المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القول في أحوال المسند: ‌ ‌حذف المسند: أما تركه1: فلنحو ما سبق في - الإيضاح في علوم البلاغة - جـ ٢

[جلال الدين القزويني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌مقدمة

- ‌القول في أحوال المسند إليه

- ‌حذف المسند إليه

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌تعريف المسند إليه

- ‌تعريفه بالإضماء

- ‌تعريفه بالعلمية

- ‌تعريفه بالموصلية

- ‌تعريفه بالإشارة

- ‌تعريفه بالام

- ‌تعريفه بالإضافة

- ‌تنكير المسند إليه:

- ‌وصف المسند إليه

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌تعقيب المسند إليه بضمير الفصل

- ‌تقديم المسند إليه:

- ‌مذهب السكاكي في إفادة التقديم للتخصيص:

- ‌موضع آخر من مواضع تقديم المسند إليه:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌ الالتفات:

- ‌ الأسلوب الحكيم

- ‌ التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي:

- ‌ القلب

- ‌القول في أحوال المسند:

- ‌حذف المسند:

- ‌ذكر المسند:

- ‌إفراد المسند

- ‌فعلية المسند واسميته:

- ‌تقييد الفعل وعدمه:

- ‌تقييد الفعل بالشرط:

- ‌أن وإذا الشرطيتان:

- ‌لو الشرطية:

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند وعدمه:

- ‌تعريف المسند:

- ‌جملية المسند:

- ‌تأخير المسند:

- ‌القول في متعلقات أحوال الفعل

- ‌مدخل

- ‌حذف المفعول:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل على بعض

- ‌بحوث حول متعلقات الفعل

- ‌البلاغة والتجديد

- ‌مدخل

- ‌المبرد وأثره في البيان العربي:

- ‌ثعلب وأثره في البيان:

- ‌ابن المعتز وأثره في البيان:

- ‌تطبيقات بلاغية:

- ‌فهرست الجزء الثاني:

الفصل: ‌ ‌القول في أحوال المسند: ‌ ‌حذف المسند: أما تركه1: فلنحو ما سبق في

‌القول في أحوال المسند:

‌حذف المسند:

أما تركه1: فلنحو ما سبق في باب المسند إليه من تخييل العدول إلى أقوى الدليلين، ومن اختبار تنبه السامع عند قيام القرينة، أو مقدار تنبه، ومن الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر.

1-

أما مع ضيق المقام كقوله:

"ومن يك أمسى بالمدينة رحله"

فإني وقيار بها لغريب2

1 عبر هنا بالترك وفي المسند إليه بالحذف إشعارًا بأن المسند إليه ركن لا يستغني عنه في الكلام والاحتياج إليه دون الاحتياج إلى المسند بخلاف المسند فإنه ليس بهذه المثابة في الاحتياج ويجوز أن يترك ولا يؤتي به لغرض.

2 البيت لضابئ بن الحارث البرجمي، ومع أبيات في الكامل للمبرد "188: 1" وروايته "وقيارا"، وتجده في 38 جـ1 من الكتاب لسيبويه.. الرحل: المنزل. قيار: اسم فرس أو جمل للشاعر. ولفظ البيت خبر ومعناه التحسر والتوجع. فالمسند إلى "قيار" محذوف لقصد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر مع ضيق المقام بسبب التوجع والمحافظة على الوزن ولا يجوز أن يكون "قيار" عطفًا على محل اسم أن و"غريب" خبر عنهما، لامتناع العطف على محل اسم إن قبل مضى الخبر لفظًا أو تقديرًا، وذلك لما يلزم عليه من توجه العاملين -المبتدأ، وأن- إلى معمول واحد هو الخبر. وأما إذا قدرنا "لقيار" خبًار محذوفًا فيجوز أن يكون هو عطفًا على محل اسم أن؛ لأن الخبر مقدم تقديرًا فلا يكون مثل "إن زيدًا وعمرًا ذاهبان" بل مثل "إن زيدًا وعمرو لذاهب" وهو جائز. ويجوز أن يكون مبتدأ والمحذوف خبره والجملة بأسرها عطف على جملة أن مع اسمها وخبرها.

ص: 103

أي وقيار كذلك، وكقوله1:

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرأي مختلف

أي نحن بما عندنا راضون2.. وكقول أبي الطيب:

قالت وقد رأى إصفراري من به؟

وتنهدت، فأجبتها: المتنهد

أي المتنهد هو المطالب3 به، دون المطالب به هو المتنهد، إن فسر بمن المطالب به؛ لأن مطلوب السائلة على هذا الحكم على شخص معين بأنه المطالب به ليتعين عندها، لا الحكم على المطالب به بالتعيين، وقيل معناه "من فعل به"، فيكون التقدير: فعل به المتنهد.

2-

وأما بدون الضيق، كقوله تعالى:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أحَقُّ أن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] على وجه، أي والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، ويجوز أن يكون جملة واحدة، وتوحيد الضمير؛ لأنه لا تفاوت بين رضا الله ورضا رسوله، فكانا في حكم مرضي واحد، كقولنا: إحسان زيد وإجماله تعشني وجبر مني، وكقولك "زيد منطلق وعمرو"، أي عمرو كذلك4، وعليه قوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إن ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] ، أي واللائي لم يحضن

1 هو لقيس بن الخطيم أو عمرو بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي، ونسبه الجاحظ لعمرو، وهو جد عبد الله بن رواحة، وكان شاعرًا فحلًا من حكام العرب وقضاتهم، وهو يخاطب بهذا البيت مالك بن العجلان حين رد قضاءه في واقعة من وقائع الأوس والخزرج. وقبله:

يا مال والسيد المعمم قد

يبطره بعد رأيه السرف

2 نحن مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا أي نحن بما عندنا راضون فالمحذوف ههنا هو خبر الأول بقرينة الثاني وفي البيت السابق بالعكس.

3 فيكون من حذف المسند لا من حذف المسند إليه.

4 فيكون من حذف المسند للاحتراز عن العبث من غير ضيق المقام.

ص: 104

مثلهن، وقولك: خرجت فإذا زيد1. وقولك لمن قال هل لك أحد، إن الناس ألب عليك: إن زيدًا وإن عمرًا، أي إن لي زيدًا وإن لي عمرًا، وعليه قوله2: إن محلًّا وإن مرتحلًا. أي إن لنا محلًّا في الدنيا وإن لنا مرتحلًا عنها إلى الاخرة. وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ أنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100] تقديره لو تملكون تملكون مكررًا لفائدة التوكيد، فأضمر "تملك" الأول إضمارًا على شريطة التفسير، وأبدل من الضمير المتصل الذي هو الواو ضمير منفصل وهو أنتم لسقوط ما يتصل به من اللفظ، فأنتم فاعل الفعل المضمر وتملكون تفسيره3 قال الزمخشري: هذا ما يقتضيه علم الأعراب، فأما ما يقتضيه علم البيان فهو أن "أنتم تملكون" فيه دلالة على الاختصاص، وأن الناس هم المختصون

1 أي موجود أو حاضر أو واقف أو بالباب أو ما أشبه ذلك، فحذف للاحتراز عن العبث من غير ضيق المقام مع اتباع الاستعمال؛ لأن إذا المفاجأة تدل على مطلق الوجود، وقد ينضم إليها قرائن تدل على نوع خصوصية كلفظ الخروج المشعر بأن المراد فإذا زيد بالباب أو حاضر أو نحو ذلك. والفاء قيل أنها للسببية المجردة عن العطف وقيل أنها للعطف على المعنى، وأما إذا فظرف زمان وقيل ظرف مكان وقيل حرف دال على المفاجأة.

2 أي قول الأعشى وبيته:

إن محلا وإن مرتحلا

وإن في السفر إذ مضوا مهلًا

وهو في صفحة247 دلائل الإعجاز، وراجع نقد ابن عبد ربه للبيت في العقد الفريد ص14 جـ4.. والشاهد في البيت حذف المسند الذي هو ظرف قطعًا لقصد الاختصار والعدول إلى أقوى الدليلين أعني العقل ولضيق المقام أعني المحافظة على الشعر ولاتباع الاستعمال لاطراد الحذف في مثل "إن مالًا وإن ولدًا" وقد وضع سيبويه في كتابه لهذا بابًا فقال "هذا باب إن مالا وإن ولدًا".

3 فقوله: أنتم ليس بمبتدأ؛ لأن لو أنما تدخل على الفعل بل هو فاعل فعل محذوف، والأصل "لو تملكون" فحذف الفعل الأول احترازًا عن العبث لوجود المفسر ثم عوض من الضمير المتصل ضمير منفصل على القاعدة عند حذف الفاعل. فالمسند المحذوف ههنا فعل وفيما سبق اسم أو جملة.

ص: 105

بالشح المتبالغ. ونحوه قول حاتم "لو ذات سوار لطمتني"، وقول المتلمس:

ولو غير إخواني أرادوا نقيصتي

"جعلت لهم فوق العرانين ميسمًا1"

وذلك؛ لأن الفعل لما سقط لأجل المفسر برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر، وكقوله تعالى:{أفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرآاهُ حَسَنًا} [فاطر: 8] ، أي كمن لم يزين له سوء عمله، المعنى أفمن زين له سوء عمله من الفريقين اللذين تقدم ذكرهما -الذين كفروا والذين آمنوا- كمن لم يزين له سوء عمله؟ ثم كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له ذلك قال: لا، فقيل:{فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات} ، وقيل المعنى: أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرات؟ فحذف الجواب لدلالة: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات} أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله؟ فحذف لدلالة: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} . وأما قوله تعالى: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} ، [يوسف: 18] ، وقوله تعالى:{سورة أنزلناها} ، وقوله:{وأاقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمَانِهِمْ لَئِنْ أمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} [النور: 53] فكل منها يحتمل الأمرين: حذف المسند إليه وحذف المسند، أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل، وهذه سورة أنزلناها أو فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها، وأمركم أو الذي يطلب منك طاعة معروفة معلومة لا يشك فيها ولا يرتاب كطاعة الخلص من المؤمنين، الذين طابق باطن أمرهم ظاهره، لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها، أو طاعتكم طاعة معروفة أي بأنها بالقول دون الفعل. أو طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة.

1 العرانين جمع عرنين وهو الأنف كله أو ما صلب منه. الميسم: العلامة.

ص: 106

ومما يحتمل الوجهين1 قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ} ، قيل التقدير "ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة"، ورد بأنه تقرير لثبوت آلهة؛ لأن النفي إنما يكون للمعنى المستفاد من الخبر دون معنى المبتدأ، كما تقول: ليس أمراؤنا ثلاثة فإنك تنفي به أن تكون عدة الأمراء ثلاثة دون أن تكون لكم أمراء، وذلك إشراك، مع أن قوله تعالى بعده:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِد} يناقضه، والوجه أن "ثلاثة" صفة مبتدأ محذوف، أو يكون مبتدأ محذوفًا مميزه، لا خبر مبتدأ، والتقدير: ولا تقولوا لنا أو في الوجود آلهة ثلاثة أو ثلاثة آلهة، ثم حذف الخبر كما حذف الخبر من:{لَا إِلَهَ إَلَّا الْلَّهُ} {وَمَا مِنْ إَلَهٍ إَلَّا اللهُ} ، ثم حذف الموصوف أو المميز كما يحذفان في غير هذا الموضع، فيكون النهي عن إثبات الوجود لآلهة، وهذا ليس فيه تقرير لثبوت إلهين مع أن ما بعده أعني قوله:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِد} ينفي ذلك، فيحصل: النهي عن الاشراك، والتوحيد من غير تناقض، ولهذا يصح أن يتبع نفي الاثنين فيقال: ولا تقولوا لنا: آلهة ولا إلهان؛ لأنه كقولنا "ليس لنا آلهة ثلاثة ولا الهان"، وهذا صحيح. ولا يصلح أن يقال على التقدير الأول ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة ولا اثنان؛ لأنه كقولنا: ليست آلهتنا ثلاثة ولا اثنين وهذا فاسد، ويجوز أن يقدر ولا تقولوا الله المسيح وأمه2 ثلاثة: أي لا تعبدوهما كما تعبدونه لقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إن اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: 73]، فيكون المعنى: ثلاثة مستوون في الصفة والرتبة، فإنه قد استقر في العرف أنه إذا أريد الحاق اثنين بواحد في وصف وأنهما شبيهان له أن يقال "هم ثلاثة"، كما يقال إذا أريد الحاق واحد بآخر وجعله في معناه "هما اثنان".

1 راجع ص290-294 من دلائل الإعجاز.

2 وعلى هذا يكون من حذف المسند إليه. والمعنى صحيح بخلاف الوجه الأول.

ص: 107

واعلم أن الحذف لا بد له من قرينة كوقوع الكلام جوابًا عن سؤال:

1-

أما محقق: كقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ، وقوله:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 63] .

2-

وأما مقدار نحو:

لبيك يزيد ضارع لخصومه

"ومختبط مما تطيح الطوائح1"

وقراءة من قرأ "يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ،2 رِجَالٌ"، وقوله:{كَذَلِكَ يُوحِي إلَيْكَ وإالَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 3] ، ببناء الفعل للمفعول. وفضل هذا التركيب على خلافه، أعني لبيك يزيد ضارع، ببناء3 الفعل للفاعل ونصب يزيد من وجوه: أحدها أن

1 البيت لنهشل بن حرى بن ضمرة ويروى للبيد، ونسبه الزمخشري لمزرد أخي الشماخ وفي ابن السبكي أنه لمرة بن عمرو النهشلي في يزيد بن نهشل، وقيل للحارث بن ضرار النهشلي، وفي ابن يعقوب لضرار بن نهشل في أخيه يزيد. هذا ونهشل بن حرى شاعر إسلامي. وفي الكتاب لسيبويه أن البيت للحارث بن نهيك.. ويزيد هو يزيد بن نهشل. الضارع: الذليل. المختبط: الذي يأتي إليك للمعروف من غير وسيلة. الإطاحة: الإذهاب والإهلاك، الطوائح: جمع مطيحة على غير قياس وجمعها القياسي مطاوح أو مطيحات.. هذا "ولبيك" بالبناء للمفعول كأنه قيل "من يبكيه؟ " فقال: يبكيه "ضارع" ثم حذف الفعل وهو المسند. فهنا حذف المسند بقرينة وقوعه في جواب سؤال مقدر. ومعنى البيت: ليبكه ذليل في الخصومة؛ لأنه كان ملجأ للأذلاء وعونًا للضعفاء وليبكه طالب للمعروف من أجل أذهاب الأحداث لما له ونشبه؛ لأنه كان عون الفقراء والمحتاجين.

2 والآية شاهد في باب الفصل أيضًا.

3 هذا تفسير لقوله "خلافه".

ص: 108

هذا التركيب1 يفيد إسناد الفعل إلى الفاعل مرتين إجمالًا ثم تفصيلًا2، والثاني أن نحو "زيد" فيه ركن الجملة3 لا فضلة، الثالث أن أوله غير مطمع للسامع في ذكر الفاعل، فيكون عند ورود ذكره كمن تيسرت له غنيمة من حيث لا يحتسب، وخلافه بخلاف ذلك.

ومن ذلك الباب، أعني الحذف الذي قرينته وقوع الكلام جوابًا عن سؤال مقدر: قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِن} على وجه، فإن "لله شركاء" إن جعلا مفعولين لجعلوا، فالجن يحتمل وجهين: أحدهما: ما ذكره الشيخ4 عبد القاهر، من أن يكون منصوبًا بمحذوف دل عليه سؤال مقدر، كأنه قيل من جعلوا لله شركاء؟ فقيل الجن، فيفيد الكلام إنكار الشرك مطلقًا فيدخل اتخاذ الشريك من غير الجن في الإنكار، دخول اتخاذه من الجن، والثاني: ما ذكره الزمخشري، وهو أن ينتصب "الجن" بدلًا من شركاء فيفيد إنكار الشريك مطلقًا أيضًا كما مر، وإن جعل لله "لغوا" كان "شركاء الجن" مفعولين قدم ثانيهما على الأول، وفائدة التقديم استعظام أن يتخذ "لله" شريك: ملكًا كان أو جنيا أو غيرهما ولذلك قدم اسم "الله" على الشركاء، ولو لم يبين الكلام على التقديم وقيل: "وجعلوا الجن شركاء لله، لم يفد إلا إنكار جعل الجن شركاء، والله أعلم.

1 وهو قولنا "لبيك يزيد ضارع" ببناء الفعل للمفعول.

2 أما التفصيل فظاهر، وأما الإجمال؛ فلأنه لما قيل "لبيك" علم أن هناك باكيًا يسند إليه هذا البكاء؛ لأن المسند إلى المفعول لابد له من فاعل محذوف أقيم المفعول مقامه ولا شك أن المكرر أوكد وأقوى وأن الإجمال ثم التفصيل أوقع في النفس.

3 لكونه المسند إليه لا مفعولًا.

5 راجع 222 من الدلائل، ص99 من المفتاح.

ص: 109