الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقسيم السابع للفعل: من حيث كونُه مؤكَّدًا أو غيرَ مؤكَّدٍ:
ينقسم الفعل إلى مؤكَّدٍ، وغير مؤكَّدٍ.
فالمؤكَّد: ما لحقته نون التوكيد. ثقيلة كانت أو خفيفة، نحو:{لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: 32]
وغير المؤكد: ما لم تلحقه، نحو يُسْجَنُ، ويكون.
فالماضى لا يؤكَّد مطلقًا، وأما قوله:
دامَنَّ سَعْدُكِ لو رحمْتِ مُتَيَّمًا
…
لولاكِ لم يكُ للصَّبابة جانِحا
فضرورةٌ شاذة، سهَّلها ما فى الفعل من معنى الطلَب، فعومل معاملة الأمر، كما شذ توكيد الاسم فى قول رُؤبة بن العجَّاج:
أقائِلُنَّ أحْضِروا الشُّهُودا
والأمر يجوز توكيده مطلقًا، نحو: اكْتُبْنَّ واجْتَهِدَنْ.
وأما المضارع فله ست حالات:
الأولى: أن يكون توكيده واجبًا. الثانية: أن يكون قريبًا من الواجب. الثالثة: أن يكون كثيرًا. الرابعة: أن يكون قليلاً. الخامسة: أن يكون أقلّ. السادسة: أن يكون ممتنعًا.
1 فيجب تأكيده إذا كان مُثبتًا، مستقبلاً، فى جواب قسم، غير مفصول عن لامه بفاصل، نحو:{وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] . وحينئذٍ يجب توكيده باللام والنون عند البصريين، وخُلُوُّه من أحدهما شاذٌ أو ضرورةٌ.
2 ويكون قريبًا من الواجب إذا شرطًا لإنِ المؤكَّدة بما الزائدة، نحو:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58]{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} [الزخرف: 41]
{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] .
ومِن تَرْك توكيده قوله:
يا صَاحِ إمَّا تَجدْني غَيرَ ذى جِدَةٍ
…
فمَا التَّخَلّي عَنِ الخُلَّانِ مِنْ شِيَمِي
وهو قليل فى النثر، وقيل يختص بالضرورة.
3 ويكون كثيرًا إذا وقع بعد أداة طلب: أمْرٍ، أَوْ نَهْي، أَوْ دُعاءٍ، أو عَرْضٍ، أو تمنٍّ، أو استفهام، نحو: لَيقومن زيد، وقوله تعالى:{وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42] وقول خِرْنِق هَفَّان:
لا يَبْعَدَنْ1 قومى الَّذينَ هُمُ
…
سَمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزُر
وقول الشاعر:
هلَّا تُمنَّنْ بوَعْدٍ غيْرَ مُخْلِفَةٍ
…
كما عهِدْتُكِ فى أيَّامِ ذِى سَلَمِ
وقوله:
فَلَيْتَكِ يَوْمَ المُلْتَقَى تَرَيَّنني
…
لِكَيْ تَعْلَمِي أَنِّي امْرُؤٌ بِكِ هائِمُ
وقوله:
أفبَعْدَ كِنْدَةَ تَمْدَحَنَّ قَبِيلًا
4 ويكون قليلا إذا كان بَعْدَ: لا: النافية، أو ما الفائدة، التى لم تُسْبَق بإنِ الشرطية كقوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] وإنما أكَّدَ مع النافى: لأنه يشبهُ أداة النهى صورةً، وقوله:
إذا ماتَ مِنْهُم سَيِّدٌ سَرَقَ ابنُهُ
…
وَمَنْ عِضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شكيرُها2
1 قولها لا يبعدن: بابه فرح، أي لا يهلكن. والعداة بضم العين: جمع عاد. والجزر بضمتين: جمع جزور وهي الناقة ينحرها اللاعبون بالميسر ويتقاسمونها ويتقامرون عليها.
2 مثل يضرب للفرع يشبه أصله: أي إذا مات الأب سرق الولد أبيه، فيصير كأنه هو، وقيل: يضرب بمن يظهر خلاف ما يبطن، والعضة: شجر الشوك كالطلح والعوسج. وشكيرها: شوكها، أو ما ينبت حول الشجرة من أصلها، وقيل: صغار ورقها: أي أن ما ظهر من الصغار يدل على الكبار.
وكقول حاتم:
قليلاً به ما يَحْمَدَنَّك وارثٌ
…
إَذا نالَ مما كنتَ تَجْمَعُ مَغْنَما
وما زائدة في الجمع، وشَمَل الواقعة بعد رُبّ كقول جَذِيمةَ الأبرش:
رُبَّما أوْفَيتُ في عَلَمٍ
…
تدفَعْنَ ثَوْبي شمالاتُ
وبعضهم منعها بعدها، لمضيِّ الفعل بعد رُبَّ معنًى، وخصَّه بعضُهُم بالضرورة.
5 ويكون قليلًا إذا كان بعد لَم وبعد أداة جزاء غير إمَّا، شرطاً كان المؤكَّد أو جزاء، كقوله وصف جَبَل:
يَحْسَبُهُ الجَاهلُ ما لَم يَعْلَما
…
شيخاً عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّما1
أى يعلمنْ، وكقوله:
مَنْ تَثْقَفَنْ منهم فليْسَ بآنبٍ
…
أبدا وقَتْلُ بنى قُتَيْبَةَ شَافى
وقوله: وَمَهْمَا تشأْ منه فزارةُ تمْنَعَا2: أى: تمنعَنْ.
6 ويكون ممتنعًا إذا انتفتْ شروطُ الواجب، ولم يكن مما سبق، بأن كان فى جواب قسم منفىّ، ولو كان النافى مقدرًا، نحو تالله لا يذهبُ العُرْف بين الله والناس، ونحو قوله تعالى:{تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أى: لا تفتأ. أو كان حالاً كقراءة ابن كثير: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة: 1] وقول الشاعر:
يمينًا لأُبغِضُ كلَّ امرِئٍ
…
يزخرفُ قولًا ولا يفْعَلُ
1 البيت: لأبي حيّان الفسي.
2 عجز بيت للكميت بن معروف. وصدره:
فمهما تشأ منه فزارة تعطكم
3 قراءة ابن كثير برواية البزّي. ن
أو كان مفصولا من اللام، نحو:{وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: 158] ونحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] .
حُكْمُ آخِرِ: الفعل المؤكَّد بنون التوكيد
1 إذا لحقت النون الفعل، فإن كان مسندًا إلى اسم ظاهر، أو إلى ضمير الواحد المذكر، فُتِحَ آخره لمباشرة النون له، ولم يحذف منه شيء، سواء كان صحيحًا أو معتلاً، نحو: لَيَنْصُرَنَّ1 زيد، وَلَيَقضِيَنَّ، وَلَيَغْزُوَنَّ، وَلَيَسْعَيَنَّ، بردِّ لام الفعل إلى أصلها.
2وإن كان مسندًا إلى ضمير الاثنين، لم يُحْذَف أيضًا من الفعل شيء، وحُذِفت نون الرفع فقط، لتوالى الأمثال، وكُسِرت نون التوكيد، تشبيهًا لها بنون الرفع، نحو: لَتَنْصُرنِّ يا زيدان، ولَتَقضِيانِّ، ولَتغزُوانِّ، ولَتَسْعيانِّ.
3 وإن كان مسندًا إلى واو الجمع، فإذا كان صحيحًا حذفت نون الرفع لتوالى الأمثال، وواو الجمع، لالتقاء الساكنين، نحو: لتنْصُرُنَّ2 يا قوم، وإن كان ناقصًا وكانت عين الفعل مضمومة أو مكسورة، حذفت أيضًا لام الفعل زيادة على ما تقدم، نحو: لَتَغْزُنّ وَلَتَقْضُنَّ يا قوم، بضم ما قبل النون فى الأمثلة الثلاثة، للدلالة على المحذوف، فإن كانت العين مفتوحة حُذفت لام الفعل فقط، وبقى فتح ما قبلها، وحرِّكت واو الجمع بالضمة، نحو: لتَخْشَوُنَّ وَلَتَسْعَوُنَّ.
وسيأتى الكلام على ذلك فى الحذف لالتقاء الساكنين، إن شاء الله تعالى.
4 وإن كان مسندًا إلى ياء المخاطبة، حذفت الياء والنون، نحو لتَنْصُرِنّ يا دَعدُ، ولتَغْزِنّ ولتَرْمِنّ، بكسر ما قبل النون، إلا إذا كان الفعل ناقصًا وكانت عينه مفتوحة، فتبقى ياء المخاطبة محركة بالكسر، مع فتح ما قبلها نحو: لتَسْعَينَّ ولتَخْشَينَّ يا دَعدُ.
1 ومنه قوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ} [الحج: 40] .ن
2 نحو قوله تعالى: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81] .ن
5 وإن كان مسندًا إلى نون الإناث، زيدت ألف بينها وبين نون التوكيد وكسرت نون التوكيد، لوقوعها بعد الألف، نحو: لتَنصُرْنانِّ يا نسوة ولتَسْعَيْنَان، ولتَعْزُونَانِّ، ولتَرْمِينَانِّ1.
والأمر مثل المضارع فى جميع ذلك، نحو: اضربَنّ يا زيد، واغزُوَن وارْمِيَنَّ واسْعَيَنَّ. ونحو: اضربان يا زيدانِ وارمِيانِّ واسعيانِّ. ونحو: اضرُبَنّ يا زيدون واغزُنّ واقضُنّ، ونحو: اخْشَوُنّ واسْعَوُنّ..إلخ.
وتختص النون الخفيفة بأحكام أربعة:
الأول: أنها لا تقع بعد الألف الفارقة بينها وبين نون الإناث، لالتقاء الساكنين على غير حدَّه، فلا تقول اخشَيْنانْ.
الثانى: أنها لا تقع بعد ألف الاثنين، فلا تقول: لا تضْرِبانْ يا زيدان، لما تقدم.
ونقل الفارسىّ عن يونس إجازته فيهما، ونظر له بقراءة نافع:{وَمَحْيَاي} [162] بسكون الياء بعد الألف.
الثالث: أنها تُحذف إذا وليها ساكن، كقول الأضبط بن قُرْبع السَّعْدِي:
فَصِلْ حِبالَ البَعيدِ إِنْ وَصَلَ
…
الحَبْلَ واقصِ القَريبَ إِنْ قَطَعَهْ
ولا تهينَ الفقيرَ عَلَّكَ أَنْ
…
تَرْكَعَ يَوْمًا والدَّهْرُ قد رفَعَهْ
أى: لا تهينَنَّ.
الرابع: أنها تُعْطَى فى الوقت حكم التنوين، فإِن وقعت بعد فتحة قلبت ألفًا، نحو لنسْفعًا، وليكُونا، ونحو:
وإِيّاكَ والمَيْتاتِ لا تَقْرَبَنَّهَا
…
ولا تعبُدِ الشَّيْطانَ واللهَ فاعْبُدا2
1 من ذلك ما قاله أبو مهدية الأعرابي: أخسأنا يدعني. قال الأصمعي: أظنه يعني الشياطين. "انظر في لسان العرب. خسأ".
2 البيت للأعشى الأكبر ميمون بن قيس، وهو أعشى بني قيس ابن ثعلبة من بكر ابن وائل.