المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(11) باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١٢

[الطيبي]

الفصل: ‌(11) باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

يقول: ((ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك)). رواه أحمد [6183].

(11) باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل الأول

6184 -

عن علي [رضي الله عنه] قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خير

ــ

قوله: ((وهو آخذ بباب الكعبة)) أراد الراوي بهذا مزيد توكيد لإثبات هذا الحديث، وكذا أبو ذر اهتم بشأن روايته فأورده في هذا المقام على رءوس الأنام ليتمسكوا به.

وفي رواية أخرى له يقول: ((من عرفني فأنا من قد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إن مثل أهل بيتي ....)) الحديث.

أراد بقوله: ((فأنا من قد عرفني)) وبقوله: ((فأنا أبو ذر)) أنا المشهور بصدق اللهجة وثقة الرواية وأن هذا الحديث صحيح لا مجال للرد فيه، تلميح إلى ما روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر)) وفي رواية أبي ذر: من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى بن مريم)) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كالحاسد له: ((يا رسول الله أفتعرف ذلك له؟)) قال: ((أعرف ذلك فاعرفوه)) أخرجه الترمذي وحسنه الصاغاني في كشف الحجاب.

شبه الدنيا وما فيها من الكفر والضلالات والبدع والأهواء الزائغة ببحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض، وقد أحاط بأكنافه وأطرافه الأرض كلها وليس من خلاص ولا مناص إلا تلك السفينة وهي محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أحسن انضمامه مع قوله:((مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء اهتدى به)) ونعم ما قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره: نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة محبة أهل البيت واهتدينا بنجم هدى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنرجوه النجاة من أهوال يوم القيامة ودركات الجحيم، والهداية إلى ما يزلفنا لدرجات الجنان والنعيم المقيم.

باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل الأول

الحديث الأول عن علي رضي الله عنه:

ص: 3919

نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد)). متفق عليه.

وفي رواية قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض.

6185 -

وعن أبي هريرة، قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب)). متفق عليه.

ــ

قوله: ((خير نسائها)) تو: الضمير في الأولى عائد إلى الأمة التي كانت فيهم مريم، وفي الثانية إلى هذه الأمة، ولهذا كرر القول ((من)) أولها تنبيها على أن حكم كل واحد منهما غير حكم الآخر، وكلا الفصلين كلام مستأنف.

وإشارة وكيع- الذي هو من جملة رواة هذا الحديث- إلى السماء والأرض منبئة عن كونها خيراً ممن هو فوق الأرض وتحت أديم السماء، وهو نوع من الزيادة في البيان، ولا يستقيم أن يكون تفسيراً لقوله:((خير نسائها)) لأن إعادة الضمير إلى السماء غير مستقيمة فيه، ثم إنهما شيئان مختلفان والضمير راجع إلى شيء واحد.

قض: إنما وحد الضمير لأنه أراد جملة طبقات السماء وأقطار الأرض، وأن مريم خير من صعد بروحهن إلى السماء، وخديجة خير نسائهن على وجه الأرض، والحديث ورد في أيام حياتها.

أقول: يجوز أن يرجع الضمير إلى السماء والأرض وإن اختلفا باعتبار الدنيا مجازاً كما عبر بها عن العالم في قوله تعالى: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} .

الكشاف: أي لا يخفى عليه شيء في العالم المعبر عنه بالسماء والأرض ونحوه قوله تعالى: {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة} على معنى له الحمد في الدنيا والآخرة فعبر بهما عن الدنيا، ويؤيد هذا التأويل حديث أنس في الفصل الثاني:((حسبك من نساء العالمين)).

وتفسير وكيع إنما يستقيم تفسيراً إذا بين ما أبهم في الحديث، والمبهم فيه كل واحد من الضميرين.

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه:

قوله: ((من قصب)) حس: القصب في هذا الحديث لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف.

ص: 3920

6186 -

وعن عائشة، قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم تكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول:((إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد)). متفق عليه.

6187 -

وعن أبي سلمة أن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائش! هذا جبريل يقرئك السلام)). قالت: وعلي السلام، ورحمة الله قالت: وهو يرى ما لا أرى. متفق عليه.

ــ

و ((الصخب)) اختلاط الأصوات.

و ((النصب)) التعب.

فنفي عن البيت النصب والصخب لأنه ما من بيت في الدنيا يسكنه قوم إلا كان بين أهله صخب وجلبة، وإلا كان في بنائه وإصلاحه نصب وتعب، فأخبر أن قصور الجنة خالية عن هذه الآفات.

أقول: يريد بالوجه الثاني أن بناء بيت الجنة حاصل بقوله كن، ليس كأبنية الدنيا فإنها يتسبب بناؤها بصخب ونصب، وكذا السكون فيها لا يخلو عنهما، وليس حكم بيت الجنة كذلك بل أصحاب الجنة {هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون

} إلى قوله تعالى: {

سلام قولا من رب رحيم} والله أعلم.

الحديث الثالث عن عائشة رضي الله عنها:

قوله: ((ما غرت على خديجة)) ((ما)) فيه يجوز أن تكون مصدرية أو موصولة أي: ما غرت مثل غيرتي، أو مثل التي غرتها.

الغيرة: الحمية والأنفة، يقال: رجل غيور وامرأة غيرو بلا هاء لأن فعول يشترك فيه الذكر والأنثى.

قوله: ((كانت وكانت)) كرر ولم يرد به التثنية، ولكن للتكرير ليعلق به في كل مرة من خصائلها ما يدل على فضلها كقوله تعالى:{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً} ولم يذكر هنا متعلقة للشهرة تفخيماً.

ص: 3921

6188 -

وعن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أريتك في المنام ثلاث ليال، يجيء بك الملك في سرقة من حرير، فقال لي هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك الثوب، فإذا أنت هي فقلت: إن يكن هذا من عند الله يمضه)). متفق عليه.

6189 -

وعنها، قالت: إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، يبتغون

ــ

الحديث الرابع والخامس عن عائشة رضي الله عنها:

قوله: ((في سرقة)) أي في قطعة من جيد الحرير، والجمع سرق.

قوله: ((إن يكن هذا عند الله يمضه)) هذا الشرط مما يقوله المتحقق لثبوت الأمر المدل بصحته تقريراً لوقوع الجزاء وتحققه، ونحوه قول السلطان لمن تحت قهره: إن كنت سلطاناً انتقمت منك، أي السلطنة مقتضية للانتقام.

مح: قال: القاضي عياض: إن كانت هذه الرؤيا قبل النبوة، وقبل تخليص أحلامه صلى الله عليه وسلم من الأضغاث فمعناه: إن كانت رؤيا حق، وإن كانت بعد النبوة فلها ثلاثة معان:

أحدها: المراد إن تكن الرؤيا على وجهها وظاهرها لا تحتاج إلى تعبير وتفسير يمضه الله وينجزه، فالشك عائد إلى أنها رؤيا على ظاهرها أم تحتاج إلى تعبير وصرف عن ظاهرها.

وثانيها: أن المراد إن كانت هذه الزوجية في الدنيا يمضها الله تعالى فالشك أنها زوجه في الدنيا أم في الجنة.

وثالثها: أنه لم يشك ولكن أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك، وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهل العارف، وسماه بعضهم مزج الشك باليقين.

أقول: هذا هو الذي حققناه فيما سبق وكان من توارد الخواطر.

قوله: ((فكشفت عن وجهك)) يحتمل وجهين:

أحدهما: كشفت عن وجه صورتك فإذا أنت الآن تلك الصورة.

ثانيهما: كشفت عن وجهك عند ما شاهدتك فإذا أنت مثل الصورة التي رأيتها في المنام، وهو تشبيه بليغ حيث حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وحملها عليها، كقوله تعالى:{هذا الذي رزقنا من قبل} ومنه مسألة الكتاب: (كنت أظن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي) أي فإذا الزنبور مثل العقرب، فحذف الأداة مبالغة فحصل التشابه، وإليه يلمح في الآية:{وأتوا بها متشابها} ومعنى المفاجأة في إذا يساعد هذا الوجه.

الحديث السادس عن عائشة رضي الله عنها:

قوله: ((يتحرون)) هو الرواية وفي بعض نسخ المصابيح: ((يتحينون)) وما وجدناه في الأصول.

ص: 3922

بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت: إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليهده إليه حيث كان. فكلمته، فقال لها:((لا تؤذيني في عائشة؛ فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلى عائشة)). قالت: أتوب إلى الله من ذاك يا رسول الله! ثم إنهن دعون فاطمة فأرسلن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته، فقال:((يا بنية! ألا تحبين ما أحب؟)). قالت: بلى قال: ((فأحبي هذه)). متفق عليه.

وذكر حديث أنس ((فضل عائشة على النساء)) في باب ((بدء الخلق)) برواية أبي موسى.

الفصل الثاني

6190 -

عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بين محمد، وآسية امرأة فرعون)). رواه الترمذي [6190].

6191 -

وعن عائشة، أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((هذه زوجتك في الدنيا والآخرة)). رواه الترمذي [6191].

ــ

نه: التحري القصد والاجتهاد في الطلب، والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول، وفي الحديث:((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر)) أي تعمدوا طلبها فيه.

قوله: ((إلا عائشة)) إلا بمعنى غير، أي امرأة غير عائشة والله أعلم.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((حسبك)) مبتدأ.

و ((من نساء)) متعلق به.

و ((مريم)) خبره.

ص: 3923

6192 -

وعن أنس، قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال:((ما يبكيك؟)) فقالت: قالت لي حفصة: إني ابنة يهودي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟)). ثم قال: ((اتقي الله يا حفصة!)). رواه الترمذي، والنسائي [6192].

6193 -

وعن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة عام الفتح فناجاها، فبكت، ثم حدثها فضحكت، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عن بكائها وضحكها. قالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يموت فبكيت، ثم أخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران، فضحكت. رواه الترمذي.

الفصل الثالث

6194 -

عن أبي موسى، قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً. رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب [6194].

ــ

والخطاب إما عام أو لأنس، أي كافيك معرفتك فضلهن من معرفة سائر النساء.

الحديث الثاني والثالث عن أنس رضي الله عنه:

قوله: ((إنك لابنة نبي)) ((مظ)): أي إسحاق النبي عليه الصلاة والسلام.

((وإن عمك لنبي)) هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام.

أقول: الأظهر هارون وموسى، قال في جامع الأصول: هي بنت حيي بن أخطب بن ربيعة من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران عليه الصلاة والسلام.

الحديث الرابع عن أم سلمة رضي الله عنها:

قوله: ((دعا فاطمة)) هذا الحديث غير مناسب لهذا الباب إنما يناسب باب مناقب أهل البيت لكن ذكر مستطرداً للحديث الأول من هذا الفصل لما ضم فيه من ذكر خديجة ذكر مريم وفاطمة.

الفصل الثالث

عن أبي موسى رضي الله عنه: قوله: ((أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على الاختصاص.

ص: 3924