الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى هَذَا الأوان وَهُوَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَذَلِكَ مِائَتَا سنة وثماني سِنِين كَمَا تقدم ذكر ذَلِك قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَقد ألفت فِي ذَلِك كتابا سميته النَّصْر على مصر فَهَذَا هُوَ سَبَب اسْتِيلَاء الدولة الأيوبية على مصر وَالشَّام وأعمالهما وَكَانَت وَفَاة نور الدّين الشَّهِيد فِي شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فأولهم الْملك النَّاصِر
(السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب)
ابْن شاذي الْكرْدِي الروادي وهم خِيَار الأكراد الدويني وَمِنْهُم من يَقُول أَيُّوب بن شاذي بن مَرْوَان وَزَاد بَعضهم بعد مَرْوَان ابْن يَعْقُوب وَالَّذِي عَلَيْهِ جمهورهم أَنه لَا يعرف بعد شاذي أحد من نسبهم وَأغْرب بَعضهم فَزعم أَنهم من سلالة مَرْوَان بن مُحَمَّد الْجَعْدِي آخر خلفاء بني أُميَّة وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح كَذَا قَالَه ابْن السُّبْكِيّ قلت وَالَّذِي انتسب هَذِه النِّسْبَة ادِّعَاء هُوَ الْملك أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن طغتكين ابْن أَيُّوب بن شاذي وَيعرف بِابْن سيف الْإِسْلَام لِأَن سيف الْإِسْلَام لقب
ل طغتكين بن أَيُّوب أخي صَلَاح الدّين وَقد ملك إِسْمَاعِيل هَذَا بعد أَبِيه فتعاظم فِي نَفسه وادعي الْخلَافَة وتلقب بِالْإِمَامِ الْهَادِي بِنور الله الْمعز لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ وَزعم أَنه أموي ومدحه الشُّعَرَاء وأطروه ولهجوا بذلك وَقَالَ هُوَ فِي نَفسه من الطَّوِيل
(وَإنِّي أَنَا الهَادِي الْخَلِيفَةُ والذِي
…
أَدُوسُ رِقَابَ الغلبِ بالضُّمَّرِ الجُرْدِ)
(وَلَا بُدَّ مِنْ بَغْدَادَ أَطْوِي رُبُوعَهَا
…
وأَنْشُرُهَا نَشر السِّمَاسِرِ للبردِ)
(وأَنْصِبُ أَعْلَامِي عَلَى شُرُفَاتِهَا
…
وأُحْيِي بِهَا مَا كَانَ أَسَّسَهُ جَدِّي)
(ويخطبُ لي فِيهَا على كلِّ منبرٍ
…
وأظِهْرُ دِينَ اللَّهِ فِي الغَورِ والنَّجْدِ)
وَهَذَا الادعاء لَيْسَ بِصَحِيح وَلَا أصل لَهُ فيعتمد عَلَيْهِ وَلَا مُسْتَند يسْتَند إِلَيْهِ وَكَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين رحمه الله متقشفاً فِي ملبسه ومأكله وملبسه لَا يلبس إِلَّا الْكَتَّان والقطن وَالصُّوف وَلَا يعرف أَنه تخطى مَكْرُوها بعد أَن أنعم الله عَلَيْهِ بِالْملكِ بل كَانَ همه الْأَكْبَر ومقصوده الْأَعْظَم نصْرَة الْإِسْلَام وَكسر الْأَعْدَاء اللئام وَيعْمل فكره فِي ذَلِك ورأيه وَحده وَمَعَ من يَثِق بِرَأْيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا هَذَا مَعَ مَا لَدَيْهِ من الْفَضَائِل والفواضل والفوائد والفرائد فِي اللُّغَة وَالْأَدب وَأَيَّام النَّاس حَتَّى قيل إِنَّه كَانَ يحفظ الحماسة بِتَمَامِهَا وَكَانَ مواظباً على الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا فِي جمَاعَة يُقَال لم تفته الْجَمَاعَة فِي صَلَاة قبل مماته بدهر طَوِيل حَتَّى فِي مرض مَوته وَكَانَ يتجشم الْقيام مَعَ ضعفه وَكَانَ يفهم مَا يُقَال بَين يَدَيْهِ من الْبَحْث والمناظرة ويشارك فِي ذَلِك مُشَاركَة حَسَنَة وَإِن لم يكن بالعبارة المصطلح عَلَيْهَا وَكَانَ يحفظ ويحفظ أَوْلَاده عقيدة جمعهَا لَهُ القطب النَّيْسَابُورِي وَكَانَ يحب سَماع الْقُرْآن الْعَظِيم ويواظب على سَماع الحَدِيث حَتَّى إِنَّه سمع فِي بعض المصافات جُزءاً وَهُوَ بَين الصفين وتبجح بذلك وَقَالَ هَذَا موقف لم يسمع فِيهِ أحد حَدِيثا وَكَانَ رَقِيق الْقلب سريع الدمعة عِنْد سَماع الْقُرْآن والْحَدِيث كثير التَّعْظِيم لشعائر الدّين وَكَانَ من خِيَار الْمُلُوك وأشجعهم وَأكْرمهمْ وَأَحْسَنهمْ فتح الفتوحات الَّتِي لَا تحصى
من ممالك الْكفْر وَدَمرَ دِيَارهمْ واستلب أعمارهم وسبى نِسَاءَهُمْ وصغارهم وَكَانَ شَيخا كَرِيمًا حَلِيمًا ضحوك الْوَجْه كثير البِشر أحسن الْمُلُوك سيرة وأطهرهم سريرة يشبه بِالْملكِ الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد وَلم يتْرك فِي خزائنه سوى سِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما وَقَالَ غير ابْن السُّبْكِيّ سَبْعَة وَأَرْبَعين درهما وَلم يتْرك عقارا وَلَا مزرعة وَلَا شَيْئا من أَنْوَاع الْأَمْلَاك لِكَثْرَة عطاياه وهباته وصدقاته وخيراته إِلَى أمرائه وفقرائه حَتَّى إِلَى أعدائه وَخلف من الْأَوْلَاد سَبْعَة عشر ذكرا وَابْنَة وَاحِدَة أكبرهم الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ وَكَانَ قد قسم الْبِلَاد فِي حَيَاته بَين أَوْلَاده فالديار المصرية لوَلَده الْعَزِيز عُثْمَان وبلاد دمشق وَمَا حولهَا لوَلَده الْأَفْضَل الْمَذْكُور والديار الحلبية لوَلَده الظَّاهِر غَازِي والكرك والشوبك لِأَخِيهِ الْعَادِل أبي بكر ثمَّ شرعت الْأُمُور تضطرب وتختلف حَتَّى آل الْأَمر واستقرت الممالك وَاجْتمعت المحافل على أخي السُّلْطَان الْملك الْعَادِل وَصَارَت المملكة فِي أَوْلَاده الأماجد الأفاضل كَمَا ستراهم حِين تعدادهم وَاحِدًا بعد وَاحِد وَكَانَ سَبَب وَفَاته أَن اعترته حمى صفراوية لَيْلَة السبت سادس عشر صفر وتفاقم بِهِ الْحَال لَيْلَة الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَدخل عَلَيْهِ القَاضِي الْفَاضِل فِي الصُّبْح وَهُوَ باَخر رَمق فَلَمَّا قَرَأَ الْقَارئ قَوْله تَعَالَى {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت} التَّوْبَة: 129 تَبَسم وتهلل وَجهه وَسلمهَا إِلَى ربه عز وجل وَله من الْعُمر سبع وَخَمْسُونَ سنة وَدفن بتربته عِنْد مدرسة أَنْشَأَهَا ب الْموصل وألحده وَلَده نور الدّين عَلِي الْأَفْضَل وَدفن مَعَه سَيْفه الَّذِي كَانَ يحضر بِهِ الْجِهَاد والجلاد وَذَلِكَ بِإِشَارَة القَاضِي الْفَاضِل وَقد عمل فِيهِ الشُّعَرَاء المراثي الْكَثِيرَة فَمن أحْسنهَا قصيدة الْعِمَاد الْكَاتِب وَهِي