الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: شروط الإرث
…
فصلٌ1 في شروط الإرث
ولمّا كان الإرثُ متوقفاً على حصولِ [شروطِه] 2 احتاج إلى ذكرِها فقال: شروطُ الإرث أربعةٌ3.
الشروطُ: جمعُ شرطٍ، وهو لغة: العلامة4.
واصطلاحاً: ما يلزم من عدمِه العدمُ، ولا يلزم من وجودِه وجودٌ، ولا عدمٌ لذاته5.
واحترزنا بالقيد الأخير6: من مقارنة الشرط للسبب، فإنه يلزم من هذه المقارنة الوجود، كوجود الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة7.
1 هذا هو الفصل الثالث.
2 في (د) : شروط.
3 يراجع: تدريب البلقيني خ90، ومغني المحتاج 3/5، والتحفة الخيرية على الفوائد الشنشورية 47 ولم أجد في المراجع التي اطلعت عليها في الفقه الشافعي من تكلم عن شروط الإرث إلاّ في هذه الثلاث، وابن الهائم- رحمه الله في شرح أرجوزة الكفاية خ 68 حيث قال: ولم أر من ذكر شروط الإرث إلاّ اثنين: القرافي في الذخيرة، وشيخنا شيخ الإسلام في تدريبه أ- هـ.
4 الشرْط بسكون الراء في اللغة: إلزام الشيء، والتزامه. وبالتحريك الشَرَط: العلامة (مختار الصحاح، مادة شرط 335، ولسان العرب 7/329) .
5 راجع: شرح الكوكب المنير 1/452. وعرفه بعضهم كالزركشي، وابن قدامة بأنه: ما يلزم من انتفائه انتفاء المشروط. البحر المحيط في أصول الفقه 1/309، وروضة الناظر 1/162) .
6 وهو قوله: لذاته.
7 الزكاة لغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والزيادة. (مفردات ألفاظ القرآن 380، والصحاح 6/2368، ولسان العرب 14/359) .=
مع النصاب1 الذي هو شب لوجوب الزكاة.
ومِن مقارنة الشرط للمانع، كالدَّينِ على القول بأنَّه مانعٌ من وجوب الزكاة؛ فإنه يلزم من هذه المقارنة العدم؛ لكن لزوم الوجود والعدم في ذلك لوجودِ السبب في الصورة الأولى، والمانع في الصورة الثانية، لا لذات الشرط.
[ودخل في التعريف المذكور] 2 الشرطُ العقليُّ كالحياة للعلم، والشرعي كالطهارة للصلاة، والعادي كنصب السلّم لصعود السطح3.
أحدُها أي أحد الشروط الأربعة: تحققُ موت الموروث منه، كما إذا
=واصطلاحاً: عرفها الحنفية بأنها: تمليك جزء مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص لله تعالى (اللباب في شرح الكتاب 1/136) .
وعرفها المالكية بأنها: جزء من المال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصاباً (حدود ابن عرفة مع شرح الرصاع 1/140) .
وعرفها الشافعية بأنها: اسم لأخذ شيء مخصوص من مال مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة (تحرير ألفاظ التنبيه 101) وعرفها الحنابلة بأنها: اسم لمخرج مخصوص بأوصاف مخصوصة من مال مخصوص لطائفة مخصوصة (المطلع على أبواب المقنع 122) .
1 النصاب لغة: الأصل، والمنشأ، والمحتد، ونصاب كل شيء أصله. (لسان العرب 1/761) . واصطلاحاً: قدر معلوم لما تجب فيه الزكاة. (أنيس الفقهاء 132، وتحرير ألفاظ التنبيه 102، والمطلع على أبواب المقنع 122) .
2 ساقط من (د) .
3 راجع: البحر المحيط في أصول الفقه 1/309.
شوهد [ميتاً] 1 أو إلحاقه بالموتى تقديراً، كجنين2 انفصل ميتاً بجناية على أُمه تُوجب الغُرَّة3 وإنما وجبت الغُرة؛ لأن الجاني دفع الحياة عن الجنين مع تهيئة للحياة فإيجابها لا يتوقف على حياته في البطن، لكن [يقدر] 4 بالنسبة إلى إرث الغُرة عنه حياً عرض له الموت، ولا يقدر ذلك بالنسبة لغير الغُرة؛ إذ لا يورث عنه غيرها وسيأتي في فصل الحمل5.
أو إلحاقه [بالموتى] 6 حكماً، كمفقودٍ7 حَكَم القاضي بموته اجتهاداً بأن غاب مدة لا يعيش مثله [فيها] 8 فيغلب على ظن القاضي موته؛ ويحكم به. وسيأتي إيضاحه في فصل المفقود9.
1 في (هـ) : موته.
2 الجنين: الولد ما دام في البطر. سمي بذلك لاجتنانه واستتاره من الجُنة وهي السترة (محتار الصحاح، مادة جن 114، والنظم المستعذب 1/136) .
3 الغُرة بالضم لغة: بياض في جبهة الفرس، وغرة كل شيء أوله، وأكرمه. (لسان العرب، 5/14) .
وشرعاً: عبد أو أمة تقدر قيمته بخمس من الإبل، أي نصص عشر الدية، تكون لورثة الجنين. (التعريفات 145، والمطلع على أبواب المقنع 364) .
4 في (ب) : تقدر.
5 ص 631.
6 في الأصل، (ج) : بالموت.
7 المفقود في اللغة: المعدوم (لسان العرب 3/337، والقاموس المحيط، مادة فقد 392) وشرعاً: غائب لم يدر موضعه، وحياته، وموته. (طلبة الطلبة 212، وأنيس الفقهاء 191) .
8 في (د) : غالباً.
9 ص 651.
وهذا الشرط مأخوذ من كلام الأصحاب1 في ميراث الغرقى والهدمى/ [63/3 ب] ، ونحوهما2، وصرح به البلقيني3، وغيره صت معاصريه4.
وثانيها5: تحققُ وجودِ المدلي6 إلى الميت بأحدِ الأسباب الثلاثة العامة حالَ كونِ هذا المدلي حياً عند الموت أي موت الموروث منه تحقيقاً كان ذلك الوجود بأن كان [المدلي] 7 مشاهداً حياً أو تقديراً، كحمل انفصل حياً لوقت يظهر وجوده عند الموت ولو ظناً كما إذا انفصل لأقل من أربع
1 راجع: الأم 4/77، والحاوي الكبير 10/248، والمهذب 2/32، والمحرر في الفقه الشافعي خ115، وروضة الطالبين 6/33.
2 وستأتي أحكامهم في فصل الغرقى ونحوهم ص738.
3 في تدريبه خ90.
والبلقيني: هو عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني، القاهري، الشافعي، العسقلاني الأصل، البلقيني، سراج الدين، أبو حفص، محدث حافظ، فقيه أصولي، مجتهد، نحوي، مفسر.
ولد ببلقينة من بلاد الغربية بمصر سنة 724هـ، ونشأ بالقاهرة، ودخل بيت المقدس، وقدم دمشق وتولى قضاءها. وتوفي بالقاهرة سنة 805هـ، وله مصنفات كثيرة منها: ترجمان شعب الإيمان، وحاشية على كشاف الزمخشري، وحاشية على الروضة في فروع فقه الشافعي، وتصحيح المنهاج، والتدريب، وغيرها. (طبقات المفسرين للداودي 1/83، والضوء اللامع 2/157، وشذرات الذهب 7/51) .
4 النجم الوهاج خ 3/133.
5 أي ثاني شروط الإرث.
6 المدلي: أي المتوصل إلى الميت بالبنوّة، ونحوها؛ ليأخذ من الإرث. (طلبة الطلبة 337، والنظم المستعذب 2/119، وتحرير ألفاظ التنبيه 251) .
7 في (د) : ذلك المدلي.
سنين وأكثر من ستة أشهر من موت أبيه وأُمه غيرُ فراش لأحد1؛ لأنا نقدره كأنه موجود في الخارج، ولو كان الحمل عند موت الموروث منه نُطْفةً2؛ لأنه أصل آدمي متهيئ3 للحياة، فعلقة4 ومضغة5 أولى6.
واعلم أنَّ في فَهم عبارة المصنف قَلاقَةً7؛ حيث قسم تحقق وجود المدلي إلى تحقيق، وتقدير، فلو حذف قوله تحقيقاً كان ذلك الوجود أو تقديراً وقال أو تقدير وجوده كحمل انفصل [إلى آخره] 8 لكان أحسن وأخصر وأوضح.
وعُلم من اشتراط تحقق موت [الموروث] 9، وتحقق وجود الوارث حياً أنهما لو ماتا معاً، أو مرتباً ولم يعلم عينُ السابق منهما، أو لم يُعلم سَبْقٌ ولا
1 الفراش: المرأة التي ثبت للزوج حق استفراشها للاستمتاع، والاستيلاد. (مفردات ألفاظ القرآن 630، وطلبة الطلبة 149) .
2 النطفة: الماء الصافي قلّ، أو كثر، وبالقليل أخص وهي ماء الرجل الذي يكون منه الولد (لسان العرب 9/335 ومفردات ألفاظ القرآن 811، وطلبة الطلبة 309، والنهاية في غريب الحديث والأثر 5/74) .
3 أي صالح. (مختار الصحاح، مادة هيأ 703) .
4 العلقة: قطعة الدم التي يكون منها الولد. (مفردات ألفاظ القرآن 579، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3/290، وتحرير ألفاظ التنبيه 47) .
5 المضغة: القطعة من اللحم قدر ما يمضغ. (مفردات ألفاظ القرآن 770، وطلبة الطلبة 330، والنظم المستعذب 5/115، والنهاية في غريب الحديث والأثر 4/339) .
6 راجع: روضة الطالبين 6/37.
7 أي اضطراباً (لسان العرب 10/324) .
8 في (ج)، (هـ) :إلخ.
9 سقطت من (د) .
معيةٌ فإنه لا توارث بينهما في الصور الثلاث؛ لأن واحداً منهما لا [تتحقق] 1 حياته عند موت صاحبه، كما لو انفصل الجنين ميتاً.
وعلم من عبارته أيضاً أن الحمل لو انفصل ميتاً بعد تحركه في البطن، ولو كان انفصاله بجناية على أُمه توجب الغُرة، أو انفصل بعضه وهو حي ثم مات قبل تمام انفصاله لم يرث؛ لأنه لم ينفصل حياً.
وثالثها2: تحققُ استقرار حياة هذا المدلي حياً بعد الموت أي موت الموروث منه، فلو ذبح رجل وهو يتحرك فمات أبوه [أو] 3 ابنه في تلك الساعة لم يرث المذبوح منهما؛ لأن حياته غير مستقرة.
وحَكَى الرُّوْيانيُّ4 وجهاً ضعيفاً أنه يرث5.
1 في (د) . يتحقق.
2 أي ثالث شروط الإرث.
3 في (د) : و.
4 هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن أحمد، أبو المحاسن، قاضي القضاة فخر الإسلام الرُّوياني نسبة لرويان من أعمال طبرستان، فقيه، شافعي، ولد سنة 415هـ ورحل في طلب العلم والتدريس، كان يقال له شافعي زمانه، حيث كان يقول: لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي. وله مصنفات كثيرة منها: بحر المذهب، ومناصيص الإمام الشافعي، والكافي، وحلية المؤمن، وكتاب القولين والوجهين. توفي – رحمه الله سنة 501 سنة وقيل 502هـ قتله الباطنية (الأنساب 3/106، وفيات الأعيان 2/ 369، وسير أعلام النبلاء 19/260، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/294) .
5 نقله الرافعي عن الروياني في تجربته، وضعفه أيضاً (العزيز شرح الوجيز 6/530) . وقال النووي – رحمه الله: وهذا الوجه غلط ظاهر؛ فإن أصحابنا قالوا: من صار في حال النزع فله حكم الميت، فكيف الظن بالمذبوح. والله أعلم. (روضة الطالبين 6/38) .
والمذهب الأول1.
وكذلك لو انفصل الجنين وحركته حركة مذبوح لم يرث، بل لا بد من استقرار حياته2 بعد انفصاله3. ويُعلَم استقرارُ حياته باستهلاله4 وهو: صراخه، وبعطاسه وتثاؤبه، وبفتح عينيه، والتقامه الثدي5 وامتصاصه، ونحوها.
ولا يكفي مجرد الاختِلاج6، ولا انقباض بعض الأعضاء، وليلا انتشاره. ومحلُّ تحقيق المسألة كتبٌ الفقه7.
1 راجع: العزيز شرح الوجيز 6/530، وروضة الطالبين 6/38، والمطلب العالي شرح وسيط الغزالي خ15/219.
2 استقرار الحياة: أمارات تغلب على الظن بقاء الحياة، وأنه لم ينته إلى حركة المذبوح. (تحرير ألفاظ التنبيه 165) .
3 راجع: الحاوي الكبير 10/369، والمهذب 2/4، والعزيز شرح الوجيز 6/530، وروضة الطالبين 6/37.
4 الاستهلال: رفع الصوت. والصياح عيد الولادة. (طلبة الطلبة 88، والنظم المستعذب 2/124، وتحرير ألفاظ التنبيه 97، والمطلع على أبواب المقنع 307) .
5 الالتقام: الابتلاع بمهلة. (محتار الصحاح، مادة لقم 602، ولساد العرب 12/546) .
6 الاختلاج: الاضطراب، والحركة. (لسان العرب 2/258، والمطلع على أبواب المقنع 307) .
7 راجع: الحاوي الكبير 10/369، والمهذب 2/40، والعزيز شرح الوجيز6/530، وروضة الطالبين 6/37.
ورابعُها1: العلمُ بالجهة المقتضية للإرث تفصيلاً من قرابة، أو زوجية، أو ولاء. ودرجة القرابة2، والولاء من القرب والبعد3.
وهذا الشرط يَختصُّ بالقضاءِ، فلا يقبل القاضي الشهادةَ بالإرث مطلقة بأن يقول الشاهد: هو وارثه؛ لاختلاف العلماء في الحجب في بعض المواضع، وسقوط بعض الجدات دون بعض، وتقديم بعض الورثة على بعض، كما في الجد والإخوذ في الولاء. فربما ظن الشاهد من ليس بوارث وارثاً فلا يكفي في الشهادة كونٌه أي المشهود له ابن عمِّ مثلاً، بل لا بد من العلم بالقرب والدرجة التي اجتمعا فيها [وهي] 4 [في النسب] 5 أقرب جدِّ اجتمعا فيه فلو مات قرشيٌ مثلاً فكلُّ قرشيٌ موجود عند موته ابنُ عمِّه فلا يرثه منهم إلاّ من عُلم قربه منه أي عُلم أنه الأقرب إلى الميت، دون غيره وإلا بأن لم يُعلم الأقرب دون غيره، بل يُعلم أنه قريبه في الجملة فلا نورثه؛ لأنا لو ورَّثناه لجاز وجود أقرب منه فيكون
1 أي رابع شروط الإرث.
2 أي العلم بالدرحة التي اجتمع الميت والوارت فيها.
3 أي القرب والبعد من الميت فيعلم أن هذا الوارث قد ثبت إرثهمن الميت بجهة القرابة، أو بجهة الزوجية، أو بجهة الولاء. ويعلم أيضاً أنه لا حاجب له عن الميراث، وليس هناك مانع يمنعنه من الميراث.
4 في باقي النسخ: وهو.
5 سقطت من: (ب) ، (د) .
[هو] 1 الوارث فنكون قد صَرفنا التركة لغير مستحقها. فتصرف في هذه الحالة2 لبيت المال.
وتَبِع المصنفُ في عدّ هذا الرابع [شرطاً] 3 شيخَه/ [64/4أ] البَلْقِينيَّ في تدريبه4 والقَرَافي5 في ذخيرته6، فإنهما صرحا باشتراطه. والموانعُ تأتي في فصلِ الحجب بالصفة إن شاء الله تعالى7.
1 في (د) : هذا.
2 أي إذا عُلم القرب في الجملة، ولم يُعلم الأقرب دون غيره.
3 سقطت من (د) .
4 تدريب البلقيني خ90.
5 هو أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله القرافي الصنهاجي، المالكي، شهاب الدين، أبو العباس، فقيه، أصولي، مفسر ولد بمصر سنة626هـ وتوفي بها سنة 684هـ ودفن بالقرافة. وله مؤلفات منها: الذخيرة في الفقه، وشرح المهذب، والتنقيح في الأصول، والإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرف القاضي والإمام، والاستغناء في أحكام الاستتناء، وغيرها. (الديباج المذهب 62، وشجرة النور الزكية 188، والأعلام 1/94) .
6 الذخيرة في الفقه 13/16.
7 ص 220.