الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار} بحذف التنوين من سابق ونصب النهار، فقيل له وما تريد؟ فقال:{سَابِقُ النَّهَار} ، فالمعنى على هذين الوجهين1 كالمعنى على إثبات التنوين، فعزير مبتدأ وابن الله خبر، وقال: على أصله والله أعلم.
1 أي المذكورين آنفًا في حذف التنوين من عزير.
تقديم المفعول على الفعل:
وأما تقديم مفعوله ونحوه 1 عليه:
فلرد الخطأ في التعيين2، كقولك "زيدًا عرفت" لمن اعتقد أنك عرفت إنسانًا وأنه غير زيد وأصاب في الأول دون الثاني، وتقول لتأكيده3 وتقريره زيدًا عرفت لا غيره، ولذلك4 لا يصح أن يقال:
1 أي نحو المفعول من الجار والمجرور والظرف والحال وما أشبه ذلك.
2 أي يكون القصر قصر تعيين أو قلب، وكذلك يأتي لقصر الأفراد، فالأولى أن يقال لإفادة الاختصاص قلبًا كان أو أفرادًا أو تعيينًا.
3 أي لتأكيد هذا الرد. وفي قصر الأفراد لقول: "زيد عرفت" لمن اعتقد أنك عرفت زيدًا وعمرًا وتقول لتأكيده زيدًا عرفت وحده. ورد الخطأ في قصري القلب والأفراد كما يكون في الخبر يكون في الإنشاء باعتبار ما تضمنه من الخبر فإن كل إنشاء يتضمن خبرًا تقول. زيدًا أكرم، وعمرًا لا تكرم، أمرًا ونهيًا. هذا وكل خبر يتضمن إنشاء قولك:"أكرم زيدًا" يتضمن خبرًا هو "زيد مأمور بإكرامه"، والقصر كما يكون في الخبر يكون في الإنشاء لا باعتبار ذاته ولكن باعتبار ما تضمنه من الخبر. والحق أن التخصيص النسبة إلى شيء دون غيره فإن كانت النسبة إنشائية فما وقع به التخصيص إنشاء وإن كانت خبرية فما وقع به خبر.
4 أي؛ ولأن التقديم لرد الخطأ في تعيين المفعول مع الإصابة في اعتقاد وقوع الفعل على مفعول ما.
مازيدًا ضربت ولا أحدًا من الناس، لتناقض دلالتي الأول1 والثاني، ولا أن تعقب الفعل المنفي بإثبات ضده كقولك:"ما زيدًا ضربت ولكن أكرمته"؛ لأن مبنى الكلام ليس على أن الخطأ في الضرب فترده إلى الصواب في الأكرام، وإنما هو على أن الخطأ في المضروب حين اعتقد أنه زيد فرده إلى الصواب أن تقول ولكن عمرًا، وأما نحو قولك زيدًا عرفته: فإن قدر المفسر المحذوف قبل المنصوب أي عرفت زيدًا عرفته فهو من باب التوكيد أعني تكرير اللفظ2 وإن قدر بعده زيدًا عرفت عرفته أفاد التخصيص3. وأما4 نحو قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم} فيمن قرأ بالنصب فلا يفيد إلا التخصيص لامتناع تقدير أما فهدينا ثمود5 وكذلك إذا قلت بزيد مررت أفاد أن سامعك كان يعتقد مرورك بغير زيد فأزلت عنه الخطأ مخصصًا مرورك بزيد دون غيره6.
1 لأن التقديم يدل على وقوع الضرب على غير زيد تحقيقًا لمعنى الاختصاص وقولك "ولا أحدًا من الناس" ينفي ذلك، فيكون المفهوم التقديم مناقضًا لمنطوق "ولا أحدًا"، نعم لو كان التقديم لغرض آخر غير الاختصاص جاز "ما زيدًا ضربت ولا أحدًا من الناس".
2 أي إذا قدر الفعل المحذوف المفسر بالفعل المذكور قبل المنصوب أي عرفت زيدًا عرفته.
3 لأن المحذوف المقدر كالمذكور فالتقديم عليه كالتقديم على المذكور في إفادة الاختصاص كما في بسم الله فنحو زيدًا عرفته محتمل للمعنيين: التأكيد والتخصيص فالرجوع في التعيين إلى القرائن، وعند قيام القرينة على أنه للتخصيص يكون أوكد من قولنا زيدًا عرفت" لما فيه من تكرار الإسناد المفيد لتأكيد الجملة.
4 هذا نص كلام السكاكي في المفتاح ص97.
5 أي لامتناع تقدير الفعل مقدمًا نحو: أما فهدينا ثمود، لالتزامهم وجود فاصل بين أما والفاء بل التقدير أما ثمود فهدينا هديناهم بتقديم المفعول. وفي كون هذا التقديم الحاصل مع أما للتخصيص نظر؛ لأنه يكون مع الجهل بثبوت أصل الفعل كما إذا جاءك زيد وعمرو ثم سألك سائل: ما فعلت بهما؟ فتقول: أما زيدًا فضربته وأما عمرًا فأكرمته.
6 فالمثال هو مثل "زيدًا عرفت" في إفادة الاختصاص.
والتخصيص1 في غالب الأمر لازم للتقديم2 ولذلك يقال في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} معناه نخصك بالعبادة لا نعبد غيرك ونخصك بالاستعانة لا نستعين غيرك، وفي قوله تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون} معناه أن كنتم تخصونه بالعبادة وفي قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، أخرت صلة الشهادة2 في الأول وقدمت في الثاني 4؛ لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم وفي الثاني اختصاصهم بكون الرسول شهيدًا عليهم. وفي قوله تعالى:{لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُون} معناه إليه لا إلى غيره، وفي قوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} معناه لجميع الناس من العرب والعجم على أن التعريف للاستغراق، لا لبعضهم المعين على أنه5 للعهد أي للعرب، لا لمسمى الناس على أنه للجنس، لئلا يلزم من الأول اختصاصه بالعرب دون العجم لانحصر الناس في الصنفين، ومن الثاني اختصاصه بالإنس دون الجن لانحصار من يتصور الإرسال إليهم من أهل الأرض فيهما، وعلى تقدير الاستغراق لا يلزم شيء من ذلك؛ لأن التقديم لما كان مفيدًا لثبوت الحكم للمتقدم ونفيه عما يقابلها كان تقديم "للناس" على "رسولا" مفيدًا لنفي.
1 هو نص كلام السكاكي ص101 المفتاح.
2 أي تقديم ما حقه التأخير أي لا ينفك عن تقديم المفعول ونحوه في أكثر الصور بشهادة الاستقراء وحكم الذوق: وإنما قال: "غالبًا"؛ لأن اللزوم الكلي غير متحقق إذا التقديم قد يكون لأغراض أخر كمجرد الاهتمام وللتبرك والاستلذاذ وموافقة كلام السامع وضرورة الشعر والفاصلة ورعاية السجع إلى غير ذلك مما لا يحسن فيه اعتبار التخصيص عند من له معرفة بأساليب الكلام.
3 وهي "على الناس".
4 حيث قال تعالى: {عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} .
5 أي التعريف.
كونه رسولًا لبعضهم1 خاصة؛ لأنه هو المقابل لجميع الناس، لا لبعضهم2 مطلقًا، ولا غير جنس الناس.
وكذلك يذهب3 في معنى قوله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون} إلى أنه تعريض بأن الآخرة التي عليها أهل الكتاب - فيما يقولون من "أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى وأنه لا تمسهم النار فيها إلا أيامًا معدودات وأن أهل الجنة فيما لا يتلذذون في الجنة إلا بالنسيم والأرواح العبقة والسماع اللذيذ"- ليست بالآخرة، وإيقانهم بمثلها ليس من الإيقان بالتي هي الآخرة عند الله في شيء، أي بالآخرة يوقنون لا بغيرها كأهل الكتاب.
ويفأد التقديم في جميع ذلك4 وراء التخصيص5 اهتمامًا بشأن المقدم6، ولهذا قدر المحذوف في قوله "باسم الله" مؤخرًا7 وأورد قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، فإن الفعل فيه مقدم8، وأجيب بأن تقديم الفعل هناك أهم؛ لأنها أول سورة.
1 أي وهم قومه.
2 لأنه لا يتصور إرساله لبعض منهم حتى ينفي عنهم.
3 وهو نص كلام السكاكي في المفتاح ص101- وكل هذا وكثير غيره مما نحيل فيه على المفتاح لم يذكر الخطيب أنه منقول عن السكاكي.
4 أي في جميع صور التخصيص.
5 أي بعده.
6 لأنهم يقدمون الذي شأنه أهم وهم ببيانه أعني.
7 بسم الله أفعل كذا ليفيد مع الاختصاص الاهتمام؛ لأن المشركين كانوا يبدءون بأسماء العزى، فقصد الموحد تخصيص اسم الله بالابتداء للاهتمام والرد عليهم.
8 يعني لو كان التقديم يفيد الاختصاص والاهتمام لوجب أن يؤخر الفعل ويقدم: {بِاسْمِ رَبِّكَ} ؛ لأن كلام الله تعالى أحق برعاية ما تجب رعايته.