المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١٢

[الطيبي]

الفصل: ‌(2) باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

(2) باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

ــ

باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

مح: ذكر أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه [الأحوذي في شرح الترمذي] عن بعضهم: أن لله تعالى ألف اسم، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم أيضًا. ثم ذكر منها على التفصيل بضعًا وستين.

قال ابن الجوزي في الوفاء: ذكر أبو الحسين بن فارس اللغوي أن لنبينا صلى الله عليه وسلم اثنين وعشرين اسمًا: (محمد) و (أحمد) و (محمود) - وقيل: هو اسم مفعول من التحميد، وهو المبالغة من الحمد، يقال حمدت فلانًا أحمده إذا أثنيت عليه بحمد على خصاله وأحمدته إذا وجدته محمودًا - ويقال: هذا الرجل محمود، فإذا بلغ النهاية في ذلك وتكاملت فيه المحاسن والمناقب فهو محمد، قال الأعشى يمدح بعض الملوك: إلى الماجد الفرع الجواد المحمد.

أراد الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة، وهذا البناء يدل أبدًا على بلوغ النهاية، كما تقول في الحمد: محمد، وفي الذم: مذمم، وقيل هذا البناء للتكثير نحو: فتحت الباب فهو مفتح، إذا فعلت به ذلك مرة بعد أخرى.

و (محمد): اسم منقول من الصفة على سبيل التفاول، أي أنه سيكثر حمده.

وأما أحمد: فأفعل من الحمد قطع متعلقه للمبالغة، قال ابن الجوزي في الوفاء: قال ابن قتيبة: ومن أعلام نبوة نبينا صلي الله عليه سلم أنه لم يسم قبله أحد باسمه صيانة من الله تعالى لهذا الاسم، كما فعل بيحيى، إذا لم يجعل له من قبل سميَّا، وذلك أن الله تعالى سماه في الكتب المتقدمة وبشر به الأنبياء، فلو جعل الاسم مشتركًا فيه شاعت الدواعى ووقعت الشبهة، إلا أنه لما قرب زمنه، وبشر أهل الكتاب بقربه سموا أولادهم بذلك.

(والماحي): قيل: هو الذي يمحو الله به الكفر، لأنه صلى الله عليه وسلم بعث والدنيا مظلمة بغيابه الكفر، فأتى صلى الله عليه وسلم بالنور الساطع حتى محى الكفر، من قولك: محوت الخط محوًا، ومحت الريح والأمطار رسم الربع.

مح: يحتمل أن يراد به الظهور بالحجة والغلبة، كما قال تعالى:} ليظهره على الدين كله {وجاء في حديث آخر مفسرًا بالذي محيت به سيئات من تبعه، كما قال الله تعالى:} قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {.

(والحاشر): حس: أي يحشر أول الناس، لقوله صلى الله عليه وسلم:((أنا أول من تنشق عنه الأرض)).

مح: هو من قوله ((يحشر الناس على قدمي)) أي على إثري وزمان نبوتي وليس بعدي نبي.

ص: 3683

ــ

أقول: هو من الإسناد المجازي، لأنه سبب في حشر الناس، لأن الناس لم يحشروا ما لم يحشر، ومنه قولهم: ناقة ضبوث، شك في سمنها فضبثت أي حبست، وإنما جعلت ضابثة لما بها من الداعي إلى الضبث ومنه الحلوب والركوب.

والعاقب: مح: قال ابن الأعرابي: العاقب والعقرب الذي يخلف في الخير من كان قبله، ومنه عقب الرجل يقال لولده.

(والمقفي): قيل: هو على صيغة الفاعل، المولى الذاهب، يقال: قفي عليه أي ذهب به، وكأن المعنى: هو آخر الأنبياء فإذا فنى فلا نبي بعده، فمعنى المقفي والعاقب واحد لأنه تبع الأنبياء صلوات الله عليهم وهو المقفي لأنه المتبع للنبيين، وكل شيء يتبع شيئًا فقد قفاه، يقال: هو يقفو أثر فلان أي يتبعه، قال الله تعالى:{ثم قفينا على آثارهم برسلنا} وسميت قافية البيت بها لأنها كلمة تتبع سائر الكلمات وسمى القفا لأنه خلف الوجه. هذا أحد الوجهين في تسمية النبي صلى الله عليه وسلم المقفي.

والوجه الآخر: أن يكون ((المقفي)) بفتح القاف ويكون مأخوذًا من القفي، والقفي الكريم والضيف، والقفاوة البر واللطف، فكأنه سمى المقفي لكرمه وفضله.

والوجه الأول أحسن وأوضح.

(ونبي الرحمة): قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا رحمة مهداة))، والرحمة: اللطف والرأفة والإشفاق لأنه صلى الله عليه وسلم كان بالمؤمنين رحيمًا.

(ونبي الملاحم): الملاحم جمع الملحمة وهي الحرب، سمي به لحرصه على الجهاد، ومسارعته إلى القراع، وقلة إحجامه، ولذلك قال علي رضي الله عنه:((كنا إذا التحم الناس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن أحد منا إلى العدو أقرب منه)).

قال في شرح السنة: إن قيل: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا نبي الرحمة ونبي الملاحم)) كيف وجه الجمع بينهما؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا رحمة)) وقال جل ذكره: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} فكيف يكون مبعوثًا بالرحمة وقد بعث بالسيف؟.

قيل: هو مبعوث بالرحمة كما ذكر وكما أخبر الله تعالى، وذلك أن الله تعالى بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالرحمة، وأيدهم بالمعجزات، فمن أنكر من تلك الأمم الحق بعد الحجة والمعجزة عذبوا بالهلاك والاستئصال، واستؤنى بهذه الأمة فلم يعاجلوا بالهلاك

ص: 3684

ــ

والاستئصال، ولكن الله أمر نبيه بالجهاد معهم بالسيف ليرتدعوا عن الكفر، ولم يجتاحوا بالسيف فإن للسيف بقية، وليس مع العذاب المنزل بقية.

وروى أن قومًا من العرب قالوا: يا رسول الله أفنانا السيف.

فقال: ((ذاك أبقى لآخركم)).

فهذا معنى الرحمة المبعوث بها - ذكره الخطابي.

قال الشيخ الإمام: ومما يؤيد ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: أن الله تعالى بعث إليه ملك الجبال فقال: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا)).

وهو مبعوث بالرحمة أيضًا حيث إن الله تعالى وضع في شريعته عن أمته ما كان في شرائع الأمم السالفة عليهم من الآصار والأغلال، كما قال الله تعالى في كتابه في قصة موسى عليه الصلاة والسلام، {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ..} إلى قوله: {

ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}، وأعطى أمته في الأعمار القصيرة على الأعمال اليسيرة ضعف ما أعطى الأمم الماضية في الأعمار الطويلة على الأعمال الكثيرة الثقيلة، كما جاء في حديث ابن عمر:((إن اليهود والنصارى قالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال الله تعالى: ((ذلك فضلى أوتيه من أشاء)) فقد أكمل الله على الخلائق بإرساله الرحمة، وأتم عليهم النعمة، وأعظم عليهم المنة فلله الحمد أولا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.

(والشاهد): لأنه هو الذي يشهد يوم القيامة للأنبياء على الأمم بتبليغ الأنبياء إليهم برسالات الله جل ثناؤه، [ويشهد على أمته] قال تعالى:{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} ويشهد لهم أي يزكيهم، قال الله تعالى:{لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا} .

وقيل: سماه شاهدًا لمشاهدته الحال كأنه الناظر إليها، والمخبر بما شاهد منها، ويقال للسان: الشاهد، لأنه يعبر ويشهد، قال الأعشى:

فلا تحسبني شاكرًا لك نعمة على شاهدي يا شاهد الله فاشهدي

أراد بشاهد نفسه لسانه، وبشاهد الله الملك.

(والمبشر والنذير): بشر أهل الإيمان بالجنة والرضوان وأنذر أهل النار بالخزي والبوار.

ص: 3685

ــ

(والضحوك): هو اسمه في التوراة: وذلك أنه كان طيب النفس فكهًا، وكان لا يحدث بحديث إلا ضحك حتى تبدو نواجذه، وكان لينًا مع الجفاة لطيفًا في المنطق معهم، كأن وجهه دائرة القمر عند امتلاء نوره صلى الله عليه وسلم.

(والمتوكل): الذي يكل أموره إلى الله عز وجل، فإذا أمره الله بالشيء نهض غير هيوب ولا ضرع، فاشتقاق التوكل من قولنا: رجل وكل، أي ضعيف، وكان صلى الله عليه وسلم إذا همه أمر عظيم أو نزلت به ملمة من الملمات راجعًا إلى ربه غير متكل على حول نفسه وقوتها.

(والفاتح): سمى به لفتحه من الإيمان أبوابًا [منسدة]، والفتح الحكم، قال الله تعالى:{ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} أي احكم، فسمى صلى الله عليه وسلم فاتحًا لأنه تعالى جعله حكمًا في خلقه، فجعلهم على المحجة البيضاء.

ويحتمل أن يكون (الفاتح) من فتحة ما استغلق من العلم، وهذا الوجه مروي عن علي رضي الله عنه.

(والأمين) مأخوذ من الأمانة، وكان صلى الله عليه وسلم يسمى قبل البعثة أمينًا لما عاينوا من أمانته وحفظه لها، وكل من أمن منه الخلف والكذب فهو أمين.

(والمصطفي) أصل الصفا خلوص الشيء من الشوب، والاصطفاء تناول صفو الشيء، كما أن الاختيار تناول خيره، واصطفاء الله تعالى بعض عباده قد يكون يإيجاده تعالى إياه صافيًا من الشوب الموجود في غيره، وقد يكون باختياره وبحكمه وإن لم يتغير ذلك من الأول.

فأما المصطفي فقد شاركه فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعند الإطلاق يفهم (محمد) صلى الله عليه وسلم لأنه أرفع قدرًا.

(والخاتم): من ختمت الشيء إذا أتممته وبلغت آخره، وخاتمة الشيء وختامه آخره، ومنه ختم القرآن. سمى صلى الله عليه وسلم (خاتم النبيين) لأنه آخرهم في البعثة إلى الخلق وإن كان في الفضل أولا.

(والرسول والنبي والأمي): قيل: أراد به أنه من مكة المكرمة وهي أم القرى، وقيل: المراد الذي لا يكتب ولا يقرأ.

(والقثم) من القثم وهو الإعطاء، سمى به صلى الله عليه وسلم لأنه كان أجود بالخير من الريح الهابة، ويعطي فلا يبخل، ويمنح فلا يمنع.

ص: 3686

ــ

أو من القثم: الجمع، يقال للرجل الجموع للخير: قثوم سمى به صلى الله عليه وسلم لأنه كان جامعًا لجميع المناقب الرفيعة والفضائل السنية، والأول أصح وأقرب.

ونقل هذه الأسامي من الوفاء، وهو مذكور في الكتاب والسنة من غير ذلك هذه.

و (نبي التوبة): لأنه تواب كثير التوب والرجوع إلى الله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم:((إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة أو مائة مرة)) ولأنه قبل من أمته التوبة بمجرد الاستغفار بخلاف الأمم السالفة، قال تعالى:{ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيما} ألم تر كيف عدل عن المضمر إلى المظهر في قوله: {واستغفر لهم الرسول} أي: شفاعة من اسمه الرسول لقبول توبة المذنبين بمكانة عظيمة عند الله تعالى، ولما كان هذا المعنى مختصًا به سمي: بـ (نبي التوبة).

(والقاسم): [قال صلى الله عليه وسلم: (([أنا القاسم] والله المعطى)).

(والعبد): قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} {فأوحى إلى عبده ما أوحى} .

(وعبد الله): قال تعالى: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه} .

(والمزمل والمدثر): رويّ عن عكرمة: أي الذي زمل أمرًا عظيمًا، أي حمله. ورويّ عن ابن عطاء: يأيها المخفي ما نظهره عليك من آثار الخصوصية آن أوان كشفه فأظهره، فقد أيدناك بمن يتبعك ويوافقك ولا يخذلك ولا يخالفك وهو أبو بكر وعلي رضي الله عنهما.

(والشفيع والشافع والمشفع والحبيب [والخطيب] والحي والجليل والداعي) قال تعالى: {وداعيًا إلى الله} أي: داعيًا لأهل الشرك والجاهلية إلى التوحيد وشرائع الإسلام {بإذنه} أي بتيسيره وتسهيله.

(والسراج المنير) أي السراج المنير الذي جلى الله به ظلمات الشرك واهتدى به الضالون، كما تجلى ظلمات الليل بالسراج المنير ويهتدى به، أو أمد الله بنور نبوته نور البصائر كما يمد بنور السراج نور الأبصار، ووصفه بالإنارة لأن من السراج ما لا يضيء.

(وحريص ورءوف ورحيم): قال الله تعالى: {حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} .

ص: 3687

الفصل الأول

5776 -

عن جبير بن مطعم، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ لى أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بى الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب)) والعاقب: الذي ليس بعده شيء. متفق عليه.

ــ

(والطيب): قال الله تعالى: {الطيبون للطيبات} .

(وأولوا العزم): قال الله تعالى: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} .

(والصاحب): قال الله تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى} .

(والصالح): هو من قول الأنبياء: ((مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح)).

(والقائد والسيد): من قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا قائدهم إذا وفدوا)).

(والحرز): من قوله: ((وحرزا للأميين)).

(والإمام): من قوله: ((كنت إمام النبيين)).

(والنور): قالت أمه: خرج لها نور أضاء لها.

(والأزهر): من قوله: أزهر اللون.

(والأجود): من قوله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير.

(والشكور): من قوله: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟.

الفصل الأول

الحديث الأول عن جبير رضي الله عنه:

قوله: ((على قدمي)) أي على أثري، والظاهر على قدميه اعتبارًا للموصول إلا أنه اعتبر المعنى المدلول بلفظة:((أنا)).

((مح)): ضبطوه بتخفيف الياء على الإفراد، وتشديدها على التثنية.

الحديث الثاني والحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه:

قوله: ((شتم قريش)) تو: يريد بذلك تعريضهم إياه بمذمم مكان محمد، وكانت العوراء بنت حرب زوجة أبي لهب تقول:

ص: 3688

5777 -

وعن أبي موسى الأشعري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمي لنا نفسه أسماءً فقال: ((أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة)). رواه مسلم.

5778 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم! يشتمون مذممًا، ويلعنون مذممًا، وأنا محمد)) رواه البخاري.

5779 -

وعن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادَّهن لم يتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهه مثل السيف؟ قال: لا بل كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديرًا ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده. رواه مسلم.

ــ

مذممًّا قلينا ودينه أبينا وأمره عصينا

الحديث الرابع عن جابر رضي الله عنه:

قوله: ((وإذا شعث رأسه)) أي تفرق شعر رأسه، فدل هذا على أنه عند الادهان يجمع شعر رأسه ويضم بعضه إلى بعض، وكانت الشعرات البيض من قلتها لا تتبين فإذا شعث رأسه ظهرت.

قوله: ((لا بل كان مثل الشمس والقمر)) رده الراوي ردًا بليغًا حيث شبهه بالسيف الصقيل، ولما لم يكن الوجه شاملا للطرفين قاصرًا عن تمام المراد من الاستدارة والإشراق الكامل والملاحة، قال: لا بل كان مثل الشمس في نهاية الإشراق، والقمر في الحسن والملاحة، وحين جرى التعارف في تمثيل الشمس بالإشراق والقمر في الحسن والملاحة دون الاستدارة أتى بقوله:((وكان مستديرًا)) بيانًا للمراد فيهما.

الحديث الخامس عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه:

قوله: ((ناغض كتفه اليسرى)) ((نه)): النغض والناغض أعلى الكتف، وقيل: هو العظم الرقيق الذي على طرفه.

والجمع: هو أن تجمع الأصابع وتضمها، يقال: ضربه بجمع كفه، بضم الجيم.

والخيلان: جمع الخال وهو الشامة في الجسد.

والثآليل: جمع ثؤلول وهو هذه الحبة التي تظهر في الجلد كالحمصة فما دونها.

ص: 3689

5780 -

وعن عبد الله بن سرجس، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزًا ولحمًا أو قال: ثريدًا - ثم درت خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى، جمعًا عليه، خيلانٌ كأمثال الثآليل. رواه مسلم.

5781 -

وعن أم خالد بنت خالد بن سعيد، قالت: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصةٌ سوداءُ صغيرة، فقال:((ائتوني بأم خالد)) فأتى بها تحمل، فأخذ الخميصة بيده، فألبسها. قال:((ابلي وأخلقي، ثم ابلي وأخلقي)) وكان فيها علم أخضر أو أصفر. فقال: ((يا أم خالد! هذا سناه)) وهي بالحبشية: حسنة. قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزبرنى أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((دعها)) رواه البخاري.

ــ

مح: وظاهر قوله: ((جمعا)) يحتمل أن يكون المراد تشبيه به في الهيئة، وأن يكون في المقدار، والمراد به هنا الهيئة ليوافق قوله:((مثل بيضة الحمام)).

الحديث السادس عن أم خالد رضي الله عنها:

قوله: ((خميصة سوداء)) [مظ]: الخميصة كساء أسود مربع له علمان.

و ((تحمل)) حال من الضمير في ((بها))، والتكرار في قوله:((ابلي وأخلقي)) دعاء لها بطول عمرها.

((فزبرني أبي)) أي صاح عليّ ونهاني عن ذلك.

وقد أشار الشيخ الصمداني ((شهاب الدين السهروردي)) قدس الله سره في عوارفه إلى استناد المشايخ الصوفية في لبس الخرقة بهذا الحديث.

الحديث السابع عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((بالطويل البائن)) قض: الظاهر البين طوله، من بان إذا ظهر.

نه: أي المفرط طولا الذي يعد من قدر الرجال الطوال.

و ((الأمهق)) هو الكريه البياض كلون الجص، يريد أنه كان نير البياض.

((ولا بالآدم)) أي الشديد السمرة.

و ((القطط)) أي الشديد الجعودة.

و ((السبط)) من الشعر المنبسط المسترسل، أي كان شعره صلى الله عليه وسلم وسطًا بينهما.

ويقال: ((رجل ربعة)) ومربوع إذا كان بين الطويل والقصير.

ص: 3690

5782 -

وعن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم، وليس بالجعد القطط، ولا بالسبط، بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.

وفي رواية يصف النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون. وقال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه.

وفي رواية: بين أذنيه وعاتقه. متفق عليه.

وفي رواية للبخاري، قال: كان ضخم الرأس والقدمين، لم أر بعده ولا قبله مثله، وكان سبط الكفين. وفي أخرى له، قال: كان شثن القدمين والكفين.

ــ

و ((الأزهر)) الأبيض المستنير، والزهر والزهرة البياض النير وهو أحسن الألوان.

وقوله: ((شثن القدمين والكفين)) أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر، وقيل: هو الذي في أنامله غلط بلا قصر، ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم، ويذم في النساء.

الحديث الثامن عن البراء رضي الله عنه.

قوله: ((لمة أحسن)) نه: اللمة من شعر الرأس دون الجمة، سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين، فإذا زادت فهي الجمة.

الحديث التاسع عن سماك رضي الله عنه:

قوله: ((ضليع الفم)) ((مح)): أي عظيمه، هكذا قاله الأكثرون وهو الأظهر. قالوا: والعرب تمدح ذلك وتذم [صغر] الفم.

وقال شمر: عظيم الأسنان.

وأما قوله: ((أشكل العينين)) فقال القاضي عياض: تفسير سماك ((أشكل العينين)) وهم منه وغلظ ظاهر، وصوابه ما اتفق عليها العلماء ونقله أبو عبيدة وجميع أصحاب الغريب، وهو أن الشكلة حمرة في بياض العين وهو محمود.

وأما ((المنهوش)) فبالشين المعجمة.

الحديث العاشر عن أبي الطفيل رضي الله عنه:

ص: 3691

5783 -

وعن البراء، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً، بعيد ما بين المنكبين، له شعرُ بلغ شحمة أُذنيه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئاً قط أحسن منه. متفق عليه.

وفي رواية لمسلم، قال: ما رأيت من ذي لمة أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، شعره يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل ولا بالقصير.

5784 -

وعن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشكل العينين، منهوش العقبين. قيل لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم قيل: ما أشكل العينين؟ قال: طويل شق العين. قيل: ما منهوش العقبين؟ قال: قليل لحم العقب. رواه مسلم.

5785 -

وعن أبي الطفيل، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبيض مليحاً مُقصداً. رواه مسلم.

5786 -

وعن ثابت، قال: سُئل أنس عن خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يبلغ ما يخضب، لو شئت أن أعد شمطاته في لحيته - وفي رواية: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه - فعلت. متفق عليه.

ــ

قوله: ((مقصداً)) نه: هو الذي ليس بطويل ولا قصير، ولا جسيم، كأن خلقه يجيء به القصد من الأمور، والمعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي التفريط والإفراط.

الحديث الحادي عشر عن ثابت:

قوله: ((إنه لم يبلغ ما يخضب)) أي كان قليل الشيب لا يظهر في بدء النظر ولم يفتقر إلى كتمه بالخضاب.

قوله: ((شمطاته)) نه: الشمط الشيب، والشمطات الشعرات التي كانت في شعر لحيته يريد به قلتها.

و ((نبذ)) أي يسير من شيب، يقال: بأرض كذا نبذ من [كذا] أي شيء يسير.

و ((العنفقة)) الشعر الذي في الشفة السفلى، وقيل: الشعر الذي بينها وبين الذقن وأصل العنفقة خفة الشيء وقلته - انتهى كلامه.

ص: 3692

وفي رواية لمسلم، قال: إنما كان البياض في عنفقته، وفي الصدغين وفي الرأس نبذ.

5787 -

وعن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشي تكفأ، وما مسست ديباجة ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً ولا عنبرة أطيب من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.

5788 -

وعن أم سليم، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها، فيقيل عندها. فتبسط نطعاً فيقيل عليه، وكان كثير العرق، فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((يا أم سُليم! ما هذا؟)) قالت: عرقك نجعله في طيب وهو من أطيب الطيب.

وفي رواية قالت: يا رسول الله! نرجو بركته لصبياننا قال: ((أصبتِ)). متفق عليه.

ــ

و ((نبذ)) مبتدأ، وقوله:((في عنفقته)) خبره، والجملة خبر كان، والعائد محذوف، أي نبذ منه.

الحديث الثاني عشر عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((تكفأ)) مح: هو بالهمز وقد يترك همزه، وزعم كثيرون أنه بلا همزة وليس كما قالوا.

تو: قيل: تمايل إلى قدام كما تتكفأ السفينة في جريها، من قولهم: أكفأته وكفأته إذا أملته، ويقال: كفأت الإناء فانكفأ وتكفأ، وأراد به الترفع عن الأرض مرة واحدة كما يكون من مشي الأقوياء وذوي الجلادة، بخلاف المتماوت الذي يجر رجله في الأرض، ويدل عليه قول الواصف، إذا مشي تقلع.

((مح)): قال شمر: معناه مال يميناً وشمالاً كما تكفأ السفينة.

قال الأزهري: هذا خطأ لأن هذه صفة المختال.

قال القاضي عياض: لا يعد فيما قاله ((شمر)) إذا كان خلقة وجبلة، والمذموم منه ما كان مستعملاً مقصوداً.

الحديث الثالث عشر [عن أم سليم رضي الله عنها]:

قوله: ((يأتيها فيقيل)) مح: أم حرام وأم سليم كانتا خالتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين إما من الرضاع وإما من النسب، فيحل له الخلوة بهما، فكان يدخل عليهما خاصة، ولا يدخل على غيرهما من النساء.

ص: 3693

5789 -

وعن جابر بن سمرة، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً، وأما أنا فمسح خدي، فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار. رواه مسلم.

وذكر حديث جابر: ((سموا باسمي)) في ((باب الأسامي)).

وحديث السائب بن يزيد: نظرت إلى خاتم النبوة في ((باب أحكام المياه)).

الفصل الثاني

5790 -

عن علي بن أبي طالب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا

ــ

تو: قد وجدت في بعض كتب الحديث أنهما كانتا من ذوات محارم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقيل في بيت أجنبية، وإذا لم يكن بينه وبينها سبب محرم من رحم وصلة فلابد أن يكون ذلك من جهة الرضاع، وإذ قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحمل إلى المدينة رضيعاً تعين أن يكون ذلك من قبل أبيه عبد الله، فإنه ولد بالمدينة، وكان عبد المطلب قد فارق أباه هاشماً وتزوج بالمدينة من بني النجار، وأم سليم وأم حرام بنتا ملحان كانتا من بني النجار، فعرفنا من جميع ذلك أن الحرمة بينهم كانت حرمة رضاع، ولقد وجدنا الجم الغفير من علماء النقل أوردوا أحاديث أم حرام وأم سليم ولم يبين أحد منهم العلة، إما من الغفلة عنها، وإما لعدم العلم بها، فأحببت أن أبين وجه ذلك لئلا يظن جاهل أنه كان في سعة من ذلك لمكان العصمة، ولا يتذرع به مستبيح إلى الترخص بما لا رخصة فيه، وأراني ـ والله أعلم ـ أول من وفقت لذلك، فواها لها من درة كنت مستخرجها والله أحمد على هذه الموهبة السنية.

الحديث الرابع عشر عن جابر رضي الله عنه:

قوله: ((صلاة الأولى)) ((مح)): هي صلاة الظهر.

وفي مسحه الصبيان بيان حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ورحمته للأطفال وملاطفتهم.

وقوله: ((من جؤنة عطار)) ((مح)): هو بضم الجيم التي يعد فيها الطيب ويحرز.

((مح)) وفي الحديث بيان طيب ريحه صلى الله عليه وسلم وهو مما أكرمه الله سبحانه وتعالى به، قالوا: وكانت هذه الريح الطيبة صفته وإن لم يمس طيباً، ومع هذا كان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات، مبالغة في طيب ريحه، لملاقاة الملائكة، وأخذ الوحي الكريم، ومجالسة المسلمين.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن علي رضي الله عنه:

ص: 3694

بالقصير، ضخم الرأس واللحية، شثن الكفين والقدمين، مشرباً حمرة، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى تكفأ تكفؤاً، كأنما ينحط من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. [5790]

5791 -

وعنه، كان إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل الممغط، ولا بالقصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط، كان

ــ

قوله: ((مشرباً حمرة)) نه: الإشراب خلط لون بلون، كأن أحد اللونين سقى اللون الآخر، يقال: بياض مشرب حمرة، بالتخفيف فإذا شدد كان للتكثير والمبالغة.

و ((الكراديس)) رءوس العظام، واحدها كردوس، وقيل: هي ملتقى كل عظمتين ضخمين كالركبتين والمرفقين.

و ((المسربة)) بضم الراء، ما دق من شعر الصدر سائلاً إلى الجوف.

قوله: ((تكفأ تكفؤاً)) ((نه)): أي تمايل إلى قدام، هكذا روى غير مهموز والأصل الهمزة، وبعضهم يرويه مهموزاً، لأن مصدر تفعل من الصحيح تفعل كتقدم تقدماً وتكفأ تكفؤاً والهمزة حرف صحيح، وأما إذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه نحو: تخفي تخفياً، وتسمى تسمياً، فإذا خففت الهمزة التحقت بالمعتل وصار تكفياً بالكسر.

حس: ((الصبب)) الحدور وهو ما انحدر من الأرض، يريد أنه كان يمشي مشياً قوياً، يرفع رجليه من الأرض رفعاً تاماً، لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه تنعماً.

الحديث الثاني عن علي رضي الله عنه:

قوله: ((الممغط)) ((نه)): هو بتشديد الميم الثانية، المتناهي الطول، وأمغط النهار إذا امتد، وأمغطت الحبل وغيره إذا مددته، وأصله منمعط والنون للمطاوعة فقبلت ميماً وأدغمت في الميم.

ويقال بالعين المهملة بمعناه.

و ((المتردد)) أي المتناهي في القصر كأنه يرد بعض خلقه على بعض وتداخلت أجزاؤه.

و ((المطهم)) هو المنتفخ الوجه، وقيل الفاحش السمن، وقيل: النحيف الجسم، وهو من الأضداد.

و ((المكلثم)) هو من الوجوه القصير الحنك الداني الجبهة المستدير مع خفة اللحم، أراد أنه كان أسيل الوجه ولم يكن مستديراً.

ص: 3695

جعداً رجلاً، ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم، وكان في الوجه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، أجرد، ذو مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى يتقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معاً، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي. [5791]

ــ

ولما كان المكلثم المستدير بينه بقوله: ((وكان في الوجه تدوير)) نه: لم يكن مستديراً كل الاستدارة بل كان فيه بعض ذلك، ويكون معنى قوله:((وكان في الوجه تدوير)) أي: كان تدويرًا ما، وكان بين الإسالة والاستدارة [مسنون الوجه].

((تو)): قوله: ((أدعج)) الدعج والدعجة شدة سواد العين وغيرها، يريد أن سواد عينيه كان شديداً.

وقيل: الدعجة شدة سواد العين في بياضها.

و ((أهدب الأشفار)) أي طويل شعر الأجفان.

و ((جليل المشاش)) أي عظيم رءوس العظام كالمرفقين والركبتين والكتفين.

وقال الجوهري: هي رءوس العظام اللينة التي يمكن مضغها.

و ((الكتد)) بفتح التاء وكسرها مجتمع الكتفين وهو الكاهل.

و ((الأجرد)) الذي ليس على بدنه شعر، ولم يكن صلى الله عليه وسلم كذلك، وإنما أراد به أن الشعر كان في أماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين، فإن ضد الأجرد الأشعر وهو الذي على جميع بدنه شعر.

و ((شثن الكفين والقدمين)) أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر، وقيل: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم ويذم في النساء.

وقوله: ((إذا مشى تقلع)) أراد قوة مشيه كأنه يرفع رجليه عن الأرض رفعاً قوياً لا كمن يمشي اختيالاً متقارب الخطا، فإن ذلك من مشي النساء، ويوصفن به.

وقوله: ((وإذا التفت التفت معاً)) أراد أنه لا يسارق بالنظر، وقيل: أراد لا يلوي عنقه يمنة ولا يسرة إذا نظر إلى الشيء، وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف. ولكن كان يقبل جميعاً ويدبر جميعاً: تو: يريد أنه كان إذا توجه إلى الشيء توجه بكليته ولا يخالف ببعض جسده بعضاً كيلا يخالف بدنه قلبه وقصده ومقصده، ثم لما في ذلك من التلون وأمارة الخفة.

ص: 3696

5792 -

وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلك طريقاً فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه، من طيب عرقه - أو قال: من ريح عرقه - رواه الدارمي. [5792]

5793 -

وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: قلت للربيع بنت معوذ بن عفراء: صفي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة. رواه الدارمي. [5793]

5794 -

وعن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، وعليه حلة حمراء، فإذا هو أحسن عندي من القمر. رواه الترمذي، والدارمي. [5794]

ــ

واللهجة: اللسان، يقال: هو فصيح اللهجة، من لهج بالشيء إذا ولع به.

نه: والعريكة الطبيعة، يقال: فلان لين العريكة إذا كان مطاوعاً منقاداً قليل الخلاف.

وهاب الشيء يهابه إذا خافه وإذا وقره وعظمه.

و ((من رآه بديهة)) أي مفاجأة وبغتة، يعني من لقيه قبل الاختلاط به هابه لوقاره وسكونه، فإذا جالسه وخالطه بان له حسن خلقه.

نه: والنعت: وصف الشيء بما فيه من حسن، ولا يقال في القبيح إلا أن يتكلف متكلف فيقول: نعت سوء، والوصف يقال في الحسن والقبح. انتهى كلامه.

والمعنى: من أراد أن يصفه فيعجز عن وصفه فيعجز عن وصفه فيقول: لم أر قبله.

قوله: ((عشرة)) هكذا هو في الترمذي والجامع، أي: الصحبة، وفي المصابيح:((العشيرة)) أي الصاحب.

الحديث الثالث: عن جابر رضي الله عنه:

قوله: ((من ريح عرقه)) هو بفتح الراء والقاف، و ((أو)) لترديد الراوي.

وقد سبق للشيخ محيى الدين معناه في الحديث الآخر من الفصل الأول.

الحديث الرابع عن أبي عبيدة رضي الله عنه:

قوله: ((لو رأيته رأيت الشمس طالعة)) أي لرأيت شمساً طالعة، جرد من نفسه الزكية الطاهرة شمساً وهي هي، ونحوه قولك: لئن لقيته ليلقينك منه الأسد وإذا نظرت إليه لم تر إلا أسداً.

الحديث الخامس عن جابر رضي الله عنه:

ص: 3697

5795 -

وعن أبي هريرة، قال: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه. وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث. رواه الترمذي. [5795]

5796 -

وعن جابر بن سمرة، قال: كان في ساقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسماً، وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين، وليس بأكحل. رواه الترمذي. [5796]

ــ

قوله: ((إضحيان)) ((فا)) يقال: ليلة ضحياء وإضحياء وإضحيانة وهي المقمرة من أولها إلى آخرها، وأفعلان مما قل في كلامهم وهو بكسر الهمزة.

الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه:

قوله: ((كأن الشمس تجري في وجهه)) شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه، وفيه معنى قول الشاعر:

يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظراً

وفيه أيضًا عكس التشبيه للمبالغة، ويجوز أن يقدر متعلق الخبر للاستقرار فيكون من باب تناسي التشبيه، فجعل وجهه صلى الله عليه وسلم مقراً ومكاناً لها من باب التناسي ومنه قول الشاعر:

هي الشمس مسكنها السماء فعز الفؤاد عزاء جميلاً

قوله: ((إن لنجهد أنفسنا)) تو: يجوز فيه فتح النون وضمها، يقال: جهد دابته وأجهدها إذا حملها فوق طاقتها.

نه: ((لغير مكترث)) أي غير مبال، ولا يستعمل إلا في النفي أما في الإثبات فشاذ.

الحديث السابع عن جابر رضي الله عنه:

قوله: ((حموشة)) قض: حموشة الساق دقتها، يقال: حمشت قوائم الدابة إذا دقت، وشفة حمشة قليلة اللحم.

قوله: ((لا يضحك إلا تبسماً)) جعل التبسم من الضحك واستثنى منه، فإن التبسم من الضحك بمنزلة السنة من النوم، ومنه قوله تعالى:{فتبسم ضاحكاً من قولها} أي شارعاً في الضحك.

ص: 3698

الفصل الثالث

5797 -

عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلج الثنيتين، إذا تكلم رُئى كالنور يخرج من بين ثناياه. رواه الدارمي. [5797]

5798 -

وعن كعب بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه، حتى كأن وجهه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك. متفق عليه.

5799 -

وعن أنس، أن غلاماً يهودياً كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يا يهودي! أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة نعتي وصفتي ومخرجي؟)). قال: لا، قال الفتى. بلى والله يا رسول الله! إنا نجد لك في التوراة نعتك وصفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:((أقيموا هذا من عند رأسه، ولوا أخاكم)) رواه البيهقي في ((دلائل النبوة)). [5799]

ــ

الفصل الثالث

الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما:

قوله: ((أفلج الثنيتين)) نه: الفلج بالتحريك فرجة ما بين الثنايا والرباعيات، والفرق فرجة ما بين الثنيتين. انتهى كلامه.

وفي الحديث استعمل ((فلج)) موضع ((فرق)) والضمير في ((يخرج)) يجوز أن يرجع إلى ما دل عليه ((تكلم)) وأن يرجع إلى ((النور)) والكاف زائدة نحو قولك: مثلك يجود، فعلى الأول: تشبيه، ووجه البيان الظهور، كما شبهت الحجة الظاهرة بالنور، وعلى الثاني: لا تشبيه فيه ويكون من معجزاته صلى الله عليه وسلم.

الحديث الثاني عن كعب رضي الله عنه:

قوله: ((وكنا نعرف ذلك)) حال مؤكدة، أي كان ظاهراً جلياً لا يخفي على كل ذي بصر وبصيرة.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه:

ص: 3699