الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103]1.
1 قوله تعالى: {لَوَاقِع} أي يقع. وقوله تعالى: {مَجْمُوْعٌ} أي يجمع.. وهنا بحث وهو أن كلا من اسمي الفاعل والمفعول قد يكون بمعنى الاستقبال وإن لم يكن ذلك بحسب أصل الوضع فيكون كل منهما ههنا واقعًا في موقعه واردًا على حسب مقتضى الظاهر.. والجواب عنه أن كلا منهما حقيقة فيما تحقق فيه وقوع الوصف وقد استعمل ههنا فيما لم يتحقق مجازًا، تنبيهًا على تحقق وقوعه.
6-
القلب
1:
ومنه القلب2، كقول العرب "عرضت الناقة على الحوض"3.
1 قال سيبويه: قوله "أدخل فوه الحجر" هذا جرى على سعة الكلام، والجيد: أدخل فاه الحجر ص92 جـ1 الكتاب.
والقلب جعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر، والآخر مكانه، على وجه يثبت حكم كل منهما للآخر، والظاهر أنه من الحقيقة وربما يدعي أنه من المجاز العقلي، وهو من مباحث المعاني والبديع باعتبارين. والقلب نوعان: لفظي فقط مثل "قطع الثوب المسمار" تعني أن الثوب مفعول وترفعه والمسمار فاعل وتنصب وكل منهما باق على ما هو له من فاعلية أو مفعولية، ومعنوي ومثاله:"قطع الثوب المسمار" تريد أن الثوب لمبادرته بالتقطيع هو كأنه قطع المسمار، فهذا قلب معنوي.. هذا والقلب اللفظي يتعلق بالنحو لا بالبيان، والظاهر أنه حينئذ ضرورة لا ينبغي حكاية خلاف فيه، وما من محل يدعي فيه ذلك إلا جاز أن يكون القلب فيه معنويًّا. أما القلب المعنوي فينبغي القطع بجوازه ولا شبهة لمنعه، ومن يمنع المجاز مع العلاقة الواضحة إلا من شذ؟. وكلام النحاة جريان قولين فيه: المنع مطلقًا والجواز مطلقًا والقول الثالث جواز المعنوي لا اللفظي.
2 أي من خلاف مقتضى الظاهر القلب.
3 أي مكان "عرضت الحوض على الناقة" أي أظهرته عليها لتشرب، ويرى ابن السكيت أن "عرضت الناقة على الحوض" هو الأصل وأن المقلوب "عرضت الحوض على الناقة" فكأنه لاحظ أن المعروض عليه يكون أمرًا مستقرًّا.
ورده مطلقًا1 قوم، وقبله مطلقًا قوم منهم السكاكي2، والحق أنه إن تضمن اعتبارًا لطيفًا قبل وإلا رد.. أما الأول3 فكقول رؤبة:
"ومهمة مغيرة أرجاؤه"
…
كأن لون أرضه سماؤه4
أي كأن لون سمائه لغبرتها لون أرضه فعكس التشبيه للمبالغة، ونحوه قول أبي تمام يصف قلم الممدوح:
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه
…
وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل5
وأما الثاني6 فكقول القطامي7:
1 أي سواء تضمن اعتبار لطيفًا أم لا. وذلك؛ لأنه عكس المطلوب ونقيض المقصود.
2 لأنه مما يورث الكلام لطافة وملاحة.
3 أي ما تضمن اعتبارًا لطيفًا.
4 المهمة: المفازة. مغبرة: مملوءة بالغبرة. الأرجاء: الأطراف والأرجاء جمع الرجال مقصورًا. وسماؤه أي لون سمائه.
والشاهد المصراع الأخير فإنه من باب القلب. والاعتبار اللطيف هنا المبالغة في وصف لون السماء بالغبرة حتى كأنه صار بحيث يشبه لون الأرض في ذلك مع أن الأرض أصل فيه. هذا ونجد البيت في96 الموازنة و91 المفتاح.
5 الأفاعي: الحيات. أرى الجنى: العسل. اشتار: جنى. أيد عواسل: أي عارفة بجنيه. أي هذا القلم على الأعداء سم زعاف وعلى الأصدقاء شهد شهي. والشاهد في البيت الشطر الأول فهو من القلب، والأصل: لعابه لعاب الأفاعي القاتلات. والاعتبار اللطيف هنا المبالغة يعكس التشبيه.
6 وهو ما لم يتضمن اعتبارًا لطيفًا هو على المذهب الحق مردود غير مقبول.
7 من قصيدة يمدح به زفر بن حارث الكلابي. وروايته "بطنت" بدل طينت. الفدن بالتحريك: القصر. السياع: الطين بالتبن. والمعنى: كما طينت الفدن بالسياع، يقال: طينت السطح والبيت. ولقائل أن يقول أنه يتضمن من المبالغة في وصف الناقة بالسمن ما لا يتضمنه قوله: "كما طينت الفدن بالسباع" لايهامه أن السياع بلغ مبلغًا من العظم والكثرة إلى أن صارت بمنزلة الأصل والفدن بالنسبة إليه كالسياع بالنسبة إلى الفدن.. والحق أنه تكلف محض.
"فلما أن جرى سمن عليها"
…
كما طينت بالفدن السباعا
وقول حسان:
"كأن سبيئة من بيت رأس"
…
يكون مزاجها عسل وماء1
وقول عروة بن الورد:
فديت بنفسه نفسي ومالي
…
"وما آلوك إلا ما أطيق"2""
وقول الآخر3:
"قفي قبل التفرق يا ضباعا"
…
ولا يك موقف منك الوداعا
وقد ظهر من هذا أن قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} ليس واردًا على القلب، إذ ليس في تقدير القلب فيه اعتبار لطيف. وكذا قوله تعالى:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} وكذا قوله تعالى: {اذْهَبْ
1 السبيئة: الخمر. بيت رأس: موضع بالشام.. وبعد البيت:
على أنيابها أو طعم غض
…
من التفاح عصره اجتناء
يشبه ريق محبوبته بخمر مزجت بعسل وماء أو بماء تفاح طري في وقت اجتنائه ونضجه. ويروى برفع "مزاج" مبتدأ وما بعده خبر له والجملة خبر يكون واسمها ضمير الشأن. والبيت من قصيدة لحسان.
2 لا آلوك أي لم أقصر فيك.
3 هو القطامي الشاعر: ويقول خداش بن زهير:
فإنك لا تبالي بعد حولي
…
أظبي كان أمك أم حمار
بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} 1.
فأصل الأول أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا أي إهلاكنا، وأصل الثاني ثم أراد الدنو من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى فتعلق عليه في الهواء، ومعنى الثالث تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه ليكون ما يقولونه بمسمع منك فانظر ماذا يرجعون فيقال أنه دخل عليها من
1 في كتاب "ما اتفق لفظه واختلف معناه" ذكر لآية: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّة} وأسلوب القلب فيها حيث سماه "التحويل".. وفي الكامل للمبرد، قال المبرد: والكلام إذالم يدخله لبس جاز القلب للاختصار. هذا وفي 96، 97 من الموازنة كلام على أسلوب القلب خلاصته أن الآمدي:
1 لا يرخص للمتأخر في القلب إنما جاء في كلام العرب على السهو، والمتأخر وإن احتذى بهم على أمثلتهم فلا ينبغي له أن يتبعهم فيما سهوا فيه.
2 ما ورد في القرآن من القلب: مثل: {دَنَا فَتَدَلَّى} وإنما هو تدلى فدنا، ومثل:{مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّة} ، وإنما العصبة تنوء بالمفاتيح أي تنهض بثقلها، ومثل:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيد} ، أي وإن حبه للخير لشديد، فليس كله بقلب وإنما هو صحيح مستقيم لا قلب فيه، والمعنى أن تدليه كان عند دنوه واقترابه، وأراد الله بما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أي تميلها من ثقلها، وقوله: إنه لحب الخير لشديد: أي إنه لحب المال لشديد أي بخيل، وكأن
الآمدي ينفي عن تلك المثل القلب بمعنى أنها لا غلط فيها وأنها على تشبيهها بالأصل المقلوبة عنه، لا أنها لا قلب فيها مطلقًا.
3 ما ورد في الشعر من القلب قسمان:
سائغ مقبول مثل "كأن لون أرضه سماؤه" وقبيح غير حسن لا يجوز في الشعر ولا في القرآن. وهو ما جاء في كلامهم على سبيل الغلط مثل "كما كان الزنا فريضة الرجم"، و"تشقى الرماح بالضياطرة الحمر".
4 المبرد أيضًا يقصر استعمال أسلوب القلب على المتقدمين دون المتأخرين ولكنه يجعل فائدة القلب الاختصار.
5 يرى الآمدي أنه قد يكون لإصلاح الوزن أو للضرورة أو للسهو.
كوة فألقى الكتاب إليها وتوارى في الكوة1.. وأما قول خداش:
"وتركب خيلا لا هوادة بينها"
…
وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر2
فقد ذكر له سوى القلب وجهان:
أحدهما: أن يجعل شقاء الرماح بهم استعارة عن كسرها بطعنهم بها.
والثاني: أن يجعل نفس طعنهم شقاء لها تحقيرًا لشأنهم وأنهم ليسوا أهلا؛ لأن يطعنوا بهاكما يقال شقى الخز بجسم فلان إذا لم يكن أهلًا للبسه. وقيل في قول قطري بن الفجاءة:
ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب
…
جذع البصيرة قارح الأقدام3
أنه من باب القلب، على أن لم أصب بمعنى لم أجرح، أي قارح
1 حمل السكاكي كل هذه الآيات على القلب ص91 المفتاح.
2 الضياطرة جمع ضيطر وهو العظيم أو الضخم اللئيم العظيم الأست، الحمر جمع أحمر اللون وقيل هو الذي لا سلاح معه.. هذا والشاهد في الشطر الثاني وكأن أصل الكلام: وتشقى الضياطرة الحمر بالرماح. وعلى أنه لا قلب فيه يكون قوله "وتشقى" استعارة جعل كسر الرماح في حربهم شقاء لها، أو يكون جعل نفس الطعن شقاء لها وتحقيرا لشأنهم وإنهم ليسوا أهلًا لأن يطعنوا بها. وقال السكاكي:
في البيت قلب أراد تشقى الضياطرة بالرماح، ولك ألا تحمله على القلب بواسطة استعارة الشقاء لكسرها بالطعان.
3 راجع البيت في صفحة119 من أسرار البلاغة.. وجملة "وقد أصبت ولم أصب" اعتراضية أي جرحت ولم أجرح. "وأصبت" بالبناء للفاعل. "وأصب" بالبناء للمفعول. وفلان جذع أي حديث السن، وقارح أي كبيرة، وجذع البصيرة أي غير مجرب للأمور، وقارح الأقدام أي له أقدام أهل العقول والسن القديم. وهذا عكس المراد؛ لأن المقصود وصفه بأنه قارح البصيرة أي مجرب قتل الأمور علما وأنه جذع الأقدام أي شجاع قوي شديد. فالأصل أن يقول: ثم انصرفت قارح البصيرة جذع الأقدام، ولكنه قلب فأوهم خلاف المراد.
البصرة جذع الأقدام، كما يقال "أقدام غر ورأي مجرب" وأجيب عنه بأن لم أصب بمعنى لم ألف أي لم ألف بهذه الصفة بل وجدت بخلافها جذع الأقدام قارح البصيرة على أن قوله:"جذع البصيرة قارح الأقدام" حال من الضمير المستتر في لم أصب فيكون متعلقًا بأقرب مذكور، ويؤيد هذا الوجه1 قوله قبله:
لا يركنن أحد إلى الإحجام
…
يوم الوغى متخوفًا لحمام
فلقد أراني للرماح دريئة
…
من عن يميني مرة وأمامي
حتى خضبت بما تحدر من دمي
…
أكناف سرجي أو عنان لجامي
فإن الخضاب بما تحدر من دمه دليل على أنه جرح، وأيضًا فحوى كلامه أن مراده أن يدل على أنه جرح ولم يمت، إعلامًا أن الأقدام غير علة الحمام، وحثًّا على الشجاعة وبغض الفرار.
1 وهو أن "لم أصب" بمعنى "لم ألف".