الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[507] مسندُ عاتكةَ بنتِ عبدِالمطلبِ
6280 -
عن عاتكةَ بنتِ عبدِالمطلبِ قالتْ: رأيتُ راكباً مَثلَ على أبي قُبيسٍ فصاحَ: يا آلَ غدر، ويا آلَ فجر، انفِروا لثلاثٍ، ثم أخذَ صخرةً مِن أبي قُبيسٍ فَرمى بِها الركنَ فتفلقَت الصخرةُ، فما بقيتْ دارٌ مِن دُورِ قريشٍ إلا دخلَتْها مِنها كسرةٌ غير دُورِ بني زهرةَ، فقالَ العباسُ: إنَّ هذه لَرؤيا اكتُميها ولا تَذكُريها، فخرجَ العباسُ فلقيَ الوليدَ بنَ عتبةَ بنِ رَبيعةَ، فذكَرَها له، فذكَرَها الوليدُ لأبيهِ، ففَشا الحديثُ.
قالَ العباسُ: فغدوتُ أَطوفُ بالبيتِ وأبوجهلٍ في رهطٍ مِن قريشٍ يتحدَّثونَ برؤيا عاتكةَ، فلمَّا رَآني أبوجهلٍ قالَ: يا أبا الفضلِ، إِذا فرغتَ مِن طوافِكَ فأَقبلْ إِلينا، فلمَّا فرغتُ أقبلتُ حتى جلستُ مَعهم، فقالَ أبوجهلٍ: يا بَني عبدِالمطلبِ، أمَا رضيتُم أَن يتنبَّأَ رِجالُكم حتى تَتنبَّأُ نساؤُكم! قد زعمتْ عاتكةُ في رُؤياها هذه أنَّه قالَ: انفِروا لثلاثٍ، فسنَتربصُ بكم هذه الثلاثَ، فإنْ كانَ ما تقولُ حقاً فسيكونُ، وإنْ تَمضِ الثلاثُ ولم يكنْ مِن ذلكَ شيءٌ كتبْنا عليكُم كتاباً أنَّكم أَكذبُ أهلِ بيتٍ في العربِ، قالَ العباسُ: فوَاللهِ ما كانَ مِني إليهِ شيءٌ إلا أنِّي جَحدتُ ذلكَ، وأَنكرتُ أَن تكونَ رأتْ شيئاً.
قالَ العباسُ: فلمَّا أَمسيتُ أَتتني امرأةٌ مِن بناتِ عبدِالمطلبِ، فقالتْ: أَرضيتُم مِن هَذا الفاسقِ أَن يقعَ في رجالِكم ثم يتناوَلَ نساءَكم وأنتَ تَسمعُ؟ ثُم لم يكنْ عندَكَ نكيرٌ، واللهِ لو كانَ حمزةُ ما قالَ ما قالَ، فقلتُ: واللهِ كانَ، وما كانَ مِني إليهِ نكيرٌ، وأيمُ اللهِ لأتَعرضَنَّ له، فإنْ عادَ لأَكفينَّكم.
قالَ العباسُ: فغَدوتُ في اليومِ الثالثِ لرُؤيا عاتكةَ وأَنا مُغضبٌ على أن
فاتَني أمرٌ وأُحبُّ أَن أُدرِكَ شيئاً مِنه، فقالَ: واللهِ، إنِّي لأَمشي نحوَه وكانَ رجلاً خفيفاً حديدَ الوجهِ حديدَ البصرِ حديدَ اللسانِ إِذ خرجَ مِن بابِ المسجدِ يشتدُّ فقلتُ في نَفسي: ما لَه لعَنَه اللهُ؟ أكلُّ هَذا فرقَ مِني أَن أُشاتِمَه؟ إِذ قد سمعَ ما لم أَسمعْ، سمعَ صوتَ ضمضمِ بنِ زرعةَ بنِ عَمرو الغفاريِّ يصرخُ ببطنِ الوَادي قد جَدعَ بعيرَه وحوَّلَ رداءَهُ وشقَّ قميصَه وهو يقولُ: يا معشرَ قريشٍ، قد خرجَ محمدٌ في أصحابِهِ، ما أَراكم تُدركونَها، الغوثَ الغوثَ.
قالَ العباسُ: فشغَلَني عنه وشغَلَه عنِّي ما جاءَ مِن الأمرِ، وخَرجوا على كلِّ صَعبٍ وذَلولٍ، وأَظفرَ اللهُ عز وجل رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ببدرٍ.
فقالتْ عاتكةُ بنتُ عبدِالمطلبِ في تَصديقِ رُؤياها وتكذيبِ قريشٍ لها حينَ أَوقعَ بهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
أَلم تأتِكُم الرُّؤيا بحقٍّ ويأتكم
…
بتأْويلِها فلٌّ مِن القومِ هاربُ
رَأى فأَتاكُم باليَقينِ الذي أَرى
…
بعَينيه ما تَفري السيوفُ القواضبُ
فقلتُم كذبتِ ولم أَكذبْ وإنَّما
…
يكذِّبُني بالصدقِ مَن هو كاذبُ
وما فرَّ إلا رهبةَ القومِ مِنهم
…
حكيمٌ وقَد ضاقَتْ عليهِ المذاهبُ
وقرَّ صباح القومِ عزم قلوبِهم
…
فهنَّ هواءٌ والحلومُ عوازبُ
مروا بالسيوفِ المُرهَفاتِ دماءَكم
…
كفافاً كما تمري السحابَ الجنائبُ
فكيفَ رَأى يومَ اللقاءِ محمداً
…
بَنو عمِّه والحربُ فيها التجاربُ
ألم يَغشَهم ضرباً يحارُ لوقعِهِ
…
الجبانُ وتَبدو بالنهارِ الكواكبُ
أَلا بأَبي يومَ اللقاءِ محمداً
…
إذا عض مِن عون الحروبِ الغواربُ
كَما بردت أَسيافُه مِن مليكتي
…
وزَعزعَ وردٌ بعدَ ذلكَ صالبُ