الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوعية والتعظيم، أي ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة، لمنعه عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد متى اقتدروا، أو نوع من الحياة وهو الحاصل للمقتول والقاتل بالارتداع عن القتل للعلم بالاقتصاص، فإن الإنسان إذا هم بالقتل تذكر الاقتصاص فارتدع فسلم صاحبه من القتل وهو من القود، فتسبب لحياة نفسين.
ومن تنكير غير المسند إليه للنوعية {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} ، أي وأرسلنا عليهم نوعًا من المطر عجيبًا، يعني الحجارة، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِين
…
} وللتحقير 1 {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًَّا} 2.
1 أي ومن تنكير غير المسند إليه للتحقير.
2 أي ظنًّا حقيرًا ضعيفًا إذا الظن مما يقبل الشدة والضعف، فالمفعول المطلق ههنا للنوعية مع التأكيد لا للتأكيد المجرد وبهذا الاعتبار صنح وقوعه بعد الاستثناء مفرغًا مع امتناع "ما ضربته إلا ضربًا" على أن يكون المصدر للتأكيد؛ لأن مصدر ضربته لايحتمل غير الضرب والمستثنى منه يجب أن يكون متعددًا يحتمل المستثنى وغيره. هذا وكما أن التنكير الذي في معنى البعضية يفيد التعظيم فكذلك صريح لفظ البعض، مثل:{وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} ، أراد محمدًا صلى الله عليه وسلم، ففي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى.
وصف المسند إليه
1:
وأما وصفه: فلكون الوصف تفسيرًا له كاشفًا عن معناه كقولك "الجسم الطويل العريض العميق محتاج إلى فراغ يشغله 2 ":
1 الوصف قد يطلق على نفس التابع المخصوص، وقد يطلق بمعنى المصدر وهو الأنسب ههنا، وأوفق بقوله "وأما بيانه""وأما الإبدال منه". أي وأما ذكر النعت له.
2 فإن مجموع هذه الأوصاف مما يوضح الجسم ويقع تعريفًا له، وهي بحسب المعنى صفة واحدة.
ونحوه في الكشف قول أوس1:
الألمعي الذي يظن بك الظن
…
كأن قد رأى وقد سمعا
حكي أن "الأصمعي" سئل عن "الألمعي" فأنشده ولم يزد. وكذا قوله تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 19-21]، قال الزمخشري:"الهلع: سرعة الجزع عند مس المكروه، وسرعة المنع عند مس الخير، من قولهم: ناقة هلوع": سريعة السير، وعن أحمد بن يحيى "ثعلب"2: قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهلع؟ قلت: قد فسره الله تعالى.. انتهى كلام الزمخشري.
أو لكونه مخصصًا له3 نحو "زيد التاجر عندنا":
1 هو أوس بن حجر يرثي فضالة بن كلدة.
هذا والبيت مثل المثال السابق في كون الوصف للكشف والإيضاح وإن لم يكن وصفًا للمسند إليه.. "وكأن" مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن والجملة حال من فاعل "يظن". "والألمعي" معناه الذكي المتوقد. والوصف بعده يكشف عن معناه ويوضحه، لكن ليس بمسند إليه؛ لأنه إما مرفوع على أنه خبر "إن" في البيت السابق: إن الذي جمع السماحة والنجدة والبر والتقى جمعا.
أي جميعًا، فهي توكيد للأربعة الأوصاف قبلها، أو منصوب على أنه صفة لاسم إن أو بتقدير "أعني". وخبر إن حينئذ في قوله بعد عدة أبيات:
أودى فلا تنفع الأشاحة من
…
أمر لمرء يحاول البدعا
2 أحد أئمة اللغة والنحو توفي عام 291هـ.
3 أي لكون الوصف مخصصا للمسند إليه، أي مقللًّا لاشتراكه، أي إذا كان فكرة مثل رجل تاجر عندنا -أو رافعًا لاحتماله- أي الاحتمال الواقع فيه إذا كان معرفة – والمراد بالاحتمال الذي يقتضيه هو الاشتراك اللفظي. والمشترك اللفظي هو ما وضع لأكثر من معنى بأوضاع متعددة كزيد، أما الاشتراك المذكور قبل الاحتمال فالمراد به الاشتراك المعنوي، والمشترك المعنوي ما وضع لمعنى واحد مشترك بين أفراد. فالتخصيص يكون في المعارف والنكرات، وله فرادان: تقليل الاشتراك، ورفع الاحتمال. وعند النحويين التخصيص تقليل الاشتراك في النكرات فقط أما رفع الاحتمال في المعارف فيقال له توضيح لا تخصيص سواء كانت المعارف إعلامًا أو غيرها. ثم إن ما ذكر لا يتأتى في المعرف بلام الجنس؛ لأن مدلوله الجنس وفيه الاشتراك لصدقه على كثيرين فوصفه لا يوضحه بل يخصصه كالنكرات، ولايتأتى أيضًا في المعرف بلام العهد الذهني لصدقه على كثيرين على سبيل البدل فوصفه لا يوضحه أيضًا بل يخصصه، فلعل مرادهم بالمعارف ما عدا هذين.
أو لكونه مدحًا له كقولنا "جاء زيد العالم"، حيث يتعين1 فيه "زيد" قبل ذكر العالم. ونحوه من غيره2 قوله تعالى:{بِسْمِ اْللهِ الرَحْمَنِ الْرَحِيْمِ} ، وقوله تعالى:{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} .
أو لكونه ذمًّا له، كقولنا: ذهب زيد الفاسق، حيث يتعين فيه زيد قبل ذكر الفاسق. ونحوه من غيره قوله تعالى:{فَإِذَاقَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] .
أو لكونه تأكيدًا له كقولك أمس الدابر كان يومًا عظيمًا3.
أو لكونه بيانًا له كقوله تعالى: {لاتَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: 51]، قال الزمخشري: الاسم الحامل لمعنى الأفراد والتثنية دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص، إذا أريدت الدلالة على أن المعنى به منهما والذي يساق له الحديث هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت
1 أي إذا كان يتعين، فهو قيد، وإلا كان الوصف مخصصًّا، أي أن الظاهر في ذلك عند عدم التعيين وإن صح أن يراد فيه المدح أو الذم.
2 أي غير المسند إليه.
3 فلفظ الأمس مما يدل على الدبور.
إنما هو إله ولم تؤكده بـ"واحد" لم يحسن وخيل أنك تثبت الألهية لا الوحدانية1.
وأما قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] فقال السكاكي: شفع الدابة بـ"في الأرض" وطائرا بـ"يطير بجناحيه" لبيان أن القصد بهما إلى الجنسين، وقال الزمخشري: معنى ذلك زيادة التعميم والإحاطة كأنه قيل: وما من دابة في جميع الأرضين السبع وما من طائر قط في جو السماء من جميع ما يطير بجناحيه2.
واعلم: أن الجملة قد تقع صفة للنكرة، وشر طها أن تكون خبرية؛ لأنها في المعنى حكم على صاحبها كالخبر، فلم يستقم أن تكون إنشائية مثله. وقال السكاكي: لأنه يجب أن يكون المتكلم يعلم تحقق الوصف للموصوف؛ لأن الوصف إنما يؤتى "به" ليميز به الموصوف مما عداه، وتمييز المتكلم شيئًا من شيء بما لا يعرفه له محال، فما لا يكون عنده محققًا للموصوف يمتنع أن يجعله وصفًا له، بحكم عكس النقيض، ومضمون الجمل الطلبية كذلك3؛ لأن الطلب يقتضي مطلوبًا غير متحقق، لامتناع طلب الحاصل، فيقع شيء منها صفة لشيء.
1 يقول لسعد في المطول: وليس في كلام السكاكي ما يدل على أنه عطف بيان صناعي لجواز أن يريد أنه من قبيل الإيضاح والتفسير وإن كان وصفًا صناعيا.
2 فكلام الزمخشري يؤكد كلام السكاكي في أن القصد إلى الجنس، فباعتبار أن الوصف لبيان أن القصد إلى الجنس أفاد هذا الوصف زيادة التعميم والإحاطة.
3 أي ليست متحققة لموصوفها ولا يعلم المتكلم تحققها له.