الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
اللَّهم إنا نحمدُك يا مصرِّف القلوب على مَزيد نعمتك، ومترادِف جُودك وكرمك، غَمَرْتَنَا بإِحسانكَ، الذى مَصدرهُ مجرَّدُ فضلِك، وشملتنا بُمضاعَفِ نعمِك وطَوْلِك؛ فسبحانَك تعالتْ صفاتُك عن الشبيهِ والمثالِ، وتنزهت أفعالُك عن النقصِ والاعلالِ؛ لا رادَّ لماضى أمرِك، ولا وصُولَ لقدْرِك حقَّ قدرك، ونستمطرك غيثَ صلواتك الهامِية، وتسليماتك الباهرة الباهية، على نبيك إنسان عين الوجود، المشتقّ من ساطع نوره كلُّ موجود1، محمد المصطفى من خير العالمين نسبًا، وأرفعِهم قَدْرًا، وأشرفِهم حسبًا، الذى صغَّر بصحيح عزمه جيشَ الجهالة، ومزّق بسالم حَزْمه شمْلَ الضلالةِ، وعلى آله مَظاهرِ الحِكَم، وصَحْبهِ مَصَادِرِ الهِممِ، الذين مَهّدوا بلفيف جمعهم المقرون بالسّداد سبيلَ الهُدى ومعالمَ الرَّشاد.
وبعدُ: فما انتظم عِقدُ علمٍ إلَّا والصَّرْفُ واسطتُهُ، ولا ارتفع مَنارُه، إلا وهو قاعدته، إذ هو إحدى دعائم الأدب، وبه تُعرف سِعَةُ كلامِ العرب، وتنجلى فرائدُ مفرداتِ الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وهما الواسطة فى الوصول إلى السعادة الدينية والدنيوية، وكان ممن تطلع لرشفِ أفاويقه، وتلطب جمع تفاريقه، طلبة مدرسةِ دار العلوم، فإنهم أحدقوا بى من كل جانب، وكان المطلاب فيهم أكثر من الطالب، فما وسَعني إلا أن أحفظ العلم ببذله، وألا أضنَّ به على أهله، فسرَّحت نواظر البحث فى فِجاجِ الكواغد، وبعثتها فى طلب الشوارد، فاقتفتِ الأثرَ، حتى أتت بالمبتدأ والخبر، ثم جعلتُ أميِّز الصحيح من العليل. وأُودِع ما أقتطفه من ثمار الكثير من السهل القليل، فجاء بحمد الله كتابًا تروق معانِيه، وتطيب مَجانيه، عباراتهُ شافيةٌ، وشواهدُه كافيةٌ،
1) هذه العبارة مخالفة للشرع ولكل جواد كبوة بل كبوات والأفضل أن نقول عبارةً غيرها رحم الله المؤلف وغفر له. آمين. ن
فأنعم نظرك فيه، وقل:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ} [الجمعة:4] وإن رأيت هفوة فقل: طغى القلم، فإنِّ ذلك من دواعى الكرم، وحاشاك أن تكون ممن قيل فيهم:
فإِنْ رَأَوْا هَفْوة طارُوا بها فرحًا
مني وما عملوا من صالح دَفَنُوا1
وقد سميته:
شذا العرف، فى فن الصرف
واللهَ أسأل أن يُلبسه ثوبَ القَبول، وأن ينفع به، إنه أكرم مسئول.
وقد جعلته مرتبًا على مقدمة وثلاثة أبواب: فالمقدمة فيما لا بد منه فيه. والباب الأول: فى الفعل. والثانى: فى الاسم. والثالث: في أحكام تعمهما.
1 البيت لقعنب بن ضمرة.
الصَّرفُ، ويُقال له التصريفُ، وَهُوَ لُغَةً: التَّغْييْرُ، وَمِنْهُ تَصريفُ الرِّياح، أى تَغييرُها. واصطلاحًا بالمعنى العَمَلي: تحويلُ الأَصلِ الواحدِ إلى أمثلةٍ مختلفةٍ، لمعانٍ مقصودةٍ، لا تحصُل إلا بها، كاسمَي الفاعِلِ والمفعولِ، واسمِ التَّفضيلِ، والتَثنية والجَمعِ، إلى غير ذلك. وبالمعنى العِلْمي: عِلمٌ بأصولٍ يُعرفُ بها أحوالُ أبنيةِ الكلمةِ، التى ليست بإعرابٍ ولا بناءٍ.
وموضوعُه: الألفاظُ العربيةُ من حيثُ تلك الأحوالِ، كالصحَّةِ والإعلالِ، والأصالةِ والزِّيادَةِ، وَنَحوِها.
ويختصُّ بالأسماءِ المُتَمَكِّنَةِ، والأفعالِ المتصرِّفةِ؛ وما وَرَدَ من تَثنِيَةِ بَعضِ الأسماءِ الموصولةِ وأسماءِ الإشارةِ، وَجمعِها وتَصغيرِها، فصُوريٌ لا حقيقيٌ.
وواضعُه: مُعاذ بن مُسْلِم الهَرَّاء1، بتشديد الراء، وقيلَ سَيِّدُنا عليٌ كرَّم الله وَجهَه.
وَمسائِلُه: قضاياهُ التى تُذكر فيه صريحا أو ضِمْنًا، نحو: كلُّ واو أو ياء تحرَّكت وانفتح ما قبلها قُلِبَت ألِفًا، ونحو إذا اجتَمَعَتِ الواوُ والياءُ وسُبقت إحداهُما بالسكون، قُلِبَت الواوُ ياء، وأدغِمَت فى الياءِ، وَهكذا.
وَثَمَرَتَهُ: صَونُ اللّسانِ عن الخطأِ فى المفرداتِ، ومراعاةُ قانون اللُّغَةِ في المكتابَةِ.
وَاستِمدادُه: من كلامِ الله تعالى، وكلامِ رَسولِهِ صلى الله عليه وسلم، وكلامِ العربِ.
وَحُكمُ الشّاعرِ فيه: الوجوبُ الكِفائي2.
والأبنيةُ جمعُ بناءٍ، وهى هَيئَةُ الكلمةِ الملحوظةِ، من حَرَكَةٍ وَسُكونٍ، وعددِ
1 اسمه الهرّا: بألف مقصورة بدون همزة نسبة إلى هراة. ن
2 الوجوب الكفائي: هو الذي إذا عمله البعض سقط عن الباقين. ن
حُروفٍ، وترتيبٍ. والكلمةُ: لفظٌ مفردٌ، وضعه الواضعُ ليدُلَّ على معنىً، بحيثُ متى ذُكر ذلك اللفظ، فُهِم منه المعنى الموضوعُ هو له.