الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف المسند:
وأماتعريفه1 فلإفادة السامع: إما حكمًا على أمر معلوم له بطريق من طرق التعريف بأمر آخر معلوم له كذلك2، وأما لازم حكم بين أمرين كذلك3. تفسير هذا أنه قد يكون للشيء صفتان من صفات التعريف4 ويكون السامع عالمًا باتصافه بإحداهما دون الأخرى5، فإذا أردت أن تخبره بأنه متصف بالأخرى تعمد إلى
1 راجع ص92 من المفتاح، وص136-153 من دلائل الإعجاز.
2 يعني أنه يجب عند تعريف المسند تعريف المسند إليه، إذ ليس في كلامهم مسند إليه نكرة ومسند معرفة في الجملة الخبرية وقوله بأمر آخر إشارة إلى أنه يجب مغايرة المسند إليه والمسند بحسب المفهوم ليكون الكلام مفيدًا، فنحو "شعري شعري" مؤول بحذف مضاف اعتباري في الحالين أي شعري الآن مثل شعري فيماكان أي المعروف المشهور بالبلاغة والسحر.
3 يعني لازم حكم على أمر معلوم بأمر آخر معلوم. ويعني بهذا ما سبق سماه لازم فائدة الخبر، وهذا غير علم المخاطب بالحكم، كأن تقول للذي مدحك بقصيدة أنشدها إياك: أنت المادح لي بهذه القصيدة الرائعة.
4 ككونه مسمى بزيد وكونه أخا لعمرو.
5 أي مع كونه عالمًا بكل منهما في ذاته كما هو أصل المسألة من كون السامع عالمًا بكل من المسند إليه والمسند. وقوله بإحداهما دون الأخرى أي كان عرف المخاطب هذه الذات بكونها مسماة بزيد ولا يعرفها بكونها أخا له.
وظاهر لفظ متسن التلخيص في قوله "بآخر مثله" أن نحو "زيد أخوك" إنما يقال لمن يعرف أن له أخا، والمذكور هنا في الإيضاح أنه يقال لمن يعرف زيدًا بعينه سواء عرف أن له أخا أم لم يعرف، ووجه التوفيق ما ذكره بعض المحققين من النحاة أن أصل وضع تعريف الإضافة على اعتبار العهد وإلالم يبق فرق بين غلام يد وغلام لزيد فلم يكن أحدهما معرفة والآخر نكرة، لكن كثيرًا ما يقال جاءني غلام زيد من غير إشارة إلى معين كالمعرف باللام وهو خلاف وضع الإضافة فما في المتن بالنظر إلى أصل الوضع وما هنا إلى خلافه.
اللفظ الدال على الأولى وتجعله مبتدأ وتعمد إلى اللفظ الدال على الثانية وتجعله خبًرا، فتفيد السامع ما كان يجهله من اتصافه بالثانية، كما إذا كان للسامع أخ يسمى زيدًا وهو يعرفه بعينه واسمه ولكن لا يعرف أنه أخوه، وأردت أن تعرفه أنه أخوه، فتقول: له زيد أخوك، سواء عرف أن له أخًا ولم يعرف أن زيدًا أخوه أو لم يعرف أن له أخًا أصلًا. وإن عرف أن له أخًا في الجملة وأردت أن تعينه عنده قلت "أخوك زيد: أما إذالم يعرف أن له أخًا أصلًا فلا يقال ذلك لامتناع الحكم بالتعيين على من لا يعرفه المخاطب أصلًا، فظهر الفرق بين قولنا: زيد أخوك وقولنا أخوك زيد، وكذا إذا عرف السامع إنسانًا يسمى زيدًا بعينه واسمه، وعرف أنه كان من إنسان انطلاق ولم يعرف أنه كان من زيد أو غيره فأردت أن تعرفه أن زيدًا هو ذلك المنطلق فتقول: زيد المنطلق، وإن أردت أن تعرفه أن ذلك المنطلق هو زيد قلت المنطلق1 زيد، وكذا إذا عرف السامع إنسانًا يسمى زيدًا بعينه واسمه، وهو يعرف معنى جنس المنطلق وأردت أن تعرفه أن زيدًا متصف به فتقول: زيد المنطلق، وإن أردت أن تعين عنده جنس المنطلق قلت: المنطلق1 زيد، لا يقال: زيد دال على الذات فهو متعين للابتداء تقدم أو تأخر، والمنطلق دال على أمر نسبي فهو متعين للخبرية تقدم أن تأخر؛ لأنا نقول: المنطلق لا يجعل مبتدأ إلا بمعنى الشخص الذي له الانطلاق وأنه بهذا المعنى لا يجب أن يكون خبرًا وزيد لا يجعل خبرًا إلا بمعنى صاحب اسم زيد وأنه بهذا المعنى لا يجب أن يكون مبتدأ.
1 والتعريف هنا للعهد الخارجي.
2 والتعريف هنا للجنس أي للحقيقة. والمقصور هنا ما فيه اللام. فإن دخلت أل على المبتدأ والخبر احتمل كل منهما أن يكون هو المقصور، وقيل المبتدأ هو المقصور، وقيل المقصور هو الأعم مطلقًا.
ثم1 التعريف بلام الجنس قد لا يفيد قصر المعرف على ما حكم عليه به، كقول الخنساء2:
إذا قبح البكاء على قتيل
…
رأيت بكاءك الحسن الجميلا
وقد يفيد قصره: إما تحقيقًا3 كقولك: زيد الأمير، إذالم يكن أمير سواه، وإما مبالغة لكمال معناه في المحكوم عليه كقولك:"عمرو الشجاع" أي الكامل في الشجاعة4 فتخرج الكلام في صورة توهم.
1 راجع ص140 من الدلائل. هذا وأما التعريف بلام العهد فلا يفيد القصر؛ لأنه إنما يتصور في ما يكون فيه عموم كالجنس، فيحصر في بعض الأفراد، وأما المعهود الخارجي فلا عموم فيه فلا حصر، ولكن هذا في قصر الأفراد، أما قصر القلب فيتأتى في المعهود أيضًا.
2 البيت في الدلائل ص140، والبيت لا يفهم القصر والمعنى ليس عليه؛ لأن البيت للرد على من يتوهم قبح البكاء على هذا المرثي كغيره وليس الكلام واردًا في مقام من يسلم حسن البكاء عليه إلا أنه يدعي أن بكاء غيره حسن أيضًا حتى يكون المعنى على الحصر إذ لا يلائمه الشطر الأول من البيت.
3 أي قصرًا حقيقيًّا.
4 كأنه لا اعتداد بشجاعة غيره، وكذا إذا جعل المعرف بلام الجنس مبتدأ نحو الأمير زيد والشجاع عمرو فيفيد قصر جنس معنى المبتدأ على الخبر تحقيقًا أو مبالغة، ولا تفاوت بينهما وبين ما تقدم في إفادة قصر الإمارة على زيد والشجاعة على عمرو، وعدم التفاوت إنما هو على مذهب السعد أما على ما ذهب إليه السيد -من أنه لا يكون محمولًا وأن قولنا المنطلق زيد مؤول بقولنا المنطلق المسمى بزيد- فلا بد من التفاوت، فالمقصور عليه الإمارة على الأول الذات المشخصة المعبر عنها بزيد وعلى الثاني هو المفهوم الكلي المسمى بزيد.
والحاصل أن المعرف بلام الجنس أن جعل مبتدأ فهو مقصور على الخبر سواء كان الخبر معرفة أو نكرة، وإن جعل خبرًا فهو مقصور على المبتدأ، والجنس قد يبقى على إطلاقه كما مر وقد يقيد بوصف أو حال أو ظرف أو مفعول أو نحو ذلك على ما ذكره الخطيب نحو هو الرجل الكريم وهو السائر راكباً وهو الأمير في البلد وهو الواهب ألف قنطار، وجميع ذلك معلوم بالاستقراء وتصفح تراكيب البلغاء.
هذا ومعاني الخبر المعرف بأل عن عبد القاهر: القصر مبالغة -القصر حقيقة- الأعلام بأن هذا منه كان الشيء الذي يعلمه أنه كان كزيد هو المنطلق -إظهار كمال الأمر مثل رأيت بكاءك الحسن الجميلا- إعلام المخاطب بأن هذا الرجل هو الرجل المنشود مثل هو البطل المحامي.
أن الشجاعة لم توجد إلا فيه لعدم الاعتداد بشجاعة غيره لقصورها عن رتبة الكمال.
ثم المقصور قد يكون نفس الجنس مطلقًا أي من غير اعتبار تقييده بشيء كما مر، وقد يكون الجنس باعتبار تقييده بظرف أو غيره، كقولك:"هو الوفي حين لا تظن نفس بنفس خيرًا"، فإن المقصور هو الوفاء في هذا الوقت لا الوفاء مطلقًا، وكقول الأعشى1:
هو الواهب المائة المصطفاة
…
أما مخاضًا وإما عشارًا
فإنه قصر هبة المائة من الإبل في إحدى الحالتين، لاهبتها مطلقًا. ولا الهبة مطلقًا. وهذه الوجوه الثلاثة: أعني العهد، والجنس للقصر تحقيقًا، والجنس للقصر مبالغة، تمنع جواز العطف بالفاء ونحوها على ما حكم عليه بالمعرف، بخلاف المنكر فلا يقال: زيد المنطلق وعمرو، ولا زيد الأمير وعمرو، ولا زيد الشجاع وعمرو.
1 راجع البيت في الدلائل ص139 والمخاض: الحوامل من النوق لا واحد له من لفظه. العشار جمع عشراء كنفساء، وهي من النوق كالنفساء من النساء أو التي مضى على حملها عشرة أشهر.