المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ثم تولى قانصوه الغوري السلطنة) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٤

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(الْبَاب الرَّابِع)

- ‌(فِي الدولة الأيوبية السُّنِّيّةِ السَّنيّة)

- ‌(السَّبَب فِي توردهم الديار المصرية)

- ‌(السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْعَزِيز عُثْمَان)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْعَادِل)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل مُحَمَّد)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه أَبُو بكر الْعَادِل)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل)

- ‌(ثمَّ تولى تورنشاه)

- ‌(ثمَّ تولت شَجَرَة الدّرّ)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك عز الدّين أيبك التركماني)

- ‌(فَتَوَلّى الْملك الْأَشْرَف مُوسَى مظفر الدّين)

- ‌(الْبَاب الْخَامِس)

- ‌(فِي ذكر الدولة التركمانية)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عَليّ)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك المظفر سيف الدّين قطز)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الظَّاهِر بيبرس)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك السعيد نَاصِر الدّين)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك سلامش بن بيبرس)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك المصنور قلاوون الألفي)

- ‌(ثمَّ تولى الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر مُحَمَّد)

- ‌ كتبغا

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين)

- ‌(ثمَّ عَاد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌ بيبرس الجاشنكير

- ‌(تمّ تولى الْأَشْرَف عَليّ كجك بن مُحَمَّد النَّاصِر بن قالوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَحْمد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور ابْن مُحَمَّد قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل شعْبَان بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى حاجي)

- ‌(تمّ تولى السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(من أَوْلَاد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح صَالح بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى مُحَمَّد ابْن الْملك المظفر حاجي)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك شعْبَان بن حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده عَليّ بن الْأَشْرَف شعْبَان)

- ‌(وتلقب بِالْملكِ الْمَنْصُور فِي عَام السَّبع وَالسبْعين والسبعمائة الْمَذْكُور)

- ‌(ثمَّ تولى أَخُوهُ حاجي بن شعْبَان الْأَشْرَف)

- ‌(الْبَاب السَّادِس)

- ‌(فِي ذكر الدولة الشركسية بِمصْر وَالشَّام وأعمالهما)

- ‌(السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر سيف الدّين)

- ‌(أَبُو سعيد برقوق بن آنص العثماني كَذَا ذكره المقريزي فِي خططه

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك النَّاصِر)

- ‌(ثمَّ ولي الْخَلِيفَة العباسي)

- ‌(ثمَّ تولى الْأَمِير شيخ المحمودي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده الْملك المظفر)

- ‌(ثمَّ تولى ططر)

- ‌(ثمَّ تولى بعده ابْنه الْملك مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده يَوْم مَوته)

- ‌(الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن برسباي وعمره أَرْبَعَة عشر عَاما)

- ‌(ثمَّ تولى بعده أَبُو السعادات فَخر الدّين عُثْمَان بن حقمق)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين أَبُو النَّصْر أينال العلائي)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه أَحْمد الْمَذْكُور ابْن أينال ولقب بِالْملكِ الْمُؤَيد)

- ‌(ثمَّ تولى أتابكه الْملك الْعَادِل سيف الدّين خشقدم الناصري)

- ‌(ثمَّ تولى بعده فِي ذَلِك الْيَوْم أتابكه بلباي الْمُؤَيد)

- ‌(ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد تمريغا الظَّاهِرِيّ)

- ‌(ثمَّ تولى السلطنة أتابك العساكر يَوْمئِذٍ السُّلْطَان الْأَشْرَف قايبتاي)

- ‌(المحمودي الظَّاهِرِيّ الشركسي)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَبُو السعادات مُحَمَّد بن السُّلْطَان قايتباي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده خَاله الْملك الظَّاهِر قانصوه)

- ‌(ثمَّ تولى بعده السلطنة أَمِير كَبِير جانبُلاط)

- ‌(ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الْعَادِل طومان باي)

- ‌(ثمَّ تولى قانصوه الغوري السلطنة)

- ‌(الْبَاب السَّابِع)

- ‌(فِي ذكر مُلُوك آل عُثْمَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان أورخان الْغَازِي ابْن السُّلْطَان عُثْمَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد خَان الْغَازِي خدا وندكار)

- ‌(ابْن السُّلْطَان أورخان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان يلدرم با يزِيد ابْن السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان يلدرم)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّانِي ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد بن يلدرم)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فاتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة ابْن مُرَاد)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان بايزيد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد)

- ‌(وَجلسَ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وافتتح الفتوحات)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم ابْن السُّلْطَان با يزِيد)

- ‌(كاسر الْعَجم وفاتح بِلَاد الْعَرَب)

- ‌ سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم الثَّانِي ابْن سُلَيْمَان خَان)

- ‌(وَجلسَ على سَرِير السلطنة فِي سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث ابْن السُّلْطَان سليم)

- ‌(ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد)

- ‌(ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان ابْن السُّلْطَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان أَحْمد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد)

- ‌(ابْن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد أَخُوهُ)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان عُثْمَان بن أَحْمد خَان بن مُحَمَّد خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد خَان)

- ‌(وَهَذِه هِيَ التَوْليَةُ الثَّانِيَة)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي ابْن أَحْمد)

- ‌(ابْن مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن السُّلْطَان أَحْمد)

- ‌(أَخُو السُّلْطَان مُرَاد الْمَذْكُور قبله)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان الْغَازِي الْمُجَاهِد)

- ‌(فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم)

- ‌(فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة وَذكر مَكَان دُعَائِهِ إِلَيْهَا وزمانه وَمَا جرى على كل قَائِم مِنْهُم من خَليفَة زَمَانه وتعدادهم من عَليّ بن أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا حَتَّى لَا تَخْلُو الأَرْض من قَائِم من آل مُحَمَّد يَدْعُو إِلَى الْحق وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم إِلَى أَن يظْهر مهديها المنتظر وَهَذَا على

- ‌(فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا فَنَقُول وَبِاللَّهِ العون)

- ‌(الْبَاب الأول)

- ‌(فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي)

- ‌(فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث)

- ‌(من خَاتِمَة الْخَيْر)

- ‌(فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْم تَارِيخه)

- ‌(ولمع من أخبارهم ونوادر حوادث أيامهم)

- ‌(ذكر دولة السليمانيين)

- ‌(وَمِنْهُم آل أبي الطّيب)

- ‌(ذكر دولة الهواشم)

- ‌(ذكر بني قَتَادَة أُمَرَاء مَكَّة بعد الهواشم إِلَى وقتنا هَذَا)

- ‌(ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي)

الفصل: ‌(ثم تولى قانصوه الغوري السلطنة)

(ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الْعَادِل طومان باي)

وَمَا اسْتكْمل يَوْمًا وَاحِدًا بل هجم عَلَيْهِ الْعَسْكَر وقتلوه فَمَا أقدم أحد على السلطنة وَكَانَت الْأُمَرَاء متوفرة وَبَعْضهمْ يُشِير إِلَى بعض فِي الْجُلُوس على تخت الْملك فاتفقوا على تَوْلِيَة قانصوه الغوري لأَنهم رَأَوْهُ سهل الْإِزَالَة أَي وَقت أَرَادوا إِزَالَته أزالوه لِأَنَّهُ كَانَ أقلهم مَالا وأضعفهم حَالا وأوهنهم قُوَّة وأشاروا أَن يتَقَدَّم فَأبى فألزموه بذلك فَقَالَ أقبل ذَلِك بِشَرْط أَن لَا تقتلوني فَإِذا أردتم خلعي من السلطنة فَأَخْبرُونِي بِمَا تُرِيدُونَ وَأَنا أوافقكم على ذَلِك وأترك لكم الْملك وأمضي حَيْثُ أُرِيد فعاهدوه على ذَلِك فَقبل

(ثمَّ تولى قانصوه الغوري السلطنة)

ولقبوه الْملك الْأَشْرَف أَبَا النَّصْر قانصوه الغوري وَذَلِكَ فِي سنة 906 سِتّ وَتِسْعمِائَة وَفَرح الْعَسْكَر بولايته لأَنهم سئموا تعدد السلاطين وَسُرْعَة تقضِّي ملكهم بل فَرح الْعَامَّة وأمنوا على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فِي الْجُمْلَة وَكَانَ قانصوه الغوري كثير الدهاء ذَا رَأْي وفطنة وتيقظ إِلَّا أَنه كَانَ شَدِيد الطمع كثير الظُّلم وَالْفِسْق بَخِيلًا محباً للعمارة فَمن جملَة عِمَارَته الْجَامِع والتربة وَكَانَ فِي نِيَّته أَن يدْفن بهَا ووقف عَلَيْهَا أوقافاً كَثِيرَة وَمَا قدر لَهُ دَفنه بهَا بل ذهب تَحت سنابك الْخَيل وَمَا عرف شخصه {وَماً تدرِي نفس مَاذاً تَكسِبُ غَدا وَماً تدرِي نَفس بأَيِِّ أَرض تَموُت} لُقْمَان 34 وَله آثَار جميلَة فِي طَرِيق الْحَاج فِي عقبَة أَيْلَة ومآثر بِمَكَّة المشرفة وَغَيرهَا وَكَانَ يتنزل مَعَ الْأُمَرَاء من غير تَشْدِيد عَلَيْهِم وَلَا إِظْهَار عَظمَة وَأمر وَنهى وَذَلِكَ فِي ابْتِدَاء أمره إِلَى أَن تمكن من قوته وبأسه حكى الْعَلامَة قطب الدّين عَن شَيْخه أَحْمد بن عبد الْغفار عَن وَالِده وَكَانَ من

ص: 61

أَرْبَاب الأقلام فِي ديوَان قانصوه قَالَ استشم الغوري مبادئ فتْنَة أَرَادَ الْأُمَرَاء إحداثها وَأَرَادُوا أَن يجعلوها مُقَدّمَة لخلعة من السلطنة فَلَمَّا استشعر ذَلِك مِنْهُم عمل ديواناً وَجمع فِيهِ الْأُمَرَاء والمقدمين وَأمرهمْ بِالْجُلُوسِ وَجلسَ بَينهم كأحدهم وَكَانَت عَادَة الْأُمَرَاء الْوُقُوف بَين يَدي السُّلْطَان وَلَا يَجْلِسُونَ مَعَه إِلَّا فِي السماط فَقَط فَلَمَّا جَلَسُوا وَجلسَ أَنْكَرُوا ذَلِك وَكَانُوا يتعجبون من ذَلِك وكلُّ مصغ إِلَى مَا يَقُول السُّلْطَان فَقَالَ مَا جمعتكم يَا أغوات إِلَّا لأسألكم سؤالا خطر لي وأطلب مِنْكُم جَوَابه على الْوَجْه الَّذِي تَرَوْنَهُ صَوَابا فَقَالُوا نعم فَقَالَ أَسأَلكُم عَن جمَاعَة جَاءُوا إِلَى رجل وأودعوه صرة من الدَّرَاهِم مربوطة مختومة فَقَالَ أَنا أستودع مِنْكُم هَذِه الْوَدِيعَة بِشَرْط أَن تَأْتُونِي وتطلبوا وديعتكم بِلَا نزاع معي وَلَا خُصُومَة فَأَرَادَ وديعتكم إِلَيْكُم فَقَالُوا نعم قبلنَا مِنْكُم هَذَا الشَّرْط وأودعوه ومضوا ثمَّ عَادوا إِلَيْهِ بعد مُدَّة وَقَالُوا نُرِيد الْوَدِيعَة بنزاع شَدِيد ومخاصمة ومضاربة قَوِيَّة فَقَالَ لَهُم هَذِه وديعتكم حَاضِرَة خذوها بِلَا نزاع وَلَا ضراب معي كَمَا شرطت عَلَيْكُم فَقَالُوا لَا بُد من الْمُخَاصمَة والنزاع مَعَك فَأَيهمْ على الْبَاطِل وأيهم على الْحق ففهموا مُرَاده واستعفوا مِنْهُ فَقَالَ لَهُم أَنا مَا جَلَست مَعكُمْ إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنِّي كأحدهم لَا أمتاز عَلَيْكُم بِشَيْء وَهَذِه السلطنة أسلمها لأيكم أرادها وَلَا أنازع عَلَيْهَا فَإِنَّمَا أَنا رجل من الْجند فَقبل كل مِنْهُم يَده وأذعنوا لَهُ بالسلطنة وسألوه استمراره فِيهَا وسكنت الْفِتْنَة بِهَذَا التَّدْبِير وغفلوا عَنهُ مُدَّة وَاشْتَغلُوا عَنهُ بضروريات وطالت مَعَه الْحِيَل إِلَى أَن صَار يَأْخُذ مِنْهُم وَاحِدًا بعد وَاحِد ويتغافل عَنْهُم ثمَّ يحصل حِيلَة أُخْرَى وَعلة أُخْرَى لأَحَدهم فَيَأْخذهُ بهَا ويوقع بَين الِاثْنَيْنِ وَيَأْخُذ هَذَا بِذَاكَ وَذَاكَ بذا ويدس لَهُم الدسائس من الطَّعَام والسم وَنَحْوه حَتَّى أفنى قرانصتهم ودهاتهم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم وَاتخذ مماليك جدداً واستجلب جلباً وَأعد عددا وصاروا يظْلمُونَ النَّاس ويعاملون الْخلق عسفاً وغشماً وَهُوَ يغضي عَنْهُم ويتغافل فأظهروا الْفساد وأهلكوا الْعباد وَأَكْثرُوا العناد وطغوا فِي الْبِلَاد وَصَارَ يصادر النَّاس وَيَأْخُذ أَمْوَالهم بالقهر والبأس وَكَثُرت العوانية فِي أَيَّامه لِكَثْرَة مَا يصغي إِلَيْهِم وصاروا إِذا شاهدوا أحدا توسع

ص: 62

فِي دُنْيَاهُ وَأظْهر التجمل فِي ملبسه ومثواه وشوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان فَيُرْسل إِلَيْهِ يطْلب الْقَرْض ويصفي أَمْوَاله ويسلمه إِلَى الصوباشي ليَأْخُذ مَاله وَيهْلك أهلة وَعِيَاله وَجمع هَذَا الْبَاب أَمْوَالًا عَظِيمَة وخزائن وَاسِعَة ذهب فِي آخر الْأَمر سدى وَتَفَرَّقَتْ بيد العدى وتمزقت بدداً وَأما الْمِيرَاث فَبَطل فِي أَيَّامه وَصَارَ إِذا مَاتَ أحد يَأْخُذ مَاله جَمِيعه للسلطنة وَيتْرك أَوْلَاده فُقَرَاء إِلَّا إِن اعتني بِهِ اعتناء كَبِيرا جعل لَهُ نزراً يَسِيرا من مَاله أَبِيه وَأخذ لنَفسِهِ بَاقِيه وَكثر ظلمه فِي آخر أَيَّامه فَاسْتَجَاب الله فِيهِ دُعَاء المظلومين وقُطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَحكي عَن شخص من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مجاب الدعْوَة أَنه رأى بِمصْر فِي أَيَّام الغوري جندياً من الشراكسة أَخذ مَتَاعا من دلال وَلم يُرضِه فِي قِيمَته فَتَبِعَهُ الدَّلال يطْلب مِنْهُ حَقه وَهُوَ مُمْتَنع فَقَالَ لَهُ الدَّلال بيني وَبَيْنك شرع الله فَضَربهُ الجندي بالدبوس فشج رَأسه وَقَالَ هَذَا شرع الله فَسقط الدَّلال مغشيّاً عَلَيْهِ وَمضى الجندي بالمتاع وَمَا قدر أحد من الْمُسلمين على مَنعه من فعله قَالَ الشَّخْص فصعب عَليّ هَذَا الْحَال فَرفعت يَدي إِلَى الله تَعَالَى ودعوت الله عز وجل على الجندي الْمَزْبُور وسلطانه وَحزبه وإخوانه وعَلى الظلمَة من أعوانه فصادف سَاعَة إِجَابَة وَقبُول واقترن السُّؤَال بِحُصُول الْمَسْئُول فَبت تِلْكَ اللَّيْلَة على طَهَارَة وَأَنا أفكر فِي أَمرهم وأحدث نَفسِي كَيفَ يَزُول ملك هَذَا السُّلْطَان الجائر وَقد مَلَأت جُنُوده الأَرْض وأنى للْمُسلمين بسُلْطَان رءوف رَحِيم عَادل كريم فَنمت فَرَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم مَلَائِكَة من السَّمَاء بِأَيْدِيهِم مكانس يكنسون الشراكسة من أَرض مصر ويلقونهم فِي بَحر النّيل فَلم يكن إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب حَتَّى وَقع ذَلِك ثمَّ إِنِّي استيقظت من نومي وَسمعت قَارِئًا يقْرَأ قَوْله تَعَالَى {فانتقمنا مِنْهُم فأغرقنهم فِي أَلِيم بِأَنَّهُم كذبُوا بئايتنا وَكَانُوا عَنْهَا غفلين} الْأَعْرَاف 136 فَعلمت أَن الله سَوف يَأْخُذهُمْ أخذا وبيلا فَمَا مضى على هَذِه الْوَقْعَة قَلِيل من الزَّمَان إِلَّا وبرز الغوري بجُنُوده وأمواله وبنوده وأثقاله وخزائنه وأنصاره وأعوانه من مصر لقِتَال السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان إِلَى حلب فجَاء الْخَبَر بعد قَلِيل بِأَنَّهُ كسر وَقتل أَكثر جُنُوده وفقد هُوَ تخت سنابك الْخَيل

ص: 63

فِي مرج دابق وَكَانَ قَتله بَين الظّهْر وَالْعصر يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر رَجَب سنة 922 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَقيل إِنَّه فقد من الْحَرْب وَأَنه عَاشَ مُدَّة بِبِلَاد الْمغرب وَقيل بل عَاشَ بِمصْر مُدَّة طَوِيلَة قَالَ شَيخنَا وَعلم بِمَا قَدمته من أَن شخصا مَاتَ بِالْقربِ من زمن الْوَقْعَة بِبَعْض مدارس مصر فَوجدَ فِي عُنُقه كيس فِيهِ ختم باسم الغوري فَقيل إِنَّه هُوَ وَكَانَت مُدَّة الغوري خمس عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا وللأشرف قانصوه الغوري مآثر جميلَة وعمائر حَسَنَة جليلة فمما عمره بِمَكَّة المشرفة بَاب إِبْرَاهِيم بِعقد كَبِير جعل علوه قصراً وَجعل فِي جَانِبه مسكنين لطيفين وبيوتاً ممتدة حول بَاب إِبْرَاهِيم ووفق الْجَمِيع على جِهَات خير وَلَا يَصح وقف ذَلِك لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِد وَكَذَلِكَ السكنان لِأَن اكثرهما فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا أمكن الْعلمَاء أَن ينكروا عَلَيْهِ ذَلِك فِي أَيَّام سلطنته لعدم إصغائه إِلَى كَلَام أهل الشَّرْع وَبنى أَيْضا ميضأة خَارج بَاب إِبْرَاهِيم على يَمِين الْخَارِج وَقد أبطلت لِأَن روائحها تصل إِلَى الْمَسْجِد فَيَتَأَذَّى المصلون فأبطلت وأغلق بَابهَا قَرِيبا فِي سنة 980 تِسْعمائَة وَثَمَانِينَ بِأَمْر شرِيف سلطاني قلت هِيَ الْآن مَفْتُوحَة ينْتَفع بهَا الْمُسلمُونَ عامرة وَمن أَثَره التَّرْخِيم الْوَاقِع فِي الْحجر الشريف عمل بأَمْره فِي أَيَّامه واسْمه مَكْتُوب فِيهِ وَفرغ من عِمَارَته سنة 917 سبع عشرَة وَتِسْعمِائَة وَبنى بركَة بدر وعدة خانات وآبار فِي طَرِيق الْحَاج الْمصْرِيّ وَبنى خَانا فِي عقبَة أَيْلَة والأزلم ومدرسة أَنْشَأَهَا علو سقف الجملون بِالْقَاهِرَةِ وَأَنْشَأَ مجْرى المَاء من مصر العتيقة إِلَى قلعة الْجَبَل وَمن آثاره بِنَاء سور جدة وَكَانَت العربان تهجم فِي أَيَّام الْفِتَن وتنهبها ونهبت مرَارًا أَيَّام الوقائع بَين الشريف بَرَكَات وأخيه هزاع وَبعد هزاع جازان فَأرْسل الغوري أحد أمرائه المقدمين وَهُوَ الْأَمِير حُسَيْن الْكرْدِي وجهز مَعَه عسكراً من التّرْك والمغاربة واللوند فِي خمسين غراباً لدفع ضَرَر الفرنج فِي بَحر الْهِنْد فَلَمَّا وصل إِلَى جدة بنى سورها وَهدم كثيرا من بيوتها وَأخذ حجارتها وَبنى بهَا السُّور فِي شدَّة وبأس واستخدم عَامَّة النَّاس فِي حمل الْحجر واللبِن حَتَّى التُّجَّار المعتبرين

ص: 64

وَسَائِر المنتسبين وضيق على النَّاس بِحَيْثُ يحْكى أَن أحدهم تَأَخّر قَلِيلا عَن الْمَجِيء فَلَمَّا جَاءَ أَمر أَن يبْنى عَلَيْهِ فَبنِي وَاسْتمرّ قَبره جَوف الْبناء إِلَى يَوْم الْجَزَاء إِلَى غير ذَلِك من الظُّلم الشَّديد والجور العتيد وَبنى السُّور جَمِيعه فِي أقل من سنة وَكَانَ ظلوماً غشوماً أكولاً يَسْتَوْفِي الخروف مَعَ عدَّة أرغفة ونفائس لَهُ معدة وَاسْتمرّ حَاكما ب جدة إِلَى أَن تقوى بِالْمَالِ وتأثل وَجمع جُنُودا من كل صنف ثمَّ توجه إِلَى الْهِنْد سنة إِحْدَى وَعشْرين وَتِسْعمِائَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة وَقد انْقَضتْ دولة الشراكسة بِمصْر وملكها السُّلْطَان سليم خَان فورد حكم سلطاني إِلَى شرِيف مَكَّة بَرَكَات بن مُحَمَّد بن حسن بن عجلَان بقتل الْأَمِير حُسَيْن الْكرْدِي الْمَذْكُور وَكَانَ الشريف بَرَكَات هُوَ الْمُسْتَخْرج لذَلِك الحكم لعداوة سَابِقَة بَينه وَبَين حُسَيْن الْمَذْكُور فَأخذ مُقَيّدا إِلَى جدة وربط فِي رجله حجر كَبِير وغرق فِي بَحر جدة فِي مَوضِع يُقَال لَهُ أم السّمك فأكلته الأسماك بعد أَن كَانَ يعد من الْأَمْلَاك وَلما قتل الغوري وانكسرت عساكره هرب بَقِيَّة الشراكسة من السيوف إِلَى مصر وصيروا الدوادار الْكَبِير طومان باي سُلْطَانا فَتَوَلّى وَالسُّلْطَان سليم فِي إثرهم هم فِي الْهَرَب وَهُوَ من ورائهم للطلب فَأرْسل إِلَيْهِ السُّلْطَان سليم بعد أَن ملك حلب وَالشَّام وَمَا بَينهمَا من الْبِلَاد بقاصد وَكتب مَعَه كتبا يستميل بهَا خاطره ويستجلب بهَا قلبه ويعده بِكُل جميل إِن دخل فِي الطَّاعَة وكف الْقِتَال بَين الْمُسلمين فَلم يلْتَفت لشَيْء من ذَلِك بل قتل القاصد وَعين مَن يهجم فِي الْعَسْكَر والأمراء وسير من المماليك الْخَاصَّة أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة وَجمع من مَشَايِخ العربان مَا كمل بِهِ سَبْعَة آلَاف خيال وَسَارُوا جَمِيعًا إِلَى الْعَريش ثمَّ إِن السُّلْطَان سليم خَان أرسل إِلَى الْوَزير الْأَعْظَم سِنَان باشا بأَرْبعَة آلَاف خيال ليلحق من قدَّمه من الْعَسْكَر وهم أَلفَانِ عَلَيْهِم الْأَمِير مُحَمَّد بير بن عِيسَى وَقصد بتقدمتهم تمهيد الطَّرِيق فَلَمَّا خشِي عَلَيْهِم أتبعهم بالوزير الْمَذْكُور فأدركهم ب غَزَّة فَلَمَّا بلغ الشراكسة ذَلِك توقفوا عَن الْحَرْب لكِنهمْ سعوا فِي جمع النَّاس من الْقرى والنواحي فأقاموا فِي الْعَريش ثَلَاثَة أَيَّام فَجمع سِنَان باشا من مَعَه من الْأُمَرَاء والأعيان واستشارهم فِي الْمُقَاتلَة أَو الِانْتِظَار حَتَّى يرد السُّلْطَان فَأَجْمعُوا

ص: 65

على الْمُقَاتلَة خشيَة من الهجوم فَفِي لَيْلَة السبت سَابِع عشري ذِي الْقعدَة الْحَرَام ركب سِنَان وَخرج من غَزَّة وَأظْهر أَنه رَاجع لجِهَة الرملة فَسَار طول ليلته وَأصْبح بِالْقربِ من خَان يُوسُف وَكَانَ بِالْقربِ مِنْهُ عَسْكَر الشراكسة فَلَمَّا رأى جانبرد الْغَزالِيّ وَكَانَ رَئِيس من تقدم من الشراكسة الْعَسْكَر العثماني هيأ عسكره وَعين الميمنة والميسرة وَكَذَلِكَ سِنَان باشا جعل على ميمنته فرهاد بِمن مَعَه وعَلى ميسرته مُحَمَّد بن عِيسَى فَلَمَّا رأى الْغَزالِيّ ذَلِك عين بعض جمَاعَة من عسكره مَعَ المشاة وَأمرهمْ أَن يقرُّوا على ساقة الْعَسْكَر أَولا فَلَمَّا رأى سِنَان باشا ذَلِك أخرج من عسكره مِقْدَار ألف خيال وماش ترمي البندق وَأمرهمْ أَن يَكُونُوا خلف الْعَسْكَر وَحَوله فَلَمَّا رأى الشراكسة ذَلِك تَرَبَّصُوا وسايروا الْعَسْكَر قَلِيلا قَلِيلا ينتهزون الفرصة فَلَمَّا نزل سِنَان بِمحل الْمنزل هجم الْغَزالِيّ وَكَانَ سِنَان أَمر الينيشرية وغالب الْعَسْكَر أَن لَا يخرجُوا سِلَاحهمْ وَأَن يَكُونُوا حول ثقلهم فَلَمَّا هجم الْغَزالِيّ قابله طَائِفَة الينيشرية برمي البندق ثمَّ ركب سِنَان وتلاحق الْعَسْكَر والتحم الْقِتَال إِلَى وَقت الْغُرُوب فَانْهَزَمَ الْغَزالِيّ وَقتل غَالب الْأُمَرَاء الَّذين مَعَه وَأرْسلت رُءُوسهم مَعَ من قبض عَلَيْهِ أَيْضا إِلَى السُّلْطَان سليم فسر بذلك وَذهب الْغَزالِيّ إِلَى مصر وَسَار السُّلْطَان سليم حَتَّى نزل ببركة الْحَج وتهيأ مِنْهَا لفتح قلعة مصر وَأخذ الْبِلَاد فاتفقت الشراكسة المقيمون بهَا وَغَيرهم من الْعَرَب على إِعَانَة طومان باي فبلغت عدتهمْ عشْرين ألفا فَجمع طومان باي المدافع الْكَثِيرَة وأخرجها للريدانية وقررها فِي الأَرْض وَأرْسل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَطلب من يضْرب بالمدافع فَاجْتمع عِنْده خلق كثير فَنزل بمخيمه فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك وَكَانَ قد صف عسكره ميمنة وميسرة ترك اسْتِقْبَال طومان باي وسلك طَرِيقا أُخْرَى من خلف جبل المقطم من وَرَاء عَسْكَر الشراكسة واستمرت مدافع الشراكسة مركوزة لمن يَأْتِي من أَمَام الريدانية بِلَا نفع وَلَا دفع وبادرهم برمي المدافع والبنادق واستقبلته خُيُول الْجند وفرسانها والتحم الْحَرْب وحمي الْوَطِيس حَتَّى أظلمت الدُّنْيَا وَلم تزل الشراكسة تهجم مَعَ تِلْكَ الظُّلُمَات على العساكر العثمانية الْمرة بعد الْمرة وتكر وتفر وَالْقَتْل فيهم وهم لَا يصدهم شَيْء حَتَّى قتل مِنْهُم جَانب عَظِيم من أعيانهم وَقتل من العساكر العثمانية أقل من ذَلِك

ص: 66

فَانْكَسَرت الشراكسة وَلم يزل عَسْكَر السُّلْطَان خَلفهم إِلَى أَن أدخلوهم بُيُوتهم فنهبت بُيُوتهم وَأَمْوَالهمْ وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سلخ سنة 922 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَفِي صبح يَوْم الْجُمُعَة غرَّة محرم الْحَرَام افْتِتَاح سنة 923 ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة أَمر السُّلْطَان فِي الْمَسْجِد والجوامع بِالْخطْبَةِ باسمه الشريف وَضرب السِّكَّة كَذَلِك باسمه وَأقَام بالعادلية ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ارتحل وَدخل الْبِلَاد وتعدى إِلَى الجيزة وَنزل بعسكره فِيهَا فَجمع طومان باي من بَقِي من الشراكسة نَحْو سَبْعَة آلَاف وهجم على الْبِلَاد لَيْلًا وَاتفقَ مَعَه بعض الْعَرَب وَتَبعهُ خلق من أهل مصر وَقتلُوا جَمِيع من وجد فِي الْبَلَد من الْعَسْكَر العثماني وَقصد الهجوم لَيْلًا على السُّلْطَان فِي الجيزة وهيأ مراكب الْبَحْر للذهاب فَلَمَّا بلغ ذَلِك السُّلْطَان سليم خَان عين جمَاعَة على المعابر وَأمر العساكر بالتقيد وَعدم الْغَفْلَة فَلم يقدر طومان باي على الهجوم لَيْلًا وَبعث جمَاعَة وَأمرهمْ بالهجوم على مصر وكل من وجدوه من آدَمِيّ أَو بَهِيمَة قَتَلُوهُ أَو مَحل قَابل للحرق أحرقوه وأغاروا على النَّاس والمصريون يقاتلونهم من الْأَمَاكِن الحصينة بِالسِّهَامِ وَالْحِجَارَة وَاسْتمرّ الْحَرْب على هَذَا الأسلواب ثَلَاثَة أَيَّام فوصل السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَسَار على الْبِلَاد وَرمى المدافع على جَمِيع من لاقاه وَاشْتَدَّ الْحَرْب فِي الرميلة وَهلك خلق كثير من الْجِهَتَيْنِ ثمَّ هرب طومان باي إِلَى جَامع الشيخونية وَحَارب هُنَاكَ ضجت الرعايا بِطَلَب الْأمان وَكثر الصياح مِنْهُم فَأَمنَهُمْ السُّلْطَان وَأمر بتتبع الشراكسة خَاصَّة فَلم يجد طومان باي بدّاً من الهروب فَخرج فِي نَحْو عشرَة أنفس هَارِبا لجِهَة الصَّعِيد وَقتل ذَلِك الْيَوْم مَا ينيف على أَرْبَعَة آلَاف نفس حَتَّى سَالَتْ الدِّمَاء وتكدر بَحر النّيل وتعفن الْهَوَاء لذَلِك فرميت أجسامهم فِي الْبَحْر وجمعت رُءُوسهم أكواماً بعد أكوام فَعَاد السُّلْطَان لمخيمه بالجيزة وَبنى لَهُ كوشكاً عَالِيا يسكنهُ مُدَّة مقَامه بِمصْر هرباً من العفونة وَنقل إِلَيْهِ من قبض عَلَيْهِ من أَعْيَان أُمَرَاء الشراكسة فَأمر بِضَرْب أَعْنَاقهم على ضوء المشاعل وَقتل سِنَان باشا ذَلِك الْيَوْم فأسف عَلَيْهِ السُّلْطَان سليم وَقَالَ أَي فَائِدَة فِي مصر بِلَا يُوسُف لِأَن سِنَان لقبه يُوسُف وَفِي صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم دون ديواناً رتب فِيهِ للعساكر العطايا وَعين أَرْبَاب

ص: 67

المناصب فَأرْسل إِلَيْهِ الْغَزالِيّ وَكَانَ قد هرب فِي الْوَقْعَة الأولى من الريدانية إِلَى جِهَة الصالحية فَطلب الْأمان فَلَمَّا علم السُّلْطَان أَنه لم يحضر الْوَقْعَة الَّتِي دَاخل الْبَلَد عَفا عَنهُ وَطَلَبه فجَاء نَائِبا مُسْتَغْفِرًا فأنعم عَلَيْهِ ببلدة سجاع ثمَّ أَقَامَ السُّلْطَان فِي مَحَله إِلَى ثَالِث عشري محرم وارتحل وَصعد إِلَى القلعة ثمَّ إِن طومان باي أرسل بِطَلَب الْأمان وَالْعَفو عَمَّا مضى فَقبل السُّلْطَان مِنْهُ ذَلِك واستمال خاطره وَأرْسل بجوابه وإجابته كيخية عَسْكَر أنادول مصطفى شلبي والقضاة الْأَرْبَعَة قُضَاة مصر وَكتب إِلَيْهِ بالعهد والأمان مَعَهم فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ مَنعه بعض المفسدين من الشراكسة وحرضوه على الْعِصْيَان فَقتل مصطفى شلبي الْمَذْكُور والقضاة الْأَرْبَعَة وَأظْهر عدم الانقياد وَاجْتمعَ عِنْده بَقِيَّة الشراكسة وَطَائِفَة من العربان وَقصد الْعود إِلَى مصر وتعدى على المراكب وَوصل قريب مصر حَتَّى نزل ببركة الْحَبَش فعين السُّلْطَان بعض الْأُمَرَاء والعساكر لحربه فتوجهوا لقتاله وَخرج السُّلْطَان أَيْضا بِنَفسِهِ فَنزل بِالْقربِ من النّيل فارتحل طومان باي من مَحَله وهرب فَتَبِعَهُ الْعَسْكَر منَازِل فَعلم الْأُمَرَاء أَنه لَا رَاحَة لَهُم مَا دَامَ مَوْجُودا فتركوا أثقالهم وَسعوا فِي طلبه فادركوه بَين الْإسْكَنْدَريَّة ورشيد فَحصل حَرْب عَظِيم وَقبض على جمَاعَة مِمَّن مَعَه وهرب هُوَ وَتوجه فِي طلبه بعض الْأُمَرَاء فأدركه فِي بحيرة وأحاط بِهِ وَقتل جَمِيع من مَعَه فَألْقى طومان باي نَفسه فِي الْبَحْر فَلَمَّا أشرف على الْغَرق طلب الْأمان فرموا لَهُ جبلا وَتمسك بِهِ فجروه إِلَى الْبر ومسكوه وقيدوه وَجَاءُوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان وَيُقَال إِنَّه هرب واستجار بشيخ عرب بني جذام عبد الدَّائِم ابْن مقرّ وَأَنه هرب إِلَى خياط السُّلْطَان سليم وَسلم إِلَيْهِ السُّلْطَان طوما باي ذكر هَذَا الْعَلامَة قطب الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فقصد السُّلْطَان الْعَفو عَنهُ لما رَآهُ ثمَّ تذكر جرائمه وَنقض الْعَهْد وَقتل الْقُضَاة الْأَرْبَعَة والكيخية وَعلم أَن الْفِتْنَة لَا تنام مَا دَامَ مَوْجُودا فَأمر بشنقه فشنق على بَاب زويلة فتم أَمر السُّلْطَان سليم خَان على مصر وَقد مهد القوانين وَالْقَوَاعِد وَنصب الْقُضَاة الْأَرْبَعَة على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَولى ملك الْأُمَرَاء الْأَمِير خير بك على مصر المحروسة وَولى جَان بردي الْغَزالِيّ على الشَّام وَكَانَ وعدهما بذلك وهما من خَواص أُمَرَاء الغوري وَكَانَا يكرهانه فِي الْبَاطِن ويكرههما كَذَلِك فَأرْسل لَهما السُّلْطَان الْأمان وعهد لَهما أَن يوليهما مصر

ص: 68

وَالشَّام فوافقاه على ذَلِك فَلَمَّا تلاقى العسكران فرا بالميمنة والميسرة فَبَقيَ الغوري وخواص من مَعَه فِي الْقلب فغار الغوري تَحت سنابك الْخَيل ومحي كَمَا يمحى النَّهَار بِاللَّيْلِ كَمَا تقدم ذكر ذَلِك عِنْد ذكر حَرْب الغوري ومهد السُّلْطَان سليم الْأُمُور على مَا يَنْبَغِي وَسَار إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَعَاد إِلَى مصر ثمَّ توجه من مصر إِلَى تخت الْملك الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَقد تمهدت لَهُ الْبِلَاد وَعم حكمه الْعباد وَدخل أَمر الْحَرَمَيْنِ الشريفين تَحت حكمه وخطب لَهُ فيهمَا بأَمْره ورسمه وَفِي سَائِر هَذِه الأقطار واسْمه وَانْقَضَت دولة الشراكسة عَن آخرهَا وَللَّه الْبَقَاء سُبْحَانَهُ

ص: 69