الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو الشرطية:
وأما لو1 فهي للشرط في الماضي مع القطع بانتفاء الشرط2 فيلزم انتفاء الجزاء3 كانتفاء الإكرام في قولك: لو جئتني لأكرمتك،
1 لو كما يقول المبرد: "تدل على وقوع الشيء لوقوع غيره". ومعنى كون لو للشرط أنها لتعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشرط فرضًا.
2 أي في الواقع.
3 أي يلزم بالنظر لعرف أهل اللغة انتفاء الجزاء من حيث ترتبه على ذلك الشرط، كما تقول:"لو جئتني أكرمتك"، معلقًا الإكرام بالمجيء، مع القطع بانتفائه، فيلزم انتفاء الإكرام.. فهي لامتناع الثاني أعني الجزاء لامتناع الأول أعني الشرط، يعني أن الجزاء منتف بسبب انتفاء الشرط. هذا هو المشهور بين الجمهور، واعترض عليه ابن الحاجب بأن الأول سبب والثاني مسبب وانتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسبب لجواز أن يكون للشيء أسباب متعددة بل الأمر بالعكس؛ لأن انتفاء المسبب على انتفاء أسبابه، فهي لامتناع الأول لامتناع الثاني، ألا ترى قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} إنما سيق ليستدل بامتناع الفساد على امتناع تعدد الآلهة دون العكس، واستحسن المتأخرون رأي ابن الحاجب حتى كادوا أن يجمعوا على أنها لامتناع الأول لامتناع الثاني، إما لما ذكره، وإما؛ لأن الأول ملزوم والثاني لازم، وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم من غير عكس لجواز أن يكون اللازم أعم.
وأقول: منشأ هذا الاعتراض قلة التأمل؛ لأنه ليس معنى قولهم: "لو لامتناع الثاني لامتناع الأول" أنه يستدل بامتناع الأول على امتناع الثاني، حتى يرد عليه أن انتفاء السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب أو اللازم، بل معناه أنها للدلالة على أن انتفاء الثاني في الخارج إنما هو بسبب انتفاء الأول، فمعنى "ولو شاء لهداكم" أن انتفاء الهداية إنما هو بسبب انتفاء المشيئة يعني أنها تستعمل للدلالة على أن علة انتفاء مضمون الجزاء في الخارج هي انتفاء مضمون الشرط من غير التفات إلى أن علة العلم بانتفاء الجزاء ما هي، ألا ترى أن قولهم لولا لامتناع الثاني لوجود الأول نحو "لولا علي لهلك عمر" معناه أن وجود علي سبب لعدم هلاك عمر لا أن وجوده دليل على أن عمر لم يهلك، ولهذا صح مثل قولنا "لو جئتني =
ولذلك قيل هي لامتناع الشيء لامتناع غيره، ويلزم كون جملتيها فعليتين وكون الفعل ماضيًا، فدخولها على المضارع في نحو قوله تعالى:{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّم} ، لقصد استمرار الفعل فيا مضى وقتًا فوقتا كما في قوله تعالى:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم} بعد قوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون} وفي قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، ودخولها عليه1 في نحو قوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة: 12]، وقوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [سبأ: 31]، لتنزيله منزلة الماضي لصدوره عمن لا خلاف في إخباره كما نزل "يود" منزلة "ود" في قوله تعالى:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا2} ، ويجوز أن يرد الغرض.
= لأكرمتك لكنك لم تجئ" أعني عدم الإكرام بسبب عدم المجيء، قال الحماسي:
"ولو طار ذو حافر قبلها
…
لطارت ولكنه لم يطر"
يعني أن عدم طيران تلك الفرس بسب أنه لم يطر ذو حافر قبلها، وقال أبو العلاء المعري:
"ولو دامت الدولات كانوا كغيرهم
…
رعايا ولكن ما لهن دوام
وأما المنطقيون فقد جعلوا "أن""ولو" أداة للزوم وإنما يستعملونها في القياسات لحصول العلم بالنتائج فهي عندهم للدلالة على أن المعلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الأول ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللام من غير التفات إلى أن علة انتفاء الجزاء في الخارج ما هي؟ وقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وأرد على هذه القاعدة، لكن الاستعمال على قاعدة اللغة هو الشائع المستفيض.
1 أي على المضارع.
2 وإنما كان الأصل ههنا الماضي؛ لأنه قد التزم ابن السراج وأبو علي في الإيضاح أن الفعل الواقع بعد رب المكفوفة بما يجب أن يكون ماضيًا؛ لأنها للتقليل في الماضي ومعنى التقليل ههنا أنه يدهشهم أهوال القيامة فيبهتون فإن وجدت منهم إفاقة ما تمنوا ذلك، وقيل هي مستعارة أي منقولة للتكثير أو للتحقيق ومفعول يود محذوف لدلالة لو كانوا مسلمين عليه ولو للتمني حكاية لودادتهم. وإما على رأي من جعل لو التي للتمني حرفًا مصدريًّا، فمفعول "يود" هو قوله "لو كانوا مسلمين".
من لفظ ترى ويود إلى استحضار صورة رؤية المجرمين ناكسي الرؤوس قائلين لما يقولون وصرة رؤية الظالمين موقوفين عند ربهم متقاولين بتلك المقالات وصورة ودادة الكافرين لو أسلموا، كما في قوله تعالى:{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: 9] إذ قال فتثير سحابًا استحضارًا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة من آثارة السحاب مسخرًا بين السماء والأرض تبدو في الأول كأنها قطع قطن مندوف ثم تتضام متقابلة بين أطوار حتى يعدن ركامًا، وكقول تأبط شرًّا1:
ألا من مبلغ فتيان فهم
…
بما لاقيت عند رحا بطان
بأني قد لقيت الغول تهوي
…
بسهب كالصحيفة صحصحان
فقلت لها: كلانا نضو أرض
…
أخو سفر فخلي لي مكاني
فشدت شدة نحوي فأهوت
…
لها كفي بمقصول يماني
فأضربها بلادهش فخرت
…
صريعا لليدين وللجران
إذ قال: فأضربها ليصور لقومه الحالة التي تشجع فيها على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها ويتطلب منهم مشاهدتها تعجيبًا من جراءته على كل هول وثباته عند كل شدة. ومنه قوله تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]، دون كن فكان. وكذا قوله تعالى:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31] .
1 وتنسب لأبي الغول الطهوي. فهو قبيلة تأبَّط شرًّا، رحا بطان: موضع بالبادية. تهوي: تسرع. السهب. المستوى من الأرض في سهولة، وكذلك الصحصحان. النضو: المهزول من كل شيء. الصريع يستوي فيه المذكر والمؤنث. الجران في الأصل: مقدم عنق البعير من مذبحة إلى منحره.