المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌البلاغة والتجديد ‌ ‌مدخل … البلاغة والتجديد: 1- البلاغة العربية مدينة في نشأتها الأولى لجهود - الإيضاح في علوم البلاغة - جـ ٢

[جلال الدين القزويني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌مقدمة

- ‌القول في أحوال المسند إليه

- ‌حذف المسند إليه

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌تعريف المسند إليه

- ‌تعريفه بالإضماء

- ‌تعريفه بالعلمية

- ‌تعريفه بالموصلية

- ‌تعريفه بالإشارة

- ‌تعريفه بالام

- ‌تعريفه بالإضافة

- ‌تنكير المسند إليه:

- ‌وصف المسند إليه

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌تعقيب المسند إليه بضمير الفصل

- ‌تقديم المسند إليه:

- ‌مذهب السكاكي في إفادة التقديم للتخصيص:

- ‌موضع آخر من مواضع تقديم المسند إليه:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌ الالتفات:

- ‌ الأسلوب الحكيم

- ‌ التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي:

- ‌ القلب

- ‌القول في أحوال المسند:

- ‌حذف المسند:

- ‌ذكر المسند:

- ‌إفراد المسند

- ‌فعلية المسند واسميته:

- ‌تقييد الفعل وعدمه:

- ‌تقييد الفعل بالشرط:

- ‌أن وإذا الشرطيتان:

- ‌لو الشرطية:

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند وعدمه:

- ‌تعريف المسند:

- ‌جملية المسند:

- ‌تأخير المسند:

- ‌القول في متعلقات أحوال الفعل

- ‌مدخل

- ‌حذف المفعول:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل على بعض

- ‌بحوث حول متعلقات الفعل

- ‌البلاغة والتجديد

- ‌مدخل

- ‌المبرد وأثره في البيان العربي:

- ‌ثعلب وأثره في البيان:

- ‌ابن المعتز وأثره في البيان:

- ‌تطبيقات بلاغية:

- ‌فهرست الجزء الثاني:

الفصل: ‌ ‌البلاغة والتجديد ‌ ‌مدخل … البلاغة والتجديد: 1- البلاغة العربية مدينة في نشأتها الأولى لجهود

‌البلاغة والتجديد

‌مدخل

البلاغة والتجديد:

1-

البلاغة العربية مدينة في نشأتها الأولى لجهود علماء اللغة والأدب ولمثابرة الرواة والنقاد والباحثين في أصول البيان العربي، مع الأثر الفذ الذي أحدثه الكتاب والشعراء والأدباء في القرن الثاني والثالث الهجري.. ولقد تلاحقت الثقافات، واتصلت المعارف، وتبودلت الأفكار، في عواصم العلم والثقافة في العالم الإسلامي القديم، على أيدي العرب الذين نبغوا في اللغات الأجنبية، والموالي الذين حذقوا اللغة العربية وأجادوها، والمترجمين الذين كانوا همزة الوصل بين الثقافات القديمة والثقافة العربية الإسلامية الأصيلة. كان خلف لا يشق له غبار في صناعة النقد "لنفاذه فيها وحذقه بها وإجادته لها"1. وكان أبو عبيدة يعجب من فطنة بشار وجودة قريحته وصحة نقده للشعر2، وكان خلف يعجب من نقده للشعر ومذاهبه3. وكان الجاحظ4 يرى أن بشارًا زعيم المولدين. ثم جاء ابن سلام والجاحظ وابن قتيبة والمبرد وابن المدبر وابن المعتز، فكان لجهودهم أثر كبير في نشأة البلاغة ونمو البحث في أصول البيان.

ولا ننسى جهود طائفة أخرى من العلماء في إثارة البحوث البلاغية والتعليق عليها، وتلك الطائفة هي جماعة العلماء الذين شغلوا بالبحث في إعجاز القرآن الكريم وتفهم أسرار هذا الإعجاز والتأليف فيه، فكشفوا الكثير من غوامض البلاغة وأصولها، ومن هؤلاء أبو عبيدة والجاحظ وسواهما من أئمة المعتزلة وفحولهم. وعلى أيدي قدامة وأبي هلال والآمدي والقاضي الجرجاني وغيرهم من أفذاذ النقاد في القرن الرابع الهجري، نرى البحث البلاغي ينمو ويقوى ويزدهر. ثم تلاهم الباقلاني وابن سنان وابن رشيق من علماء النقد والبيان.

1 197/ 1 العمدة.

2 207 طبقات ابن سلام.

3 23/ 3 الأغاني.

4 91/ 1 العمدة.

ص: 178

ولقد لمعت عبقرية عبد القاهر الجرجاني -المتوفى عام 471هـ- في هذا العهد، وكان مظهر هذه العبقرية اللماحة كتابان جليلان ألفهما قبل وفاته بقليل هما "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" اللذان يعدان حتى اليوم أصلًا ضخمًا من أصول البيان وبحوث البلاغة والنقد والموازنة. وبعد عبد القاهر انطفأ السراج، وذبل العود، وأصيبت الأذواق بالعي والعجز كما أصيبت البلاغة بالتأخر والاضمحلال.. وبعد نحو قرن ونصف قرن ظهر فجأة السكاكي بعقليته المنطقية وذوقه الأعجمي، فأحال البلاغة إلى جدل عقيم في الألفاظ والأساليب، وإلى قواعد جافة لا صلة لها بالذوق ولا بالحياة، وكثر تلاميذ السكاكي. وانتشر مذهبه في البلاغة الذي يمثله القسم الثالث من كتابه "المفتاح"، والذي عني فيه بالقشور لا باللباب وبالتوافق لا بالحقائق، ولا تزال دراستنا للبلاغة حتى اليوم قائمة على أصول مذهب السكاكي وتلاميذه وحده دون سواه.

2-

ولقد نهض جماعة من أدبائنا يدعون إلى التجديد في البلاغة، فمن قائل: إن الكتب القديمة يجب أن تحل محلها كتب أخرى مؤلفة على النهج الحديث، ومن دعاة إلى تلقيح البلاغة العربية بأصول الدراسات البلاغية في شتى اللغات الحديثة الأوربية، ومن ناهجين مناهج الغرب في بحث أسرار البلاغة وأصولها، ومن منادين إلى مذاهب البلاغيين القدماء من أمثال عبد القاهر وقدامة وأبي هلال. وهكذا تعددت الآراء، وتخاصمت الأفكار، في التجديد في البلاغة، وبيان كيف يكون هذا التجديد، على أن أذواق علمائنا المعاصرين وأدبائنا المشهورين لا تكاد تساعد على الوصول إلى هدف أو غاية ينشدها المشفقون على البلاغة العربية اليوم. والذين يحاولون التجديد فيها يكتفون بنقل أفكار الغربيين دون فهم أو يقظة فكرية أو إلمام ما بتراثنا القديم الخالد في البلاغة والبيان والنقد.

ومن صور البحث البلاغي والنقد البياني ما قرأناه في مجلة

ص: 179

الأزهر -عدد ربيع الأول 1372هـ- بعنوان "علوم البلاغة في الميزان" للأستاذ المرحوم محمد عرفة، وقد اتجه الكاتب إلى إثارة الملكات، وتنشيط الأفكار، وتحريض الأذهان على النظر والبحث والنقد والاستنتاج والكشف، وحفز الهمم للبحث والابتكار. وهي محاولة مجدية قوية في سبيل التجديد البلاغي المنشود. وأول فكرة في هذا البحث هذه الأسرار البلاغية الدقيقة للحذف ومحاولة الكشف عنها، فلقد عرض عبد القاهر الجرجاني للحذف ومكانه من البلاغة دون أن يبين سبب هذا الحسن والإحسان وسر هذا الجمال البياني الأخاذ. وجاء السكاكي والخطيب وتلاميذهم فجعلوا الحذف في موضعه كالذكر في موضعه، لكل مكانه من البلاغة، ومنزلته من سحر البيان، وأبوا أن يكون للحذف مزية على الذكر بل هما يحصلان البلاغة ويوجدانها، ثم عللوا الحذف بعلل متكلفة لا صلة بينها وبين أحكام الذوق الأدبي السليم. ويحاول الباحث أن يعلل سر جمال الحذف وبلاغته بأسباب نفسية وأمور بيانية، منها الهجوم بالسامع على المطلوب دفعة، والجدة التي نراها في أسلوب الحذف، ومنها أن المحذوف تدل عليه القرائن فإذا ذكر كان ثقيلًا في موضعه؛ لأنه تعريف لما عرف وبيان لما بين، فيربط بذلك بين البلاغة وأحكام الذوق وأسرار البيان وملكات النفس الإنسانية.

ومن البحوث التي أثارها الأستاذ: أسلوب التجريد وتحليل ألوان جماله وسر هذا الجمال، بعيدًا عن تكلف القدماء البغيض وتأويلهم المصنوع. وكذلك عرض لأسلوب. رأيت اليوم حاتمًا، ولقيت مادرًا، وسمعت سحبان وما أشبه ذلك مما أوله البلاغيون فجعلوا حاتمًا هنا كأنه موضع للجواد، فانتزعوه من معناه وهو العلمية على الرجل المعروف من طيء، وبهذا التأويل يكون حاتم متناولًا للفرد المتعارف المعهود والفرد غير المتعارف وهو من يتصف بالجود، فيصير استعماله في غير المتعارف استعمالًا في غير ما وضع له فيكون عندهم استعارة. وهو يبحث ذلك كله ويناقشه وينقده ويحاول الوصول إلى الصواب.

ص: 180

في أمره، حيث يرى أن المراد هنا تشبيه هذا الكريم بحاتم في جوده، فحاتم باق على معناه دون تغيير أو تبديل.

إن القديم ليس كله صوابًا، وليس كله خطأ، بل فيه الصواب، وفيه الخطأ، وفيه سوى ذلك ألوان من القصور العلمي الذي يجب ملاقاته، فما أجدرنا في الأزهر بتجديد البحث والدراسة في أصول بلاغتنا، وفي مذاهب للبيان وأسراره.

ص: 181