهل الْبَلَد وَقدم الْمصْرِيّ خُرُوجه من مَكَّة فِي هَذَا الْعَام على خلاف الْعَادة فبرز فِي يَوْم الثَّالِث وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة وَفِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف قدم شعْبَان أَفَنْدِي إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَمَعَهُ حجر من الماس محفوف بأحجار مختلعة مكفوف بصفائح الذَّهَب وَالْفِضَّة وَهَذَا الْحجر من آثَار صدر الدولة العثمانية مصطفى باشا سلحدار فَوضع ذَلِك الْحجر تَحت الحجرين اللَّذين وضعهما السُّلْطَان أَحْمد خَان وأنعم على أهل الْمَدِينَة بِالصَّدَقَةِ الجليلة وَفِي ذَلِك يَوْم السَّيِّد مُحَمَّد كبريت مادحا مؤرخا // (من الْخَفِيف) //
(زار خيرَ الأنامِ خَيْرُ همامٍ
…
قد تَسًمَّى شعبانَ وَهُوَ ربيعُ)
(عمَّ جيرانَ أَحْمد بنوالٍ
…
دُونَ ذاكَ النوالِ خصْبَ مريعُ)
(جاءَ بالجوهَرِ الثمينِ لطه
…
مِنْ وزيرٍ هوَ الجنابُ المنيعُ)
(مصطفى المجدِ والندَى والمعالِي
…
وسلحدارُ نعْمَة لَا تضيع)
(يَا لَهُ جَوْهَر التسامي وسامَى
…
بمقامٍ فِيهِ الثناءُ يضوعُ)
(عِنْد وجْهِ النَّبِي قد وضعُوهُ
…
فغدا وهوَ مشرق ولموعُ)
(كَانَ هَذَا فِي عامِ سبعٍ وألفٍ
…
وتمامُ النظام فِيهِ بديع)
قلت هَذَا فِي التَّارِيخ لطف إِدْخَال فِي قَوْله وَتَمام النّظم فِيهِ لِأَنَّهُ يُشِير بذلك إِلَى الْمِيم من لفظ النظام وَهِي بِأَرْبَعِينَ فبذلك تمّ حِسَاب سبع وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ إهداء ذَيْنك الحجرين الْأَوَّلين من حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان أَحْمد خَان مَعَ لوح من فضَّة كَبِير مَكْتُوب فِيهِ آيَات قرانية فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَألف مركب على الشباك القبلى أَمَام المواجهة الزائر وَفِي اللَّوْح أَبْيَات آخرهَا بَيت التَّارِيخ وَهُوَ لوح السُّلْطَان أَحْمد أهداه حُبّاً خَالِصا وفيهَا توفّي الْعَلامَة القَاضِي أَحْمد بن عِيسَى المرشدي الْعمريّ الْحَنَفِيّ شهَاب الْفضل الثاقب الشهير الماثر والمناقب من سَطَعَ فِي سَمَاء الْأَدَب نوره وتفتق فِي رياضه زهره ونوره فامتد البلاغة بَاعه وشق على من رام أَن يشق غباره اتِّبَاعه لَا تلين قناة فَضله لغامز وَلَا يلمز اْدبه المبرأ من الْعَيْب لامز
كَانَ تولى الْقَضَاء بِمَكَّة المشرفة فنال بِهِ مَا أمله مِمَّا طمح بَصَره إِلَيْهِ واستشرفه
وَلما حصل أَخُوهُ فِي قَبْضَة الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وَمنى مِنْهُ بذلك الفادح الَّذِي قهر بِهِ وَغلب حصل هُوَ أَيْضا فِي قَبْضَة الْقَبْض والأسر وَأَرْدَفَ مَعَه على ذَلِك الأدهم بالقسر حَتَّى جرع أَخُوهُ بذلك الكاس وأنعم عَلَيْهِ بالخلاص بعد الياس
فرَاش الدَّهْر حَاله وَأعَاد مِنْهَا مَا غَيره وأحاله
وَلم يزل فارغ البال من شواغل البلبال إِلَى أَن انْقَضتْ أَيَّامه ووافاه حمامه
فَكَانَت وَفَاته لخمس خلون من ذِي الْحجَّة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة
وَاتفقَ تَارِيخ وَفَاته صدر الْبَيْت الْمَشْهُور
(من شَاءَ بعْدك فليمت
…
...
…
.)
وَله نظم بديع ونثر يفوق أزهار الرّبيع
وَمن نظمه القصيدة الدالية أمتدح فِيهَا شرِيف مَكَّة الشريف مَسْعُود بن حسن مطْلعهَا من // (الْبَسِيط) //
(عوجا قَلِيلا كَذَا عَن أيمنِ الواديِ
…
واستوقفا العيس لَا يَحْدُو بهَا الْحَادِي)
مِنْهَا قَوْله
(راًسُ الملوكِ يَمِين الملكِ ساعده
…
زَنْدُ الْمَعَالِي جَبِينُ الجَحْفَلِ البادي)
وَمِنْهَا
(وصان وَسْمك فِي حاش مُخَالطَة
…
عَنْ رب غَزْو تنضاه بأحشاد)
وَهِي فصيحة بليغة تقدم ذكرهَا
وَله قصيدة فِي السَّيِّد شهوان بن مَسْعُود مطْلعهَا من // (الْبَسِيط) //
(فيروزَجٌ أم وسامُ الغادةِ الرودِ
…
يَبْدُو على سِلْك در فِيهِ منضودِ وَمِنْهَا قَوْله فِي المخلص
(صهباءُ تفعلُ فِي الألبابِ سَوْرَتها
…
فعلَ السخاءِ بشهوان بْنِ مسعودِ)
وَله مَا كتبه على شَدَّاد مطيّة الشريف زيد بن محسن رحمهمَا الله تَعَالَى وَهُوَ قَوْله من // (مجزوء الْكَامِل) //
(أفقُ الشدادِ بدَت بِهِ
…
شَمسُ الخلافةِ والهلالْ)
(ومِنَ العجائِب جمعُهُ
…
لَيْثَ الشرافةِ والغزالْ)
\ وَله غير ذَلِك من غير ذَلِك رَحمَه الله تَعَالَى
ثمَّ دخل سنة تسع وَأَرْبَعين بعد الْألف فِي أَثْنَائِهَا أقبل من الديار الرومية بشير أغا الحبشي الطواشي مَعَه أوَامِر بِمُطلق التَّصَرُّف وخطوط سلطانية بِمَا يُرِيد من التعرف والتحرف فَلَمَّا بلغ الينبع ورد إِلَيْهِ الْخَبَر بوفاة السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان سُلْطَان الزَّمَان ففاح الْخَبَر بينبع ثمَّ كتمه ليتم لَهُ تَنْفِيذ مَا أَرَادَ وَقد كَانَ مَوْلَانَا الشريف زيد هيأ وَاخْتَارَ لبشير أغا عدَّة أَمَاكِن فِي الْمدَارِس والبيوت وَأمر بفرشها وَكَانَ من نِيَّته مواجهته إِلَى مر وَأرْسل بعض خُدَّامه غلى يَنْبع ليرى مَا مَعَ بشير من الْخَيل والرحل وَالنَّاس فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا سمع هَذَا الْخَبَر وتحققه فَرجع مسرعاً مجداً بِهِ إِلَى مَوْلَانَا الشريف زيد فَلَمَّا تحقق مَوْلَانَا الشريف صِحَة ذَلِك مر بتحويل الْفرش الَّتِي فِي تِلْكَ الْأَمَاكِن وغلق بَعْضهَا فَلَمَّا قَارب بشير مَكَّة خرج إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف ولاقاه فِي الجوخي مَحل ملاقاة أُمَرَاء الْحَج إِذا وصلوا فَلَمَّا أَن لاقاه وقابله وَفِي بَال بشير أَن الْخَبَر لم يبلغهُ وَأَن يتم لَهُ مَا أَرَادَ من تَنْفِيذ مَا شَاءَ على غشاش وغفلة ثمَّ بعد ذَلِك لَا يضرّهُ ظُهُور الْخَبَر فَلَمَّا تدانيا همز مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى فرسه مقدما على بشير مناكباً لَهُ قَائِلا الله رحمت أيله سُلْطَان مُرَاد وَمسح على عَيْنَيْهِ بالمنديل باكياً أَو متباكياً فسُقط فِي يَد بشير وَدخل كالأسير
وَهَذَا من جملَة سعودات الشريف ذِي الْقدر المنيف
وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف رحمه الله قد رأى فِي الْمَنَام كَأَن شخصا ينشده هَذَا الْبَيْت من // (الطَّوِيل) //
(كَأَن لم يكُنْ أمرٌ وَإِن كانَ كَائِن
…
لكانَ بِهِ أمرٌ نفى ذَلِك الأَمْرُ)
فانتبه رحمه الله وَكتبه بِالسِّوَاكِ على رمل فِي صحن نُحَاس خشيَة النسْيَان وَكَانَت هَذِه الرُّؤْيَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي أَسْفر صباحها عَن وُرُود هَذَا الْخَبَر
وَاسْتمرّ بشير إِلَى آخر السّنة وَحج وَتوجه صُحْبَة الْحَاج حَيْثُ جَاءَ. فَمن اللطاف الْخفية لمولانا بِمَا أَوْلَاده وَكم وَكفى بِاللَّه
وَقد نظم السَّيِّد مُحَمَّد انسي المغربي قصيدة يمدح بهَا مَوْلَانَا الشريف زيد رحمه الله ذكر فِيهَا قصَّة بشير وَأورد فِيهَا الْبَيْت الْمَذْكُور وَهِي هَذِه من // (الطَّوِيل) //
(سلو آل نُعمٍ بَعدنَا أَيهَا السفرُ
…
أعندهُمُ عِلم بِمَا صَنَعَ الدهْرُ)
(تصدى لشتِّ الشملِ بيني وَبَينهَا
…
فمنزلي البَطْحا ومنزلُها القَصْرُ)
(رَآنِي ونعمى لاهيَينِ فغالَنا
…
فَشلت يدُ الدهرِ الخئُونِ وَلَا عُذرُ)
(فوَاللَّه مَا مكر الْعَدو كمكرِهِ
…
وَلَكِن مكراً صاغه فَهُوَ المكْرُ)
(فقولاً لأحداثِ اللَّيَالِي تمهلي
…
ويأيهذا الدهْرُ موعدُكَ الحشرُ)
(سَلام على ذاكَ الزمانِ وطيبهِ
…
وعيشٍ مضَى فِيهِ وَمَا نبَتَ الشعْرُ)
(وتلكَ الرياضُ الباسماتُ كَأَن فِي
…
عواتقها من سندسٍ حُلل خُضرُ)
(تنضَّد فِيهَا الأقحوانُ ونَرْجِس
…
كأعْيُنِ نُعم إِذْ يقابلها الثغْرُ)
(كَأَن غُصُونَ الوردِ قُضبُ زبرجدِ
…
تخالُ من الياقوتِ أَعْلَامه الحمْر)
(إِذا خَطَرَت فِي الروضِ نُعم عَشِيَّة
…
تَفاًوَحَ من فضلاتِ أردانها العطرُ)
(وَإِن سحبَت أذيالها خِلتَ حَيَّة
…
إِلَى الماءِ تسعَى مَا لأخمصِها إثرُ)
(كساها الجمالُ اليوسفي ملابساً
…
فأهوَنُ ملبوس لَهَا التيهُ والكِبْرُ)
(فكم تخجلُ الأغصانُ مِنْهَا إِذا انثنَت
…
وتُغضي حَيَاء من لواحظها البترُ)
(لَهَا طرة تكسو الظلامَ دياجياً
…
على غرَّةٍ إِن أسفرَتْ طَلَعَ الفَجْرُ)
(وصحنان خد أشرقا فَكَأَنَّمَا
…
مصابيحُ رهبانٍ أضاءَ بهَا الدَّيْرُ)
(وجيدٍ من البِلورِ أبيضَ ناعمٍ
…
كعنق غزال قد تكنفها الذعر)
(ونحرٍ يقولُ الدرُ إِن بِهِ غِنىً
…
عَن الحلى لَكِن مِثْقَال فند بِهِ الصَّبْر)
(وحقان من كالكافورتَينِ علاهما
…
من الند مِثْقَال فند بِهِ الصبرُ)
(رويدَكَ يَا كافورُ إِن قُلُوبنَا
…
ضعافٌ وَمَا كُل الْبِلَاد هِيَ المِصرُ)
(تبدى بقدٍّ باسقاً متأوداً
…
على نقو من رمل يطوف بِهِ نهرُ)
(يكادُ يقدُّ الخصْر منْ هَيَفٍ بِهِ
…
روادفها لَوْلَا الثقافَةُ والهَصْرُ)
(لَهَا بَشَرٌ مثلُ الحريرِ ومنطق
…
رخيمُ الحواشِي لَا هراءٌ وَلَا نَزْرُ)
(رأتني سقيماً ناحلاً والهاً بهَا
…
فَأَذنت لَهَا عوذ أناملها العَشرُ)
(إِذا كنتَ مطبوباً فَلَا زلْتَ هَكَذَا
…
وانْ كنت مسحوراً فَلَا برِئ السحرُ)
(فقلتُ لَهَا وَالله يَا ابنَةَ مالكِ
…
لما شفني إِلَّا القطيعةُ والهَجْرُ)
(رَمَتنى العيونُ البابلياتُ أسهماً
…
فأقصدني مِنْهَا سهامُكُمُ الحمْرُ)
(فقالتْ وألقَت فِي الحشا من كَلَامهَا
…
تأجج نَار أنتَ من ملكنا حُرُ)
(فوَاللَّه مَا أنسَى وَقد بكرَت لنا
…
بإبريقها تسعَى بِهِ القينةُ البكرُ)
(تدورُ بكاساتِ العُقارِ كأنجُمٍ
…
إِذا طلعَتْ من بُرجها أَفَلَ البدرُ)
(نداماىَ نُعمٌ والربابُ وزينبْ
…
ثلاثُ شخوصٍ بَيْننَا النظمُ والنثرُ)
(على الناىِ والعودِ الرخيمِ وقهوةٍ
…
يذكِّرها دنيا بأقدامنا الْعَصْر)
(فتقتص من ألبابنا ورءوسنا
…
فَلم ندر هَل ذَاك النعاس أم السكر)
(مُعتقة من عهدِ عادِ وجرهمٍ
…
ومودعها الأدنان لقمانُ والنسْرُ)
(مشعشعةً صفراً كَأَن حبابَها
…
على فُرُشٍ مِنْ عسجدٍ نثر الدرُ)
(إِذا فرغَت من كأسِ نعم وأختِها
…
تشابه من ثغريهما الرِّيق وَالْخمر)
(خلا أَن ريق الثغر أشفى لمهجتي
…
إِذا ذاقه قلبِي الشجِي خَمَدَ الجمرُ)
(وأنفَعُ درياقٍ لمن قَتَلَ الهوَى
…
فماتَ ارتشاف الثغر إِن سمح الثغر)
(بِهَذَا عرفنَا الفَرقَ مَا بَين كأسِها
…
وَبَين مُدامِ الظلمِ إِن أشكَلَ الأمرُ)
(فوَاللَّه مَا أسلو هَواهَا على النوَى
…
بلَى إِن سلا بذل النوَى الْملك القسرُ)
(أَبُو حسنٍ زيدُ المحاسن والعُلَا
…
لَهُ دونَ أملاكِ الورَى المجدُ والفخرُ)
(إِذا مَا مشَى بَين الصفوفِ تزلزلَت
…
لهيبته الْأَقْيَال والعسكر المجر)
(وترجف ذَات الصدع خوفًا لبأسِهِ
…
فتندك أطوادُ الممالِكِ والقفْرُ)
(فَلَو قَالَ الْبَحْر المحيطِ ائتِ طَائِعا
…
أَتَاهُ بإذنِ الله فِي السَّاعَة البحْرُ)
(تظل ملوكُ الأرضِ خاشعةَ لَهُ
…
وَمَا خشعَتْ إِلَّا وَفِي نَفْسها أمْرُ)
(كريم مَتى تنزلْ بأعتابِ دارِهِ
…
تَجِد ملكا يزهو بِهِ النهْيُ والأمْرُ)
(تجدْ ملكا يُغني الوفودَ وينجز الوعود
…
وَأدنى بذله الدهم والشقرُ)
(على جودِهِ من وجهِهِ ولسانِهِ
…
دليلانِ للوفدِ البشاشةُ والبِشْرُ)
(فَمَا أحنفٌ حلماً وَمَا حَاتِم ندى
…
وَمَا عنتر يَوْم الحقيقةِ أَو عَمْرُو)
(هُوَ الملكُ الضحاكُ يومَ نزاله
…
إِذا مَا الجَبانُ الْوَجْه قطبه الكرُ)
(لقد قرَ طرف الملكِ مِنْهُ لِأَنَّهُ
…
لَدَيْهِ النوال الحلو وَالْغَضَب المر)
(حَيَاة وَمر للموالي وللعدَى
…
لقد جمعا فِي كَفهِ الجبْرُ والكسْرُ)
(أنِخ عِنْده يَا طالبَ الرزقِ إِن مَا
…
حواه أنوشِرواًن فِي عينه نَزرُ)
(وَلَا تُصغِ للعذالِ أذنا وَإِن وَفَوْا
…
بإحسانهم مِنْهُ فَمَا العَبْدُ والحرُ)
(وَهل يَسْتَوِي عَذبٌ فراتٌ مروّقٌ
…
وملحٌ أجاجٌ لَا وَلَا التبْنُ والتبرُ)
(فَلَو سَمِعت أذن العداة بمجده
…
مزاياه لَا ستحيت ولكنْ بهَا وقْرُ)
(فَمَا قَدَرُوا زيدَ الْعلَا حق قدره
…
وماذا عليهِم يَا تُرَى لَهُم الخسْرُ)
(مليكٌ إِلَيْهِ الانتهاءُ فقيصرٌ
…
يقصرُ عَنهُ بل وكسرى بِهِ كَسْرُ)
(مليكٌ لَهُ عندَ الإلهِ مكانةٌ
…
تبوأها من قبلِهِ الياسُ والخِضْرُ)
(مليك لَهُ سرٌ خفيٌّ كَأَنَّمَا
…
يناجيه فِي الغيبِ ابنُ دَاوُد والجفر)
(فَإِن كذبَتْ أعداءُ زيد فحسبُهُ
…
من الشاهدِ المقبولِ قصتُهُ البكرُ)
(ليَالِي إِن جَاءَ الخَصِيُُّ وَأَكْثرُوا
…
أقاويلَ غيٍّ ضاقَ ذرعاً بهَا الصدرُ)
(فأيقظَهُ من نومِهِ بعد هجعةٍ
…
من الليلِ بيْتٌ زَاد فخراً بِهِ الشعرُ)
(كَأَن لم يكُن أَمر وَإِن كانَ كَائِن
…
لكانَ بِهِ أمرٌ نفى ذَلِك الأمرُ)
(وَفِي طيِّ هَذَا عبرةٌ لأولى النهَى
…
وذكرَى لمن كانَتْ لَهُ فطنةٌ تَعرُو)
(فيا زيدُ قل للحاسدِينَ تحنَّطوا
…
بغيظِكُمُ إِن لم يطع \ يعكم الصبرُ)
(فمجدي كَمَا قد تعلمونَ مؤثل
…
وكل حَماًمِ الْبر يفرسه الصقْرُ)
(من القومِ أربابِ المكارمِ والعلا
…
ميامينُ فِي أيديهِمُ اليُسرُ والعُسرُ)
(مساميحُ فِي اللأوا مصابيحُ فِي الوغَى
…
تصالح فِي مغناهم الخيْرُ وَالشَّر)
(أسنتهُم فِي كُل شرقٍ ومغربٍ
…
إِذا وردَت زرق وَإِن صدرَتْ حُمرُ)
(مساعيرُ حَرْب والقنا متشاجر
…
وَيَوْم الندَى تبدو جحاجحة غُرُ)
(بني حسنِ لَا أبعدَ الله دارَكُم
…
وَلَا زالَ منهلاً بأرجائِها القطرُ)
(وَلَا زالَ صدْرُ الملكِ منشرحاً بكُم
…
فعنكُم ولاةَ البيتِ ينشرحُ الصدرُ)
(وصَلى على المختارِ والآلِ ربُّنا
…
وسَلمَ مَا لاحَ السماكان والغفرُ)
وَفِي سنة خمسين وَألف يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر جُمَادَى الأولى توفّي الشَّيْخ تَاج الدّين زَكَرِيَّا بن سُلْطَان النقشبندي بِمَكَّة وَدفن صبح الْخَمِيس فِي رباطه الشهبر برباط تَاج فِي سفح جبل قعقيعان وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة
أَخذ عَنهُ الشَّيْخ الأمجد أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عَلان وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الله وَأَخُوهُ الشَّيْخ مُحَمَّد ابْنا الشَّيْخ سعيد باقشير
وفيهَا توفّي الْجمال مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَكِيم الْملك بالديار الْهِنْدِيَّة
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشر صفر مِنْهَا توفّي الشَّيْخ فتح الله النّحاس الْحلَبِي الشَّاعِر الْمجِيد والأديب الفريد الَّذِي شاع ذكره وشعره وذاع وَجمع بَين الْإِسْرَاع والإبداع
كَانَ من فحول الشُّعَرَاء فِي عصره وفريد النثر وَالنّظم فِي دهره
ورزق حظوة عِنْد أَهله وقبولا يعْهَد مثله لمثله لكنه كَانَ ذَا تعاظم فِي نَفسه وتكبر على جنسه وَلم يسعفه دهره كعادته فِي الأدباء فَأَدْرَكته حِرْفَة الْأَدَب وناداه لِسَان حَاله لَا تعجب فَإِنِّي أَبُو الْعجب
مولده بحلب فِي حُدُود الْألف وَصَحب الْمَشَايِخ الْكِبَار وَحج وزار
وَأقَام بِالْمَدِينَةِ على مشرفها الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى أَن أدْركهُ بهَا الْحمام فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدفن بِالبَقِيعِ
وَقد عَنى بِجمع مَا تيَسّر من شعره مَوْلَانَا الْعَلامَة الفهامة برهَان الدّين الشَّيْخ إِبْرَاهِيم ابْن المرحوم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن الخياري الْمدنِي فَجَمعه فِي ديوَان لطيف وَمن بديع شعره قَوْله مادحاً النَّبِي
من // (الْبَسِيط) //
(وتذكر السفحَ فانهلتْ سوافحه
…
وليسَ يخفاكَ مَا تُخفي جوانحُهُ)
وَفِي هَذِه القصيدة بَيت يجفل مِنْهُ الطَّبْع الذكي وَيَوَد أَن يكون عِنْد فهمه بليداً أَي بليد وَإِن كَانَ هُوَ عِنْد أدباء الْعَصْر بَيت القصيد وَهُوَ قَوْله من // (الْبَسِيط) //
(وَمَا أقولُ إِذا مَا جئتُ أمدحُ من
…
جبريلُ خادمُهُ وَالله مادحُه)
وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف أنشأ مَوْلَانَا الشريف زيد بن محسن سَبِيلا وحنفية بِمَكَّة المشرفة
فَقَالَ مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين مؤرخاً لعمارتهما من // (السَّرِيع) //
(لله تأسيس نما خيرُهُ
…
وفازَ بالتطهيرِ مَنْ أَمَّ لَهْ)
(بِهِ سَبِيل وحنفية
…
وسلسبيلْ فارتشفْ سلسلَهْ)
(لَهُ نبا فِي الفيضِ مهما روى
…
حَدِيثه أورى بِمَا سلسلَهْ)
(سالَت عطاياه لُجيناً فمَنْ
…
رامَ نداه نالَ مَا أمَّلَهْ)
(وحيثُ لم تكتفِ سُؤاله
…
فَلَا يكف الْبَذْل إِذْ أرسَلَهْ)
(لِأَن من أسَّسَ بنيانَهُ
…
غيثُ الورى فِي السنةِ الممحله)
(مَن نفسُهُ يومَ عطاه ترَى
…
إِن وهب الدُّنْيَا فقد قَلَّ لهْ)
(توَّجَهُ الله بتاجِ زها
…
بجوهرِ المجدِ الَّذِي كَلَلَهْ)
(وَالله من وافرِ إحسانِهِ
…
أجرَى لَهُ الأجْرَ الَّذِي أجزَله)
(فإنْ تسل عَن ضبطِ تاريخِهِ
…
فخذْ جَوَابا يوضحُ المسألَهْ)
(أسَّسَه سلطانُ أم القُرَى
…
زيد يدومُ الْعِزّ والسعد لَهْ)
وَلما كَانَ أَوَائِل سنة سبع وَخمسين طلع الصنجق الْكَبِير صَاحب جدة الْمُسَمّى مصطفى بك غلى وَادي الطَّائِف المأنوس لزيارة الحبر سيدنَا عبد الله بن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا وطلع بعده الأغا المكرم بشير أغا غُلَام المرحوم مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد خَان بن أَحْمد خَان وَهَذَا من مَجِيئه الثَّانِي سنة سِتّ وَخمسين بعد الْألف مُتَوَلِّيًا مشيخة الْحرم النَّبَوِيّ فَأَقَامَ مَا شَاءَ الله أَن يُقيم ثمَّ لما أَن كَانَ نازلاً إِلَى مَكَّة طالعاً فِي الْمحل الْمَعْرُوف بالنقب الْأَحْمَر وَجه جبل كِرَاء مِمَّا يَلِي الطَّائِف وَقد تَفَرَّقت عساكره خلفا وأماماً وَلم يبْق مَعَه سوى السائس وحامل كوز المَاء اعْتَرَضَهُ رجل عَرَبِيّ كَانَ يتعهده بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ يُقَال لَهُ الْجَعْفَرِي فَضَربهُ وَهُوَ متجرد للْإِحْرَام
بسكين الْعَرَب أنفذها إِلَى أحشائه وَذهب وَلم يدر مَحَله قيل إِن السائس أَرَادَ ضرب الْقَاتِل فَوَقع السَّيْف فِي مُؤخر الحصان فقمص فَسقط عَنهُ الصنجق فلاحقت العساكر فَلم يلبث إِلَّا نَحْو ساعتين وَتُوفِّي شَهِيدا إِلَى رَحْمَة الله وَكَانَ قَتله يَوْم التَّاسِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْأُخْرَى من السّنة الْمَذْكُورَة وَدخل بِهِ مَكَّة فِي التخت قَتِيلا غرَّة رَجَب مِنْهَا فَجهز وَدفن فى المعلاة أَمَام قبَّة السيدة خَدِيجَة زوج النبى
وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف رَحمَه الله تَعَالَى سنتها قد توجه إِلَى جِهَة الشرق فأبعد حَتَّى وصل قَرِيبا من الخرج وَكَانَ الْقَائِم مقَامه لحفظ مَكَّة مَوْلَانَا السَّيِّد إِبْرَاهِيم ابْن الشريف مُحَمَّد ابْن الشريف عبد الله بن حسن فاستدنى السَّيِّد إِبْرَاهِيم غَالب عَسْكَر الصنجق وأنزلهم فِي مَحل يسعهم بأجياد وأجرى عَلَيْهِم الجوامك والأرزاق وَأمر السَّيِّد الْمَذْكُور كيخية الْعَسْكَر دلاور أغا بالنزول إِلَى جدة لحفظ البندر فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع ثمَّ لما كَانَ بعد لَيَال عديدة نزل بعد هزيع من اللَّيْل قَاصِدا جدة خلسة فشعر بِهِ السَّيِّد إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وأرصد لَهُ جمَاعَة فأمسكوه وَأتوا بِهِ فحبسه ثمَّ اختلس بعض الْعَسْكَر نَفسه وَذهب إِلَى بشير أغا بشير أغا بِالطَّائِف وَأخْبرهُ بِمَا وَقع فَأقبل بشير إِلَى مَكَّة وَنزل بمدرسة الأغا بهْرَام بالمسعى فتردد السَّيِّد إِبْرَاهِيم فِي الْوُصُول إِلَيْهِ وَعَدَمه لاخْتِلَاف المشير ثمَّ جزم وعزم إِلَيْهِ فَتَلقاهُ بِمَا هُوَ الْوَاجِب ثمَّ قَالَ لَهُ لما اسْتَقر الْمجْلس لِمَ حبستم دلاور آغا فَقَالَ السَّيِّد إِبْرَاهِيم حبسناه خشيَة من إضراره وإفساده فإننا قد ألزمناه مرَارًا بالنزول إِلَى جدة فَامْتنعَ فارتينا بنزوله خُفْيَة فَقَالَ بشير أطلقهُ فَقَالَ لَا أطلقهُ حَتَّى يصل مَوْلَانَا الشريف زيد ثمَّ قَامَ السَّيِّد إِبْرَاهِيم فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي نزل بشير أغا إِلَى الأفندي واستدعوا مَوْلَانَا السَّيِّد إِبْرَاهِيم فَحكم عَلَيْهِ الأفندي بِإِطْلَاقِهِ فَأَطْلقهُ ثمَّ بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة عزم السَّيِّد إِبْرَاهِيم والقائد رشيد حَاكم مَكَّة إِلَى نَحْو بركَة الماجن للتنزه فاستجر بشير أغا الْعَسْكَر وَوَعدهمْ فحملوا أثقالهم وأدخلوها من بَاب الْمَسْجِد وَخَرجُوا بهَا من بَاب ابْن عَتيق ثمَّ خَرجُوا بعد الْعَصْر حازبين مارين على دَار السَّعَادَة ثمَّ على السُّوق ثمَّ على سويقة إِلَى أَن وصلوا بَيت بشير أغا وَكَانَ نازلا
بالباسطية فوصل الْخَبَر للسَّيِّد إِبْرَاهِيم فوصل إِلَى الْبَلَد وَقَالَ لبشير آغا مَا هَذَا الْفِعْل فَقَالَ بشير فِي جَوَابه نعم عَسْكَر السُّلْطَان لَهُم فِي التربية سِنِين تأخذهم فِي خَمْسَة أَيَّام وَكَانَ فِي عَسْكَرهمْ شخص اسْمه جاووش كثير الْفساد وَشرب الْخمر والتعدي فَأمر السَّيِّد إِبْرَاهِيم بقتْله أَيْنَمَا وجد فَوجدَ سَكرَان على الطَّرِيق فتناوله عَسْكَر الشريف فقطعوه فثارت الْفِتْنَة وترامى العسكران بالرصاص وَقتل شخص من النَّاس خلف مقَام الْمَالِكِي وَقتل كخية بشير أغا وَلم يزل مطروحاً عِنْد بَاب ابْن عَتيق إِلَى اللَّيْل من دَاخل الْمَسْجِد حَتَّى رَفعه بعض أهل الْخَيْر ثمَّ سعى القَاضِي أَحْمد كرباش وَغَيره بِالصُّلْحِ والمكافة وَألا يصل إِلَيْنَا مِنْكُم أحد وَنحن كَذَلِك مَا عدا ثَلَاثَة أشخاص مُعينين من جمَاعَة بشير لقَضَاء حَوَائِجه من السُّوق وسكنت الْفِتْنَة وَذكر لي من أدْرك ذَلِك أَن مَوْلَانَا الشريف زيدا رَحمَه الله تَعَالَى اسْتحْسنَ جَمِيع مَا فعله السَّيِّد إِبْرَاهِيم مَا عدا قَتله للجاووش فَإِنَّهُ لامه عَلَيْهِ فرحم الله الجيمع برحمته الواسعة وَاتفقَ فِي مُدَّة وُقُوع الشنآن بَين بشير أغا وَالسَّيِّد إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أَن قَرَأَ فِي صَلَاة الْمغرب بعض أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة بِسُورَة الْفِيل ثمَّ قَرَأَ فِي صَلَاة الصُّبْح سُورَة وَالْفَجْر وَكَانَ بشير يحضر صَلَاة الْجَمَاعَة فَلَمَّا فرغ من صَلَاة الصُّبْح قَالَ لرجل من أهل مَكَّة كَانَ يألفه انْظُر أهل مَكَّة يرجمونا بِالْقُرْآنِ لموجب قِرَاءَة الإِمَام الْمَذْكُور فِي الْمغرب بِسُورَة الْفِيل فَإِن فِيهَا ذكر أَصْحَاب الْفِيل {وَأرْسل عَلَيْهِم طيرا أَبابيل} الْفِيل 3 إِلَى آخر السُّورَة وَفِي الصُّبْح بِسُورَة الْفجْر وفيهَا ذكر عَاد {اَلذَينَ طَغَوا فى الْبَلَد فأكَثَرُوا فِيها اَلفَسادَ فَصَب عَلَيْهِم رَبُكَ سَوط عذابٍ} الْفجْر (11: 13) الْآيَات فَبلغ قَوْله الإِمَام الْمَذْكُور وَهُوَ لم يخْطر لَهُ شئ من ذَلِك ببال وَلَا علِق مِنْهُ بحبال فارتاع لذَلِك وارتاب ولبث الْبَيْت وزرر الْبَاب وَمكث على ذَلِك أَيَّامًا وَتمنى أَن لم يكن إِمَامًا وَهُوَ اتِّفَاق فِيهِ إِيهَام لَكِنَّهَا رمية من غير رام لطف الله بِنَا وَبِه ثمَّ عزم مَوْلَانَا الشريف رحمه الله فِي عَام تسع وَخمسين إِلَى زِيَارَة جده
فَكَانَ دُخُوله يَوْم الْخَمِيس ثامن شهر شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَنزل بالقاضية خَارج
السُّور ثمَّ فِي فجر الْيَوْم الْعَاشِر من الشَّهْر الْمَذْكُور نزل الأفندي زفر قَاضِي الْمَدِينَة الشَّرِيفَة رَاكِبًا وَمَعَهُ ثَلَاثَة من الخدم فَلَمَّا كَانَ عِنْد الدفتردارية وثب عَلَيْهِ شخص فَضَربهُ بِالْحَدِّ فى ظَهره أنفدها من صَدره فأكب على قربوس الْفرس وَلم تزل دَاخِلَة بِهِ إِلَى محراب السَّيِّد عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه وَإِمَام الشَّافِعِيَّة قَائِم يُصَلِّي الْفجْر فَقَامَ بعض النَّاس إِلَيْهِ وأنزلوه بآخر رَمق وَهُوَ يَقُول يَا رَسُول الله يَا رَسُول الله وَوضع أَمَام الْوَجْه الشريف وَبعد لَحْظَة قضى عَلَيْهِ فحشدت عَسَاكِر الْمَدِينَة وَاجْتمعت وأغلقت أَبْوَاب سور الْمَدِينَة وَتَفَرَّقَتْ فِي متارسه ووجهوا المدافع إِلَى جِهَة مَوْلَانَا الشريف زيد وَنَادَوْا اخْرُج عَنَّا الْآن وبدا مِنْهُم مَا هُوَ وَصفهم فَبعث إِلَيْهِم الشريف أكَابِر جماعته وأكابر عَسْكَر مصر فَحَلَفُوا لَهُم بِأَن لَا علم للشريف بذلك وَلَا شُعُور ولوَّموهم على ذَلِك خطابا من تَحت السُّور فتراجعوا وَفتح بَاب السُّور فَفِي الْيَوْم الثَّانِي استدعي وُجُوههم لينْظر فِي حَال قتلة الأفندي ويبحث عَنْهُم فَأتوا إِلَيْهِ فَلم يزل يمسكهم وَاحِدًا وَاحِدًا وحبسهم مديدة ثمَّ وَقعت فِي بَعضهم شَفَاعَة ففك وَذهب بالباقين وهم نَحْو تِسْعَة أنفس فَأمر بإبقائهم فى يَنْبع فاستمروا إِلَى مجئ الْحَاج فاستشفعوا بأمير الْحَاج فَأتى بهم مستشفعاً فيهم فشفعه مَوْلَانَا الشريف ثمَّ لما نزل بعد الْحَج الصنجق غيطاس أَمِير جدة من مَكَّة إِلَى جدة مغاضباً لمولانا الشريف زيد نزلُوا مَعَه وَكَتَبُوا أنفسهم فِي دفتر عسكره وَسبب غَضَبه النَّاشِئ عَنهُ الْحِرَابَة الْآتِي ذكرهَا فِي سنة سِتِّينَ وَألف أُمُور مِنْهَا أَنه ورد إِلَى مَكَّة بعض تجار من الصعايدة وشخص أعجمي يُسمى أَسد خَان جَاءُوا من جِهَة الْيمن بِتِجَارَة ونزلوا من الْبَحْر إِلَى بندر القنفدة ووصلوا إِلَى مَكَّة برا وَلم يدخلُوا بندر جدة فَلَمَّا أَن دخلُوا إِلَى مَكَّة وَكَانَ غيطاس بِمَكَّة قد وصل لِلْحَجِّ فاحتال على الصعيدي وحبسه وَكَانَ الصعيدي ملتجئاً إِلَى المرحوم السَّيِّد هَاشم بن عبد الله فَلَزِمَ السَّيِّد عَليّ الشريف زيد فِي إِطْلَاقه فوعده ثمَّ إِنَّه أَخَذته الحمية فَركب إِلَى الشريف ثَانِيًا ثمَّ نزل من عِنْده قَاصِدا لبيت الصنجق غيطاس لفك الرجل فَنَادَى مَوْلَانَا الشريف قَائِما من الروشن ردوا الرجل فَمضى فَلَمَّا أقبل على الْبَيْت لم يُقَابل إِلَّا بِالرجلِ الْمَحْبُوس مُنْطَلقًا فَرجع بِهِ
4 -
وَقيل إِن حبس غيطاس للصعيدي إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب دين عَلَيْهِ شكا فِيهِ على غيطاس وَمِنْهَا مجابذة الشريف زيد لَهُ لما جعل القرش الْحجر بِخَمْسَة وَأَرْبَعين ديواني فِي صرور أهل مَكَّة بِزِيَادَة خَمْسَة على الْأَرْبَعين الْمُعْتَادَة وَمِنْهَا إيحاء أُولَئِكَ النَّفر من عَسْكَر الْمَدِينَة ونسبتهم قتل الأفندي إِلَيْهِ وَمِنْهَا تردد السَّيِّد عبد الْعَزِيز ابْن الشريف إِدْرِيس إِلَيْهِ ومواطأته ووعده إسعافه بِمَا أَبى الله إِلَّا خِلَافه فَقبل أَن يَنْقَضِي الْحَج نزل غيطاس إِلَى جدة وَوصل إِلَيْهِ السَّيِّد عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور فوصل الْخَبَر بعد قَلِيل إِلَى مَكَّة بتولية غيطاس للسَّيِّد عبد الْعَزِيز مَكَّة وَنُودِيَ لَهُ بالبلاد وَأقَام حَاكما فِيهَا نَاصِر بن سعيد عَتيق مصطفى السيوري وَظن أَنَّهَا تكون وَأَقْبل غيطاس وَمَعَهُ السَّيِّد الْمَذْكُور بِمن مَعَه وَمن لمَّ عَلَيْهِ من لفق عَسْكَر الْمَدِينَة وَخرج عَلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ اللِّقَاء يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر جُمَادَى الْأُخْرَى من سنة السِّتين وَألف فَوق التَّنْعِيم وَكَانَ فِي الميمنة مُتَقَدما مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث بجماعته وَمن يَلِيهِ وَكَانَ فِي الميسرة كَذَلِك مُتَقَدما قَلِيلا مَوْلَانَا المورحوم السَّيِّد مبارك بن شنبر بجماعته وَمن يَلِيهِ ومولانا الشريف زيد بِمن مَعَه فِي الْقلب والصروخ مَلَأت السهل والوعر وتراموا بالرصاص والمدافع وَكلما هم الْأَشْرَاف بالحملة يَقُول لَهُم مَوْلَانَا الشريف مَعكُمْ مَعكُمْ كِنَايَة عَن التلبث والتاني وارتفع النَّهَار وحميت الشَّمْس فركض من الْأَشْرَاف جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد وبير بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَالسَّيِّد بشير ابْن سُلَيْمَان وَالسَّيِّد أَبُو الْقَاسِم فأصيب السَّيِّد زبير بالبندق فَسقط بَين الجمعين وَأُصِيب جمَاعَة من الْجَانِبَيْنِ وَحين اشْتَدَّ الْحَال أَتَى مَوْلَانَا السَّيِّد عبد الْعَزِيز إِلَى جمع السَّيِّد الْمُبَارك بن شنبر دَاخِلا عَلَيْهِ طَالبا للأمان ولغيطاس وَمن مَعَه فعزم بِهِ السَّيِّد مبارك إِلَى مَوْلَانَا الشريف فَأَمنهُ وَوَقع الصُّلْح ونصبت للشريف حيمة فَنزل بهَا يستظل وَسَأَلَ السَّيِّد عبد الْعَزِيز من الشريف من يُوصل غيطاس إِلَى مأمنه لِأَنَّهُ أشْفق من نهبة العربان لَهُ فأصحبه الشريف خمسين شخصا من الْعَسْكَر فَذهب إِلَى جدة
رَاجعا وَجَاء عَزله فَذهب إِلَى يَنْبع وواجهه الْحَاج بهَا وَمكث إِلَى عود الْحَاج من مَكَّة إِلَيْهَا وَتوجه مَعَهم إِلَى مصر وَتوجه مَعَه السَّيِّد عبد الْعَزِيز ابْن الشريف إِدْرِيس رحم الله الْجَمِيع فاستمر غيطاس بِمصْر سنهَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَجَاء فِي موسمها أَمِير الْمحمل الْمصْرِيّ فَتوهم مِنْهُ مَوْلَانَا الشريف زيد وَلما خرج للخلعة على الْعَادة لم يكن بَينهمَا مناكبة على الْمُعْتَاد بل مد لَهُ الشريف يَده الشَّرِيفَة فصافحه وَمن عامئذ تركت مناكبة شرِيف مَكَّة لأمراء الحجيج وَلم يَقع مِنْهُ شئ من المضار وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَأما مَوْلَانَا السَّيِّد عبد الْعَزِيز فَأَقَامَ بِمصْر نَحْو سنتَيْن ثمَّ جَاءَ خبر وَفَاته فِي السّنة الثَّالِثَة شَهِيدا بالطاعون رحمه الله وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ عمرت قبَّة الفراشين فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَقَالَ مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي مؤرخاً عمارتها وممتدحاً معمرها // (من الرجز) //
(أُنْظُرْ لحسنِ قبةٍ جدَّدها
…
مؤسساً فَخْرُ الملوكِ الأمجدُ)
(وقُلْ إِذا أَرّختَ عَاما كانَ فِي
…
أثنائِهِ بناؤُهُ المشيَّدُ)
(عمرها سلطانُنَا محمَّدُ
…
ألملكُ السَّامِي العلىُّ الأوحَدُ)
وَإِن أردْت تاريخها بِاعْتِبَار تَمام الْبناء كُله فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ فَقل الْمَالِك بِزِيَادَة الْألف وَلما أَرَادوا الشُّرُوع فِي الْعَمَل حملُوا الْمُؤْنَة على الْحمير وأدخلوها من بَاب البغلة وَيعرف هَذَا الْبَاب قَدِيما بِبَاب بني سُفْيَان بن عبد الْأسد كَذَا قَالَه الْأَزْرَقِيّ وَعرف الفاسي هَذَا الْبَاب بِبَاب البغلة قَالَ وَلم أدر مَا سَبَب هَذِه الشُّهْرَة قَالَ الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد عَليّ بن عَلان لَعَلَّ سَببهَا أَن بغلته
ربطت أَو وقفت ثمه فِي بعض الْأَوْقَات وَالله أعلم وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف أصَاب شاهجهان سُلْطَان الديار الْهِنْدِيَّة فالج عطله عَن الْحَرَكَة وَحصل بَين أَوْلَاده حروب كَثِيرَة وَلما أَرَادَ الله بِالْهِنْدِ خيرا وإحساناً وَقدر ظُهُور الْعدْل فيهم كرماً وامتناناً أظهر فِي حافتيها شموس السلطنة بِلَا ريب وأنار فِي سَمَاء سلطنتها أنوار أورنك زيب وطوى بِسَاط إخوانه ومزق وَحرق بِنَار المظلومين لباسهم وخرق وَقتل أَخَاهُ دَارا شكور واقتلعه هُوَ وَأَصْحَابه من ملك الحبور وأسكنهم دارسات الْقُبُور وَكَانَ دَارا شكور ذَا ذوق وفطنة بهية وصفات مستحسنة رضية إِلَّا أَنه فِي آخر عمره صَارَت سيرته ذميمة وأحدث مظالم وخيمة
وَفِي سنة تسع وَسِتِّينَ يَوْم الْجُمُعَة لعشر بَقينَ من شَوَّال مِنْهَا توفّي مَوْلَانَا السَّيِّد عمار بن بَرَكَات بن جَعْفَر بن أبي نمي فِي الديار الْهِنْدِيَّة رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا أَوَاخِر شهر رَمَضَان توفّي بالقرية الْمُسَمَّاة بالآبار من بَلْدَة الطَّائِف الحميدة الْآثَار وَدفن فِي سوح ضريح الحبر ابْن عَبَّاس طيب الأنفاس مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا الْعَلامَة الْعُمْدَة الصَّدْر الفهامة القَاضِي عِصَام الدّين بن عَليّ زَاده العصامي نتيجة الْفُضَلَاء الْكِرَام وسلالة الْعلمَاء الْأَعْلَام الرَّاوِي حَدِيث الْمجد عَن أسلافه الأماثل وَالْحَاوِي محَاسِن سلسلة آبَائِهِ الْفُضَلَاء الَّتِي لم يفصلها بِحَمْد الله جَاهِل والرافع عماد بَيتهمْ والمجيب منادى صيتهم وصوتهم بَيت فضل لم ينشأ بِهِ إِلَّا قَاض وخطيب فنن فَضله فِي رياض الْمَعَالِي رطيب ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَأخذ الْعلم عَن وَالِده وَعَن مَوْلَانَا السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم وَعَن ابْن عَمه مَوْلَانَا الشَّيْخ عبد الْملك بن جمال الدّين العصامي وَغَيرهم ولازم الإقراء والتدريس على الدَّوَام فِي الْمَسْجِد الْحَرَام على طَريقَة الْعلمَاء الكاملين وَالْأَئِمَّة الواصلين وَخلف ابْنَيْنِ نجيبين كَامِلين هما مَوْلَانَا القَاضِي عَليّ ومولانا المرحوم القَاضِي مُحَمَّد انْتقل مُحَمَّد بعد سنوات عَن ابْنَيْنِ نجيبين أَيْضا وتصدر مَوْلَانَا القَاضِي على مَكَانَهُ للإقراء والإفادات وَهُوَ كآبائه على طَرِيق خير وَصَلَاح قد أشرق نورهما عَلَى محياه ولاح أَطَالَ الله بَقَاءَهُ للدّين ونفع بِعُلُومِهِ الْمُسلمين آمين وَفِي سنة سبعين حصل غلاء بِمَكَّة وصلت فِيهِ كيلة الْحبّ إِلَى سَبْعَة عشر محلقاً فَأَشَارَ شَيخنَا الْعَلامَة مُحَمَّد البابلي على مَوْلَانَا الشريف زيد بِإِبْطَال التسعير فَأطلق مناديه بذلك وَأَن كل من عِنْده حب أَو مَا يقتات بِهِ يَبِيعهُ بِسعْر الله فأظهر كل من عِنْده الْحبّ وجلب من سَائِر الْبلدَانِ حَتَّى كثر وَرخّص السّعر وَسبب الغلاء كَثْرَة الْجَرَاد بِأَرْض الْحجاز واليمن وأعقبه الدبا فَأكل جَمِيع الْأَشْجَار والزراعات وطبق بعض الأدباء تَارِيخا على قَوْله غلاء وبلاء نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُمَا وَمن كل مخوف
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين عمرت زَمْزَم وَالْبناء الَّذِي عَلَيْهَا مَا عدا الْجِهَة الْقبلية وأدير بَاب المصعد إِلَى قبتها إِلَى الْجِهَة الجنوبية فأرخ ذَلِك قَاضِي مَكَّة عامئذ وَهُوَ بعض الأروام الْوَاصِل مِنْهُم كل عَام جَدِيد قَاض جَدِيد بِأَبْيَات بالتركية آخرهَا بَيت التَّارِيخ بِالْعَرَبِيَّةِ هُوَ
(قلتُ تاريخُهُ بلفظٍ حَلٍ
…
قَدْ بنى الزمزمَ محمَّدُ خَانْ)
وَهِي أَبْيَات دون عشرَة منقورة فِي حجر على بَاب زَمْزَم إِلَى الْآن فسبحان الْحَكِيم وَفِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف يَوْم السبت بعد الظّهْر سَابِع شعْبَان مِنْهَا حصل مطر سَالَ مِنْهُ سيل كَبِير مَلأ الْمَسْجِد وغرق فِيهِ نَحْو سِتَّة أنفس فتصدى مَوْلَانَا الشريف زيد لتنظيفه ونادى فِي النَّاس وَحضر بِنَفسِهِ وَكَذَلِكَ صنجق جدة الْأَمِير سُلَيْمَان بك وَهُوَ يَوْمئِذٍ شيخ الْحرم الْمَكِّيّ وقائم على عمَارَة المقامات وترميم المشاعر وَعمل الْأَشْرَاف وَالْعُلَمَاء والخطباء والمدرسون بِأَيْدِيهِم بعد أَن عمل مَوْلَانَا الشريف زيد بِيَدِهِ وبذل هُوَ والسنجق مَالا جزيلاً وأعمل الهمة فِي ذَلِك فتم تنظيفه من سَائِر جهاته فِي سَبْعَة أَيَّام وَللَّه الْحَمد وَالشُّكْر وَقَالَ صاحبنا المرحوم مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد ابْن المرحوم مَوْلَانَا السَّيِّد أبي بكر بن سَالم ابْن شَيْخَانِ مؤرخاً دُخُول السَّيْل // (من الْخَفِيف) //
(قهقَهَ الرعدُ عِنْدَمَا ابتسَمَ البَرْقُ
…
فأبكَى الغَمَام قَطْر المياهِ)
(وأذابا قلوبَنَا الخوفُ والرعْبُ
…
فويلٌ لغافلِ القَلْب ساهِى)
(وأتانا طوفانُ نوحٍ وبالمَوْتِ
…
قَطعنَا لَوْلَا جنابُ الإلهِ)
(إِن تقُلْ أَوْضِحُوا فسابعُ شعبانَ
…
وسبْت ليومِ سِتّ مُضَاهِى)
(أَو تردْ عَامه المهيلَ فأرِّخْ
…
باتَ سيلٌ يطوفُ بالبيْتِ دَاهِى)
وَفِي سنة أَربع وَسبعين وَألف عمرت المقامات الْأَرْبَعَة مقَام الْخَلِيل وَبَاقِي الثَّلَاثَة وطلاء جَمِيع قباب الْمَسْجِد بالنورة ظَاهرا وَبَاطنا ورممت جَمِيع المشاعر بِعَرَفَات مَسْجِد إِبْرَاهِيم وقبة جبل الرَّحْمَة والمشعر بِمُزْدَلِفَة وَمَسْجِد الْخيف بمنى وأعلام الجمرات وحدود الْحرم وَفِي سنة سِتّ وَسبعين خرج مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى بِلَاد جُهَيْنَة
لطلب ثأر السَّيِّد مساعد استجره وَالِد مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا المُصَنّف هَذَا الْكتاب برسمه المشرف بلقبه الشريف واسْمه متع الله بحياته مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد غَالب بن مُحَمَّد ولي الدَّم الْأَدْنَى فَتوجه بِجَمِيعِ من مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف وأتباعهم وعساكره وعساكر مصر رُتْبَة مَكَّة إِلَيْهِم وَأقَام ببدر وَتوجه مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد حمود بن عبد الله إِلَى زِيَارَة جده
وَكنت زَائِرًا مَعَه فِي كنف جنابه على خيله وركابه وفيهَا كَانَ وُرُود الأغا عماد أَفَنْدِي الرُّومِي فاتجه بِهِ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود فِي الطَّرِيق وَذَلِكَ أَنه لما وصلنا إِلَى الْخيف الْمنزل الْمَعْرُوف وجدنَا مخيمه بهَا فَمَال إِلَيْهِ السَّيِّد حمود مَعَ بعض أَوْلَاده وَبني إخْوَته وَبني عَمه ودخلوا عَلَيْهِ فَقَامَ ساعياً حافياً من بُعد فَكَانَ أول اجتماعه بِهِ هُنَاكَ فَجَلَسَ عِنْده حينا من الزَّمَان ثمَّ خرج وَتوجه للزيارة ثمَّ لما رَجَعَ وجد مَوْلَانَا الشريف زيد مُقيما ببدر فَنزل بمحشوش اسْم مَاء قرب بدر ثمَّ توجها مَعًا إِلَى حرابة جُهَيْنَة وَكَانَ المرحوم السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم ابْن السَّيِّد حمود هُوَ الْقَائِم مقَام مَوْلَانَا الشريف زيد بِمَكَّة المشرفة عامئذ وَكَانَت الأمطار قد كثرت بالحجاز فرخصت الأسعار جدا حَتَّى يبع الإردب الْقَمْح بِثَلَاثَة حُرُوف عددي والمن والجبن بمحلقين والألبان واللحوم والخيرات كَثِيرَة وَمثل مَكَّة فِي هَذَا مَا حولهَا من الأقطار وَللَّه الْحَمد وَالشُّكْر ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَألف كَانَ هلالها بالأحد فِي فجر لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثالثه كَانَت وَفَاة سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ ونواحيهما والمالىء بعدله وأمنه دانيهما وقاصيهما مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد ابْن الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن فَصَعدت روحه إِلَى معالم الْعَرْش والكرسي وأفيض عَلَيْهِ من الرضْوَان سابغ الرّوح الْقُدسِي كَانَ رحمه الله متخلقاً بالأخلاق المحمدية متصفاً بِالصِّفَاتِ الكمالية كَانَ كثير الْحلم وَالصَّبْر والشفقة على الرّعية بِحَيْثُ يسمع بأذنيه مِنْهُم الأسية وَيَعْفُو ويصفح تأسياً بجده خير الْبَريَّة وَلم يضْبط عَلَيْهِ أَنه قتل شخصا بِغَيْر حق فِي هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة المرضية وَكَانَ الأقطار والرعية فِي زَمَنه آمِنَة مطمئنة فِي عيشة هنيَّة وَهُوَ حقيق بِأَن يلقب مهْدي الزَّمَان رَحمَه الله تَعَالَى وَأَسْكَنَهُ فسيح الْجنان
كَانَ وِلَادَته رَحمَه الله تَعَالَى وَأعَاد على الْمُسلمين من بركانه بعد مُضِيّ دَرَجَتَيْنِ من شروق شمس يَوْم الْإِثْنَيْنِ السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر شعْبَان الْمُعظم سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف ببلدة بيشة من أَعمال الشرق قلت قد أَخْبرنِي مَوْلَانَا الْخَطِيب الْعَلامَة اللبيب تتيجة الْفُضَلَاء وَعين الْأَعْيَان النبلاء برهَان الدّين الْخَطِيب وَالْإِمَام بمسجده عليه الصلاة والسلام إِبْرَاهِيم ابْن الْعَلامَة الفهامة وَاحِد عصره بِلَا خلاف ونسيج وَحده كلمة ائتلاف مَوْلَانَا المرحوم الْخَطِيب أَحْمد بن عبد الله الشهير بالبري نقلا عَن وَالِده الْمَذْكُور أَنه حضر فِي مجْلِس مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد بعض متعاطي علم الرمل فَضرب تخته ثمَّ قَالَ لمولانا الشريف زيد رحمه الله قد دلّ الرمل الصَّحِيح على أَنه كَانَ وَقت علوق والدتك بنطفتك عِنْد الزَّوَال فِي شهر رَمَضَان فِي عَام خَمْسَة عشر بعد الْألف فاستغرب مَوْلَانَا الشريف ذَلِك لمَكَان شهر الصَّوْم ثمَّ إِنَّه سَأَلَ والدته عَن هَذَا الْمَعْنى فأجابت نعم كَانَ سَيِّدي أَبوك غازياً فِي شهر رَمَضَان لبَعض الْعَرَب فجَاء بعد أَن أدْرك من النَّصْر والنجح الأرب وَكَانَ وُصُوله فِي ذَلِك الْوَقْت الَّذِي ذكره هَذَا الرجل فَوَقع عَليّ فأدركت الْحمل بك من حيني هَكَذَا أَخْبرنِي حفظه الله تَعَالَى نقلا عَن وَالِده الْخَطِيب أَحْمد الْبري الْمَذْكُور فعلى هَذَا تكون مُدَّة حمل مَوْلَانَا الشريف زيد زَادَت على تِسْعَة أشهر وَلَا مَانع من ذَلِك فَإِن أقْصَى مُدَّة الْحمل عِنْد السَّادة الْحَنَفِيَّة سنتَانِ وَعند السَّادة الشَّافِعِيَّة أَربع سِنِين وَقد اتّفق مكث الْحمل تِلْكَ الْمدَّة لأشخاص كَثِيرَة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة وشهراً وأياماً رحمه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَغفر لَهُ مغْفرَة جَامِعَة آمين وَلما مَاتَ وَقعت بِمَكَّة رجة عَظِيمَة فِي التَّوْلِيَة على الْمُسلمين وفيمن يقوم مقَامه بَين وَلَده الشريف سعد وَبَين السَّيِّد حمود بن عبد الله وَقَامَ كل من الرجلَيْن أَشد قيام وَجمع الجموع وبذل المَال وتحصنوا فِي الْبيُوت والمنائر وانضم الْأَشْرَاف جَمِيعهم إِلَى السَّيِّد حمود وَلم يبْق مَعَ الشريف سعد إِلَّا السَّيِّد مبارك بن مُحَمَّد الْحَارِث وَالسَّيِّد رَاجِح بن قايتباي وَالسَّيِّد عبد الْمطلب بن مُحَمَّد وَالسَّيِّد مُضر ابْن المرتضى وَالسَّيِّد الْحُسَيْن بن يحيى وَالسَّيِّد فَارس بن بَرَكَات وَالسَّيِّد مُحَمَّد
ابْن أَحْمد بن عَليّ وَهُوَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُنَادِي وَكَانَ فِي مَكَّة رجل عَظِيم الشَّأْن قد ورد فِي الْعَام الَّذِي قبل هَذَا الْعَام وَهُوَ عَام سِتّ وَسبعين ورد سنجقا ل جدة وشيخاً لحرم مَكَّة وَهُوَ عماد أَفَنْدِي الْمُتَقَدّم الذّكر أنفًا فَردُّوا الْأَمر إِلَيْهِ وأحضر خلعة عِنْده وَالرسل تسْعَى من الشريف سعد إِلَيْهِ إِلَى الضحوة فاتفق الرَّأْي أَن يُلبسوا الخلعة الشريف سعد فَأَخذهَا من تَحت ركبته شخص من أكَابِر عَسْكَر مصر يُقَال لَهُ المسلماني وَذهب بهَا إِلَى الشريف سعد فلبسها فِي بَيته من غير وعد قلت وَكَانَ مجْلِس عماد أغا فِي الْمَسْجِد فِي دكة عِنْد بَاب رِبَاط الداودية وَقد كنت إِذْ ذَاك وَاقِفًا أنظر فَبعد أَن أخذت الخلعة قيل لَهُ إِن ابْن الشريف زيد مُحَمَّد يحيى هُوَ الْمولى وَقد أَخذ لَهُ وَالِده أمرا سلطانياً بذلك فَقَالَ لمن أَخذ الخلعة قُولُوا للشريف سعد بِشَرْط أَنَّك قَائِم مقَام قَائِم مقَام هَكَذَا سمع أُذُنِي فَبعد أَن ذَهَبُوا بهَا وَمَشوا قَلِيلا دخل الْمَسْجِد من بَاب بني سهم الْمُسَمّى بِبَاب الْعمرَة جمَاعَة من الْأَشْرَاف مِنْهُم مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله وَالسَّيِّد مبارك بن الْفضل بن مَسْعُود وَعبد الله بن أَحْمد وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن حراز وَغَيره فِي نَحْو ثَمَانِيَة عشرَة أشخاص فوقفوا على عماد وَرَأَوا جمَاعَة للأتراك بيدهم الخلعة قد قاربوا بَاب الْمَسْجِد النَّافِذ إِلَى بَيت الشريف فَقَالَ لَهُم عماد نَحن ألبسنا الشريف سعد بِشَرْط أَنه قَائِم مقَام أَخِيه مُحَمَّد يحيى لِأَنَّهُ هُوَ الْقَائِم بعد أَبِيه المرحوم زيد بِأَمْر سلطاني فَلم يردوا عَلَيْهِ خطابا ثمَّ إِنَّهُم رجعُوا من الْبَاب الَّذِي دخلُوا مِنْهُ ثمَّ إِنِّي أَحْبَبْت الْإِحَاطَة التَّامَّة بالْخبر وَذَهَبت إِلَى منزل مَوْلَانَا السَّيِّد حمود فَإِذا الْخُيُول على الْبَاب وَإِذا الْمجْلس وَالْبركَة غاصان بالسادة الْأَشْرَاف فَلم أستقر فِي الْمجْلس إِلَّا وَالسَّيِّد حمود رحمه الله خَارِجا من مَحل الْحَرِيم معتماً عِمَامَة زرقاء عَلَيْهِ صوف عودي فَخرج إِلَى الْبركَة وَجلسَ لَحْظَة خَفِيفَة وَقَامَ عَامِدًا للنزول إِلَى مَوْلَاهُ المرحوم الشريف زيد وغسله ومعاناة تَجْهِيزه وَدَفنه وَمَعَهُ نَحْو ثَلَاثَة أشخاص من بني عَمه لَا أذكرهم الْآن فَلَمَّا كَانَ فِي أثْنَاء الدرج نازلاً إِذا السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث لاقاه طالعاً فمذ
رَآهُ السَّيِّد حمود وقف وَقَالَ لَا قطع الله هَذِه الزائلة وَكَانَ جَوَاب السَّيِّد أَحْمد سمع أُذُنِي قَوْله إِذا جاءتك الرِّجَال كن زبرة فَرجع مَعَه ثمَّ جهز مَوْلَانَا الشريف زيد وَأخرج إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام بعد صَلَاة الظّهْر وَخرج مَعَه اثْنَان من الْأَشْرَاف أَحدهمَا وَلَده السَّيِّد حسن بن زيد وَالْآخر من أَوْلَاد عَمه وَأما بَاقِي الْعَسْكَر والأتباع فَلم يخرج مِنْهُم إِلَّا النزر الْيَسِير لاشتغالهم بِمَا هم فِيهِ وطلعوا بِهِ إِلَى المعلاة وَدفن فِي قبَّة المرحوم مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب فِي جَانِبه إِلَى جِهَة الْقبْلَة وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَخرج مَعَه أهل مَكَّة وَبكى عَلَيْهِ الصَّغِير قبل الْكَبِير وَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم أعظم مُصِيبَة على الْمُسلمين وَلَكِن نرْجِع إِلَى قَول رب الْعَالمين {الَّذين إِذا أصبتهم قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رجعون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوت مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ اَلمُهتَدُونَ} الْبَقَرَة 157 وَمِمَّا قيل فِي تَارِيخ وَفَاته قَول أخينا الْفَاضِل الأريب الشَّيْخ أَحْمد بن قَاسم الخلي وَهُوَ تَارِيخ عَظِيم عَجِيب هُوَ قَوْله من الْخَفِيف
(ماتَ كهفُ الورَى مليكُ ملوكِ اْلأَرْضِ
…
مَنْ لَمْ يَزَلْ مَدَى الدَّهْرِ مُحْسِنْ)
(فالمعاني قالَتْ لنا أرِّخُوهُ
…
قد ثَوَى فِي الجنانِ زيدُ بْنُ محْسِنْ)
ولمولانا قَاضِي الْمُسلمين بِبَلَد الله الْأمين الإِمَام الْعَلامَة الْقدْوَة الفهامة مَوْلَانَا القاضى عبد المحسن ابْن مَوْلَانَا الشَّيْخ سَالم القلعي مؤرخاً لوفاته قَوْله من الْكَامِل
(يَا أهلَ مكَّةَ إنَّ سيدنَا الَّذِي
…
مَلَكَ الحجازَ وكانَ فِيهِ الأرشَدُ)
(رَبُّ السماحةِ والشجاعةِ والحيا
…
والحلْمِ وصفاه التقَى والسؤددُ)
(لَقِىَ الإلهَ فَكَانَ تاريخِى لَهُ
…
زيدُ بن محسِن فِي الجنانِ مخلَّدُ)
وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول الشَّيْخ مُحَمَّد بن حَكِيم الْملك رَحمَه الله تَعَالَى راثياً أَبَاهُ الشريف محسن ومادحاً لَهُ من الْبَسِيط
(صوادحُ البانِ وهْنًا شجوُهَا بادِى
…
فمَنْ عذيرُ فَتى فى فَتِّ أكبادِ)
(سبٌّ إِذا غنَّتِ الورقاءُ أرَّقه
…
تذكيرُهَا نغماتِ الشادِنِ الشادِى)
(فباتَ يرعفُ من عينَيْه تحسبُهُ
…
يزبرجُ المدمَعَ الوكَّافَ بالجادي)
(جافى المضاجعَ إلْف السهدِ ساورَهُ
…
سُمُّ الأساودِ أَو أنيابُ آسادِ)
(لَهُ إِذا الليلُ واراه نشيجُ شَجٍ
…
وجذوةٌ فِي حشاهُ ذاتُ إيقادِ)
(سمَّاره حينَ يضنيهِ توحُّشُهُ
…
فيشرئبُّ إِلَى تأنيسِ عُوَّادِ)
(وجْدٌ وهمٌّ وأحزانٌ وبرحُ جوىً
…
ولوعةٌ تتلظَّى والأسَى سادِى)
(أضناهُ تفريقُ شملٍ ظلَّ مجتمعا
…
وضَنَّ بالعودِ دهْرٌ خطبه عادِى)
(فالعمرُ مَا بَين ضرِّ يَنْقَضِي وضناً
…
والدهْرُ مَا بَين إيعادٍ وإبعادِ)
(لَا وصْل سلمى وَذَات الْخَال يرقُبُهُ
…
وَلَا يؤمّلُ من سعدَى لإسعادِ)
(أشجَى فؤادىَ واستوهَى قوى جلدي
…
أقوَى ملاعب بَين النصْبِ والوادِى)
(عفَّتْ محاسنهَا الأيامُ فاندرسَتْ
…
واستبدلَتْ وَحْشَة من أُنْسُهَا البادِى)
(وعطَّلَتْهَا الرزايا وَهِي حاليةٌ
…
بساكنيها وورَّادٍ وروَّادِ)
(وعاث صرفُ الليالِى فِي مَعَالمها
…
فَمَا يجيبُ الصدَى فِيهَا سوى الصادِى)
(دوارج المور مارَتْ فِي معاهدها
…
فغادَرَتها عَفا الساحاتِ والنادِى)
(وناعبُ البينِ نَادَى بالشتاتِ بهَا
…
فأهلُهَا بَين أغوارٍ وأنجادِ)
(وصوحَتْ بالبلا أطلالُهَا وخلَتْ
…
رحابها الفيحُ من هِنْدٍ وَمن هادِى)
(أضحَتْ قفاراً تجرُّ الراسياتِ بهَا
…
ريحُ جنوبٍ وَشَمل ذيلها الخادِى)
(كَأَنَّهَا لم تكُنْ يَوْمًا لبيض مَهًا
…
مراتعاً قد خلَتْ فيهنَّ من هادِى)
(وَلم تظلَّ مغانيها بغانيةٍ
…
تغنى إِذا مَا روى مِنْ بَدْرها رادِى)
(وَلَا عطا بَينهَا رِيم وَلَا طلقٌ
…
بهَا بدورُ دُجًى فِي بُرْجِ منطادِ)
(وَلَا تثنَّتْ بهَا لمياءُ ساحبة
…
ذيل النَّعيم دلالاً بَين أندادِ)
(فارقْتُهَا فكإني لم أظَلَّ بهَا
…
فِي ظِلٌ عيشٍ يجلى عذْرَ حسادِ)
(أجني قطوفَ فكاهاتٍ محاضرةٍ
…
طوراً وطوراً أُنَاجِي زينةَ الْهَادِي)
(هيفاءُ يزرِى إِذا ماسَتْ تمايلها
…
بأملَدٍ من غصونِ البانِ مَيَّادِ)
(بجانِبِ الجيدِ يهوى القرْط مرتعداً
…
مهواهُ حد سحيق فَوق أكبادِ)
(شفاتها بَين حُرِّ الدّرّ قد خزنَتْ
…
ذخيرة النحْلِ ممزوجاً بهَا الجادِى)
(إِذا نضَتْ عَن محياها النقابَ صَبَا
…
مستهتراً كُلُّ سَجَّادٍ وعَبَّادِ)
(وَإِن تجلَّتْ فَفِيمَا قد جلَتْهُ دُجًى
…
لنا بِهِ فِي الدآدي أيُّما هادِى)
(وميضُ برقِ ثناياها إِذا ابتسمَتْ
…
بعارضِ الدمعِ من مهجورها حادِى)
(وناظرانِ لَهَا يرتدُّ طرفُهُمَا
…
مهما رنَتْ عَن قتيلٍ مَا لَهُ وادِى)
(وصبحُ غُرَّتها فِي ليلِ طُرَّتها
…
يوماىَ من وَصْلها أَو هجرها العادِى)
(تلكَ الربوعُ الَّتِي كانَتْ ملاعبها
…
أخنَى عَلَيْهَا الَّذِي أخنَى على عَادِ)
(إِلَى مراتعِ غزلانِ الصريمِ بهَا
…
يحنُّ قلبِي المعنَّى مَا شدا شادِى)
(بعدا لدهْرٍ رماني بالفراقِ بهَا
…
وَلَا سقَى كنفيه الرائحُ الغادى)
(عَمْرِى لقد عظمَتْ تِلْكَ الفوداحُ منْ
…
خطوبِهِ وتعدَّتْ حدّ تعدادِ)
(فقدْ نسيتُ وأنستْنِى بوائقه
…
تِلْكَ الَّتِي دهدهَتْ أصلاد أطوادِ)
(مصارعٌ لبني الزهرا وأحمدَ قَدْ
…
أذكرْنَ فخا ومَنْ أردى بهَا الهادِى)
(لفقدِهِمْ وعَلى المطلولِ مِنْ دمهم
…
تبكِى السماءُ بدمْعٍ رائحٍ غادِى)
(وشَقَّ جيبَ الغمامِ البرْقُ من حزنٍ
…
عليهمُ لَا علىَ أبناءِ عبَّادِ)
(كَانُوا كعقْد لجيدِ المجدِ مذْ فرطَتْ
…
من ذَاك واسطةٌ أودى بتبدادِ)
(وهْوَ المليكُ الَّذِي للملكِ كَانَ حِمًى
…
مذْ ماسَ من بُردِهِ فِي خيرِ أبرادِ)
(كانتْ لجيرانِ بيتِ الله دولتُهُ
…
مهادَ أمْنٍ لسرحِ الخوفِ ذوادِ)
(وَكَانَ طوداً بدَسْتِ الْملك مُحْتَبِيًا
…
ولاقتناصِ الْمَعَالِي أَي نهادِ)
(ثوَى بصَنْعَا فيا لله مَا اشتملَتْ
…
عَلَيْهِ من مجدِهِ فِي ضيقِ ألحادِ)
(فقد حويتِ بِهِ صنعاءُ من شرفٍ
…
كَمَا حوَتْ صعدةٌ بالسيد الهادِى)
(فحبذا أنتِ يَا صنعاءُ من بلدٍ
…
وَلَا تغشى زياداً وكْف رعَّادِ)
(مصابُهُ كَانَ رزءاً لَا يوازنُهُ
…
رزءٌ ومفتاح أرزاءِ وأسبادِ)
(وَكَانَ رَأْسا على الأشرافِ مُنْذُ هوَى
…
تتابعوا إثْرَهُ عَن شبهِ ميعادِ)
(كهفُ المضافِ إِذا مَا أزمةٌ أزمَتْ
…
من خطبِ نائبةٍ للمتنِ هدادِ)
(كهفُ المضافِ إِذا مَا أمحلَتْ سنةٌ
…
يضنُّ فِي محْلها الطائىُّ بالزادِ)
(كهفُ المضافِ إِذا كَرَّ الْجِيَاد لَدَى
…
حَرّ الجلادِ أثار النقْعَ بالوادي)
(كهفُ المضافِ متَى مَا يستباحُ حمى
…
لفقدِ حامٍ بورد الكَرِّ عوادِ)
(كهفُ المضافِ إِذا الْجَلِيّ بِهِ نزلَتْ
…
وَلم تجدْ كاشفاً مِنْهَا بمرصادِ)
(كهفُ المضافِ إِذا حلُّ المغارم فِي
…
نيلِ العلَا أثقل الْأَعْنَاق كالطادِ)
(كهفُ المضافِ إِذا نَادَى الصريخُ ولَمْ
…
يجدْ لَهُ مصرخاً كالغيثِ للصادِى)
(كهفُ المضافِ إِذا الدهْرُ العسوفُ سَطَا
…
بضيْمِ جارٍ لنيلِ العِزِّ معتادِ)
(بل لهْفَ نَفْسِ ذَوي الآمالِ قاطبةَ
…
عليهمُ خيْر مرتادٍ لمرتادِ)
(كانتْ بهم تزدهِى فِي السلْمِ أنديةٌ
…
وَفِي الوغَى كُلُّ قدادٍ وميَّادِ)
(على الأرائِكِ أقمارٌ تضىءُ ومِنْ
…
تحتِ الترائِكِ آسادٌ لمستادِ)
(تشكُو عداهُمْ إِذا شاكى
…
شكٌ القنا مَا صفا مِنْ نسخِ زرادِ)
(إِلَى النحورِ وَمَا تحوي الصدورُ وَمَا
…
وارَتْهُ فِي جُنْحها ظلماتُ جسادِ)
(جَناجنًا فُلُقًا تَحْوِى جَآ جِئُوهَا
…
مِمَّا يقصِّدُ فِيهَا كل قَصَّادِ)
(بادوا فبادَ من الدُّنْيَا بأجْمعِهَا
…
من كانَ فكَّاك أصفادٍ بأصفادِ)
(وَقد ذوَتْ زهرةُ الدُّنْيَا لفقدِهِمُ
…
وأُلْبسَتْ بعْدهَا أثوابَ إحدادِ)
(واجتثَّ غرس الْأَمَانِي من فجيعَتِهِمْ
…
وأنشدَ الدهْرُ تقنيطاً لروادِ)
(يَا ضيفُ أقفَرَ بيتُ المكرماتِ فخذْ
…
فِي ضمِّ رحلكَ واجْمعْ فضلةَ الزادِ)
(يَا قلبُ لَا تيأَسَنْ من هولِ مصرعِهِمْ
…
وعَزِّ نفسكَ فِي بؤسٍ وإِنكادِ)
(بمَنْ غَدا خلفا يَا جبَّذا خلفٌ
…
فِي الملكِ من خيرِ آباءٍ وأجدادِ)
(بحائزٍ إرثَهُمْ حاوي مفاخِرِهم
…
عَمَّا حوَى الألْفُ من آحادِ أعدادِ)
(وذاكَ زيدٌ أدامَ الله دولتَهُ
…
وزادَهُ مِنْهُ تأييداً بأعدادِ)
(سما بِهِ النسَبُ الوضَّاحُ حيثُ غَدا
…
طريقُهُ جَامعا أشتاتَ أتلادِ)
(لقد حوَى من رفيعاتِ المكارِمِ مَا
…
يَكْفِي لمفخَرِ أجداد وأحفادِ)
(أَلَيْسَ قد نَالَ ملكا فِي شبيبتِهِ
…
مَا ناله مَنْ سعَى أعمارَ آمادِ)
(أليْسَ فِي وهَجِ الهيجا مواقفُهُ
…
مشكورةً بَين أعداءٍ وأضدادِ)
(أَلَيْسَ أصبَحَ بِالتَّنْعِيمِ سابحُهُ
…
لج المنايا ليحمي قُلَّ أجنادِ)
(أليْسَ نبئتَ يَوْم الليثِ أنَّ لَهُ
…
وثباتِ ليثٍ يزجّى ذودَ نقادِ)
(أليْسَ يومَ العطا تحكِى أناملهُ
…
خلجانَ بحْرٍ بفيضِ التبرِ مدادِ)
(أليْسَ قد راحَ فِي تأسيسِ دولتِهِ
…
منْ جده الْمُصْطَفى رمْز بإرشادِ)
(دامَتْ معاليه والنعمَى يذال لَهُ
…
مصونها وَهْوَ ملحوظٌ بإسعادِ)
(مَا لاحَ برقٌ وَمَا ناحَتْ على فَنَنٍ
…
صوادحُ البانِ وَهنا شجوها بادِى)
وَمِمَّا قيل فِيهِ أَيْضا قَول الإِمَام الْفضل بن عبد الله الطَّبَرِيّ الْحُسَيْنِي // (من الْبَسِيط) //
(يَا مىُّ حَيا الحيا أَحْيَا محياكِ
…
هَلَاّ بأعتاب عتبي فَاهَ لي فاكِ)
(مَنْ لي إليكِ وَقد أودَى صدودكِ بِي
…
وَلَا تزالينَ طَوْعًا لي أفَّاكِ)
(يَا هَذِه لم أزَلْ من بُعْدِهَا وَدُنُوّ
…
السقْمِ من بعْدهَا موثوق أشراكِ)
(تيهي أطيلي التجنِّى والجفاء وَمَا
…
أردتِّ فاقضِيهِ بِي فالحسْنُ ولاكِ)
(رفقا رويداً كإني بالعذولِ علَى
…
تطاولِ الصدِّ فِي ذَا الصبِّ عزاكِ)
(إِن لم يعز عزا عَيْني وقَدْ حُظِرَتْ
…
مرآكِ فليَهْنِ قلبى وهْوَ مرعاكِ)
(حسبِى دَلِيلا على شوقِى المبِّرحِ بِي
…
أنِّى لَثَمْتُ عذولي حينَ سَمَّاكِ)
(والجفْنُ فِي أرقٍ والقلْبُ فِي حرقٍ
…
والعينُ فِي غرقٍ إنسانُهَا باكى)
(يَا مهجةَ الصبِّ غير الصبْرِ ِليس وقَدْ
…
حنَّتْ بِمَا قد لاقَيْت عينَاكِ)
(وَيَا عذولِى لُمِ اكْفُفِ اضْلُل اهْدِ تَرَفَّقْ
…
لِجِّ دَعْ أَوْجِبِ اطْلَاقِى وإمساكِى)
(وَيَا أسيرةَ حجليها أرَى سَرَفًا
…
لُبْسَ الحلى وَقد منّعْت مرآكِ)
(عطفا علَى حالِ مَنْ لَا يَبْتَغِي بَدَلا
…
ولبْسَ يشفيه مِنْ مشفيه إلاكِ)
(وأجملي الودَّ واخَشَىْ عدْلَ ذى الشَّرَفِ المؤيَد
…
العزِّ مولاىَ ومولاكِ)
(زيدُ بن محسِنَ سلطانُ الأنامِ إمامُ
…
الحضرتَيْنِ أمانُ الخائفِ الباكى)
(كهفُ الضيوفِ وثَلَاّمُ الصفوفِ
…
وَمَنَّاحُ الصنوفِ وَفَاء دون تَشْكَاكِ)
(وباسلٌ لَو رأَى شزراً على حنقٍ
…
للموْتِ مَا اخترم المَشْكُوّ والشاكي)
(ألقاسمُ الجودَ فِي سامٍ وَذي ضعةٍ
…
كواسم الْجُود فِي نبْتٍ وأشواكِ)
(يُلقى فَيلقى بفَضْلٍ غير محتجبٍ
…
وشأو شانٍ علا فِي غَيْرِ إدراكِ)
(وَنُهْبَة لَو رأى الضلال صُورتها
…
لأصْبَحُوا بَين أخيارٍ ونُسَّاكِ)
(يهتزُّ للعَفْوِ من حلمٍ وَلَا طرب الْمثموُل
…
من شمْسِ شماسٍ وبتراكِ)
(مهذَّبٌ رَأْيه والعزْمُ ناصرُهُ
…
أغناه عَنْ أزرِ أعرابٍ وأتراكِ)
(وَذي سَطَا كمْ تشاكَى بأسَهُ شاكي
…
فِي الملتقَى وتحامَى بَطْشَهُ شاكى)
(ثبْتُ الجنانِ إِذا كَانَ الخميسُ وغا
…
كَأَنَّهُ بَين ظِلِّ الضالِ والراكِ)
(كم أضحَكَ السْيفَ من باكٍ يجدِّلُهُ
…
والزحْف مَا بَين مفْتَاكٍ وفَتَّاكِ)
(ومَنْ يكنْ ذَا خليلِ غير صارمِهِ
…
والعزم يوشكُ أَن يفجا بأضراكِ)
(وَذي كعوبٍ لَهُ من طولِ حامِلِهِ
…
طولٌ بمجتمعِ الجَنْبَيْنِ شكاكِ)
(مُخَاطب بلسانٍ ناطقٍ بعجائبِ
…
المنايا بديهاً يَا لَهُ حاكي)
(هُوَ المليكُ الذى أسْنَى الممالك والأزْمَان
…
مِنْ بعدِ إسناءٍ وإحلاكِ)
(وطَبَّقَ الأرضَ عدلا والضواحىَ
…
فالضِّدَانِ فِي أمرِهِ المَنْكى والناكي)
(ونادَتِ الغُبُر الخضراء لَو عقَلَتْ
…
غيظاً بِهِ ضرَّتى أبعدتِّ مرماكِ)
(وذكْرُهُ أرَّجُ الأرجاءَ شاسعةٌ
…
فَطِيبُ رِيحِ الصِّبَا مِنْ عَرْفه الزاكِى)
(يَا نفْسَ آمِلِهِ بُشْرَاكِ بشراكِ
…
وَلَو قضيْت بإذنِ الله أحياكِ)
(أَو رمْتِ أجناد عُدْم أَو نويْتِ بِمَا
…
أعياكِ محمله أغنَى وأقنَاكِ)
(أوْرَدَ أَمْسَك حَالا أَو مُضِى غدٍ
…
بسعده كَانَ مَا تبغين يلقاكِ)
(وَيَا سيادتَهُ مِنْ أَن يطاولها
…
مثلٌ وإياه حاشاهُ وحاشَاكِ)
(ودولَة فِي حياةِ العمْرِ غرتُهَا
…
مَا الدهْرُ حَتَّى انْقِضَاء الدهْرِ ينساكِ)
(وَيَا ليالِيهِ قد دامَتْ بسؤددِهِ
…
من أينَ للملكِ شرواه وشرواكِ)
(وَيَا أيادِى أيادِيهِ السنيَّة لَا
…
ينفكُّ حسنكِ مَقْرُونا بحسناكِ)
(لَو كَانَ فى عَصْرِهِ بعد النبوةِ مبعوثٌ
…
لَكَانَ بِلَا دفعٍ وإشراكِ)
(لَو طُرِّزَتْ باسمه الراياتُ مَا حذرَتْ
…
أصحابُها غلبا أَو حطم دهاكِ)
(وقالتِ العينُ لَو ترنو إِلَيْهِ بهَا
…
سناه يَا أرْضُ عني كَانَ أغناكِ)
(وَلَو تقدّّم عهدا كَانَ ممتدحَ الآياتِ
…
فِي طَىِّ منشوراتِ إصكاكِ)
(فالحمدُ بعدُ لَهُ والحمْدُ قبلُ لمَنْ
…
حبا الأنامَ سريَّاً أَصله الزاكِى)
(لَا زالَ واقِىَ مَنْ والَى ولاذَ بِهِ
…
وقْعَ الخطوبِ بعزِّ مِنْهُ فَتَّاكِ)
(يَابْنَ الأُلى للعُلَا شادوا منيعَ حِمى
…
يحجه كُلّ كفافٍ وفكَّاكِ)
(بالمجدِ سادوا وداسُوا هامَ شانِئِهِمْ
…
وَسيف عزمٍ لروح القرنِ سفاكِ)
(قد ذاد فِي شرفِ البطحاءِ أنكَ فِي
…
جِيرَانهَا خيْرُ فَعَّالٍ وتَرَّاكِ)
(مولى الْجَمِيل ومنجاةُ الدخيلِ ومنحاةُ
…
الخذيلِ سرى بِعَين أملاكِ)
(كافِيَّةٌ بُسِطَتْ وزنا وقافيَةً
…
تلوحُ كالدُّرِّ أَو ياقوتِ أسلاكِ)
(يقولُ لَو خالها الحِلِّىُّ خاطره
…
حلاك يَا مَنْ صَنِيع الْفضل حلاّكِ)
(وباعَ قيراطه الْبُرْهَان منبخساً
…
يزيفه فِي انتقادٍ كُلُّ حَكَّاكِ)
(وقالَ واسمك يَا ذَا العِزِّ واسطها
…
لطلعةِ البَدْرِ أَن لَا بَدْرَ إلاكِ)
(تبغِى القبولَ وقَدْ جاءَتْ مُعَارضَة
…
أَمْثَال كفى وفكِّى قيد أسراكِ)
ثمَّ وَليهَا الشريف سعد ابْن الشريف زيد ابْن الشريف محسن بن حُسَيْن بن حسن وَلبس الخلعة ونادي مناديه فِي الْبِلَاد يسمعهُ الْحَاضِر والباد وَالنَّاس حوله لَهُم ضجيج كالرعد الْبِلَاد بِلَاد الله وبلاد السُّلْطَان وبلاد الشريف سعد وانجلت البصائر والأبصار ذهبت الْحيرَة وَرَبك يفعل مَا يَشَاء ويختار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة وَقد أرخ صاحبنا وعزيزنا الشَّيْخ الأكرم الشَّيْخ أَحْمد بن قَاسم الخلي جُلُوسه فَقَالَ وَفِيه لطف إِدْخَال بديع // (من مخلَع الْبَسِيط) //
(قامَ بأمْرِ البلادِ سعدٌ
…
أيَّدَ رَبُّ السماءِ مُلْكَهْ)
(بغايةِ المجدِ أرِّخُوهُ
…
قد نِلْتَ بالسيفِ أمْرَ مَكَّهْ)
ولمولانا المرحوم الإِمَام فضل ابْن الإِمَام عبد الله الطَّبَرِيّ فِي ذَلِك قَوْله // (من مخلع الْبَسِيط) //
(قَالُوا لنا اليَوْمَ ماتَ زيدٌ
…
والناسُ تخشى وقوعَ عَرْكَهْ)
(والقومُ يسَّاءلونَ هَذَا
…
قَالَ لذا منْ يرومُ ملْكَهْ)
(فقلتُ والقيلُ قد تناهَى
…
والخلْقُ فِي ضَجَّةٍ ورَبْكَهْ)
(بَيْتا صَحِيحا لَهُم جَوَابا
…
مُؤَرِّخا فِيهِ رُمْتُ سَبْكَهْ)
(يبايعوهُ يملِّكُوهُ
…
سعْدُ بن زيدٍ شريفُ مَكَّهْ)
ولأخينا المرحوم القَاضِي أَحْمد ابْن القَاضِي مرشد الدّين الْعمريّ الْحَنَفِيّ قَوْله مؤرخاً // (من مجزوء الْكَامِل) //
(شمسُ الخلافةِ أشرَقَتْ
…
وبدا منيراً سَعْدُهَا)
(مذ حازَهَا الشرَفُ الَّذِي
…
بِعُلَاهُ زُيِّنَ عِقْدُهَا)
(سعدُ الَّذِي تاريخُهُ
…
خَيْرُ الملوكِ سعيدها)
وَكَانَ مَعَ الشريف زيد مملوكان أَحدهمَا تركي الْجِنْس اسْمه ذُو الفقار وَالْآخر
حبشِي اسْمه بِلَال أما الأول فَكَانَ عِنْد مَوْلَانَا الشريف من زمَان حَتَّى كبر وَصَارَ شَيخا للعسكر اللهام فَقَامَ عَلَيْهِم أحسن قيام وَكَانَ ذَا هَيْبَة وَرَأى سديد صَاحب قُوَّة وبأس شَدِيد فَدَعَاهُ مَوْلَانَا الشريف فِي بعض السَّاعَات إِلَيْهِ وأوصاه على بنيه وعولته رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَلَمَّا انْتقل الشريف إِلَى دَار الْآخِرَة امتثل مَوْلَاهُ أوامره وَقَامَ على قَدَمَيْهِ وشمر وكشف عَن ساعديه وَشد المئزر ورتب العساكر فِي الْمدَارِس بلصق الْمَسْجِد الْحَرَام الْمَعْمُور ووزعهم على المنائر والدور وَوضع المدافع على رُءُوس المنافذ والطرقات وَضبط قانون الْحِرَابَة من سَائِر الْجِهَات هَذَا ومولانا السَّيِّد حمود لم يبرح من بَيته مَعَ بني عَمه وشيعته ونار الْفِتْنَة قَائِمَة أَشد قيام قُلْنَا يَا نَار كوني بردا وَسَلام ثمَّ بعد ذَلِك جلس مَوْلَانَا الشريف سعد للتهنئة وَالسُّرُور وتأطد لَهُ الْملك بفأل اسْمه والحبور ودعا مَشَايِخ الْعَرَب وَأهل الدَّرك وألزم كلا بجهته وَلم يَقع وَللَّه الْحَمد بِمَكَّة المشرفة شئ من النهب أَو الْقَتْل أَو الْخَوْف {فَليَعبُدُوا رَب هَذا البيتِ اَلَذِي أَطعَمَهُم مِن جوُع وءامنهم مِن خَوْفِ} قُرَيْش 3 4 وَمن لطف الله سُبْحَانَهُ أَن كَانَ انْتِقَال مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى بعد انْقِضَاء الْحَج وَتوجه كل إِلَى بَلَده وَكَانَ بِمَكَّة المشرفة يَوْمئِذٍ بعض تجار من حجاج الشَّام تخلفوا عَن أَمِيرهمْ وَقد جرت الْعَادة بذلك أَنهم يُقِيمُونَ مُدَّة لقَضَاء حوائجهم بعده ثمَّ يتوجهون ويجتمعون بِهِ فِي الْمَدِينَة المنورة فَلَمَّا أَرَادوا السّفر طلبُوا من مَوْلَانَا الشريف سعد حفظه الله تَعَالَى أَن يَأْمر من يوصلهم الْمَدِينَة خوفًا على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فأجابهم إِلَى ذَلِك كَانَ الله لَهُ وَأرْسل مَعَهم السَّيِّد فَارس ابْن المرحوم بَرَكَات بن حسن وَمَعَهُمْ جمع من الْعَسْكَر فأوصلوهم الْمَدِينَة الشَّرِيفَة سَالِمين وَللَّه الْحَمد والْمنَّة ثمَّ أَمر حَاكم الطَّائِف وَكَانَ بِمَكَّة جمع من أهل الطَّائِف من الْحجَّاج قد أحْصرُوا عَن أَوْلَادهم وَأَمْوَالهمْ وَلم يُمكنهُم التَّوَجُّه شَفَقَة فَجهز جمَاعَة من الْعَسْكَر صُحْبَة
الْحَاكِم الْمَذْكُور فَسَارُوا بهم من ليلهم فوصلوا إِلَى الطَّائِف من طَرِيق يعرج ونادى مناديه فِي الْبِلَاد من سَاعَته وَلما وصل الْخَبَر بوفاة الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى الطَّائِف قبل وُصُول الْحَاكِم اضْطَرَبَتْ الْبِلَاد اضطراباً شَدِيدا وعزل السُّوق وكل أغلق بَابه وَنزع ثِيَابه وَدفن أَسبَابه إِلَى أَن وصل الْحَاكِم فاطمأنت حِينَئِذٍ الخواطر من البوادى والحواضر وَكَانَ إِذْ ذَاك مَوْلَانَا السَّيِّد زين العابدين بن عبد الله بن حسن بِالطَّائِف وَأَوْلَاده وَأَتْبَاعه فَلَمَّا وصل هَذَا الْخَبَر ركبُوا الْجِيَاد وداروا الْبِلَاد ونأدوا بالأمان فخمدت بذلك دَاعِيَة الْبَغي والطغيان وطمنوا النَّاس وَأمرُوهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى السُّوق وَبسط الدكاكين فَفَعَلُوا وامتثلوا وحمدوا رَبهم وشكروا وَكَانَ وُصُول الْحَاكِم آخر ذَلِك النَّهَار وَلما كَانَ يَوْم الرَّابِع من انْتِقَال مَوْلَانَا الشريف وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة أَرَادَ الْخَطِيب أَن يخْطب فَوقف عَن الْخطْبَة لسَبَب من الْأَسْبَاب يدريه أولو الْأَلْبَاب فصلى النَّاس الظّهْر وَأما مَكَّة فَخَطب الْخَطِيب بهَا ودعا للشريف سعد بالنصر والتأييد وَالنَّاس فِي عَيْش رغيد وَفِي هَذَا الْوَقْت وَقع طراد فى جِهَة المشناة قَرِيبا من وادى وَج بَين قبيلتين قُرَيْش والحمدة من ثَقِيف وَاسْتمرّ إِلَى وَقت الْعَصْر وَحصل بَينهمَا بعض جراحات وَكَانَ بِمَكَّة المشرفة يَوْمئِذٍ جمَاعَة من الْأَعْرَاب أهل خيل وركاب لما بَلغهُمْ موت الشريف زيد رحمه الله انْطَلقُوا على رُءُوسهم إِلَى الْبِلَاد وكل من وجدوه فِي طريقهم أَخَذُوهُ بالظلم والعناد وَأَكْثرُوا فِي الأَرْض الْفساد إِن رَبك لبالمرصاد وَمَا كَانَ من طَرِيق الْحجاز فَوَقع فِيهَا الْخَوْف والنهب وَالْقَتْل وَالضَّرْب وكل من ظفر بِصَاحِبِهِ أَخذه وَأهل الْقرى تَرفعُوا عَن الطرقات واجتمعوا فِي بعض الْجِهَات خوفًا على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَفِي الْيَوْم الثَّالِث من موت مَوْلَانَا الشريف سامحه الله تَعَالَى وَهُوَ يَوْم الْخَمِيس وَقع اضْطِرَاب كَبِير من بعد الظّهْر إِلَى بعد الْعَصْر بَين مَوْلَانَا الشريف سعد ومولانا السَّيِّد حمود وكل مِنْهُمَا جمع جيوشه وتحصنوا فِي الْبيُوت والمنائر وركبوا جمَاعَة السَّيِّد حمود فى الضلع الذى خلف بَيته والجبل الْمَعْرُوف بجبل عمر وتراموا بالرصاص من بعد وَلم تحصل مُوَاجهَة ثمَّ إِنَّهُم اسْتمرّ بهم الْحَال وكل يَوْم يُصْبِحُونَ فِي قيل وَقَالَ وكل من الشريفين واثب على قَدَمَيْهِ كسبع
الصيال سُبْحَانَ الله يُؤْتِي الْملك من يَشَاء وَهُوَ الْكَبِير المعتال فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث عشر من يَوْم الْوَفَاة وَقع الِاتِّفَاق بَين مَوْلَانَا الشريف سعد ومولانا السَّيِّد حمود على قدر مَعْلُوم من الْمَعْلُوم وعينت جهاته وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما عندنَا أَيهَا النَّاس وَحصل بذلك الْأَمْن وارتفع الْبَأْس وَأمر مَوْلَانَا الشريف بالزينة ثَلَاثَة أَيَّام وَظهر السرُور وزالت الحزون وَرَبك يعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون وَكتب محْضر من الشريف سعد عَلَيْهِ خطوط الْأَعْيَان من الأفندي وَشَيخ الْحرم والمفتي وأعيان الْبِلَاد على مَرَاتِبهمْ وعساكر مصر كَذَلِك وَذهب بِهِ بِلَال أغا إِلَى مصر المحروسة فأوصله باشا مصر وَمَعَهُ مَكْتُوب آخر من عَبده إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية فَلَمَّا وصل فتح وَقُرِئَ فِي سَاعَة مباركة طالعها سعد السُّعُود ثمَّ أَمر برد الْجَواب على مَا يسر الخواطر والألباب {واللهُ يَرزقُ مَن يشاءُ بِغَيْرِ حِساب} الْبَقَرَة 212 وَلذَلِك كتب مَوْلَانَا السَّيِّد حمود محضراً لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا خطوط السَّادة الْأَشْرَاف فَأرْسلهُ صُحْبَة رجل مصري يُسمى الشَّيْخ عِيسَى فَقدر الله أَنه مَاتَ عقب دُخُوله مصر بيومين فوجدوا الْعرض فِي تركته وَلم يصل مقْصده وَكَذَلِكَ كتب عرضا مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد يحيى بن زيد من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَكَانَ بهَا وَوضع أَعْيَان الْمَدِينَة خطوطهم عَلَيْهِ وَالْتزم بِأَرْبَعِينَ ألف دِينَار للوزير الْأَعْظَم قلت قد كَانَ أخرج مَوْلَانَا الشريف لوَلَده السَّيِّد مُحَمَّد يحيى أمرا سلطانياً بِولَايَة مَكَّة فَلم يتَمَكَّن من إِنْفَاذه خشيَة مَا يَتَرَتَّب على ذَلِك من الْمَفَاسِد وَعدم الرِّضَا من بَقِيَّة أَوْلَاده وَبنى عَمه وَكَانَ فِي كل سنة غَالِبا لم يحجّ مَعَه إِلَّا اثْنَان من أَوْلَاده هما حسن وَمُحَمّد يحيى وَكَانَ السَّيِّد مُحَمَّد يحيى بِالْمَدِينَةِ فَطَلَبه لِلْحَجِّ فِي ذَلِك الْعَام وَهُوَ عَام سِتّ وَسبعين فَامْتنعَ لأمر يُريدهُ الله فَقَالَ مَوْلَانَا الشريف زيد عِنْد امْتِنَاعه {إنَكَ لَا تَهدي من أَحببت} الْقَصَص 56 وَكَانَ الشريف سعد ابتعد نَحْو الشرق فجَاء وتقرب من وَالِده وَحج مَعَه ذَلِك الْعَام وَكَانَ من أمره مَا كَانَ وَالْكل فعل الله سُبْحَانَهُ وَأنْشد لِسَان الْحَال عَن الشريف سعد فِيمَا قصد وَأم // (من الْكَامِل) //
(وَإِذا السَّعَادَة لاحظتك عيونها
…
نم)
وَاسْتمرّ النَّاس منتظرين لوُرُود الْخَبَر السلطاني والتشريف الخاقاني نَحْو سِتَّة
أشهر وَفِي كل شهر يَأْتِي المبشر من مصر المحروسة بِتمَام الْأَمر لمولانا الشريف سعد ويلبس خلعة الْبشَارَة وَفِي ذَلِك إِشَارَة لأهل الْإِشَارَة وَلما كَانَ يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة حصل بَين بعض الْعَسْكَر وَالْعَبِيد شنآن بالمعلاة فتراموا بِالْحِجَارَةِ وسلت السيوف وَلم يَقع بَينهم قتال وَكَانَ هُنَاكَ بعض أَوْلَاد الشريف حفظهم الله تَعَالَى فَقَامُوا بَينهم وَأَصْلحُوا الْقَضِيَّة ثمَّ دخل علينا شهر رَجَب الْأَصَم فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع الشَّهْر عِنْد الْغُرُوب حصل بَين مَوْلَانَا الشريف سعد وَبَين جمَاعَة السَّيِّد حمود شنآن كَبِير وَصَاح الصائح فِي الْعَسْكَر فَاجْتمعُوا وكل وَاحِد مِنْهُمَا جمع جموعه وتزبروا وتحصنوا فِي الْبيُوت وَالْجِبَال وتراموا بالبندق لَيْلَتَيْنِ بيوميهما على الشاخص والخيال وَلم يفقد من كل طَائِفَة إِلَّا رجل أَو رجلَانِ وَمَات من الرّعية شخصان خطأ من غير قصد وكل ذَلِك مَعَ فرَاغ الْآجَال فَلَمَّا كَانَ وَقت الضُّحَى وَقع الصُّلْح بَينهم ونادى الْمُنَادِي بالأمان فأمنت النَّاس وَاسْتَبْشَرُوا وحمدوا رَبهم وشكروا ثمَّ إِنَّه اسْتمرّ الْحَال هَكَذَا إِلَى الْيَوْم الثَّانِي وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور فَجَاءَت البشري بالتحقيق بِأَن الْأَمر قد برز لمولانا الشريف سعد فَلَمَّا كَانَ صبح يَوْم الْجُمُعَة سادس عشري رَجَب الْمَذْكُور دخل رَسُول مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان نَصره الله وأيد بِهِ الْإِسْلَام إِلَى مَكَّة المشرفة حرسها الله تَعَالَى بِالْبَيْتِ الْحَرَام فِي موكب عَظِيم وَمَعَهُ خلعة نفيسة من مَوْلَانَا السُّلْطَان وَمُصَلَّاهُ الَّذِي يصلى عَلَيْهِ ومكتوبان مَعَه من هُنَالك بِأَن الْأَمر لَهُ من غير شريك وَلَا مُنَازع فِي ذَلِك فَدَخَلُوا بهَا من بَاب السَّلَام إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام فلبسها فِي الحضرة الشَّرِيفَة تجاه بَيت الله وَالْمقَام بِحَضْرَة السَّادة الْكِرَام وَالْعُلَمَاء الْأَعْلَام وجيوش الْإِسْلَام مَا بَين خَاص وعام ثمَّ قرئَ المرسوم السلطاني وَفِيه غَايَة التَّعْظِيم والإجلال وَنشر محَاسِن لمولانا الشريف سعد أعزه الله بجاه جده الْأمين وَالْوَصِيَّة على الرّعية وَالْقِيَام بمصالحهم وأمان الزوار وَالْحجاج والمعتمرين وَهُوَ مُفند مستبين مُحَرر مؤيد بِنَصّ {إِنَّا فتحنا لَكَ فَتحاً مُبينا ليغَفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذَنْبِكَ وَما تأخرَ} الْفَتْح 1 2 وَمَعَ ذَلِك كَانَ
لَفظه عذباً وجيزاً مبشراً بِنَصّ {ويُتِمَ نِعمَتَهُ عليكَ وَيهديَكَ صِرَاطاً مستَقِيماً وَيَنصُرَكَ اللهُ نَصراً عَزيزا} الْفَتْح 2 3 ثمَّ إِنَّه توجه إِلَى الْبَيْت الشريف ووقف بِالْبَابِ وَالْتزم بالملتزم والأعتاب وَذهب إِلَى دَار السَّعَادَة وَجلسَ للتهنئة مَسْرُورا وَكَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطوراً وَنُودِيَ بالزينة سبع لَيَال بعد أَن كَانَ النَّاس فِي حَالَة مخوفة فِي ذَلِك الْيَوْم فاطمأن البال وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَلما لبس الخلعة وَاسْتقر لَهُ الْأَمر وسرى عَنهُ مَا كَانَ يجده من الكيد والقهر وَبدل الله الْعسر باليسر وأيده بالنصر مدحه الْفُضَلَاء بقصائد مجيدة وأشعار بأمطار سَمَاء الأفكار مجيدة وَكنت مِمَّن تشرف بالانتظام فى سلك نظامهم النَّضِير عوده اللامع فِي أفق الْمَعَالِي مزايا ممدوحهم وسعوده فَقلت من بَحر الطَّوِيل من الْعرُوض المقبوضة وَالضَّرْب التَّام والقافية من الْمُتَوَاتر قولي // (من الطَّوِيل) //
(سقَى الغَيْثُ ذَيَّاكَ الأُبَيْرِقَ والسقْطَا
…
فأنْبَتَ فِي أرجائِهِ الرنْدَ والأرْطَا)
(وحَيَّا رُبا تلكَ المعاهدِ فاكتسَتْ
…
رياضٌ لَهَا من نسْجِ إبرته بَسْطَا)
(معاهدُ لمياء البديد تعطَّرَتْ
…
ومائِثُ ميثاها بِمَا تسحَبُ المِرْطَا)
(لَهَا بَشَرٌ كالماءِ إِذْ قَلْبها صفا
…
وناظرُهَا كالسيْفِ لكنه أسطَى)
(إِذا مَا دجا ليلٌ حكى ليلَ جَوْرها
…
وإنْ لاحَ نجمُ الأفقِ سمنا بِهِ القرْطَا)
(رداحٌ إِذا لاحَتْ فكالشمْسِ أَو رنَتْ
…
فكالظَّبْىِ أَو ماسَتْ ترى الحلَّ والرَّبطَا)
(أراشَتْ لأحشائِى رواشقَ مُقْلِةٍ
…
ترَى نبلها يُصْمِى الفؤادَ إِذا أخْطَا)
(هىَ السِّحْرُ إِلَّا أَنه سرّ خالقٍ
…
عَلَيْهِ يصيرُ الحبرُ مِنْ رقِّها أوْطَا)
(لَهَا سلْكُ دُرِّ ضمنَ خاتمٍ عسجدٍ
…
طلى لعسًا يَا حسنَ حتْمٍ حوى سِمْطا)
(وجيدٌ أعارَ الريم حسنَ التفاتِهِ
…
فَلَا صَيد فِيهِ لَا تَرَاهُ وَلَا لعْطَا)
(ومهضمُ كشحٍ مخمص الغورِ رقةً
…
لَهُ جَسَدِى من بعضِ أسقامِهِ أعطَى)
(كَمَا قد أنالَ الجسْم فَتْرَة جَفْنها
…
نحولاً فكافاها عَلَى وَفقه المعطَى)
(رهينة خدْرٍ يكسبُ الحلى حُسْنها
…
جمالاً وَلَوْلَا ذاكَ للشَّيْنِ مَا غطَّى)
(كأنْ قد براها الله حسنا كَمَا تشا
…
فيا طولَ ذاكَ الحسْنِ فِي القامِةِ الوسْطَى)
(سَقَاهَا ومرباها سُحُوحٌ مِنَ الحيا
…
ورَوَّى على أكنافها الأثل والخمْطا)
(فيا شَوْقَ أحشائِى للحظَةِ لَحْظها
…
وَإِنِّي بهَا إذْ قد نأتْ دارها شَحْطَا)
(بلَى قد نأتْ عني وَلَا بَيْنَ بَيْننَا
…
وبُدِّلْتُ مِنْ عين الرضَا بالجفا سخْطَا)
(كذلكَ أخلاقُ الغوانِى ومَنْ يرمْ
…
بهنَّ الوفا كالمبتغِى فِي الأضا قرْطَا)
(ومَنْ لم يذُدْ ذَوْدَ التصابِى وسربه
…
قصارَاهُ فِيهِ أَن يذلَّ وينحَطَّا)
(ويمسي صريعَ العينِ لَا ناصرٌ لَهُ
…
سوَى عَبْرة يَرْوِى تفجُّرُهَا سطَّا)
(نعَمْ لَو نحا فِي كلِّ أمرٍ يئودُهُ
…
مليكَ الورَى سعد بن زيد لما شطَّا)
(مليكٌ لَهُ من طينةِ المجْدِ جوهرٌ
…
بِهِ ازدانَتِ الدُّنْيَا وقدْمًا هِيَ الشمْطَا)
(شريفُ الْعلَا والذاتِ والوصْفِ منتمٍ
…
إِلَى خَيْرِ أصلٍ طابَ فِي قنسه ربْطَا)
(مليكٌ رقا فِي قنةِ المجدِ رتبَةً
…
تجلُّ سواهَا أَن يقاسَ بهَا هبْطَا)
(شريفٌ أتيحَتْ فِيهِ أسرارُ والِدٍ
…
هُوَ القطْبُ لَا ريباً بذاكَ وَلَا غمطا)
(مليكُ بلادِ الله سعد الْعلَا ومَنْ
…
يشابه أَبَاهُ فِي علاهُ فَمَا أخْطَا)
(طويلُ الْبَنَّا رحْبُ القنا منهلُ الْغِنَا
…
مزيلُ العنا مولى المنا باللُّهَا سفْطَا)
(عريضُ الجدا غوْثُ الندا موردُ الندا
…
حمامُ العِدَى مردِى الردَا للهُدَى فرطَا)
(فيا ابنَ رسولِ الله وابْنَ وصيِّهِ
…
ودرةَ عقْدٍ أنْتَ أنْتَ لَهُ وسْطَا)
(لقد حطْتَ أكنافَ الخلافةِ عَزمَة
…
وقمْتَ بهَا حفظا وشَيدَّتها ضبْطَا)
(وأيدتَّهَا بالحزْمِ والرأْىِ حينئذْ
…
ثبتَّ جنَانًا لَا فزوعاً وَلَا قنْطَا)
(فأنسيتَنَا حزْنًا وَلم نَنْسَ من مضَى
…
تغشَّتْ شآبيبُ الرضَا رمْسَهُ همطَا)
(أَبى الله إِلَّا أَن تحلَّ محلَّهُ
…
بمرتبةٍ عزت لغيرك أنْ تمطَى)
(فوافَاكَ بالتأييدِ مَا كَانَ كامناً
…
مِنَ الأَزَلِ العُلْوِىِّ ينتظرُ الشرْطَا)
(فَمَا خطَّ تقليداً على الطرسِ كاتبٌ
…
ولكنْ قضاءُ الله من قبلِهِ خَطَّا)
(إِذا أبرمَتْ فِي سابقِ العلْمِ لامرئٍ
…
عنايته استغنَى الْعَشِيرَة والرهْطَا)
(ولكنَّنى أرجُو منَ الله جمعَهُمْ
…
على خيرِ حالٍ مَا رجاه بمستْبطَا)
(فطأ فِي الْعلَا فالسعْدُ وطأ لاسمِهِ
…
أَشَارَ لذا بحْرُ الطويلِ رَوِىّ الطَّا)
(إليكَ ابنَ خَيْرِ الناسِ عذراءَ مِدْحَة
…
غَذَتْهَا القوافي لَا سنادٌ وَلَا إِيطا)
(أتاكَ بهَا فكِرى الكليلُ ومَهْرُهَا
…
قَبُولُكَهَا منِّى وحَسْبى بِهِ إعْطَا)
(سأملأُ ديوانِى بمدحِكَ مِدْحَة
…
لشعرِىَ كَىْ يستوجبَ الحمْدَ والغبطا)
(فدُمْ وابْقَ واسلَمْ لَا برحْتَ مؤيداً
…
على العزِّ مهما أنْ تحاوله تعطَى)
(وَلَا زلْتَ محفوظَ الجنابِ عزيزَهُ
…
رعاياكَ لَا تخشَى اهتضاماً وَلَا قَنْطَا)
(مدى الدَّهرِ مَا طابَ القَرِيضُ بمدحِكُمْ
…
فأخجَلَ مسكَ الختْمِ والند والقُسْطَا)
وَلما تمّ أَمر الصُّلْح بَين الشريف سعد وَبَين السَّيِّد حمود واستقرت الْبِلَاد وَأَهْلهَا لِأَن استقرارهم باستقراره وتعبهم بتعبه وَهُوَ مَعَهم كالرأس مَعَ الْجَسَد وكالمضغة وَهِي الْقلب كَمَا ورد جَاءَهُ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى بَيته مُوَافقا لَهُ فِيمَا يُحِبهُ ويهواه هُوَ وَأَتْبَاعه يهنونه ويباركون لَهُ فِيمَا منحه الله وَأَعْطَاهُ وَصَارَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ بكرَة وَعَشِيَّة مظْهرا لَهُ الود والصداقة مليناً لَهُ القَوْل من غير تَعب وَلَا حَمَاقَة وَكَانَ فِي هَذِه الْمدَّة يَطْلُبهُ مَا كَانَ وَزِيَادَة وَلم يُخَالِفهُ مَوْلَانَا الشريف فِي قَول وَلَا فعل بل يجِيبه إِلَى مَا أَرَادَهُ أدام الله نعمه عَلَيْهِ وإمداده بِحَيْثُ أَن الرّعية نسبت هَذِه الْمُوَافقَة مِنْهُ إِلَى أثر عمل من الْأَعْمَال من الحركات والسكنات لَكِن إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَفِي هَذِه الْمدَّة كَانَ بِمَكَّة المشرفة غلاء فِي الطَّعَام كالحب وَنَحْوه فِي شعْبَان ورمضان وشوال وَاشْتَدَّ فِي آخر الْوَقْت وَعدم من الْأَسْوَاق ووصلت الكيلة الْحبّ إِلَى خسمة عشر محلقاً والرز كَذَلِك وَفِي أول ذِي الْقعدَة حصل الْفرج بِدُخُول المراكب المصرية وَزَالَ التَّعَب عَن الْمُسلمين ببركة قدوم الْحجَّاج الوافدين ثمَّ إِنَّه حصل تنافر بَين مَوْلَانَا الشريف سعد وَالسَّيِّد حمود من جِهَة عدم الْوَفَاء بالمعلوم الَّذِي لَهُ مَعَ مَا فِي خاطره من التَّعَب فدعته الأنفة إِلَى الْخُرُوج لهَذَا السَّبَب فبرز يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن ذى الْقعدَة الْحَرَام من سنة سبع وَسبعين وَألف وَأقَام بالزاهر مُدَّة وَهُوَ من الغيظ فِي أعظم شدَّة فبرزت إِلَيْهِ لموادعته واستغرقت الْيَوْم أجمع فِي محادثته فَكَانَ من جملَة كَلَامه جَوَابا لقولي لَعَلَّ مَوْلَانَا حفظه الله يتداركه الله بسعة فِيهَا حُصُول المنا فيكفيكم الله بِسَبَبِهَا تَعب الجلا والعنا مَا أرى إِلَّا أَن بَيت الشريف قَتَادَة المستشهد بِهِ فِي سَابق الزَّمَان قد قَارب مصداقه فِي هَذَا الأوان يُشِير إِلَى قَوْله // (من الطَّوِيل) //
(مصارعَ آلِ الُمصطفَى عُدتِّ مِثْلَ مَا
…
بدأْتِ ولكنْ صِرْتِ بَين الأقاربِ)
فَقلت الله يقدر بِخَير ويكفيكم كل ضيم وضير وَلم تزل الرُّسُل بَينهمَا تسْعَى فِي حسم مَادَّة الشقاق وَلم يتَّفق الْحَال إِلَّا على عدم الِاتِّفَاق فَتوجه إِلَى وَادي مر وَأقَام بِمن مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف والأتباع وَالْعَبِيد وسبورهم تصل إِلَى مَكَّة أَسْفَلهَا وأعلاها يدلجون بِاللَّيْلِ إِذا يغشى وَيصلونَ الشَّمْس وَضُحَاهَا وَأخذُوا فرسا من مربطها لبَعض خدام الشريف أَسْفَل الْبَلَد وذهبوا وَلم يذهب إِلَيْهِم أحد كل ذَلِك استحثاث مِنْهُم لِلْخُرُوجِ إِلَى البرَاز والمنازلة والظهور عَن الْعمرَان الَّتِي لَا تطول فِيهَا تِلَاوَة سُورَة المجادلة والشريف سعد حفظه الله لم يستخفه الطيش وَلم ينفذ إِلَيْهِم خاء خيل وَلَا جِيم جَيش وَأَقْبل جمَاعَة من الشَّام وَمن مَدِينَة الرَّسُول عليه الصلاة والسلام فصدهم الْخَوْف عَن الدُّخُول لما هم قاصدون إِلَيْهِ ومكثوا أَيَّامًا بقرية من الْقرى وَحصل لَهُم من التَّعَب مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ حَتَّى وصل إِلَيْهِم الْحَاج المصرى فَدَخَلُوا مَعَه مَكَّة المشرفة وَلم يزل الشريف سعد متع الله بحياته ولسان حَاله يَتْلُو فِي المبدأ والمعاد {وأفوِضُ أَمرِي إِلَى الله إِن اَللهَ بَصِير بِالعِبادِ} غَافِر 44 وَأما مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رحمه الله فَإِنَّهُ لما كَانَ يَوْم السبت رَابِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة قدم على الْحَاج الْمصْرِيّ والأمير عَلَيْهِ أزبك بك فَركب إِلَيْهِ هُوَ وَمن مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف والأتباع وَالْعَبِيد فعقدت الْأَشْرَاف من أَنْفسهَا طوقاً عَليّ وطاق الْأَمِير وَعَسْكَره وَلم يدْخل إِلَيْهِ إِلَّا ثَلَاثَة أشخاص مَوْلَانَا السَّيِّد حمود ومولانا السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث ومولانا السَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان فأنهوا إِلَيْهِ حَالهم وَعدم الْوَفَاء من الشريف سعد فِيمَا الْتزم لَهُم من معاليمهم ومجانيهم وأننا أَيهَا الْأَمِير لَا نَدع أحدا يحجّ إِلَّا إِن أَخذنَا مَا هُوَ لنا وَكَانَ قدره مائَة ألف أشرفي فالتزم للسَّيِّد حمود أَن ينقده الشريف قبل الصعُود خمسين ألفا مِنْهَا فَقبل مَوْلَانَا السَّيِّد حمود الْتِزَامه وخلي سَبيله وَمن مَعَه فَلَمَّا دخل الْأَمِير مَكَّة يَوْم خَامِس ذِي الْحجَّة الْحَرَام خرج إِلَيْهِ الشريف سعد إِلَى المختلع فَلبس الخلعة الْمُعْتَادَة على الْعَادة ثمَّ كَلمه الْأَمِير فِيمَا الْتَزمهُ للسَّيِّد حمود وَمن مَعَه فصَدق الْتِزَامه وَأسلم خَادِم مَوْلَانَا السَّيِّد حمود الْخمسين الْألف قبل الصعُود من السَّيِّد إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بإحالة من مَوْلَانَا الشريف حفظه الله تَعَالَى
ثمَّ لما دخل أَمِير الشَّامي فِي سَابِع ذِي الْحجَّة توجه مَوْلَانَا الشريف إِلَيْهِ كَذَلِك وَلبس الخلعة الْمُعْتَادَة على الْعَادة ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّامِن توجه إِلَى عَرَفَة وَفِي الثَّانِي من أَيَّام منى لبس الخلعة الْمُعْتَادَة وَفِي الْيَوْم الثَّالِث نفر النَّاس إِلَى مَكَّة المشرفة وهم آمنون مستبشرون وَأما أهل مَكَّة وَمن حَولهمْ من الْقرى فَلم يحجّ مِنْهُم فِي هَذَا الْعَام إِلَّا الْقَلِيل وَكَذَلِكَ الْأَعْرَاب لما وَقع بهم من التَّعَب والكدر وَالْخَوْف وَالضَّرَر كل شئ بِقَضَاء وقدَر ثمَّ لما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ عشْرين ذِي الْحجَّة الْحَرَام وصل مَكَّة مَوْلَانَا السَّيِّد حمود وَمَعَهُ السَّيِّد عبد الْمعِين بن نَاصِر بن عبد الْمُنعم بن حسن وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عبد الله بن حسن وَالسَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان بن مُوسَى بن بَرَكَات بن أبي نمي وَالسَّيِّد مبارك وَنَافِع ابْنا السَّيِّد نَاصِر بن عبد الْمُنعم فِي نَحْو تِسْعَة أشخاص وَمن العبيد نَحْو خَمْسَة وَسِتِّينَ عبدا وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَن أَمِير الْحَاج وكبار العساكر قصدُوا الصُّلْح بَينه وَبَين مَوْلَانَا الشريف وَتردد الرُّسُل بَينهم وَبَينه يطلبونه لذَلِك وألزموه بمحاضر من جمَاعَة الأفندي الْأَعْظَم وصلوا إِلَيْهِ إِلَى وَادي مر فجَاء وَحضر عِنْد مَوْلَانَا الأفندي وَحضر الْأُمَرَاء ووجوه أَرْكَان الدولة وعماد أغا وأكابر العساكر فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف سعد بِلَال أغا وَكيلا عَنهُ فِي الْخُصُومَة وَالدَّعْوَى فاغتاظ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود من ذَلِك وَأَرَادَ الفتك بِهِ فِي ذَلِك الْمجْلس فَذهب مسرعاً فَزعًا فَأرْسل الشريف أَخَاهُ السَّيِّد مُحَمَّد يحيى وَكيلا عَنهُ وتطالبا على يَد الْحَاكِم الشَّرْعِيّ وَطَالَ الْمجْلس وَلم يَقع بَينهمَا اتِّفَاق ثمَّ ادعِي عَلَيْهِ بِمَا أَخذ من طَرِيق جدة من الْأَمْوَال فَلم يثبت عَلَيْهِ وَجه شَرْعِي فِي ذَلِك وَطلب مَوْلَانَا السَّيِّد حمود أَن يتَوَجَّه إِلَى الديار المصرية وَيرْفَع أمره إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة فأذنوا لَهُ وَاتفقَ الْحَال على ذَلِك ثمَّ إِنَّه لما توجه الْحَج الشَّامي وَسَائِر الْحجَّاج توجه مَعَهم حَتَّى وصل إِلَى بدر فَتخلف عَنْهُم وَأقَام فِيهَا مُدَّة وَلما دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَألف توجه مَوْلَانَا السَّيِّد حمود من بدر إِلَى يَنْبع فِي شهر صفر مِنْهَا وَأرْسل وَلَده السَّيِّد المرحوم أَبَا الْقَاسِم بن حمود وَأرْسل
مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن الْحَارِث وَلَده السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد ومعهما السَّيِّد غَالب بن زامل بن عبد لله بن حسن وَجَمَاعَة من ذَوي عنقاء السَّيِّد بشير وَمُحَمّد وظافر بني وَاضح وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عنقاء وَولده وَأرْسل مَعَهُمَا قوداً هَدِيَّة إِلَى باشا مصر الْمُسَمّى عمر باشا نَحْو سِتَّة أَفْرَاس مِنْهُنَّ البغيلة والهدبا والكحيلة فَسَارُوا إِلَى أَن بلغُوا الْحَوْرَاء الْمنزلَة الْمَعْرُوفَة فلاقاهم قَاصد من إِبْرَاهِيم باشا الْمُتَوَلِي بعد صرف عمر باشا بمكاتيب متضمنة لِلْأَمْرِ بالإصلاح والاتفاق على نهج النجاح فَرجع السَّيِّد غَالب بن زامل صُحْبَة القاصد إِلَى مَكَّة لينْظر مَا يتم عَلَيْهِ الْحَال فتنقطع مَادَّة القيل والقال وَتسقط كلفة الارتحال فَأَقَامَ الْقود وَمن مَعَه بالحوراء نَحوا من خَمْسَة عشر يَوْمًا ينتظرون الْفرج بعد الشدَّة فَلم يصل إِلَيْهِم خبر بعد هَذِه الْمدَّة فَلَمَّا لم يصلهم خبر سَارُوا إِلَى مصر فَدَخَلُوهَا لَيْلَة عيد المولد وَقدمُوا مكاتيبهم والقود لإِبْرَاهِيم باشا فأكرمهم وأعظمهم وأضافهم واحترمهم فاستمر الْحَال كَذَلِك إِلَى شهر جُمَادَى الْآخِرَة وَلم يرجع ذَلِك القاصد من مَكَّة إِلَى مصر فأشيع بهَا أَن السَّادة الْأَشْرَاف قَتَلُوهُ فَحصل الْهَرج والمرج وَجَاءَت الأكاذيب فوجاً بعد فَوْج فَأَشَارَ بعض الأشقياء عَلَى الباشا بإمساك السيدين أَبَا الْقَاسِم ومحمداً فَأمر بنقلهم من محلهم الأول وَهُوَ قايتباي إِلَى بَيت يُوسُف بك وَقد كَانَ وصل السَّيِّد مُحَمَّد يحيى إِلَى مَكَّة أَوَاخِر سنة سبع وَسبعين وَتقدم أَنه هُوَ الَّذِي كَانَ وَكيلا عَن أَخِيه الشريف سعد فِي الدَّعْوَى على السَّيِّد حمود لما حضر بِمَجْلِس أَفَنْدِي الشَّرْع فِي موسم السّنة الْمَذْكُورَة فاستمر مَعَه إِلَى عقب ذهَاب الْحَج ثمَّ طلب من أَخِيه الشريف سعد أَن يَجْعَل لَهُ ربع محصول الْبِلَاد وينادى لَهُ بِهِ فَامْتنعَ الشريف من ذَلِك فَغَضب وبرز من مَكَّة مُتَوَجها إِلَى السَّيِّد حمود وَأقَام بالزاهر مُدَّة ثمَّ إِن هَذَا الْخَبَر بلغ مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن زيد وَكَانَ بالشرق فجَاء مسرعاً ولحقه قبل أَن يتَوَجَّه وأرضاه بجملة من المَال فَلم يرض إِلَّا بالمشاركة بِالربعِ وبالنداء فِي الْحَال وَتوجه وَلحق بالسيد حمود وَاتفقَ مَعَه وَلما لم يحصل اتِّفَاق بَين مَوْلَانَا الشريف سعد وَبَين مَوْلَانَا السَّيِّد حمود بعد وُصُول القاصد للإصلاح أرسل مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى الديار المصرية وَإِلَى مَوْلَانَا السُّلْطَان ذَا
خبْرَة بِمَا جرى وَمَا كَانَ وَكَذَلِكَ أرسل مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رَحمَه الله تَعَالَى وَعرف وَأقَام كل مِنْهُمَا يُعلل ويعسى ويتشوف وبرز مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى الزَّاهِر فِي موكب عَظِيم وَأقَام ينْتَظر فرج الْمولى الْكَرِيم وَكَانَ بروزه يَوْم عشْرين من ربيع الأول من سنة ثَمَان وَسبعين وفيهَا أَعنِي سنة ثَمَان وَسبعين ظفر بِالْبَلَدِ الْمَعْرُوفَة بالقنفذة بِرَجُل يتعاطى السِّكَّة خُفْيَة وَهُوَ مِمَّن يتسمى بِالْقضَاءِ فيسمى القَاضِي عبد الْوَاحِد فَضرب ضربا مبرحاً وحلقت لحيته وأتى بِهِ مَكَّة مكتوفاً مجرحاً ثمَّ أطلق فَذهب إِلَى الْحجاز الْأَعْلَى وَكَانَ أَمر الله هُوَ الْأَعْلَى ولنرجع إِلَى ذكر السيدين الْمَذْكُورين فَنَقُول لما نقلا إِلَى بَيت يُوسُف بك الْمَذْكُور أَقَامُوا عِنْده أَيَّامًا ثمَّ أَمر الباشا إِبْرَاهِيم بتجهيز تجريدة خَمْسمِائَة عَلَيْهَا السنجق يُوسُف بك الْمَذْكُور فنقلوا بعد عزمه إِلَى بَيت أغاة الأنكشارية واحتفظ بهما احتفاظاً تعظم بِهِ البلية وَمنعُوا الْخَارِج والداخل وَلم يقرب مِنْهُمَا صديق وَلَا خل وسارت التجريدة الْمَذْكُورَة وَهِي نَحْو ألف بالخدم وَخَمْسمِائة وَأكْثر مَعَهم الْحجَّاج والتجار والخدام والأرقاء والأجراء وَلما كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشري جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة وصل الْخَبَر بتجهيز مدد من الْعَسْكَر نَحْو خَمْسمِائَة أَو يزِيدُونَ وَمَعَهُمْ مستلم جدة المعمورة وعزل عماد أغا عَن مشيخة الْحرم رفيع القُنة وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وفيهَا وصل مَوْلَانَا السَّيِّد سعيد بن شنبر بن الْحسن من بيشة مُتَوَجها إِلَى مَوْلَانَا السَّيِّد حمود وجماعته بالينبع فوصل إِلَيْهِ وَحضر مَعَه الْحِرَابَة الْآتِي ذكرهَا وَكَانَ آخرا وَفَاته بِتِلْكَ الْبَلدة رحمه الله برحمته الوسعة وَغفر لَهُ مغْفرَة جَامِعَة وَفِي هَذِه الْمدَّة أَيْضا وَقع فِي طَرِيق الطَّائِف أَن جمَاعَة الحمارة المترددين بَين مَكَّة والطائف من طَرِيق كرا بأموال النَّاس وأمتعتهم نزل عَلَيْهِم جمع من عرب الشرق فَأَخَذُوهُمْ وربطوهم وساقوهم وضربوهم وانتهبوهم ثمَّ سَارُوا بهم إِلَى قرب الْمَبْعُوث ثمَّ أطلقوهم بعد يَوْمَيْنِ عرايا مسلبين مجرحين مضربين
وفيهَا فِي السَّادِس عشر من شهر رَجَب وصل المبشر من جدة يخبر بوصول رَسُول من الباشا مَعَه خلعة ومرسوم وَفِي لَيْلَة السَّابِع عشر مِنْهُ رَجَعَ مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى دَاره السعيدة فَلَمَّا كَانَ الصَّباح توجه الْعَسْكَر بأجمعهم إِلَى ملاقة رَسُول الباشا فَدَخَلُوا بِهِ فِي موكب عَظِيم إِلَى بَيت مَوْلَانَا الشريف وَلبس الخلعة وَقُرِئَ المرسوم بِحَضْرَة عَسْكَر السُّلْطَان والسادة الْأَعْيَان وَفِيه مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ من التَّعْظِيم والتمجيد وَحصل لمولانا بِهِ غَايَة السرُور وللرعية كَمَال الْفَرح والحبور وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر رَجَب الْفَرد الْحَرَام وصل إِلَيْنَا خبر من نَحْو الشَّام حَارِث فِيهِ الْعُقُول والأفهام بواقعة يَنْبع وَمَا جرى فِيهَا من الْأَحْكَام بِتَقْدِير الْملك العلام أَن التجريدة الَّتِي جهزت من مصر أوقع بهم السَّيِّد حمود فِي جَيش لهام من أهل يَنْبع وجهينة وعنزة وخاص وعام فَأَخَذُوهُمْ عَن آخِرهم وقتلوهم وسلبوا أَمْوَالهم وَأسرُوهُمْ وَلم يسلم مِنْهُم إِلَّا نَحْو الْمِائَة وَكَانَ مَعَهم مَال جزيل فَذهب شذر مذر بعد أَن تفرق أَصْحَابه شغر بغر وأمسكوا كَبِيرهمْ السنجق يُوسُف بك وَكَانَ من الْقَتْلَى من السَّادة الْأَشْرَاف خَمْسَة أشخاص هم السَّيِّد شبير بن أَحْمد بن عبد الله وَالسَّيِّد سرُور بن حُسَيْن بن عبد الله وَالسَّيِّد إلْيَاس بن عبد الْمُنعم بن حسن وشخص من ذوى عنقاء يُسمى السَّيِّد زين العابدين بن نَاصِر تغمدهم الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان وأسكنهم أَعلَى فراديس الْجنان // (من الطَّوِيل) //
(وقَتْلى أيادي الخيلِ بَيْنَ وجوهِهِمْ
…
فخيرُ المنايا مَا يكُونُ مِنَ القَتْلِ)
وانتهبت الْأَعْرَاب الأجمال بالأحمال ثمَّ أَمر مَوْلَانَا السَّيِّد حمود بِجمع حَرِيم السنجق وحريم غَيره فِي مخيم كَبِير وأجرى عَلَيْهِم المصروف والقوت وَقدر الله للسنجق فِي تِلْكَ الأَرْض أَن يَمُوت وَكَانَ اللِّقَاء يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر رَجَب من سنة ثَمَان وَسبعين الْمَذْكُورَة وَقد كَانَ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود أرسل إِلَى الْعَسْكَر قبل قدومهم عَلَيْهِ أَن لَيْسَ لكم طَرِيق علينا إِن لم يكن السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم وَالسَّيِّد مُحَمَّد مَعكُمْ فَأَشَارَ بعض كبار الْعَسْكَر على يُوسُف بك الْمَذْكُور بالعدول عَن هَذَا الطَّرِيق وسلوك طَرِيق خَالِيَة عَن التعويق فَأَجَابَهُ السنجق بِفساد رَأْيه وَلم يمتثل وَكَانَ أَمر الله شَيْئا قد فعل
وزوار الرَّسُول عليه الصلاة والسلام الَّذين خَرجُوا على النّصْف من رَجَب لما كَانُوا فِي الطَّرِيق وهم ذاهبون بَلغهُمْ خبر الْعَسْكَر وَمَا وَقع لَهُم فاضطربوا وأشكل عَلَيْهِم الْأَمر وترددوا بَين أَن يرجِعوا إِلَى مأمنهم أَو يتوجهوا إِلَى مقصدهم فَردُّوا الْأَمر إِلَى سيد الْقَافِلَة وكبيرها مَوْلَانَا الشَّيْخ عِيسَى بن مُحَمَّد المغربي الثعالبي وَكَانَ مُتَوَجها مَعَهم فَأَشَارَ عَلَيْهِم بالتوجه من طَرِيق القاحة وَهِي مَعْرُوفَة وَكَانَ سَابِقًا يسلكها الْأَولونَ وفيهَا عمائر وآثار بِنَاء وعيون إِلَّا أَنَّهَا هجرت الْآن فسلكوا بالأمان تِلْكَ الأنحاء وتلقاهم شيخ الْعَرَب وسلطانها الْقَائِم بِخِدْمَة الْحَرَمَيْنِ مُنْذُ أزمان الشهَاب أَحْمد بن رَحْمَة بن مُضيان وَتوجه بهم إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فسلكوها آمِنين وَخَرجُوا على النازية قَرِيبا من الروحاء ثمَّ إِنَّه خرج بهم وأوصلهم إِلَى حَيْثُ لاقاهم وَرَجَعُوا سَالِمين أَوْلَادهم وأخراهم غير أَن بعض الزوار لما وصلوا قرب الْمَدِينَة قَرِيبا من الْمحل الْمُسَمّى مفرح تقدمُوا عَن الْقَافِلَة وَقد جرت الْعَادة بذلك فَرحا وشوقاً إِلَى مَا هُنَالك فَنزل عَلَيْهِم السراق فَأخذُوا مَا مَعَهم فِي تِلْكَ الفجاج وَحصل لَهُم جراحات وشجاج وَأهل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة لما بَلغهُمْ مَا وَقع للعسكر وَقع عِنْدهم الِاضْطِرَاب الشَّديد والتعب الَّذِي مَا عَلَيْهِ من مزِيد وانقطعت عَنْهُم سبل الْوَارِد وغلا السّعر فِي المقتات بل لم يجده وَاجِد وَأما أهل مصر فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم الْخَبَر التهبت نيران الْغَضَب فِي أحشائهم فَظهر مِنْهَا بِوُجُوهِهِمْ الشرر فَقتلُوا من ظفروا بِهِ من أَتبَاع السَّيِّد أبي الْقَاسِم وَالسَّيِّد مُحَمَّد وتتبعوهم فِي الْأَمَاكِن اللواتي استخفوا فِيهَا وَنَادَوْا فِي الْبِلَاد بالوعيد الشَّديد لمن ستر خبية أحد مِنْهُم تخذيرا وتنبيهاً وَأمر بالسيدين الْمَذْكُورين إِلَى حبس الدَّم الْمُسَمّى فِي عرفهم عرق خانة وَالْأَمر لله سُبْحَانَهُ بعد أَن طلب الباشا من الْعلمَاء الْفَتْوَى بِجَوَاز قَتلهمْ فَلم يفتوه فَأمر باعتقالهما لما كَانَ والداهما وَبَنُو عَمهمَا اقترفوه وأورثه ذَلِك غيظاً وقهراً أنسياه كَرِيمَة {وَلا تزُر وازِرَةٌ وزرَ أُخْرَى} الاسراء 15 فاستمر إِلَى أَن عزل شَيْطَان إِبْرَاهِيم باشا عَام ثَمَانِينَ وَدخل مصر حُسَيْن باشا الْمَعْرُوف بِابْن جَان بلاط مُتَوَلِّيًا لَهَا فَمَا غفل عَن شَأْنهمَا وَلَا لَهَا بل
سَأَلَ عَن سَبَب حبسهما والداعي إِلَيْهِ وكشف الله عَن بصر بصيرته بِمَا أَفَاضَ من نور الْحق عَلَيْهِ فَأخْبر بِمَا وَقع بالعسكر من أبويهما فَقَالَ هَل كَانَ الْوَاقِع قبل وصولهما أَو بعده فَقيل لَهُ بعده بِمدَّة فَقَالَ لَا ينْسب شئ من ذَلِك إِلَيْهِمَا وَلَا يعد ذَنْب أُولَئِكَ عَلَيْهِمَا وَأمر بإخراجهما واستدناهما وأكرمهما وَأقَام لَهما الْمُقَرّر كل يَوْم وَشهر وخيرهما بَين الْإِقَامَة وَالْعود إِلَى الدَّار وَالْمقر وأنزلهما فِي بَيت نقيب الْأَشْرَاف ووالى عَلَيْهِمَا الإنعام والألطاف فَلَمَّا كَانَ شهر رَمَضَان سنة ثَمَانِينَ استدعاهما ذَات لَيْلَة النَّقِيب إِلَى الْإِفْطَار عِنْده وَأعد من فاخر الْأَطْعِمَة عدَّة فَذهب السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم إِلَيْهِ مَعَ جملَة من الأحباب وَأما السَّيِّد مُحَمَّد فَلم يذهب إِلَيْهِ وَكَأَنَّهُ توهم واستراب ثمَّ لما كَانَت اللَّيْلَة الثَّانِيَة دعاهما أَيْضا واستنكر عدم وُصُول السَّيِّد مُحَمَّد إِلَيْهِ فِي اللَّيْلَة الأولى وكلف من الْأَطْعِمَة مَا أظهر بِهِ الْيَد الطُّولى وردد الرسائل إِلَيْهِ تترى مرّة بعد أُخْرَى فقوي الريب عِنْد السَّيِّد مُحَمَّد وَتمكن وَتحقّق ظنا أَن عمل الْبَاطِن مبطن فَامْتنعَ وَاعْتذر بِبَعْض الْأَعْذَار وَذهب إِلَيْهِ السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم وَكفى فِي التَّحَرُّز سور الأقدار ثمَّ خرج السَّيِّد مُحَمَّد على ركائب أعدت لَهُ فِي جمَاعَة وَهُوَ شَدِيد الْعَزْم والمُنة حَتَّى وصل إِلَى مَكَّة وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَأما السَّيِّد المرحوم أَبُو الْقَاسِم ابْن السَّيِّد حمود فاستمر إِلَى أَن أَتَاهُ قَضَاهُ الله بالأجل المحتوم ففاز بِالشَّهَادَةِ من وَجْهَيْن الغربة والطاعون المشئوم فِي شهر شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف رحمه الله برحمته وآواه سرح جنته وَفِي هَذَا الْعَام وَقع من عَسْكَر الْمَدِينَة وعامتهم الْقيام على أَفَنْدِي الشَّرْع لحَال اقْتضى الْقيام على مَا زعموه فرجموه أَو كَادُوا أَن يرجموه ثمَّ تعدوا فزادوا فِي العتو والطغيان وانتهكوا حُرْمَة سيد ولد عدنان حَتَّى أَن بَعضهم سحب السِّلَاح فِي الْحرم وَلم يرقب حُرْمَة سيد الْأُمَم وَكَذَلِكَ هجموا على بَيت نَائِبه الشريف
وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ وَلم يراعوا من هُوَ منتسب إِلَيْهِ وَحصل أَيْضا لأهل الطَّائِف فِي هَذَا الْعَام تَعب وجوع وَخَوف حَتَّى خشِي كل مِنْهُم تلافه وَاجْتمعت عَلَيْهِم الْكَلِمَات الثَّلَاث برد وجوع ومخافة ووصلت كيلة الْحبّ إِلَى خمسين محلقاً وَغَيرهَا قريب مِنْهَا وَفِي شهر رَجَب الْمَذْكُور من سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَقع بطرِيق الطَّائِف بالقرية الْمَعْرُوفَة بالسيل أَن كَانَت أحمال متوجهة إِلَى الطَّائِف مُشْتَمِلَة على أرز وَسمن وتمر وبن وقماش وَغير ذَلِك تدخل فِي عشْرين بَعِيرًا نزل عَلَيْهِم بعض الْأَعْرَاب من عتيبة أهل الْبَادِيَة فَلم يبقوا مِنْهُم بَاقِيَة وَحصل بَينهم وَبَين أهل السَّيْل قتال فَقتل من أهل الْقرْيَة وَاحِد وَحصل فِي باقيهم جراحات وأخرب الْقَوْم الْبِلَاد اللَّهُمَّ عَلَيْك بِكُل بَاغ ذِي عناد وَكَذَلِكَ اجْتمع طَائِفَة من هَذِه الفئة الباغية والعصبة الطاغية وداروا فِي أَطْرَاف مَكَّة ونواحيهْا يتخطفون النَّاس ويؤذون الْمُسلمين فويل لَهُم من مَالك يَوْم الدّين وَكَذَلِكَ أهل مَكَّة كَانُوا فِي شدَّة وَغَلَاء وَجهد وبلاء طحنوا الفول والحمص وجعلوه خبْزًا فَلم يجز إِلَّا بعض الْإِجْزَاء وَبلغ ثمن الإردب الْقَمْح أَرْبَعِينَ دِينَارا إِلَى خمسين بل عدم بِالْكُلِّيَّةِ وَوزن الْخبز الَّذِي يُبَاع فِي السُّوق بمحلق جَاءَ وَزنه أُوقِيَّة وكل شئ خرج فِي ثمنه عَن معتاده وَلَكِن لطف الله سَار فِي عباده وَمن ظن انفكاك لطفه عَن قدره فَإِنَّمَا ذَاك لقُصُور نظره وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس رَمَضَان مِنْهَا اجْتمع الرّعية وتوجهوا إِلَى مَوْلَانَا الشريف وَرفعُوا أَصْوَاتهم بَين يَدَيْهِ يَشكونَ النَّاظر والمحتسب عَلَيْهِ فَأمر بإحضارهما وَحكم بعزلهما وحبسهما لتواتر الْخَبَر عِنْده بظلمهما وبأكلهما الرشا وَسُبْحَان الله يفعل مَا يشا وَفِي هَذِه الْمدَّة وصلت قافلة من مَدِينَة الرَّسُول مَعَهم مَال جزيل فَلَمَّا كَانُوا بالقرية الْمُسَمَّاة مستورة أقبل عَلَيْهِم أَقوام فَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَهم قيل إِنَّه يدْخل فِي خمسين ألف وَالله أعلم وَفِي ثامن عشر رَمَضَان الْمَذْكُور وصل إِلَى وَادي مر وَإِلَى جَدة ونواحيهما جملَة
من قَبيلَة عتيبة عرب الشرق أهل الْفساد والطغيان فِي مائَة مردوفة وَقيل مِائَتَيْنِ فَأخذُوا مَا وجدوا وَانْصَرفُوا قابلهم الله بِمَا اقترفوا فَلَمَّا بلغ مَوْلَانَا الشريف سعد خبرهم أرسل فِي طَلَبهمْ جمعا من الْأَشْرَاف والعسكر عَلَيْهِم اْخوه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد فَأخذ فِي أَثَرهم عدَّة لَيَال وَبلغ من الظفر بهم أعظم منال فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من رَمَضَان وصل مَكَّة مُبشر من عِنْده بِأَنَّهُ ظفر بهم وَأَخذهم وقتلهم وَحصل مِنْهُم مَال كَبِير خذلهم الله تَعَالَى وأذل مِنْهُم الْكَبِير وَالصَّغِير وَفِي اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة أَيْضا جَاءَ مُبشر من جِهَة مصر بتوجه الْعَسْكَر والمراكب بِالطَّعَامِ لأهل بلد الله الْحَرَام وفيهَا أَيْضا ظهر عَمُود من نور نَحْو الغرب مهيل طَوِيل وغلظه كَطُولِهِ غلظ أعظم النخيل وَحصل بِهِ خوف ورعب للْمُسلمين وَهُوَ من الْآيَات للمعتبرين وَظهر فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة لكنه فِي الطول أَكثر بِحَيْثُ إِنَّه امْتَدَّ إِلَى ثلث السَّمَاء ثمَّ إِنَّه صَار يضعف نوره ويتقهقر إِلَى لَيْلَة الثَّامِن من شَوَّال لم يظْهر لَهُ نور بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا أثر وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْمَنَافِع والمضار نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ اللطف فِيمَا جرت بِهِ الأقدار وَفِي آخر الشَّهْر وصلت جلاب من الْيمن وسواكن ففرقت على أهل السُّوق وَفَرح بذلك النَّاس وتباشرت بنزول السّعر وَفِي الِاثْنَيْنِ كَانَت السَّمَاء معلولة وَلم يظْهر الْهلَال فَلَمَّا كَانَ وَقت الْعشَاء ثبتَتْ الرُّؤْيَة عِنْد حَاكم الشَّرْع بِشَهَادَة جمع من عدُول الْمُسلمين وَثَبت الْفطر وتواتر الْخَبَر بعد ذَلِك بِهِ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَفِي لَيْلَة ثَالِث شَوَّال تباشرت النَّاس بوصول المراكب وتواجدت الْحُبُوب فِي الْأَسْوَاق وَكم لله على النَّاس من نعم على الْإِطْلَاق ثمَّ عقب ذَلِك أَن اشْتَدَّ الْأَمر على الْمُسلمين وَرجع إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ إِن غَالب الْفُقَرَاء والضعفاء يكون الْوَاحِد مِنْهُم مَاشِيا فيطيح فَيَمُوت وَمِنْهُم من يكون جَالِسا فتهفت روحه وَقد شوهد ذَلِك وَصَارَ الْفُقَرَاء يَجْتَمعُونَ فِي المذبح ويتلقون
الدِّمَاء ليأكلوها وَذكر أَن بجدة كَانُوا يدورون على الطَّعَام فِي السُّوق فَلَا يجدونه وَأَرْسلُوا إِلَى مَكَّة يطلبونه مَعَ أَن جدة مَمْلُوءَة من الطَّعَام لكنه فِي أَيدي التُّجَّار بل الْفجار كَمَا قَالَه سيد الْأَبْرَار للمحتكرين اللَّهُمَّ عَلَيْك بهم وبجميع المفسدين وَأما أهل مَكَّة المشرفة فقد اجْتمع عِنْدهم فِي هَذَا الْعَام من الْأُمَم مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ لِأَن الجدب والقحط عَام فِي أَرض الْحجاز ونواحيها وكل من اشْتَدَّ بِهِ الْحَال صَار يَأْتِيهَا هَارِبا من بَلَده إِلَى بَيت الله الْعَتِيق يأتونه من كل فج عميق وحلت الْميتَة والبسس وَالْكلاب بعد أَن بيع مَا يملك من أثاث الْبَيْت وَالثيَاب وَصَارَ الْفُقَرَاء يهجمون على الْبيُوت فتعب مِنْهُم النَّاس وصاروا يغلقون الْأَبْوَاب وَفِي هَذَا الشَّهْر اتّفق أَن جَارِيَة لبَعض الْأَعْرَاب يعْرفُونَ بالمشارية دخلت يَوْمًا بَيْتا فَلم تَجِد فِيهِ إِلَّا امْرَأَة عجوزاً وَهِي من جمَاعَة عَسْكَر مصر فخنفتها فقتلتها وَرَآهَا بعض الْجِيرَان فَدَخَلُوا عَلَيْهَا وأمسكوها ودعوا ابْن بنتهَا فجَاء مَعَ جمَاعَة الْعَسْكَر فَأَخَذُوهَا وطلعوا بهَا إِلَى مَوْلَانَا الشريف فَلم يُثبتوا وحبسوها عِنْدهم يَوْمَيْنِ وَفِي الْيَوْم الثَّالِث عصبوا على قَتلهَا فَقَتَلُوهَا يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشري شَوَّال عِنْد الششمة الْمَعْرُوفَة بالبزابيز قلت وَيُقَال إِنَّهَا كَانَت صَاحِبَة لِابْنِ بنتهَا وَكَانَت المقتولة تنهاه عَنْهَا وتحذره مِنْهَا فظنت أَنَّهَا بقتلها يَخْلُو لَهَا وَجه صَاحبهَا فَكَانَ هُوَ الْقَاتِل لَهَا وَالله أعلم أيا كَانَ ذَلِك وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشري شَوَّال الْمَذْكُور وصل خبر من جدة بوصول جمَاعَة من الْعَسْكَر الرُّتْبَة بحراً وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء دخلُوا مَكَّة المشرفة وأخبروا بِخُرُوج الْعَسْكَر من مصر وهم يدْخلُونَ فِي ثَلَاثَة آلَاف وبتجهيز المراكب لأهل الْحَرَمَيْنِ وللعسكر وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة غرَّة ذِي الْقعدَة كَانَ حريق بِأَعْلَى مَكَّة بالمعابدة وَفِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة كَانَ أَيْضا حريق بشعب عَامر بِالْقربِ من ضريح وَالِد سَيِّدي أَحْمد البدوي نفعنا الله بِهِ وَفِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة انقض نجم كَبِير مهيل نَحْو الشرق وَفِي لَيْلَة الْخَامِس مِنْهُ
احْتَرَقَ سوق المعلاة جَمِيعه وَفِي الْيَوْم السَّابِع وصل مُبشر بوصول مركب هندي بِالْقربِ من جدة المعمورة وَوصل مِنْهُ جمَاعَة وَفَرح الْمُسلمُونَ ثمَّ بعده بِنَحْوِ يَوْمَيْنِ دخل مركب من بنقالة وَفِيه خير كثير وَفِي الأول هَدِيَّة سنية لمولانا الشريف ألهمه الله الْعدْل فِي الرّعية وَهَذِه من أعظم السعودات وأيمن الاتفاقات وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي ذِي الْقعدَة الْحَرَام برز عَسْكَر الشريف لما بلغه تحرّك السَّيِّد حمود لنهب يَنْبع فَجهز من مَكَّة نَحْو الْمِائَتَيْنِ عَلَيْهِم بِلَال أغا ليقيموا بينبع الْبَحْر أرسلهم رُتْبَة فاتجهت هَذِه الرُّتْبَة بعسكر التجريدة بواسط لَيْلًا وردهَا مَعَه مقدم التجريدة مُحَمَّد جاوش إِلَى بدر ثمَّ أقبل بِمن مَعَه إِلَى مَكَّة وَأَقْبل مَعَه بِلَال أغا وَذَهَبت الرُّتْبَة إِلَى يَنْبع الْبَحْر فأقامت بِهِ إِلَى وُصُول مَوْلَانَا الشريف سعد مَعَ الْحَاج الْمصْرِيّ وعسكر التجريدة وَفِي هَذِه الْمدَّة اشْتَدَّ الْحَال على أهل مَكَّة حَتَّى أَن غالبهم بَاعَ حوائج بَيته وثيابه وَلم يبْق لَهُ شئ وَصَارَ يسْأَل النَّاس وَمِنْهُم من بَاعَ أَوْلَاده وَمِنْهُم من رمى بهم وَاتفقَ لبَعض أَصْحَابنَا رَحمَه الله تَعَالَى أَنه اشْترى بِنْتا من أَبِيهَا بحرفين وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور أصبح عماد أغا من جدة بعد أَن كَانَ توجه بحراً إِلَى مصر وَوصل الطّور وَرجع لأمر من الْأُمُور وَالله أعلم بِمَا تكن الصُّدُور وَفِي سَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور دخلت عشرَة مراكب جدة بالسلامة وَهَذِه أعظم كَرَامَة وفيهَا الْعَسْكَر وَالْحجاج وَالطَّعَام وجرايات أهل مَكَّة وَخير كثير وَذَلِكَ من لطف الله على الْأَنَام وَفِي أول ذِي الْحجَّة الْحَرَام دخل حجاج الْبَحْر مَكَّة المشرفة وَمَعَهُمْ الْعَسْكَر من جدة المعمورة وَحصل بدخولهم فرج كَبِير للْمُسلمين وَدخل فِي الْيَوْم الرَّابِع مِنْهُ الْحَاج الْمصْرِيّ وصحبته خلعة من مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وخلعة أُخْرَى من الباشا كِلَاهُمَا لمولانا الشريف سعد أَطَالَ الله بَقَاءَهُ وَفِي الْيَوْم الْخَامِس دخل الْمحمل الْمصْرِيّ وَكَانَ الْحجَّاج فِي هَذَا الْعَام قليلين فَخرج جمع يسير وَخرج قبلهم الْعَسْكَر المعينون للتجريدة فتلاقوا قبل يَنْبع بيومين
أَو ثَلَاثَة ودخلوا سَوَاء وَأَقَامُوا فِيهَا أَيَّامًا نَحْو خَمْسَة أَو سِتَّة وهم يكاتبون السَّيِّد حمود ويعرفونه وَهُوَ يُرْسل الْجَواب وَالْكَلَام الشَّديد فحملوا عَلَيْهِ وَأَقْبلُوا فوجدوا الْخيام قفراً والمزار بعيد ثمَّ إِنَّهُم عقدوا بَينهم شُورَى فاتفق الرَّأْي أَن بَعضهم يُقيم لحفظ الْبَلَد وَالْبَعْض الآخر يحجّ وهم الْأَكْثَرُونَ ثمَّ إِنَّه توجه الْعَسْكَر وَمَعَهُمْ سنجقان وَالثَّالِث مُحَمَّد جاوش وَهُوَ رَئِيس الْعَسْكَر وَكَبِيرهمْ وَشَيخ الْحرم وسنجق جدة المعمورة فَدَخَلُوا مَكَّة فِي موكب عَظِيم يَوْم سبع من ذِي الْحجَّة وَفِي الْعَسْكَر اثْنَا عشر كاشفاً تَحت كل كاشف جمَاعَة وَمَعَهُ نقارة مَضْرُوبَة على رَأسه كَمَا هُوَ عَادَة أهل مصر وَفِي الْيَوْم الثَّامِن دخل الْحَاج الشَّامي واليماني وَالْمَدَنِي وَفِيه طلعوا إِلَى عَرَفَات وَأما أهل الْعرَاق وَأهل نجد وَأهل الْحجاز وَسَائِر الْعَرَب لم يحجوا لما حصل لَهُم من التَّعَب والجوع وَالْخَوْف الْمَذْهَب للهجوع وَفِي هَذَا الْعَام جَاءَ الْحجَّاج بِدَرَاهِم محلقة فَاسِدَة مطيرة كاسدة وأخربوا بهَا مُعَاملَة الْبِلَاد بِحَيْثُ إِن كل ثَلَاثَة مِنْهَا بدرهم من الْجِيَاد من حَيْثُ الْقدر وَالْقيمَة فَصَارَ كل يردهَا فغلت الأسعار وَأمْسك كل على مَا عِنْده من الطَّعَام وَهَلَكت الرّعية وَوَقعت الْفِتْنَة بَين الْمُسلمين بِسَبَبِهَا وَبلغ ثمن الشريفي الْأَحْمَر إِلَى ثَلَاثَة وَنصف وَإِلَى أَرْبَعَة إِلَّا ربع والقرش بِخَمْسَة وَسبعين قلت هَذَا فِي تِلْكَ السّنة وَأما الْيَوْم فَهُوَ بسبعة حُرُوف وَنصف انْتهى وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشر ذِي الْحجَّة طلع مُحَمَّد جاوش إِلَى المعلاة فِي موكب عَظِيم وَلبس خلعة جَاءَتْهُ من حَضْرَة الباشا وَفِي حَال توجهه قتل سِتَّة أشخاص من أَتبَاع السَّيِّد حمود وأتى بهم من يَنْبع مفرقين اثْنَان بالمسعى وَاثْنَانِ بالمدعي وَاثْنَانِ عِنْد بَاب المعلاة وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام توجه الْحَاج الْمصْرِيّ والعسكر ومولانا الشريف سعد أعزه الله إِلَى يَنْبع نَحْو السَّيِّد حمود وَأقَام أَخَاهُ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مقَامه على مَكَّة المشرفة وَكَانَ يَوْم بروزهم شَدِيد الْحَرَارَة وتحركت فِيهِ السمُوم بالشوب وَهلك بِسَبَبِهِ جمع كَبِير من الْحجَّاج وَالدَّوَاب
وَذَلِكَ بِلَا شكّ زِيَادَة فِي الْأجر وَالثَّوَاب وَكَانَت الوقفة فِي هَذَا الْعَام بالإثنين من غير شكّ وَلَا خلاف بَين اثْنَيْنِ ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين فِي يَوْم الثُّلَاثَاء غرَّة محرم الْحَرَام مِنْهَا خرج الْمحمل الشَّامي ثمَّ إِن الْعَسْكَر ومولانا الشريف لما توجهوا إِلَى يَنْبع ضربوا شُورَى فِي أَنهم يُقِيمُونَ هُنَاكَ أَو يتوجهون خلف السَّيِّد حمود أَو يرجعُونَ إِلَى مصر فاتفق الرَّأْي أَنهم يذهبون إِلَى مصر وَأقَام مَوْلَانَا الشريف وَمن مَعَه من الْجَيْش وَمُحَمّد جاوش وَأمْسك مَوْلَانَا الشريف جمَاعَة من المفسدين الَّذين كَانُوا فِي الْحِرَابَة قتلوا فِي عَسْكَر السنجق يُوسُف وَالْحجاج وَأخذُوا أَمْوَالهم وَغَيرهم من العربان وحبسهم فِي السجْن وكبلهم بالقيود والأغلال وغرمهم مَا نهبوه من تِلْكَ الْأَمْوَال وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس صفر من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة تسع وَسبعين برز مَوْلَانَا الشريف أَحْمد أَسبَابه وَعَسْكَره إِلَى جِهَة الْمَبْعُوث لإِصْلَاح تِلْكَ الْجِهَات والطرقات أصلح الله شئونه فِي السكنات والحركات وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي ربيع الآخر وَقع حريق وَقت الْعَصْر كَبِير فِي شعب أجياد وَرَاء جبل أبي قبيس وَسلم الله الْمُسلمين وَفِي رَابِع عشر من جُمَادَى الأولى ورد علينا خبر من الشَّام بوصول خلعة من الباشا لمولانا الشريف سعد أسعده الله تَعَالَى وأسبغ عَلَيْهِ نعمه ووالى وَأَنه لبسهَا يَوْم أَربع مِنْهُ وَمَعَهَا مَكْتُوب بتفويض أَمر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونواحيهما إِلَيْهِ من غير شريك ثمَّ إِنَّه أَمر بقتل أَرْبَعَة من المفسدين وبهدم السُّور الَّذِي يتحصنون فِيهِ فهدموه حجرا حجرا بِأَيْدِيهِم وَكَذَلِكَ أَمر بِإِقَامَة الْجَمَاعَة وَالْجُمُعَة بناديهم وَفِي هَذَا الشَّهْر تَوَاتر الْخَبَر من جِهَة أَرض الْيمن باشتداد الجدب والقحط فِيهَا كالقنفذة وصبيا والتهائم ونواحيها وفى بعض الْأَيَّام بالقنفذة وجدوا فِي دَار امْرَأَة حجامة رجلَيْنِ مقتولين أَحدهمَا مَأْكُول وَالْآخر شرعت فِي أكله وأعضاء أَطْفَال مِنْهَا طرى وَمِنْهَا يَابِس فَأَمْسَكت وغرقت فِي الْبَحْر وَقيل وضعت على الجزيرة الَّتِي أَمَام القنفذة وسط الْبَحْر ففقدت صَبِيحَة لَيْلَة الْوَضع
وَأما أهل الطَّائِف فَلَحقُوا شدَّة عَظِيمَة بلغت الكيلة الحماط ثَلَاثِينَ محلق غير مَوْجُودَة فَمَا بالك بغَيْرهَا وَمَا صَار أحد يخبز عيشه فى الْقرن لأَنهم يخطفونه من شدَّة الْجُوع ويهربون بل يخبزونه فِي الْبيُوت ويستترون هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من لَهُ قدرَة نسْأَل الله أَن يمن علينا بنظرة أما الْفَقِير فَمَا أكله غير الْجُلُود وَالْعِظَام والدماء الْميتَة وَلم يَجْسُر أحد يمشي وَحده إِن أحوجه الْأَمر إِلَى الْخُرُوج تسلح وَقَرَأَ حزبه وورده وَكَذَلِكَ أهل الْحجاز الْأَعْلَى هربوا من بِلَادهمْ وتركوها وغالب أهل الْقرى والبادية جَاءُوا إِلَى مَكَّة هاربين وَإِلَى رب الْبَيْت ملتجئين وخاضعين وهم يصيحون الْجُوع الْجُوع ويتضرعون وَفِي الطرقات يتصرعون وَفِي يَوْم عشْرين من هَذَا الشَّهْر أَمر نَائِب الشريف مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد بشير ابْن سُلَيْمَان على مَكَّة لِأَنَّهُ أنابه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد عِنْد خُرُوجه إِلَى جِهَة الْمَبْعُوث أَمر بشنق رجل من الْأَعْرَاب فشنق عِنْد الششمة الْمَعْرُوفَة بالبزابيز وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَنه هُوَ وَرجل آخر قتلا رجلا من أَبنَاء الطّواف فِي طَرِيق جدة ومثلا بِهِ وأخذا مَا مَعَه فَأمْسك أَحدهمَا وهرب الآخر وَفِي أول هَذَا الشَّهْر أخبر الثِّقَة عَن جمَاعَة ثِقَات أَنهم وجدوا فِي يَوْم من الْأَيَّام حَيَوَانا يشبه الضبع بِأَعْلَى مَكَّة نَحْو المنحنى فَقدم على حمَار فَرَآهُ بعض النَّاس فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ وذهبوا خَلفه فَدخل بعض الْبيُوت وَوجد امْرَأَة فجرحها فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وقتلوه وَلم يعرفوا مَا هُوَ فَسَموهُ الغول وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشري الشَّهْر الْمَذْكُور كسفت الشَّمْس بعد اصفرار من غير سَواد نَحْو ساعتين وَلما كَانَ أول جُمَادَى الْأُخْرَى اشْتَدَّ الْبلَاء بِالْمُسْلِمين والفقراء وَالْمَسَاكِين فَعِنْدَ ذَلِك قذف الله تَعَالَى فِي قُلُوب بعض عباده الرَّحْمَة والشفقة فَاجْتمعُوا على أَمر هُوَ أَنهم يجْعَلُونَ شَيْئا من حطام على أهل الْقُدْرَة والطاقة ليَكُون لَهُم ذخيرة عِنْد الله يَوْم الْحَسْرَة والفاقة وهم ثَلَاثَة مِنْهُم الِاثْنَان العالمان العاملان مَوْلَانَا الشَّيْخ عِيسَى ابْن مُحَمَّد المغربي الثعالبي الْجَعْفَرِي ومولانا الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَالثَّالِث قطب الْوُجُود وَالزَّمَان ذُو السِّرّ والبرهان الْوَلِيّ الصَّالح صَاحب القَوْل الرَّاجِح
مَوْلَانَا السَّيِّد عبد الرَّحْمَن المغربي الشهير بالمحجوب ثمَّ إِنَّه انتدب لخدمة الْفُقَرَاء وَالْقِيَام بمصالحهم بعض الإخوان من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح ونادى مناديهم بِلِسَان الْحَال يَا عباد الله حَيّ على الْفَلاح فابتدروا وتقدموا إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الْقَائِم مقَام وَهُوَ السَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان فأجابهم بالتحية وَالْإِكْرَام وَأَعْطَاهُمْ مَا قدر عَلَيْهِ طَمَعا فِي دَار السَّلَام ثمَّ توجهوا إِلَى كبراء الْبِلَاد فَأعْطِي كل بِقدر مَا قسمه الله وَأَرَادَ وَكتب مَوْلَانَا الشَّيْخ إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعد وَكتب أَيْضا إِلَى أَخِيه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد فأجابا وأمرا خدامهما وأتباعهما بشئ من الْبر مِقْدَاره عَظِيم ليَكُون لَهما ذخيرة عِنْد رب الْعَالمين إِذْ هُوَ صلَة للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَلَمَّا اجْتمع من الدَّرَاهِم وَالطَّعَام مَا فِيهِ الْبركَة رَأَوْا أَن يَجْعَلُوهُ دشيشة مَعَ دشيشة السُّلْطَان مرَّتَيْنِ أول النَّهَار واَخره على الدَّوَام وَالْقدر الَّذِي يطْبخ فِي الْوَقْتَيْنِ أَرْبَعَة أرادب وشئ وَكَانَ فتحهَا فِي خَامِس جُمَادَى الْأُخْرَى من سنة التسع وَالسبْعين فَحصل بهَا نفع كَبِير للْمُسلمين وَالْفَقِير فجزى الله المتصدقين والعاملين عَلَيْهَا والقائمين بهَا أفضل الْجَزَاء ورضى عَنْهُم أحسن الرِّضَا وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة ورد خبر وَفَاة المرحوم مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن السَّيِّد عَليّ بن باز بن حسن من الْيمن رحمه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَفِي لَيْلَة سَابِع عشر رَمَضَان حصلت رَحْمَة من السَّمَاء علينا وعَلى أَطْرَاف مَكَّة فَحصل بهَا فرج كَبِير وسرور للْمُسلمين كثير وَفِي ثَالِث شَوَّال وجدت بنت مراهق مقتولة فِي بعض الْأَزِقَّة قَرِيبا من سوق العطارين وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن عَلَيْهَا بعض حلي فَقَتلهَا قاتلها لذَلِك وَفِي الْيَوْم الرَّابِع انْتَقَلت امْرَأَة ودفنت ثمَّ أصبح أَوْلَادهَا يزورونها وَكَانَ يَوْم جُمُعَة فوجدوا قبرها منبوشاً وَإِذا كفنها قد سرق فخافوا وتشوشوا تشوشاً شَدِيدا فتركوها وَجَاءُوا يسْأَلُون عَن الحكم الشَّرْعِيّ هَل تكفن ثَانِيًا أم لَا فأجيبوا بِمَا ذكره الْعلمَاء الْأَعْلَام أَن الْمَيِّت إِذا سرق كَفنه يُكفن ثَانِيًا مَا لم يتفسخ ويتفرق اللَّحْم عَن الْعِظَام
وَوَقع من بعض السوقة المفسدين أَنه تكلم مَعَ الدولة فِي مظْلمَة يحدثها على الْمُسلمين وَجعل على نَفسه شَيْئا من الدَّرَاهِم ليأخذها من إخوانه الْمُؤمنِينَ ويتقرب بهَا إِلَى الْجَحِيم ويتباعد عَن جنَّة النَّعيم فَبلغ ذَلِك حَاكم الشريف الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر كَانَ الله لَهُ فِي عونه فَضَربهُ حَتَّى بلغ بِهِ الْهَلَاك ثمَّ حَبسه فشفع فِيهِ فَأخْرج مَحْمُولا إِلَى بَيته وشاع أمره وَظهر وَأقَام ثَلَاثَة أَيَّام وَفِي الرَّابِع أَخذه الْقَضَاء وَالْقدر وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشري ذِي الْقعدَة بعد طُلُوع الشَّمْس بساعتين وَقع أَمر مهيل هُوَ أَنه ظهر من عين الشَّمْس أَو بِالْقربِ مِنْهَا ضوء هائل كالنجم ثمَّ إِنَّه استطال وامتد إِلَى جِهَة الْمغرب وَحصل لمن رَآهُ حَال بدئه غشاوة على بَصَره وارتعدت فرائصه وانزعجت مِنْهُ الْقُلُوب وَهُوَ مُشْتَمل على زرقة وصفرة وَحُمرَة ثمَّ إِنَّه ذهب طرفاه وبقى الْوسط واتسع فِي الْعرض فَخرج مِنْهُ صَوت كالرعد وَلم يكن فِي السَّمَاء غيم وَلَا سَحَاب وَظن بعض النَّاس أَنه صَوت مدفع وَاسْتمرّ سَاعَة وَفِيه عِبْرَة لأولى الْأَلْبَاب ثمَّ اضمحل الْبَاقِي من ذَلِك الشعاع إِلَى سَحَاب ثمَّ إِن النَّاس كثر كَلَامهم فِي ذَلِك وَقَالُوا لَا بُد لهَذَا من شَأْن عَظِيم حَيْثُ إِنَّهُم لم يرَوا مثل ذَلِك وَلم يسمعوا بِمثلِهِ فِي الزَّمن الْقَدِيم وَحكى بعض النَّاس أَنه ذكر هَذِه الْحَادِثَة فِي جمع وتحدث بهَا وَإِنَّهُم قَالُوا لم يُشَاهد مثلهَا فِي ماضي الزَّمَان وَكَانَ فيهم رجل أكبر مِنْهُم سنا فَقَالَ أَنا شاهدت مثل ذَلِك وَأعظم مِنْهُ كنت فِي الْخيف فَوق الصَّفْرَاء مُتَوَجها إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَمَعِي جمَاعَة فسرنا بعد شدّ الْأَحْمَال إِلَى الروحاء فَلَمَّا كُنَّا بملاوي الْخيف وَكَانَ الْوَقْت بعد الْمغرب فَإِذا السَّمَاء انفرجت وَخرج مِنْهَا ضوء سَاطِع مَلأ الْوَادي وتساقط مِنْهُ شهب حَتَّى أيقنا بِالْهَلَاكِ فِي تِلْكَ الْبَوَادِي واستغثنا بالرسول وتشهدنا وتشفعنا بِمن نَحوه قصدنا ثمَّ ذهب واضمحل وبقى شئ من الضَّوْء فِي ذَلِك الْمحل فَخرج مِنْهُ صَوت مهيل كالرعد فظننا أَن الْجبَال تساقطت فاستغثنا وتشهدنا كَذَلِك ثمَّ ذهب واضمحل فسرنا سويعة فَإِذا هُوَ قد وَقع مرّة ثَانِيَة وَكُنَّا كلما وصلنا قَرْيَة نسْأَل أَهلهَا عَمَّا رَأينَا فَيَقُولُونَ رَأينَا مَا رَأَيْتُمْ وشاهدناه وَكَانَ عَاما فِي سَائِر الأقطار فسبحان الله الْفَاعِل الْمُخْتَار
ثمَّ سألناه عَن مُدَّة هَذِه الْوَاقِعَة فَقَالَ لَهَا الْآن سِتّ وَعِشْرُونَ سنة بِهَذِهِ السّنة فَقُلْنَا لَهُ كَيفَ كَانَ عَاقبَتهَا فَقَالَ لم نر إِلَّا الْخَيْر والسلامة وَللَّه الْحَمد والْمنَّة انْتهى وَفِي هَذَا الْيَوْم بِعَيْنِه وَهُوَ الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من سنة تسع وَسبعين وَألف بني الشَّيْخ الْعَلامَة الْعَامِل الْعَارِف الْكَامِل مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان المغربي فِي صحن الْمَسْجِد الْحَرَام بعض أَحْجَار ليضع فَوْقهَا حجرا كَبِيرا مَكْتُوب فِيهِ شاخصان من حَدِيد يُسْتَفَاد مِنْهُ بالظل مَا مضى وَمَا بقى من النَّهَار بالتماس جمَاعَة من الْمُسلمين وليكون نَفعه عَاما للْأمة أَجْمَعِينَ فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ جمَاعَة من الجهلة مِمَّن لَا خلاق لَهُم إِن هَذِه الْحَادِثَة الَّتِي وَقعت فِي السَّمَاء بِسَبَب هَذِه الْوَاقِعَة الَّتِي فِي الأَرْض لِأَنَّهُمَا كَانَتَا فِي يَوْم وَاحِد فِي سَاعَة وَاحِدَة فَكَانَ النَّاس فِي شَأْنهَا حيارى وَقَالَ بَعضهم إِن هَذِه صومعة النَّصَارَى وَكثر مِنْهُم القال والقيل فاستعان بِاللَّه تَعَالَى عَلَيْهِم وتلا {حَسبُناً الله وَنِعْمَ اَلْوَكِيلُ} آل عمرَان 173 فَرفع الْأَمر إِلَى سيد الْجَمِيع مَوْلَانَا الشريف سعد لَا زَالَ من المسعدين فَأمر بوضعها على رغم آناف الْمُعْتَدِينَ وَذَلِكَ قبل وضع الْحجر الَّذِي فِيهِ الْكِتَابَة فجَاء إِلَيْهِ الْمعلم ليضعه فَوق سطح ذَلِك الْبناء فجَاء رَسُول من حَاكم الشَّرْع الشريف وَمنعه فَتوجه إِلَيْهِ الْمعلم فَقَالَ لَهُ لَا تفعل حَتَّى نكتب فِي ذَلِك سؤالا إِلَى الْمُفْتى فَكتب فَأجَاب إِنَّه إِذا كَانَت فِيهِ مصلحَة أَو مَنْفَعَة جَازَ وَضعه بِاتِّفَاق عُلَمَاء الْإِسْلَام وَهَذَا القَوْل من الْحَاكِم الشَّرْعِيّ إِنَّمَا هُوَ بوسوسة بعض الحسدة اللئام وَنَظِير هَذَا الْحجر مَوْجُود فِي مَسْجِد النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي غَيره من الْمَسَاجِد الْكِرَام ثمَّ إِنَّهُم كتبُوا لَهُ مَكْتُوبًا وَفِيه كَلَام لَا يَلِيق بالْمقَام فتعب الشَّيْخ من ذَلِك وَطلب من الْحَاكِم الشَّرْعِيّ أَن يجمع بَينه وَبَين خَصمه فَلم يفعل وَجَاء إِلَى بَيت الشَّيْخ وَاعْتذر وَأمر بِوَضْع الْحجر فَوضع فِي الْيَوْم الثَّانِي وَاسْتمرّ وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشري ذِي الْقعدَة دخل مَوْلَانَا الشريف سعد مَكَّة المشرفة فَحل بهَا السُّعُود فِي موكب عَظِيم خَفَقت بِهِ البنود ودعا لَهُ الْمُسلمُونَ بالنصر
وَالظفر والتأييد حفظه الله تَعَالَى وَفِي يَوْم السبت سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور دخل جدة مركب من الشَّام وغراب بِهِ مستلم جده وصحبته مكاتيب مضمونها عزل القَاضِي ونائب الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور دخل مَكَّة مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن الشريف زيد فِي موكب عَظِيم هُوَ بِهِ حقيق وَكَانَ فِي جِهَة الشرق وَدخل شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام اختتام سنة تسع وَسبعين كَانَ أَوله بالخميس فَلَمَّا كَانَ يَوْم الرَّابِع مِنْهُ وصل رَسُول من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة يخبر بِأَن صُحْبَة الْحَاج الشَّامي رجلا عَظِيم الشَّأْن يُسمى حسن باشا بِيَدِهِ أوَامِر من مَوْلَانَا السُّلْطَان يحكم فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين ويتبصر فيهمَا نِيَابَة عَن خَليفَة الزَّمَان فَلَمَّا كَانَ قرب الْمَدِينَة الشَّرِيفَة برزت لَهُ عساكرها وكبراؤها فتلقوه بِالْقبُولِ فَدخل فِي موكب عَظِيم وَتوجه إِلَى حَضْرَة الرَّسُول وَالسَّبَب الدَّاعِي إِلَى وُصُول هَذَا الرجل أَن أهل الْمَدِينَة أرْسلُوا جمَاعَة مِنْهُم وَمَعَهُمْ مكاتيب إِلَى الحضرة العليةِ يرفعون إِلَيْهِ من مَوْلَانَا الشريف سعد وَأَتْبَاعه فِيهَا الشكية فَأرْسل هَذَا الرجل ليجري الْحق إِلَى معالمه وينصف الْمَظْلُوم من ظالمه فَلَمَّا اسْتَقر بِالْمَدِينَةِ البهية بِالْمَدْرَسَةِ القايتبائية اجْتمع إِلَيْهِ أهل الْمَدِينَة وَشَكوا إِلَيْهِ الْجور والشطط وَالْحَال الفظيع وَالْأَمر الفرط وسلطوه على جمَاعَة من أَعْيَان الْبَلَد مِمَّن ينتمون إِلَى الشريف سعد ذى الْقدر الخطير فأحضورا فِي حَالَة شنيعة من الإهانة والصفح والسحب وأنواع التَّعْزِير ثمَّ وضعُوا فِي السجْن بعد أَن كبلوا بالحديد وَكَانَ لَهُم عِنْده بِالْقَتْلِ تهديد وَمنع الْخَطِيب من ذكر مَوْلَانَا الشريف سعد بِالدُّعَاءِ على الْمِنْبَر وأذاع عَلَيْهِ فِي بلد جده هَذَا الْمُنكر فَلَمَّا بلغ ذَلِك مَوْلَانَا الشريف تَعب من هَذَا الْفِعْل وَأخذ مِنْهُ الحذر وفوض أمره إِلَى من بِيَدِهِ الْقَضَاء وَالْقدر وَلما برز من المدينهْ مُتَوَجها إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق صَار مناديه يُنَادي فِي الطَّرِيق
وَفِي الْيَوْم السَّادِس دخل الْحَاج الْمصْرِيّ مَكَّة وَلبس مَوْلَانَا خلعته الْمُعْتَادَة من قديم الزَّمَان وَدخل فِي الْيَوْم الَّذِي قبله الْحجَّاج بِأَمَان وَفِي الْيَوْم السَّادِس أَيْضا دخل الْحَاج الشَّامي ثمَّ بعد الظّهْر بَين الصَّلَاتَيْنِ دخل الباشا حسن الْمَذْكُور فِي موكب عَظِيم بالآلاى والطبول والزمور وَهُوَ رَاكب فِي تخته إِلَى أَن وصل إِلَى بَاب السَّلَام فَنزل وَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي الْيَوْم السَّابِع دخل الْمحمل الشَّامي وَلبس مَوْلَانَا خلعته الْمُعْتَادَة بعد أَن خرج فِي ذَلِك الموكب السَّامِي وَكَانَ فِي الْعَادة أَن يقسم بعض الصَّدقَات لأهالي مَكَّة قبل الصعُود فبها يَنْتَفِعُونَ وَمِنْهَا يحجون فَمنع من ذَلِك فَلَزِمَ عَن مَنعه الْقعُود وتلوا {إِنا للهِ وَإِنَّا إليهِ رَاجِعوُنَ} الْبَقَرَة 156 وَكَذَلِكَ مَوْلَانَا الشريف تَعب من أَحْوَاله السَّابِقَة وَقَالَ لَا أحج فِي هَذَا الْعَام إِن لم يظْهر مَا بِيَدِهِ من الْأَوَامِر فننظرها كَاذِبَة أم صَادِقَة وَأرْسل بذلك إِلَيْهِ وَإِلَى الْأُمَرَاء وشدد فِي الْكَلَام وَوَقع فِي الْبِلَاد اضْطِرَاب وانزعاج وعزلت الْأَسْوَاق وغلقت الْأَبْوَاب وخلت الطّرق والفجاج وَجمع مَوْلَانَا الشريف جَيْشه وَقَامَ على قَدَمَيْهِ وشمر ولسان الْحَال ينْطق الله أكبر الله أكبر ثمَّ إِن الْأُمَرَاء وكبار العساكر وأركان الدولة أَتَوا إِلَى مَوْلَانَا الشريف وقبلوا يَدَيْهِ وخضعوا رُءُوسهم وأنصتوا لَدَيْهِ وَقَالُوا أَنْت الأَصْل وَإِن لم تحج فَإِن الْأمة لَا يحجون والتزموا لَهُ بالعهود والمواثيق أَنه لَا يَقع خلاف وكل مَا تريده يكون فَعِنْدَ ذَلِك نَادَى مناديه فِي الْبِلَاد بالأمان والاطمئنان وَأَن النَّاس يحجون آمِنين من السوء والعدوان وَأما أهل الْمَدِينَة فتركوا الْحَج خوفًا على أنفسهم من جريرة مَا فَعَلُوهُ من الآثام والأوزار وَأما الْأَعْرَاب وَأهل الْبَوَادِي فَمنهمْ من ترك الْحَج لخوف الطَّرِيق الْمُوجب للإضرار وَمِنْهُم من توجه لِلْحَجِّ فَبَلغهُمْ فى أثْنَاء الطَّرِيق وُصُول الباشا وَمن مَعَه وَمَا مَعَه من الْأَخْبَار فَرَجَعُوا إِلَى أَهَالِيهمْ ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف صعد إِلَى عَرَفَات وَلم يحصل شئ من المخالفات وَكَانَت الوقفة بِالْجمعَةِ وَفِي هَذَا الشَّهْر لم يَقع بَين مَوْلَانَا الشريف وَبَين حسن باشا اتِّفَاق إِلَّا أَنه أوصل الْفُقَرَاء حُقُوقهم وكل يَوْم يحْضرُون بَين يَدَيْهِ مَعَ الإهانة من عسكره فَمن النَّاس من يَدْعُو لَهُ وَأَكْثَرهم يدعونَ عَلَيْهِ
ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَألف كَانَ هلالها بالسبت فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي مِنْهُ سعى جمَاعَة بَينهمَا بِالصُّلْحِ مِنْهُم أَمِير الْمحمل الشَّامي الْأَمِير عساف ابْن الْأَمِير مُحَمَّد فروخ وَكَانَ الِاجْتِمَاع بَينهم بعد الْعَصْر من الْيَوْم الْمَذْكُور بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام خلف مقَام الْحَنَفِيّ بِحَضْرَة الْخَاص وَالْعَام ثمَّ تفَرقا وَرجع كل مِنْهُمَا إِلَى بَيته بالحبور وَأرْسل كل مِنْهُمَا نوبَته إِلَى بَيت الآخر فدقت الطبول والزمور وَكَانَت سَاعَة مباركة سر بهَا الْكِبَار وَالصغَار فِيهَا إِشْعَار بِحُصُول الْوِفَاق وصفاء الأكدار وَأرْسل كل مِنْهُمَا هَدِيَّة سنية وَالله أعلم بِمَا اشْتَمَلت مِنْهُمَا النِّيَّة وَفِي الْيَوْم الثَّامِن من محرم افْتِتَاح سنة ثَمَانِينَ وَألف توجه بعد الْعَصْر مَوْلَانَا الشريف سعد وَأَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد إِلَى حَضْرَة الباشا حسن فقابلهما بالتحية وَالْإِكْرَام وجلسا عِنْده سَاعَة فِي أنس وصفاء وَتعطف فِي الْكَلَام فَلَمَّا أَرَادَا الْقيام ألبس كلا مِنْهُمَا ثوبا نفيساً يَلِيق بهما وَقَامَ لَهما وَمَشى على الْأَقْدَام وخرجا من عِنْده إِلَى الْبَيْت السعيد وقبلا الْحجر الْأسود السعيد وسألا من فضل الله الْمَزِيد وَفِي الْيَوْم الْعَاشِر من الشَّهْر الْمَذْكُور أَرَادَ الباشا السّفر إِلَى جدة المعمورة فَلَمَّا كَانَ بعد الْعَصْر توجه إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الشريف سعد حفظه الله تَعَالَى بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم وَمكث عِنْده سَاعَة من الزَّمَان وَلم يذقْ عِنْده شَيْئا زعم أَنه صَائِم طلبا للغفران ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف أَمر بِتَقْدِيم فرس مسرجة محلآة تَسَاوِي سِتّمائَة دِينَار اللَّهُمَّ ألف بَين قُلُوب عِبَادك كَمَا ألفت بَين الثَّلج وَالنَّار ثمَّ إِنَّه لما نزل إِلَى جدة حكم وتكبر وطغى وتجبر وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع أول من السّنة الْمَذْكُورَة نهب عَسْكَر الشريف السُّوق وَأخذُوا مِنْهُ مَا وجدوه من عَيْش وتمر وَلحم وَسمن وأفسدوا فِي تِلْكَ الأفنية وطلعوا إِلَى قهوة النّخل وَزَعَمُوا أَن فعلهم إِنَّمَا هُوَ للْحَاجة الملجئة من تَأَخّر الجامكية الشريفية وَأَقَامُوا بهَا تِلْكَ اللَّيْلَة ويومها على تِلْكَ العصبية ثمَّ نزلُوا إِلَى أَسْفَل مَكَّة وَأَرَادُوا التَّوَجُّه إِلَى نَحْو الْيمن فَتوجه إِلَيْهِم ابْن الشريف زيد مَوْلَانَا السَّيِّد حسن وصحبته الشَّيْخ أَبُو بكر العرابي وَشَيخ الْعَسْكَر والتزموا
لَهُم مَا أَرَادوا فَرَجَعُوا إِلَى الْبَلَد فأعطوهم مَا كَانَ لَهُم وَزَادُوا وَفِي لَيْلَة الْخَامِس من شهر ربيع الأول من سنة ثَمَانِينَ وَألف دخل مَكَّة مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد مُحَمَّد يحيى ابْن المرحوم الشريف زيد أسكنهما الله فِي الْجنان الْقُصُور وَحصل بِدُخُولِهِ الهناء وَالسُّرُور فَلَمَّا أصبح الصُّبْح تكلم الْعَسْكَر الَّذين هم بِمَكَّة مقيمون فِي دُخُوله الْبَلَد وَهُوَ من الْجَمَاعَة الَّذين هم الناهبون القاتلون فأجابهم مَوْلَانَا الشريف بِأَن عِنْده مَكْتُوبًا من حَضْرَة الباشا بِأَنَّهُ يصطلح مَعَ بني عَمه فَأخْرجهُ لَهُم وقرأه عَلَيْهِم وسجله عِنْد قَاضِي الْمُسلمين فَسَكَتُوا وَرَجَعُوا وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس عَاشر الشَّهْر ثَالِث عشر ربيع الآخر قتل بعض الأتراك زَوجته خنقاً طَمَعا فِي مَالهَا واعتصب لَهُ جمَاعَة وطلبوا الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَلم تقم فخلي سَبيله وَفِي الْيَوْم الْخَامِس عشر مِنْهُ قتل عبد أسود عَتيق لبَعض الْعَرَب رجلا من جماعته كَذَلِك لدنياه وَذَلِكَ عِنْد بِئْر طوئ فبئش مَا نوى وَأمْسك فَأقر فشنق فِي الْيَوْم الثَّانِي فِي مشنق مَحْمُود الْأَعْوَر وَفِي هَذَا الشَّهْر أَو الَّذِي قبله نفى مَوْلَانَا الشريف رجلَيْنِ إِلَى بَلْدَة بيشة أَحدهمَا من أَوْلَاده مَكَّة وَالْآخر من أَشْرَاف الأزبك المجاورين انْتقل هَذَا إِلَى رَحْمَة الله مَوْلَاهُ وَبَقِي الآخر إِذْ أبقاه الله وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَقع بَين عَسْكَر الشريف شنآن وافترقوا فرْقَتَيْن وتقاتلوا ساعتين وَحصل فيهم جراحات وأسفرت عَن سلامات وَكَانَ آغاتهم قد طلع إِلَى المعلاة لزيارة قبر مَوْلَاهُ فأرسلوا لَهُ رَسُولا وَنزل إِلَيْهِم قبل حُضُوره مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن زيد حفظه الله فَفرق جمعهم وأطفأ نارهم وَألف بَينهم وَقبل أعذارهم وَفِي هَذَا الشَّهْر توجه مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن زيد إِلَى قَبيلَة بني سعد فِي جمع يسير وهم فِي مَنْعَة وشاهق خطير وَأَرَادَ قِتَالهمْ لخروجهم عَن الطَّاعَة وَأظْهر كل مِنْهُم تمرده وامتناعه فَأرْسل وَعرف أَخَاهُ مَوْلَانَا الشريف سعد فَجمع جمعا وَأمرهمْ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ والذهاب
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ وصل الْخَبَر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقع الصُّلْح على المَال لتسلم الرّقاب وَدخل جُمَادَى الْأُخْرَى وَكَانَ بالأحد وَفِي الْيَوْم الثَّالِث مِنْهُ آخر النَّهَار انْتقل الْأَخ الْأَعَز المرحوم شهَاب الدّين القَاضِي أَحْمد ابْن القَاضِي مرشد المرشدي الْحَنَفِيّ الْعمريّ رَحمَه الله تَعَالَى وفى يَوْم الْجُمُعَة سادس الشَّهْر ضرب سروا الْعَسْكَر نَاظر السُّوق وأهانه وَمكث النَّاظر الْمَذْكُور أَيَّامًا لَا يخرج من بَيته بِسَبَب جرح رجله من الضَّرْب وَسَببه طلب السردار من النَّاظر أَن يزِيد لَهُ فِي السّعر ليبيع هُوَ وجماعته مَا عِنْدهم من الطَّعَام المحتكر فَمنع من الزِّيَادَة فحقد عَلَيْهِ لذَلِك وتسبب لَهُ بِسَبَب من الْأَسْبَاب حَتَّى بلغ من ضربه مَا يُقَابل بِهِ يَوْم الْحساب وَأما حسن باشا لما وصل جدة دخل بَيته وأغلق بَابه وأجلس أعوانه وحجابه وَجعل حَاكما يحكم على الْمُسلمين حكم الظَّالِمين فَمن جملَة حكم ذَلِك الْحَاكِم على مَا قيل أَنه جعل على كل ميت شَيْئا كَمَا فعل فِرْعَوْن فِيمَن قبله من الْأَوَّلين وتفرق جنده فِي الْبِلَاد إِذْ تأمروها وَكثر أذاهم فِيهَا وَمَا عمروها بِحَيْثُ إِنَّهُم يدْخلُونَ السُّوق وَيَأْخُذُونَ الطَّعَام وَغَيره قهرا من غير رضَا وَإِذا توجه الْمَظْلُوم إِلَى الباشا لم يقدر عَلَيْهِ وَلَا هُنَاكَ أحد يلتجأ إِلَيْهِ وَإِن رفعوا الْأَمر إِلَى حاكمه ضَربهمْ وَأمر بحبسهم وَلم ينْقض لَهُم أرب وَمَعَ ذَلِك لَيْسَ قَوْله إِلَّا بَرى جدي بري زيدى عرب فَمن النَّاس من أمسك بَيته وَمِنْهُم من فر وهرب وَمِنْهُم من رفع هَذَا إِلَى مَوْلَاهُ فارج الكرب ليكشف هَذِه المحنة وَيهْلك من كَانَ السَّبَب وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي رَجَب الْحَرَام دخل سُلْطَان من سلاطين الأعجام وَقد كَانَ أرسل لَهُ مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى جدة رسله يهنونه بالسلامة ويبلغونه التَّحِيَّة والكرامة وصحبتهم خمس أَو سِتّ من التخوت وَتوجه إِلَيْهِ مفتي الْإِسْلَام والخطيب بِبَلَد الله الْحَرَام القَاضِي إِمَام الدّين ابْن القَاضِي أَحْمد المرشدي ولاقاه من نَحْو مرحلة وقابله بالتحية وَالْإِكْرَام وَجَاء مَعَه وَدخل بِهِ الْمَسْجِد الْحَرَام من بَاب السَّلَام وَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِلَيْهِ هَدِيَّة سنية وأنزله فِي بَيت من بيُوت آبَائِهِ الأسلاف الزكية
ثمَّ بعد ذَلِك أرسل السُّلْطَان الْمَذْكُور لحضرة مَوْلَانَا الشريف مُقَابلا لما أهداه لَهُ من الإنعام مَالا جزيلاً من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَكَذَلِكَ جَاءَ من سُلْطَان الْهِنْد مَال عَظِيم فِي هَذِه الْأَيَّام فَذهب الضّيق والتعب من الْقُلُوب والأجسام وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشري رَجَب الْمَذْكُور انْتقل بالوفاة إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا ومأوانا وسندنا شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين خَاتِمَة الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين خَادِم حَدِيث سيد الْمُرْسلين الْجَامِع بَين الْأُصُول وَالْفُرُوع الْحَافِظ لكل متن ومجموع الْحَائِز فضيلتي الْعلم وَالنّسب الْحَائِز طرفِي الْكَمَال الغريزي والمكتسب رَئِيس الْعُلُوم العبقري جَار الله أَبُو مهْدي عِيسَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الثعالبي الْجَعْفَرِي الْهَاشِمِي نسبا الْمَالِكِي مذهبا المغربي منشأ ومولداً الحرمي وطناً ومحتداً إِمَام الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَعلم المغربين والمشرقين جَامع أشتات الْعُلُوم النقلية ومبرز خفايا لطائف الآراء الْعَقْلِيَّة محيى رسوم الرِّوَايَة بعد مَا عفت آثارها ومشيد مبانيها بعد مَا انهار منارها وسالك مسالك أَئِمَّة السلوك وَمَالك ملاك أمره فِي مجانبة كل مليك ومملوك ولد بِبَلَدِهِ وَنَشَأ بهَا على اشْتِغَال عَظِيم بالعلوم النافعة وَأخذ عَن عدَّة مَشَايِخ فِي عُلُوم عديدة قلت هُوَ شَيْخي الَّذِي تخرجت بِهِ فِي عدَّة من الْفُنُون إتقاناً عقائداً وأصولاً ونحواً وصرفاً ومنطقاً وبياناً تغمده الله برضوانه وأحله فسيح جنانه آمين وَفِي الْيَوْم السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب الْمَذْكُور آخر النَّهَار وَقع بَين عَسْكَر الْمَدِينَة وَبَين الْعَرَب قتال زاغت فِيهِ الْأَبْصَار وَكَانَ من الْعَصْر إِلَى وَقت الاصفرار فَلَمَّا أقبل اللَّيْل وَأدبر النَّهَار تفرق الْجَمْعَانِ وَبَات عَسْكَر الْمَدِينَة فى غَايَة التنبه والاحتذار طول ليلهم بالبندق إِلَى وَقت الأسحار وَكَانَ الْقَتْلَى من الْعَرَب نَحْو خَمْسَة عشر رجلا فَلَمَّا أصبح الصَّباح ونادى مُنَادِي الْفَلاح حفروا لَهُم حُفْرَة نَحْو السَّبِيل ودفنوهم بهَا وَقتل من أهل الْمَدِينَة حران وعبدان بذلك تَوَاتر الخبرعن غير وَاحِد من الإخوان وَهَؤُلَاء الْعَرَب من قَبيلَة تعرف بِحَرب وَلم نعلم حَرْب هَذَا جدهم لمن ينْسب وَإِلَى أَي جيل يحْسب وهم جمع كَبِير يشْتَمل على قريب من خمسين فخذاً كل فَخذ يشْتَمل على جمَاعَة لَهُم جد خَاص وَعَلَيْهِم الدَّرك فِي حفظ الطَّرِيق من عسفان
إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَالشَّيْخ الَّذِي جماعهم عَلَيْهِ وانتماؤهم إِلَيْهِ كَانَ يُسمى أَحْمد بن رَحْمَة أَفَاضَ الله عَلَيْهِ الرَّحْمَة وَلما أقبل اللَّيْل مَنعهم شيخهم الْمَذْكُور عَن الْقِتَال وردهم إِلَى الْمحل الْمُسَمّى بِذِي الحليفة شرعا وبأبيار عَليّ عرفا ثمَّ أرسل لَهُ كَبِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة بِالطَّلَبِ والأمان فَتوجه إِلَيْهِم وَمَعَهُ جمع من العربان فَجعل الْفَرِيقَانِ يختصمان وَيَدعِي كل مِنْهُمَا على الآخر بالبدء بالعدوان على يَد الأفندي وَشَيخ الْحرم والأعيان فأصلحوا بَينهمَا وَانْقطع النزاع عَنْهُمَا وألبس الشَّيْخ خلعة نفيسة وألبس بعض خواصه جوخاً على أَن مَا مضى لَا يُعَاد بذلك وَقع الِاتِّفَاق والأمان وَنَادَوْا على الْقَافِلَة بالرحيل مَعَ التعزيز والتبجيل ثمَّ دخل شهر شعْبَان الْمُعظم وَكَانَ بالأربعاء وَفِي خامسه وصل رَسُول من باشا مصر المحروسة إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الشريف يبشره بالنصرة المأنوسة لمولانا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان أيده الله بالسعد المديد على أهل الشّرك والطغيان أَرْبَاب مالطة وكريد فألبسه مَوْلَانَا الشريف خلعة ثمينة ونادى مناديه سبع لَيَال بالزينة وَذَلِكَ على الْقَوَاعِد الْقَدِيمَة وحصلت بذلك للمسليمن بشرى عَظِيمَة وَمُدَّة محاصرة أهل الْإِسْلَام للكفرة الْمُشْركين اللئام نَحْو ثَلَاثِينَ من الأعوام ثمَّ إِن الْكَفَرَة جعلُوا للْمُسلمين مَالا عَظِيما حَالا ومؤجلاً يأخذونه مِنْهُم كل عَام بالتمام وَأَن لَا يتَعَرَّضُوا للْمُسلمين بِحَال من الْأَحْوَال لَا فِي الْأَسْفَار وَلَا فِي دَار الْمقَام والمدة الَّتِي اتَّفقُوا عَلَيْهَا نَحْو مائَة من الأعوام على ذَلِك وَقع الصُّلْح والاتفاق وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الشقاق فَرَجَعُوا إِلَى أوطانهم بالخيرات والإنعام وَلَهُم فِي الْآخِرَة دَار السَّلَام وَمِمَّا يتَعَلَّق برَسُول الباشا أَنه جَاءَ بعزل أَفَنْدِي الشَّرْع وبتولية القَاضِي عبد المحسن القلعي نِيَابَة الْقَضَاء عَن الأفندي المستجد وبعزل مفتي الْحَنَفِيَّة القَاضِي إِمَام الدّين المرشدي وتولية الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بيري زَاده مقَامه إِذْ لَهُ هُنَاكَ مُسْتَند وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشري شعْبَان الْمَذْكُور من سنة ثَمَانِينَ وَألف ورد خبر وقْعَة مَوْلَانَا السَّيِّد حمود مَعَ ظفير الْقَبِيلَة الْمَعْرُوفَة بِنَجْد وَكَانَ فِيهَا عدَّة وقعات
وقْعَة قفاز مَعَ عَنزة ووقعة بني حُسَيْن ووقعة هتيم العوازم ووقعة مطير وَغَيرهم وَسبب وقْعَة ظفير أَنه انْضَمَّ إِلَى جهامة مَوْلَانَا السَّيِّد حمود قَبيلَة من ظفير يُقَال لَهُم الصمدة ثمَّ انْضَمَّ إِلَيْهِ شيخهم الْأَكْبَر مَعَ جماعته الأدنين وعصبته الأقوين وَكَانَ محباً للسَّيِّد حمود بِمَنْزِلَة الْعين للْإنْسَان وَالْإِنْسَان للعين وَهُوَ ذُو شهامة وصرامة يعرف بِابْن مرشد سَلامَة فَوَقع من جماعته جرم اقْتضى أَن يؤاخذوا بِمَا هُوَ الْمُعْتَاد الْمَنوِي عَلَيْهِم فِي مثله وَهُوَ أَخذ الشعْثَاء والنعامة وَفِي خِيَار أَوَائِل الأباعر وَخيَار تواليها فَلم يرْضوا بذلك وَقَالُوا هُوَ جور وحيف وَلَيْسَ عندنَا دون ذَلِك إِلَّا حد السَّيْف فَأَشَارَ سَلامَة الْمَذْكُور إِلَى مَوْلَانَا السَّيِّد حمود وَقَالَ لَهُ اربطني ولستَ فِي ذَلِك بمُلام فوَاللَّه لتأخذن مَا تُرِيدُ على التَّمام فَقَالَ كلا وَالله لَا ربطتك ونخوة آبَائِي الْكِرَام وَكَيف ذَاك وَفِي بَطْنك من عيشي طَعَام وَكفى بِهِ الْتِزَام ولزام فَذهب سَلامَة إِلَى قومه وَقد تهيئوا لِلْقِتَالِ والنضال والعدوان وتهيأ كَذَلِك مَوْلَانَا السَّيِّد حمود وَمن مَعَه من بني عَمه وَمن الصمدة وعَدوان فانخزلت الطَّائِفَة من الصمدة وَوَلَّتْ نَاحيَة نَاجِية وانكفأ الْجَمْعَانِ بَعضهم على بعض وَاخْتَلَطَ الفرسان فَلم يبن الطول من الْعرض وَقتل من السَّادة الْأَشْرَاف مَوْلَانَا السَّيِّد زين العابدين بن عبد الله ومولانا السَّيِّد أَحْمد بن حُسَيْن بن عبد الله وَالسَّيِّد شنبر بن أَحْمد بن عبد الله وَصوب مَوْلَانَا السَّيِّد ظفير ابْن السَّيِّد زامل بن عبد الله أصاويب وَكَذَلِكَ صوب مَوْلَانَا السَّيِّد باز بن هَاشم بن عبد الله إِلَّا أَن الله سُبْحَانَهُ منَّ بالعافية عَلَيْهِمَا وَللَّه الْحَمد ثمَّ إِن السَّيِّد غَالب بن زامل صبحهمْ بعد مُدَيدة فحلم عَن سِتِّينَ لحية مِنْهُم وَلم يشف عَن وَاحِد من الْقَتْلَى كبده وَلم تزل مَعَهم ظفير فِي قتل وطراد إِلَى أَن أصلح بَينهم مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد بن زيد كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك فِي مَحَله وَفِي تَاسِع عشري رَمَضَان وَقعت بِمَكَّة صَاعِقَة جِهَة الشبيكة قتلت رجلا وَاحِدًا وَفِي رَابِع عشر شَوَّال بلغنَا أَن الباشا حسن اْظهر بويوردي وقرأه على الأتراك بِأَن محصول جدة لَهُ يصرفهُ فِي عمَارَة الْمَسْجِد وَغَيره فتعب مِنْهُ مَوْلَانَا الشريف سعد
وَأرْسل لَهُ وَنَهَاهُ عَن ذَلِك فَلم يرجع وَفعل فعل القسوس فَقَامَتْ بَينهمَا النُّفُوس وَنزل السَّيِّد مُحَمَّد بن يعلى فِي خيل وَرجل وخدام وواجهه فقابله بالتحية وَالْإِكْرَام وَكَانَ بَينه وَبَين مَوْلَانَا الشريف مباينة وظنن فتعب النَّاس من ذَلِك لما يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْفِتَن وَلَكِن كفى الله الْمخوف وَدفع وَلم يحصل شئ من المكاره وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل ثَلَاثَة من الْأَعْرَاب بِخَبَر سَار للْمُسلمين بِأَن صَاحب جدة مَعْزُول فأخلع عَلَيْهِم مَوْلَانَا الشريف أدام الله لَهُ النَّصْر والتمكين وَدخل شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام اختتام سنة ثَمَانِينَ وَكَانَ بالإثنين وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس الشَّهْر وصل مبشران أَحدهمَا من أَتبَاع مَوْلَانَا الشريف مِمَّن يتلَقَّى عَن الْحَج الْأَخْبَار وَالْآخر من أَتبَاع عماد أغا وَمن الْحجَّاج وَالزُّوَّارِ يبشران بوصول قفطان لمولانا الشريف من حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان وَفِي الْيَوْم السَّادِس دخل الْحجَّاج مَكَّة المشرفة وَوصل القفطان والمكتوب فَلبس وَقُرِئَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام بَين زَمْزَم وَالْمقَام بِحَضْرَة الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ مِمَّن حج فِي الْعَام جمَاعَة من الْأَعْيَان أَرْكَان دولة آل عُثْمَان أَخُو الْوَزير وَعَمه وَابْن أَخِيه وَأمه فَتوجه إِلَيْهِم مَوْلَانَا الشريف حَال الْقدوم لسلام التَّحِيَّة وَأرْسل لَهُم بهدية سنية وَبعد نزولهم إِلَى منى توجه إِلَيْهِم وَنَصّ جَمِيع مَا جرى لَهُ من حسن باشا عَلَيْهِم فأرسلوا إِلَيْهِ فَحَضَرَ وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ وزجروه فانزجر وَفِي الِاجْتِمَاع بِهِ مرّة ثَانِيَة جمعُوا بَينه وَبَين مَوْلَانَا الشريف وَأَصْلحُوا بَينهمَا الْحَال وَالْحَمْد لله على كل حَال وَكَانَت الوقفة بالثلاثاء وَفِي خَامِس عشري ذِي الْحجَّة الْمَذْكُورَة انْتقل الْأَخ الصَّالح رضى بن حسن الطَّاهِر ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف فِي ثَالِث محرم الْحَرَام يَوْم الْجُمُعَة رَحل الْمحمل الشَّامي وَفِي سادسه انْتقل مَوْلَانَا المرحوم الشَّيْخ عبد الْكَبِير بن مُحَمَّد المتَوَكل وَهُوَ من بَيت سلف صَالح رَحمَه الله تَعَالَى ووالدى وَالْمُسْلِمين
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور نُودي لمولانا وَسَيِّدنَا الشريف أَحْمد ابْن المرحوم مَوْلَانَا الشريف زيد فِي الْبِلَاد بِالربعِ وَأمر الْخَطِيب يَدْعُو لَهُ عَلَى الْمِنْبَر مَعَ أَخِيه دَامَ مجدهما وَكَانَ النداء قبيل الصَّلَاة فِي الْيَوْم الْمَذْكُور وَبعد صَلَاة عصر ذَلِك الْيَوْم أرسل إِلَيْهِ الباشا حسن جمَاعَة نوبَته فَضربت فِي بَيته فَأرْسل إِلَيْهِم فَوق مَا كَانُوا يطمعون فَخَرجُوا وهم يتشكرون وَكَذَا فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث على مَا مضى عَلَيْهِ الْأَولونَ وَفِي ثَانِي يَوْم جلس للتهنئة والمباركة وألبس الْخَطِيب ثوبا نفيساً وَأنْفق فِي ذَلِك الْيَوْم مَالا على الأتباع والفقراء تبشيراً وتأنيساً وَكَانَ قدومه على الْمُسلمين بِكُل خير وَمِمَّا اتّفق فِي هَذَا الْعَام أَن رجلا من قَبيلَة النفعة يُسمى عُمَيْر ويكنى بِأبي شويمة قتل جمَاعَة مِنْهُم اثْنَان من ثَقِيف من قَبيلَة تسمى الحمَدَة وَلَهُمَا إخْوَة وبنوعم فَكَانُوا فِي طلبه يتجسسون الْأَخْبَار فَدخل فِي هَذِه السّنة بلدَهم وَجَاء رَاكِبًا جَوَاده ووقف إِلَى قبَّة الحبر وزار ثمَّ دخل إِلَى السُّوق فَرَآهُ بعض أقَارِب الْقَتِيل فصاح بِهِ وضربه ضَرْبَة ادَّرَقها ثمَّ ضرب فرسه فَقطع عرقوبها فحركها فَلم تطاوعه للفرار فَسقط إِلَى الأَرْض فَلحقه وَقد صدمه الْجِدَار فَضَربهُ ثَالِثَة على أم رَأسه فشقه فبرك عَلَيْهِ وَأَرَادَ ذبحه فَمَنعه الْحَاضِرُونَ ثمَّ قَامَ نَحْو الْخَلَاء وَهُوَ فى سَكَرَات الْمَوْت فصاح الصائح الحقوا غريمكم قبل الْفَوْت فتلاحقه الرِّجَال يرمونه بِالْحِجَارَةِ والنضال حَتَّى سكن أنينه وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة يَوْم الْخَمِيس رَابِع ربيع آخر ثمَّ إِن أَوْلَاد عُمَيْر الْمَذْكُور صاحوا فى عشيرتهم وذويهم واستشاروهم على قتلة أَبِيهِم فَأَتَاهُم بَنو سعد وعتيبة وَجمع من العربان ثمَّ اجْتَمعُوا وتهيئوا لِلْقِتَالِ وَحصل فِي الطَّائِف القيل والقال فاجتمعت ثَقِيف واستنصروا حلفاءهم لما بَلغهُمْ وُصُول الْقَوْم إِلَى لية ونواحيها وبالقرب من الْقَوْم قبيلتان من ثَقِيف بَنو مُحَمَّد وثمالة فتوجهوا نَحْو الْقَوْم فَأخذ الْقَوْم ينهزمون إِلَى أَن وصلوا إِلَى عباسة بالخداع مِنْهُم والاحتيال وَهَؤُلَاء الْبَعْض مِنْهُم وَالْبَعْض الآخر كمن واختفى وَرَاء الْجبَال حَتَّى توسطت ثَقِيف فَإِذا الْقَوْم منعطفون عَلَيْهِم والكمين خَارج إِلَيْهِم فاحتاطوا بهم فَقتلُوا الرِّجَال وَأخذُوا الْأَمْوَال وأمسكوا جمَاعَة عِنْدهم مأسورين وهرب باقيهم ثمَّ إِن الْقَوْم نزلُوا إِلَى الْقرْيَة وأخربوها وَأخذُوا الْحُبُوب وَقَطعُوا الثِّمَار وأحرقوا
بعض الدَّوَابّ بالنَّار وَكَانَ بالقرية أَوْلَاد الشريف وحاكم الشريف فارسلوا إِلَيْهِ فعرفوه فَفِي صَبِيحَة يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة وصل من مَكَّة نَحْو الْمِائَة من الْعَسْكَر أرسلهم مَوْلَانَا الشريف لحفظ الْبَلَد وحراستها وَفِي الْيَوْم التَّاسِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور لبس مَوْلَانَا الشريف سعد خلعة النَّصْر والتأييد بِالْأَبْطح جَاءَتْهُ من صَاحب مصر المحروسة بعون الله الْعَزِيز الحميد وَكَانَ مُتَوَجها إِلَى الشرق لإطفاء نَار فتن المفسدين والعتاة المتمردين وَدخل شهر جُمَادَى الأولى وَتوجه مَوْلَانَا الشريف إِلَى الْمَبْعُوث وَوصل فِي سَابِع عشره إِلَيْهِ أيده الله تجاه جده خير مَبْعُوث وَأرْسل قبائل الْعَرَب فَأَجَابُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة فنصفهم وأنصفهم وَلَو شَاءَ كشف عَنْهُم من السّتْر قناعه لَكِنَّهَا غير شِيمَة جده صَاحب الشَّفَاعَة ثمَّ وصل مِنْهُ إِلَى الطَّائِف وَفِي هَذَا الْعَام وَقع الصُّلْح بَين مَوْلَانَا الشريف وَالسَّيِّد حمود فَكَانَ وُصُول مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رحمه الله إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعد بِالطَّائِف فلاقاه ملاقاة الابْن الْبَار لِأَبِيهِ وَألبسهُ فِي الْحَال فَرْوَة السمور وَطيب خاطره بِكُل مَا يرضيه ثمَّ بعد يَوْم وَالَّذِي يَلِيهِ عقد مَعَه الْمُبَايعَة على مُحكم الأساس فِي ضريح الحبر ابْن عَبَّاس وَلم يدْخل مَكَّة مَعَه بل تخلف فِي مخاليفها وَكَانَ بِهِ للْمُسلمين أعظم أَسبَاب تأليفها وَفِي شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وصل رَسُول من باشا مصر وَمَعَهُ مَكْتُوب من مَوْلَانَا السُّلْطَان وَمَعَهُ خلعتان وَاحِدَة مِنْهُمَا لمولانا الشريف سعد وَالْأُخْرَى لمولانا الشريف أَحْمد حرسهما الله تَعَالَى وَكَانَا غائبين فِي أَرض الْحجاز لإِصْلَاح الْبِلَاد وقمع أهل الظُّلم والعِناد فَاجْتمع الْعَسْكَر الَّذين بِمَكَّة ليلاقوا رَسُول مَوْلَانَا السُّلْطَان بالتبجيل والإعظام وليدخلوا بِهِ على مَا جرت بِهِ الْقَوَاعِد فَأتوا بِهِ من أَعلَى مَكَّة وأدخلوه من بَاب السَّلَام وَوَضَعُوا الخلعتين فِي مقَام الْخَلِيل عليه السلام وَدخل شهر رَمَضَان وَكَانَ بالثلاثاء وَلما كَانَت لَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرين مِنْهُ دخل مَوْلَانَا الشريف سعد مَكَّة فِي موكب عَظِيم تَمام وَمكث يَوْمه وَالَّذِي يَلِيهِ ثمَّ نزل الْيَوْم الثَّالِث إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَلبس الخلعة الشَّرِيفَة بَين زَمْزَم وَالْمقَام بِحَضْرَة
السَّادة الْأَعْلَام وعساكر الْإِسْلَام وَقُرِئَ المرسوم السلطاني وَفِيه مَالا مزِيد عَلَيْهِ من التبجيل والإعظام وَكَذَلِكَ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد لبس خلعته فِي هَذَا الْيَوْم وَذَلِكَ أَنه طلب من أَخِيه بعد النداء لَهُ بِالربعِ وَالدُّعَاء على الْمِنْبَر أَن يُرْسل إِلَى الحضرة الْعلية وَيعرف بذلك لتصل إِلَيْهِ الخلعة فِي كل عَام وتقرر فَأرْسل وَعرف بذلك فِي مَكْتُوب فَجَاءَهُ الْجَواب على وفْق الْمَطْلُوب وَقد سبقهما إِلَى مثل هَذَا الْآبَاء والجدود وَفضل الله لَيْسَ بمحدود وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور دخل شخص أعجمي الْمَسْجِد الْحَرَام والخطيب قَائِم على الْمِنْبَر يعظ الْأَنَام فَتقدم نَحْو الْخَطِيب وصرخ صرخة أزعجه بهَا وأشغل جنانه وَالسيف فِي يَده سليل جمع عَلَيْهِ كَفه وبنانه فَأَوْمأ نَحوه بِالسَّيْفِ وقرقر وَقَالَ أَنا الْمهْدي الله أكبر فدافع عَن الْخَطِيب بعض الْحَاضِرين بِالسِّلَاحِ وَالْحجر وَمنعه مِنْهُ وَحجر وَحصل مِنْهُ جراحات لعدة أشخاص فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ وضربوه وطرحوه إِلَى الأَرْض وقتلوه ثمَّ إِنَّهُم أخذُوا بِرجلِهِ والى خَارج بَاب السَّلَام سحبوه فَلَمَّا قضيت الصَّلَاة رجعُوا إِلَيْهِ فَأخذُوا بِرجلِهِ وصاروا يجرونه مَعَ الضَّرْب والإهانة والحياة فِيهِ بَاقِيَة فويل لَهُم من الله سُبْحَانَهُ إِلَى أَن وصلوا بِهِ المعلاة وأحرقوه هُنَاكَ بِالْقربِ من بركَة المصى وَهَذَا أَمر عَظِيم تحار فِيهِ الأفكار كَون الْمُسلم يهان هَذِه الإهانة وَيقتل بِغَيْر مُوجب ثمَّ يحرق بالنَّار نَعُوذ بِاللَّه من مكر الله وَدخل شهر الْحجَّة وَكَانَ بالسبت دخل الْحجَّاج يَوْم الخاسم والأمير والمحمل يَوْم السَّادِس وَلبس مَوْلَانَا الشريف سعد والشريف أَحْمد خلعتيهما مَعَ الْمصْرِيّ والشامي وَهَذِه أول خلعة لبسهَا مَوْلَانَا الشريف أَحْمد فِي هَذَا الموكب ثمَّ حجا بِالنَّاسِ وَلما كَانَ الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام منى بعد انتصاف النَّهَار نفر الباشا حسن إِلَى مَكَّة وَإِلَى رمي الْجمار فِي موكب عَظِيم تشخص عِنْده الْأَبْصَار والجند محدقون بِهِ إحداق الهالات بالأقمار فَلَمَّا كَانَ وَاقِفًا عِنْد الْعقبَة لرمي الْجَمْرَة رَمَاه ثَلَاثَة رجال بِثَلَاث بَنَادِق فَخر على وَجهه إِلَى التُّرَاب فَتَلقاهُ جنده ورفعوه إِلَى التخت وتحيروا فِيمَا نزل بهم من هَذَا
الْمُصَاب بِهَذَا المُصاب ونزلوا بِهِ إِلَى مَكَّة فِي ذل وانكسار وصاروا يقتلُون من لاقوه من النَّاس من غير اخْتِيَار فوصلوا بِهِ إِلَى مَكَّة وَأَغْلقُوا عَلَيْهِ الدَّار وتحصنوا فِي الْبيُوت وَدخل جمع مِنْهُم الْمَسْجِد بِالسِّلَاحِ وَالنَّار ورموا فِيهِ البندق نَحْو بَيت مَوْلَانَا الشريف سعد وهتكوا حُرْمَة بَيت الله ذى الأستار ووجهوا المدافع فِي الْأَرْبَع الْجِهَات واحترس نِهَايَة الاحتراسات ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف سعد توجه بعسكره إِلَى مَكَّة خَلفه بعد حِين ملبسين مدرعين وَأما الْحجَّاج فَمنهمْ من نفر إِلَى مَكَّة وَأدْخل أَسبَابه وَمِنْهُم من لم ينفر وَجمع أَهله وَمَاله وأغلق بَابه وَلما نزل الْحجَّاج إِلَى مَكَّة واستقروا بهَا مَكَثُوا خَمْسَة أَيَّام وَأكْثر مضطربين وَفِي كل يَوْم تراهم رافعين لأسبابهم وواضعين وكبراء الْحجَّاج والأمراء يسعون بَينهمَا فِي جمع الشتات وَسبب الِاضْطِرَاب أَنه قطع على مَوْلَانَا الشريف اسْتِحْقَاقه من ناصفة جدة فطالبه بهَا فَامْتنعَ وتجبر وتنكر وتنمر فَوَثَبَ عَلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف فِي طلب حَقه وَجمع جَيْشه وَكبر فَعِنْدَ ذَلِك أصلح الله الْأَحْوَال وَاتفقَ الْأَمر على إِعْطَاء شئ من المَال وَكَانَ قدره ثَلَاثِينَ ألف قِرْش ثمَّ استعفوا مَوْلَانَا الشريف سعد من الثُّلُث وَأعْطِي عشْرين ألف ريال فَسلمت لمولانا الشريف أعزه الله بجاه النَّبِي والآل ثمَّ لما توجه الْحَاج الْمصْرِيّ يَوْم سَابِع عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام الْمَذْكُور توجه مَعَه حسن باشا ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ اتّفق أَنه لما رَحل حسن باشا صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أَقَامَ بهَا فوفد عَلَيْهِ فِيهَا مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث فألزمه بالذهاب إِلَى وَالِده السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث واستلحاقه إِلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَذهب السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور فوصل إِلَى أَبِيه بِالْمحل الْمُسَمّى بالشعري من أَرض نجد فَأتى إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَلَمَّا حَضَره نَادَى لَهُ بالبلاد بعد أَن ألبسهُ خلعة وَقطع الدُّعَاء للشريف سعد فِي الْخطْبَة
ودعا للشريف أَحْمد الْحَارِث وَقد كَانَ مَوْلَانَا الشريف سعد خرج صُحْبَة الْحَاج أَو عقبه حَتَّى وصل إِلَى يَنْبع فَأَقَامَ بِهِ وَلما بلغه مَا فعله حسن باشا بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة من قطع اسْمه من الْخطْبَة وتوليته للسَّيِّد أَحْمد الْحَارِث والنداء لَهُ أرسل إِلَى السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث كتابا فِي غَايَة اللطافة واللين والرقة لَا الكثافة مضمونه بعد مزِيد الثَّنَاء وَحميد الدُّعَاء إِن هَذَا الْوَاقِع الَّذِي سمعنَا بِهِ من تقمصك برد الْملك وأثوابه فَهَذَا أَمر أَنْت بَيته الْأَعْلَى وَمثلك أَحْرَى بِهِ وَأولى فَإنَّك أَنْت الشَّيْخ وَالْوَالِد الْحَائِز كل كَمَال طريف وتالد فَإِن كَانَ هَذَا مُحكم الأساس فِي الْبُنيان جَار على مُقْتَضى مرسوم السُّلْطَان فَنحْن بِالطَّاعَةِ أعوان وَإِن كَانَ الْأَمر خلاف ذَلِك وَإِنَّمَا كَانَ من تسويلات هَذَا الظَّالِم الغادر وتنميقات ذَلِك المذمم غير الظافر فأجل حلمك أَن تستخفه نكباء الطيش أَو أَن تستنزله أخلاط الأشاوب وغوغاء الْجَيْش فَأرْسل إِلَيْهِ الْجَواب مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث بِأَن الْأَمر لم يكن على هواى وَإِنَّمَا هُوَ إِلْزَام مَعَ علمى بِأَن الِابْتِدَاء لَا يكون لَهُ تَمام فاستشعر حسن باشا أَن من نِيَّة مَوْلَانَا الشريف سعد الْمسير إِلَيْهِ فتهيأ لِلْقِتَالِ واعتد ولفق مَعَ عَسَاكِر الْمَدِينَة مَا قدر عَلَيْهِ بالجد لَا الْجد وصنع أكراً من حَدِيد قَرِيبا من مِائَتَيْنِ تسمى قنابر تملأ بالرصاص وَالْحَدِيد يرْمى بهَا من بعد إِلَى الْجَيْش فَيفْسد فِيهِ ملأها المتناثر وَكلما أَرَادَ الْمسير ثبطه السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث وثناه وَأظْهر لَهُ الرَّأْي فِي عدم الْمسير ومناه فعزم مَوْلَانَا الشريف سعد وَأَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة الظَّالِم أَهلهَا إِذْ ذَاك وصمم على الْقِتَال عزماً لَيْسَ مَعَه انفراك وَكَانَ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رحمه الله نازلاً بالمبعوث فِي المربعة المنسوبة إِلَى مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد الْحَارِث وَكنت إِذْ ذَاك نازلاً عِنْده فى تِلْكَ الْبقْعَة وصلت إِلَيْهِ اشتياقا لمحياه السعيد وفرحاً بعد طول الْغَيْبَة بأنس الرّجْعَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى بَين صَلَاتي الظّهْر وَالْعصر من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ الْمَذْكُورَة إِذْ نَحن بِفَارِس على فرس عري يدك الأَرْض دكاً فَأقبل حَتَّى دنا فَإِذا هُوَ السَّيِّد أَحْمد بن السَّيِّد حسن بن حراز رَسُولا من مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث والباشا
حسن بمكتوبين يستدعيان مَوْلَانَا السَّيِّد حمود للانضمام إِلَيْهِمَا فَفتح المكتوبين وقرأهما وتمقل ألفاظهما ومعناهما فنبذهما إِلَيّ وَقَالَ اقرأهما ثَانِيًا عَليّ فقرأتهما فَإِذا مَضْمُون الأول الَّذِي من الباشا حسن بعد الثَّنَاء وَالْوَصْف الْحسن إننا قد ولينا أَخَاكُم السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث بِأَمْر سلطاني مَعنا صَحِيح فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَالْقَصْد أَن تجمعُوا الشمل وَلَا تشقوا الْعَصَا وتكونوا عوناً لأخيكم على من خَالف وَعصى وَلكم مَا تريدونه من الْجِهَات والمعينات وَزِيَادَة فَوق مَا جرت بِهِ القوانين وَالْعَادَة وَهَذَا حَاصِل مَا فِيهِ فَلَا حَاجَة إِلَى التكثير وَلَا ينبئك مثل خَبِير ومضمون كتاب مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بعد الْعبارَة وَإِظْهَار الود والاشتياق والحنو والإشفاق إِنَّنِي يَا أَخُوك لم يكن لي هَذَا الْأَمر ببال وَلم ألتفت إِلَيْهِ بالقال وَلَا بِالْحَال وَإِنَّمَا لَحِقَنِي ولدك مُحَمَّد إِلَى الشعري وَكرر عَليّ القَوْل مرّة بعد أُخْرَى وَلم أوافقه حَتَّى رَأَيْت جدك النبى
فِي الْمَنَام قَائِلا لي وَافق مُحَمَّدًا وخلاك هلام فَحِينَئِذٍ رجعتُ وَكَانَ مَا سَمِعت وَالْقَصْد إِنِّي أَخُوك الَّذِي تعرفه وَلَا تنكره فَأقبل إِلَيْنَا فَهُوَ أعظم جميل نذكرهُ وَالسَّلَام ثمَّ فكر مَوْلَانَا السَّيِّد حمود سَاعَة فَكَأَنَّهُ كشفت لَهُ الفراسة عَن وَجه الْغَيْب قناعه وَقَالَ كَأَنِّي برَسُول الشريف يصابحنا إِن لم يماس فَكَأَنَّهُ فِي مرْآة الْغَيْب نَاظر فَقبل الْغُرُوب إِذا الرَّاكِب المنيخ بالفناء ابْن بسيان جاسر فَتقدم إِلَيْهِ وَقبل يَدَيْهِ وَأخرج مكتوبين أَحدهمَا من مَوْلَانَا الشريف سعد وَالْآخر من أَخِيه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مضمونها استحثاثه فِي الْمسير إِلَيْهِمَا والحضور لديهما وَأَن حسن باشا قد شمر عَن سَاقيه للحرب وكشر عَن نابيه لِلطَّعْنِ وَالضَّرْب وَاسْتشْهدَ مَوْلَانَا الشريف سعد بقول الشَّاعِر // (من الوافر) //
(وَمَا غلظتْ رقابُ الأُسْدِ حتَّى
…
بأنفسها تولَّتْ مَا عَنَاهَا)
وَأتبعهُ بقوله وَأَنت تعلم أَن الْأَمر الَّذِي يعنانا يعناك وأدري بِمَا يَئُول إِلَيْهِ الْأَمر فِي ذَاك وَهَذِه ألف دِينَار صُحْبَة الْوَاصِل الْمَذْكُور إِلَيْك فَأدْرك أدْرك أدام الله فَضله عَلَيْك وَاسْتشْهدَ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِبَيْت الهمزية ثمَّ إِنِّي قلت لمولانا مَا صَوَاب الرأيين وَيتَوَجَّهُ الْعَزْم إِلَى أَي الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ إِلَى سعد صَاحب الْفضل ومولاه فبيني وَبَينه فِي ضريح الحبر عتلات الله فَلَو
اعترضني عبد الله لكفحت وَجهه بِالسَّيْفِ دونه وَالله ثمَّ وَالله ثمَّ توجه على الركاب يَوْمه الثَّانِي وقوض الأخبية وَفَارق المباني حَتَّى وصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعد وأخيه وهما بِالْمحل الَّذِي عذب بحلولهما بعد أَن كَانَ اسْمه ملحة فوافاه الْقَضَاء بِمَا وَافق مُرَاده وأنتج نجحه من وُرُود القاصد بعزل حسن باشا وَطَلَبه وانخرام حسابه وتقطع سَببه ثمَّ ارتحل من الْمَدِينَة فَلَمَّا كَانَ بطرِيق غَزَّة وَتلك النواحي توفّي فَدفن فِي ذَلِك الْمحل الناحي وَأَتَتْ إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعد خلعة باشوية صُحْبَة ذَلِك القاصد وَكَانَ إرسالها ضربا من المكايد ثمَّ فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة قبل قدوم الْحَاج بِقَلِيل قدم مُحَمَّد جاوش بجيوش نَحْو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة آلَاف ضرب أوطاقه فِي أَسْفَل مَكَّة الزَّاهِر بِمن مَعَه من العساكر وصاروا يدْخلُونَ مَكَّة عشرَة سَوَاء خَمْسَة سَوَاء وَثَمَانِية سَوَاء ويعودون إِلَى خيامهم خَارج مَكَّة للمبيت ثمَّ قدم صُحْبَة الْحَاج الشَّامي شخص يُسمى حُسَيْن باشا السلحدار بِنَحْوِ أَلفَيْنِ وَقد وسد من تِلْكَ الديار أَن يعْمل بِمَا يتوراه نظره ويختار فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة خرج لملاقاة الْمحمل الشريف الشَّامي على الْعَادة إِلَّا أَنه لم يخرج إِلَّا من الثَّنية الْعليا الْمُسَمَّاة بالحجون أَعلَى الْبِلَاد فَوقف إِلَى أَن يصل بهَا الْوَاصِل كَمَا هُوَ عَادَة الْأَوَائِل فَلم يصل إِلَيْهِ أحد بل طلب مِنْهُ أَن يَأْتِي إِلَى مخيم الْأَمِير وَهَذَا الْأَمر على شهامته غير يسير فعطف عنان فرسه رَاجعا من طَرِيق الشبيكة إِلَى مَكَّة المشرفة فخشوا من وُقُوع فتْنَة يذهب فِيهَا الأقوياء والضعفاء فأرسلوها مَعَ من لحقه بهَا فِي أثْنَاء الطَّرِيق وهُدُوا بذلك إِلَى طَرِيق الرشاد والتوفيق ثمَّ صعد الْحجَّاج إِلَى عَرَفَات وأفاضوا إِلَى الْمزْدَلِفَة ثمَّ منى ذَات المثوبات فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفر وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام منى ترددت الرُّسُل من الشريف إِلَى أَمِير الْحَاج الشَّامي لما هُوَ الْمُعْتَاد من الخلعة الَّتِي صحبتهَا المرسوم السلطاني الَّتِي يلبسهَا ذَلِك الْيَوْم مَعَ المرسوم الَّذِي يقْرَأ فيسمعه القاصي والداني فَلم يُؤْت بهَا إِلَيْهِ فَعلم مَوْلَانَا الشريف أَن الْمدَار بِهَذِهِ العساكر الْقَبْض عَلَيْهِ فأضمر الصولة
عَلَيْهِم والمسير وَلم يبال بذلك الْجمع وَإِن كَانَ حصره عسير ثمَّ رجح الانكفاف بالذهاب وإغلاق مَا للشرور من سَائِر الْأَبْوَاب ففر وَمن مَعَه على الْخَيل والركاب فجزاه الله عَن الْمُسلمين أحسن جَزَاء بِحرْمَة مُحَمَّد وَمن وَالَاهُ وَلما كَانَ ظهر الْيَوْم الثَّانِي عشر حضر حُسَيْن باشا وَمُحَمّد جاوش وأكابر الدولة وأمراء الْحَاج واستدعوا جمَاعَة من الْأَشْرَاف مِنْهُم مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث ومولانا السَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان ومولانا الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد وَأظْهر أمرا سلطانياً بِصَرِيح اسْم مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات فِي شرافة مَكَّة وَأَنَّهَا تَحت تصرفه وَله ملكهَا ملكة وألبس خلعة الْولَايَة فِي ذَلِك الْجمع وَنزل إِلَى مَكَّة المشرفة فِي موكب يبهر الْعين ويدهش السّمع وَنزل إِلَى بَيت أَبِيه الْمَعْرُوف بزقاق ظاعنة ووقفت على بَابه الْخُيُول صافنة وهرعت السادات إِلَيْهِ والأعيان والحضر والعربان يهنئونه بِالْملكِ وَالْولَايَة وَيدعونَ لَهُ بطول الْبَقَاء والثبات بِتَوْفِيق الْعِنَايَة وَمَا أسْرع من انقلاب الْحَال وَلكُل زمَان دولة وَرِجَال وأرخ بَعضهم عَام ولَايَته بقوله نثراً مَا نَصه بَارك الله لنا فِي بَرَكَات إِلَّا أَنه لسنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَالتَّوْلِيَة إِنَّمَا كَانَت فِي موسم اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ لَكِن التَّفَاوُت بِزِيَادَة سنة أَو نَقصهَا عِنْد أهل التَّارِيخ مغتفر وَكَانَت مُدَّة ولَايَة مَوْلَانَا الشريف سعد سِتّ سِنِين إِلَّا أحدا وَعشْرين يَوْمًا وَورد فِي ذَلِك الْمَوْسِم كتاب من الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الكبرلي لمولانا السَّيِّد حمود بن عبد الله وَكتاب من باشا مصر لَهُ أَيْضا وَكَذَلِكَ كِتَابَانِ من الْوَزير الْمَذْكُور وَمن باشا مصر لمولانا السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث وَكَذَلِكَ كِتَابَانِ للمرحوم السَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان والمضمون من الْجَمِيع وَاحِد والعبارات مختلفات أما كتاب مَوْلَانَا السَّيِّد حمود الَّذِي من الْوَزير فنصه فرع ذؤابة هَاشم ونبعة وشيج المحامد والمكارم السَّيِّد حمود نظم الله عقوده وأباد حسوده آمين وَبعد فَلَا يخفى عَلَيْكُم أَن الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام ومطاف طواف الْإِسْلَام هُوَ أول بَيت وضع للنَّاس وَأسسَ على التَّقْوَى مِنْهُ الأساس وَأَنه لم يزل فِي هَذِه الدولة العثمانية الْعلية آمنا وَأَهله من النوائب وروضاً مخصباً بأحاسن الأطايب إِلَى أَن ظهر من السَّيِّد سعد من الْأَمر الشنيع مَا يشيب عِنْده الطِّفْل الرَّضِيع وَمَا كَفاهُ ذَلِك حَتَّى
شدد الخناق على أهل الْمَدِينَة البهية وأذاقهم كأس الْمنون روية فَلَمَّا بلغ هَذَا الْحَال السّمع الْكَرِيم السلطاني أَمر بعزل السَّيِّد سعد عَن شرافة مَكَّة وتفويضها إِلَى الشريف بَرَكَات ليعْمَل بهَا بِحسن التَّصَرُّفَات وتكونوا لَهُ معينا وظهيراً وناصحاً ومشيراً وكل من يتَفَرَّع غصنه من دوحة فَاطِمَة الزهراء وتتصل نسبته إِلَى الذُّرِّيَّة الغراء تهدونه إِلَى طَرِيق الْخَيْر وَالصَّلَاح وترشدونه إِلَى معالم النجح والفلاح وَأَنْتُم على مَا تعهدونه من التكريم والتبجيل وَالله على مَا نقُول وَكيل وَمِمَّا قيل فِيهِ قولي هَذِه القصية // (من الْبَسِيط) //
(صَبٌّ أَلَمَّ بِهِ طيفُ الكرَى فصَبَا
…
وعَنْ أحِبَّاهُ لم يردُدْ عَلَيْهِ نَبَا)
(وَقد تغذَّى لبانَ الحبِّ مُنْذُ نشا
…
وَلم يزلْ بالغوانِى مغرماً طَرِبا)
(تناهَبَتْ عقله سودُ اللحاظِ فَلَمٍ
…
يُبْقِينَ فِيهِ لغيرِ الغِيدِ مُطَّلبَا)
(فصارَ يصبُو إِلَى سعدَى وآونةً
…
إِلَى سعادَ وأياماً يَجُرُّ رَبًّا)
(وَلَا ملامَ عَلَيْهِ فالتنقُّلُ منْ
…
سَلْمَى للبْنَى لدَى شرع الهوَى نُدِبا)
(فيا عذولَىَّ كُفَّا عَن ملامكما
…
فَلَا أرَى لِىَ فِي نُصْحَيْكما أَرَبَا)
(لله عَقْلٌ أضلته الحسانُ على
…
عِلْمٍ فهَامَ بهَا نأْيًا ومقتربَا)
(مِنْ كُلِّ ممنوعةٍ روس الأسنةِ لَو
…
رامَ التصوُّرَ إدراكٌ لَهَا حُجِبا)
(مرقوبة الحفْظِ حدُّ السَّيْف يرقُبُهَا
…
فهلْ سمعتُمْ بسيفٍ عدَّ فِي الرقبا)
(عقيلةُ الحىِّ من سمرِ الرماحِ لَهَا
…
سورٌ وَفِي صفحاتِ المرهفاتِ خبا)
(وخدْرُهَا الثانِ من ستْرِ الحشاء فَمِنْ
…
نياطي القلبِ قد مدَّتْ لَهَا طُنُبَا)
(هَا مقلتي لَهَبُ الهجرانِ سَيَّلَهَا
…
على الخدودِ فظنُّوا مدمعي سكبَا)
(مَنْ لي بمَنْ فوَّقَتْ من قوسِ حاجبها
…
سَهْما أراشَتْهُ بالأهدابِ قد هُدِبَا)
(معسولة الثغْرِ يطفي بردُ ريقتها
…
نيرانَ مَنْ بلظَى هجرانها الْتَهَبَا)
(لمياءُ رشفُ رضابٍ من موشمها
…
درياق مَنْ بهواها قلبُهُ لسبَا)
(يهدي الَّذِي قد أضلتهُ ذوائبها
…
جبينها لامعاً باد ومنتقبَا)
(كَأَنَّهُ البرقُ أَو كالصبْحِ أَو كضيا
…
سَعْدِ بنِ زيدٍ إِذا مَا قامَ منتدبا)
(أَبَا مسَاعد راعيها مملكها
…
مَنْ حَلَّ رتبةَ مجدٍ جازَتِ الشهبا)
(خلاصَةُ العنْصُرِ الزاكِى المطهَّر مِنْ
…
جذرِ الْوَصِيّ الرَّضِىْ أكرِمْ بِذَاكَ أَبَا)
(عليْهِ سربالُ تقواهُ وعفَّته
…
وَمن شمائِلِ علياه رِدًا وقَبَا)
(أغرُّ أزهَرُ فيَّاضٌ أناملُهُ
…
من معشرٍ فِي رياضِ المجدِ نبت رَبًّا)
(محاسنُ السادةِ الماضينَ قد جمعَتْ
…
فِيهِ كجَمْعِ الغديرِ القطْرَ منسكبَا)
(سمحٌ إِذا سيمَ للجدوَى يميدُ كَمَا
…
يمِيدُ حاشاهُ صرْفَ الراحِ مَنْ شربا)
(لَهُ يَدٌ خُلِقَتْ للجودِ فهْوَ لَهَا
…
طبع كَمَا العينُ للإبصارِ قد رتبا)
(هُوَ المحكّمُ عضبيه إِذا انتضَيَا
…
يومي جلاد جدالٍ مفْصلاً أشبا)
(مفوهٌ فِي كلا عضبَيْهِ متَّسعٌ
…
كلْمًا وكلْمًا إِذا مَا قَالَ أَو ضَرَبَا)
(يمناهُ واليُمْنُ يمتدانِ فِي لُزَزٍ
…
قد أدركَا فِي مداهُ السبْقَ والقصبَا)
(مستأسدٌ بَيْنَ عينَيْهِ عَزَائِمه
…
إِذا تراءَتْ لَهُ أكرومَهٌ وثَبَا)
(وَلَا تعاظمه أقطَارُ محمدةٍ
…
وَلَو غَدا منْكب الجوزا لَهَا سَبَبَا)
(وَلَا يميلُ من العلياءِ إنْ صعُبَتْ
…
وَلَا يضلُّ صَوَاب الرأىِ إِن نَشِبَا)
(إليكَ يَا ابنَ الكرامِ الأطولين يدا
…
فِي المكرماتِ وَفِي الهيجا أحدَّ شَبَا)
(عروسَ فِكْرٍ كوشْىِ الروضِ باكرَهُ
…
غيثٌ فَرَفَّ بنورٍ مزهرٍ وَربا)
(يحلُو بهَا فَم راويها فتحسبُهُ
…
صَبًّا ترشَّفَ من عذب اللُّما ضَرَبا)
(وتنشقُ الْورْد مِنْهَا أذنُ سامعها
…
حتَّى ترَاهُ إِلَى إنشادِهَا طَرِبَا)
(خلائقٌ كفتيتِ المسكِ طيبَة
…
تلاق طيب سَرَاة سادَة نجبا)
(فَاسْلَمْ على كاهلِ العلياءِ مرتقياً
…
وصافن الْمجد غَطَّى مِنْهُمَا عقبا)
(ودُمْ على خفضِ عيشٍ مَا يرنقُهُ
…
ريبُ الحوادثِ مَا هَبَّ النسيمُ صَبَا)
ولاتساق الْمَقُول نقُول ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات بن أبي نمى قيل ولَايَته بسعي الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي السُّوسِي وَذَلِكَ أَن الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَذْكُور تشفع عِنْد الشريف سعد فِي رجل أزبكي كَانَ يُسمى السَّيِّد مُحَمَّد الفصيحي فعل جرما مَعَ مَوْلَانَا الشريف سعد فَلم يشفعه فِيهِ وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَانِينَ وَألف فاتفق أَن أَخا الْوَزير الْأَعْظَم حج فِي موسم تِلْكَ السّنة وَكَانَ لَهُ ولع بِعلم الْفلك فَاجْتمع بالشيخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمَذْكُور فَأخذ عَنهُ فِي ذَلِك فَطلب من الشَّيْخ أَن يُسَافر مَعَه إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فسافر مَعَه وَاجْتمعَ بالسلطان وَطلب
مِنْهُ اْن يزِيل أَشْيَاء بِمَكَّة المشرفة فَأمر السُّلْطَان بإبطالها مِنْهَا أَن صَدَقَة السُّلْطَان جقمق كَانَت تقسم على أَرْبَاب الْبيُوت حبوباً وَكَانَت سَابِقًا تطبخ شربة وخبزاً للْفُقَرَاء أَصْحَاب الْقدح فَردَّتْ إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ سَابِقًا وأضيف إِلَى ذَلِك حب السُّلْطَان قايتباي وَمِنْهَا تَوليته على جَمِيع الأربطة وَألا تكون إِلَّا لمن يَسْتَحِقهَا بِشَرْط الْوَاقِف وَمِنْهَا إبِْطَال الدفوف فِي الزوافي وَمِنْهَا منع النِّسَاء من الْخُرُوج لَيْلَة المولد الشريف وَتمّ جَمِيع ذَلِك وَجعله نَاظرا على جَمِيع أوقاف الْحَرَمَيْنِ وَسَيَأْتِي ذكر وُرُود الْأَمر بِعَدَمِ إِقَامَته فِي الْحَرَمَيْنِ بعد وَفَاة مُسْتَنده الْوَزير أَحْمد باشا الكبرلي ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف خرج فِيهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وصبحته مُحَمَّد جاوش بالعساكر فِي طلب الشريف سعد فسلك طَرِيق الثَّنية إِلَى الطَّائِف وَكَانَ الشريف سعد قد سلكها وَنزل بِالطَّائِف ثمَّ ارْتَفع عَنهُ إِلَى عباسة ثمَّ إِلَى تربة ثمَّ إِلَى بيشة فَأَقَامَ بهَا فَتَبِعَهُ الشريف بَرَكَات وَمُحَمّد جاوش بِمن مَعَهُمَا حَتَّى انْتهى فِي التّبعِيَّة إِلَى قريب من الْبَلَد الْمُسَمَّاة تَرَبَة ثمَّ عَاد الشريف بَرَكَات إِلَى الْمَبْعُوث ثمَّ إِلَى الطَّائِف فَأَقَامَ وفيهَا فِي شهر رَجَب عدا السَّيِّد حيدرة على عَمه السَّيِّد عَليّ بن حُسَيْن فَقتله غيلَة يُقَال سَبَب ذَلِك الَّذِي قَامَت بِهِ نفس السَّيِّد حيدرة غرارة من الْحبّ حلف كل مِنْهُمَا أَن الآخر لَا يَأْخُذهَا وَهِي بوادي مر فَركب السَّيِّد عَليّ بن حُسَيْن من مَكَّة يُرِيد وَادي مر فَسمع بِهِ السَّيِّد حيدرة فَوَجَدَهُ فِي الْمحل الْمُسَمّى أَبُو الدُّود ممرحاً مُتكئا فَأَتَاهُ من خَلفه فَدخل حِينَئِذٍ على بعض الْأَشْرَاف فَلم يمض كبار الْأَشْرَاف دخله فنهج إِلَى الْيمن ثمَّ إِلَى مصر ثمَّ إِلَى مَكَّة دخيلاً مَعَ الْمحمل صُحْبَة أَمِير الْحَاج الشَّامي وَبَاعَ عقاره وَمَا يتَعَلَّق بِهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى مصر فتوفى بهَا بِالْفَضْلِ مَعَ من توفّي ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات اسْتمرّ بِالطَّائِف إِلَى شعْبَان فَأَتَاهُ الْخَبَر بوصول خلع سلطانية ومراسيم خاقانية وصل بهَا القاصد إِلَى مَكَّة وَوضعت فِي مقَام الْخَلِيل
على عَادَة التكريم والتبجيل فجَاء إِلَى مَكَّة أواسط شعْبَان هُوَ وَمن مَعَه من الْأَشْرَاف والأتراك والعربان ثمَّ فِي أواخره كَانَ الْقَبْض على رجل من الْأَعْيَان ثمَّ فِي لَيْلَة السَّابِع من رَمَضَان قبض على آخر وحملا من ليلتهما على الأدهم ثمَّ حدر بهما إِلَى جدة وأركبا غارب اليم ثمَّ قبض على ثَلَاثَة من حَوَاشِي الدولة وَفعل بهم مَا فعل بالأولين نَعُوذ بِاللَّه من سوء القولة وَمثل ذَلِك فعل هَذَا القاصد بِجَمَاعَة من أهالي الْمَدِينَة المنورة فافتدوا أنفسهم بِمَال سلموه لَهُ الله أعلم بكميته ثمَّ خرج مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات فِي الموكب حَتَّى نزل بقبة الدفتردار إِبْرَاهِيم صَائِما بهَا لطيب النسيم فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الرَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان قدر الله وَفَاة ابْنه السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات فَنزل من يَوْمئِذٍ إِلَى الْبَلَد واصطبر رَغْبَة فِي الْأجر على لاعج الْحزن والكمد ثمَّ خرج فِي أثْنَاء شَوَّال إِلَى جِهَة ركبة استدعاه السَّيِّد حمود ابْن عبد الله ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف فِيهَا كَانَ خُرُوج الشريف بَرَكَات والسادة الْأَشْرَاف والعساكر والعربان إِلَى قتال حَرْب وشيخهم أَحْمد بن رَحْمَة كَانَ الظفر فِيهَا للشريف بَرَكَات وَلم تنفعهم خنادقهم الَّتِي حفروا بل كَانَت قبوراً لَهُم حِين قبروا فاستبيحت دِيَارهمْ ونهبت أَمْوَالهم وَهَلَكت نِسَاؤُهُم وأطفالهم وَقتل خيارهم وفيهَا يَوْم الْوَقْعَة الْمَذْكُورَة فِي موقف المصاف اصْطلحَ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود بن عبد الله هُوَ ومولانا من صُنف هَذَا الْكتاب برسمه وَشرف بشريف لقبه واسْمه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته عَن شَحْنَاء كَانَت بَينهمَا قبل ذَلِك سَبَب الصُّلْح على مَا بلغنَا أَنه اتجه بِهِ وهم يتشاوفون الْقَوْم فأقسم عَلَيْهِمَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات أَن يصطلحا فِي ذَلِك الْوَقْت فاعتنقا حِينَئِذٍ واصطلحا رحم الله من سلف وَأبقى من خلف ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف فِي سَابِع رَجَب مِنْهَا كَانَ خُرُوج مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات إِلَى أهل الْفُرُوع وَخرج مَعَه من جدة سنجقها بعسكره ونوبته
ومدافعه فتلاقيا على عسفان أَو بعده فصَام بِمحل قريب مِنْهَا يُسمى قويزة وَعِيد بِهِ ثمَّ توجه فَنزل بِأم الْعِيَال مِنْهَا وَنزل السَّيِّد نَاصِر ابْن السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث بِالْمحل الْمُسَمّى أَبُو ضباع فدانوا لَهُ وأطاعوه وتنصلوا مِمَّا اقترفوه قلت لما كُنَّا فِي رابغ الْمنزل الْمَعْرُوف عائدين من الْفَرْع صُحْبَة مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وَكنت قد خرجت مَعَه رحمه الله إِلَى الْفَرْع بإلزام من الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان إِمَامًا لَهُ ومدرساً لَهُ ولابنه الشريف سعيد ابْن الشريف بَرَكَات دخلت عَلَيْهِ فَقَالَ لي يعِيش رَأسك فِي المغربي فَقلت أَي المغاربة فَقَالَ عبد الرَّحْمَن المحجوب فَقلت رحمه الله رَحْمَة وَاسِعَة فَلم يتَكَلَّم بشئ فَعلمت من قَوْله وسكوته أَنه سرى بغض شَيْخه الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان للسَّيِّد عبد الرَّحْمَن إِلَيْهِ بِحَيْثُ إِنَّه تسبب لبَعض خَواص السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي أَذَى بليغ وإهانة من الشريف بَرَكَات وَبَلغنِي أَنه قَالَ لبَعْضهِم حِين مَاتَ السَّيِّد مَاتَ إِلَهكُم الْيَوْم فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه نسْأَل الله السَّلامَة وفيهَا أَعنِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف فِي سادس صفر مِنْهَا كَانَت وَفَاة مَوْلَانَا المرحوم لَيْث السراة الصَّيْد من بنى هِشَام غوث الطريد فَمَا لجاره من حاشم رَأس بني حسن الْمَشْهُورين فَارس أبطال قُرَيْش الْمَذْكُورين مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا السَّيِّد حمود ابْن الشريف عبد الله بن الْحسن بن أبي نمي بن بَرَكَات اختصه مَوْلَانَا الشريف زيد واستدناه واستخلصه دون رباعته واجتباه فَزَوجهُ بابنته لصدق نِيَّته وخلوص طويته وَألقى إِلَيْهِ مهمات الْبِلَاد من الحواضر والبواد وَفِي يَوْم وَفَاة مَوْلَانَا الشريف زيد لم يشك أحد أَنه يقوم بعده ذَلِك الْمقَام كَانَ فِي ظن أَرْكَان الدولة فضلا عَن الْعَوام وَلَكِن لم يرد الله أَن يتقمصها وَلَا أَن يأوي طيره قفصها وَلَقَد سَأَلته رحمه الله فِي مُدَّة ذهَاب عرض مَوْلَانَا الشريف سعد وَعرضه إِلَى الْأَبْوَاب مَاذَا يخمنه مَوْلَانَا فِي الْجَواب فَأَجَابَنِي بقوله {قل اللَّهُمَّ ملك اَلمُلكِ} آل عمرَان 26 الْآيَة وَذَلِكَ جَوَاب مثله وَدفن من الْغَد خلف مَسْجِد الحبر ابْن عَبَّاس وَبني على قَبره تَابُوت وحوط عَلَيْهِ حوطة فسيحة رحمه الله وَنور ضريحه
وَفِي تَاسِع رَجَب مِنْهَا توفّي مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث بِمَكَّة المشرفة كَانَ رحمه الله آيَة فِي الْعقل والذكاء مرجعاً للأشراف فِي جَمِيع أُمُورهم وَإِذا حكم بِأَمْر لم يقدر أحد أَن يسْتَدرك عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئا لحسن أَحْكَامه وَشدَّة إحكامه وَكَانَ قد ولاه حسن باشا فِي طيبَة كَمَا مر ذكر ذَلِك مُدَّة سِتَّة أشهر أَو قَرِيبا مِنْهَا وَلما رَجَعَ عماد أفندى إِلَى الديار الرومية سُئِلَ عَمَّن يسْتَحق الْملك إِذْ ذَاك من السَّادة الْأَشْرَاف فَقَالَ ثَلَاثَة لَا غير أَحْمد بن الْحَارِث وحمود بن عبد الله وَبشير بن سُلَيْمَان وَدفن فِي قبَّة السَّيِّد مَسْعُود ابْن الشريف حسن وَوضع عَلَيْهِ تَابُوت عَظِيم رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف فِيهَا كَانَ خُرُوج الشريف سعيد صُحْبَة الْحَاج الشَّامي إِلَى الديار الرومية بعروض من الشريف بَرَكَات يطْلب فِيهَا أَن يكون وَلَده الشريف سعيد ولي عَهده فَكتب لَهُ أَمر سلطاني وَأَن يكون هُوَ صَاحب مَكَّة بعد وَفَاة أَبِيه فَكَانَ ذَلِك بِرَأْي الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وتدبيره فتم لَهُ ذَلِك كُله بعد وَفَاة أَبِيه وَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف يَوْم الْخَمِيس ثامن شَوَّال مِنْهَا وَقع حَادث غَرِيب وكارث عَجِيب هُوَ أَنه وَقع فِي ليلته أَن لُوِّث الْحجر الْأسود وَبَاب الْكَعْبَة ومصلى الْجُمُعَة وأستار الْبَيْت الشريف بشئ يشبه الْعذرَة فِي النتن والخبث فَصَارَ كل من يُرِيد تَقْبِيل الْحجر يتلوث وَجهه ويداه فَفَزِعت النَّاس من ذَلِك وضجت الأتراك وَاجْتمعت وَغسل الحَجَر والحِجر وَالْبَاب والأستار بِالْمَاءِ وبقى الأتراك وَالْحجاج والمجاورون فِي أَمر عَظِيم وَكَانَ إِذْ ذَاك رجل من فضلاء الأروام يلقب درس عَام فَكَانَ يرى جمَاعَة من الأرفاض بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَينظر صلَاتهم وسجودهم وحركاتهم عِنْد الْبَيْت وَالْمقَام فيتحرق لذَلِك ويتأوه فَلَمَّا وَقع هَذَا الْوَاقِع قَالَ لَيْسَ هَذَا إِلَّا فعل هَؤُلَاءِ الأرفاض اللئام الَّذين يلازمون الْمَسْجِد الْحَرَام وَكَانَ حِينَئِذٍ مَعَ قَضَاء الْملك العلام السَّيِّد مُحَمَّد مُؤمن
الرضوي قَاعِدا خلف الْمقَام يَتْلُو كتاب الله ذى الْجلَال وَالْإِكْرَام فَأتوا إِلَيْهِ وَأخذت الختمة من يَدَيْهِ وَضرب على رَأسه وسحب حَتَّى أخرج من بَاب الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِبَاب الزِّيَادَة فَطرح خَارج الْبَاب وَضرب بِالْحِجَارَةِ والكسارات حَتَّى زهق فَمَاتَ وَفِي حَال مسكهم إِيَّاه من الْمَسْجِد كَلمهمْ فِيهِ شخص شرِيف من السَّادة الرفاعية يُسمى السَّيِّد شمس الدّين فعدوا عَلَيْهِ وألحقوه بِهِ فَضرب حَتَّى مإت وجُر ثمَّ أَصَابُوا آخر فضربوه وأخرجوه وقتلوه وعَلى من قبله طرحوه ثمَّ فعلوا ذَلِك برابع ثمَّ بخامس وَلَقَد رَأَيْتهمْ مطروحين وبقى بَعضهم على بعض الْآتِي والذاهب يوسعهم السب والركض وَلَقَد رَأَيْت ذَلِك الشئ وتأملته فَإِذا هُوَ لَيْسَ من القاذورات وَإِنَّمَا هُوَ من أَنْوَاع الخضروات عجين بعدس ممخخ وأدهان معفنات فَصَارَ رِيحه ريح النَّجَاسَات وَكَانَ هَذَا الْفِعْل عِنْد مغيب الْقَمَر من تِلْكَ اللَّيْلَة لَيْلَة الْخَمِيس ثامن الشَّهْر الْمَذْكُور وَلم يُعلم الْفَاعِل لذَلِك وَغلب عَليّ بعض الظنون أَن ذَلِك جعل عمدا وَسِيلَة إِلَى قتل أُولَئِكَ وَالله الْعَالم بالسرائر وَهُوَ مُتَوَلِّي البواطن والظواهر وفيهَا فِي لَيْلَة النَّحْر حصل مطر عَظِيم بعد نفر الْحَاج من عَرَفَة وَاسْتمرّ إِلَى بعد نصف اللَّيْل وَفِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف رَابِع عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام مِنْهَا سَالَتْ أَوديَة طيبَة المنورة على ساكنها الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا لم يسمع بهيئته الاجتماعية فِي سَابق الدهور والأعوام سَالَ أَبُو جيد سيلاً هائلاً أخرب جَمِيع مَا حوله من الديار وأحدث فِي الحدائق الدمار وأحدق بِالْمَدِينَةِ وَخرب كثيرا من الدّور الَّتِي تحفها وَكَاد أَن يدخلهَا من بَاب الْمصْرِيّ ورجفت الْبِلَاد وانزعجت الْعباد وضجت الْأَصْوَات بِالدُّعَاءِ وَجَرت الْعُيُون بالدمع من الْبكاء وَلَكِن بِحَمْد الله لم يهْلك فِيهِ إِلَّا شخص أَو شخصان وَتلك معْجزَة للرسول معْجزَة ولأصحابه كَرَامَة وَصَارَت تَحِيَّة النَّاس بَعضهم لبَعض نهنيكم بالسلامة وَالْحَاصِل أَنه أَمر حير الأفكار وَقصر عَن تَفْصِيله بَيَان الْأَخْبَار وَكَانَ فِي ذَلِك
الْيَوْم بِعَيْنِه سيل بوادي الصَّفْرَاء سد مَا بَين الجبلين وَلم يضر من الْقَافِلَة أحدا من النَّاس سوى أَنه أَخذ امْرَأَة وَوَلدهَا بالحمراء بَين الصَّفْرَاء والخيف وَذهب بِبَعْض نخيل الْخيف إِلَى الْحَمْرَاء وَذهب بِبَعْض الْجمال والأحمال فَعَن الْبَحْر حدث وَلَا حرج وَفِي سنة تسعين وَألف يَوْم الْأَحَد الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان مِنْهَا كَانَت وقْعَة مُحَمَّد بن أَحْمد الخلفاني وَزِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة من جِهَة الشريف بَرَكَات سَببهَا ثيار عَسْكَر عَلَيْهِ ودعواهم أَنه سبّ السُّلْطَان فَاجْتمعُوا على بَابه وَدعوهُ إِلَى الشَّرْع الشريف فَأجَاب إِن هَذَا الْجمع يتفرق وَيتَعَيَّن الْخصم فَأنْزل مَعَه فَأَبَوا عَن ذَلِك وكتبت لَهُم حجَّة بعصيانه الشَّرْع فوصلوا إِلَى بَيته وكسروا عَلَيْهِ الْبَاب وَكَانَ مَعَه جمَاعَة فِي الْبَيْت فأخرجوهم على أَمَان الله وأمان السُّلْطَان فَلَمَّا خَرجُوا قتلوهم فَكَانَ مِمَّن قتل الْقَائِد مُتعب بن إِدْرِيس حَاكم الْبَلَد إِذْ ذَاك وَولده وَأَخُوهُ ورفيع وَلَده وَابْن دريعة الظَّاهِرِيّ وَعمْرَان الزبيدِيّ ورفاع وخُضير والعمري وَعبيد للخلفاني وَفِي جُمْلَتهمْ مِثْقَال عَتيق الْجمال مُحَمَّد عَليّ بن سليم كَانَ مستخدماً عِنْد الخلفانى كل هَذَا فى صحوة يَوْم الْأَحَد الْمَذْكُور وَأما قتل الخلفاني فَكَانَ عِنْد الزَّوَال من يَوْمه فَكَانَ آخر من قتل لِأَنَّهُ اختفى عِنْد الْحَرِيم حَتَّى دلتهم عَلَيْهِ امْرَأَة دخلت كَأَنَّهَا متوجعة لَهُ فَأخْبرت بمكانه أَو رَأَتْهُ فدلت عَلَيْهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ عِنْد الْحَرِيم وقتلوه ثمَّ سحبوه من أَعلَى الْبَيْت إِلَى أَن أَخْرجُوهُ إِلَى قَارِعَة الطَّرِيق وَاسْتمرّ طريحاً إِلَى آخر النَّهَار وَأوحى إِلَى مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات أَسمَاء الفاعلين وَكَانُوا قَرِيبا من ثَلَاثِينَ نَفرا فَعرض فيهم إِلَى الْأَبْوَاب فورد الْأَمر بِقطع جوامكهم وتخريجهم من الْبِلَاد فَقطعت وأخرجوا ثمَّ عَاد إِلَى الْمَدِينَة بَعضهم بعد سنوات بشفاعات وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا وَفِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين أَوَاخِر شهر شَوَّال ظهر نجم لَهُ ذَنْب طَوِيل إِلَى جِهَة الشرق وَاسْتمرّ إِلَى آخر السّنة ثمَّ اضمحل وفيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام مِنْهَا والركب الْمصْرِيّ فِي نفير السّير من مَكَّة أمْطرت السَّمَاء كأفواه الْقرب بل كأفواه الْغُرُوب وسالت الأودية من
سَائِر الْجنُوب وَحصل سيل عَظِيم أخرب الدّور وأتلف من الْأَمْوَال مَا لَا يُحْصى وَأخذ الْجمال محملات وَأغْرقَ نَحْو خَمْسمِائَة نفس وَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَعلا على مقَام إِبْرَاهِيم ومقام الْمَالِكِي والحنبلي وَعلا قفل بَاب الْكَعْبَة وَأكْثر الغرقى غرباء لِأَنَّهُ أَتَى وَقت الشَّديد وَذَلِكَ أول الزَّوَال وَسقط كثير من الدّور واقتلع الجميزة الَّتِي بسوق اللَّيْل وَلَقَد شاهدت وَأَنا بِبَاب الْمَسْجِد النَّافِذ على بَيت الشريف وَالْمَاء مَلأ الطَّرِيق وَهُوَ مكور فِي الْمَسْجِد شاهدت قطراً من الْجمال عَلَيْهِ الركْبَان من رجال وَنسَاء وصبيان دهمه السَّيْل فانحاز إِلَى رَأس الزقاق الْغَيْر النَّافِذ جنب دَار السَّعَادَة وَرَأَيْت المَاء وصل من الْجمل وَهُوَ قَائِم تَحت دَار السَّعَادَة إِلَى منحره ثمَّ ازْدَادَ عَلَيْهِ المَاء فاقتلع ذَلِك الْقطر بِمَا عَلَيْهِ وتدهور فِيهِ وعَلى هَذَا فقس وَصعد جمَاعَة من الْعَسْكَر على سطح رواق الْمَسْجِد الْيَمَانِيّ أَمَام دَار السَّعَادَة وطلبوا حِبَالًا ليدلوها فيمسكها من أَخذه السَّيْل فيرفعوه فَأمر لَهُم المرحوم الشريف بَرَكَات بحبال ترمى من سطح دَار السَّعَادَة إِلَى سطح الرواق الْمَذْكُور وَرمى هُوَ بِنَفسِهِ بعض تِلْكَ الحبال فرحمه الله تَعَالَى مَا كَانَ أرحمه وأرأفه فنجا بذلك خلق كثير وَسبح بعض الْجمال فِي الْمَسْجِد حَتَّى انْتهى إِلَى الْمِنْبَر فارتقع عَلَيْهِ فَصَارَ مرتفعاً على الْمِنْبَر يَدَاهُ وعنقه مرتفعان عَن المَاء وَبَاقِيه فِيهِ وَكَانَ طوفان وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَلم يبْق من درج بَاب الزِّيَادَة الَّتِي فِي دَاخل الْمَسْجِد إِلَّا أَربع سنَن وَلم يبْق من طول أعمدة الرخام إِلَّا نَحْو الرّبع أَو أقل وأرخ بَعضهم سنته بقوله طَغى المَاء وَخرج أَمِير الْحَاج بالمحمل بَين العشاءين فِي نفر نَحْو الْعشْرين بِغَيْر نوبَة وَلَا موكب وَلَا ضوء وَلَا ثوب زِينَة وَخرج من أَعلَى مَكَّة فَلَمَّا كَانَ بسوق المعلاة وَقع جمل الْمحمل فِي حُفْرَة من حفر السَّيْل فَمَا طلع إِلَّا بِجهْد جهيد فسبحان الله الفعال لما يُرِيد وَفِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف رَابِع عشر صفر توفّي الشَّيْخ حسن بن عَليّ الدهان ولد بِمَكَّة سنة أَربع وَألف وَدفن بالمعلاة وَقد ناهز التسعين وَفِي صفر الْمَذْكُور خرج مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته من مَكَّة مفارقاً للمرحوم الشريف بَرَكَات فِي نَحْو خَمْسَة وَعشْرين أَو ثَلَاثِينَ من السَّادة
ذَوي مَسْعُود وَغَيرهم فَدخلت السَّادة الْأَشْرَاف فِي الصُّلْح بَينهمَا فَلم يتم فَخرج بهم إِلَى الركاني من وَادي مر واجتمعوا هُنَاكَ وتأهبوا وَسَارُوا مِنْهُ فِي شهر ربيع الثَّانِي قَاصِدين الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فوصلوا إِلَى الشَّام فأنزلهم متوليها حُسَيْن باشا السلحدار بَيت نقيب الْأَشْرَاف وأجرى عَلَيْهِم الْأَنْعَام والألطاف وَعرف بشأنهم إِلَى الْأَبْوَاب فَأمروا بِكِتَابَة عرض بِمَا يشكونه فكتبوه وأرسلوه مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُم هما السَّيِّد مُحَمَّد بن مساعد وَالسَّيِّد بشير بن مبارك فوعدوا بإزاحة شكواهم وفيهَا فِي حادي عشري ربيع الأول مِنْهَا وَقعت فتْنَة سَببهَا عبد السَّيِّد حسن بن حمود بن عبد الله اخْتصم مَعَ عسكري من عَسْكَر الرُّتْبَة عِنْد الششمة سَطَا العسكري على العَبْد وضربه وَأخذ سلاحه فاستحث السَّيِّد حسن الْأَشْرَاف والعبدُ العبيد واجتمعوا عِنْد مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله فانفلتت شرذمة من العبيد نَحْو الْخمسين شاهرين السِّلَاح فوصلوا إِلَى الْمَرْوَة فهربت الأتراك وَأَرَادُوا الرُّجُوع فَرَمَاهُمْ بعض الأتراك الساكنين فِي الرّبع بالأحجار فأرادوا الطُّلُوع إِلَيْهِم فكسروا بعض الدكاكين الَّتِي تَحْتَهُ بِظَنّ أَنه بَاب الرّبع فوجدوه ملآن من النّحاس والجوخ والأثاث فنهبوا جَمِيع ذَلِك وفعلوا بدكان آخر جنبه مثل ذَلِك وصوبوا نَحْو ثَلَاثَة من التّرْك بِالسِّلَاحِ وَقتلُوا رجلا من المجاورين كَانَ يحتجم عِنْد حلاق بالمروة ثمَّ ذَهَبُوا ثمَّ خرجت الأتراك وَجَاءُوا إِلَى الأفندي وَأَرْسلُوا إِلَى مَوْلَانَا الشريف يطْلبُونَ الْغُرَمَاء فصُبروا فَلم يصبروا وَأتوا إِلَى بَيت الشريف وَبَيت السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث وَكَانَ بِهِ جمَاعَة من عَسْكَر الشريف فَرَمَوْهُمْ من بَيت الْحَارِث فَقتلُوا من التّرْك أَيْضا اثْنَيْنِ فَرَجَعُوا وَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِلَى الْأَشْرَاف يطلبهم الْغُرَمَاء فامتنعوا وَخرج الْأَشْرَاف إِلَى الشَّيْخ مَحْمُود وَقَالُوا من يطْلب الْغُرَمَاء يَأْتِي وَالْعَبِيد خَرجُوا جَمِيعًا حَتَّى عبيد الشريف نَفسه وَالْحَاكِم إِلَى بركَة الماجن ووجدوا جمَاعَة من الأتراك مقيلين فَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَهم وضربوهم ونهبوا قَرِيبا من أَرْبَعمِائَة رَأس من الْغنم ثمَّ أرسل الشريف بَرَكَات أَخَاهُ السَّيِّد عَمْرو فَرد العبيد ثمَّ قصد مَوْلَانَا الشريف تسكين الْفِتْنَة فَأمر على عَبْدَيْنِ كَانَا محبوسين فِي سَرقَة أَن يشنقا فشنقا فَلم تطب نفوس الأتراك بعد رُؤْيَتهمَا ثمَّ وجد السَّيِّد يحيى
ابْن الشريف بَرَكَات وَكَانَ يعس الْبَلَد عَبْدَيْنِ سارقين فَضرب أعناقهما وَرمى بجثتيهما تَحت جميزة المعلاة وَذكروا للأتراك أَنَّهُمَا الْغُرَمَاء فرضوا واصطلح السَّادة الْأَشْرَاف مَعَ الشريف ودخلوا مَكَّة ثمَّ حصل لمولانا الشريف بَرَكَات مرض وَاسْتمرّ نَحْو شهر زمَان فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشري ربيع الثَّانِي من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين توفّي شرِيف مَكَّة مَوْلَانَا المرحوم الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات بن أبي نمي وَدفن وَقت الضحوة يَوْمه فِي حوطة الشَّيْخ النَّسَفِيّ بِوَصِيَّة مِنْهُ وَلم يحصل للنَّاس لَا خوف وَلَا فزع وَكَانَت مُدَّة ولَايَته عشر سِنِين وَأَرْبَعَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا رحمه الله رَحْمَة وَاسِعَة آمين وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قولي قصيدة حِين عوده من ذَهَابه لخفارة الْحَاج الشَّامي فوصل الْبِلَاد الْمُسَمَّاة بالحِجر ديار ثَمُود فَوَافَقَ حَال دُخُوله حُصُول مطر بهَا اشرت إِلَى ذَلِك فِي القصيدة وَهِي // (من الْبَسِيط) //
(مَا ظَلَّلَ البيرق الْمَنْصُور سُلْطانَا
…
إِلَّا وكُلُّهُمُ فِي ظِلِّ مَوْلانا)
(أَبَا زُهَيْر الْعلَا بَرَكَات سيِّدنا
…
وَإِلَى البسيطةِ عجماناً وعُرْبَانا)
(حامي حِمَى مكَّة الغَرَّا وطيبةَ مَعْ
…
أقطارِ أنحائها حفْظًا وإتْقَانا)
(ذُو هِمَّةٍ همة الإسكندرىِّ غدَتْ
…
أقلُّهَا وَبهَا كَمْ دَان بلدانا)
(وعزمةٍ فِي مُهِمِّ الخَطْبِ صَادِقَةٍ
…
تُصَيِّرُ الإِمْتِنَاعَ الصرْفَ إِمْكانَا)
(تأمينُ حجاجِ بيتِ الله قمْتَ لَهُ
…
بالنفْسِ والمالِ والأبناءِ إذعانا)
(فَحُطْتَهُمْ مثلَ حوطِ الابنِ كافلُه
…
وكَمْ بذلكَ قد أذهَبْتَ ذهْبَانا)
(فِي طاعةِ الله والسلطانِ لَا برحَتْ
…
لَهُ ملائكَةُ الرحْمَنِ أعوانا)
(مولَى ملوكِ الورَى الغازِى مُحَمَّد خَان
…
زادَهُ الله نصرا أَيْنَمَا كَانَا)
(وشُرِّفَتْ بك أرضُ الحِجْرِ إِذْ سقيَتْ
…
غيثاً بمقدمِكَ الميمونِ هَتَّانا)
(حَتَّى لقَد ظَنَّ فِي الأجداثِ هالكُهُمْ
…
لأَنْ ينالَ من الرحمنِ غفرانا)
(أنتَ الَّذِي بكَ تاهَتْ مكَّةٌ وزهَتْ
…
بحسنِ أَيَّامه عدلا وإحسانا)
(أنتَ الَّذِي بكَ ضمَّ الشمل ناثره
…
مِنْ بعدِ تفريقِهِ مثنَى ووُحْدَانا)
(أيُّ الملوكِ بلادُ الله بلدتُهُ
…
تمسي رعيَّته لله جِيرَانا)
(أىُّ الملوكِ على كُل مودته
…
حتَّى مَلَائِكَة الرحمنِ والجانا)
(أىُّ السلاطينِ لَوْلَا صِيتُ هيبته
…
لم يمكنِ الحَجُّ من بغدادَ إنْسَانا)
(وَلَا تيَسّر للعبَّادِ فِي غَسَقٍ
…
أَن يلمسوا لاستلامِ البيتِ أركانا)
(بِيُمْنِ طلعته الغَرَّا قد امتلأتْ
…
جميعُ وِجْهَاتنا أمنا وإيمانا)
(مباركُ الإسمِ والأفعالِ قد خلصَتْ
…
لله نيتُهُ سرا وإعلانا)
(لَهُ سريرَةُ صدقٍ لَا يزالُ بهَا
…
يشيدُ حَقًا لدينِ الله أركانا)
(ألفضلُ شيمتُهُ والعدلُ سيرتُهُ
…
بالحقِّ ينصفُ مِمَّن عزَّ أَو هانا)
(يَا وجْهَ آلِ رسولِ الله قاطبةً
…
ومَنْ يمنُّ وَلَا نَلْقَاهُ مَنَّانا)
(أهِدى الثناءَ لكُمْ فِي كل آونةٍ
…
فِي محفلٍ جحفلٍ مَا زالَ ملآنا)
(وَمَا أقصِّرُ أصلا فِي الدعاءِ لكُمْ
…
إِذا تلوْتُ قبيلَ الفجْرِ قُرْآنًا)
(أَدْعُو بطولِ البقا والمُلْكِ تكنفُهُ
…
وقايةُ الله أزمانَا فأزمانا)
(لَا زالَ خظُّكَ والنَّصْرُ المؤيدُ وَالسَّعْدُ
…
المؤَبَّدُ طولَ الدهْرِ أقرانا)
(وَلَا فتئْتَ قريرَ العينِ مبتهجاً
…
حَتَّى تَرَى إبْنَ إبْنِ الابنِ سُلْطَانا)
(ثمَّ الصلاةُ على جدَّيْكَ مَا عظفَتْ
…
أنفاسُ ريحِ الصِّبَا المِسْكِىِّ أغصانا)
وَقَالَ مُحَمَّد بن جدوع الْمَشْهُور بالشاعر التغلبي // (من الطَّوِيل) //
(دُهِمَتُ بِمَا لَا أرْضى وَلَا اطِيقُ بعضَهُ
…
أَتَانِي معاضول كثير بمحفلِ)
(نهضت معاما جَدَّمِ العَزْمِ مصرم
…
من الْقَهْر خوفًا أَن أَمُوت أَو انْسَلَّ)
(فيا لَيْتَني عَن ذَا بعيدٌ ومنزلي
…
على الذِّكرِ ِفي ديراتِ بكرٍ وموصلِ)
(وَلَا قُمتُ فِي دَار ذراعي قَصِيرَة
…
ذليل وَلَا لِى مِن جناها محصّلِ)
(يهونُ علىَّ ازوامُ نَفسِي مشقَّة
…
وَلَا حالتي هَذِى لىَ المَوْت أسهلِ)
(بأقوَى عُبابِ البَحْر مَاء ومَوْجَة
…
أَشُوفُ السما فَوْقِى وتحتي وَلَا ازملِ)
(ذُهِلْتُ بهَا ممَّا جَرَى كُلّ مَا مضَى
…
حَفِظْتُ بهَا مِنْ همتي كُلّ مجهلِ)
(وكَمْ ليلةٍ بَيْضَا سَرَيْتُ وليلةٍ
…
بهَا الليلُ غدرا كالقَمِيصِ الْمفصل)
(إِذا مَا تَنَحَّى الليلُ وَقفا وجدتُّنى
…
على كُلِّ فَجَّا الصدرِ وَجْناء مرقلِ)
(كَبِيرةِ عُثْنُونِ القَفَا صَيْعَرِيَّةٍ
…
كَأنَّ مَرَافِقْهَا عنِ الزّورِ تفتلِ)
(لَهَا اعلامُ شَيْبٍ كَنَّهُنَّ مَرَاوحٌ
…
أَوَ اكْمَامُ رَقَّاصٍ إِن اقْفى وأقْبلِ)
(بخدِّ كظهرِ الذِّيبِ وعرا قطعنها
…
وَمَرا بصفصاف بداويَّةٍ خلى)
(وَيَا طالما اسْتازى بغُرْضة نَاقَتي
…
فُرُوخ القَطَا وَابْن النَّعَامِ المجفَّلِ)
(مِن ازْوامِ حَرِّ القَيْظِ فِي هَوْجَرِيَّةٍ
…
فَرَائِدُهَا فِي الآلِ تَخْفَى وتعتلي)
(تَتِمُّ بهَا الأنْظارُ شتَّى كَثِيرَة
…
كأنَّ بهَا البيضَ الهواري تُسللِ)
(بهَا القوز غرفى كَالقَواويقِ غطَّس
…
على الرُّوسِ فِي وسطِ المعمَّى المطوَّلِ)
(صلبتُ النَّضَا فِيهَا بالادْلاجِ والسُّرى
…
رجا كُل عادِىًّ قديمٍ منَ اوَّلِ)
(من الهجر رَا دمْنَ الكلا فِي جنوبهِ
…
كأنَّهُ بَدْرٌ فِي كلاتيَّ جَدْولِ)
(وَكَمْ هَام فيهَا قسمتَاه رَاقِدًا
…
أنَاس على الأناس فاغْفى وأغفلِ)
(وَكَثر خُوار القوامِ فِينَا وأيقنوا
…
بلدراك من شوفِ احْدِهم يَوْم يكفلِ)
(خليلىَّ لَا تخشونَ منِّى معرة
…
عليَّ لكُمْ ميرادكم أيٌّ منهلِ)
(فَصلْنَ وصيل الرَّمْلِ فِي مُدْلَهِمَّةٍ
…
خَلصنَ وَكَمْ فِيهَا دَلِيل تَوجَّلِ)
(وردتهُ والأفَّان مَا أَنا بخابرٍ
…
سوى العزمِ إِلَّا انَّهْ بالاذكار وصْفَ لي)
(أنخنَا عَلَيْهَا العيسَ مِنْ بَعْدِ سريه
…
وَدرت لدَوْسِ الدائسات تأملي)
(ولمينِ حط الغرب عجلا فَقيل لي
…
أما يَرْدهَا إِلَّا رشاء موصّلِ)
(ولمينِ وصلت الحبال بجدة
…
وإكتربَتْ عضدي فِي المغربِ فْجُزْ لي)
(أَرَى كُلَّهمْ يلطِمْ بكفَّيهِ خدَّهُ
…
وَبَعْضَهمَا مِنْ خَوفةِ الموْت هلَّلِ)
(فَقُلْتُ لَهُمْ لَا تَحْزَنُونَ فَانا لكم
…
أطوع من لدنِ الأديمِ المبللِ)
(نزلتُ بهَا واسقيتُ ربعى بِسُرْعَة
…
وصدَّرتهم روبا وصملانهم ملي)
(ولسْتُ بقوَّالٍ وَلا هُوْ بِصَادِقٍ
…
وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا إذَا قَالَ يفعلِ)
(أَمَا ضَام وانا من عرانينِ تَغْلبٍ
…
لَنَا فِي نِزَارٍ نِسبةٌ مَا تُبدلِ)
(فَإِن قَصَّرَتْ عَن فعلِ آباي همَّتى
…
تكملن أَعْمَامِى وأَفْعال مخولِى)
(وَلَا أَقْصَرَتْ عَن هؤلا بل لحقْتُهم
…
حَميدة افْعَالى صدوقٌ بِمِقْوَلى)
(ولي ثِقَة فِي سيد إِبْنِ سيِّد
…
مَنِ اختارهُ المولَى علينا لَنَا وَلِى)
(أَبُو سَعدٍ برْكات بن مُحَمَّد
…
لهُ نَسب عدل بِطه موصّلِ)
(على الزين كم فرق من اصنام لَا بِهِ
…
وَكم عكفوا بِهْ مِنْ رَسُولٍ ومرسلٍ)
(وكَمْ لطم الضَّدْ الْقوي بغارةٍ
…
بِكُل ابْلَحِ ذَرْبٍ تصَلْصَل من علِ)
(على الْخَيل لدنين وَلَو مَا تعاودوا
…
وَكم عطفوا بِصْدورهم روس ذبلِ)
(وكمْ فرقُوا بالسيَّف محزوم ضَرْبَة
…
سرايَاه فِيهَا مِنْ عراةٍ وكمّلِ)
(علَى رَأْي حزَّام الحُرُوب انْ تفاختَتْ
…
إِلَى هدم جمع عَنِ الْجمع يعزلِ)
(وَمِنْه يخلي الإبن عَم ابْن عَمه
…
والابنا عَن اباها تغض وتنسلِ)
(أغارتْ مُلُوك الرُّومِ واستنصروا بِهِ
…
وقبلَهْ عَسَاكِرْهُمْ تذل وتخذلِ)
(تقلل مِنْ وادِى قُرَيْش وجُرْهُم
…
عَلَى ضُمَّرِ من طُول ممشَاهُ محلِ)
(وَقب تجابذهنَّ الارْسَان حزب
…
مَطَاوِيِعِ لَدْنات المَرَاضِع قفّلِ)
(فلمَّا تبيّنْ وجْه ممشَاهُ صَائِل
…
نشُوف ثَقِيل الطَّعن أقفى وأشْملِ)
(وأنكَرَ بَعْضٌ بَعْدَ الاجماعِ بعضَهُمْ
…
وهُمْ قَبْلَ ذاكم فكَّكوا وَشر محملِ)
(وطاع الضجر الصَّلِيب وَلَا قسا
…
وَمِنْه تخلى العَارِض الفَرْد منْ بلي)
(وكَمْ مِنْ عَزِيزٍ عِنْدَ ملْقَاه غالي
…
دَعَاهُ على التَّالى قَطِيع مهملِ)
(من اوزام هَا الجَمْع الْقوي بمثْلِهِ
…
وحَرْجَمَتِ الأظْعَانُ فِي كُلِّ منزلِ)
(بهَا الحدب لزمن النواصي بمكنه
…
ولابق بيْنَات المطاهير محْولِ)
(وخفوا عَنْ اطفالٍ وشيبٍ كثيرةٍ
…
وَحُورٍ عَلَى ابَنَاها تحِنّ وتُعْوِلِ)
(وكَمْ طَلَبُوا مِنْهُ الرحا فِي مراحِهِمْ
…
على اطْفَالِهِمْ مِنْ مأخَذِ القومٍ يعقلِ)
(عَسَاهُمْ يتوبوا عَنْ مناخاة ميمر
…
مصالاه قَبْلَ الفِعْلِ للخَصْمِ يقتلِ)
(بقَوْمٍ إِذا زموا على الضَّدِّ واجملوا
…
بالافْكَارِ مِنْ دارٍ لدار تحول)
(وَمن عطوة واما بهَا من عَطِيَّة
…
وَمن رمك فِيهَا أصيل ومصهل)
(وَمن عرض مَا اعطى كم حكوا من جهامة
…
بهَا نَاقَة حمرا وخوارة خلى)
(معَاذًا بِهِ الحارات بِالْقربِ حسر
…
وَلَو كَانَ أزين من بهَا الشَّمْس واجمل)
(كليل مقاو الطّرف عَنْهُن دَائِما
…
مدى الْعُمر مَعَ حدثها مَا تخَلّل)
(فَإِن غَابَ عَنْهَا بَعْلهَا فَهُوَ سترهَا
…
رءوف بهَا كنه ولي مُوكل)
(فدَاه دويني قَلِيل أَمَانَة
…
من الْخَوْف الأَرْض بْجارتيه تزلزل)
(فجزني على مدحي بميصال ديرتي
…
فَكل غَرِيب نَاقص لَو تطول)
(ولي أُسْوَة بالليث وان كَانَ نَادِر
…
بِلَا غابتهْ لزما يكل وينكل)
(وللحر عادات إِلَى رب مَا كرن
…
من اطول مَا فى الأَرْض مَا ينزل اسفل)
(وصلوا على خير البرايا مُحَمَّد
…
عددْ مَا مَشوا لهْ من حفايا وَنقل)
ثمَّ تولى الشريف سعيد ابْن الشريف بَرَكَات ابْن السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السَّيِّد إِبْرَاهِيم ابْن السَّيِّد بَرَكَات ابْن الشريف أبي نمي يَوْم موت وَالِده الشريف بَرَكَات قبل أَن يجهزه ذهب السَّيِّد عَمْرو بن مُحَمَّد فِي جمَاعَة من الْأَشْرَاف إِلَى حَضْرَة أَفَنْدِي الشَّرْع وطلبوا مِنْهُ قفطاناً فَسَأَلَهُمْ الأفندي هَل رَضوا السَّادة الْأَشْرَاف فَقَالَ لَهُ السَّيِّد عَمْرو نعم رَضوا بذلك فَأتوا مِنْهُ بقفطان فألبسوه للشريف سعيد ثمَّ نودى بالبلاد باسمه وَمَعَ المنادى مَوْلَانَا الْحُسَيْن بن يحيى ومولانا السَّيِّد عبد الله بن هَاشم ثمَّ جهز الشريف بَرَكَات وَصلى عَلَيْهِ فاتح بَيت الله مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا الشَّيْخ عبد الْوَاحِد ابْن المرحوم سيدنَا ومولانا الشَّيْخ مُحَمَّد الشيبي الْقرشِي العبدرى بِوَصِيَّة
مِنْهُ وَدفن فِي الْمحل الْمُتَقَدّم ذكره ثمَّ عقد مجْلِس يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم الْوَفَاة بِالْحَطِيمِ حَضَره الْأَشْرَاف وَالْعُلَمَاء والأعيان والعساكر فأظهر الشريف سعيد أمرا سلطانياً مضمونه إِنَّه لما أرْسلهُ مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان أنعم عَلَيْهِ بِالْملكِ بعد أَبِيه فقرئ بِمحضر ذَلِك الْجمع فسكنت الخواطر وَالْأَحْوَال لموجب ذَلِك الْأَمر الْوَاجِب الِامْتِثَال فَلِذَا لم تقع مُخَالفَة من أحد وَللَّه الْحَمد والْمنَّة ثمَّ حصل بَين الشريف سعيد وَالسَّيِّد نَاصِر ابْن المرحوم أَحْمد الْحَارِث بعض مقاومة من جِهَة وعد لم يتم فَقَامَتْ نفس السَّيِّد نَاصِر وعضد مَعَه جمَاعَة من الْأَشْرَاف مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن يعلى وَذَوي جود الله فِي خَمْسَة وَعشْرين شريفاً فَمَا زَالُوا يسعون بَينهم بِالصُّلْحِ حَتَّى اصْطَلحُوا وَللَّه الْحَمد وَفِي ثَانِي عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف وصل أغا صحبته قفطان من صَاحب مصر لمولانا الشريف سعيد بن بَرَكَات جَاءَ بحراً وَخرج من يَنْبع وَفِي ثامن عشر رَمَضَان مِنْهَا ورد مُورق السميري يخبر أَن السَّيِّد زيد بن حَمْزَة رَسُول الشريف سعيد إِلَى الْأَبْوَاب وصل إِلَى يَنْبع ويخبر أَن القفطان السلطاني وَاصل بحراً وَفِي سادس عشريه وصل السَّيِّد حَمْزَة إِلَى مَكَّة وَفِي رَابِع شَوَّال مِنْهَا ورد إِلَى الأفندي أَمر سلطاني بِإِخْرَاج الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان من الْحَرَمَيْنِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَأرْسل إِلَيْهِ الأفندي يَأْمُرهُ بِالْخرُوجِ فَطلب مهلة ثَلَاثَة أَيَّام فأمهل ثمَّ لم يَأْمَن على نَفسه فَلَمَّا أَتَوْهُ على الْوَعْد امْتنع فجَاء إِلَيْهِ العساكر إِلَى بَيته فصاح وَصَاح أهل بَيته من نسَاء وَأَطْفَال وخدم فَتَرَكُوهُ ومضوا إِلَى الشريف وأفندي الشَّرْع وأخبروهما بِمَا وَقع فأرسلوا إِلَيْهِ مَوْلَانَا السَّيِّد ثقبة ابْن قَتَادَة فحاوله على الْخُرُوج فَأَجَابَهُ إِنِّي ممتثل الْأَمر وَإِنَّمَا تمهلوني إِلَى الْحَج فَتوجه السَّيِّد ثقبة فِي الْإِمْهَال إِلَيْهِ عِنْد الشريف وأفندي الشَّرْع فأمهلاه ثمَّ خرج صُحْبَة الْحَاج الشَّامي وَفِي ثامن عشر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة دخل الأغا بالقفطان والمرسوم
السلطانيين فلبسه مَوْلَانَا الشريف سعيد فِي الْحطيم وَقُرِئَ المرسوم على الْعَادة بالتبجيل والتعظيم وَالتَّصْرِيح بتفويض أَمر الْحَرَمَيْنِ إِلَيْهِ والتعويل فِي حراستهما عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ ذَلِك النَّهَار موكب عَظِيم وفيهَا وصلت صَدَقَة من ملك الْهِنْد إِلَى الْحَرَمَيْنِ قدرهَا مائَة ألف ربية أَرْبَعُونَ ألفا للشريف وَسِتُّونَ لمَكَّة وَالْمَدينَة فَكَتَبُوا أَسمَاء النَّاس فِي دفتر وعدوهم بالتقسمة ثمَّ اقْتضى رَأْيهمْ أَن يأخذوها جَمِيعًا ويأمروا أهل مَكَّة بِأَن يكتبوا باستلامها فَكتب أهل مَكَّة بذلك وَأرْسل إِلَى أهل الْمَدِينَة وَطلب مِنْهُم أَن يسمحوا كَمَا سمح أهل مَكَّة بذلك فَكَانَ جَوَاب أَفَنْدِي الْمَدِينَة وَشَيخ حرمهَا وأغوات العساكر مَا نَصه إِن هَذَا شئ لعامة النَّاس فَلَا يسعنا السماح عَن جمَاعَة مَا نعتقد رضاهم وأبوا أَن يجيبوا بِغَيْر هَذَا فَلَمَّا وصل الْخَبَر بذلك عَنْهُم دبروا تدبيراً آخر لَا حَاجَة بِنَا إِلَى كشفه وَأَرْسلُوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان أورنك زيب صُحْبَة السَّيِّد مُحَمَّد البرزنجي فَلم يُعْط قبولاً وَلم يواجه السُّلْطَان هُوَ وَمن مَعَه أصلا ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة بعد ذَلِك فِي سنة خمس وَتِسْعين وَقد كَانَ فِي غنية وَعزة عَن مثل هَذِه الرسَالَة الَّتِي هَذَا شَأْنهَا وَقد أخذت مِنْهُ المكاتيب من بندر سُورَت وَأرْسلت إِلَى السُّلْطَان وَذَلِكَ لما بلغ السُّلْطَان حَقِيقَة الْحَال وَقد كَانَ المرحوم مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات عرض إِلَى الْأَبْوَاب لما فَارقه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته وَمن مَعَه فَعرف أَن السَّادة الْأَشْرَاف أتعبوه بِالطَّلَبِ الشطيط وَأَنه بَالغ فِي إرضائهم بِكُل وَجه فَقَالَ إِلَى حد أَنِّي رضيت أَن أجعَل لَهُم مغل ثَلَاثَة أَربَاع الْبِلَاد وَيكون لى ربع فَكَانَ جَوَابه أَنهم أبرزوا لَهُ أمرا سلطانياً بذلك فورد إِلَى مَكَّة بعد مدَّته فِي الْحَج آخر سنة ثَلَاث وَتِسْعين الْمَذْكُورَة وَلم يُرد مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات طلب هَذَا الْأَمر وَإِنَّمَا لما أرسل إِلَى الْأَبْوَاب متنصلاً عَن الْمُخَالفَة على السَّادة الْأَشْرَاف ومبيناً أَنه ساع فِي ملائمة هواهم بِحَيْثُ إِنَّه رَضِي بِأَن يَجْعَل ذَلِك لَهُم ظنت الدولة العثمانية أَن ذَلِك مُرَاد لَهُ ومطلوب فَأخْرج لَهُ أَمر بذلك فَلَمَّا وصل كتمه الشريف سعيد فتحققته السَّادة الْأَشْرَاف وطلبوه من الشريف فَأحْضرهُ على مَا أشيع مجْلِس الشَّرْع وسجل مضمونه
وقسموا مَدْخُول الْبِلَاد والإخوان أَربَاعًا ربع لمولانا الشريف وَربع تشيخ فِيهِ مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله ومولانا السَّيِّد نَاصِر بن أَحْمد الْحَارِث ومعهما جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَالرّبع الثَّالِث تشيخ فِيهِ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب دَامَ علاهُ ومولانا السَّيِّد أَحْمد بن سعيد ومعهما جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَالرّبع الرَّابِع تشيخ فِيهِ مَوْلَانَا السَّيِّد عَمْرو ومولانا السَّيِّد غَالب بن زامل ومعهما جمَاعَة من الْأَشْرَاف فَحصل بذلك التشاجر فِي الْقِسْمَة والتعب والتشاحن وَوَقع فِي الْبِلَاد السرقات بل النهب الصَّرِيح وَاخْتلفُوا فِيمَا بَينهم وَلزِمَ من ذَلِك أَن كل صَاحب ربع يكون لَهُ كتبة وخدام يجمعُونَ مَا هُوَ لَهُ واستكتب مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته عسكراً وانضم إِلَيْهِم عبيد ذَوي زيد فَحصل عِنْد الشريف سعيد تَعب من ذَلِك فَأمره بترك الْعَسْكَر فَامْتنعَ وَذكر أَن السوالف سبقت بِمثل هَذَا لصَاحب الرّبع وَشهد بذلك كبار الْأَشْرَاف فَذكر الشريف سعيد أَنه متوهم من هَذَا الْفِعْل وَطلب من يكفله لَهُ فَكَفَلَهُ عشرَة من الْأَشْرَاف واصطلحا على ذَلِك ثمَّ ادّعى الشريف سعيد على الْأَشْرَاف أَن عبيدكم أتلفوا الْبِلَاد وَالْقَصْد من أهل الأرباع أَن يُرْسل كل مِنْهُم شخصا من جَانِبه يعسون الْبِلَاد مَعَ جماعتي فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب أَخَاهُ مَوْلَانَا السَّيِّد حسن بن غَالب وَأرْسل مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله ابْنه بَرَكَات بن مُحَمَّد وَأرْسل الشريف سعيد مَوْلَانَا السَّيِّد حَمْزَة بن مُوسَى بن سُلَيْمَان فِي جمَاعَة من الخيالة والدَّبابة مَعَهم الْقَائِد حَاكم الْبِلَاد أَحْمد بن جَوْهَر ثمَّ دخلت سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وصل فِي خَامِس شهر رَمَضَان مِنْهَا إِلَى مَكَّة هَدِيَّة من ملكة آش بلد بأقصى الْهِنْد وَتلك مُقَابل هَدِيَّة كَانَ أهداها إِلَيْهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات مِنْهَا ثَلَاثَة قناطير ذهب مصطنع يصفى على النّصْف خَالِصا وَثَلَاثَة غلايين ذَهَبا وَثَلَاثَة أَرْطَال كافور وجانب عَظِيم من الفرنقل والجاوي وآواق زباد آشى وللكعبة الشَّرِيفَة بِخَمْسَة قناديل ومبخرتين وشمعدانين وللمدينة كَذَلِك قناديل ومباخر وشماعدين فنازع السَّادة الْأَشْرَاف الشريف سعيد طَالِبين الثَّلَاثَة الأرباع مِنْهَا فَامْتنعَ من ذَلِك فَقَامَتْ النُّفُوس بَينهم وَبَينه ثمَّ وَقع الصُّلْح على
إعطائهم النّصْف مِنْهَا فَأَخَذُوهُ وَفِي سادس عشري ذِي الْقعدَة مِنْهَا فتح الْبَيْت الشريف وَجَاء مَوْلَانَا الشريف سعيد ومولانا السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود ونائب الْحرم وعلقوا الْخَمْسَة الْقَنَادِيل بِالْكَعْبَةِ الشَّرِيفَة وفيهَا يَوْم الْأَحَد رَابِع عشر ذِي الْقعدَة الْحَرَام مِنْهَا انْتقل بالوفاة إِلَى رَحمَه الله تَعَالَى مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وَفِي شهر ذِي الْحجَّة مِنْهَا لم يخرج السَّادة الْأَشْرَاف جَمِيعهم مَعَ الشريف سعيد إِلَى العرضة فَبعد أَن حج النَّاس ونزلوا عقد الشريف سعيد محضراً فِيهِ أَمِير الشَّامي صَالح باشا وَأحمد باشا صَاحب جدة وأمير الْحَاج المصرى ذوالفقار بك وَأمين الصرة والسرادير وأكابر الْحَج وأغواته وشكا من الشريف أَحْمد بن غَالب كِتَابَة الْعَسْكَر وَأَنه مناكد لي فِي الْبِلَاد وَأَنه أفسد عَليّ الْأَشْرَاف وَأَنه حصل مِنْهُ وَمن جماعته الْفساد فِي الْبِلَاد وَأَرْسلُوا السَّيِّد غَالب بن زامل إِلَيْهِ ليحضر فَيظْهر مِمَّن الْخلاف فَامْتنعَ من الْحُضُور فِي بَيت الشريف وَقَالَ إِن كَانَ الْقَصْد الِاجْتِمَاع فَفِي الْمَسْجِد وَإِن كَانَ لكم دَعْوَى فأوكل وَكيلا يسمع مَا تدَّعون بِهِ عَليّ ثمَّ أرْسلُوا إِلَيْهِ عَن كِتَابَة الْعَسْكَر وَمَا بعده فَأجَاب بِمَا أجَاب أَولا أَن هَذِه قَوَاعِد بَيْننَا قد سلفت أَن صَاحب الرّبع لَهُ أَن يكْتب عسكراً وَأما قَوْلكُم إِنَّه قد حصل من جماعتي أَو عسكري مفْسدَة فأطلقوا منادياً فِي الْبِلَاد معاشر النَّاس كَافَّة هَل أحد يشكو مني أَو من جماعتي أَو عسكري شَيْئا أَو أخذُوا حق أحد ظلما أَو ضربوا أحدا فَإِن وجدْتُم مشتكياً صَحَّ مَا قلتموه وَإِلَّا فَلَا وَجه لكم وَأما تركي العرضة فَكَانَ خوفًا أَن يَقع شئ فينسب ذَلِك إليَّ أَو إِلَى جماعتي كل هَذَا والأشراف جَمِيعهم اجْتَمعُوا على قلب رجل وَاحِد وَلم تزل خيولهم مسرجة ودروعهم عيابها غير مشرجة بل قد لبسوها وملئوا الأجياد إِلَى العقد وتحركت الأنفة الهاشمية الَّتِي تأبى الضيم والضهد وَبَلغنِي عَن الثِّقَة أَن صَالح باشا أَمِير الْحَاج الشَّامي كَانَ من جملَة كَلَامه إِلَى الشريف أَحْمد متع الله بحياته إِن لم تصطلحوا طَوْعًا أصلحناكم بِالسَّيْفِ فَأرْسل لَهُ
فِي الْجَواب السَّيْف لنا يَا بني هَاشم مَا هُوَ لفلاليح الشَّام وَلَكِن إِذا نمت فأحكم تزرير مضربك عَلَيْك وَلما أَن سمع الْأُمَرَاء والأكابر جَوَاب الشريف أَحْمد بالْكلَام الأول وَعَلمُوا أَنه لَا وَجه عَلَيْهِ وَلَا خلاف ينْسب إِلَيْهِ سعوا فِي الصُّلْح بَينه وَبَين الشريف سعيد على أَن يكفل كل مِنْهُمَا جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَلَا يتَعَدَّى أحد على صَاحبه وكتبت بَينهمَا حجَّة شَرْعِيَّة وطلبوا من الشريف أَحْمد متع الله بحياته أَن يَأْتِي إِلَى الشريف سعيد فوصل إِلَيْهِ لَيْلَة فِي شهر الْحَج قبل خُرُوج الْحَاج الشَّامي ثمَّ بعْدهَا وصل إِلَيْهِ الشريف سعيد لَيْلَة أُخْرَى وَتمّ الصُّلْح وَللَّه الْحَمد وَأما صَالح باشا فَفِي يَوْم الِاجْتِمَاع الْمَذْكُور وصل فِي نَحْو مائَة من عسكره إِلَى بَيت مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته وَقبل يَده وَاعْتذر مِمَّا تكلم بِهِ فَقبله وقابله بِوَجْهِهِ الطلق الصبيح ولاطفه بِلَفْظِهِ العذب الفصيح وَرفع عَنهُ الملام وأكرمه كَمَا هُوَ طبعه الشريف غَايَة الْإِكْرَام وفيهَا أَعنِي سنة أَربع وَتِسْعين وَألف أَمر مَوْلَانَا الشريف سعيد بالنداء فِي الْبِلَاد ثامن عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام أَن لَا يُقيم أحد من الغرباء بالبلاد من جَمِيع الْأَجْنَاس على حسب مَا ورد بِهِ الْأَمر السلطاني ثمَّ إِن أَرْبَاب الْأَمْوَال من الأتراك وَغَيرهم تكلمُوا مَعَ سرادير الْعَسْكَر وَجعلُوا لَهُم مصلحَة فَاجْتمعُوا وعزموا إِلَى أَحْمد باشا صَاحب جدة وَذكروا لَهُ أَن هَؤُلَاءِ التُّجَّار المصارية أَمْوَالنَا مَعَهم وَأَنَّهُمْ نافعون لنا فِي الْبِلَاد وحسنوا لَهُ التَّكَلُّم مَعَ الشريف سعيد فَأرْسل إِلَى الشريف سعيد فَتكلم مَعَه فِي إبقائهم فساجل على ذَلِك وَأطلق مناديه سَابِع عشري ذِي الْحجَّة الْمَذْكُورَة أَن من كَانَت لَهُ مُدَّة طَوِيلَة يُقيم وَلَا خلاف عَلَيْهِ فَمَا أسْرع انْتِقَاض الحكم بضده بعد تِسْعَة أَيَّام وَفِي ثَانِي عشر شعْبَان مِنْهَا كَانَت وَفَاة وَالِدَة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْغَازِي الْمُجَاهِد السُّلْطَان مُحَمَّد خَان كَانَت صَاحِبَة خيرات وصلات تغمدها الله بأتم الرحمات وَفِي عَاشر ذِي الْقعدَة كَانَت وَفَاة شَيخنَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي الْمَالِكِي السُّوسِي المفتن فِي جَمِيع الْعُلُوم الْمَشْهُور عِنْد الْعَرَب وَالروم توفّي بِدِمَشْق الشَّام مولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف قَرَأَ على كبار الْمَشَايِخ بِبَلَدِهِ من
أَجلهم قَاضِي الْقُضَاة مفتي مراكش ومحققها سيدى عِيسَى السجسْتانِي والعلامة مُحَمَّد بن سعيد المراكشي وَمُحَمّد بن بكر الدلائي وَالشَّيْخ سعيد بن إبراهم الْمَشْهُور بقَدُّورَة مفتي الجزائر سِتِّينَ سنة وتلقن مِنْهُ الذّكر وَلبس الْخِرْقَة ولازم الشَّيْخ مُحَمَّد بن نَاصِر الزرعي أَرْبَعَة أَعْوَام فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف وَغَيرهَا وَصَحبه وَتخرج بِهِ ثمَّ رَحل إِلَى الشرق وَدخل مصر فَأخذ بهَا عَن الْعَلامَة الشَّيْخ عَليّ الأَجْهُورِيّ والشهاب الخفاجي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين بن سَلامَة القليوبي والعلامة سُلْطَان المراحي وأجازوه وبرع فِي الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان وَالْعرُوض والحساب والفلك والهيئة وَالْحكمَة وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ عدَّة فنون وَألف كتبا مفيدة مِنْهَا مُخْتَصر جَامع الْأُصُول لِابْنِ الْأَثِير وَاخْتصرَ التَّلْخِيص وَشَرحه وَوضع حَاشِيَة على التسهيل وحاشية على التَّوْضِيح ومنظومة فِي علم الْمِيقَات وَشَرحهَا وَله جدول جمع فِيهِ مسَائِل الْعرُوض كلهَا واخترع كرة عَظِيمَة فاقت على الكرة الْقَدِيمَة والإصطرلاب وانتشرت فِي الْهِنْد واليمن والحجاز أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ سِنِين عزباً فِي خلْوَة بقايتباي ثمَّ جَاءَ إِلَى مَكَّة وجاور بهَا ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم فِي موسم سنة ثَمَانِينَ صُحْبَة أخي الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الكبرلي وحظي عِنْده حظوة عَظِيمَة وفوض إِلَيْهِ أَمر أوقاف مَكَّة وَغَيرهَا وعمَّر الأربطة الدامرة والمآثر الداثرة وَأَنْشَأَ تربة بالمعلاة وَجعلهَا جداراً أوتاراً متقاطعة فِي نصف قامة على شكل شطرنجي وعدتها ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة قبر بلغت النَّفَقَة عَلَيْهَا من مَال الْوَزير الْمَذْكُور أَرْبَعَة آلَاف أَحْمَر وَمِائَة أَحْمَر كَانَ ابْتِدَاؤُهَا سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وسعى فِي عزل مَوْلَانَا الشريف سعد وَولى الشريف بَرَكَات بنظره وإشارته وَصَارَ فِي مَكَّة صَاحب الْحل وَالْعقد وأنيطت أمورها جَمِيعهَا إِلَيْهِ ويتردد الشريف بَرَكَات إِلَى بَيته كل يَوْم وَرُبمَا جَاءَ مرَّتَيْنِ فِي الْيَوْم الْوَاحِد وأكابر الْحَاج وأمراؤه يأْتونَ إِلَيْهِ فَمن قبل عَلَيْهِ أذن لَهُ وَمن لَا فَلَا وَلَا يقطع الشريف بَرَكَات أمرا قل أَو جلّ إِلَّا بنظره وَرُبمَا فعل أمرا بِغَيْر نظره فَإِذا علم بِهِ نقضه من يَوْمه إِلَى أَن مَاتَ الْوَزير الْمَذْكُور فضعف أمره وَورد الْأَمر من الْوَزير الآخر مصطفى باشا أَولا
بالتحذير وَالنَّهْي عَن مُشَاركَة الدولة فِي أمورها من قَلِيل أَو كثير والتنفير عَن المكارشة فِيمَا يتَعَلَّق بهَا من جليل وحقير وَذَلِكَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف فأغلق ذَلِك الْبَاب وَصَارَ لَا ينفذ شَيْئا إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب ثمَّ فِي جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة عزم إِلَى بَلْدَة الطَّائِف وصاف بهَا ثمَّ ارتحل مِنْهَا أَوَاخِر شعْبَان فَسقط عَلَى وَادي مر ثمَّ توجه مِنْهُ إِلَى الْمَدِينَة المنورة الشَّرِيفَة فَدَخلَهَا ثَانِي يَوْم من رَمَضَان فَأَقَامَ بهَا نَحْو أَربع سِنِين وابتنى فِي أثْنَاء تِلْكَ الْمدَّة دَارا بلصق جِدَار الْمَسْجِد النَّبَوِيّ الشمالي فَلَمَّا كَانَت سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف رَحل مِنْهَا فِي النّصْف من شهر شعْبَان عَائِدًا إِلَى مَكَّة فَدَخلَهَا ثامن عشريه فاستمر بهَا إِلَى أَن ورد الْأَمر ثَانِيًا سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف بتخريجه من الْحَرَمَيْنِ فَخرج إِلَى مَكَّة صُحْبَة الْحَاج الشَّامي موسم سنة ثَلَاث وَتِسْعين كَمَا تقدم ذكر طرف من ذَلِك وَأخذ فِي سَفَره الأول إِلَى الرّوم عَن الشَّيْخ خير الدّين بن مُحَمَّد الرَّمْلِيّ الْحَنَفِيّ وبدمشق عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن بدر الدّين البلباني الْحَنْبَلِيّ وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن كَمَال الدّين نقيب الْأَشْرَاف وَله فهرست بِجَمِيعِ مروياته وأشياخه سَمَّاهَا صلَة الْخلف بموصول السّلف وَوصل فِي سفرته الثَّانِيَة إِلَى دمشق الشَّام فَأَقَامَ بهَا حَتَّى كَانَت وَفَاته فِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة أَربع وَتِسْعين وَألف رحمه الله وَتجَاوز عَنهُ انْتهى ثمَّ دخلت سنة خمس وَتِسْعين فِيهَا يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر محرم الْحَرَام لما أَرَادَ أَحْمد باشا النُّزُول إِلَى جدة حشكت عَلَيْهِ السَّادة الْأَشْرَاف بِسَبَب أَنه استولى على الرّبع من حب الجراية الَّتِي ترد إِلَى مَكَّة بعد أَن كَلمُوهُ فِي ذَلِك فَامْتنعَ فَسَكَتُوا عَنهُ إِلَى يَوْم نُزُوله جدة وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة الْمَذْكُور فتحزبوا جَمِيعًا وَقَالُوا لَا ينزل حَتَّى يُعْطِينَا مَا هُوَ لنا وَلَا يبْقى عِنْده شئ وَكَانَ ذَلِك بعد أَن تقدمه أَهله وَثقله إِلَى جدة فَصَارَ أحير من ضَب واجتمعوا بِبَيْت السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ السَّيِّد ثقبة فَقَالَ لَهُ إِن نزلت قبل أَن تصلح الْأَشْرَاف يَأْخُذُوا جَمِيع أسبابك الَّتِي تقدّمت وينهبوا حريمك ويقتلوك فأذعن حِينَئِذٍ بوفائهم فَقَالُوا لَا نرضى بذلك حَتَّى تكفل لنا فكفل لَهُم كرد أَحْمد المعمار وَجَمِيع السرادير والوزير عُثْمَان بن زين العابدين حميدان وَكَتَبُوا بذلك حجَّة شَرْعِيَّة وَأَنه إِن حصل مِنْهُ منع لبَعض
حُقُوقهم فَيكون عاصي الشَّرْع وَالسُّلْطَان ثمَّ خرج من مَكَّة بعد عصر ذَلِك الْيَوْم كالهارب // (من الْبَسِيط) //
(أَلْجَدُّ فِي الجِدِّ والحرمانُ فِي الكَسَلِ
…
)
وفيهَا تَاسِع ربيع الأول ورد أغا من صَاحب مصر بقفطان للشريف سعيد وبطلب كرد أَحْمد المعمار وَهَذَا كرد أَحْمد كَانَ قد وصل قبل هَذِه السّنة أرْسلهُ الْوَزير الْأَعْظَم مصطفى باشا إِلَى عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَحده وَكَانَت عِمَارَته فِي الْمَسْجِد فرش أروقته بِالْحجرِ الشبيكي وعمارته بجدة إِجْرَاء عين إِلَيْهَا اسْتمرّ فِيهَا نَحْو ثَلَاث سنوات ابتدأها من الْمحل الْمَعْرُوف بالقوز وَعمر بهَا أَيْضا مَسْجِدا ومنارةً وحماماً ووكالةً وَسبب طلبه لما غضب على مرسله الْوَزير الْأَعْظَم مصطفى الْمَذْكُور بِسَبَب الولس الَّذِي نسب إِلَيْهِ مَعَ الْكفَّار على الْمُسلمين وَكَانَ هَذَا كرد أَحْمد من خَواص الْوَزير الْمَذْكُور فجَاء الْأَمر لمولانا الشريف سعيد ففى يَوْم وصل الأغا ختم على بَيت كرد أَحْمد الذى بِمَكَّة وَركب الأغا من يَوْمه إِلَى جدة وَختم على بَيته بهَا وعَلى جَمِيع المَال وأحضروا المهندسين فخمنوا الْعِمَارَة فخمنوا كل ذِرَاع بقرش ريال بعد أَن ذرعوا من الِابْتِدَاء إِلَى الْبَلَد فَبلغ كَذَا وَكَذَا ألف ذِرَاع وَكَذَلِكَ خمنوا مَا صرف على فرش الْمَسْجِد وَحَسبُوا جَمِيع ذَلِك وَكَتَبُوا بِهِ حجَّة شَرْعِيَّة وَخرج من مَكَّة إِلَى جدة فِي شهر ربيع الآخر فَذهب بحرا إِلَى من طلبه وَمِمَّا وَقع فِي هَذِه السّنة من الْعَجَائِب أَن حُرْمَة من جِهَة الشبيكه من نسَاء الْعَرَب وضعت كَلْبا فخافوا الفضيحة فَقَتَلُوهُ ودفنوه وفيهَا أَيْضا جَاءَ نجاب من مصر وَأَخْبرنِي مشافهة أَن بالمويلح الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة حُرْمَة ولدت ولدا فَذهب أَبوهُ إِلَى جِهَة السُّوق فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ الْوَلَد الْمَوْلُود لوالده العوافي يَا باه قضيت حَاجَتك وَتكلم بأَشْيَاء كَثِيرَة من سَاعَته وَهَذَا من الْعَجَائِب الَّتِي لم يسمع بِمِثْلِهَا إِلَّا نَادرا وَالْقُدْرَة صَالِحَة وَبعد ذَلِك فقد الْوَلَد فسبحان الْقَادِر على كل شئ وفيهَا تضرر السَّادة من غلو سعر الذَّهَب ووصول الْأَحْمَر إِلَى ثَمَانِيَة حُرُوف
وَربع وبسببه غلت الأسعار فطلبوا من الشريف أَن يُنَادى بنزول سعره إِلَى أَرْبَعَة حُرُوف لتنزل أسعار المسعرات إِلَى النّصْف من كل شئ فأجابهم إِلَى ذَلِك فتعب من ذَلِك صَاحب جدة أَحْمد باشا وعساكر مصر حِين أرسل لَهُم الشريف بِمثل ذَلِك وَامْتنع من النداء عَلَيْهِ إِلَّا بسبعة حُرُوف وَكَانَ ذَلِك عشري جُمَادَى الأولى ثمَّ إِن عَسْكَر مصر شكوا إِلَى الشريف سعيد أَن هَذَا ضَرُورَة علينا فنسأل الْفضل أَن تجعلوه بِسِتَّة حُرُوف وَنصف لَا علينا وَلَا على السَّادة الْأَشْرَاف خلاف فَأمر الشريف سعيد بالنداء بذلك والفسح بِهِ فَلَمَّا سمعُوا السَّادة الْأَشْرَاف بموافقة الشريف سعيد للأتراك فِيمَا طلبوه تعبوا واجتمعوا فِي بَيت السَّيِّد مبارك الْحَارِث لِأَنَّهُ هُوَ أول من تكلم فِي ذَلِك الشَّأْن ثمَّ ركبُوا إِلَى السَّيِّد غَالب بن زامل وَكَانَ بِالْأَبْطح وَأَخْبرُوهُ بمخالفة الشريف هواهم واتباعه هوى الأتراك فَأتى مَوْلَانَا السَّيِّد غَالب ومولانا السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود ومولانا السَّيِّد أَحْمد بن سعيد بن شنبر فَقَالُوا للسَّيِّد مبارك وَبَقِيَّة الْأَشْرَاف القائمين فِي هَذَا الْأَمر إِن الْبِلَاد للشريف وَإِن الْأَمر لَهُ فِي الْمُعَامَلَة وَغَيرهَا ولستم شُرَكَاء للشريف فِي الْأَحْكَام بل فِي الْمَدْخُول فحجوهم بذلك وفيهَا فِي شهر ربيع الآخر وجد رجل من أَبنَاء الْمَدِينَة يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن عمار الصعيدي بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ بعد أَن فتش الْمَسْجِد وأغلق فَأخْرجهُ الخدام ثمَّ لما كَانَ من أَعمال شئ من اللَّيْل وجدوه أَيْضا تجاه الْقَبْر الشريف يقْرَأ فِي مصحف فأخرجوه من الْمَسْجِد وَلما كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة وَقت التَّذْكِير دخلُوا لإيقاد قناديل الْحُجْرَة الشَّرِيفَة فوجدوه فِيهَا دَاخِلا تَحت السّتْر نصفه وَنصفه الآخر خَارِجا فتقدموا إِلَيْهِ وأخرجوه وَأتوا بِهِ إِلَى شيخ الْحرم وَأَخْبرُوهُ بِمَا وَقع فَوَضعه فِي بعض المخازن وأغلق الْبَاب وعَلى الْبَاب حرس ثمَّ فتحُوا الْبَاب بعد سَاعَة فَلم يجدوه فسألوا عَنهُ فَإِذا هُوَ فِي بَيته عِنْد وَالِده وَأَهله وَالله أعلم بِحَقِيقَة حَاله وفيهَا يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر رَمَضَان مِنْهَا عدا بعض أَوْلَاد الصاغة بِمَكَّة على أَخِيه فَضَربهُ جنبية عمدا فَقتله رَحمَه الله تَعَالَى وَدخل على السَّيِّد حسن بن غَالب فَدخل بِهِ على أَخِيه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته فبذل لِأَبَوَيْهِ الدِّيَة
فامتنعا وسمحا عفوا فألزمه بسكنى بندر جدة فَهُوَ فِيهَا وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشري رَمَضَان مِنْهَا كَانَت وَفَاة الْحرَّة الطاهرة والدرهَ الثمينة الفاخرة السيدة الشَّرِيفَة عمْرَة بنت سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد تغمدها الله برحمته وأستكنها فسيح جنته ودفنت صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم وَكَانَت جنازتها حافلة وفيهَا إرْسَال الشريف سعيد ترجماته المهتار على أغا إِلَى صَاحب مصر يذكر فَسَاد مَكَّة وَأَنَّهَا خربَتْ وَأَحْوَالهَا اضْطَرَبَتْ وَطلب مِنْهُ عسكرا لإصلاحها وفيهَا ثَانِي عشر رَمَضَان كَانَت وَفَاة الْأَمِير الخطير وَالسري الْكَبِير الَّذِي حوى من الْفضل أجمعه وَمن اللَّفْظ أعذبه وأبرعه الْأَمِير الْجَلِيل ذِي الْقدر النَّبِيل وَالْمجد الأثيل وَالْأَصْل الْأَصِيل الْأَمِير يحيى بك ابْن المرحوم على باشا الأحسائى ثمَّ الْمدنِي الْحَنَفِيّ بِطيبَة المنورة مولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف بِمَدِينَة الإحساء وَبهَا نَشأ فِي حجر وَالِده وتأدب بأكابر عُلَمَاء بَلَده وَأخذ عَن الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن حسن الأحسائي الْفِقْه والْحَدِيث وعلوم الْعَرَبيَّة وَأَجَازَهُ بمروياته وَجَمِيع مؤلفاته وتلقن الذّكر وَلبس الْخِرْقَة وصافح من طَرِيق المعمرين الشَّيْخ تَاج الدّين النقشبندي الْهِنْدِيّ عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الشهير بحاجي رمزي قَالَ فصافحني أَبُو سعيد الحبشي قَالَ فصافحني النبى
وَله شعر مِنْهُ قَوْله يمدح النبى
// (من الْكَامِل) //
(أتريدُ جاراً حامياً لكَ سيدَا
…
ومقامَ عِزِّ عَالِيا متفرّدَا)
(وترود شرقًا للبلاد وغربَهَا
…
متفكراً متحيراً متردِّدَا)
(وترومُ ذَا والحالُ مِنْك مقصِّرٌ
…
عَمَّا طرا والفعْلُ لَيْسَ مسدَّدا)
(فعليكَ أَن تردَ النجاةَ وتَتَّقى
…
خوفَ الْعقَاب تِلَاوَة والمسْجِدا)
(وانزلْ بدارِ الْمُصْطَفى متأدِّبًا
…
ولجودِهِ مستمطراً متقصِّدَا)
(واعرفْ لفيضِ الفضلِ مِنْهُ مواسماً
…
لتكُنْ لَهَا مترقباً مترصِّدَا)
(فلعلَّ أَن يحيى كَمَا أحيى بِهِ
…
للدِّينِ رسماً قد عَفا وتهدَّدَا)
(فاجهَدْ تكُنْ جاراً لَهُ ودخيلَهُ
…
وابذلْ لَهُ روحاً ومالاً مجهدا)
(أفما سمعْتَ لقائلٍ ذِي فطنةٍ
…
تسمو بساكِنِهَا فكُنْ مسترشِدَا)
(واطلب بغالِى النفسِ منْكَ جوارَهُ
…
واتركْ لِسَوْفَ وَلَا تقُلْ مهلا غَدَا)
(بلْ قُمْ وسارعْ للمدينةِ رَاغِبًا
…
ولمنْ بهَا مستشفعاً متعبدَا)
(فَهُوَ الَّذِي يحمي ويغني جَاره
…
وَعَلِيهِ قد أوصى وحَثّ وأكَّدَا)
(فلقَدْ نصحتُكَ إِن قبلْتَ نصيحَتِى
…
وَلما نصحْتُ فعلته متودِّدا)
(وجنحْتُ مشتاقاً لطَيْبَةَ قَاصِدا
…
غَوْثَ الورَى بَحْرَ الحقائقِ أحمدَا)
(بدْرُ الهدَى بالحقِّ أُرْسِلَ رَحْمَة
…
للعالمينَ وبالملائكِ أُيِّدَا)
(أوَ لَيْسَ قومِي عالمينَ بأنني
…
جاوَرْتُ خَيْرَ المرسلينَ محمَّدَا)
(وحَلَلْتُ ساحةَ جودِهِ متمسكاً
…
بالعروةِ الوثقَى فَلَا أخْشَى الرَّدَى)
(حاشاكَ أَن أخشَى وأنْتَ وسيلتي
…
وذَخِيرتى حَقًا وأنْتَ المقتدَى)
(فعلَيكَ خَيْرَ الخلقِ إِنِّي داخلٌ
…
وببابِكَ الأعلَى أقمْتُ مقيَّدَا)
(فعسَى بجاهِكَ أَن يمنَّ بعفوها
…
ربُّ كريمٌ بالنوالِ تفرَّدَا)
(ويجودَ بالغفرانِ مِنْهُ تفضلاً
…
وأنالَ عِزَّا من مديحِكَ سَرْمَدَا)
(قد قَالَهَا من كَامِل فِي كاملٍ
…
يحيا لكَىْ يحيى سعيداً مسعدَا)
(دنيا وأخرَى إِذْ لجا لجنابِكُمْ
…
أيخيبُ مَنْ أمَّ الجنابَ المُفْرَدَا)
(حاشا وحاشا ثُمَّ حاشا أَن يُرَى
…
متألما من جَاءكُمْ متعمِّدَا)
(وصلاةُ ربِّى دَائِما وسلامُهُ
…
تغشَى ربوعَ الْمُصْطَفى والمرقدا)
(والآلَ والصحْبَ الكرامَ جميعَهُمْ
…
والتابعينَ لَهُم ومَنْ قد وَحَّدَا)
(مَا لاحَ نجمٌ فِي السماءِ وَمَا أضا
…
نجمٌ وَمَا أشجَى هزارٌ غَرَّدَا)
وَقَوله مضمناً // (من الْبَسِيط) //
(ظلمتُ نَفْسِى وَلم أعمَلْ بموجبها
…
وَمَا علمْتُ بأنَّ الغىَّ يُتْلفنِى)
(يأتِى على المرءِ فِي أيامِ محنتِهِ
…
حتَّى يرى حسنا مَا ليْسَ بالحسَنِ)
كَانَ وَالِده المرحوم على باشا والياً على الأحساء والأمير يحيى هَذَا على القطيف بأَمْره فَأرْسل وَالِده الْمَذْكُور أكبر أَوْلَاده مُحَمَّدًا بهدية إِلَى سُلْطَان الرّوم على جاري الْعَادة فزور كتابا من وَالِده مضمونه أَنه قد كبر فِي السن وَالْتمس من السُّلْطَان أَن يُقيم وَلَده مُحَمَّدًا فِي الْولَايَة على الأحساء مَكَانَهُ بمرسوم سلطاني
فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَلما وصل مُحَمَّد إِلَى الأحساء أرشى أكَابِر العساكر وأعلمهم بِالْأَمر وتلقاه وَالِده وَإِخْوَته فَلَمَّا اجْتَمعُوا أخرج المرسوم السلطاني وَتَوَلَّى بِمُوجبِه وَأَرَادَ حبس وَالِده وَإِخْوَته فطلبوا مِنْهُ أَن يجهزهم إِلَى الْحَرَمَيْنِ ويعين لَهُم مصرفاً فَجَاءُوا إِلَى الْمَدِينَة وجاوروا بهَا وَتُوفِّي والدهم على باشا بهَا سنة سِتّ وَخمسين ثمَّ فِي موسم خمس وَسبعين توفّي ابْنه أَبُو بكر باشا ابْن على باشا بِعَرَفَة يَوْم عَرَفَة فَحمل فِي محفة إِلَى مَكَّة فَدفن بهَا فِي المعلاة وَكَانَ ذَا شهامة وصرامة سلالة بَيت عز وكرامة ذَا كرم يفوق الْبَحْر بِالْمدِّ وبأس يقصر عَنهُ حد السنان وَالْحَد إِلَى أدب بذ فِيهِ فحول الأدباء وفَاق وممادح قيلت فِيهِ فنفق سوقها لَدَيْهِ أحسن نفاق إِلَى لطف أَخْلَاق تُعير النسيم لطافة وتوصل قاصده وتؤمنه مأموله ومخافه إِلَى قريحة وقادة وذكاء ملك بِهِ زِمَام الْأَدَب وقاده لَهُ الشّعْر الرصين الْمَبْنِيّ البطين الْمَعْنى مِنْهُ مَا كتب بِهِ إِلَى مَوْلَانَا وَشَيخنَا الْعَلامَة أبي مهْدي عِيسَى بن مُحَمَّد الثعالبي الْجَعْفَرِي وَنَصه // (من الْكَامِل) //
(يَا مَنْ سما فوْقَ السِّمَاكِ مقامُهُ
…
ولقدْ يَرَاكَ الكلُّ أنْتَ إمامُهُ)
(حزتَ الفضائلَ والكَمَالَ بأسْرِها
…
وعلوْتَ قدرا فيكَ تَمَّ نظامُهُ)
(لَو قيلَ مَنْ حازَ العلومَ جميعَهَا
…
لأَقُولُ أنْتَ المِسْكُ فيكَ ختامُهُ)
(كم صنْتَ من بِكْرِ العلومِ خرائداً
…
عَن غيرِ كُفْءٍ لم يجب إكرامُهُ)
(فاعلَمْ بإني غَيْر كُفْءٍ لَائِق
…
إنْ لم يكنْ ذَا الفضْلُ مِنْك تمامُهُ)
ثمَّ أتبعه بنثر صورته لما أَضَاء نور الْمحبَّة فِي قنديل الْقُلُوب صفت مرْآة الْحَقِيقَة فَظهر الْمَطْلُوب فاتضحت الرسوم الطامسة وَبَانَتْ الطّرق الدارسة فاكتحلت عين القريحة فسالت فِي أنهر النُّطْق فأثمرت بالمسطور وَهُوَ الْمَقْدُور وَأما الْمقَام فَهُوَ أنهى من ذَلِك وَأجل وَلَيْسَ يدْرك ذَلِك إِلَّا من وصل وَأما العَبْد فَهُوَ مقرّ أَنه قد قصرت بِهِ الركائب عَن بُلُوغ ذَلِك وعاقته عقبات الْأَسْبَاب عَن سلوك هَذِه المسالك لَكِن حَيْثُ أَن ثِيَاب السّتْر من فَضلكُمْ على أَمْثَاله مسبولة يُمكن أَن
يدْخل فِي ضمن الْأَمْثَال مَطْلُوبه وَالسَّلَام فَأَجَابَهُ مَوْلَانَا الشمار إِلَيْهِ بقوله // (من الْكَامِل) //
(لله درُّكَ يَا فريدَ محامِدٍ
…
أربَى على البدرِ التمامِ تمامُهُ)
(قد صغْتَ من سرِّ البراعةِ مُفردا
…
فاقَ الفرائدَ نثرُهُ ونظامُهُ)
(وكسوتَهُ مِنْ جزلِ لفظِكَ سابغاً
…
وَشِيَتْ بكلِّ لطيفةٍ أكمامُهُ)
(أعربْتَ فِيهِ عنِ اعتقادٍ خالصٍ
…
ومكينِ ودِّ أحكمَتْ أحكامُهُ)
(وجلوتَهُ يختالُ تيهاً آمنا
…
مِنْ أنْ يشابه فِي الوجودِ قوامُهُ)
(وحبوْتَ ذَا شكْرٍ ببيتِ قصيدةٍ
…
وبفضِّ خَاتمه الْعلي اسرامه)
(أَهلا بِهِ فَردا أَتَى من مفردٍ
…
وحبا بِهِ ضيفاً يجلُّ مقامُهُ)
(حتما علىَّ ولازماً تبجيلُهُ
…
فَوْرًا وحقَّا وَاجِبا إكرامُهُ)
(لكنْ علِى قدري فلَسْتُ بكُفْءِ مَنْ
…
وطئَتْ على هامِ الْعلَا أقدامُهُ)
(وإليكَهَا عذرا عَلَى مَهَلٍ أتتْ
…
خجلاً لمحتدِكَ العزيزِ مَرَامُهُ)
(فاصفَحْ بفضلكَ عَن صحيفةِ وُدِّها
…
فالفضْلُ مؤتمٌّ وأنتَ إمامُهُ)
(واسحَبْ رداءَ المجدِ غيرَ مدافَعٍ
…
فلأنْتَ عنصرُهُ وأنتَ خِتامُهُ)
وَله ديوَان شعر مجلدان حاوٍ مَا يفوق الدّرّ والجمان رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وفيهَا أَعنِي سنة خمس وَتِسْعين اشْتَدَّ الْبلَاء بالسرق لَيْلًا وَنَهَارًا سرّاً بل وجهاراً وَكسرت الْبيُوت والدكاكين وَترك النَّاس صَلَاة الْعشَاء فِي الْمَسْجِد وَالْفَجْر خوف الْقَتْل أَو الطعْن أَو الْكسر وَصَارَت العبيد لَا يأْتونَ إِلَّا ثَمَانِيَة وَعشرَة وَلَا يُبَالِي أحد مِنْهُم بِمن ننصره يدْخلُونَ بَيت الرجل يقفون على رَأسه بِالسِّلَاحِ وَرُبمَا نكح بَعضهم زَوجته وعينه تنظر كَأَنَّهَا حَلَاله الْمُبَاح وانقلب ليل النَّاس نَهَارا لأَنهم إِنَّمَا يبيتُونَ سهارى بل من الْخَوْف سكارى وَكَثُرت الْقَتْلَى فِي الرّعية بأيدي العبيد وَعدم المشتكي النَّاصِر وَفعل كل شقي مَا يُرِيد وَلَا يُجَاب الصائح حِين يَصِيح وَإِن اتّفق أَنه صَاح فَلَا يُوجد فِي مرقده إِلَّا وَهُوَ ذبيح حَتَّى ضُبطت الْقَتْلَى بِمَكَّة فِي شهر رَمَضَان فَكَانَت تِسْعَة أشخاص فضجت
الْأمة إِلَى الله تَعَالَى أَن ينقذهم من هَذَا الْحَال الوبيل والداء العضيل بِمن يهنأ نقبها ويشد سلبها وَيصْلح اعوجاجها ويؤمن طرقها وفجاجها فَاسْتَجَاب الله دعاءهم فِي الأسحار وآناء اللَّيْل وأطراف النَّهَار بِأَن ولى أمرهَا المرحوم الشريف أَحْمد ابْن مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد تغشاه الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان وَشرح مبدأ ذَلِك وتفصيل مَا هُنَالك أَنه لما انْفَصل عَن إمرة مَكَّة هُوَ وَأَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى الطَّائِف ثمَّ مِنْهَا إِلَى بيشة فَأَقَامَ بهَا وَتوجه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد إِلَى ديرة بني حُسَيْن فَإِن لَهُ بهَا أَهلا وَولدا وَاسْتمرّ مُقيما بِتِلْكَ الديرة إِلَى أول ذِي الْقعدَة الْحَرَام فَرَحل مِنْهَا قَاصِدا الْمَدِينَة لزيارة جده عليه الصلاة والسلام فَدَخلَهَا لَيْلَة سَابِع الْعشْرين مِنْهَا لَيْلَة دُخُول الْحَاج الشَّامي وواجه بهَا فِي ذَلِك الْعَام باشا الشَّام فقابله بأتم الإجلال وَالْإِكْرَام وَالْتمس مِنْهُ إتْمَام بعض مرام من شرِيف مَكَّة بَرَكَات ثمَّ رَحل من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ثَانِي شهر ذِي الْحجَّة من الْعَام الْمَذْكُور وَنزل على الشَّيْخ حَرْب أَحْمد بن رَحْمَة وَاسْتمرّ عِنْده إِلَى عودة الْحَاج الشَّامي فواجهه الباشا وَأخْبرهُ بِعَدَمِ تَمام ذَلِك المرام بعد أَن أرسل لَهُ الْخَبَر من مَكَّة بالإعلام ثمَّ توجه فِي أول عَام أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ إِلَى الْفَرْع وَاسْتمرّ بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ لما خرج الشريف بَرَكَات إِلَى حرابة حَرْب فِي أواسط السّنة الْمَذْكُورَة عَاد إِلَى حَرْب وَحضر الْحِرَابَة ثمَّ بعد انْقِضَائِهَا توجه أَيْضا إِلَى الْفَرْع ثمَّ وصل إِلَيْهِ أَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف سعد وَاسْتمرّ بَين السوارقية وَالْفرع وَأكْثر الْإِقَامَة بالفرع وَلما توعد الشريف بَرَكَات أهل الْفَرْع أَوَائِل سنة خمس تنحيا إِلَى جِهَة وَادي النقيع من ديرة حَرْب من بني السّفر وَبني عَليّ وعَوْف واستمرا وَمن مَعَهُمَا إِلَى شهر رَمَضَان ثمَّ عَن لَهُم التَّوَجُّه إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة فوصلوا إِلَى حول الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ونزلوا بِالْغَابَةِ مُجْتَمع الأسيال غربي أحد أَوَاخِر رَمَضَان فعيدوا بذلك الْمحل وَلَيْسَ فِي نزُول الْأسود بِالْغَابَةِ ملامة وَلَا معابة وتقضوا مصَالح وأغراضا وأزوادا مِنْهَا وَقد أَخْبرنِي الثِّقَة أَنَّهُمَا اجْتمعَا بِالْمحل الْمَعْرُوف ببئر وَاسِط بمولانا السَّيِّد مبارك
الْحَارِث وَكَانَ هُوَ المشير عَلَيْهِمَا بِقصد الْأَبْوَاب الْعَالِيَة ثمَّ ترحلوا من الغابة خَامِس شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة متوجهين إِلَى الشَّام لَا يَمرونَ بحي من الْأَحْيَاء إِلَّا أكْرمهم غَايَة الْإِكْرَام وَمن أعجب الِاتِّفَاق نزولهم على مراح ابْن سحيم من غير علم مِنْهُم بذلك وَكَانَ الشريف سعد قد قتل أَبَاهُ فَلَمَّا علم بهم وَعَلمُوا بِهِ حصل لَهُم كرب عَظِيم فَلم يشعروا إِلَّا وَولده مواجه لَهُ بالعبودية وَالسَّلَام والإجلال والإعظام وأهدر دم وَالِده وَأكْرمهمْ وَذبح الذَّبَائِح ومنح المنائح وَهَذِه وَلَا شكّ معْجزَة من جدهم وكرامة من سَعَادَة جدهم وَلم يزَالُوا على مثل ذَلِك مَعَ كل من مروا عَلَيْهِ من العربان من جمع ووحدان إِلَى أَن وصلوا الشَّام فَتَلقاهُمْ أهل الشَّام وأمراؤها وعلماؤها وكبراؤها وأشرافها ونقباؤها وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ثمَّ أَقَامُوا بِالشَّام وَأرْسل صَاحب الْأَمر بهَا يسْتَأْذن لَهُم فِي الْوُصُول فَعَاد الْجَواب بِالْإِذْنِ فتوجهوا ودخلوا إِلَى أدرنة فِي ربيع الأول من سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَحصل لَهُم من الْمُقَابلَة واللطف مَا يقصر عَنهُ الْوَصْف فأقاموا بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ توجهوا بِأَمْر من الدولة الْعلية إِلَى إِسْلَام بَوْل واستمروا بهَا بَقِيَّة سنتهمْ الْمَذْكُورَة ثمَّ دخلت عَلَيْهِم سنة سبع وَثَمَانِينَ وهم بهَا فَلَمَّا كَانَ شهر صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وصل مَوْلَانَا السُّلْطَان وَجَمِيع الدولة من أدرنة إِلَى بِلَاد إِسْلَام بَوْل وَفِي شهر ربيع الثَّانِي أنعم على مَوْلَانَا الشريف سعد بِولَايَة المعرة وَأمر بالتوجه إِلَيْهَا وَاسْتمرّ يتجهز إِلَى أَن كَانَ خُرُوجه إِلَيْهَا حادي عشر جُمَادَى الأولى وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِإِسْلَام بَوْل وَعرضت عَلَيْهِ ولَايَة طرسوس وَهِي بلد على سَاحل بَحر الشَّام وَأُخْرَى بِجِهَة الروملي فَلم يقبل وَاحِدَة مِنْهُمَا وَكَانَ جَوَابه إِن تفضلتم بِولَايَة بِلَادنَا وَإِلَّا فَنحْن تَحت أعتاب السلطنة الْعلية وَاسْتمرّ السُّلْطَان بِإِسْلَام بَوْل إِلَى أواسط شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ توجه إِلَى أدرنة أَيْضا ثمَّ بعد خُرُوجه فِي ثَانِي أَو ثَالِث مرحلة توفّي الْوَزير أَحْمد باشا بعد أَن خرج مَرِيضا فأعيد إِلَى إِسْلَام بَوْل وَدفن بهَا وَتَوَلَّى مَكَانَهُ قَائِم مقَامه مصطفى باشا واستمروا متوجهين إِلَى أدرنة وَأَقَامُوا بهَا إِلَى آخر السّنة الْمَذْكُورَة وَشهر من
أول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ ثمَّ عَادوا إِلَى إِسْلَام بَوْل فِي شهر صفر أَيْضا وَتَأَخر الْوَزير أَيَّامًا ثمَّ وصل واستقرت الدولة بِإِسْلَام بَوْل وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مُقيما بهَا تَحت ظلّ الدولة الْعلية وَفِي كل سنة يَتَجَدَّد لَهُ من الْإِكْرَام والترقيات مَا فَوق المرام وَفِي كل شتاء بثلاثمائة بغل محملة من جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْبَيْت وَزيد سنة وَاحِد وَتِسْعين ثَلَاثمِائَة أُخْرَى وحصلت بَينه وَبَين قزلار أغاسى محبَّة أكيدة وَطلب الِاجْتِمَاع بالوالدة فَاجْتمع بهَا وأغدقت عَلَيْهِ سوابغ الإنعام ووعدته بالمرام وَقد سبق وعدها وعد الْملك العلام وَاسْتمرّ كَذَلِك إِلَى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف فوصل فِيهَا إِلَى الديار الرومية السَّيِّد مُحَمَّد بن مساعد وَالسَّيِّد بشير بن مبارك مرسولين من السَّيِّد أَحْمد بن غَالب من الشَّام فركبا إِلَيْهِ وقيَّلا عِنْده فَأوحى بعض المفسدين إِلَى الْوَزير الْأَعْظَم وَقَالَ إِن إِقَامَة مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِإِسْلَام بَوْل يخْشَى مِنْهَا فَالْأولى عدم إِقَامَته بهَا فَأحْضرهُ الْوَزير وَألبسهُ قفطانا بِولَايَة كرك كَنِيسَة اسْم محمل بَينه وَبَين أدرنة ثَمَان سَاعَات فلكية وَكَانَ قبل ولَايَته بشهرين أرسل بأَخيه الشريف سعد إِلَى الْبَلَد الْمُسَمَّاة ويزه بِكَسْر الوار وَتَخْفِيف الزَّاي وَهِي قَرْيَة أَيْضا من كرك كَنِيسَة بَينهَا وَبَينهَا ثَمَان سَاعَات أَيْضا وَاسْتمرّ كل مِنْهُمَا بمكانه إِلَى سنة أَربع وَتِسْعين فَتوجه السُّلْطَان إِلَى السّفر فَعِنْدَ حُلُوله بأدرنة فسح لَهُم بالتوجه إِلَى حَيْثُ شَاءُوا من الديار الرومية فَتوجه مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى إِسْلَام بَوْل وَاسْتمرّ الشريف أَحْمد فِي بَلَده الْمَذْكُورَة وَطَابَتْ لَهُ وتأنس بهَا إِلَى أَن كَانَت سنة خمس وَتِسْعين فوصل فِيهَا ترجمان مَوْلَانَا الشريف سعيد بِعرْض إِلَى صَاحب مصر يذكر فِيهِ مَا شرحناه من إِفْسَاد مَكَّة بأيدي العبيد والنهب الَّذِي لَا ينقص بل يزِيد وَأَن الْبِلَاد خربَتْ وَالْأَحْوَال اضْطَرَبَتْ وَطلب مِنْهُ عسكراً لإصلاحها ومالا يَسْتَعِين بِهِ على أُمُور نَجَاحهَا وَأظْهر أَنه مغلوب عَلَيْهِ وَأَن كل من أَرَادَ شَيْئا فَمِنْهُ وَإِلَيْهِ فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أرسل رَسُولا إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية بالتعريف بِهَذِهِ الْأَحْوَال وَأرْسل مَعَه الترجمان الْمَذْكُور فوصلا يَوْم عيد الْفطر وَحصل عِنْد السلطنة الْعلية اضْطِرَاب لهَذَا الْخَبَر فاشتورت الدولة واتفقت على إِلَّا يصلح هَذَا الْخلَل إِلَّا أَهله
العريفون وحماته الَّذين هم فِي بَيت الْملك عريقون وبرز فِي الْوُجُود مَا كَانَ فِي علم الله كَائِنا وَمَا قدر بِهِ لبلده أَن يعود كَمَا كَانَ آمنا فاستدعي مَوْلَانَا السُّلْطَان وَهُوَ مُقيم بأدرنه عِنْد رُجُوعه من السّفر مَوْلَانَا الشريف أَحْمد من محلّة كرك كَنِيسَة الْمَذْكُورَة يَوْم ثَالِث شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فبادر بالوصول إِلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر فقابله بالإجلال وَالْإِكْرَام والتحية وَالْقِيَام وَوضع كَفه بكفه وتصافحا من قيام قَائِلا اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام فَكَانَ أول خطاب وَقع بَينهمَا أَن قَالَ لَهُ يَا شرِيف أَحْمد الْحجاز خراب أريدك تصلحه فَوضع مَوْلَانَا الشريف يَده على رَأسه ممتثلاً لِلْأَمْرِ قَائِلا نَوْلَهْ كلمة تُؤدِّي معنى الْقبُول وَالطَّاعَة فَأكْرم بهَا قَوْله فَعندهَا خلع عَلَيْهِ من الفرو القاقم الْأَبْيَض وَهُوَ الَّذِي دخل مَكَّة لابساً لَهُ ثمَّ جلس مَوْلَانَا السُّلْطَان وَأَشَارَ إِلَى مَوْلَانَا الشريف بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ ثمَّ أعَاد عَلَيْهِ قَوْله الأول فَفعل فعله الأول فَفِي الثَّالِثَة فعل مَا فعل فِي الْأَوليين ثمَّ قَالَ يَا بادشاهي الْحجاز يحْتَاج إِلَى فتوح جَدِيد فَأمر حِينَئِذٍ مَوْلَانَا السُّلْطَان بإحضار يازجي وَأمره بِأَن يمليه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مَا يُريدهُ فَيكْتب بمضمون ذَلِك أوَامِر مُتعَدِّدَة ثمَّ قَامَ مَوْلَانَا السُّلْطَان فَخرج مَوْلَانَا الشريف وَقدم لَهُ مركوب من خيل السُّلْطَان بعدته وَتَبعهُ من الْإِكْرَام وَالْإِحْسَان مَا لَا يحصره بنان وَلَا بَيَان ثمَّ توجه مَوْلَانَا الشريف إِلَى سرايته الَّتِي عينت لَهُ بأدرنه وَاسْتمرّ بهَا إِلَى يَوْم التَّاسِع من شَوَّال الْمَذْكُور ثمَّ توجه مَوْلَانَا الشريف إِلَى بَلَده كرك كَنِيسَة وَأقَام بهَا يَوْمَيْنِ وَضم متفرق أُمُوره وأحواله وَأوصى على أَهله وَعِيَاله ثمَّ توجه إِلَى إِسْلَام بَوْل وَبَات بهَا رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَقَالَ بهَا نَهَاره ثمَّ توجه إِلَى أسكدار ورحل مِنْهَا يَوْم خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور مُتَوَجها مِنْهَا إِلَى مَكَّة على خيل الْبَرِيد الْمُسَمَّاة فِي عرف أهل الرّوم الولاق فَدخل إِلَى الشَّام وَقد خرج الْحَاج مِنْهَا وَاسْتمرّ مجداً فِي السّير والدءوب بِمَا لَا يحْتَملهُ بشر مِمَّا يشق على الرَّاكِب والمركوب بعزمة تطوى مفاوز الأَرْض طياً وَيَنْقَطِع عَنْهَا سليك
المقانب كلالا وعياً فَأرْسل إِلَى مَكَّة بِكِتَاب إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته وَإِلَى الْوَزير عُثْمَان بن زين العابدين حميدان وَكَانَ قد أرسل إِلَى أَمِير الْحَاج الشَّامي أَن يتربص لَهُ بالعلا فتربص يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَوصل مَوْلَانَا الشريف إِلَيْهِ فَدخل مَدِينَة جده سيد الكونين وَلبس الخلعة السُّلْطَانِيَّة بحجرة جده كَمَا لبسهَا فِيهَا أَبوهُ واسترَت الْقُلُوب بِرُؤْيَة محياه وتبلجت الْوُجُوه وَأما الشريف سعيد وَعَمه السَّيِّد عَمْرو فَلم يَزَالَا فى انْتِظَار الْجَواب بِالْمَالِ والعساكر وَمَا علما مَا صنعه الْوَاحِد القاهر وَفِي ثَالِث شَوَّال وصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعيد قفطان من صَاحب مصر أرْسلهُ إِلَيْهِ بعد أَن عرض إِلَى الْأَبْوَاب وسير مَعَ رَسُوله إِلَيْهَا ترجمان الشريف سعيد كَأَنَّهُ تطمين للفؤاد وتبشير بإتمام مَا أرسل فِي طلبه من ذَلِك المُرَاد وَحين وُصُول الْعَسْكَر إِلَى بَيت الشريف أُصِيب ابْن الشريف بَرَكَات السَّيِّد عبد الله ببندقة أذهبت خنصر يَده وَكَانَ إِذْ ذَاك مشرفاً من طاق خَارِجَة دَار السَّعَادَة فَالْحَمْد الله على السَّلامَة لَا مَانع لما أَرَادَهُ فوصلوا بالقفطان ولبسه الشريف سعيد مُسْتَبْشِرًا بِحُصُول الْأَمَانِي والأمان وَكَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم بِعَيْنِه أَعنِي ثَالِث شَوَّال الْمَذْكُور ولَايَة مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رحمه الله للحرمين بالديار الرومية فسبحان الْحَكِيم وَاسْتمرّ الشريف سعيد إِلَى أَن اتّفق يَوْم سَابِع عشري ذِي الْقعدَة من سنة خمس وَتِسْعين وَألف الْمَذْكُورَة أَن ركب إِلَى أَحْمد باشا صَاحب جدة وَكَانَ قَائِلا بِالْأَبْطح ببستان الْوَزير عُثْمَان وَاسْتمرّ عِنْده إِلَى جَانب يسير من اللَّيْل ثمَّ ركب وَقصد ثنية الْحجُون ذَاهِبًا إِلَى السَّيِّد غَالب بن زامل وَكَانَ نازلاً بِذِي طوى فَلَمَّا جَاوز الْحجُون إِذا هُوَ براعي ذَلُول فاستخبره من أَي الْعَرَب فَقَالَ من بني الصخر فَقَالَ الشريف مَعَك كتاب من السَّيِّد يحيى بن بَرَكَات فَقَالَ لَا وَكَانَ السَّيِّد يحيى قد ذهب لمقابلة الْحَاج الشَّامي فَأمر الشريف بضمه فضم وتهدد بِالْقَتْلِ فَأقر بِأَنَّهُ مُورق من الشريف أَحْمد بن زيد إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن غَالب متع الله بحياته وَأَنه قد جَاءَ مُتَوَلِّي مَكَّة وَأَنه لحق الْحَاج الشَّامي فِي
الْعلَا فَذهب بِهِ إِلَى بَيت السَّيِّد عمر واستدعي السَّيِّد غَالب بن زامل وَعبد الله بن هَاشم واشتوروا فِي إِظْهَار هَذَا الْأَمر على أَي وَجه يكون فاتفق الْأَمر على أَن يرسلوا إِلَى السَّيِّد مساعد ابْن الشريف سعد فأرسلوا إِلَيْهِ السَّيِّد عبد الله بن هَاشم فَذهب إِلَيْهِ وَقَالَ نُرِيد السَّيِّد غَالب وَكَانَ نازلاً بِذِي طوى فَلَمَّا خرج مَعَه عطف بِهِ إِلَى طَرِيق بَيت السَّيِّد عَمْرو فَلَمَّا دخل بَيت السَّيِّد عَمْرو استراب من ذَلِك ثمَّ لما رأى الْجَمَاعَة مُجْتَمعين جلس مَعَهم فَقَالَ لَهُ الشريف سعيد يَا سيد مساعد لم أرسل لَك هَذَا الْوَقْت إِلَّا قصدي أودعك أَهلِي وَإِن عمك الشريف أَحْمد بن زيد تولى مَكَّة وَأَنَّك تقوم مقَامه إِلَى أَن يصل فَتَلَكَّأَ عَن ذَلِك حَتَّى قَالَ السَّيِّد غَالب بن زامل نُقِيم سليم أغا ونحفظ نَحن الديرة إِلَى وُصُول صَاحبهَا فَوَافَقَ السَّيِّد مساعد حِينَئِذٍ على الْقيام مقرّ عَمه ثمَّ أرسل الشريف سعيد إِلَى أغوات العساكر الَّذين مَعَه وَقَالَ لَهُم إِن الْأَمر أَتَى إِلَى الشريف أَحْمد بن زيد فَأنْتم اخدموا سيدكم وَخرج الشريف سعيد آخر تِلْكَ اللَّيْلَة وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قولي حِين رَجَعَ من الديار الرومية موسم سنة سبع وَثَمَانِينَ قصيدة هِيَ // (من الطَّوِيل) //
(تجلَّتْ بمرآكَ السعيدِ لنا البُشرَى
…
وأَبْدَى الهنا والسعْدَ وجهُكَ والبِشْرَا)
(وعادتْ لأحشاها بعودكَ سالما
…
قلوبٌ حَشَاها طولُ غيبتكم جَمْرا)
(وأضحَى وطيرُ السعدِ يسجَعُ مذ بدا
…
محيَّاكَ فِينَا مُسْفِرًا وَاضحا بَدْرا)
(وقرتْ عيونٌ طالما أسهرَتْ أَسًى
…
فنامتْ سُرُورًا بَعْدُ وانشرحَتْ صَدْرا)
(وَمَا خصَّ هَذَا الحالُ بعْدك وَاحِدًا
…
بل الناسُ جمعا بالدعا لم تَزَلْ تترى)
(سُرُورًا بملقاك السعيدِ مبلغا
…
مراماً سما كَمْ من نفوسٍ بِهِ حَسْرى)
(فيا ابْن الكِرَامِ الصِّيد مِنْ ألِ هاشمٍ
…
سلالة خَيْرِ الخلقِ من ذَا الورى طُرَّا)
(وَيَا درَّةَ العقدِ الثمينِ نظامُهُ
…
وفَرْعَ الشناخيبِ الميامينِ فِي الذكْرَى)
(وَيَا مَنْ لَهُ من طينةِ المَجْدِ جوهرٌ
…
تلألأ نورا من صفاتٍ لَهُ زُهْرَا)
(وَيَا مَنْ غذى دُرَّ الكمالاتِ يافعاً
…
وطفلاً ففاق الشيبَ فِي عقلهَا قَدْرا)
(لَهُ مِنْ سَنَام المجدِ ذرْوةُ شأوِهِ
…
وَكَانَ لَهَا أَهلا وكانتْ بِهِ أحرَى)
(لَهُ منطقٌ فصلٌ ورأىٌ مسدَّدٌ
…
وجودَةُ نفسٍ طابَ منشقها نَشْرَا)
(وَبسط يمينٍ بالنوالِ بنانها
…
حكَتْ خُلُجًا فعما بمدِّ الندَى تُجْرَى)
(طَوِيل الْبَنَّا رَحْب الفنا مَنْهَل الغِنَى
…
مُزِيل العَنَا مولى المُنَى فائضاً بَحْرَا)
(عَرِيض الجدا غَوْث النِّدَا مَوْرِد النَّدَا
…
حمام العدَى والخيلُ دُهْمٌ حكَتْ شقرا)
(إِذا ثوَّبَ الداعِى الصريخُ أجابَهُ
…
سعيدٌ على سعدَى فيظفر فى المَسْرَى)
(وَلَا عجبٌ فالفرعُ يتبعُ أصلَهُ
…
على خيرِ نعتٍ يوجبُ الحمدَ والشُّكْرا)
(طموحٌ إِلَى نيلِ العلومِ فؤادُهُ
…
على همة تعلُو السماكَيْنِ والنّسْرَا)
(لبيبٌ أريبٌ لوذعىٌّ مهذَّبٌ
…
لَهُ الفكْرُ والفهْمُ الَّذِي يقلقُ الصخرا)
(أديبٌ رَبِّي حجر الْخلَافَة مَهْده
…
إِلَى أَن رقى مِنْ سَرْجِ شيظمةٍ ظَهْرَا)
(وهز متون البيضِ مِنْ مرهفاتِهِ
…
وَكَانَ ابنَ راعيها وَكَانَ بهَا أَدْرَى)
(فبوركَ فِيهِ قَارِئًا لعلومِهِ
…
وَفِي الروعِ أرواحُ العدَى سَيْفه يَقْرَا)
(فحيناً لتقليبِ الكراريسِ كَفُّهُ
…
وحيناً يقلبها القواضب والسّمْرَا)
(وكَمْ من صفاتٍ فيكَ يعجزُ خاطري
…
مداها من الوصْفِ الحميدِ أتتْ كُثْرَا)
(وكمْ من سجايا فيكَ طابَتْ أصولهَا
…
وَكم جهد مَا يُحْصى البليغُ وَإِن أَطرَى)
(فدونَكَ يَا نجلَ الملوكِ قصيدة
…
جمعْتُ بهَا من وصفِ مجدِكُمُ النَّزْرا)
(مُفَوَّفَةً من خالصِ الودِّ أنشئَتْ
…
لمدحكَ صدقا لَا رياءَ وَلَا نُكْرا)
(وَقد شرفَتْ لما أتَى فيكَ مدحُهَا
…
وزانَتْ مَعَاني حسنِ أوصافِكَ الشعْرَا)
(فجاءَتكَ من شوقٍ إليكَ محبَّة
…
وَلَا تبتغي إِلَّا قبولَكَهَا مَهْرَا)
(فدُمْ وابْقَ واسْلَمْ لَا برحْتَ على المدَى
…
مصوناً من الأسوا وَمن حادِثٍ يَطْرَا)
(وَلَا برحَتْ أيامُ دهركَ كلُّهَا
…
بآثاركَ الحسنَى محجَّلَةً غَرًّا)
وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْبَصْرِيّ ثمَّ الْمدنِي سامحه الله تَعَالَى // (من الْبَسِيط) //
(زارَتْ سعادُ وَهِي بالبشرِ متزرَهْ
…
ترمِى بألحاظِهَا سَهْما بِلَا وترهْ)
(وَهِي مبرقعةٌ والحسنُ ساترُهَا
…
والشعْرُ منسبلٌ جَلَّ الَّذِي فطَرَهْ)
(فقلْتُ شيلي الغطا قالَتْ بمعذرةٍ
…
ذَا كوكبُ الصبحِ أبدى والظلام سره)
(فقلتُ مَا الأمرُ قالتْ إنْ تزر بِغَدٍ
…
تَلْقَ البساتينَ فادخُلْ تجتني ثمرَهْ)
(فودعَتْنِى وسارَتْ سرت فِي قلق
…
والقلْبُ ينشدني من هَجْرِهَا شعرَهْ)
(ليلُ المحبينَ مطوىٌّ جوانبُهُ
…
مشمرٌ مَا قضَى فِي جنحه وطرَهْ)
(مَا ذاكَ إِلَّا كأنَّ الصبْحَ نمَّ بهم
…
فَأطلع الشمْس ضغناً مضمراً قهرَهْ)
(فبتُّ أرقبُ نجمَ الليلِ فِي سهدٍ
…
حَتَّى أَتَى الصبْح متبسم بمنفجرهْ)
(وصرتُ أسعَى وقلبي هائمٌ جذلٌ
…
طرقتُ بَابا لَهَا فِي روضَةٍ عَطِرهْ)
(أَفْتَحَ لي الْبَاب واكساني السرُور إِذا
…
قد أمَّنى الدهرُ من عَيْن نفى نكرَهْ)
(قلتُ الوصالُ فقالَتْ وَهِي معذرةٌ
…
هَذَا دلالاً فَإِنِّي خائفَهْ ذعرهْ)
(والفَتْ تقولُ بإعْجَاب الدَّلالَ لَهَا
…
كَأَنَّهَا دُرَّةٌ من عقد منتثرَهْ)
(مَا جابكَ اليومَ يَا غاوى بساحتنا
…
عَسَى رضيعُ الْعلَا أبدى لكُمْ فخرَهْ)
(فقلتُ هُوَ القصْدُ والمأمولُ يَا أملي
…
إِنى أديبٌ غريبٌ أستحقُّ قرهْ)
(فاقْر السلامَ لَهُ من سيدٍ سبقَتْ
…
مِنْهُ الملاقاةُ فِي مدحٍ نقى درَرهْ)
(أَعنِي سعيد بنَ مَوْلَانَا الشريفِ ومَنْ
…
راياتُ عِزِّ لَهُ فِي الحربِ مشتهرَهْ)
(فَهُوَ شريفُ الَّذِي قامَتْ عدالتُهُ
…
وغْدت أمانيه فِي الْبر منتشره)
(وَهُوَ العزيزُ الَّذِي فاضَتْ براحتِهِ
…
كاسُ المنونِ غزيراً زايداً مررهْ)
(وَهُوَ الهزبرُ الَّذِي هابَتْ لسطوتِهِ
…
وحشُ الفلاةِ فأمسَتْ ساكنه القفرَهْ)
(وَهُوَ المليكُ الَّذِي ماتَتْ حواسدُهُ
…
نعم وبادوا حَقِيقا أَن رَأَوْا خبَرهْ)
(لَا زالَ فِي شرفٍ كالبدْرِ فِي ترفٍ
…
بِآيَة النورِ والأعرافِ والبقرهْ)
(يَعْنِيك نظم بدا من سيدٍ بعدتْ
…
عَنهُ المنازلُ أمسَى فِي زمَان تِرَهْ)
(مُحَمَّد إسمهُ منْ طيْبَة سعدَتْ
…
بنورِ خيرِ الورَى طه بِهِ فخرَهْ)
(صلَّى عَلَيْهِ إلهُ العرشِ خالقُنَا
…
والآلُ والصحْبُ واهْلُ البيتِ والسيرَهْ)
ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن الشريف زيد ابْن الشريف محسن بن حُسَيْن بن حسن وَذَلِكَ أَنه لما خرج الشريف سعيد آخر تِلْكَ اللَّيْلَة كَمَا ذكرنَا آنِفا ذهب السَّادة المذكورون فِي غدها إِلَى بَيت السَّيِّد نَاصِر بن أَحْمد الْحَارِث وَاجْتمعت العساكر عِنْد بَيت الْحَارِث وذهبوا جَمِيعًا إِلَى أَفَنْدِي الشَّرْع وَأَخْبرُوهُ بالواقع فَحَضَرَ الأفندي وَصَاحب جدة أَحْمد باشا والمفتي والوزير عُثْمَان بن زين العابدين بن حميدان وَكَانَ الِاجْتِمَاع فِي مقَام الْحَنْبَلِيّ فَقَالَت الْأَشْرَاف يجلس السَّيِّد مساعد ابْن الشريف سعد فانفض الْمجْلس على ذَلِك وَنُودِيَ من حِينه
وَذَلِكَ يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري ذِي الْقعدَة من سنة خمس وَتِسْعين وَألف إِن الْبِلَاد بِلَاد الله وَالسُّلْطَان والشريف أَحْمد بن زيد نَصره الله وَأمر بالزينة سَبْعَة أَيَّام وَجلسَ مَوْلَانَا السَّيِّد مساعد للتهنئة وَلم يبْق صَغِير وَلَا كَبِير إِلَّا أَتَاهُ يهنئه ويهنئون أنفسهم بِمَا أنعم الله عَلَيْهِم بتولية هَذَا الشريف وادَّرَقوا بحماية كَهْف ذكره المنيف فَنَامُوا بعد السهر وصفت سرائرهم من الكدر وَقد أَشرت إِلَى ذَلِك بِقَوْلِي فِي مديحه من قصيدة من الْبَسِيط
(بِوَهْمِ ذِكْرِكَ من قبل الْوُصُول صفَتْ
…
أحوالها بعد خلْعِ العذرِ والرسنِ)
(ثلاثَ عشرَةَ أَعْوَام لَهَا انصرمَتْ
…
عمياءَ صمَّاءَ فِي عينٍ وَفِي أذنِ)
(مسلوبةُ الأمْنِ ممحوٌّ محاسنُهَا
…
عيونُ سكانِها ممنوعَةُ الوسنِ)
(حتَّى أَتَاهَا ابنُ أمِّ المجدِ معتزماً
…
لحسْمِ داءٍ بهَا بادٍ ومكتمنِ)
(فاليومَ عَاد لَهَا إنسانُ مقلتها
…
فالدسْتُ مشتملٌ مِنْهُ على حضنِ)
وأرخ ولَايَته وَزِير أَخِيه سَابِقًا ذُو النَّعْت الْفَائِق الدّرّ النظيم الْجمال مُحَمَّد على ابْن سليم ببيتين أَجَاد فيهمَا كل الإجادة وَألقى الأدباء لحسن وصفهما البديع إِلَيْهِمَا المقادة وهما // (من الْخَفِيف) //
(حِين بُشْرى الشريف أحمَدَ وافَتْ
…
مَلأ الْكَوْن بشرها وتجدَّدْ)
(عاود التخْتُ مَالِكًا قلتُ أرِّخْ
…
عود يمنٍ بذلكَ الْعود أحمدْ)
وَقلت أَيْضا مؤرخاً لولايته الميمونة // (من السَّرِيع) //
(قضَى إلهُ العرشِ ربُّ السما
…
أنَّكَ وَالِي الْفرش صَوَّانُهَا)
(وأنْكَ مِنْ بعدِ خرابٍ بهَا
…
حسا وَمعنى أنتَ عُمْرَانها)
(قالَ حجاىَ وَهُوَ فِي طفحةِ
…
السُّكْرِ منَ الأفراحِ نشوانُها)
(يجيدُ فِيهِ ضبطُ تاريخِهِ
…
أتَى إِلَى مكَّةَ سلطانُهَا)
وَلما كَانَ يَوْم سَابِع ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة دخل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد من جِهَة أَسْفَل مَكَّة وَصَحبه الْمحمل الشَّامي وَجَمِيع عَسَاكِر مصر وَجَمِيع عَسَاكِر أَمِير الشَّامي صَالح باشا وعساكر صَاحب جدة أَحْمد باشا وعسكر الرُّتْبَة الْقَدِيمَة والجديدة وَكَانَ موكباً عَظِيما فحج بِالنَّاسِ على أحسن مَا يكون من الْأَمْن
والدعة والسكون وَفِي رَابِع عشر ذِي الْحجَّة أَمر بشنق سَبْعَة أنفس من السراق ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين فِي سَابِع محرم الْحَرَام مِنْهَا قطع مُحَمَّد ولد الْحَاج أَحْمد العصائبي المغربي يَدَاهُ لسرقة بعد أَن شفع فِيهِ صَاحب جدة إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد فَلم يشفعه إيثاراً لإِقَامَة أَحْكَام الدّين ودفعاً لأذية الْمُسلمين وفيهَا كثرت الشرور وَالْخِصَام والدعاوي بَين الْأَنَام الْخَواص والعوام فِي الظلامات السابقات فِي الْأَمْلَاك والحقوق والأوقاف لما رَأَوْا من الْعدْل والإنصاف واصطبر لضجيجهم والهذا والتصديع والأذى حَتَّى أنصف الْمَظْلُوم من ظالمه ورد الْحق إِلَى معالمه كَانَ الله لَهُ فِي الدَّاريْنِ وبلغه من كل مأمول مَا لَا يضبطه الْكمّ والكيف والأين وفيهَا ثَانِي عشر جُمَادَى مِنْهَا قدم الْوَزير مُحَمَّد عَليّ بن سليم وَزِير الشريف سعد من بِلَاد الْيمن وَقد خرج من مَكَّة يَوْم خُرُوج سَيّده الشريف من منى موسم سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف بعد أَن رد عقاره الَّذِي بيع فِي غيبته وَأخرج واضعي أَيْديهم عَلَيْهِ بعد أَن سبقت دَعْوَى بالوقفية ووردت شهودها عِنْد قَاضِي الشَّرْع فَكتب لَهُ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِكُل ذَلِك فوصل إِلَى مَكَّة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وفيهَا كَانَت وَفَاة الْعَلامَة أَبى زَكَرِيَّا يحيى ابْن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد النابلي الشاوي الملياني المغربي الجزائري شَيخنَا الْعَلامَة والمحقق الفهامة إِمَام الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول مُحَرر الْفُرُوع وَالْأُصُول الْفَحْل الَّذِي لَا يُبَارى فِي فنون الْعُلُوم وَالسَّابِق الَّذِي لَا يجارى فِي مضمار الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم ولد بِمَدِينَة مليانة وَنَشَأ بِمَدِينَة الجزائر وَقَرَأَ بهَا على جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ سعيد مفتي الجزائر وَالشَّيْخ عَليّ بن عبد الْوَاحِد الْأنْصَارِيّ والمحقق مُحَمَّد بن مُحَمَّد بهْلُول السَّعْدِيّ وَالشَّيْخ مهْدي وَأخذ عَنْهُم الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا من الْعُلُوم وَأَجَازَهُ شُيُوخه وتصدر للإفادة بِبَلَدِهِ وَقدم مصر سنة أَربع وَسبعين وَألف قَاصِدا الْحَج وزار قبر النبى
وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ عَن الْعَلامَة سُلْطَان المزاحي وَإِمَام الْعَصْر الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَلَاء
الدّين البابلى والمحقق مَوْلَانَا الشَّيْخ على الشبرملسى وأجازوه بمروياتهم ثمَّ جلس للتدريس بالجامع الْأَزْهَر فدرس فِي مُخْتَصر خَلِيل وَشرح الألفية للمرادي وعقائد السنوسي وشروحها وَشرح الجُمَل للخونجي لِابْنِ عَرَفَة فِي الْمنطق ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم فَدخل دمشق وَعقد بِجَامِع بني أُميَّة درساً وَأخذ عَنهُ جمَاعَة بهَا وَأَجَازَهُمْ ثمَّ دخل قسطنطينية الْعُظْمَى فَعَظمهُ مفتي السُّلْطَان يحيى المنقاري والوزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الكبرلي وَحضر تجاه السُّلْطَان الْأَعْظَم فبحث مَعَ الْعلمَاء وَعرفُوا فَضله ثمَّ عَاد إِلَى مصر وَولي بهَا تداريس فِي مدارس عديدة وَله مؤلفات مِنْهَا حَاشِيَته على أم الْبَرَاهِين نَحْو عشْرين كراساً وَشرح على التسهيل لِابْنِ مَالك ونظم لامية فِي إِعْرَاب الْجَلالَة جمع فِيهَا أقاويل النَّحْوِيين وَمَا لَهُم من الْكَلَام وَشَرحهَا شرحاً حسنا قلت قَرَأت عَلَيْهِ ليَالِي الْمَوْسِم آخر حججه متن السنوسية فِي علم العقائد فَكَانَ فِي التَّقْرِير دونه السَّيْل الهدار والعباب الزاخر التيار أمْلى فِي وُجُوه إِعْرَاب كلمة التَّوْحِيد أَرْبَعمِائَة وَخمسين وَجها بالتعديد فسبحان مفيض مَا شَاءَ على من شَاءَ وَله مؤلف فِي أصُول النَّحْو جعله على أسلوب الاقتراح للسيوطي أَتَى فِيهِ بِكَثِير من الغرائب النحوية أَجَاد فِيهِ وَجعله باسم مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَعْظَم مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم خَان وقرَّظ عَلَيْهِ عُلَمَاء الْقُسْطَنْطِينِيَّة مِنْهُم الْعَلامَة الْمولى يحيى أَفَنْدِي منقاري زَاده وَلَقَد أشرفني وَلَده الشَّيْخ عِيسَى ابْن الشَّيْخ يحيى على ذَلِك التصنيف فَرَأَيْت على ظهر الكراس الأول مِنْهُ تقريظ الأفندي الْمَذْكُور بِخَطِّهِ وَنَصه لَا يخفى على النَّاقِد الْبَصِير أَن هَذَا التَّحْرِير كنسج الْحَرِير مَا نسج على منواله فِي هَذَا الْعَصْر فِي النَّحْو ناح لطيف بمطالعته تَنْشَرِح الصُّدُور وتتلذذ الْأَرْوَاح انْتهى وَكَانَت لَهُ رحمه الله قُوَّة فِي الْبَحْث واستحضار للمسائل الغريبة وسعة حفظ مفرطة وبداهة جَوَاب لَا يضل صوب الصَّوَاب كَانَت وَفَاته رحمه الله فِي هَذِه السّنة الْمَذْكُورَة بقرية الطّور قَاصِدا مَكَّة فَدفن هُنَاكَ فَاسْتَأْذن وَلَده سَيِّدي عِيسَى صَاحب مصر فنبش عَنهُ وَنَقله إِلَى مصر وَدَفنه بالقرافة ثمَّ مَاتَ وَلَده الْمَذْكُور فِي الْفَصْل الْحَاصِل بِمصْر فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا وَدفن هُنَاكَ أَيْضا رحمه الله رَحْمَة وَاسِعَة
وفيهَا يَوْم الْجُمُعَة غرَّة رَجَب مِنْهَا كَانَت وَفَاة مَوْلَانَا وَشَيخنَا الشَّيْخ أَحْمد بن عبد اللَّطِيف البشبيشي الشَّافِعِي شيخ الْمُحَقِّقين وأستاذ المدققين وَبَقِيَّة الصَّالِحين وخاتمة الْعلمَاء العاملين وصدور المدرسين اشْتهر صيته فِي الْأَمْصَار وشاع فَضله فِي الأقطار انْتفع بِهِ الْحَاضِر والباد ورحلت إِلَيْهِ الطّلبَة من أقاصي الْبِلَاد فَصَارَ محط رحالهم ومنتهى آمالهم لحسن تَقْرِيره الْمسَائِل على أسهل وَجه وألطف تركيب وأوجز عبارَة حَتَّى تخرج بِهِ جمع كثير فِي زمن يسير ولد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف ب بشبيش قَرْيَة من أَعمال الْمحلة وَحفظ بهَا الْقُرْآن على الْعَلامَة سُلْطَان المزاحي ولازمه فِي الْفِقْه والْحَدِيث والعربية والفرائض وَغَيرهَا من الْعُلُوم نَحْو خمس عشرَة سنة ولازم أَيْضا الضياء مَوْلَانَا الشَّيْخ على الشبرملسي فِي العقائد والنحو وَالْأُصُول حَتَّى تخرج بِهِ وَأخذ عَن حَافظ الْعَصْر مَوْلَانَا مُحَمَّد البابلي وَعَن شَافِعِيّ زَمَانه الْعَلامَة مُحَمَّد الشَّوْبَرِيّ وَالشَّيْخ ياسين الْحِمصِي والعلامة سري الدّين الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ حُسَيْن الخفاجي وَالشَّيْخ أَحْمد ابْن عمرَان الفاسي وَغَيرهم وتصدر للإقراء والتدريس بالجامع الْأَزْهَر وَاجْتمعت عَلَيْهِ الأفاضل وَجلسَ فِي مَحل تدريس شَيْخه سُلْطَان المزاحي فلازمه جماعته ودرس فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية وَحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام فِي موسم سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وجاور بِمَكَّة ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَتِسْعين مُجْتَهدا فِي الإفادة والتدريس ناشراً در علمه النفيس ثمَّ عزم موسم سنة أَربع وَتِسْعين صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ إِلَى الْقَاهِرَة وَحصل لَهُ أَوَاخِر السّنة الْمَذْكُورَة بِمَكَّة توعك فِي جِسْمه ارتحل مِنْهَا وَهُوَ فِي أثر مِنْهُ وَأقَام بِمصْر إِلَى أَن كَانَت وَفَاته فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة سِتّ وَتِسْعين بِبَلَدِهِ بشبيش رحمه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر شعْبَان مِنْهَا دخل شيخ آل ظفير سَلامَة بن مرشد ابْن صويت مَكَّة فِي أَمَان الله وأمان مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن زيد خَاصَّة والأشراف جَمِيعهم عَامَّة وَألقى السّلم وَدخل تَحت الطَّاعَة فَأمر لَهُ الشريف أَحْمد بمضارب نصبت بالمحصب وَأقَام قَرِيبا من شَهْرَيْن فَذكر مَوْلَانَا الشريف للأشراف أَن ابْن صويت جَاءَكُم بأَهْله وحلته وَقد دخل عَليّ فَإِن عفوتم فَأنْتم مَحل الْعَفو فها هُوَ قد استسلم فَأَجَابُوهُ بالسماح وَكَتَبُوا خطوطهم بالسماح عَن ابْن صويت عَن
حذف
حذف
حذف
جِنَايَته وَذَلِكَ ببركة سيد الْجَمِيع مَوْلَانَا الشريف أَحْمد نظر الله إِلَيْهِ بِعَين عنايته ثمَّ دخلت سنة سبع وَتِسْعين وَألف فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر ربيع الثَّانِي مِنْهَا برز مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي موكب عَظِيم قَاصِدا الشرق وَمِنْه إِلَى بِلَاد عنزة فَأَقَامَ بالمنحنى ثَمَانِيَة أَيَّام وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور بعد شروق الشَّمْس توجه إِلَى حَيْثُ قصد فِي دعة الله وكلاءته وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشري ربيع الآخر وَقع بَيت بحارة الشامية لبَعض تجار المغاربة سَقَطت سقوفه فَهَلَك تَحْتَهُ عشرَة أنفس ذُكُور وإناث مِنْهُم الشَّرِيفَة سلمى بنت السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الشهير بالأسد وَسبب ذَلِك سُقُوط جِدَار لجاره على سطحه فَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَفِي سَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل قَاصد من الديار الرومية يخبر بِأَن سُلَيْمَان مير أخور ولى الوزراة الْعُظْمَى وَمَعَهُ مِنْهُ إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رحمه الله فرو عَظِيم من السمور بمقلب أَخْضَر وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف بالمبعوث فَتوجه بِهِ إِلَيْهِ الرَّسُول فقابلته العساكر حِين وُصُوله إِلَى الْمَبْعُوث ولبسه مَوْلَانَا الشريف وَكتب لَهُ الْجَواب وَمضى وَفِي لَيْلَة السبت تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى توفّي الخواجا زين العابدين حميدان وَالِد الْوَزير عُثْمَان فَجْأَة بَات تِلْكَ اللَّيْلَة فَأصْبح مَيتا فَدفن ضحى الْيَوْم الْمَذْكُور رَحمَه الله تَعَالَى وأسبغ رضوانه عَلَيْهِ ووالى وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور كَانَ انْتِقَال مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن يعلى بن حَمْزَة كَذَلِك فَجْأَة بالخبت الْيَمَانِيّ فَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة رحمه الله وَفِي سادس عشري جُمَادَى الْآخِرَة سَطَا على بعض الأتراك عبد لَهُ بخنجر فَمَاتَ بعد خَمْسَة أَيَّام فَقطع الْغُلَام يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَبرئ وعاش وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر شَوَّال وصل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى مَدِينَة جده
عَائِدًا من بِلَاد عنزة فَنزل بِالْمحل الْمَعْرُوف ببئر ميزَان بِالْقربِ مِنْهَا وَخرج إِلَيْهِ من أَهلهَا الْقُضَاة والأعيان فَقَالَ بِهِ يَوْمه ثمَّ وصل مِنْهُ إِلَى ضريح سيد الشُّهَدَاء عَم جده عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام فَبَاتَ بِهِ لَيْلَة الْجُمُعَة ثمَّ
ركب مِنْهُ فَدخل الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور فزار قبر جده وتملا بأنوار سعده وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل قَاصد من الْوَزير الْمَذْكُور أَيْضا بهدية مِنْهَا فرو وَسيف لمولانا المرحوم الشريف وَوصل مَعَه قفطان لشيخ الْحرم النَّبَوِيّ دَاوُد أغا من الْوَزير الْمَذْكُور أَيْضا فلبسه شيخ الْحرم بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة إِلَى أَن برز مِنْهَا ثَانِي ذِي الْقعدَة الْحَرَام وَدخل مَكَّة محرما بِالْعُمْرَةِ لَيْلَة هِلَال ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة فَطَافَ لعمرته وسعى شكر الله سَعْيه ثمَّ عَاد إِلَى مخيمه بالزاهر على عَادَة أسلافه الأكرمين ثمَّ دخل صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم فِي موكب يبهر الناظرين وَيسر البادين والحاضرين وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وصل إِلَى مَكَّة من الْأَبْوَاب الْعَالِيَة قفطان من السمور الملوكي عاليه صوف أَبيض يَصْحَبهُ مرسوم سلطاني ومرقوم خاقاني يفصح بالثناء على مَوْلَانَا الشريف بالنعت الأكرم الأمجد فألبسه بِالْحَطِيمِ وَقُرِئَ ذَلِك المنشور الْكَرِيم وَكَانَ الْوَاصِل بِهِ فَخر الأغوات الْعِظَام إِبْرَاهِيم أغا فَكَانَ أعظم موكب فِي ذَلِك الْمقَام وسر بِهِ الْخَاص وَالْعَام وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشري ذِي الْحجَّة مِنْهَا أَمر صَاحب جدة أَحْمد باشا بهدم كل خلْوَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فهدمت وَمَا لم يُمكن هَدمه مِنْهَا لكَونه من بنية الْمَسْجِد فِي نفس جِدَاره أَو لكَونه فَوْقه بِنَاء سَده بِبِنَاء مُدعيًا أَن لذَلِك سَببا هُوَ سَمَاعه بِحُصُول فسق فِي بَعْضهَا وَالله أعلم بالحقائق ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَتِسْعين وَكَانَ هلالها بالإثنين فَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع محرم الْحَرَام مِنْهَا كَانَت وَاقعَة من أَحْمد باشا الْمَذْكُور إِلَى الأفندي عبد الله عتاقي زَاده مفتي السَّادة الْحَنَفِيَّة ثار بِسَبَبِهَا الْخَاص وَالْعَام فاستدعى إِلَى الْحَاكِم الشَّرْعِيّ فَاعْتَذر عَن الْحُضُور خشيَة مَا لَا يخفى على الْعَاقِل من حوادث الْأُمُور ثمَّ استدعاه مَوْلَانَا الشريف لَيْلًا لذَلِك المرام وقبح عَلَيْهِ فعله وأوقر سَمعه بأليم الْكَلَام فاعترف بخطئه وخطله واستعفى طَالبا التجاوز عَن زيغه وزللَه وفيهَا أَوَاخِر الْمحرم الْحَرَام مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاء عمل الْحَائِط على الْمقْبرَة ابتدىء
من أَعلَى ثنيتى الْحجُون يجدرين واصلين إِلَى الطَّرِيق بَين قبتي الشريف أبي نمي وَولده الشريف حسن منعطفين من ذَلِك الطَّرِيق أَحدهمَا صُعُدا يتَّصل إِلَى قرب حَائِط ابْن دُخان وَالْآخر سُفُلا إِلَى الْمحل الْمَعْرُوف بالحافظية فصلا بِأَبْوَاب مُرْتَفعَة الأعتاب صونا للمقبرة عَن انتهاك حُرْمَة قُبُور الْمُسلمين وَعَن التلويث والوقيد بنزول الْحجَّاج والمسافرين وَكَانَ هَذَا الْخَيْر مسطراً فِي صَحَائِف الْوَزير الْأَعْظَم سُلَيْمَان باشا ومتولي ذَلِك وَزِير مَكَّة عُثْمَان ابْن الخواجا زين العابدين حميدان وَتلك طرق خير رضى الله عَن قاصديها هَذَا مِمَّا أحدث فِي هَذِه السّنة نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ اللطف بِنَا وبالمسلمين فِيهَا وَفِيمَا يَليهَا وفيهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء لأَرْبَع خلون من ربيع الآخر مِنْهَا كَانَت وَفَاة الشَّيْخ الصَّالح ذِي الْقدَم الراسخ الرابح الْعَلامَة الفهامة الراقي أوج المعزة فِي الْفضل والكرامة إِمَام الطَّرِيقَة والحقيقة والمتكلم على معانيهما بالإشارات الدقيقة شَاهد مشَاهد أهل الْعرْفَان عَاقد عقائد أكاليله الَّتِي يخرج مِنْهَا اللُّؤْلُؤ والمرجان منور الْبَصَر والبصيرة موصل الْحُضُور بِحَضْرَة القصيرة الَّتِي عَنْهَا يَد من سواهُ قَصِيرَة مَوْلَانَا وعزيزنا المرحوم بسحاب الرضْوَان المركوم مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد الشهير بالبخشى الدِّمَشْقِي رحمه الله برحمته الواسعة وَغفر لَهُ مغْفرَة جَامِعَة توفّي بِمَكَّة المشرفة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدفن بالمعلاة أَمَام قبَّة السيدة خَدِيجَة أم الْمُؤمنِينَ وَقد أناف على السِّتين وفيهَا يَوْم الْخَمِيس عشري جُمَادَى الأولى مِنْهَا وَقع النداء بِأَمْر مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى أَن لَا يُقيم بِمَكَّة أحد من جنس التكرور وَمن وجد بعد ثَلَاث عُوقِبَ بالنكال فتهيأوا واجتمعوا فِي الْيَوْم الثَّالِث آخر النَّهَار بِطرف المعلاة وقرءوا الْفَاتِحَة ثمَّ توجهوا الْبَعْض إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَالْبَعْض الآخر إِلَى جدة وَالْبَعْض إِلَى قَرْيَة الطَّائِف وَسبب ذَلِك على مَا قيل أَنه بلغ مَوْلَانَا الشريف تَأتي مفاسد مِنْهُم مِنْهَا وُقُوع سرقات من بَعضهم وفشو عمل السحر مِنْهُم فِي أشرف بِلَاد الله فَكَانَ ذَلِك لذَلِك وَالله يتَوَلَّى السرائر
وفيهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشري رَجَب مِنْهَا وصل قَاصد من يَنْبع يخبر بورود مستلم مُحَمَّد بك الْمَعْزُول بِهِ أَحْمد باشا صَاحب جدة ثمَّ فِي لَيْلَة الْخَمِيس غرَّة شعْبَان مِنْهَا وصل المستلم بِصُورَة أَمر سلطاني يعْزل أَحْمد باشا هَذَا صَاحب جدة وَشَيخ حرم مَكَّة والطلب الحثيث لَهُ بِسُرْعَة وعَلى الصُّورَة خطّ قَاضِي عَسْكَر مصر والعدول بِولَايَة السنجق مُحَمَّد بك مَكَانَهُ فَصَعدَ هُوَ ونائب الْحرم السَّيِّد مُحَمَّد وَقد فوض السنجق النِّيَابَة إِلَيْهِ إِلَى مَوْلَانَا الشريف المرحوم فألبسهما مَوْلَانَا الشريف قفطانين وَأقر مِنْهُمَا الخاطر وَالْعين ثمَّ نزل فسجله قَاضِي الشَّرْع وَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِلَى أَحْمد باشا يُخبرهُ بوصول المستلم وَمَا مَعَه وَأقَام المستلم يَوْمه بِمَكَّة وَصلى الْجُمُعَة ثَانِيه ثمَّ توجه إِلَيْهِ إِلَى جدة المعمورة فقابله الْمُقَابل الْحسن وَألبسهُ قفطاناً وَجعل لَهُ حَال دُخُوله موكباً عَظِيما وَمد لَهُ سماطاً ثمَّ فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شعْبَان وصل أَحْمد باشا إِلَى مَكَّة وتأهب للرحيل على غَايَة السرعة والتعجيل وقاد إِلَيْهِ مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد على طَرِيق الرِّعَايَة والمعونة نَحْو الْعشْرين من نَجَائِب الركائب الميمونة وَكَذَلِكَ قاد إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته ثنتى عشرَة من الركائب إِحْدَاهُنَّ مكملة الْآلَة بالشداد الْمحلى وَمَا يتبعهُ ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر الشَّهْر الْمَزْبُور توجه خَارِجا من ثنية الْحجُون فِي خيل نَحْو الثَّلَاثِينَ إِذْ يُعدون مَشى مَعَه السَّيِّد عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ وَبَعض القواد إِلَى المأمن وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل إِلَى مَكَّة السنجق مُحَمَّد بك أَمِير اللِّوَاء الْمُتَقَدّم الذّكر فتُلقى بالآلاى والموكب الْعَظِيم فَأَقَامَ إِلَى يَوْم الْجُمُعَة مستهل رَمَضَان وَصلى الْجُمُعَة وَنزل جدة يَوْمه ذَاك وَفِي هَذَا الشَّهْر ورد الْخَبَر عَن قَرْيَة الطَّائِف بِأَن قد طَاف عَلَيْهَا من الدبى طائف فظل يتهافت على الْأَشْجَار والزروع وَعلا تِلْكَ الساحات والربوع يَأْكُل مَا دب عَلَيْهِ ودرج ويقرئ النَّاس كتاب الشدَّة بعد الْفرج وأناف على القمَّل والضفادع وبذل نَفسه لَهُم فِي المآكل والمشارب والمضاجع وَترك الْأَشْجَار عَارِية كَأَنَّهَا محروقة وَالْأَرْض من تِلْكَ الْبُقُول والقطاني مُجَرّدَة مطروقة
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من السّنة المذكوره ورد مُبشر يخبر بنصرة سُلْطَان الْمُسلمين على الْكَفَرَة أَعدَاء الدّين وَأَنه قد قتل وَأسر مِنْهُم مَا ينيف على سبعين ألفا واسترد بعض مَا استولوا عَلَيْهِ من الْبِلَاد وَالْحَمْد لله على حُصُول المُرَاد وَأَن القاصد السلطاني وَاصل عقبه وَهُوَ بِالشَّام وَالله الْمُؤَيد لملة الْإِسْلَام ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين وَألف كَانَ هِلَال محرمها بِالْجمعَةِ فِيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر محرمها تقلد منصب الوزارة المكية رفيع الْمحل والشان حَضْرَة يُوسُف أغاسنان وانفصل عَنهُ الخواجا عُثْمَان بن زين العابدين حميدان وفيهَا يَوْم الْأَحَد تَاسِع صفر مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاء فتْنَة بَين مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد بن زيد ومولانا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته لأمر جَار على الْقَوَاعِد نقمه عَلَيْهِ لم تطب بِهِ نَفسه طلب مِنْهُ نقضه فَامْتنعَ فَخرج مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته لَيْلَة الثُّلَاثَاء حادي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور إِلَى مَحَله الْمَعْرُوف بالركاني من وَادي مر وانحاز إِلَيْهِ جُمْهُور السَّادة الْأَشْرَاف على مثل رَأْيه وَأَعْطوهُ مواثيقهم أَن الْعَصَا وَاحِدَة وَلم يرجع عَنهُ مِنْهُم إِلَّا اثْنَان وَأخذ أجلة خمسين يَوْمًا ثمَّ عشرَة ثمَّ رَحل هُوَ وَمن مَعَه قبل تَمامهَا أواسط ربيع الأول فتوجهوا مَعَ سَلامَة الله وكلاءته إِلَى جِهَة مصر ثمَّ فِي يَوْم سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور سير مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد خَلفهم من الْعَسْكَر مِائَتَيْنِ وَخمسين اتِّفَاقًا ثمَّ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشري الشَّهْر أتبعهم بالسيد باز بن هَاشم فِي عشرَة من بني أَبِيه وبالسيد نَاصِر فِي عشرَة من ذَوي جود الله وبالسيد عبد المحسن فِي عشرَة من ذَوي باز وَفِي الْيَوْم الثَّامِن من ربيع الَاخر برزت رُتْبَة من الْعَسْكَر إِلَى بِلَاد الْفَرْع وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس غرَّة جُمَادَى الأولى مِنْهَا اتّفق بِمَكَّة اجْتِمَاع نسَاء لَيْلًا لفرح بِمحل قَرْيَة عشاش بِطرف شعب عَامر فشبت نَار ضَعِيفَة فِي بَعْضهَا فأطفئت فى الْحَال بِقَلِيل مَاء ثمَّ صرخت حُرْمَة كَأَنَّهَا بنت إِبْلِيس النَّار يَا نسَاء فَركب بَعضهنَّ بَعْضًا وازدحمن على الْخُرُوج مستبقات الْبَاب وَقد أغلق خوفًا على متاعهن من النهب فتحايلن عَلَيْهِ فَسقط فابتدرن الْخُرُوج وَكَانَ فِي عتبَة الْبَاب ارْتِفَاع فَوَقع بَعضهنَّ على بعض فَمَاتَ أَربع مِنْهُنَّ فِي الْحَال وتكسر نَحْو خمس وَعشْرين
وبعضهن أَخذه الخبل من الروعة فَمَا شَاءَ الله كَانَ وفيهَا فِي السَّاعَة الثَّالِثَة من يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور انْتقل إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ الْكَرِيم مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ الشريفين حامي حمى المحلين المنيفين سلالة السَّادة القادة الْحَال مِنْهُم مَحل الْيَتِيمَة من القلادة مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا المرحوم الشريف أَحْمد ابْن المرحوم الشريف زيد تغمده الله برحمته ورضوانه وأحله أَعلَى فراديس جنانه وَتَوَلَّى غسله السَّيِّد مُحَمَّد النعمي وأعانه مَوْلَانَا السَّيِّد ثقبة بن قَتَادَة ومولانا السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ حنيف الدّين المرشدي ويوسف الملقب شيخ الْقُرَّاء وَمن لابد من الأتباع وَصلى عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر يَوْمه بعد فتح الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وَدُعَاء الريس لَهُ وترحمه عَلَيْهِ بِأَعْلَى قبَّة زَمْزَم مَوْلَانَا الشَّيْخ أَحْمد ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد النخلي وَدفن على وَالِده المرحوم الشريف زيد بقبة الشريف أبي طَالب رَحِمهم الله تَعَالَى برحمته وأسكنهم فسيح جنته كَانَت مُدَّة ولَايَته بِاعْتِبَار تَوليته بالأبواب الْعَالِيَة ثَلَاث سنوات وَسَبْعَة أشهر وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَبِاعْتِبَار وُرُود الْخَبَر إِلَى مَكَّة وجلوس ابْن أَخِيه السَّيِّد مساعد قَائِما عَنهُ ثَلَاث سنوات وَخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قَول صاحبنا الْفَاضِل الشَّيْخ سَالم بن أَحْمد بن إِدْرِيس اليمني الصعدي // (من الْكَامِل) //
(سمَحَ الزمانُ لنا بملكِ بني حَسَنْ
…
فَلِذَا شهدْنَا أَنه زمَنٌ حَسَنْ)
(لله مِنْ زمنٍ صفَتْ أوقاتُهُ
…
بدوامِ دولةِ مَنْ لَهُ الْعليا شجَنْ)
(ألمالكُ الملكُ المؤيَّدُ أحمدُ بْنُ
…
المنتقَى زيد المليك المؤتمَنْ)
ْ
(رأسُ الملوكِ يمينُهُمْ زندُ الرعَّية
…
كهفُهُمْ يومَ المخاوفِ والمحنْ)
(ملكٌ أَقَامَ السعْد يخدمُهُ على
…
رَغْمِ الحسودِ أخي الضغائِنِ والإحَنْ)
(ملكٌ لَهُ العزُّ المخلدُ لم يزلْ
…
عبدا يحفُّ ركابه طولَ الزمَنْ)
(ملكٌ غَدا المجدُ الأَثِيلُ أَلِيَّةً
…
نعلا لأخمصه المصانةِ عَنْ دَرَنْ)
(ملكٌ لَهُ الفخْرُ المؤيَّدُ قد غَدا
…
من جملةِ الأنصارِ والجُنْدِ العَوَنْ)
(ملكٌ تتوَّجَ بالسيادةِ والعلا
…
وتدرَّعَ الفضْلَ الَّذِي لم يمتهَنْ)
(ملكٌ لَهُ فِي الجودِ شهرةُ حاتمٍ
…
وسماحَةُ الغيثِ الملثِّ إِذا هَتَنْ)
(ملكٌ إِذا نزلَ الفقيرُ بسوحِهِ
…
أنساه تذكارَ الأقاربِ والوطَنْ)
(ملكٌ إِذا أمَّ الفقيرُ نوالَهُ
…
أضحَى يطوِّقه أَعَاجِيب المِنَنْ)
(ملكٌ لَهُ يومَ العطاءِ طلاقةُ الوجهِ
…
الَّذِي ماءُ الحياءِ بِهِ قطَنْ)
(ملكٌ لَهُ الخلُقُ الوسيمُ كَذَا لَهُ الخُلُقُ
…
العظيمُ كَذَا لَهُ الفعْلُ الحسَنْ)
(مِنْ آل طه والبتولِ وحَيْدَرٍ
…
مَنْ نخبةِ الأشرافِ أبناءِ الحسَنْ)
(مِنْ سادةٍ أضحَى حديثُ علاهم
…
تالله يَطْوِى نشره عَنَّا الحَزَنْ)
(مِن قادةٍ قطعُوا ببيضِ سيوفِهِمْ
…
تلكَ المواضى دَابِرَ القومِ الخوَنْ)
(مِن عُصبةٍ سَارُوا على سَنَنْ الْهدى
…
قدماً فيا نُعْما بذَيَّاكَ السنَنْ)
(مِن فتيةٍ شُمِّ الأنوفِ القائمين
…
بحَملِ أعباءِ الفرائضِ والسنَنْ)
(وسليل زيدِ الْملك هَذَا المرتضَى
…
هُوَ خيرُهُمْ نفسا وأزكاهُمْ هدنْ)
(هَذَا الَّذِي مَلأ البِقَاعَ أمانُهُ
…
فأراع جيْشَ الخوفِ بعد أَن اطمأَنّ)
(حَتَّى رَعَى ذئبُ الفلاةِ مَعَ الظبا
…
وتكحَّلَ الجفنُ المسهدُ بالوسَنْ)
(هَذَا الذى طافَتْ مكارمُهُ بأرضِ
…
الصينِ بالروم المعمرِ باليمنْ)
(هَذَا الَّذِي سارَتْ عوارفُهُ من البلدِ
…
الحرامِ إِلَى العراقِ إِلَى عَدَنْ)
(وَإِلَى مآثِرِ طيبةَ الغَرَّا إِلَى
…
أرضِ الْحجاز إِلَى الخبوتِ إِلَى قرَنْ)
(هَذَا الَّذِي بكمالِ وافرِ عدلِهِ
…
خمدَتْ لظَى نارِ المظالمِ والفتنْ)
(صعبُ العزائمِ من فرى بصفاحِهِ
…
ورماحه مَنْ شا ومَنْ شَا قد طَعَنْ)
(ثبتُ الجنانِ إِذا التقَى الصفَّانِ أثبت
…
من كسا جُنن البسالة والمننْ)
(طلْقُ اللسانِ إِذا أَشَارَ إِلَى البيانِ
…
أجَلُّ مَنْ وهب الفصاحَةَ والفطَنْ)
(يَابْنَ الكرامِ الأقدمينَ ومَنْ لَهُم
…
غُرَرُ المعالِى لم تزلْ أبدا خدَنْ)
(يأيها الملكُ الَّذِي حَمِدَ الورَى
…
أفعالَهُ اللَّاتِي بهَا الخيرُ اقترَنْ)
(خُذْهَا قصيدةَ مخلصٍ فِي ودِّهِ
…
لكَ فِي حميدِ السرِّ مِنْهُ وَفِي العلَنْ)
(غَرّاء هذَّبَها الذكاءُ وصاغَهَا الفكْرُ
…
الَّذِي هُوَ بالمتاعِبِ فِي وَهَنْ)
(هَذَا وَلَوْلَا صحبَةُ الصبْرِ الجميلِ
…
لفارَقَ الأهلِينَ واصطَحَبَ الظعَنْ)
(فأَجِزْ منضِّدَهَا اللجين فَإِنَّهُ
…
رجلٌ عَلَيْهِ الدهْرُ بالدينارِ ضَنّ)
(واسلَم ودُمْ طولَ الزمانِ مكرماً
…
مَا غرَّدَ القمرىْ الطروبُ على فَنَنْ)
(وغدَتْ جميعُ الخلقِ تنشدُ فرحةَ
…
سَمَحَ الزمانُ لنا بملكِ بني حَسَنْ)
وَقَوْلِي رثاء فِيهِ وتأريخاً لوفاته مُخَاطبا نجله السعيد عبد المحسن من // (مخلع الْبَسِيط) //
(فاجأنا دهْرُنا المفاجِى
…
سَطَا علينا بطُولِ أَيْدِى)
(طاشَ حجانا لما دهانا
…
بمَنْ حجانا صُرُوف كَيْدِ)
(وَهَى عمادُ الوجودِ خرَّتْ
…
سَمَّاهُ وانهَارَ كلُّ حَيْدِ)
(هدَّتْ رواسي ذُرَى المعالِى
…
دُكَّتْ شناخيبُ كل طَوْدِ)
(لموتِ سلطانِنا المرجَّى
…
أبي سليمانَ زَيْن أَيْدِى)
(ألملكُ النائفُ المراقي
…
وشائدُ العزِّ أَيَّ شَيْدِ)
(حامي حِمَى الملكِ بالعوالِي
…
وتاركُ الصِّيدِ شِبْهَ صَيْدِ)
(أكرمُ مَنْ نَحوه المطايا
…
تُزْجى بهَا دلّها وهَيْدِ)
(قِيدَتْ إِلَيْهِ الأمورُ طَوْعًا
…
يرسفُ فِي غُلِّهَا بقَيْدِ)
(قرتْ عيونٌ جفَتْ كراها
…
بِهِ كَذَا الأرضُ بعد مَيْدِ)
(شبَّ فؤادٌ بِهِ فلمَّا
…
أودَى بِهِ اعتاضَ شيْبَ فَوْدِ)
(ناحَتْ عَلَيْهِ بكلِّ صوتٍ
…
مكَّةُ من ناشئٍ وعَوْدِ)
(فأعظمَ الله فِيهِ أجْرَ الجميعِ
…
خُصِّصْتَ فضْلَ زَوْدِ)
(ألهمَكَ الصبْرَ فِي رضاهُ
…
رَوَّى ثراه سحابُ جودِ)
(أسكنَهُ منزلا رفيعاً
…
فِي جنَّةِ الخلدِ خَيْر فَيْدِ)
(دونَكَ بشرَى بفالِ خيرٍ
…
تَارِيخ عامٍ بضبط جَيْدِ)
(دَار نعيمٍ حَبَى كريم
…
قَرَّ بهَا أحمدُ بْنُ زَيْدِ)
ثمَّ وَليهَا الشريف سعيد ابْن الشريف سعد ابْن الشريف زيد ابْن الشريف محسن ابْن حُسَيْن بن حسن وَذَلِكَ أَنه لما توفّي مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد بن زيد تغمده الله بِالرَّحْمَةِ قبل الشُّرُوع فِي تَجْهِيزه أرسل مَوْلَانَا الشريف سعيد حفظه الله تَعَالَى إِلَى أَفَنْدِي الشَّرْع الشريف يطْلب مِنْهُ قفطاناً وَقد حضرت السَّادة الْفُقَهَاء وكبار العساكر عِنْد الأفندي فَقَالَ مَوْلَانَا الأفندي لَا بَأْس أَن تصبروا
وتمهلوا نَحْو خَمْسَة أَيَّام نرسل لأكابر الْأَشْرَاف ونرى من يختارونه فَيكون هُوَ فَامْتنعَ أغاة الينكشارية وَقَالَ أَنا لَا أُرِيد مصلحَة لَا أُرِيد إِلَّا صَلَاح الْبِلَاد وَإِذا لم يتول هَذَا الرجل تلفت الْبِلَاد فتأثر الأفندي من كَلَامه وَفهم تعريضه بِهِ فَاعْتَذر الأغا إِلَى الأفندي فِي الْحَال فَأعْطَاهُ الأفندي القفطان على أَن يلْبسهُ الشريف قَائِم مقَام إِلَى أَن يرسلوا إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية ويعرّفوا بِالْحَال فَأتوا بالقفطان إِلَى الشريف سعيد وَقَالُوا لَهُ مَا قَالَه الأفندي فَقَالَ لَا ألبسهُ إِلَّا اسْتِقْلَالا أَنا ابْن سعد بن زيد فلبسه وَأطلق مناديه بالبلاد وَمَعَهُ السَّيِّد عدنان بن حسن وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن سرُور وَغَيرهمَا ثمَّ أَمر بالزينة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أَمر بزينة يَوْمَيْنِ ثمَّ يَوْمَيْنِ إِلَى أَن كملت اثنى عشر يَوْمًا وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور شهر جُمَادَى الأولى وصل مُورق من يَنْبع من السَّيِّد عبد المحسن يخبر وَالِده على ظن حَيَاته بوصول قابجي يُسمى أَحْمد أغا صحبته مرسوم شرِيف سلطاني وقفطان وَسيف مرهف باسم وَالِده مَوْلَانَا الشريف أَحْمد وقفطان لسنجق جده الْأَمِير مُحَمَّد بك فَكَانَ وُصُول مورقه فِي الْيَوْم الْمَذْكُور بعد وَفَاة وَالِده بأَرْبعَة أَيَّام وفيهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة وصل السَّيِّد مُحَمَّد مير أخور المرحوم الشريف أَحْمد الَّذِي كَانَ قد أرْسلهُ إِلَى الْأَبْوَاب تقدم عَن القابجى بيومين ثمَّ فى سادس الشَّهْر الْمَذْكُور دخلت القفاطين السُّلْطَانِيَّة وَاجْتمعت السَّادة والأعيان والكبار على الْعَادة فِي الْحطيم وَلبس القفطان الشريف سعيد وتمنطق بالصارم المجوهر نصابه من حجر اليشم المفتخر وَقُرِئَ المرسوم السلطاني المتوج بِالِاسْمِ الشريف السُّلَيْمَانِي بعد أَن حول خطابه إِلَى اسْم الشريف سعيد بن سعد فِيهِ التَّصْرِيح بِأَن ابْتِدَاء جُلُوس مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان على تخت السلطنة كَانَ يَوْم السبت ثَانِي محرم الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة تسع وَتِسْعين وَألف ثمَّ نُودي بالزينة سَبْعَة أَيَّام ثمَّ بعد مُدَّة يسيرَة نزل القابجي الْمَذْكُور إِلَى جدة بالقفطان السلطاني إِلَى حَضْرَة السنجق المكرم أَمِير اللِّوَاء الْأَمِير مُحَمَّد بك فألبسه القفطان الَّذِي هُوَ لَهُ وقابله من الْإِكْرَام بِمَا كَانَ أَهله وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً
وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور أعنى جُمَادَى الْآخِرَة وَدخل مَكَّة السَّيِّد عبد المحسن وَابْن عَمه السَّيِّد مساعد وغالب الَّذين كَانُوا مَعَهُمَا وَفِي سَابِع عشره خرج على سَبْعَة عشر أَصْحَاب ركائب زوّار قصدُوا طَرِيق زقاقة بعد ركوبهم من الْمنزل الْمُسَمّى مستورة بساعة خمس مردفات مَعَهم خمس من البندق رموهم بِهن فأخدوهم مَا عدا ثَلَاثَة أنفس فروا رَاجِعين إِلَى مستورة فَخرجت عَلَيْهِم أَربع مردفات كَانَت كامنة فَأَخَذُوهُمْ فَرجع الْجَمِيع إِلَى مستورة فِي حَالَة لَيست بمستورة وَللَّه الْأَمر لَا راد لما أَرَادَ وَفِي تَاسِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور كَانَت بِالْمَدِينَةِ وَاقعَة السَّيِّد مُحَمَّد البرزنجي مَعَ السَّيِّد مَحْمُود الكرديين ادّعى على السَّيِّد مُحَمَّد ضربُ السَّيِّد مَحْمُود فَدَعَاهُ الْحَاكِم الشَّرْعِيّ أَولا وَثَانِيا ثمَّ أَتَاهُ قهرا على مَا سمع وَاجْتمعت العساكر من الْعَامَّة لسَمَاع الدَّعْوَى فَأنْكر السَّيِّد مُحَمَّد الْفِعْل وَوَقع بَينه وَبَين الأفندي حَال الله أعلم بحقيقته آل الْأَمر فِيهِ إِلَى حَبسه بِأَسْفَل الْقلَّة الْكَبِيرَة رَأس القلعة وَسَيَأْتِي ذكر تسحُّبه وخلوصه من ذَلِك الْمحل إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور كَانَ بروز الشَّيْخ سعيد ابْن المرحوم الشَّيْخ مُحَمَّد المنوفي صُحْبَة الْعرض إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة فِي شَأْن تَوْلِيَة الشريف سعيد بن سعد مَكَّة وَطلب التأييد بِالْأَمر السلطاني فعيق عَن قَصده قبل مجاوزته الْمحل الْمُسَمّى بالمويلح وَأصْبح عذبه الْفُرَات مويلح وَفِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشري شعْبَان وصلت ثَلَاثَة نجاب من بني صَخْر من صَالح باشا صحبتهم مكاتيب من مَوْلَانَا الشريف سعد تَعْزِيَة لابنَة الشريف سعيد وتهنئة هَكَذَا أشيع وَالله أعلم بالحقائق وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء غرَّة رَمَضَان وصل الشَّيْخ سعيد ابْن المرحوم الشَّيْخ مُحَمَّد المنوفي بحراً إِلَى جدة ثمَّ إِلَى مَكَّة فَدَخلَهَا عشَاء اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة وَقصد إِلَى بَيت الْوَزير يُوسُف السَّقطِي وَكَانَ الشريف سعيد إِذْ ذَاك عِنْده فَأخْبرهُ بِمَا وَقع لَهُ فِي سفرته هَذَا وَأما الْخَبَر عَن مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته فَإِنَّهُ لما سَار هُوَ وَمن مَعَه من السَّادة والأتبأع فِي شهر ربيع الأول مضى إِلَى أَن انْتهى بِهِ السّير إِلَى مَحل
يُسمى بحراً بَين الْمحل الْمُسَمّى بالأزلم وَالْمحل الْمُسَمّى كفاف منزلتي الْحَاج الْمصْرِيّ فَأَقَامَ بِهِ وَوصل إِلَيْهِ بِهِ سَابِع عشر جُمَادَى الأولى القابجي أَحْمد أغا صَاحب القفطان الْمُتَقَدّم ذكره فقابله مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته بغاية الْإِكْرَام وَنِهَايَة الإجلال والإعظام كَمَا هُوَ شَأْن طبعه الشريف ودأب خميه الزكي المنيف وَأقَام عِنْده يَوْمَيْنِ ثمَّ رَحل بِمَا أرسل بِهِ لمن أرسل إِلَيْهِ ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته أرسل مَوْلَانَا السَّيِّد شبير ابْن السَّيِّد مبارك مَعَه السَّيِّد دراج الهجالي فِي جمَاعَة من الأتباع إِلَى محافظ مصر حسن باشا بلغه الله من الْخيرَات مَا شَاءَ بِعرْض يتَضَمَّن مَا أَرَادَهُ وَكَانَ رحيل السَّيِّد شبير وَمن مَعَه يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري الشَّهْر الْمَزْبُور أَعنِي جُمَادَى الأولى وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ المرحوم الشريف أَحْمد فَدَخَلُوا مصر وأوصلوه الْعرض وَلما كَانَ يَوْم سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وصل إِلَى مصر خبر وَفَاة المرحوم الشريف أَحْمد فَحِينَئِذٍ أخرج لَهُم أمرا وقفطاناً باسم مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته وسيره مَعَ كيخيته وَضم إِلَيْهِ أغوات البُلكات من كل بلك جوربجي فَخَرجُوا من مصر ثانى عشر شعْبَان الْمُعظم ثمَّ أعرض إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة لمولانا الشريف أَحْمد متع الله بحياته بالسير الشَّديد على خيل الْبَرِيد لتأييده بِالْأَمر السلطاني والقفطان الخاقاني ثمَّ إِن السَّيِّد شبير بعد خُرُوجه من مصر أرسل إِلَى مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته إِنَّا واصلون إِلَيْكُم عَن قريب صُحْبَة القفطان وَمن مَعَه فَأقبل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته هُوَ والسادة الْأَشْرَاف وخدامهم وأتباعهم إِلَى الينبع فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا ثمَّ مِنْهَا إِلَى قَرْيَة بدر وَكَانَ دُخُوله إِلَيْهَا خَامِس عشري شهر شعْبَان الْمُعظم فَأَقَامَ بهَا ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر رَمَضَان وصل إِلَيْهِ القفطان وَمن مَعَه من الأغوات فألبسه بِمَسْجِد الغمامة مِنْهَا وَهُوَ الْموضع الَّذِي بني فِيهِ الْعَريش للنَّبِي
فَقعدَ فِيهِ يَوْم وقْعَة بدر الْمَشْهُورَة كَمَا ذكره المؤرخون الأقدمون ثمَّ سَارُوا جَمِيعًا مُقْبِلين إِلَى مَكَّة زَادهَا الله شرفاً وَقد كَانَ جَاءَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر
رَمَضَان الْمَذْكُور مُورق إِلَى مَكَّة من حَضْرَة السنجق مُحَمَّد بك صُحْبَة مَكْتُوب إِلَى حَضْرَة الأفندي وأكأبر عَسَاكِر مصر مضمونه أَنه قد جَاءَنِي صُورَة أَمر من باشا مصر بِولَايَة الشريف أَحْمد بن غَالب وَأَن يبرزوا لمقابلة القفطان وَمن مَعَه فَلَمَّا وصل ذَلِك الْمَكْتُوب طلعوا إِلَى الشريف سعيد وَأَخْبرُوهُ بِمَا فِيهِ وَكَانَ الشريف سعيد قد سمع بِأَن قد نُودي باسم الشريف أَحْمد فِي جدة فأجابهم بقوله إِن كَانَ بيد السَّيِّد أَحْمد بن غَالب أَو السنجق أَمر سلطاني فليأتوا بِهِ وَنحن مطيعون لِلْأَمْرِ السلطاني وَإِن كَانَ غير سلطاني فَحكم الباشا على مصر وصعيدها يعْزل فِيهِ ويولى من شَاءَ وَمَا دون مَكَّة إِلَّا السَّيْف فَقَالَ لَهُ الأفندي عِنْد ذَلِك يَا مَوْلَانَا هَذَا وَزِير مصر يعْزل ويولى فكذبه صَرِيحًا وَقَالَ يعْزل ويولى لمثلك ثمَّ قَالَ لكبار العساكر أَنا لَا أمنع من يُرِيد الْخُرُوج وَلَكِن اعلموا أَن أول خَارج أول من أَضَع فِيهِ السَّيْف وَإِلَّا فالزموا بُيُوتكُمْ لَا مَعنا وَلَا علينا ثمَّ سطر كتابا للسنجق قَالَ لَهُ فِيهِ مثل قَوْله الأول إِن كَانَ مَعَك أَمر سلطاني فَأقبل أَنْت وَمن مَعَك وَإِلَّا فَارْجِع من حَيْثُ جِئْت فوصل الْكتاب إِلَى السنجق وَهُوَ بِالْمحل الْمُسَمّى بحرة من طَرِيق جدة فَأَعَادَ السنجق الْجَواب لابد من الدُّخُول فَلَمَّا سمع الشريف سعيد هَذَا الْجَواب أَمر عساكره بصعود المنائر وشحنت بيُوت أَعلَى مَكَّة وأسفلها بالعسكر وانتقبوا فِي جدرها متارس حِصَار وَأرْسل بِنَحْوِ خمسين خيالاً وَعشْرين دباباً عَلَيْهِم السَّيِّد حسن بن عبد الْكَرِيم بن حسن بن عَليّ بن باز وَقَالَ أَيْنَمَا لقيتموه فَردُّوهُ فَإِن رَجَعَ وَإِلَّا فَكَذَا وَكَذَا فَخَرجُوا بعد صَلَاة الْعشَاء حَتَّى واجهوا مخيمه مُقبلا على أدنى مَحل إِلَى مَكَّة فردوهم ثمَّ سَارُوا هنيهة حَتَّى لاقوه فَتقدم إِلَيْهِ السَّيِّد حسن الْمَذْكُور وَقَالَ يَا سنجق يَقُول لَك الشريف ارْجع وَإِلَّا كَذَا فِي هَذَا الْمَكَان من حذر فقد أنذر ثمَّ قَالَ لمن فِي صُحْبَة السنجق من الْأَشْرَاف وهم السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السَّيِّد مساعد وَالسَّيِّد عبد الله بن أَحْمد الْحَارِث وَالسَّيِّد صَالح بن السَّيِّد مساعد يَقُول لكم الشريف مَا لكم دُخُول ديرتي ارْجعُوا من حَيْثُ جئْتُمْ فَرَجَعُوا ثمَّ رَجَعَ السَّيِّد حسن فَوجدَ مورقا من الأفندى وكبار الْعَسْكَر إِلَى السنحق يَعْتَذِرُونَ عَن الْخُرُوج
إِلَى ملاقاته ويأمرونه بِالدُّخُولِ لَيْلًا هُوَ وَمن مَعَه إِلَى مدرسة الأفندى ليَكُون أمرا بَيت بلَيْل فازداد بهم ريباً إِلَى ريب هَكَذَا أشيع فِي الْبِلَاد وَكَذَا أشيع لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادي عشري رَمَضَان أَن بعض عَسْكَر رُتْبَة الْفَرْع مقبل إِلَى مَكَّة لغَرَض لَهُ وجد مَكْتُوبًا مَعَ مُورق أرْسلهُ مُحَمَّد أغا الْبَغْدَادِيّ إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته فأوصله إِلَى الشريف سعيد فقرأه ودعا الْبَغْدَادِيّ بعد صَلَاة التَّرَاوِيح ووبخه فَقَالَ مَا وَقع منى شئ من هَذَا وَحلف بحياته أَنه مَا كَاتب فأظهر لَهُ الشريف ذَلِك الْمَكْتُوب ثمَّ أَمر بِهِ فضم وزنجر واستدعي بِعَبْدِهِ فَأخذ من الْحجر المطهر فإمر بضمه مَعَ سَيّده فَرمي برأسيهما من ليلتهما بأقصى أجياد أبي الْقَاسِم وَكسرت إبواب بيوته وَأخذ جَمِيع مَا فِيهَا وَكَانَ شَيْئا كثيرا من أَنْوَاع كَثِيرَة بعد أَن حاصر فِيهَا بالبندق أَرْبَعَة من عبيده رَأْسهمْ عبد حبشِي يُقَال لَهُ شاهين نَحْو الْمِائَتَيْنِ من عبد وعسكري إِلَى تذكير الصُّبْح وَكَمن شاهين خلف الْبَاب فَلَمَّا كسر ودُخل عَلَيْهِ طعن أول دَاخل فَقتله ثمَّ قتلته الْعَسْكَر عِنْد بَاب الشريف وَحمل قَتِيلا وَأُلْقِي فِي الواسعة وَلكُل أجل كتاب ثمَّ إِن حَضْرَة السنجق مُحَمَّد بك اسْتقْبل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته وَمن مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف والأغوات بالآلاى والنوبة عِنْد انفصالهم من أدنى ملاوي وَادي مر فواجههم وحياهم ثمَّ دَخَلُوهُ مَعًا جَمِيعًا ثمَّ ورد عَلَيْهِم بِهِ مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد ابْن السَّيِّد سعيد بن شنبر بن حسن فَركب إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته وتلقاه من بُعد واعتنقا بخالص الصَّدَقَة والود وَأَتَاهُ من العنلة فى قريب من خمسين عنان كَانَ الله لَهُ حَيْثُ كَانَ وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري رَمَضَان الْمَزْبُور وصل الْخَبَر أَن مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته نزل بوادي مر هُوَ والسادة الْأَشْرَاف والسنجق وَمن مَعَهم فَأمر الشريف سعيد حِينَئِذٍ الفعلة بِبِنَاء متارس عديدة على رُءُوس جبال الزَّاهِر ومضايق ثنيتي كداء وكدى ورتب فِيهَا العساكر وَفِي غَالب الْأَمَاكِن المطلة على المنافذ وبرز فِي تِلْكَ اللَّيْلَة السَّيِّد مساعد ابْن الشريف سعد فِي عشرَة من السَّادة الْأَشْرَاف وَبَعض خيالة وَنَحْو سِتِّينَ بواردياً وبمدفعين اثْنَيْنِ سحبا بأكتاف الرِّجَال
لإعواز أقتاب الْجمال وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة بالزاهر وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس مستهل شَوَّال لَيْلَة الْعِيد ورد الْخَبَر بوصول مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته إِلَى النوارية مَحل على نصف الْمسَافَة من وَادي مر وَأشيع أَن قَصده الدُّخُول وَذكر اسْمه فِي خطْبَة الْعِيد على مِنْبَر الْحرم الشريف فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف سعيد مَوْلَانَا السَّيِّد باز بن هَاشم وَالسَّيِّد وَاصل بن أَحْمد إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته يطْلب إرْسَال الْأَمر الَّذِي وصل إِلَيْهِ ليشرف عَلَيْهِ فَلَمَّا وصلا إِلَيْهِ لهَذَا الْغَرَض غضب السنجق مُحَمَّد بك الْمَذْكُور وَمن مَعَه من الأغوات وشرابجية البلكات وَقَالَ لَيْسَ الْأَمر ملعبة وَحصل بَينهم كَلَام فَقَالَ مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن سعيد بن شنبر يَا أَمِير نَحن رفاقة نصطلح ثمَّ أَخذ السيدين الْمَذْكُورين وَتكلم مَعَهُمَا بِكَلَام لم تبلغنَا حَقِيقَته الله أعلم بهَا فَرَجَعَا إِلَى الشريف سعيد فَأَخْبَرَاهُ فعزم حِينَئِذٍ على إخلاء مَكَّة وَالْخُرُوج مِنْهَا وَأمر العساكر بمفارقة المتارس والدور الَّتِي كَانُوا بهَا وَخرج نصف اللَّيْل من لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي شَوَّال وَخرج مَعَه أَخُوهُ السَّيِّد مساعد وَابْن عَمه السَّيِّد عبد المحسن وَغَيرهمَا وعبيدهما وأتباعهما توجهوا إِلَى قَرْيَة الطَّائِف ثمَّ طلب بعد ذَلِك من مَوْلَانَا الشريف إِقَامَة مُدَّة شَهْرَيْن بهَا فأعطيها وَفِي حَال خُرُوجهمْ دخل مَوْلَانَا السَّيِّد حسن بن غَالب فِي جمَاعَة من الْأَشْرَاف والأتباع لحفظ الْبِلَاد عَن الشغُور وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور وَكَانَت مُدَّة ولَايَته أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام من غير زِيَادَة وَلَا نقص يجمعها حُرُوف قَوْلك كل لَهُ مدا وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قولي وقدمتها لَهُ يَوْم الْجُمُعَة سلخ جُمَادَى الأولى من سنة تسع وَتِسْعين وَألف // (من الطَّوِيل) //
(سقَى معهداً بَين الأثيلِ وناجمِ
…
سحوحُ العهاد الغادياتِ السواجِمِ)
(دريساً عفَتهُ الهوجُ مذ بَرِحَ النوَى
…
بأهليه تكسُوهُ سمال السمائمِ)
(نظرْتُ إِلَى أطلالِهِنَّ ونؤيها
…
مثلَّمة فى جنْبِ سُفْعٍ جواثمِ)
(كأنَّ الأثافي السودَ كَبِدِي قطعْنَهَا
…
ظُبى البَيْنِ أَثلَاثًا كتقسيمِ قاسمِ)
(فدرَّتْ بمرآها شئون مدامِعِى
…
وظَلْتُ وَإِيَّاهَا كَبَوٍّ ورائمِ)
(كأنْ لم تكنْ للغيد مأوىً وَلم تقمْ
…
على دوحِهِ ألحانُ وُرْقِ الحمائمِ)
(بلَى قَدْ عهدناه كذَاكَ فصوَّحَتْ
…
نضارتَهُ طوحُ الزَّمَان المتاخِمِ)
(معاهدُ لمياءُ البديدِ تجرُّ فِي
…
ثراها ذيولاً عاطراتِ النسائمِ)
(تميلُ كَمَا مالتْ غصونُ رياضها
…
بنشآتِ خمرات الصِّبَا لَا المآثِمِ)
(على غُرَّةٍ كالشمسِ من تحتِ طُرَّةٍ
…
تزينُ الضيا مِنْهَا بأسوَدَ فاحمِ)
(ومُقلة أدماء الجَوَازى مطفل
…
أريعَتْ بقَنَّاسٍ من انمار ساغمِ)
(جَرَى فَوْقهَا قوسُ من النونِ موترٌ
…
نبال رنا رِيشَتْ بأهدابِ رَائِمِ)
(لَهَا سلكُ دُرٍّ قفل فيروزج الوشام
…
دَارَ بِهِ فى نصْفِ دورةِ خاتمِ)
(بِهِ الشهْدُ ممزوجاً بصهباءَ خامرَتْ
…
مَعَ الصبْحِ مسكاً مستطابَ المناسمِ)
(ومهضوم كَشْح مخمص الْغَوْر رقةً
…
بِعقد بريم فِيهِ حُلت برائمي)
(لَهَا الْجِسْم لما حلّه ضخر قَلبهَا
…
كَذَاك أتانُ الضَّحْلِ أقسى الصلادمِ)
(براها إلهُ العرشِ عُقْلةَ عاقلٍ
…
وفتنةَ نسِّيك وزلة عالمِ)
(إِذا وعَدَت ألوَتْ وإِن أوعَدتْ وفَتْ
…
وَكم أشمتَتْ إِذْ خفتُ إشمات لائمِ)
(شُهِرْتُ بحبيها فصرْتُ كأنني
…
كبيتِ قريضٍ من مديحِ ابْن هاشمِ)
(سعيدُ بنُ سعدٍ إبْن زيدِ بنِ محسنٍ
…
خُلَاصَة خيرِ الخيرِ من وُلْدِ آدمِ)
(شريفٌ لَهُ من قبضةِ النورِ جوهرٌ
…
تكون شخصا من علىٍّ وفاطمِ)
(مليكُ بلادِ الله وابْنُ مُلُوكهَا
…
وحامي حماها قَبْلَ نوطِ التمائمِ)
(لَهُ منطقٌ مَاء النهَى مِنْهُ صيِّبٌ
…
ورأْىٌ مصيبٌ فِي عظيمِ العظائمِ)
(أعز حمى مَنْ لاذَ مِنْهُ بذمَّةٍ
…
ومَنْ قرَّبته مِنْهُ أدنى الملازمِ)
(محاسنُ ساداتٍ مضوا فِيهِ جمِّعَتْ
…
كجمعِ الغديرِ القطرَ غب الغمائمِ)
(فَمن خلقه لم تلق أحسنَ مظْهرا
…
سوَى مضمرٍ من خُلْقِهِ والعزائمِ)
(بنَتْ فِي مراقي الغرِّ آباؤُهُ الْعلَا
…
لَهُ بَيْتَ مجدٍ فِي رفيع الدعائمِ)
(فَلم يرضَ حَتَّى شادَ مثلهم ومَنْ
…
يشابِهْ أَبَاهُ فِي الْعلَا غَيْرُ ظالمِ)
(فهنيتَ ملكا لم تزلْ يَا سعيدَهُ
…
مساعد سعدٍ فِي جميعِ المآزمِ)
(رزئْت عَظِيما إِذْ حبيتَ عَظِيمَة
…
كذلكَ حالُ الدهرِ بَين العوالمِ)
(دهانا ببؤسى لَا يقاومُهَا الأسَى
…
تقارنُ نُعْمَى مَا لَهَا من مقاومِ)
(ذوى زيد الأمجاد لَا فُضَّ جمعُكُمْ
…
وعنكُمْ نبا بابُ الزمانِ المغاشمِ)
(لكُم أنفسٌ ملكيةٌ تحتَ نبضها
…
قلوبُ أسودٍ فِي شخوصِ أوادمِ)
(إِذا سيدٌ مِنْكُم خلا قامَ سيِّدٌ
…
نهوضٌ بأعباءِ الْعلَا والمكارمِ)
(عليكَ كَشَفْنَا وجْهَ عذراءَ لَو عَدَتْ
…
علاكَ لصينَتْ عَن مُلَامسِ لائمِ)
(من الخفراتِ اللائي كنْتَ عظلتَهَا
…
وآليْتَ أقساماً بحنْث ملازمِ)
(ولكنْ لودٍّ من أبيكَ اعتقدتَّهُ
…
وَمن قَبْلُ من زيد جرى بالمراحمِ)
(لذاكَ رأيْتَ الخيرَ تكفيرَ حِنْثها
…
وأَنَّ تَمَادى التركِ إِحْدَى الجرائمِ)
(وَمَا مَطْلَبى فِيهَا الإجازَةُ إِنَّمَا
…
قبولُكَهَا وَالله أقصَى عزائمي)
(بقيتَ وَلَا أبقى الردَى لكَ حَاسِدًا
…
فسعدُكَ فِي حالاتِهِ جِدُّ قائمِ)
وَقَالَ الأديب الشَّيْخ سَالم بن أَحْمد الصعدي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي // (من الطويلَ) //
(ورثْتَ كَلَاكَ الله مرتَبَةَ المُلْكِ
…
فها هِىَ فِي كفَّيْكَ ثابِتَة الملْكِ)
(توارَثْتَهَا عنْ عمكَ الأشرفِ الَّذِي
…
تمسَّكَ طفْلا بالعُلَا أَيّمَا مَسْكِ)
(كذاكَ عَن الأجدادِ أكْرم سادةٍ
…
رقوا رتباً للمجْدِ عالية السمكِ)
(وَلَا غَرْوَ مهما كنْتَ يَا سبْطَ سعدهم
…
وريثاً لَهُم فِي العلْمِ والحلمِ والنسكِ)
(وَقد جَاءَ يسْعَى الملكُ نحوَكَ مسرعاً
…
يجرُّ ذيولَ التيه والعُجْبَ والزمكِ)
(وقلَّدَكَ الأحكامَ فِي الناسِ كلِّهم
…
وعَامَلَ كلا من ذَوي الحُكْم بالتركِ)
(فأصبَحْتَ فِيهِ خَالِيا عَن مشاركٍ
…
لأنَّكَ قد أحللْتَ عَنهُ عرى الشركِ)
(فيا نجلَ مَنْ أعْطى الخلافَةَ حقَّها
…
فأصبَحَ مِنْ جيشِ السعادةِ فِي حشْكِ)
(ليهنِكَ هَذَا المنصبُ الشامخُ الَّذِي
…
أمنْتَ بِهِ كل الرعايا مِنَ الضنكِ)
(فعادوا كَمَا كانُوا مِنَ الأمْنِ بَعْدَمَا
…
أرِيعُوا بفقدانِ الفتَى ماضِى الفتكِ)
(إِلَى أَن غَدا كُلٌّ يقولُ تأسفًا
…
وخزنًا لندمانىْ جذيم قفا نبكِ)
(ولولاكَ مَعْ حكمِ القضاءِ وأمرِهِ
…
مِنَ الله لم تحقنْ دماهُمْ عَن السفكِ)
(فها هُمْ بأمنٍ مِنْك أذهَبَ عنهُمُ
…
مخاوفَ ذكرَاهَا يعدُّ من الإفْكِ)
(وَمَا الخوفُ إِلَّا بَين أفئدةِ الورَى
…
ثوى مِنْك حتَّى مسَّها نصب النهكِ)
(وذلكَ لما أنْ تسنَّمْتَ تخته
…
بعزْمٍ غدَتْ مِنْهُ القساورُ فِي رَبْكِ)
(ألسْتَ الَّذِي إنْ جُلْتَ والنقعُ ثائرٌ
…
ومبيضُّ جوِّ الأفقِ فِي شدَّة الحلكِ)
(تظلُّ صناديدُ الرجالِ نواكساً
…
إِلَى أَن يَذُوقُوا أكؤس الْحِين والهُلْكِ)
(وَكُلُّ حديدِ القلبِ ثبتٍ مجرّبٍ
…
صبورٍ على ضربِ القواضبِ والصَّكِّ)
(يهابُكَ مذ يلقاكَ فِي حومةٍ الوغى
…
ويقفىٌ وَمِنْه القلْبُ مضطربٌ مُنْكِى)
(فَلَو أَنْكَ صادمْتَ الرواسِى لخلْتَهَا
…
وحَقِّكَ إجلالاً لقدركَ فِي دَكِّ)
(وأمَّا السخا يابْنَ السخىِّ فَإِنَّهُ
…
سجيتُكَ الغراءُ من غيرِ مَا شَكِّ)
(لهَذَا شذا عَرْف الثنا عنْكَ مثل مَا
…
شذا عَرْف طيبِ العنبرِ الرَّطْبِ والمسكِ)
(وشاعَ حديثُ الفضلِ عَنْك مسلسلاً
…
لَدَى العَرَبِ العرباءِ والفُرْسِ والتُّرْكِ)
(فيا بَدْرَ ملكٍ جلَّ فِي فلكِ الْعلَا
…
وَيَا بَحْر جُودٍ كَمْ سَعَتْ فِيهِ من فُلْكِ)
(ويأيها الشَّهْمُ السعيدُ ابْن سَعْدنا
…
وَيَا مَنْ بِهِ قد فَاء فِي الحَرَمِ الْمَكِّيّ)
(إليكَ من البحْرِ الطويلِ قصيدةً
…
بعيدُ مداها لِى تدانَى على وَشْكِ)
(تهنِّيكَ بالملكِ الَّذِي قد ورثتَهُ
…
عَن البطلِ الشطْبِ الخبثضمة الملكِ)
(مليكُ الندَى مردِى العدى طالما غَدا
…
يردُّ إِلَى الشاكي الحقوقَ من المشْكِى)
(فَمَا زالَتِ الأيامُ تتلو تهانياً
…
عليكَ وبشراً دَائِما غيرَ منفكِّ)
(كَمَا ظَلَّ ثغرُ الدهْرِ من جذلٍ بِمَا
…
حُبِيتَ من السعْدِ المتممِ فِي ضحْكِ)
(فدُمْ رافلاً فِي ملبسِ العزِّ لَا يُرَى
…
لكَ اليومَ فِي أحكامِكَ الغُرِّ من يَحْكِي)
ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن المرحوم السَّيِّد غَالب ابْن السَّيِّد مُحَمَّد بن مساعد بن مَسْعُود بن حسن دَخلهَا من أَعْلَاهَا صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة يَوْم الْجُمُعَة ثانى شَوَّال عِنْد الضحوة الْعَالِيَة بالآلاى الْكَبِير والنوبة وَجَمِيع عَسَاكِر مصر وَغَيرهم فِي موكب أتم مَا سَمِعت أذن من خبر وأبهى مَا لذ فِي عين ذِي نظر لابساً خلعة التبجيل والتكريم ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم فَنزل بداره السعيدة وَنُودِيَ باسمه فِي الْبِلَاد يسمعهُ الْحَاضِر والباد وبالزينة سَبْعَة أَيَّام وابتهجت الْقُلُوب بالفرح التَّام وسعت إِلَيْهِ الْخَاصَّة والأعيان مهنئين فرحين وهرعت الْعَامَّة لتقبيل أعتابه مستبشرين مرحين وَقد تشرفت بمديحه حبا ووداً وَرويت عَن بَحر أصبح مَد غَيره عِنْده جزراً وجزره عِنْد غَيره مدا فَقلت // (من الطَّوِيل) //
(سرَتْ نسمةٌ مِنْكُم تهْبُّ بإقبالِ
…
شذا مِنْ شميمِ الرندِ والشيحِ والحالِ)
(تحدث عَن برقاء منجد فالقُصَى
…
من الدوحِ فالعرجينِ فالوشْمِ فالخالِ)
(مسارحُ آرام ملاعِبُ صِبْيَةٍ
…
مطاردُ فرسانٍ معاطنُ أجمالِ)
(مواردها عدٌّ وعشبُ رياضِها
…
أثيثٌ سقَاهُ الجودُ من فرغِهِ الدالِى)
(عفَتْ غيرَ رسْمٍ خافتِ الظلِّ قالصٍ
…
ومثلومِ نُؤْىٍ تَحت أنضاءِ أطلالِ)
(وَسُفْعِ أثافٍ كالحماحِمِ جُثَّم
…
وأَشْعَث مشجوج الْقَفَا نَاخِر بالي)
(ثلاثٌ تشكَّى أَرْبعا تنتهبنها
…
وَحَيًّا وتكسوهُنَّ مغبر أسمالِ)
(خلَتْ دمنتاها عَن سوَى أرقطِ المِطا
…
وجَيْئَلَ خمعاء وشَيْهَم عَسَّالِ)
(سَقَاهَا من الوسمىِّ صائبُ نوئه
…
بمرتجسٍ داني النِّشَاصَيْن مسبالِ)
(وَلَا برحَتْ عَيْني يسحُّ وَلِيُّهَا
…
بدَمْعٍ على تلكَ المناهِلِ مُنْهَالِ)
(منازلُ بَيْضَاء العوارضِ أرهفَتْ
…
معاطفها واسْتُبْدِعَتْ حسنَ أجدالِ)
(تبدَّتْ مَعَ الأترابِ تُرجعُ لحظَهَا
…
تَخَاوُصَ أدماءِ السوالِفِ مطفالِ)
(وبينَ الوشاحِ الملتوي غُصْن بانةٍ
…
وثنى الْإِزَار المرتوي حقفه العالِي)
(وتحْتَ اللثامِ الجوْن دُرٌّ لثَاتُهَ
…
أُسِفَّتْ بمرموقٍ سقى صرف جريالِ)
(أسالَتْ على الخدِّ الأسيلِ مدامعاً
…
تعاتبني سِرًّا بهَا عتْبَ إدلالِ)
(وَقد قربَتْ يمنَى يَديهَا بضمِّها
…
إِلَى صَدْرها الْخَالِي فزادَ بهَا حَالي)
(وعضَّتْ بدرِّ الثغر فِضَّة معصمٍ
…
لَهَا كادَ يثنيه السوارُ عَلَى بالي)
(وَمَا أنْسَ لَا أنسى الهوَى ومعاهداً
…
تذكِّرنيها فِكْرتى عَصْرَهَا الْخَالِي)
(فَمَالِي ووَصْل الغانياتِ وَإِنَّمَا
…
مصايِدُهَا بَيْنَ الشبيبةِ والمالِ)
(تنعمْتُ فِي ليلِ الشبابِ فراعَنِى
…
طلوعُ صباحِ الشيبِ من غَيْر إمهالِ)
(وَمَا كانَ إِلَّا وصلُهُ فجفاؤُهُ
…
وَمَا كانَ إقبالٌ لَهُ غَيْر إجفالِ)
(تملَّصَ مني ثمَّ مَرًّ فَلَو يشا
…
شريفُ الصَّفَا والركْنِ عَوَّدَ فِي الحالي)
(أَبَا غالِبٍ سلطانَ مكَّةَ أَحْمد بْن
…
غَالِبَ راعيها الحفى الدَّائِل الدالي)
(تسنَّى ذُرَى العلياءِ قدماً وتالياً
…
إِلَى أَن تَلا مِنْ ملكهَا السَّنَد العالي)
(فَسَارَ عَلَى عرضِ الفلاةِ مراوحاً
…
فَمن سرجِ منقالٍ إِلَى كورِ مرقالِ)
(ووالَتْهُ من أبنا أبِيهِ عصائبٌ
…
ذَوُو نجداتٍ صادقو الفِعْلِ والقالِ)
(مساعيرُ حَرْبٍ لَا يرجَّى طعينُهُمْ
…
مساميعُ للداعِى مساميحُ بالنَّالِ)
(ميامينُ بَسَّامُونَ فِي السِّلْمِ والوغَى
…
جحاجحةٌ قُحٌّ هُمُ خيرةُ الآلِ)
(حِمَى الضَّيْم إِن ياطا مواطئ خَيْلهم
…
من الأرضِ فاستوبى لَهُم قَالَةَ القالِ)
(فَمَا خِيطَتِ الأجفانُ منهُمْ عَلَى القذا
…
وَلم يشْربُوا الترنيقَ من وِرْدِ أوشالِ)
(وَلم يبرحُوا فِي ثَبْتِ طَولٍ ومنعةٍ
…
بأمرإِ عيشٍ فِي محلٍّ وترحالِ)
(فأولاه ملك الرومِ مُلْكَ جدودِهِ
…
وَقمَّصَهُ للعزِّ أَشْرَف سربالِ)
(أصابَ بِهِ المغزَى كَمَا وَضَعَ الهنا
…
على النقْبِ من جربائة الهانئ الطالِى)
(فَعبر عَنْ أسمائِهِ كُلُّ منبرٍ
…
وأفصَحَ عَن آلائِهِ كُلُّ ذِي قَالَ)
(ليهنِكَ بلْ يهنى الخلافَةَ أَنَّهَا
…
أَوَتْ مِنْك للبرِّ الرضى الْحَائِط الكالي)
(فَلَا نعمةٌ إِلَّا وأنْتَ وليُّهَا
…
ومَكْرُمَةٌ إِلَّا وأنْتَ لَهَا وَالِي)
(فَللَّه حمْدٌ يملأُ اللوْحَ دائمٌ
…
وشكْرٌ لَهُ فِي بَدْءِ نعماه والتالي)
(أُحِبُّكُمُ حُبَّيْن حبَّ فريضةٍ
…
بِهِ ألزمَ الله الورَى أمرَهُ العالي)
(وحُبُّ صفاتٍ أنتَ مفردُ جمعهَا
…
غدوْتُ بهَا فى حُبِّكَ المفرِطَ الغالي)
(إليكَ مِنَ الودِّ الصريحِ خَدِيمةً
…
لَهَا فِي مثانِى الطِّرْسِ مِشْيَةُ مختال)
(جواهرُ أصدافٍ من الفكْرِ نضدَتْ
…
فَمَا خانها سلكٌ وَلَا ريب إغلالِ)
(مخدَّرة حَرَّمْتُ رفعَ نقابها
…
ففكَّرْتُ واستصْوَبْتُ بالمدحِ إحلالي)
(هَدِيَّة مَنْ يَدْعُو لمجدِكَ بالعلا
…
وعيشك فِي سِتْرٍ من العزِّ ذَيَّالِ)
ثمَّ عزل فِي يَوْم دُخُوله الْمَذْكُور عَن تَدْبِير كرْسِي السياسة حاكمها الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر وقلد منصبها عَبده الْقَائِد سنبل فَقَامَ بهَا أتم قيام فِي أبهى مظهر وأبهج نظام وَكَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمَذْكُور عزل عَن منصب الدوادرية أَحْمد بن مصطفى المولتاتي فعل متيقظ حَازِم فتي وقلد منصبها خادمه أَبَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد طَاهِر الشهير بالبربتي وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع شَوَّال ادَّعَت عَسَاكِر مصر على الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر سَبَبِيَّة قتل الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد أغا وَنهب بَيته فَدخل على مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد ابْن السَّيِّد سعيد ابْن شنبر فَمَنعهُمْ عَنهُ وَقَالَ إِن يكن لكم عَلَيْهِ وده فعلى يَد مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته فَحَضَرُوا فَلم يثبت لَهُم عَلَيْهِ وَجه فخلص ثمَّ أنفذت المكاتيب إِلَى أهل الْإِدْرَاك ومشايخ العربان فأطاع كل عَاص ودان من كل قاص ودان وَبعث الْجنُود ورتبها فِي كل وجهة ومخلاف فأمنت الْبِلَاد
والطرق وَللَّه الْحَمد مِمَّا يحاذر وَيخَاف وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور تقلد منصب الوزارة المكية الحسنية الغالبية الخواجا إِبْرَاهِيم بن عَليّ حميدان وأفيض عَلَيْهِ فرو من السمور وفقنا الله وإياه للسداد فِي جَمِيع الْأُمُور وانفصل عَنْهَا يُوسُف بن عبد الله الشهير بالسقطي وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر الشَّهْر الْمَزْبُور أَمر متع الله بحياته بِكَسْر أواني المزور وَالْخُمُور وتشتيت العواهر من بَنَات الخطا والفجور وَمن رُؤِيَ بعد ثَلَاث صلب عل بَاب دَاره فترحل بَعضهنَّ عَن الْبِلَاد وانكمش بَعضهنَّ عَن ذَلِك التظاهر وَفَارق بَيته فتقاصر عَنهُ ترداد المرتاد فجزاه الله تَعَالَى خيرا عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وأيد بِهِ مِلَّة جده سيد الْمُرْسلين وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشري شَوَّال كَانَ حُصُول الْفرج مِنْهُ سبحانه وتعالى لمولانا السَّيِّد مُحَمَّد البزنجى وَذَلِكَ أَنه لما دخل عَلَيْهِ شهر رَمَضَان وَهُوَ مَحْبُوس بذلك الْمحل الْمُتَقَدّم ذكره أخرج من آخِره إِلَى مَحل أروح وأنور فاستمر بِهِ ثمَّ إِنَّه عهد إِلَى بعض أحبائه أَن يُعِد لَهُ فِي ذِي الحليفة الْمحل الْمُسَمّى عِنْد الْعَامَّة أبيار على ناقتين بالأهبة وَأَن يحضر لَهُ تَحت القلعة حصاناً بعدته وسلاحه فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة تدلي من السُّور إِلَى خَارج وَركب الحصان وتقلد السَّيْف وتنكب الْقوس واعتقل الرمْح وَسَار إِلَى ذِي الحليفة ثمَّ مِنْهَا عَلَى الركائب سالكا طَرِيق الْفَرْع واتجه بولده فِي الطَّرِيق بقرية خليص وَكَانَ قد خرج من الْمَدِينَة قبله بِثَلَاثَة أَيَّام بأَمْره خشيَة أَن يمسك عوضه إِذا فقدوه فوصلا إِلَى مَكَّة تَاسِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وفيهَا يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ذِي الْقعدَة الْحَرَام أَمر بِقطع عبد أسود سَارِق فَقطع يَدَاهُ وَرجلَاهُ ثمَّ فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ قطع سَارِق آخر حبشِي الْجِنْس يَده وَرجله من خلاف ثمَّ فِي يَوْم السبت ثامن الشَّهْر الْمَزْبُور كَانَ وُصُول القفطان والمراسيم السُّلْطَانِيَّة صُحْبَة سُلَيْمَان أغا سلخور فَدخل بالآلاى الْعَظِيم والمنظر الْبَهِي الوسيم وَوصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته بِالْحَطِيمِ وَقد فتح الْبَيْت السعيد وغص الْمجْلس بالسادة الْأَشْرَاف نخبة آل عبد منَاف
وأفندي الشَّرْع وَشَيخ الْحرم والسادة الْعلمَاء والأعيان والأغوات والسرادير وكبار العساكر فألبس مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته القفطان السلطاني على فرو من السمور وَنشر المرسوم الخاقاني وقرئت مِنْهُ تِلْكَ السطور فِيهِ بعد تعداد نعوت مَوْلَانَا الحميدة وَالثنَاء عَلَى جميل مزاياه المجيدة التَّصْرِيح بِأَنا قد أنعمنا بِولَايَة الْحَرَمَيْنِ الشريفين عَلَيْكُم وأسندنا حماية المحلين المنيفين إِلَيْكُم والحث عَلَى الْقيام بِوَاجِب السَّادة الْأَشْرَاف الذابين عَن حمى هَذِه الأكناف وَالْوَصِيَّة بالعلماء والصلحاء والمجاورين وحماية الْحجَّاج وَالزُّوَّارِ والمسافرين والالتفات إِلَى تَأْمِين الطّرق والبلدان وقمع أشقياء العربان أهل العتو والطغيان مؤرخاً من السّنة الْمَذْكُورَة بأوائل شهر رَمَضَان الْمُعظم قدره ثمَّ ألبس مَوْلَانَا متع الله بحياته حَضْرَة أفندى الشَّرْع والقابجى السلطاني وكيخة الباشا أفرية من السمور ثَلَاثَة من غير تَأْخِير وَلَا ملاثة وألبس مَوْلَانَا الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الشيبي وَابْنه الشَّيْخ الْأَجَل عبد الْمُعْطِي وَجَمِيع السرادير والشرابجة والجواويش وأرباب المناصب القفاطين عَلَى القانون وَالْعَادَة ثمَّ دعِي لمولانا السُّلْطَان الْأَعْظَم سُلَيْمَان خَان بن إِبْرَاهِيم خَان ولمولانا الشريف متع الله بحياته على بَاب الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ذَات السِّيَادَة وَكَانَ يَوْمًا فِي نِهَايَة الْحسنى وَزِيَادَة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور أَمر مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته بِحُضُور الْخَاصَّة والعامة عِنْد الْحطيم للدُّعَاء لنصرة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَعْظَم كل يَوْم إثنين وخميس بعد صَلَاة الْحَنَفِيّ عَامله الله تَعَالَى بِلُطْفِهِ الْخَفي وَكَانَ بِهِ نعم الحفي آمين