الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العطف على المسند إليه:
وأما العطف: فلتفصيل المسند إليه مع اختصار، نحو "جاء زيد وعمرو وخالد"1، أو لتفصيل المسند2 مع اختصار، نحو "جاء زيد فعمرو" أو "ثم عمرو"، أو "جاء القوم حتى خالد"3. ولابد في "حتى" من تدريج، كما ينبئ عنه قوله4:
وكنت فتى من جند إبليس فارتمى
…
بي الحال حتى صار إبليس من جندي
أو لرد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب: كقولك "جاءني زيد لا عمرو5، لمن اعتقد أن عمرًا جاءك دون زيد، أو أنهما جاءاك
1 فإن فيه تفصيلًا للفاعل بأنه زيد وعمرو من غير دلالة على تفصيل الفعل بأن المجيئين كانا معا أو مترتبين مع مهلة أو بلا مهلة. واحترز بقوله "مع اختصار" عن نحو "جاءني زيد وجاءني عمرو" ففيه تفصيل للمسند إليه مع أنه ليس من عطف المسند إليه وليس فيه اختصار.
2 أي بأنه قد حصل من أحد المذكورين أولًا ومن الآخر بعده مع مهلة أو بلا مهلة واحترز بقوله "مع اختصار" عن نحو "جاءني زيد وعمرو بعده بيوم أو سنة".
3 فالثلاثة تشترك في تفصيل المسند إلا أن الفاء تدل على التعقيب من غير تراخ، وثم على الترتيب والتراخي، وحتى على أن أجزاء ما قبلها مترتبة في الذهن من الأضعف إلى الأقوى أو بالعكس، فمعنى تفصيل المسند في حتى أن يعتبر تعلقه بالمتبوع أو لا وبالتابع نائبا من حيث أنه أقوى أجزاء المتبوع أو أضعفها ولا يشترط فيها الترتيب الخارجي، فإن قلت في هذه الثلاثة أيضًا تفصيل المسند إليه فلم لم يقل أو لتفصيلهما معا، فالجواب أنه فرق بين أن يكون الشيء حاصلًا من شيء وبين أن يكون الشيء مقصودًا منه، وتفصيل المسند إليه في هذا الثلاثة وإن كان حاصلًا لكنه غير مقصود.
4 البيت لأبي نواس.
5 لمن اعتقد أن عمرًا جاءك دون زيد فيكون قصر قلب، أو أنهما جاءاك جميعًا فيكون قصر أفراد. وخالف الشيخ عبد القاهر في الدلائل فذكر أن العطف بلا، إنما يستعمل في قصر القلب فقط. و"لكن" أيضًا للرد إلى الصواب إلاأنها لا تأتي لنفي الشركة فلا تكون قصر أفراد بل قصر قلب فقط، فنحو "ما جاني زيد لكن عمرو" إنما يقال لمن اعتقد أن زيدًا جاءك دون عمرو لا لمن اعتقد أنهما جاءاك جميعًا، وهي عند النحاة لقصر الأفراد فقط؛ لأنهم جعلوها للاستدراك الذي هو رفع ما يتوهم من الكلام السابق، أما عند البيانيين الذين يجعلونها للقلب فقط فلا استدراك فيها عندهم. ثم إن الخلاف بين البيانيين والنحويين إنما هو في النفي وأما كونها لقصر القلب أو الأفراد في الإثبات فلا قائل به؛ لأنه مفهوم كلام النحويين اختصاصها بالنفي.
جميعًا: وقولك: ما جاءني زيد لكن عمرو لمن اعتقد أن زيدًا جاءك دون عمرو.
أو لصرف الحكم عن محكوم له إلى آخر، نحو "جاءني زيد بل عمرو"، وما جاءني زيد بل عمرو1.
1 قبل للإضراب عن المتبوع والإعراض عنه وصرف الحكم إلى التابع. ومعنى الإضراب عن المتبوع عند الجمهور أن يجعل في حكم المسكوت عنه، لا أن ينفي عنه الحكم قطعًا كما ذهب إليه ابن الحاجب حيث عنده كل من التابع والمتبوع مقصود بالنسبة وإن كان أحدهما بالإثبات والآخر بالنفي كما في العطف بلا ولكن. ومعنى صرف الحكم في العطف ببل في الكلام المثبت ظاهر؛ لأن المتبوع في الإثبات أما في حكم المسكوت عنه "كما يرى الجمهور" أو محقق النفي "كما يرى ابن الحاجب". أما في النفي فصرف الحكم معناه ظاهر أيضًا أن جعلناه بمعنى نفي الحكم عن التابع والمتبوع في حكم المسكوت عنه كما هو رأي المبرد، أو متحقق الحكم للمتبوع كما هو مذهب ابن الحاجب. حتى يكون معنى "ما جاءني زيد بل عمرو" أن "عمرا"لم يجئ وعدم مجيء زيد ومجيئه على الاحتمال كما هو مذهب المبرد. أو مجيئه متحقق كما هو مذهب ابن الحاجب، أما أن جعلناه بمعنى ثبوت الحكم للتابع حتى يكون معنى "ما جاءني زيد بل عمر" أن عمرًا جاءك كما هو مذهب الجمهور ففيه إشكال، فالحاصل أن
1 المبرد يرى أن الثاني صرف عنه الحكم ولابد، والأول يحتمل ثبوت الحكم ونفيه عنه.
2 وابن الحاجب يرى أن الثاني نفى عنه الحكم قطعًا والأول أثبت له الحكم قطعًا.
3 والجمهور يرون أن الثاني أثبت له الحكم تحقيقًا والأول يحتمل ثبوت الحكم وانتفاءه عنه.
فعلى الأولين "بل" نقلت حكم ما قبلها لما بعدها. وعلى الثالث نقلت ضد حكم ما قبلها لما بعدها وصيرت ما قبلها مسكوتًا عنه.