المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ذكر دولة الهواشم) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٤

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(الْبَاب الرَّابِع)

- ‌(فِي الدولة الأيوبية السُّنِّيّةِ السَّنيّة)

- ‌(السَّبَب فِي توردهم الديار المصرية)

- ‌(السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْعَزِيز عُثْمَان)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْعَادِل)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل مُحَمَّد)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه أَبُو بكر الْعَادِل)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل)

- ‌(ثمَّ تولى تورنشاه)

- ‌(ثمَّ تولت شَجَرَة الدّرّ)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك عز الدّين أيبك التركماني)

- ‌(فَتَوَلّى الْملك الْأَشْرَف مُوسَى مظفر الدّين)

- ‌(الْبَاب الْخَامِس)

- ‌(فِي ذكر الدولة التركمانية)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عَليّ)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك المظفر سيف الدّين قطز)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الظَّاهِر بيبرس)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك السعيد نَاصِر الدّين)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك سلامش بن بيبرس)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك المصنور قلاوون الألفي)

- ‌(ثمَّ تولى الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر مُحَمَّد)

- ‌ كتبغا

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين)

- ‌(ثمَّ عَاد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌ بيبرس الجاشنكير

- ‌(تمّ تولى الْأَشْرَف عَليّ كجك بن مُحَمَّد النَّاصِر بن قالوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَحْمد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور ابْن مُحَمَّد قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل شعْبَان بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى حاجي)

- ‌(تمّ تولى السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(من أَوْلَاد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الصَّالح صَالح بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى مُحَمَّد ابْن الْملك المظفر حاجي)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك شعْبَان بن حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده عَليّ بن الْأَشْرَف شعْبَان)

- ‌(وتلقب بِالْملكِ الْمَنْصُور فِي عَام السَّبع وَالسبْعين والسبعمائة الْمَذْكُور)

- ‌(ثمَّ تولى أَخُوهُ حاجي بن شعْبَان الْأَشْرَف)

- ‌(الْبَاب السَّادِس)

- ‌(فِي ذكر الدولة الشركسية بِمصْر وَالشَّام وأعمالهما)

- ‌(السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر سيف الدّين)

- ‌(أَبُو سعيد برقوق بن آنص العثماني كَذَا ذكره المقريزي فِي خططه

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه الْملك النَّاصِر)

- ‌(ثمَّ ولي الْخَلِيفَة العباسي)

- ‌(ثمَّ تولى الْأَمِير شيخ المحمودي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده الْملك المظفر)

- ‌(ثمَّ تولى ططر)

- ‌(ثمَّ تولى بعده ابْنه الْملك مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده وَلَده يَوْم مَوته)

- ‌(الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن برسباي وعمره أَرْبَعَة عشر عَاما)

- ‌(ثمَّ تولى بعده أَبُو السعادات فَخر الدّين عُثْمَان بن حقمق)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين أَبُو النَّصْر أينال العلائي)

- ‌(ثمَّ تولى ابْنه أَحْمد الْمَذْكُور ابْن أينال ولقب بِالْملكِ الْمُؤَيد)

- ‌(ثمَّ تولى أتابكه الْملك الْعَادِل سيف الدّين خشقدم الناصري)

- ‌(ثمَّ تولى بعده فِي ذَلِك الْيَوْم أتابكه بلباي الْمُؤَيد)

- ‌(ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد تمريغا الظَّاهِرِيّ)

- ‌(ثمَّ تولى السلطنة أتابك العساكر يَوْمئِذٍ السُّلْطَان الْأَشْرَف قايبتاي)

- ‌(المحمودي الظَّاهِرِيّ الشركسي)

- ‌(ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَبُو السعادات مُحَمَّد بن السُّلْطَان قايتباي)

- ‌(ثمَّ تولى بعده خَاله الْملك الظَّاهِر قانصوه)

- ‌(ثمَّ تولى بعده السلطنة أَمِير كَبِير جانبُلاط)

- ‌(ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الْعَادِل طومان باي)

- ‌(ثمَّ تولى قانصوه الغوري السلطنة)

- ‌(الْبَاب السَّابِع)

- ‌(فِي ذكر مُلُوك آل عُثْمَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان أورخان الْغَازِي ابْن السُّلْطَان عُثْمَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد خَان الْغَازِي خدا وندكار)

- ‌(ابْن السُّلْطَان أورخان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان يلدرم با يزِيد ابْن السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان يلدرم)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّانِي ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد بن يلدرم)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فاتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة ابْن مُرَاد)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان بايزيد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد)

- ‌(وَجلسَ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وافتتح الفتوحات)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم ابْن السُّلْطَان با يزِيد)

- ‌(كاسر الْعَجم وفاتح بِلَاد الْعَرَب)

- ‌ سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم الثَّانِي ابْن سُلَيْمَان خَان)

- ‌(وَجلسَ على سَرِير السلطنة فِي سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث ابْن السُّلْطَان سليم)

- ‌(ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد)

- ‌(ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان ابْن السُّلْطَان خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان أَحْمد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد)

- ‌(ابْن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد أَخُوهُ)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان عُثْمَان بن أَحْمد خَان بن مُحَمَّد خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد خَان)

- ‌(وَهَذِه هِيَ التَوْليَةُ الثَّانِيَة)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي ابْن أَحْمد)

- ‌(ابْن مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن السُّلْطَان أَحْمد)

- ‌(أَخُو السُّلْطَان مُرَاد الْمَذْكُور قبله)

- ‌(ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان الْغَازِي الْمُجَاهِد)

- ‌(فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم)

- ‌(فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة وَذكر مَكَان دُعَائِهِ إِلَيْهَا وزمانه وَمَا جرى على كل قَائِم مِنْهُم من خَليفَة زَمَانه وتعدادهم من عَليّ بن أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا حَتَّى لَا تَخْلُو الأَرْض من قَائِم من آل مُحَمَّد يَدْعُو إِلَى الْحق وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم إِلَى أَن يظْهر مهديها المنتظر وَهَذَا على

- ‌(فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا فَنَقُول وَبِاللَّهِ العون)

- ‌(الْبَاب الأول)

- ‌(فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي)

- ‌(فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث)

- ‌(من خَاتِمَة الْخَيْر)

- ‌(فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْم تَارِيخه)

- ‌(ولمع من أخبارهم ونوادر حوادث أيامهم)

- ‌(ذكر دولة السليمانيين)

- ‌(وَمِنْهُم آل أبي الطّيب)

- ‌(ذكر دولة الهواشم)

- ‌(ذكر بني قَتَادَة أُمَرَاء مَكَّة بعد الهواشم إِلَى وقتنا هَذَا)

- ‌(ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي)

الفصل: ‌(ذكر دولة الهواشم)

أصلا بل ذكر بعد موت شكر اسْتِيلَاء أول أُمَرَاء الهواشم أبي هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد أبي هَاشم بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله أبي الْكَرم بن مُوسَى ابْن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وعَلى موت شكر انقرضت دولة بني سُلَيْمَان بِمَكَّة وَجَاءَت دولة الهواشم

(ذكر دولة الهواشم)

هَؤُلَاءِ الهواشم من ولد أبي هَاشم مُحَمَّد بن الْحسن بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله أبي الْكَرم بن مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب كَانَت بَين هَؤُلَاءِ الهواشم وَبني السليمانيين فتن مُتَّصِلَة وَلما مَاتَ شكر ذهبت الرِّئَاسَة من بني سُلَيْمَان لِأَن شكرا آخِرهم وَلم يعقب وَتقدم فيهم طراد بن أَحْمد لم يكن من بَيت الْإِمَارَة وَإِنَّمَا كَانُوا يؤملونه لإقدامه ورأيه وشجاعته وَكَانَ رَئِيس الهواشم يَوْمئِذٍ أَبُو هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي هَاشم مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد الْمَذْكُور وَكَانَ قد سَاد فِي الهواشم وَعظم ذكره فَاقْتَتلُوا سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة بعد موت شكر فَهزمَ الهواشم بني سُلَيْمَان وطردهم عَن الْحجاز فَسَارُوا إِلَى الْيمن وَكَانَ لَهُم بِهِ ملك فاستقل بإمارة مَكَّة الْأَمِير أَبُو هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي هَاشم مُحَمَّد بن الْحسن الْمَذْكُور وخطب للمستنصر العبيدي ثمَّ ابْتَدَأَ الْحَاج من الْعرَاق سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة بِنَظَر السُّلْطَان ألب أرسلان بن دَاوُد ملك السلجوقية حِين استولى على بَغْدَاد والخلافة طلب مِنْهُ الْقَائِم العباسي ذَلِك فبذل المَال وَأخذ رهائن من الْعَرَب وَحج بِالنَّاسِ أَبُو الْغَنَائِم نور الْهدى الزيني نقيب الطالبيين ثمَّ جاور فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا واستمال الْأَمِير أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر الْمَذْكُور عَن طَاعَة العبيديين فَخَطب لبني الْعَبَّاس سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وانقطعت ميرة مصر عَن مَكَّة فعذله أَهله عَمَّا فعل فَرد الْخطْبَة للعبيديين ثمَّ خاطبه الْقَائِم العباسي وعاتبه وبذل لَهُ الْأَمْوَال فَخَطب لَهُ سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بِالْمَوْسِمِ فَقَط وَكتب إِلَى الْمُسْتَنْصر العبيدي معتذرا

ص: 214

ثمَّ بعث الْقَائِم العباسي أَبَا الْغَنَائِم الزيني نقيب الْمَذْكُورين سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة أَمِيرا على الركب الْعِرَاقِيّ وَمَعَهُ عَسْكَر ضخم لأمير مَكَّة من عِنْد ألب أرسلان وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار وتوقيع بِعشْرَة آلَاف دِينَار واجتمعوا بِالْمَوْسِمِ وخطب الْأَمِير أَبُو هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر للقائم العباسي فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا أهل بَيته إِلَى الرَّأْي الْمُصِيب وَعوض بنيه لبسة الشَّبَاب بعد لبسة المشيب وأمال قُلُوبنَا إِلَى الطَّاعَة ومتابعة إِمَام الْجَمَاعَة فانحرف الْمُسْتَنْصر بن الظَّاهِر بن الْحَاكِم العبيدي صَاحب مصر الْمَذْكُور عَن الهواشم وَمَال إِلَى السليمانيين وَكتب إِلَى عَليّ بن مُحَمَّد الصليحي صَاحب دعوتهم بِالْيمن أَن يعينهم على استرجاع ملكهم وينهض مَعَهم إِلَى مَكَّة فَنَهَضَ وانْتهى إِلَى المهجم وَكَانَ سعيد بن نجاح الْأَحول موتور بني الصليحي قد جَاءَ من الْهِنْد وَدخل صنعاء فثار بهَا وَاتبع الصليحي وَهُوَ فِي سبعين رجلا والصليحى فِي خَمْسَة آلَاف قبيته بالمهجم وَقَتله كَذَا فِي تَارِيخ الْعَلامَة ابْن خلدون وَرَأَيْت فِي تَارِيخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن جَار الله بعد أَن قَالَ ثمَّ ولي بعد شكر بَنو أبي الطّيب وهم الَّذين يُقَال لَهُم السليمانيون من جمَاعَة شكر وَلم يذكر الفاسي عدتهمْ قَالَ ثمَّ ولي عَليّ بن مُحَمَّد الصليحي صَاحب الْيمن وَذَلِكَ سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فِي شهر الْحجَّة وَأظْهر الْعدْل بهَا وَاسْتعْمل الْجَمِيل مَعَ أَهلهَا وَكثر الْأَمْن وَطَابَتْ قُلُوب النَّاس ورخصت الأسعار فِي أَيَّامه وَكَثُرت لَهُ الْأَدْعِيَة وكسا الْبَيْت ثوبا أَبيض ورد للبيت الْحلِيّ الَّذِي أَخذه بَنو أبي الطّيب لما ملكوا بعد شكر وَأقَام بِمَكَّة إِلَى ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ ولى عَنهُ نَائِبا أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر هَذَا وَسبب ذَلِك أَن الصليحي لما دخل مَكَّة كَانَ الْأَشْرَاف بَنو أبي الطّيب قد أبعدوا عَن مَكَّة وجمعوا عَلَيْهِ ثمَّ راسلوه بِأَن يخرج من مَكَّة وَيُؤمر بهَا من يخْتَار مِنْهُم وَكَانَ قد وَقع فِي عسكره الوباء فَمَاتَ مِنْهُم سَبْعمِائة رجل وَلم يبْق أَلا نفر يسير فَاخْتَارَ أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جفعر هَذَا وَهُوَ أول الهواشم وأقامه نَائِبا عَنهُ وَأمره على مَكَّة واستخدم لَهُ عسكراً وَأَعْطَاهُ

ص: 215

مَالا وسلاحاً وَخمسين فرسا ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن فجَاء الْأَشْرَاف بَنو سُلَيْمَان وَمَعَهُمْ حَمْزَة بن أبي وهاص وحاربوا مُحَمَّد بن جَعْفَر فحاربهم وَلم يكن لَهُ بهم طَاقَة فَخرج هَارِبا من مَكَّة فتبعوه فكر رَاجعا وَضرب وَاحِدًا مِنْهُم ضَرْبَة قطع بهَا درعه وَجَسَده وفرسه وَوصل إِلَى الأَرْض فَرَجَعُوا عَنهُ وَكَانَ تَحْتَهُ فرس يُقَال لَهَا دَنَانِير لَا تكل وَلَا تمل وَقيل إِنَّه كَانَ صهر شكر على ابْنَته ثمَّ عَاد مُحَمَّد بن جَعْفَر إِلَى مَكَّة بعد خُرُوجه مِنْهَا فَهَذَا الَّذِي ذكره ابْن جَار الله مُخَالف لما ذكره الْعَلامَة ابْن خلدون مُخَالفَة ظَاهِرَة أما أَولا فَفِي تَارِيخه فَإِنَّهُ أَي ابْن جَار الله ذكر أَن إتْيَان الصليحي إِلَى مَكَّة وإقامته أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر نَائِبا عَنهُ كَانَ فِي سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَأَنه دَخلهَا وَأقَام أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر أول أُمَرَاء الهواشم وَالَّذِي ذكره ابْن خلدون إِن الصليحي أمره الْمُسْتَنْصر العبيدي لما مَال عَن الهواشم إِلَى السيلمانيين بِسَبَب عدولهم بِالْخطْبَةِ عَنهُ إِلَى العباسيين أَن ينْهض مَعَ السليمانيين ويعينهم على استرجاع ملكهم وأرخ ذَلِك الْأَمر لَهُ بِسنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فَهَذَا تخَالف فِي التَّارِيخ وَأما ثَانِيًا فمخالفته من جِهَة الْمَعْنى إِذْ كَيفَ يُؤمر بِإِعَادَة السليمانيين إِلَى ملكهم وَإِزَالَة الهواشم عَن مَكَّة فيفر السليمانيون عَن مَكَّة ويرسلون لَة أقِم من تختاره منا فيقيم عَلَيْهِم أَبَا هَاشم وَهُوَ من الهواشم المغضوب عَلَيْهِم من جِهَة مرسله الْمُسْتَنْصر العبيدي وَكَيف يفر السليمانيون عَنهُ وَهُوَ آتٍ لنصرتهم وإرجاع دولتهم إِلَيْهِم من يَد الهواشم فَمَا علمت وَجه التَّوْفِيق بَينهمَا فِي ذَلِك وَالله أعلم وَأَيْضًا لم يذكر ابْن خلدون أَن الصليحي دخل مَكَّة بل إِنَّه لما انْتهى إِلَى المهجم اسْم محمل هجم عَلَيْهِ سعيد بن نجاح الْأَحول فَقتله وَإِذ قد انجر الْكَلَام إِلَى ذكر الصليحي فلنذكر طرفا من خَبره ومبدأ مُنْتَهى أمره قَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ الصليحي هُوَ عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الصليحي كَانَ أَبوهُ مُحَمَّد قَاضِيا بِالْيمن وَنَشَأ لَهُ هَذَا الْوَلَد فتوسم فِيهِ بعض من عِنْده علم من الْمَلَاحِم وَقَالَ لَهُ أَنْت تلِي ملك الْيمن فاشتغل على هَذَا وحوى علوماً كَثِيرَة

ص: 216

وَحج بِالنَّاسِ دَلِيلا سِنِين مُتعَدِّدَة ثمَّ توَافق مَعَ جمَاعَة من أَوْلَاد رُؤَسَاء الْيمن نَحْو السِّتين وَخَرجُوا إِلَى رَأس جبل منيع بِالْيمن فَحَاصَرَهُمْ الْجند فِي عشْرين ألف مقَاتل فَلم يقدروا عَلَيْهِم ثمَّ استفحل أمره وَبنى بِرَأْس ذَلِك الْجَبَل حصناً منيعاً ثمَّ تدلى فَأخذ الْبِلَاد بَلَدا بَلَدا حَتَّى استحوذ على الْيمن كلهَا وخطب بِنَفسِهِ ودعا للخليفة الْمُسْتَنْصر العبيدي وَاسْتمرّ كَذَلِك نَحوا من ثَلَاثِينَ سنة فَلَمَّا كَانَت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة كَذَا قَالَه ابْن السُّبْكِيّ وَقَالَ ابْن خلدون سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة خرج فِي طَائِفَة من الْجَيْش يُرِيد الْحَج فَلَمَّا كَانَ بالمهجم اعْتَرَضَهُ سعيد بن نجاح الْأَحْوَال صَاحب التهائم وَكَانَ الصليحي قد وتره فِي أول دولته فاعترضه سعيد هَذَا وَأَخُوهُ حناش فِي سبعين رجلا مَعَ كل رجل مِنْهُم جَرِيدَة فِي رَأسهَا مِسْمَار فَنَذر بهم الصليحي فَأرْسل سَرِيَّة فِي ألفي مقَاتل ليردوهم فَاخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيق فخلص إِلَيْهِ سعيد وَأَخُوهُ فِي أصحابهما وَهُوَ على غرَّة فوصلوا إِلَيْهِ وقتلوه بِسَيْفِهِ وَقتلُوا جَمِيع أَقَاربه وَكَانُوا نَحْو مائَة وَسِتِّينَ ومالوا على بَقِيَّة الْعَسْكَر فَقتلُوا وأسروا وَرَجَعُوا إِلَى الْيمن فملكوه مَعَ بِلَاد تهَامَة وَهَذَا أَمر لم يتَّفق مثله أَلا نَادرا وَكَانَ مَقْتَله عِنْد قَرْيَة يُقَال لَهَا الرهيم وبئر أم معبد وَلَيْسَت بِأم معبد السعدية قلت وَمن شعر الصليحي بيتان فِي حفظي هما // (من الْكَامِل) //

(أَنْكَحْتُ بِيضَ الِهْندِ سُمْر رِقَابِهمْ

فَرُءُسُهُمْ دُونَ النِّثَارِ نِثَارُ)

(وكَذَا العُلَا لَا يُسْتَبَاح نِكَاحُهَا

إِلَاّ بِحَيْثُ تُطَلَّقُ الأَعْمَارُ)

وَلما رَجَعَ سعيد بن نجاح بِرَأْس الصليحي مَنْصُوبًا فَوق المظلة الَّتِي كَانَت يظلل بهَا فَوْقه إِذا ركب فِي جنده قَالَ فِي ذَلِك أَبُو بكر العثماني // (من الْكَامِل) //

(بَكَرَتْ مِظَلَّتُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَرُحْ

إلَاّ عَلَى الملكِ الأَجَلِّ سَعِيدِهَا)

(مَا كَانَ أَقْبَحَ وَجْهَهُ فِي ظِلِّها

مَا كَانَ أحسَنَ رأْسَهُ فِي عُودِهَا)

رَجَعَ وَلما عَاد مُحَمَّد بن جَعْفَر إِلَى مَكَّة بعد خُرُوجه مِنْهَا جمع أنجاداً من الأتراك فزحف بهم إِلَى الْمَدِينَة فَأخْرج مِنْهَا بني الْحُسَيْن وَجمع بَين الْحَرَمَيْنِ ثمَّ مَاتَ الْقَائِم العباسي وَانْقطع مَا كَانَ يصل إِلَيْهِ مِنْهُ فَقطع مُحَمَّد بن جَعْفَر الْخطْبَة للعباسيين ثمَّ جَاءَ الزَّيْنَبِي من قَابل بالأموال فَأَعَادَهَا

ص: 217

ثمَّ بعث الْمُقْتَدِي سنة سبعين وَأَرْبَعمِائَة منبراً إِلَى مَكَّة استجيد خشبه وَنقش عَلَيْهِ بِالذَّهَب اسْمه وَبعث على الْحَاج ختلغ التركي وَهُوَ أول تركي تَأمر على الْحَج وَكَانَ والياً على الْكُوفَة وقهر الْعَرَب من بني خفاجة فَبَعثه المقتدى أَمِيرا على الْحَاج فَوَقَعت الْفِتْنَة بَين الْعَسْكَر الْعِرَاقِيّ والمصري فَكسر الْمِنْبَر وأحرق ثمَّ عاود الْفِتْنَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَقطعت الْخطْبَة عَن الْمُسْتَنْصر العبيدي وأعيدت للمقتدي العباسي واتصلت إِمَارَة ختلغ على الْحَاج وَبعده خمارتكين إِلَى أَن مَاتَ السُّلْطَان ملك شاه ووزيره نظام الْملك فَانْقَطَعت الْخطْبَة للعباسيين وَبَطل الْحَاج من الْعرَاق لاخْتِلَاف مُلُوك السلجوقية وتغلب الْعَرَب وَمَات الْمُقْتَدِي العباسي خَليفَة بَغْدَاد وبويع ابْنه المستظهر وَمَات الْمُسْتَنْصر العبيدي خَليفَة مصر وبويع ابْنه المستعلي وخطب لَهُ بِمَكَّة وَاسْتمرّ هَذَا مُحَمَّد بن جَعْفَر مُتَوَلِّيًا على مَكَّة إِلَى أَن مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ أول من أعَاد الْخطْبَة العباسية بِمَكَّة بعد أَن قطعت نَحْو مائتى سنة بِسَبَب اسْتِيلَاء العبيديين على مصر والحرمين وَذكر ابْن خلدون أَن مُدَّة إمارته على مَكَّة ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة أَلا أَنه خرج مِنْهَا هَارِبا من التركمان الَّذين استولوا عَلَيْهَا سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن الْأَثِير قَالَ الْعَلامَة الفاسي وَهُوَ أول من أعَاد الْخطْبَة العباسية ونال بِسَبَب ذَلِك مَالا عَظِيما من السُّلْطَان ألب أرسلان السلجوقي فَإِنَّهُ خطب لَهُ بعد الْقَائِم العباسي ثمَّ كَانَ يخْطب لِابْنِ ابْنه عبد الله الملقب الْمُقْتَدِي العباسي حينا وحيناً للمستنصر العبيدي صَاحب مصر يقدم فِي ذَلِك من تكون صلته أعظم وَلَعَلَّ ذَلِك بِسَبَب إرْسَال التركمان إِلَيْهِ ثمَّ ولى بعده ابْنه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن أبي هَاشم فَكثر اضطرابه ومهد بَنو زيد أَصْحَاب الْحلَّة طَرِيق الْحَاج من الْعرَاق فاتصل حجهم وَحج سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة نظر الْخَادِم من قبل المسترشد العباسي بركب الْعرَاق وأوصل الْخلْع وَالْأَمْوَال إِلَى مَكَّة وَأمن الِاضْطِرَاب الَّذِي وَقع فِي ولَايَته اسْتِيلَاء أصبهبذ بن سارتكين على مَكَّة فِي أَوَاخِر سنة سبع وَثَمَانِينَ فهرب مِنْهَا قَاسم بن مُحَمَّد الْمَذْكُور وَأقَام أصبهبذ بهَا إِلَى شَوَّال فَجمع قَاسم عسكراً وكبسوا

ص: 218

أصبهبذ فَانْهَزَمَ إِلَى الشَّام وَدخل قَاسم مَكَّة ودامت ولَايَته عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة وَمن شعر قَاسم يصف قومه قَوْله // (من الْكَامِل) //

(قَوْمِى إِذَا خَاضُوا العَجَاجَ حَسِبْتَهمْ

لَيْلاً وخِلْتَ وُجُوهَهُمْ أَقْمَارَا)

(لَا يَبْخَلُونَ بِزَادِهم عَنْ جَارِهِمْ

عَدَلَ الزَّمَانُ عَلَيْهِمُ أَوْ جَارَا)

(وإِذَا الصَّرِيخُ دَعَاهُمُ لِمُلِمَّةٍ

بَذَلُوا النُّفُوسَ وفَارقُوا الأَعْمَارَا)

(وإِذَا زِنَادُ الَحْربِ أَذْكَتْ نَارَهَا

قَدَحُوا بِأَطْرَافِ الأَسِنَّةِ نَارَا)

وَكَانَت مدَّته ثَلَاثِينَ سنة قَالَ ابْن خلدون ثمَّ ولى بعده ابْنه فليتة وَقيل أَبُو فليتة فَافْتتحَ بِالْخطْبَةِ العباسية وَحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ بِالْعَدْلِ وَوصل نظر الْخَادِم أَمِيرا إِلَى مَكَّة على الْحَاج وَمَعَهُ الْأَمْوَال وَالْخلْع ثمَّ اسْتمرّ فليتة إِلَى أَن مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَكَانَت مدَّته عشر سِنِين ثمَّ ولى بعده ابْنه هَاشم بن فليتة وَاسْتمرّ مُتَوَلِّيًا إِلَى أَن مَاتَ سنة تسع وَأَرْبَعين وَقيل إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ اثْنَان مُدَّة ولَايَته ثمَّ تولى بعده ابْنه قَاسم بن هَاشم بن فليتة وَالْخطْبَة للعباسيين وإمارة حَاج الْعرَاق لنظر الْخَادِم ثمَّ كَانَت فتْنَة المسترشد العباسي مَعَ السُّلْطَان مَسْعُود السلجوقي ومقتل المسترشد وتعطل ركب الْعرَاق ثمَّ حج نظر فِي السّنة بعْدهَا ثمَّ انْقَطع الركب الْعِرَاقِيّ للفتن والغلاء ثمَّ حج سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة نظر الْخَادِم وَمَات فِي طَرِيقه فولى مَكَانَهُ قيماز وَاعْتَرضهُ رعب من الْأَعْرَاب فنهب الركب واتصل حج قيماز ثمَّ صنع المقتفي الْخَلِيفَة العباسي بَابا للبيت مصفحاً أوصله نظر الْخَادِم إِلَى مَكَّة سنة ثِنْتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة وبويع المستنجد الْخَلِيفَة العباسي فَخَطب لَهُ قَاسم بن هَاشم الْأَمِير الْمَذْكُور كَمَا كَانَ يخْطب لِأَبِيهِ المقتفي ثمَّ قتل قَاسم سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة وبويع المستنجد قتلته الحشيشية يُقَال كَانَ ذَلِك بِإِشَارَة صَاحب مصر هُوَ يَوْمئِذٍ العاضد العبيدي والمتغلب عَلَيْهِ

ص: 219

ثمَّ ولى بعده عَمه عِيسَى بن فليتة وَحج الْعرَاق مُتَّصِل وَتُوفِّي المستنجد الْخَلِيفَة العباسي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَبعث المتسضىء بن المستنجد بركب الْعرَاق طاشتكين التركي وَانْقَضَت دولة العبيديين ووليها صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَاسْتولى على مَكَّة واليمن وخطب لَهُ بالحرمين ثمَّ مَاتَ المستضيء العباسي سنة خمس وَسبعين وبويع ابْنه النَّاصِر العباسي وخطب لَهُ بالحرمين ودامت ولَايَة عِيسَى بن فليتة على مَكَّة نصف يَوْم لِأَنَّهُ دخل مَكَّة فِي يَوْم عَاشُورَاء سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَجرى بَينه وَبَين عَسْكَر أَخِيه عِيسَى فتْنَة إِلَى الزَّوَال ثمَّ خرج ثمَّ أصلحا بعد ذَلِك ثمَّ ولى بعده ابْنه دَاوُد بن عِيسَى وَاسْتمرّ إِلَى اللَّيْلَة النّصْف من رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين فعزل وَسبب عَزله أَن أم النَّاصِر الْخَلِيفَة العباسى حجت فِي زَمَنه ثمَّ أنهت إِلَى ابْنهَا النَّاصِر عَن دَاوُد مَا اطَّلَعت عَلَيْهِ من أَحْوَاله فَعَزله لذَلِك ثمَّ ولى أَخُوهُ مكثر بن عِيسَى وَاسْتمرّ إِلَى موسم هَذِه السّنة ثمَّ عزل وَجرى بَينه وَبَين أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ طاشتكين حَرْب شَدِيد فِي ذَلِك الْمَوْسِم كَانَ الظفر فِيهِ لطاشتكين وَذَلِكَ أَنه وصل الْخَبَر إِلَى مكثر أَن صُحْبَة الْحَاج الْعِرَاقِيّ عسكراً كثيرا وسلاحاً وعدداً وَأَن مَعَهم الْأَمِير قَاسم بن مهنا فَجمع مكثر الشرفاء وَالْعرب وَلم يحجّ من أهل مَكَّة أَلا الْقَلِيل وَلم يوف أَكثر الْحَاج الْمَنَاسِك وَلم يبيتوا بِمُزْدَلِفَة وَلم ينزلُوا بمنى وَلم يرموا وَإِنَّمَا رمى بَعضهم وَهُوَ سَائِر وَنزل الْحَاج يَوْم النَّحْر الأبطح فَخرج إِلَيْهِم نَاس من أهل مَكَّة فحاربوهم فِي بَقِيَّة يَوْم النَّحْر وَالْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث فَاشْتَدَّ الْقِتَال على أهل مَكَّة وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة ثمَّ هاجموا مَكَّة على مكثر فَصَعدَ إِلَى الْحصن الَّذِي بناه بأبى قبيس فَصَعِدُوا وَرَاءه فَتَركه وَسَار عَن مَكَّة فَدَخَلُوهَا وَأمر أَمِير الْحَاج بهدم الْحصن وَنهب غَالب بيُوت مَكَّة وأحرق دوراً كَثِيرَة وَمن عَجِيب مَا جرى أَن إنْسَانا زراقاً ضرب دَارا بقارورة نفط فأحرقها وَكَانَت لأيتام فَاحْتَرَقَ مَا فِيهَا ثمَّ أَخذ قَارُورَة أُخْرَى ليضْرب بهَا مَكَانا اَخر فَأَتَاهُ حجر فَأصَاب القارورة فَكَسرهَا فَاحْتَرَقَ هُوَ بهَا وَبَقِي ثَلَاثَة أَيَّام يعذب بالحريق ثمَّ مَاتَ

ص: 220

وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة الْمَذْكُورَة وتسلمت مَكَّة إِلَى الْأَمِير قَاسم بن مهنا الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة وَكَانَ وصل صُحْبَة الْحَاج الْعِرَاقِيّ كَمَا سبق خَبره إِلَى مكثر لِأَنَّهُ سَافر إِلَى الْعرَاق فوليها الْأَمِير قَاسم بن مهنا الْمَذْكُور بعد انهزام مكثر فَأَقَامَ مُتَوَلِّيًا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رأى من نَفسه الْعَجز عَن الْقيام بإمرة مَكَّة فاستعفى فَأَعَادَ الْأَمِير طاشتكين أَمِير الْحَاج الْمَذْكُور دَاوُد بن عِيسَى إِلَى إِمَارَة مَكَّة وَشرط عَلَيْهِ شُرُوطًا فِي ترك المكوس وَالْعدْل بَين الرعايا وَلم تعلم ولَايَة دَاوُد هَذِه إِلَى مَتى استمرت غير أَنه يتداول هُوَ وَأَخُوهُ مكثر إمرة مَكَّة ثمَّ انْفَرد بهَا مكثر عشر سنوات مُتَوَالِيَات آخرهَا سنة 597 سبع بِتَقْدِيم السِّين وَتِسْعين بِتَقْدِيم التَّاء وَخَمْسمِائة غير أَن فِي ولَايَته أَو فِي ولَايَة أَخِيه دَاوُد على الشَّك كَانَ مِمَّن ولي مَكَّة سيف الْإِسْلَام طغتكين بن أَيُّوب أَخُو السُّلْطَان صَلَاح الدّين بن يُوسُف بن أَيُّوب وَذَلِكَ سنة 581 إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة لِأَنَّهُ قدم مَكَّة فِي هَذِه السّنة وَمنع الْأَذَان بحي على خير الْعَمَل وَقتل جمَاعَة من العبيديين المفسدين وَضرب السِّكَّة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير باسم أَخِيه السُّلْطَان صَلَاح الدّين بن يُوسُف بن أَيُّوب وفر مِنْهُ أَمِير مَكَّة مكثر أَو أَخُوهُ دَاوُد على الشَّك قلت ذكر الْعَلامَة ابْن جُبَير فِي رحلته أَنه رأى سيف الْإِسْلَام طغتكين الْمَذْكُور دَاخِلا إِلَى الْحرم الشريف قَالَ وشاهدته وَعَن يَمِينه مكثر وَعَن يسَاره قَاضِي الشَّرْع الشريف وَرَأَيْت مكثراً لابساً ثوبا أَبيض وعمامة من صوف أَبيض فَطَافَ بِالْبَيْتِ والريس يَدْعُو لَهُ إِذا أقبل من الرُّكْن الْيَمَانِيّ حَتَّى يُجَاوز مصلى جِبْرِيل موليا ثمَّ يسكت ثمَّ يَدْعُو إِذا أقبل من الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَهَكَذَا فِي كل شوط فَلَمَّا فرغ من صلَاته فرش لَهُ خلف مقَام الْخَلِيل شقة من كتَّان فصلى عَلَيْهَا سنة الطّواف فاتضح بِمَا ذكره ابْن جُبَير أَن الفار هُوَ دَاوُد لَا مكثر فَانْتفى الشَّك الَّذِي ذكره ابْن جَار فِي تَارِيخه وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة أسقط السُّلْطَان صَلَاح الدّين المكس عَن الْحجَّاج إِلَى مَكَّة فِي الْبَحْر على طَرِيق عيذاب لِأَنَّهُ كَانَ الرَّسْم بِمَكَّة أَن يُؤْخَذ من حجاج الْمغرب على عدد الرُّءُوس مَا ينْسب إِلَى الضرائب والمكوس وَمن دخل مِنْهُم وَلم يفعل بِهِ ذَلِك حبس حَتَّى يفوتهُ الْوُقُوف بِعَرَفَة وَلَو كَانَ فَقِيرا لَا يملك

ص: 221