المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) باب جامع المناقب - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١٢

[الطيبي]

الفصل: ‌(12) باب جامع المناقب

6195 -

وعن موسى بن طلحة، قال: ما رأيت أحداً أفصح من عائشة. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب [6195].

(12) باب جامع المناقب

الفصل الأول

6196 -

عن عبد الله بن عمر، قال: رأيت في المنام كأن في يدي سرقة من حرير، لا أهوي بها إلى مكان في الجنة إلا طارت به إليه، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((إن أخاك رجل صالح- أو إن عبد الله رجل صالح)). متفق عليه.

6197 -

وعن حذيفة قال: إن أشبه الناس دلا وسمتاً وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم لابن أم عبد من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه، لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا. رواه البخاري.

ــ

باب جامع المناقب

الفصل الأول

الحديث الأول عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

قوله: ((لا أهوي بها إلى مكان)) أي لا أريد الميل بها إلى مكان في الجنة إلا كانت مطيرة بي ومبلغة إياي إلى تلك المنزلة، فكأنها لي مثل جناح الطير للطائر.

الحديث الثاني عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:

قوله: ((دلاً وسمتاً وهدياً)) ((قض)): الدل قريب من الهدي، والمراد به السكينة والوقار، وما يدل على كمال صاحبه من ظواهر أحواله، وحسن مقاله.

وبالسمت: القصد في الأمور.

وبالهدي: حسن السيرة وسلوك الطريقة المرضية.

وابن أم عبد: عبد الله بن مسعود.

قوله: ((من حين يخرج)) متعلق بأشبه.

وقوله: ((لا ندري)) جملة مستأنفة، يريد بها أنا نشهد له بما يستبين لنا من ظاهر أمره، ولا ندري ما بطن منه.

ص: 3925

6198 -

وعن أبي موسى الأشعري، قال قدمت أنا وأخي من اليمن، فمكثنا حيناً ما نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.

6199 -

وعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل)). متفق عليه.

6200 -

وعن علقمة، قال: قدمت الشام، فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسر لي جليساً صالحاً، فأتيت قوماً، فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جانبي، قلت: من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء قلت: إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فيسرك لي فقال: من أنت؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أوليس

ــ

الحديث الثالث عن أبي موسى رضي الله عنه:

قوله: ((ما نرى)) حال من فاعل ((فمكثنا)) ويجوز أن يكون صفة ((حيناً)) أي زماناً غير ظانين فيه شيئاً إلا كون عبد الله بن مسعود كذا.

((مح)): ما نرى بضم النون أي ما نظن.

الحديث الرابع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

قوله: ((استقرئوا القرآن)) أي خذوا من هؤلاء الأربعة.

((مح)): قالوا: هؤلاء الأربعة تفرغوا لأخذ القرآن منه صلى الله عليه وسلم مشافهة، وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم من بعض.

أو: لأن هؤلاء تفرغوا لأن يؤخذ عنهم.

أو: أنه صلى الله عليه وسلم أراد الإعلام بما يكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم من تقدم هؤلاء الأربعة وأنهم أقرأ من غيرهم.

الحديث الخامس عن علقمة.

قوله: ((من أهل الكوفة)) أي رجل من أهل الكوفة، ليطابق السؤال، أو تقدير السؤال: من أين أنت؟ ليطابقه الجواب، وقوله:((أو ليس عندكم .... ؟ الخ)).

ص: 3926

عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوسادة والمطهرة، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه؟ يعني عماراً، أو ليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟ يعني حذيفة. رواه البخاري.

6201 -

وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أريت الجنة فرأيت امرأة أبى طلحة، وسمعت خشخشة [أمامي] فإذا بلال)). رواه مسلم.

6202 -

وعن سعد، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترءون علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل، وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله تعالى {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} . رواه مسلم.

ــ

قوله: ((صاحب النعلين)) ((قض)): يريد أنه كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم ويلازمه في الحالات كلها، فيصاحبه في المجالس، ويأخذ نعله، ويضعها إذا جلس، وحين ينهض، ويكون معه في الخلوات، فيسوي مضجعه، ويضع وسادته إذا أراد أن ينام، ويهيئ طهوره، ويحمل معه المطهرة إذا قام إلى الوضوء.

قوله: ((صاحب السر)) قيل: من تلك الأسرار أسماء المنافقين وأنسابهم، أسر بهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحديث السادس عن جابر رضي الله عنه قوله: ((خشخشة)) ((قض)): الخشخشة صوت يحدث من تحرك الأشياء اليابسة واصطكاكها كالسلاح والثوب والنعل.

الحديث السابع عن سعد رضي الله عنه:

قوله: ((ما شاء الله أن يقع)) ورد في تفسير الآية أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو طردت هؤلاء جالسناك وحادثناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنا بطارد المؤمنين)) فقالوا: فأقمهم عنا إذا جئنا، قال ((نعم)) طمعاً في إيمانهم.

ص: 3927

6203 -

وعن أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:((يا أبا موسى! لقد أعطيت مزماراً من مزامير آل داود)). متفق عليه.

6204 -

وعن أنس، قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: أبي ابن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قيل لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. متفق عليه.

ــ

الحديث الثامن عن أبي موسى رضي الله عنه:

قوله: ((مزماراً)) ((قض)): المزمار هاهنا مستعار للصوت الحسن والنغمة الطيبة، أي أعطيت حسن صوت يشبه بعض الحسن الذي كان لصوت داود عليه الصلاة والسلام.

والمراد بآل داود: نفسه، والآل [مفخم] إذا لم يكن له آل مشهور بحسن الصوت، بل المشهود له به هو نفسه.

الحديث التاسع عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((جمع القرآن)) أي حفظوه أجمع.

((مح)): قال المازري: هذا الحديث مما تعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن، وجوابه من وجهين.

أحدهما: بأنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه، فيكون المراد: الذين أعلمهم من الأنصار أربعة، والمراد نفي علمه لا نفي غيره من القراء، وقد روي عن مسلم: حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر المازري منهم خمسة عشر صحابياً، وثبت في الصحيح أنه قتل يوم اليمامة سبعون ممن جمع القرآن، وكانت اليمامة قريبة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها ومن لم يحضرها؟ ولم يذكر في هؤلاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. ونحوهم من كبار الصحابة الذين يبعد كل البعد أنهم لم يجمعوه مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما هو دون ذلك من الطاعات، وكيف يظن هذا بهم ونحن نرى أهل عصرنا يحفظه منهم في كل بلدة ألوف.

وثانيهما: أنه لو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة لم يقدح في تواتره، إذ ليس من شرط التواتر أن ينقل جميعهم جميعه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك.

وقال التوربشتي: المراد من الأربعة أربعة من رهط أنس وهم الخزرجيون.

ص: 3928

6205 -

وعن خباب بن الأرت، قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله تعالى، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً، منهم: مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا نمرة، فكنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر)). ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها. متفق عليه.

6206 -

وعن جابر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اهتز العرش لموت سعد ابن معاذ)).

ــ

ويحتمل أنه أراد به أربعة من الأنصار أوسهم وخزرجهم وهو أشبه، وقد كان بين الحيين مناوأة قبل الإسلام بقيت منها بقية من العصبية بعد الإسلام، فلعله ذكر ذلك على سبيل المفاخرة، لما روي عن أنس رضي الله عنه قال: افتخرت الأوس والخزرج، فقال الأوس: منها غسيل الملائكة (حنظلة بن [الراهب]، ومنا من حمته الدبر (عاصم بن ثابت بن الأقلح)، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين (خزيمة بن ثابت)، ومنا من اهتز العرش لموته (سعد بن معاذ).

وقالت الخزرج: منا أربعة قرأوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرأه غيرهم: (زيد بن ثابت)(أبو زيد) و (معاذ بن جبل) و (أبي بن كعب).

فقوله: ((لم يقرأه غيرهم)) أي لم يقرأه كله أحد منكم يا معشر الأوس.

الحديث العاشر عن خباب بن الأرت رضي الله عنه:

قوله: ((من أينعت له ثمرته)) ((نه)). أينع الثمر يونع وينع [يينع]، فهو مونع ويانع إذا أدرك ونضج، وأينع أكثر استعمالاً.

وهدب الشيء- بالدال المهملة- إذا قطعه، وهدب الثمرة إذا اجتناها يهدبها هدباً.

أقول: هذه الفقرة قرينة لقوله: ((فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً)) كأنه قيل: منهم من لم يعجل شيئاً من ثوابه، ومنهم من عجل بعض ثوابه.

وقوله: ((يهدبها)) على صيغة المضارع لاستمرار الحال الماضية والآتية استحضاراً له في مشاهدة السامع، وفي الحديث:((ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا بثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث)).

ص: 3929

وفي رواية: ((اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ)). متفق عليه.

6207 -

وعن البراء، قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها ويتعجبون من لينها، فقال ((أتعجبون من لين هذه؟)) لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين)). متفق عليه.

ــ

وفيه بيان فضيلة (مصعب بن عمير)) وأنه ممن لم ينقص له من ثواب الآخرة شيء.

الحديث الحادي عشر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

قوله: ((اهتز العرش)) ((مح)): اختلفوا في تأويله، فقال طائفة: هو على ظاهره، واهتزاز العرش تحركه فرحاً بقدوم روح سعد، وجعل الله في العرش تمييزاً ولا مانع منه، كما قال:{وإن منها لما يهبط من خشية الله} . وهذا القول هو المختار.

وقال المازري: قال بعضهم: هو على حقيقته لا ينكر هذا من جهة العقل، لأن العرش جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون.

قال: لكن لا يبعد أن يحمل ذلك على حصول فضيلة سعد، إلا أن يقال: إن الله تعالى جعل حركته علامة للملائكة على موته.

وقيل: المراد اهتزاز أهل العرش- وهم حملته وغيرهم من الملائكة- فحذف المضاف.

والمراد بالاهتزاز الاستبشار، ومنه قول العرب: فلان يهتز للمكارم، لا يريدون اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها.

وقال الحربي: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء، فيقولون: أظلمت الأرض لموت فلان، وقامت له القيامة.

وقالت الجماعة: المراد بالاهتزاز اهتزاز سرير الجنازة، وهو النعش، وهذا القول باطل يرده الرواية الأخرى، وإنما أولوا هذا التأويل لأنه لم تبلغهم الرواية الأخرى.

الحديث الثاني عشر عن البراء رضي الله عنه:

قوله: ((لمناديل)) ((مح)): جمع مناديل وهو هذا الذي يحمل في اليد، قال ابن الأعرابي وغيره: هو مشتق من الندل، وهو النقل؛ لأنه ينقل من واحد إلى واحد.

وقيل: من الندل وهو الوسخ؛ لأنه يندل به.

((خط)): إنما ضرب المثل بالمناديل لأنها ليست من علية الثياب بل هي تبتذل في أنواع من المرافق، فتمسح بها الأيدي، وينفض بها الغبار عن البدن، ويغطى بها ما يهدي في الأطباق،

ص: 3930

6208 -

وعن أم سليم، أنها قالت: يا رسول الله! أنس خادمك، ادع الله له قال:((اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته)) قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن والدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة يوم. متفق عليه.

6209 -

وعن سعد بن أبي وقاص، قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض: ((إنه من أهل الجنة)) إلا لعبد الله بن سلام. متفق عليه.

6210 -

وعن قيس بن عباد، قال: كنت جالساً في مسجد المدينة، فدخل

ــ

وتتخذ لفافاً للثياب، فصار سبيلها سبيل الخادم وسبيل سائر الثياب سبيل المخدوم، فإن كان أدناها هكذا فما ظنك بعليتها؟.

الحديث الثالث عشر عن أم سليم رضي الله عنها: قوله: ((ليتعادون على نحو المائة)) ((قض)): ي يتجاوز عددهم هذا المبلغ، يقال: أنهم ليتعادون على عشرة آلاف، أي يزيدون عليها في العدد.

((مح)): هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.

وفيه دليل لمن يفضل الغني على الفقر.

وأجيب: بأنه مختص بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد بارك فيه، ومتى بارك فيه لم يكن فيه فتنة، فلم يحصل بسببه ضرر ولا تقصير في أداء حق الله تعالى.

وفيه استحباب أنه إذا دعا بشيء يتعلق بالدنيا ينبغي أن يضم إلى دعائه طلب البركة فيه والصيانة.

وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس أنه دفن من أولاده قبل مقدم الحجاج مائة وعشرين.

الحديث الرابع عشر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:

قوله: ((يمشي على وجه الأرض)) صفة مؤكدة لأحد، كما في قوله تعالى:{وما في دابة في الأرض} لمزيد التعميم والإحاطة.

((مح)): ليس هذا مخالفاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة

)) إلى آخر العشرة وغيرهم من المبشرين بالجنة، فإن سعداً قال: ما سمعت، ونفي سماعه ذلك لا يدل على نفي البشارة للغير، فإذا اجتمع النفي والإثبات فالإثبات مقدم عليه.

ص: 3931

رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، فسأحدثك لم ذاك؟ رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة- ذكر من سعتها وخضرتها- وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة فقيل لي: ارقه. قلت: لا أستطيع، فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاه، فأخذت بالعروة، فقيل: استمسك، فاستيقظت وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((تلك الروضة الإسلام وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة؛ العروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت، وذلك الرجل عبد الله بن سلام)). متفق عليه.

ــ

الحديث الخامس عشر عن قيس بن عباد:

قوله: ((تجوز فيهما)) أي خففهما.

((نه)): في الحديث: ((فأتجوز في صلاتي)) أي أخففها وأقللها.

قوله: ((ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم)) ((مح)): هذا إنكار من عبد الله بن سلام عليهم حيث قطعوا له بالجنة، فيحتمل أن هؤلاء بلغهم خبر سعد بن أبي وقاص أن ابن سلام من أهل الجنة ولم يسمع هو ذلك، ويحتمل أنه كره الثناء عليه بذلك تواضعاً وإيثاراً للخمول وكراهية للشهرة.

أقول: فعلى هذا الإشارة بقوله ((ذاك)) إلى إنكاره أياهم، يعني: إني أحدثك بسبب إنكاري عليهم، وهو أني رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم

إلى آخره، وهذا لا يدل على النص بقطع النبي صلى الله عليه وسلم على أني من أهل الجنة كما نص على غيري.

ويمكن أن تكون الإشارة بذاك إلى قولهم: هذا رجل من أهل الجنة، يعني لا ينبغي لأحد ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه أن يقول بما لا يعلم، فإنهم علموا بذلك وقالوا، وأنا أيضاً أقول: رأيت رؤيا

الخ.

ويحقق هذا قوله: فاستيقظت وإنها لفي يدي، وكانت رؤياه هذه كشفاً كشفه الله تعالى عليه كرامة له.

قوله: ((منصف)) ((مح)): هو- بكسر الميم وفتح الصاد-.

قال القاضي عياض: هو- بفتح الميم- وهو الخادم، وقالوا: هو الوصيف الصغير المدرك للخدمة.

قوله: ((العروة الوثقى)) الوثقى من الحبل الوثيق المحكم المأمون انقطاعه.

ص: 3932

6211 -

عن أنس، قال: كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار، فلما نزلت:{يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} إلى آخر الآية جلس ثابت في بيته، واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال:((ما شأن ثابت؟ أيشتكي؟)) فاتاه سعد، فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((بل هو من أهل الجنة)) رواه مسلم.

6212 -

وعن أبي هريرة، قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت سورة الجمعة، فلما نزلت {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قالوا: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: وفينا سلمان الفارسي، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: ((لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء)). متفق عليه.

6213 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم حبب عبيدك هذا)). يعني أبا هريرة ((وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين)). رواه مسلم.

6214 -

وعن عائذ بن عمرو، أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال

ــ

الحديث السادس عشر والسابع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه:

قوله: ((وآخرين منهم)) هذا يدل على أن يكون ((آخرين)) عطفاً على ((الأميين)) يعني أن الله تعالى بعثه في الأميين الذين على عهده، وفي آخرين من الأميين لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون بهم، وهم الذين بعد الصحابة رضوان الله عليهم.

قوله: ((من هؤلاء)) جمع اسمك الإشارة والمشار إليه ((سلمان)) وحده إرادة للجنس، ويحتمل أن يراد بهم العجم كلهم لوقوعه مقابلا للأميين وهم العرب، وأن يراد به أهل فارس.

ولو هاهنا بمعنى أن لمجرد الفرض والتقدير على سبيل المبالغة.

الحديث الثامن عشر والتاسع عشر عن عائذ بن عمرو:

ص: 3933

في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك)) فأتاهم، فقال: يا إخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي. رواه مسلم.

6215 -

وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)). متفق عليه.

6216 -

وعن البراء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)). متفق عليه.

6217 -

وعن أنس، قال: إن ناساً من الأنصار قالوا حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل، فقالوا:

ــ

قوله: ((ما أخذت سيوف الله)) ما فيه نافية، وأما ((مأخذها)) فقيل: مفعول به، وقيل: مفعول فيه، يجوز أن يكون مصدراً، والكلام إخبار فيه معنى الاستفهام المتضمن للاستبطاء، استعار الأخذ للسيف تشبيها له بمن له حق على صاحبه وهو يلزمه ويطالبه، والغريم يمتنع عن إيفاء حقه ويماطله.

قوله: ((لا)) يجب أن يوقف عليه، ويستأنف من قوله:((يغفر الله لك)) ولو زاد ((واو)) كما في جاب اليزيدي عن سؤال المأمون: ((لا وجعلني الله فداءك)) لحسن موقعه.

قوله: ((يا أخي)) الظاهر أن يقال: ((يا أخانا)) ولعله حكاية عن قول كل واحد.

((مح)): ضبطوه بضم الهمزة على التصغير، وهو تصغير تحبيب، وفي بعض النسخ بفتحها.

الحديث العشرون عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((آية الإيمان حب الأنصار)) وإنما كان كذلك لأنهم تبوءوا الدار والإيمان، وجعلوه مستقراً ومستوطناً لهم، لتمكينهم منه استقامتهم عليه، كما جعلوا المدينة كذلك، فمن أحبهم فذلك من كمال إيمانه، ومن بغضهم فذلك من علامة نفاقه.

الحديث الحادي والعشرون والثاني والعشرون عن أنس رضي الله عنه:

ص: 3934

يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! فحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحداً غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((ما حديث بلغني عنكم؟)). فقال فقهاؤهم: أما ذووا رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويدع الأنصار، وسيوفنا تقطر من دمائهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا. متفق عليه.

6218 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا الهجرة لكنت امرءاً

ــ

قوله: ((يغفر الله لرسول الله)) توطئة وتمهيد لما يرد بعده من العتاب، كقوله تعالى:{عفا الله عنك لم أذنت لهم} .

قوله: ((وسيوفنا تقطر من دمائهم)) حال مقررة لجهة الإشكال، وهو من باب قولهم: عرضت الناقة على الحوض، وأنشد:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

الحديث الثالث والعشرون عن أبي هريرة رضي الله عنه:

قوله: ((لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار)) ((حس)): ليسن المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام، مع أن نسبه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنساب وأكرمها، وإنما أراد به النسب البلادي، ومعناه: لولا الهجرة من الدين ونسبتها دينية، لا يسعني تركها لأنها عبادة كنت مأموراً بها لانتسبت إلى داركم، ولانتقلت عن هذا الاسم إليكم.

قيل: أراد صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام إكرام الأنصار، والتعريض بأن لا رتبة بعد الهجرة أعلى من النصرة، وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغاً لولا أنه صلى الله عليه وسلم من المهاجرين إلى المدينة لعد نفسه من الأنصار لكرامتهم عند الله تعالى.

تلخيصه لولا فضلي على الأنصار بسبب الهجرة لكنت واحداً منهم، وهذا تواضع منه صلى الله عليه وسلم، وحث للناس على إكرامهم واحترامهم، ولكن لا يبلغون رتبة المهاجرين السابقين الذين أخرجوا من ديارهم، وقطعوا عن أحبابهم وأقاربهم، وحرموا أوطانهم وأموالهم، وهم رضوان

ص: 3935

من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار، والناس دثار، إنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)). رواه البخاري.

6219 -

وعنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فقال: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن)). فقالت الأنصار: أما الرجل فقد

ــ

الله عليهم ما نالوا بذلك [بآلة] لأجل رضى الله ورضى رسوله، وإعلاء دين الله وسنة رسوله.

والأنصار وإن اتصفوا بصفة: النصرة والإيثار والمحبة والإيواء، لكنهم مقيمون في مواطنهم ساكنون بين أقاربهم وأحبابهم، وحسبك شاهداً في فضل المهاجرين قوله هذا؛ لأن فيه إشارة إلى جلالة رتبة الهجرة فلا يتركها، فهو نبي مهاجري لا أنصاري.

قوله: ((ولو سلك الناس وادياً)) ((خط)): أراد أن أرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا ضاق الطريق عن الجميع فسلك رئيس شعباً اتبعه قومه حتى يفضوا إلى الجادة.

وفيه وجه آخر: أراد بالوادي الرأي والمذهب، كما يقال: فلان في واد وأنا في واد.

وقيل: أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حسن موافقته إياهم، وترجيحهم في ذلك على غيرهم، لما شاهد فيهم من حسن الوفاء بالعهد، وحسن الجوار، وما أراد بذلك وجوب متابعته أياهم، فإن متابعته حق على كل مؤمن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو المتبرع المطاع، لا التابع المطيع.

والشعار: الثوب الذي يلي شعر البدن.

والدثار: الذي فوقه.

شبه الأنصار بالشعار لرسوخ صداقتهم، وخلوص مودتهم.

والأثرة: - بفتح الهمزة والثاء- من آثر يؤثر إيثاراً، إذا أعطى، واستأثر صاحبه بالشيء على غيره يعني يستأثر عليكم فيفضل غيركم نفسه عليكم فاصبروا على ذلك حتى تلقوني.

الحديث الرابع والعشرون عن أبي هريرة رضي الله عنه:

قوله: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)) إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك حين أسلم أبو سفيان، وقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا رجل حب الفخر، فاجعل له شيئاً، قال:((نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)).

قوله: ((أما الرجل فقد أخذته رأفة)) فإن قلت: كيف قالوا ذلك مع قوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} ؟.

ص: 3936

أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته. ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال]: ((قلتم أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته؛ كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم)) قالوا: والله ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله. قال: ((فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم)) رواه مسلم.

6220 -

وعن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياناً ونساء مقبلين من عرس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((اللهم أنتم من أحبا الناس إلي، اللهم أنتم من أحب الناس إلي)) يعني: الأنصار. متفق عليه.

6221 -

وعنه، قال: مر أبو بكر والعباس بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقالا: ما يبكيكم؟ فقالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل أحدهما على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، فصعد المنبر ولم يصعد بعد ذلك اليوم. فحمد الله تعالى وأثنى عليه. ثم قال:((أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)) رواه البخاري.

ــ

قلت: قالوا ذلك ليهيجوه ويحركوا منه، كما قالوا: ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله، يعني أن أولاد آدم مجبولون على الميل إلى العشيرة والأقارب، وعلى حب الأوطان، ولذلك ردهم صلى الله عليه وسلم: إني عبد الله ورسوله أي لست كأحد من الرجال كما زعمتم، بل إني عبد الله ورسوله، ثم علل كونه عبد الله ورسوله بقوله:((هاجرت إلى الله وإليكم)) على سبيل الاستئناف، أي العبودية والرسالة تقتضيان أن لا أفارقكم أبداً، ولا أميل إلى ما تقتضيه البشرية من الميل إلى الأقارب والأوطان، لأن القصد في الهجرة كان إلى الله تعالى، وأن التهاجر كان من دار قومي إلى داركم.

قوله: ((المحيا محياكم)) ((تو)): يريد ما حييت أحيا في بلدكم كما تحيون فيه، وإذا توفيت توفيت في بلدكم كما تتوفون فيه، لا أفارقكم حياً ولا ميتاً.

وقوله: ((إلا ضنا بالله ورسوله)) يريدون ما قلنا قولنا ذلك إلا [ضنة] بما آتانا الله من كرامة خشية أن يفوتنا فيناله غيرنا، وشحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتقل من بلدتنا إلى بلدته.

الحديث الخامس والعشرون والسادس والعشرون عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((فإنهم كرشي وعيبتي)) ((تو)): الكرش لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان، والعرب تستعمل الكرش في كلامهم موضع البطن، والبطن مستودع مكتوم السر، [والجبة مستودع مكتون المتاع].

ص: 3937

6222 -

وعن ابن عباس، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:((أما بعد، فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئاً يضر فيه قوماً وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم)). رواه البخاري.

6223 -

وعن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار)). رواه مسلم.

6224 -

وعن أبي أسيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير)). متفق عليه.

ــ

والأول أمر باطن، والثاني أمر ظاهر، فيحتمل أنه ضرب المثل بهما إرادة اختصاصهم به في أمورهم الظاهرة، والباطنة.

حس: عيبتي أي خاصتي وموضع سري، وفي الحديث: نبينا عيبة مكفوفة، أي صدر نقي من الغل، والعرب تكني عن الصدر والقلب بالعيبة، لأنهما مستودع السرائر، كما أن العياب مستودع الثياب.

الحديث السابع والعشرون عن ابن عباس رضي الله عنهما:

قولن: ((ويقل الأنصار)) تو: يريد أن أهل الإسلام يكثرون، ويقل الأنصار، لأن الأنصار هم الذين أووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه، وهذا أمر قد انقضى زمانه لا يلحقهم اللاحق، ولا يدرك شأوهم السابق، فكلما مضى منهم واحد مضى من غير بدل، فيكثر غيرهم ويقلون.

أقول: هذا المعنى أيضاً قائم في حق المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، ولعل الحمل على الحقيقة أظهر، لأن المهاجرين وأولادهم كثروا وانبسطوا وانتشروا في البلاد وملكوها بخلاف الأنصار.

قوله: ((شيئاً)) يجوز أن يكون مفعولاً به، وأن يكون في موضع مصدر، أي قليلا من الولاية.

وقوله: ((يضر فيه قوماً)) صفة كاشفة له.

الحديث الثامن والعشرون والتاسع والعشرون عن أبي أسيد رضي الله عنه:

قوله: ((خير دور الأنصار بنو النجار)) مح: خير دور الأنصار خير قبائلهم، وكانت كل قبيلة منهم تسكن محلة، فتسمي تلك المحلة دار بن فلان، ولهذا جاء في كثير من الروايات: بنو فلان، من غير ذكر الدار.

ص: 3938

6225 -

وعن علي [رضي الله عنه] قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد- وفي رواية: وأبا مرثد بدل المقداد- فقال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب قالت: ما معي من كتاب فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا حاطب! ما هذا؟!)). فقال: يا رسول الله! لا تعجل علي، إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون بها أموالهم وأهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً،

ــ

وقالوا: وسبقهم على قدر سبقهم إلى الإسلام ومآثرهم فيه، وفي هذا دليل على جواز تفضيل القبائل والأشخاص من غير مجازفة ولا هوى، ولا يكون هذا غيبة.

قض: إن أراد بها ظاهرها فقلوه: ((بنو النجار)) على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وتكون خيرتها بسبب خيرية أهلها، وما يوجد فيها من الطاعات والعبادات.

الحديث الثلاثون عن علي رضي الله عنه:

قوله: ((أبا مرثد بدل المقداد)) لم يرد بذلك أن المبدل منحي، بل المراد أنه ذكر في رواية هذا، وفي أخرى ذلك، لأن الأربعة قد بعثوا لهذا الأمر.

مح: وعن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام، وفي الرواية السابقة: والمقداد بدل أبي مرثد، ولا منافاة بل بعث الأربعة: عليا والزبير والمقداد وأبا مرثد.

وخاخ: بخائين معجمتين هو الصواب، وهي موضع بين مكة والمدينة بقرب المدينة.

والظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، ثم سميت زوجة الرجل ظعينة توسعاً والمراد بها هاهنا أم سارة مولاة لقريش.

والعقاص: بكسر العين، الشعر المضفور.

قوله: ((ملصقاً)) قال سفيان بن عيينة: كان حليفاً لهم ولم يكن من نفس قريش.

قوله: ((إلى ناس من المشركين)) ليس هذا حكاية المكتوب بل هو من كلام الراوي، وضع موضع قوله: إلى فلان وفلان.

وقوله: ((إذ فاتني ذلك)) تعليل وقع بين الفعل ومفعوله، وهو قوله:((أن أتخذ فيهم يداً)).

وقوله: ((يحمون بها قرابتي)) هي صفة ((يداً)) وأراد باليد يد إنعام أو قدرة.

ص: 3939

ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضي بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنه قد صدقكم)) فقال عمر: دعني يا رسول الله! أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة)).

وفي رواية: ((فقد غفرت لكم)) فأنزل الله تعالى {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدي وعدوكم أولياء} . متفق عليه.

6226 -

وعن رفاعة بن رافع، قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((ما تعدون أهل بدر فيكم)). قال: ((من أفضل المسلمين)) أو كلمة نحوها قال: ((وكذلك من شهد بدراً من الملائكة)) رواه البخاري.

ــ

قوله: ((لعل الله اطلع)) معنى الترجي فيه راجع إلى عمر رضي الله عنه، لأن وقوع هذا الأمر محقق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوثر على التحقيق بعثاً له على التفكير والتأمل فلا يقطع الأمر في كل شيء.

قوله: ((قد غفرت لكم)) مح: هذا في الآخرة، وأما في الدنيا فلو وجد على أحد منهم حداً أو غيره أقيم عليه، وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على مسطح حد الفرية وكان بدرياً.

وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجواز هتك أستار الجواسيس وقراءة كتبهم، وفيه هتك ستر المفسد إذا كان فيه مصلحة أو كان في الستر مفسدة، وما فعله حاطب كان كبيرة قطعاً لأنه تتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى:{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله} ولا يجوز قتله لأنه لا يكفر به- انتهى كلامه.

قوله تعالى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم} خطاب لحاطب ورداً لقوله: أن أتخذ فيهم يداً، وإنما عم ليدخل فيه أمثاله.

الحديث الحادي والثلاثون عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه:

قوله: ((ما تعدون؟)) أي ممن تعدون؟ ليطابقه الجواب، وهو:((من أفضل المسلمين وإنما أتى بـ ((ما)) بدل ((من)) تعظيماً لشأنهم، نحو قولهم: سبحان ما سخركن لنا.

قوله: ((وكذلك من شهد بدراً)) أي كذلك من شهد بدراً من الملائكة فإنهم من أفضل الملائكة.

ص: 3940

6227 -

وعن حفصة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية)) قلت: يا رسول الله! أليس قد قال الله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} قال: ((فلم تسمعيه يقول: {ثم ننجي الذين اتقوا})).

وفي رواية: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة- أحد- الذين بايعوا تحتها)). رواه مسلم.

3228 -

وعن جابر، قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة. قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنتم اليوم خير أهل الأرض)). متفق عليه.

6229 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل)). وكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج،

ــ

الحديث الثاني والثلاثون عن حفصة رضي الله عنها:

قوله: ((فلم تسمعيه يقول)) يعني أردت بقولي: أن لا يدخل النار دخولاً يعذب فيها، ولا نجاة له منها.

مح: الصحيح أن المراد بالورود المرور على الصراط، وهو منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون.

أقول: والأول هو الوجه على ما يظهر بأدنى تأمل.

وفيه: جواز المناظرة والاعتراض، والجواب على وجه الاسترشاد وهو مقصود حفصة لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه وسلم.

الحديث الثالث والثلاثون عن جابر رضي الله عنه:

قوله: ((ثنية المرار)) نه: المشهور فيها ضم الميم وبعضهم يكسرها، وهو موضع بين مكة والمدينة من طريق الحديبية.

وبعضهم يقول بالفتح.

وإنما حثهم على صعودها لأنها عقبة شاقة، وصلوا إليها ليلاً حين أرادوا مكة سنة الحديبية فرغبهم في صعودها.

قوله: ((ما حط عن بني إسرائيل)) يريد قوله تعالى: {وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} أي حط عنا ذنوبنا ((ثم تتام الناس)) أي جاءوا كلهم، وفي الحديث:((فتتامت إليه قريش)) أي جاءته متتابعة متواترة.

ص: 3941

ثم تتام الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((كلكم مغفور له، إلا صاحب الجمل الأحمر)). فأتيناه، فقلنا: تعالى يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم. رواه مسلم.

وذكر حديث أنس قال لأبي بن كعب: ((إن الله أمرني أن أقرأ عليك)) في ((باب)) بعد فضائل القرآن.

الفصل الثاني

6230 -

عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد)). رواه الترمذي [6230].

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن ابن مسعود رضي الله عنه:

قوله: ((وتمسكوا بعهد ابن أم عبد)) تو: يريد عهد عبد الله بن مسعود، وهو ما يعهد إليهم فيوصيهم به، وأرى أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة، فإنه أول من شهد بصحتها، وأشار إلى استقامتها من أفاضل الصحابة، وأقام الدليل عليها، فقال: لا يؤخر من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نرضى لدنيانا من ارتضاه لديننا، وما يؤيد هذا المعنى المناسبة الواقعة بين أول الحديث وآخره، ففي أوله:((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)) وفي آخره: ((تمسكوا بعهد ابن أم عبد)) ومما يل على صحة ما ذهبنا إليه قوله في حديث حذيفة أيضاً: ((لو استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه)) وهذه إشارة إلى ما أسر إليه من أمر الخلافة في الحديث الذي نحن فيه، ويشهد لذلك الاستدراك الذي أوصله بحديث الخلافة، فقال:((لو استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه)) وحذيفة هو الذي يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقتدوا باللين من بعدي)) ولم أر في التعريض بالخلافة في سنن الرسول صلى الله عليه وسلم أوضح من هذين الحديثين، ولا أصبح من حديث أبي سعيد:((سدوا عني كل خوخة)).

ص: 3942

6231 -

وعن علي [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت مؤمراً من غير مشورة، لأمرت عليهم ابن أم عبد)). رواه الترمذي، وابن ماجه [6231].

6232 -

وعن خيثمة بن أبي سبرة، قال: أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فيسر لي أبا هريرة، فجلست إليه فقلت: إني سألت الله أن ييسر لي جلساً صالحاً، فوفقت لي. فقال: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، جئت ألتمس الخير وأطلبه فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة؟ وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه؟ وحذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؟ وسلمان صاحب الكتابين؟ يعني الإنجيل والقرآن. رواه الترمذي [6232].

6233 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب [6233].

6234 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان)). رواه الترمذي [6234].

ــ

الحديث الثاني عن علي رضي الله عنه:

قوله: ((لأمرت عليهم ابن أم عبد)) تو: ومن أي وجه روى هذا الحديث فلابد أن يتأول على أنه صلى الله عليه وسلم أراد به تأميره على جيش بعينه، أو استخلافه في أمر من أموره في حال حياته، ولا يجوز أن يحمل على غير ذلك، فإنه وإن كان من العلم والعمل بمكان، وله الفضائل الجمة والسوابق الجلية، فإنه لم يكن من قريش؛ وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذا الأمر في قريش، فلا يصح حمله إلا على هذا الوجه الذي ذكرناه.

الحديث الثالث إلى الحديث الخامس عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة)) سبيل اشتياق الجنة إلى هؤلاء الثلاثة سبيل اهتزاز العرش لموت سعد رضي الله عنه.

ص: 3943

6235 -

وعن علي [رضي الله عنه] قال استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ائذنوا له، مرحباً بالطيب المطيب)). رواه الترمذي [6235].

6236 -

وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما)). رواه الترمذي [6236].

6237 -

وعن أنس قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته! وذلك لحكمه في بني قريظة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((إن الملائكة كانت تحمله)). رواه الترمذي [6238].

6238 -

وعن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر)). رواه الترمذي [6238].

ــ

الحديث السادس إلى الحديث الثامن عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((وذلك لحكمه)) يريدون قول سعد بن معاذ رضي الله عنه لما نزلت بنو قريظة على حكمه، معتمدين على حسن رأيه فيهم، حكمه فيهم، بأنه تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية، فنسبوه- أعني المنافقين- إلى الجور والعدوان، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإصابة في حكمه.

قوله: ((إن الملائكة كانت تحمله)) جواب عن قولهم: ((ما أخف جنازته)) يريدون بذلك حقارته وازدراءه، فأجاب صلى الله عليه وسلم بما يلزم من تلك الخفة تعظيم شأنه وتفخيم أمره، وهو قريب من القول [يالموجب من حكم مقالتهم:((ما أخف جنازته)) ثم إلى إبطال قصدهم] من العيب فقال: ((إن الملائكة كانت تحمله)) نحوه قوله تعالى: {ويقولون هو أذن، قل أذن خير لكم} .

الحديث التاسع والعاشر عن أبي ذر رضي الله عنه:

قوله: ((ما أظلت الخضراء)) الخضراء السماء.

ص: 3944

6239 -

وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم)) يعني في الزهد. [فقال عمر بن الخطاب كالحاسد: يا رسول الله! أفتعرف ذلك له؟ قال: ((نعم فاعرفوه له)). رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب [[6239].

ــ

والغبراء: الأرض.

وأقلت: حملت ورفعت، واشتقاق الإقلال من القلة، لأن الرافع المطيق يرى ما يرفعه قليلاً.

و ((من)) في قوله: ((من ذي لهجة)) معمول أقلت، وقد تنازع فيها العاملان فأعمل الثاني- وهو مذهب البصريين- وهذا دليل ظاهر لهم، كقوله تعالى:{يستغفر لكم رسول الله} إذ لو أعمل الأول لنصب: ((رسول الله)) فعلى هذا: ((أصدق)) في الحديث الأول صفة موصوف محذوف، أي: ولا أقلت الغبراء ذا لهجة صدق.

تو: قوله: ((أصدق من أبي ذر)) مبالغة في صدقة، لا أنه أصدق من كل على الإطلاق، لأنه لا يكون أصدق من [أبي بكر] بالإجماع، فيكون عاماً قد خص:

أقول: يمكن أن يراد أنه لا يذهب إلى التورية والمعاريض في الكلام، فلا يرخى عنان كلامه، ولا يواري مع الاس، ولا يسامحهم، ويظهر الحق البحث، والصدق المحض، ومن ثمة عقبه بقوله:((ولا أوفى)) أي يوفى حق الكلام إيفاء لا يغادر شيئاً منه، ووصفه بقوله:((ذي لهجة)).

فا: قيل: لهجة اللسان ما ينطق به من الكلام، وإنها من لهج بالشيء إذا أغرى به، ونظيرها قول بعضهم في اللغة: إنها من لغى بالشيء.

روى الإمام أحمد بن حنبل عن أبي ذر أنه استأذن على عثمان رضي الله عنه، فأذن له وبيده عصاه، فقال عثمان: يا كعب إن عبد الرحمن توفي وترك مالا، فما ترى فيه؟ فقال: إن كان يصل فيه حق الله فلا بأس عليه، فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهباً أنفقه ويتقبل مني، أذر خلفي منه ست أواق)) أنشدك بالله يا عثمان أسمعته؟ (ثلاث مرات)) قال: نعم.

ص: 3945

6240 -

وعن معاذ بن جبل لما حضره الموت قال: التمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان، وعند ابن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إنه عاشر عشرة في الجنة)). رواه الترمذي [6240].

6241 -

وعن حذيفة، قالوا: قالوا: يا رسول الله لو استخلفت؟ قال: ((إن استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه، وما أقرأكم عبد الله فاقرءوه)). رواه الترمذي. [6241].

ــ

وروى ابن عبد البر: أن عثمان رضي الله عنه استقدمه من الشام لشكوى معاوية منه، وأسكنه الربذة فمات بها.

وقال علي رضي الله عنه في حقه: ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس ثم أوكئ عليه فلم يخرج منه شيء.

قوله: ((يعني الزهد)) تفسير الراوي وليس في الحديث.

وفي الاستيعاب من الحديث: ((من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر)).

الحديث الحادي عشر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه:

قوله: ((كان يهودياً فأسلم)) ليس بصفة مميزة لعبد الله لأنه يشاركه في اسمه غيره، بل هو مدح له في التوصية بالتماس العلم منه، لأنه جمع بين الكتابين.

((إنه عاشر عشرة)) أي مثل عاشر عشرة، إذ ليس هو من العشرة المبشرة، نحوه أبو يوسف أبو حنيفة.

الحديث الثاني عشر عن حذيفة رضي الله عنه:

قوله: ((لو استخلفت)) لو هذه التمني بمعنى ((ليت))، أو الامتناعية وجوابها محذوف، أي لكان خيراً.

وقوله: ((عذبتم)) جواب الشرط، ويجوز أن يكون مستأنفاً، والجواب:((فعصيتموه)) والأول أوجه، لما يلزم من الثاني أن يكون الاستخلاف سبباً للعصيان، والمعنى أن الاستخلاف المستعقب للعصيان سبب للعذاب.

وقوله: ((ولكن ما حدثكم حذيفة)) من الأسلوب الحكيم لأنه زيادة على الجواب، كأنه قيل: لا يهمكم استخلافي فدعوه، ولكن يهمكم العمل بالكتاب والسنة فتمسكوا بهما.

ص: 3946

6242 -

وعنه، قال: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه، إلا محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لا تضرك الفتنة)). رواه [أبو داود][6242].

6243 -

وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيت الزبير مصباحاً فقال:((يا عائشة! ما أرى أسماء إلا قد نفست، ولا تسموه حتى أسميه)) فسماه عبد الله وحنكه بتمرة بيده. رواه الترمذي [6243].

6244 -

وعن عبد الرحمن بن أبي عميرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية:((اللهم اجعله هادياً مهدياً، واهد به)) رواه الترمذي [6344].

ــ

وخص حذيفة بالذكر لأنه كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنذرهم من الفتن الدنيوية، وعبد الله بن مسعود لأنه كان منذرهم من الأمور الأخروية.

الحديث الثالث عشر إلى الحديث الخامس عشر عن عبد الرحمن بن أبي عميرة رضي الله عنه:

قوله: ((هادياً مهدياً)) اعلم أن الهداية إما مجرد الدلالة، أو هي الدلالة الموصلة إلى البغية، وقال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري: فهديناهم دللناهم على الخير والشر، كقوله تعالى:{وهديناه النجدين} والهدى الذي للإرشاد بمعنى الإسعاد، من ذلك قوله تعالى:{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} .

وقال غيره: معنى الهداية في اللغة الدلالة، يقال: هداه في الدين يهديه هداية إذا دله على الطريق، والهدى يذكر لحقيقة الإرشاد أيضاً، ولهذا جاز النفي والإثبات، قال الله تعالى:{إنك لا تهدي من أحبب} وقال الله تعالى: {إنك لهدي إلى صراط مستقيم} .

أقول: لو حمل قوله: ((هادياً)) على المعنى الأول، كان قوله:((مهدياً)) تكميلاً له لأن رب هاد لا يكون مهدياً.

ص: 3947

6245 -

عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، وليس إسناده بالقوي [6345].

6246 -

وعن جابر، قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا جابر! ما لي أراك منكسراً؟)) قلت: استشهد أبي وترك عيالا وديناً. قال: ((أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟)) قلت: بلى يا رسول الله! قال: ((ما كلم الله أحد قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحاً. قال: يا عبدي! تمن علي أعطك قال: يا رب! تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب تبارك وتعالى: إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون)) فنزلت: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ....} الآية. رواه الترمذي [6246].

ــ

وقوله: ((واهد به)) تتميماً لأن الذي فاز بمدلوله قد لا يتبعه أحد، فكمل ثم تمم، وإذا ذهب إلى المعنى الثاني كان مهدياً تأكيداً، وقوله:((اهد به)) تكميلاً، ولا ارتياب أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مستجاب، فمن كان حاله هذا كيف يرتاب في حقه، ومن أراد زيادة بيان في معنى الهداية فعليه بفتوح الغيب، فإن فيه ما يكفيه.

الحديث السادس عشر عن عقبة رضي الله عنه:

قوله: ((أسلم الناس)) التعريف فيه للعهد، والمعهود مسلمة الفتح من أهل مكة، وأسلم عمرو قبل الفتح طائعاً راغباً مهاجراً إلى المدينة، فقوله صلى الله عليه وسلم هذا تنبيه على أنهم أسلموا رهبة، وآمن عمرو رغبة، فإن الإسلام يحتمل أن يشوبه كراهة، والإيمان لا يكون إلا عن رغبة وطواعية.

الحديث السابع عشر عن جابر رضي الله عنه:

قوله: ((وأحيا أباك)) فإن قلت، كيف الجمع بين هذا وبين قوله تعالى:{بل أحياء عند ربهم} لأن التقدير هم أحياء، فكيف يحيى الحي؟.

قيل: جعل الله تعالى تلك الروح في جوف طير خضر فأحيا ذلك الطير بتلك الروح، فصح الإحياء، أو أراد بالإحياء زيادة قوة روحه، فشاهد الحق بتلك القوة وكلمة كفاحاً، أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول.

ص: 3948

6247 -

وعنه، قال: استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين مرة. رواه الترمذي. [6247]

6248 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك)) رواه الترمذي، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) [6248].

6249 -

وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن عيبتي التي آوى إليها أهل بيتي، وإن كرشي الأنصار، فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن. [6249]

6250 -

وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يبغض الأنصار أحد يؤمن بالله واليوم الآخر)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح [6250].

ــ

أقول: وهذا الجواب أيضاً من الأسلوب الحكيم، أي لا تهتم بشأن أمر دنياه من هم عياله وقضاء دينه فإن الله تعالى يقضي عنه دينه ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبشرك بما هو فيه من القرب عند الله تعالى وما لقيه من الكرامة والمنحة.

الحديث الثامن عشر والتاسع عشر عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((لا يؤبه له)) نه: أي لا يبالي به ولا يلتفت إليه لحقارته، يقال: ما وبهت به بفتح الباء وكسرها، وبهاء بالسكون والفتح، وأصل الواو الهمزة، يقال: أبهت به.

والطمر: الثوب الخلق.

الحديث العشرون إلى الحديث الثاني والعشرون عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((أقرئ)) بفتح الهمزة، وفي نسخ المصابيح بكسرها.

نه: يقال: أقرئ فلاناً السلام، وأقرأ عليه السلام، كأنه حين يبلغه السلام يحمله على أن يقرأ السلام.

ص: 3949

6251 -

وعن أنس، عن أبي طلحة، قال: قال [لي] رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقرئ قومك السلام، فإنهم ما علمت أعفة صبر)). رواه الترمذي [6251].

6252 -

وعن جابر، أن عبداً لحاطب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً إليه، فقال: يا رسول الله! ليدخلن حاطب النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذبت، لا يدخلها فإنه قد شهد بدراً والحديبية)). رواه مسلم.

6253 -

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية:{وإن تتولو يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} قالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الذين ذكر الله، إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال:((هذا وقومه، ولو كان [الدين] عند الثريا، لتناوله رجال من الفرس)). رواه الترمذي [6253].

6254 -

وعنه، قال: ذكرت الأعاجم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأنا بهم- أو ببعضهم- أوثق مني بكم- أو ببعضكم-)) رواه الترمذي [6254].

ــ

قوله: ((أعفه)) جمع عفيف، مرفوع خبر إن، و ((ما عملت)) معترضة و ((ما)) موصولة، والخبر محذوف، أي الذي علمت منهم أنهم كذلك يتعففون عن السؤال، ويتحملون الصبر عند القتال، وهو مثل ما في الحديث يقلون عند الطمع، ويكثرون عند الفزع.

الحديث الثالث والعشرون إلى الحديث الخامس والعشرون عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لأنا بهم أو ببعضهم)) ((أنا)) مبتدأ، و ((أوثق)) خبره، و ((مني)) صلة أوثق، والباء في ((بهم)) مفعول، و ((أو)) في ((أو ببعضكم)) عطف على ((بهم)) والباء في ((بكم)) مفعول فعل مقدر يدل عليه ((أوثق)) و ((أو)) في ((أو بضعكم)) عطف على بكم، أو متعلق أيضاً بأوثق إذ هو في قوة الوثوق وزيادة، فكأنه فعلان جاز يعمل في مفعولين، أو بآخر دل عليه الأول، والمعنى وثوقي واعتمادي بهم أو ببعضهم أكثر من وثوقي بكم أو ببعضكم- انتهى كلامه-.

قيل: فيه تعظيم الأعاجم.

أقول: الأول من باب العطف على الانسحاب، والثاني من باب العطف على التقدير، والمخاطبون بقوله:((بكم أو ببعضكم)) قوم مخصوصون دعوا إلى الإنفاق في سبيل الله فتقاعسوا.

ص: 3950

الفصل الثالث

6255 -

عن علي [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل نبي سبعة نجباء رقباء، وأعطيت أنا أربعة عشر، قلنا: من هم؟ قال: ((أنا وابناي، وجعفر، وحمزة، وأبو بكر، وعمر، ومصعب بن عمير، وبلال، وسلمان، وعمار، وعبد الله ابن مسعود، وأبو ذر، والمقداد)) رواه الترمذي.

6256 -

وعن خالد بن الوليد، قال: كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام فأغلظت له في القول: فانطلق عمار يشكوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء خالد وهو يشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فجعل يغلظ له ولا يزيده إلا غلظة، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم، فبكى عمار وقال: يا رسول الله! ألا تراه؟ فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه

ــ

عنه، فهو كالتأنيب والتعبير عليهم، يدل عليه قوله تعالى في الحديث السابق:{وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم} فإنه جاء عقيب قوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل} . يعني أنتم هؤلاء المشاهدون بعد ممارستكم الأحوال، وعلمكم بأن الإنفاق في سبيل الله خير لكم، تدعون إليه فتثبطون عنه وتتولون، فإن استمر توليكم يستبدل الله قوماً غيركم بذالون لأرواحكم وأموالكم في سبيل الله ولا يكونوا أمثالكم في الشح المبالغ، فهو تحريض على الإنفاق فلا يلزم منه التفضيل.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن علي رضي الله عنه:

قوله: ((إن لكل نبي سبعة نجباء)) النجباء جمع نجيب وهو الكريم من الرجال المختار.

والرقباء: جمع رقيب وهو الحافظ.

وقوله: ((قال: أنا)) ضمير الفاعل عائد إلى علي رضي الله عنه.

الحديث الثاني عن خالد بن الوليد رضي الله عنه:

قوله: ((فجاء خالد)) هذا كلام الراوي، و ((قال) محذوف يدل عليه قوله بعده:((قال خالد: فخرجت)).

ص: 3951

وقال: ((من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله)). قال خالد: فخرجت فما كان شيء أحب إلي من رضى عمار، فلقيته بما رضى فرضي. [6256].

6257 -

وعن أبي عبيدة، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خالد سيف من سيوف الله عز وجل، ونعم فتى العشيرة)). وراهما أحمد [6257].

6258 -

وعن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم)). قيل: يا رسول الله سمهم لنا. قال: ((على منهم)) – يقول ذلك ثلاثاً- ((وأبو ذر، والمقداد، وسلمان، أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم)). رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب [6258].

6259 -

وعن جابر، قال: كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا، يعني بلالا. رواه البخاري.

6260 -

وعن قيس بن أبي حازم: أن بلالا قال لأبي بكر: إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت إنما اشتريتني لله فدعني وعمل الله. رواه البخاري.

6261 -

وعن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود: فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، وقلن كلهم مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من

ــ

الحديث الثالث عن أبي عبيدة رضي الله عنه:

قوله: ((سيف من سيوف الله عز وجل) هو من باب قوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم} جعل بالادعاء جنس السيوف نوعين: متعارف وغيره، وخالد من أحد نوعيه، ونحوه قول الفرزدق:

إني أجمد العينين صعصعة الذي متى تخلف الجوزاء والدلو يمطر

و ((نعم فتى العشيرة)) أي فتى بني مخزوم، والمخصوص بالمدح محذوف.

الحديث الرابع إلى الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه:

ص: 3952

يضيفه؟ ويرحمه الله)) فقام رجل من الأنصار يقال له: أبو طلحة، فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحلة فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني قال: فعلليهم بشيء ونوميهم، فإذا دخل ضيفنا فأريه أنا نأكل، فإذا أهوى بيده ليأكل، فقومي إلى السراج كي تصلحيه فأطفئيه، ففعلت، فقعدوا وأكل الضيف، وباتا طاويين، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لقد عجب الله- أو ضحك الله-[من] فلان وفلانة)).

وفي رواية مثله، ولم يسم أبا طلحة. وفي آخرها فأنزل الله تعالى:{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} . متفق عليه.

6262 -

وعنه، قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً، فجعل الناس يمرون، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من هذا يا أبا هريرة؟)) فأقول: فلان. فيقول: ((نعم عبد الله هذا)) ويقول: ((من هذا؟)) فأقول: فلان. فيقول: ((بئس عبد الله هذا)) حتى مر خالد بن الوليد فقال: ((من هذا؟)) فقلت: خالد بن الوليد. فال: ((نعم عبد الله خالد بن الوليد! سيف من سيوف الله)). رواه الترمذي [6262].

ــ

قوله: ((فعلليهم بشيء)) هو من تعلة الصبي، أي ما يعلل به الصبي ليسكت.

وقوله: ((فلما أصبح)) هي هاهنا تامة.

و ((غدا)) جواب ((لما)) وضمن فيه معنى الإقبال، أي لما دخل في الصباح أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:{ولو كان بهم خصاصة} أي خلة، وأصلها خصاص البيت وهي فروجة. والجملة في موضع الحال، و ((لو)) بمعنى الفرض، أي: ويؤثرون على أنفسهم مفروضة خصاصتهم.

الحديث الثامن والحديث التاسع عن زيد بن أرقم رضي الله عنه:

قوله: ((فادع الله)) الفاء تستدعي محذوفاً، أي لكل نبي أتباع ونحن أتباعك لأنا اتبعناك، فادع الله أن يكون أتباعنا منا، أي متصلين بنا مقتفين آثارنا بإحسان كما قال الله تعالى:{والتابعين لهم بإحسان} .

ص: 3953

6263 -

وعن زيد بن أرقم قال: قالت الأنصار: يا نبي الله! لكل نبي أتباع إنا قد اتبعناك، فادع الله أن يجعل أتباعنا منا، فدعا به. رواه البخاري.

6264 -

وعن قتادة قال: ما نعمل حيا من أحياء العرب أكثر شهيداً أعز يوم القيامة من الأنصار. قال: وقال أنس: قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة على عهد أبي بكر سبعون. رواه البخاري.

6265 -

وعن قيس بن أبي حازم، قال: كان عطاء البدريين خمسة آلاف، وقال عمر: لأفضلنهم على من بعدهم. رواه البخاري.

تسمية من سمي من أهل بدر

في ((الجامع للبخاري))

1 -

النبي محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وسلم. 2 - عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق القرشي. 3 - عمر بن الخطاب العدوي. 4 - عثمان بن عفان القرشي خلفه النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته رقية وضرب له بسهمه. 5 - علي بن أبي طالب الهاشمي. 6 - إياس بن بكير. 7 - بلال بن رباح مولى أبي بكر الصديق. 8 - حمزة بن عبد المطلب الهاشمي. 9 - حاطب بن أبي بلتعة حليف لقريش. 10 - أبو حذيفة [بن عتبة] بن ربيعة القرشي. 11 - حارثة بن الربيع الأنصاري، قتل يوم بدر، وهو حارثة بن سراقة، كان في النظارة. 12 - خبيب بن عدي الأنصاري. 13 - خنيس بن حذافة السهمي.

ــ

الحديث العاشر عن قتادة:

قوله: ((أكثر شهيداً)) صفة حياً بعد صفة، ويجوز أن يكون حالا، فإن العلم بمعنى المعرفة. وهي من الأفعال التي لا تقبل التقييد، نحو قولك: عرفت زيداً قائماً، فإن المعرفة الحاصلة حال القيام ليست مقيدة بحال القيام حتى إنها تزول بزواله، بل هي حاصلة بعد ذلك في جميع الأحوال، وإنما ذكرت ليعرف أنه كان كذلك عند المعرفة، والمعرفة مستمرة، وكذلك جميع أفعال العلم، وعلى هذا قوله:((أعز)) على تقدير: أعز شهيداً يوم القيامة.

الحديث الحادي عشر عن قيس بن أبي حازم:

قوله: ((لأفضلنهم على من بعدهم)) أي في المرتبة، يعني كانت عطياتهم كاملة بخلاف غيرهم، وأنا أيضاً لأفضلنهم على غيرهم وإن زدت على هذا المقدار. والله أعلم.

ص: 3954